الإلهي الذي أخبر به الصادق المصدق أيضا عند أولئك إذا بقي ثلث ليلهم وهكذا إلى آخر العمارة . فلو كان كما توهمه الجاهل من أنه يكون تحت العرش وتكون فوقه السماء وتحته السماء ; لكان هذا ممتنعا من وجوه كثيرة . " منها " أنه لا يكون فوق العرش قط بل لا يزال تحته " ومنها " أنه يجب على هذا التقدير أن يكون الزمان بقدر ما هو مرات كثيرة جدا ليقع كذلك " ومنها " أنه مع دوام نزوله إلى سماء هؤلاء إلى طلوع فجرهم إن أمكن مع ذلك أن يكون قد نزل على غيرهم أيضا ممن ثلث ليلهم يخالف ثلث هؤلاء في التقديم والتأخير والطول والقصر . فهذا خلاف ما تخيلوه فإنهم لا يمكنهم أن يتخيلوا نازلا كنزول العباد من يكون نازلا على سماء هؤلاء ثلث ليلهم وهو أيضا في تلك الساعة نازلا على سماء آخرين مع أنه يجب أن يتقدم على أولئك أو يتأخر عنهم أو يزيد أو يقصر . وحكي عن بعض الجهال أنه قيل له : فالسموات كيف حالها عند نزوله ؟ قال : يرفعها ثم يضعها وهو قادر على ذلك . فهؤلاء الذين يتخيلون ما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم به ربه أنه مثل صفات أجسامهم كلهم ضالون ; ثم يصيرون قسمين . " قسم " علموا أن ذلك باطل وظنوا أن هذا ظاهر النص ومدلوله وأنه لا يفهم منه معنى إلا ذلك ; فصاروا : إما أن يتأولوه تأويلا يحرفون به الكلم عن مواضعه . وإما أن يقولوا : لا يفهم منه شيء ويزعمون أن هذا " مذهب السلف " . ويقولون : إن قوله : { وما يعلم تأويله إلا الله } يدل على أن معنى المتشابه لا يعلمه إلا الله والحديث منه متشابه - كما في القرآن - وهذا من متشابه الحديث ; فيلزمهم أن يكون الرسول الذي تكلم بحديث النزول لم يدر هو ما يقول ولا ما عني بكلامه - وهو المتكلم به ابتداء . فهل يجوز لعاقل أن يظن هذا بأحد من عقلاء بني آدم فضلا عن الأنبياء فضلا عن أفضل الأولين والآخرين وأعلم الخلق وأفصح الخلق وأنصح الخلق للخلق صلى الله عليه وسلم وهم مع ذلك يدعون أنهم أهل السنة وأن هذا القول الذي يصفون به الرسول وأمته هو قول أهل السنة . ولا ريب أنهم لم يتصوروا حقيقة ما قالوه ولوازمه . ولو تصوروا ذلك لعلموا أنه يلزمهم ما هو من أقبح أقوال الكفار في الأنبياء وهم لا يرتضون مقالة من ينتقص النبي صلى الله عليه وسلم ولو تنقصه أحد لاستحلوا قتله وهم مصيبون في استحلال قتل من يقدح في الأنبياء عليهم السلام وقولهم يتضمن أعظم القدح ; لكن لم يعرفوا ذلك . ولازم القول ليس بقول فإنهم لو عرفوا أن هذا يلزمهم ما التزموه . " وقسم ثان " من الممثلين لله بخلقه لما رأوا أن قول هؤلاء منكر وأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم حق قالوا مثل تلك الجهالات : من أنه تصير فوقه سماء وتحته سماء أو أن السموات ترتفع ثم تعود ونحو ذلك مما يظهر بطلانه لمن له أدنى عقل ولب . وقد ثبت في " الصحيحين " أنه ينزل وفي لفظ : { : ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر } وفي حديث آخر : { أقرب ما يكون الرب من عبده في جوف الليل الآخر } وفي صحيح مسلم : { إن الله ينزل إلى سماء الدنيا حين يمضي ثلث الليل } وفي صحيح مسلم أيضا : { إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله إلى سماء الدنيا } فما ذكر من تقدم اختلاف الليل في البلاد يبطل قول من يظن أنه يخلو منه العرش ويصير تحت العرش أو تحت السماء . وأما " النزول " الذي لا يكون من جنس نزول أجسام العباد ; فهذا لا يمتنع أن يكون في وقت واحد لخلق كثير ويكون