اعلانات
اعلانات     اعلانات
 


﴿بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ ۝1 ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِينَ ۝2 ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ ۝3 مَـٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ ۝4 إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ ۝5 ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَ ٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ۝6 صِرَ ٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّاۤلِّينَ ۝7﴾ [الفاتحة: 1-7] * سورة الفاتحة مكية

سُمِّيت سورةَ الفاتحة لافتتاح كتاب الله بها، وتسمَّى أم القرآن لاشتمالها على موضوعاته، من توحيد لله، وعبادة، وغير ذلك، وهي أعظم سورة في القرآن، وهي السَّبعُ المثاني.


           :: خطوات علاج سحر تعطيل الزواج بالتفصيل !! (آخر رد :ابن الورد)       :: القـــــــــرين . (آخر رد :ابن الورد)       :: هل السحر يقطع الرزق بأنواعه ؟ وكيف اعرف ؟ (آخر رد :ابن الورد)       :: تأثير السحر علي الأبناء وازاي نحمي أولادنا من السحر و الحسد ؟! (آخر رد :ابن الورد)       :: إزاي تعرف أنك محسود أو مسحور أو معيون ؟! (آخر رد :ابن الورد)       :: حل النحس و قلة الحظ وعدم التوفيق.... لو حاسس انك منحوس الفيديو ده ليك 👇🏻. (آخر رد :ابن الورد)       :: ازاي تعرف إن معمولك سحر ومين اللي عمله.... آيات كشف السحر لأول مرة !! (آخر رد :ابن الورد)       :: 1:13 / 8:21 علاقة السحر بالزواج ؟ سحر تعطيل الزواج و علاجه ! (آخر رد :ابن الورد)       :: هل الجن يتلبس الإنسان ويتكلم علي لسانه فعلاً في الحقيقة ؟! (آخر رد :ابن الورد)       :: 1:37 / 8:02 حقيقة وجود القرين وخطورته علي الإنسان ؟! وماهو سحر القرين ! (آخر رد :ابن الورد)      

 تغيير اللغة     Change language
Google
الزوار من 2005:
Free Website Hit Counter

المكتــــــبة العــــــــــــــامة ( Public Library ) للكتب والأبحاث العلمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16 Mar 2010, 04:43 AM   #71
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


القـرآن
)وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (البقرة:91)
التفسير:
.{ 91 } قوله تعالى: { وإذا قيل لهم } أي لليهود؛ وأبهم القائل ليكون شاملاً لكل من قال لهم هذا القول: إما الرسول صلى الله عليه وسلم وإما غيره؛ { آمنوا بما أنزل الله } أي صدِّقوا به مع قبوله، والإذعان له؛ لأن الإيمان شرعاً: التصديق مع القبول، والإذعان؛ وليس كل من صدق يكون مؤمناً حتى يكون قابلاً مذعناً؛ والدليل على ذلك أن أبا طالب كان مصدقاً برسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن مؤمناً؛ لأنه لم يقبل، ولم يذعن؛ و "ما" اسم موصول؛ المراد به: القرآن العظيم؛ و{ أنزل الله } أي من عنده..
قوله تعالى: { قالوا }: هذا جواب: { إذا }؛ { نؤمن بما أنزل علينا } يعنون به التوراة؛ { ويكفرون بما وراءه} يعنون به القرآن؛ و "وراء" هنا بمعنى سوى؛ { وهو الحق }: هذه الجملة حال من "ما" في قوله تعالى: { بما وراءه } يعني أن هذا الذي كفروا به هو الحق؛ وضده الباطل . وهو الضائع سدىً الذي لا يستفاد منه؛ أما الحق فهو الثابت المفيد النافع؛ وهذا الوصف بلا شك ينطبق على القرآن؛ { مصدقاً }: حال أيضاً من { هو } أي الضمير؛ وسبق معنى كونه مصدقاً لما معهم؛ وقوله تعالى هنا: { لما معهم } يعني التوراة..
ثم قال تعالى مكذباً لقولهم: { نؤمن بما أنزل علينا }: { قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين }؛ الخطاب في { قل } إما للرسول صلى الله عليه وسلم؛ وإما لكل من يتأتى خطابه؛ { فلم }: اللام حرف جر؛ و "ما" اسم استفهام دخل عليه حرف جر، فوجب حذف ألفها للتخفيف؛ والاستفهام للإنكار، والتوبيخ؛ يعني لو كنتم صادقين بأنكم تؤمنون بما أنزل عليكم فلم تقتلون أنبياء الله؛ لأن قتلهم لأنبياء الله مستلزم لكفرهم بهم . أي بأنبياء الله؛ { من قبل } أي من قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم
وقوله تعالى: { أنبياء } فيها قراءتان: { أنبئاء } بالهمزة؛ و{ أنبياء } بالياء، مثل: "النبي" ، و "النبيء" ؛ و"النبيء" جمعه أنبئاء؛ و"النبي" جمعه أنبياء..

