الصوفية لهم التصرف في الكون ..

الصوفية لهم التصرف في الكون ..


تعتبر مسألة التصرف بالكون معتقداً يكاد لا يغادر كتاباً من كتب الصوفية إلا ويصرح به ، باستثناء من قال منهم بالإتحاد والحلول ، والذي يقتضي التصرف في الكون أيضاً، فإن هناك من لا يقول بالاتحاد والحلول منهم ومع ذلك فإنه يصرح بأن الأولياء يتصرفون بالكون ، وهذا معتقد باطل ، قد أفتى علماء المسلمين بكفر من اعتقده.



قال ابن حجر الهيتمي: ومما يكون من الدعاء كفراً أيضاً أن يطلب الداعي ثبوت ما دلّ القاطع القطعي على نفيه مما يُخلّ بجلال الربوبية كأن يَعظُمَ شوق الداعي إلى ربه فسأله أن يحلّ في شيءٍ من مخلوقاته حتى يجتمع به أو أن يجعل التصرف في العالم بما أراده .


قال الإمام القرافي: وقد وقع هذا لجماعة من جهلة الصوفية ، ويقولون فلان أعطي كلمة (كن)، ويسألون أن يُعطوا كلمة (كن) التي في قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون}ومقتضى هذا الطلب الشركة في الملك وهو كفر .

الإعلام بقواطع الإسلام. مطبوع مع الزواجر ، صـفحة: [390]



وأما التصريح في كتبهم فأكثر من أن يحصى ، قال الشعراني: ((سيدنا ومولانا شمس الدين الحنفي كان رضي الله عنه من أجلاء مشايخ مصر وسادات العارفين صاحب الكرامات الظاهرة والأفعال الفاخرة والأحوال الخارقة والمقامات السنية)) إلى أن قال: ((وهو أحد من أظهره الله تعالى إلى الوجود ، وصرفه في الكون)).

طبقات الشعراني [2ـ88]



وجاء في كتاب "كنوز السعادة الأبدية" جمع وترتيب محسن بن عبد الله بن محسن بن علوي السقاف ما نصه: ((كان الشيخ عبد العزيز يقول: إن تصريفي يصل حتى إلى الجنان ، وإن الحور لا يفعلن شيئاً إلا بأمر مني. وهو الذي قال مرة لمريده: إن كنت تعتقد أن البِس ـ يعني القط ـ في جميع أقطار الأرض يأكل الفأر بغير إذن مني ، فما أحسنت الأدب معي)).

كنوز السعادة الأبدية. الصفحة [128]



وقال يوسف بن إسماعيل النبهاني: ((قال سيدنا أبو السعود بن الشبل البغدادي رضي الله عنه ، عاقل زمانه ، وقد سأله بعض من لا يكتمه من حاله شيئاً: هل أعطاك الله التصرف وهو أصل الكرامات.؟ فقال: نعم منذ خمسة عشر سنة ، وتركناه تظرفاً ، فالحق يتصرف لنا)).

جامع كرامات الأولياء [1ـ39]



قلت: وهذا الذي قاله النبهاني موجود عند ابن عربي في كتابه الفصوص ، صفحة: (129).



وقال الشعراني في ترجمة شمس الدين محمد الحنفي: ((وقال له سيدي علي بن وفا: ما تقول في رجل رحى الوجود بيده يدورها كيف شاء.؟ فقال له سيدي محمد رضي الله عنه: فما تقول فيمن يضع يده عليها فيمنعها أن تدور؟)).

طبقات الشعراني [2ـ88].



ويقول أحمد البريلوي مؤسس الطريقة البريلوية: ((إن الشيخ عبد القادر متصرف في العالم، ومأذون ومختار، وهو المدبر لأمور العالم)).

حدائق بخشش للبريلوي: [26].



وقال النبهاني: ((ومنهم الشيخ عبد الله أحد أصحاب سيدي عمر النبيتي كتب لي أنه رآني بحضرة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يقول للإمام علي بن أبي طالب ألبس عبد الوهاب الشعراني طاقيتي هذه وقل له يتصرف في الكون فما دونه مانع)).

جامع كرامات الأولياء [2ـ275].



وقال النبهاني أيضاً : ((ومن جملة القصص المشهورة أن الفقيه إسماعيل الحضرمي رضي الله عنه أنه قال يوماً لخادمه وهو في سفر يقول للشمس تقف حتى يصل إلى منزله وكان في مكان بعيد وقد قرب غروبها فقال لها الخادم ما تطلق ذلك المحبوس فأمرها الخادم بالغروب فغربت وأظلم الليل في الحال)).

نشر المحاسن الغالية [33].



وقال النبهاني : ((عبيد أحد أصحاب الشيخ حسين كان له خوارق مدهشة ومنها أنه يأمر السحاب أن يمطر فيمطر في ولوقته وكل من تعرض له بسوء قتله في الحال دخل مرة الجعفرية فتبعه نحو خمسين طفلان يضحكون عليه فقال: يا عزرائيل إن لم تقبض أرواحهم لأعزلنك من ديوان الملائكة فأصبحوا موتى أجمعين وقال له بعض القضاة : اسكت فقال له : اسكت أنت فخرس وعمي وصم)).

جامع كرامات الأولياء [2ـ286].



يقول الشيخ العلامة صنع الله الحنفي "رحمه الله" في الرد على الصوفية الذين يقولون بتصرف الأولياء في الكون في كتابه "سيف الله على من كذب على أولياء الله" : ((أما قولهم: إن للأولياء تصرفات في حياتهم وبعد الممات يرده قوله جلّ ذكره { أإله مع الله ألا له الخلق والأمر لله ما في السموات والأرض له ملك السموات والأرض}.

وما هو نحوه من الآيات الدالة على أنه المنفرد بالخلق والتصرف والتقدير، ولا شركة لغيره في شيء ما بوجه من الوجوه، فالكل تحت ملكه وقهره تصرفاً وملكاً، وإحياء وإماتة وخلقاً، وعلى هذا اندرج الأولون ومن بعدهم، وأجمع عليه المسلمون ومن تبعهم، وفاهوا به كما فاهوا بقولهم: لا إله إلا الله)).

سيف الله على من كذب على أولياء الله. صفحة: [28-30].



ثم واصل كلامه بهذا الصدد إلى أن قال في: ((وأما القول بالتصرف بعد الممات فهو أشنع وأبدع من القول بالتصرف في الحياة)).

سيف الله على من كذب على أولياء الله. صفحة [32]


وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه والحمد لله رب العالمين.


منقول ..