قدره لبعض الناس أكثر بل لا يمتنع أن يقرب إلى خلق من عباده دون بعض فيقرب إلى هذا الذي دعاه دون هذا الذي لم يدعه . وجميع ما وصف به الرب عز وجل نفسه من القرب فليس فيه ما هو عام لجميع المخلوقات كما في المعية ; فإن المعية وصف نفسه فيها بعموم وخصوص . وأما قربه مما يقرب منه فهو خاص لمن يقرب منه كالداعي والعابد وكقربه عشية عرفة ودنوه إلى السماء الدنيا لأجل الحجاج وإن كانت تلك العشية بعرفة قد تكون وسط النهار في بعض البلاد وتكون ليلا في بعض البلاد ; فإن تلك البلاد لم يدن إليها ولا إلى سمائها الدنيا وإنما دنا إلى السماء الدنيا التي على الحجاج وكذلك نزوله بالليل . وهذا كما أن حسابه لعباده يوم القيامة يحاسبهم كلهم في ساعة واحدة وكل منهم يخلو به كما يخلو الرجل بالقمر ليلة البدر فيقرره بذنوبه وذلك المحاسب لا يرى أنه يحاسب غيره . كذلك { قال أبو رزين : للنبي صلى الله عليه وسلم لما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ما منكم من أحد إلا سيخلو به ربه كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر قال : يا رسول الله كيف ؟ ونحن جميع وهو واحد فقال : سأنبئك بمثل ذلك في آلاء الله : هذا القمر كلكم يراه مخليا به ; فالله أكبر } . وقال رجل لابن عباس رضي الله عنه : كيف يحاسب الله العباد في ساعة واحدة ؟ قال : كما يرزقهم في ساعة واحدة . وكذلك ما ثبت في " صحيح مسلم " عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { يقول الله : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين : فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد : { الحمد لله رب العالمين } قال الله : حمدني عبدي فإذا قال العبد : { الرحمن الرحيم } ; قال الله : أثنى علي عبدي فإذا قال العبد : { مالك يوم الدين } ; قال الله : مجدني عبدي فإذا قال العبد : { إياك نعبد وإياك نستعين } ; قال : هذه بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال : { اهدنا الصراط المستقيم } { صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } ; قال : هؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل } . فهذا يقوله سبحانه وتعالى : لكل مصل قرأ الفاتحة فلو صلى الرجل ما صلى من الركعات قيل له ذلك وفي تلك الساعة يصلي من يقرأ الفاتحة من لا يحصي عدده إلا الله وكل واحد منهم يقول الله له كما يقول لهذا كما يحاسبهم كذلك فيقول لكل واحد ما يقول له من القول في ساعة واحدة وكذلك سمعه لكلامهم يسمع كلامهم كله مع اختلاف لغاتهم وتفنن حاجاتهم ; يسمع دعاءهم سمع إجابة ويسمع كل ما يقولونه سمع علم وإحاطة لا يشغله سمع عن سمع ولا تغلطه المسائل ولا يتبرم بإلحاح الملحين فإنه سبحانه هو الذي خلق هذا كله وهو الذي يرزق هذا كله وهو الذي يوصل الغذاء إلى كل جزء من البدن على مقداره وصفته المناسبة له وكذلك من الزرع . وكرسيه قد وسع السموات والأرض ولا يئوده حفظهما فإذا كان لا يئوده خلقه ورزقه على هذه التفاصيل فكيف يئوده العلم بذلك أو سمع كلامهم أو رؤية أفعالهم أو إجابة دعائهم سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون } وهذه الآية مما تبين خطأ هؤلاء فإنه سبحانه وتعالى قال : { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون } وقد ثبت في " الصحيحين " من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { يقبض الله الأرض ويطوي السموات بيمينه ويقول أنا
|