الفوائد:
.1 من فوائد الآية: أن القرآن كلام الله؛ لقوله تعالى: { آمنوا بما أنزل الله }؛ لأن ما أنزل الله هو القرآن . وهو كلام؛ والكلام ليس عيناً قائمة بذاتها؛ بل هو صفة في غيره؛ فإذا كان صفة في غيره، وهو نازل من عند الله لزم أن يكون كلام الله عزّ وجلّ..
.2 ومنها: علوّ الله سبحانه وتعالى؛ لأنه إذا كان القرآن كلامه، وهو نازل من عنده دلَّ على علوّ المتكلم به
.3 ومنها: كذب اليهود في قولهم: { نؤمن بما أنزل علينا }؛ لأنهم لو آمنوا به لآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر...} [الأعراف: 157] إلخ..
.4 ومنها: عتوّ اليهود، وعنادهم؛ لأنهم يقولون: لا نؤمن إلا بما أنزل علينا..
.5 ومنها: أن من دُعي إلى الحق من هذه الأمة، وقال: "المذهب كذا، وكذا" . يعني ولا أرجع عنه ففيه شبه من اليهود . لأن الواجب إذا دعيت إلى الحق أن تقول: "سمعنا وأطعنا"؛ ولا تعارضه بأي قول كان، أو مذهب..
.6 ومنها: وجوب قبول الحق من كل من جاء به..
.7 ومنها: إفحام الخصم بإقامة الحجة عليه من فعله؛ ووجه ذلك أن الله أقام على اليهود الحجة على فعلهم؛ لأنهم قالوا: نؤمن بما أنزل علينا وهم قد قتلوا أنبياء الله الذين جاءوا بالكتاب إليهم؛ فإن قولهم: { نؤمن بما أنزل علينا } ليس بحق؛ لأنه لو كانوا مؤمنين حقيقة ما قتلوا الأنبياء؛ ولهذا قال تعالى: ( قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ).
القـرآن
)وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ) (البقرة:92)
التفسير:
.{ 92 } قوله تعالى: { ولقد جاءكم موسى }: الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: القسم المقدر، واللام الموطئة للقسم . وهي للتوكيد؛ و "قد" وهي هنا للتحقيق؛ لأنها دخلت على الماضي؛ و{ جاءكم }: الخطاب لليهود؛ والدليل على أنه لليهود قوله تعالى: { موسى }؛ لأن موسى نبيهم؛ وهنا خاطبهم باعتبار الجنس لا باعتبار الشخص؛ إذ إن موسى لم يأت هؤلاء الذين كانوا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لكنه أتى بني إسرائيل الذين هؤلاء منهم..
قوله تعالى: { بالبينات }: الباء للمصاحبة، أو للتعدية؛ يعني: جاءكم مصحوباً بالبينات؛ أو أن البينات هي التي جيء بها، فتكون للتعدية؛ و "البينات" صفة لموصوف محذوف؛ والتقدير: بالآيات البينات . أي بالعلامات الدالة على رسالته؛ ومنها: اليد، والعصا، والحجر، وفلق البحر، والجراد الذي أرسل على آل فرعون، والسنون، وأشياء كثيرة، مثل القمل، والضفادع، والدم..
قوله تعالى: { ثم }: تفيد الترتيب بمهلة . يعني ثم بعد أن مضى عليكم وقت أمكنكم أن تتأملوا في هذه الآيات، وأن تعرفوها: الذي حصل أنكم لم ترفعوا بها رأساً: { اتخذتم العجل }: "اتخذ" من أفعال التصيير، كقوله تعالى: {واتخذ الله إبراهيم خليلًا} [النساء: 125] يعني صيَّره؛ إذاً هي تنصب مفعولين أصلهما المبتدأ، والخبر؛ المفعول الأول: { العجل }؛ والمفعول الثاني محذوف تقديره: إلهاً؛ وحذف للعلم به، كما قال ابن مالك في الألفية:.
(وحذف ما يعلم جائز و{ العجل } هو ولد البقرة،) وليس عجلاً من حيوان؛ ولكنه عجل من حلي: صنعوا من الحلي مجسماً كالعجل، وجعلوا فيه ثقباً تدخله الريح، فيكون له صوت كخوار الثور، فأغواهم السامري، وقال لهم: هذا إلهكم وإله موسى فنسي؛ لأن موسى كان قد ذهب منهم لميقات ربه على أنه ثلاثون يوماً، فزاد الله تعالى عشراً، فصار أربعين يوماً؛ فقال لهم السامري: إن موسى ضلّ عن إلهه؛ ولهذا تخلف، فلم يرجع؛ فهو قد ضلّ، ولم يهتد إلى إلهه؛ فهذا إلهكم، وإله موسى، فاتَّخِذوه إلهاً..
قوله تعالى: { من بعده } أي من بعد ذهاب موسى لميقات ربه؛ لأن موسى رجع إليهم، وقال للسامري عن إلهه: {لنحرقنه ثم لننسفنَّه في اليم نسفاً} [طه: 97] ؛ وجرى هذا: فحرقه موسى صلى الله عليه وسلم، ونسفه في البحر..
قوله تعالى: { وأنتم ظالمون } أي معتدون؛ وأصل الظلم النقص، كما في قوله تعالى: {كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً} [الكهف: 33] ؛ وسمي العدوان ظلماً؛ لأنه نقص في حق المعتدى عليهم؛ وجملة: { وأنتم ظالمون } حال في موضع النصب من فاعل { اتخذتم } أي والحال أنكم ظالمون؛ وهذا أبلغ في القبح: أن يعمل الإنسان العمل القبيح وهو يعلم أنه ظالم..
الفوائد:
.1 من فوائد الآية: إقامة البرهان على عناد اليهود؛ ووجه ذلك أنه قد جاءهم موسى بالبينات، فاتخذوا العجل إلهاً..
2 . ومنها: سفاهة اليهود، وغباوتهم، لاتخاذهم العجل إلهاً مع أنهم هم الذين صنعوه..
.3 ومنها: أن اليهود اغتنموا فرصة غياب موسى مما يدل على هيبتهم له؛ لقوله تعالى: { من بعده } يعني من بعد ذهاب موسى إلى ميقات ربه..
.4 ومنها: أن اليهود عبدوا العجل عن ظلم، وليس عن جهل؛ لقوله تعالى: ( وأنتم ظالمون )

القـرآن
)وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (البقرة:93)
التفسير:
.{ 93 } قوله تعالى: { وإذ أخذنا ميثاقكم }: { إذ } تأتي في القرآن كثيراً؛ والمعربون يعربونها بأنها مفعول لفعل محذوف؛ تقديره: اذكر؛ وإذا كان الخطاب لأكثر من واحد يقدر: اذكروا، أي اذكروا إذ أخذنا ميثاقكم؛ و "الميثاق" : العهد؛ وسمي العهد ميثاقاً؛ لأنه يتوثق به..
قوله تعالى: { ورفعنا فوقكم الطور } وهو الجبل المعروف؛ رفعه الله عزّ وجلّ على رؤوسهم تهديداً لهم؛ فجعلوا يشاهدونه فوقهم كأنه ظلة؛ فسجدوا خوفاً من الله عزّ وجلّ، وجعلوا ينظرون إلى الجبل وهم يتضرعون إلى الله سبحانه وتعالى بكشف كربتهم؛ ولهذا ذكر بعض أهل العلم عن اليهود أنهم يرون أن أفضل سجدة يسجدون لله بها أن يسجدوا وقد أداروا وجوههم إلى السماء؛ يقولون: هذه السجدة أنجانا الله بها؛ فهي أشرف سجدة عندنا..
قوله تعالى: { خذوا } فعل أمر؛ وهو في محل نصب مقولاً لقول محذوف . أي: قلنا: خذوا . { ما أتيناكم } أي ما أعطيناكم؛ والمراد به التوراة { بقوة } أي بجدٍّ، ونشاط؛ فالجد: العزيمة الثابتة؛ والنشاط: القوة في التنفيذ؛ { واسمعوا } أي سماع قبول، واستجابة؛ فأمروا بأن يأخذوا بالتوراة بقوة، وأن يسمعوا، ويستجيبوا، وينقادوا؛ وكان الجواب: { قالوا سمعنا } أي بآذاننا؛ { وعصينا } أي بأفعالنا؛ فما سمعوا السمع الذي طُلب منهم؛ ولكنهم استكبروا عنه؛ وظاهر الآية الكريمة أنهم قالوا ذلك لفظاً: { سمعنا وعصينا }؛ وقال بعضهم: قالوا: { سمعنا } بألسنتهم، وعصوا بأفعالهم؛ فيكون التعبير بالعصيان هو عبارة عن أفعالهم، وأنهم لم يقولوا بألسنتهم: { وعصينا }؛ وهذا ضعيف؛ لأن الواجب حمل اللفظ على ظاهره حتى يقوم دليل صحيح على أنه غير مراد، ولأنه لا يمتنع أن يقولوا: "سمعنا وعصينا" بألسنتهم وهم الذين قالوا لموسى: {لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} [البقرة: 55] ؛ فالذين تجرأوا أن يقولوا: {لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} يتجرءون أن يقولوا: { سمعنا وعصينا } بألسنتهم؛ وكأن الذين قالوا: إن المراد بالمعصية هنا فعل المعصية؛ وليس معناه أنهم قالوا بألسنتهم: { وعصينا } كأنهم قالوا: إنهم التزموا بهذا والجبل فوق رؤوسهم؛ ومن كان هذه حاله لا يمكن أن يقول: "سمعنا، وعصينا" والجبل فوقه؛ ويمكن الجواب عن هذا بأنهم قالوا ذلك بعد أن فُرِّج عنهم؛ و"العصيان": هو الخروج عن الطاعة بترك المأمور، أو فعل المحظور؛ فمن ترك الجماعة وهي واجبة عليه فهو عاصٍ؛ ومن زنى، أو سرق، أو شرب الخمر فهو أيضاً عاصٍ لله. ورسوله..
قوله تعالى: { وأُشربوا في قلوبهم العجل }: قال بعضهم: إنه على تقدير مضاف؛ والتقدير: أشربوا في قلوبهم حب العجل؛ لأن العجل نفسه لا يمكن أن يشرب في القلب؛ ومعنى { أشربوا }: أنه جُعل هذا الحب كأنه ماء سقي به القلب؛ إذاً امتزج بالقلب كما يمتزج الماء بالمدر إذا أشرب إياه؛ والمدر هو الطين اليابس؛ فهذا القلب أشرب فيه حب العجل، ولكن عبر بالعجل عن حبه؛ لأنه أبلغ؛ فكأن نفس العجل دخل في قلوبهم؛ والذي أشرب هذا في قلوبهم هو الله سبحانه وتعالى؛ ولكن من بلاغة القرآن أن ما يكرهه الله يعبر عنه غالباً بالبناء لما لم يسم فاعله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "والشر ليس إليك"(144) ، وقال الله تعالى عن الجن: {وأنَّا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً} [الجن: 10] ؛ ففي الشر قالوا: {أريد} ، ولم ينسبوه إلى الله؛ أما الرشد فنسبوه إلى الله عزّ وجلّ..
قوله تعالى: { بكفرهم }: الباء هنا للسببية؛ أي بسبب كفرهم بالله السابق على عبادة العجل؛ لأنهم قد نووا الإثم قبل أن يقعوا فيه؛ فصاروا كفاراً به، ثم أشربوا في قلوبهم العجل حتى صاروا لا يمكن أن يتحولوا عنه: قال لهم هارون صلى الله عليه وسلم {يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري} [طه: 90] ؛ ولكن كان جوابهم لهارون: {لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى} [طه: 91] ؛ فأصروا؛ لأنهم أشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم..
قوله تعالى: { قل }: يخاطب الله سبحانه وتعالى النبي صلى الله عليه وسلم أو يخاطب كل من يصح توجيه الخطاب إليه . أي قل أيها النبي؛ أو قل أيها المخاطب؛ { بئسما يأمركم به إيمانكم }: "بئس" فعل ماض يراد به إنشاء الذم؛ و "ما" نكرة مبنية على السكون في محل نصب تمييز، يعني: بئس شيئاً يأمركم به إيمانكم عبادةُ العجل؛ يعني: إذا كان عبادة العجل هو مقتضى إيمانكم فإن إيمانكم قد أمركم بأمر قبيح؛ يعني: أين إيمانكم وأنتم قد أشرب في قلوبكم العجل؟! وأن هذا الإيمان الذي زعمتموه هو الذي حبب إليكم عبادة العجل، وعبدتموه..
قوله تعالى: { إن كنتم مؤمنين } أي صادقين في دعوى الإيمان؛ و{ إن } شرطية، والمقصود بها التحدي؛ يعني: إن كنتم مؤمنين حقيقة فكيف يأمركم إيمانكم بهذا العمل القبيح!!!.
الفوائد:.
.1 من فوائد الآية: أن الله تعالى أخذ الميثاق على بني إسرائيل بالإيمان؛ لقوله تعالى: { وإذ أخذنا ميثاقكم... } إلخ..
.2ومنها: أن بني إسرائيل ما آمنوا إلا عن كره؛ لأنهم لم يؤمنوا إلا حين رفع فوقهم الطور..
.3 ومنها: بيان قدرة الله عزّ وجلّ..
.4 ومنها: أن أمر الكون كله بيد الله عزّ وجلّ، وأنه سبحانه وتعالى قادر على خرق العادات؛ لقوله تعالى: { ورفعنا فوقكم الطور..
.5 ومنها: وجوب تلقي شريعة الله بالقوة دون الكسل والفتور، لقوله تعالى: { خذوا ما آتيناكم بقوة }..
.6 ومنها: بيان عتوّ بني إسرائيل؛ لقوله تعالى: { قالوا سمعنا وعصينا }؛ وهذا أبلغ ما يكون في العتوّ؛ لأنه كان يمكن أن يكون العصيان عن جهل؛ لكنهم قالوا: { سمعنا وعصينا }..
.7 ومنها: أن السمع نوعان: سمع استجابة، وسمع إدراك؛ مثال الأول: { خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا }؛ ومثال الثاني: ( سمعنا وعصينا )
.8 ومنها: أن المؤمن حقاً لا يأمره إيمانه بالمعاصي؛ لقوله تعالى: { إن كنتم مؤمنين } يعني إن كنتم مؤمنين حقاً ما اتخذتم العجل إلهاً..
.9 ومنها: أن الشر لا يسنده الله تعالى إلى نفسه؛ بل يذكره بصيغة المبني لما لم يُسمَّ فاعله؛ لقوله تعالى: { وأشربوا في قلوبهم }؛ ولهذا نظير من القرآن، كقوله تعالى: {وأنَّا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً} [الجن: 10] ؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "والشر ليس إليك"(145) ؛ فالشر في المفعول. لا في الفعل؛ الخير والشر كل من خلْق الله عزّ وجلّ؛ لكن الشر بالنسبة لإيجاد الله له هو خير، وليس بشر؛ لأن الله سبحانه وتعالى ما أوجده إلا لحكمة بالغة، وغاية محمودة . وإن كان شراً . لكن الشر في المفعولات. أي المخلوقات؛ وأما نفس الفعل فهو ليس بشر؛ أرأيت الرجل يكوي ابنه بالنار . والنار مؤلمة محرقة . لكنه يريد أن يُشفى . فهذا المفعول الواقع من الفاعل شر مؤلم محرق لكن غايته محمودة . وهو شفاء الولد؛ فيكون خيراً باعتبار غايته..
.10 ومن فوائد الآية: أن الله تعالى قد يبتلي العبد، فيملأ قلبه حباً لما يكرهه الله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى:
( وأشربوا في قلوبهم العجل ).
.11 ومنها: أن الإيمان الحقيقي لا يحمل صاحبه إلا على طاعة الله؛ لقوله تعالى: ( قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين).



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 16 Mar 2010, 04:44 AM   #72
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


القـرآن
)قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة:94)وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (البقرة:95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) (البقرة:96)
التفسير:
.{ 94 . 95 } قوله تعالى: { قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس }: { كانت } هنا ناقصة، وخبرها يجوز أن يكون الجار والمجرور في قوله تعالى: { لكم }؛ وتكون { خالصة } حالاً من { الدار } . يعني: حال كونها خالصة من دون الناس؛ ويجوز أن يكون الخبر: { خالصة }؛ والمعنى واحد؛ والمراد بـ{ الدار الآخرة } الجنة؛ وإنما قال تعالى ذلك؛ لأنهم قالوا: "لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة، وبعدها تخلفوننا أنتم في النار؛ ونكون نحن في الجنة" . هذا كلام اليهود؛ والذي يقول هذا الكلام يدعي أن الدار الآخرة خالصة . أي خاصة . له من دون الناس، وأن المستحق للنار منهم يدخلها أياماً معدودة، ثم يخرج إلى الجنة..
قوله تعالى: { فتمنوا الموت } أي اطلبوا حصوله { إن كنتم صادقين } أي في دعواكم أن الدار الآخرة خالصة لكم من دون الناس؛ لأنها حينئذٍ تكون لكم خيراً من الدنيا؛ فتمنوا الموت لتصلوا إليها؛ وهذا تحدٍّ لهم؛ ولهذا قال الله تعالى هنا: { ولن يتمنوه أبداً }؛ وفي سورة الجمعة قال تعالى: {ولا يتمنونه أبداً} [الجمعة: 7] وذلك؛ لأنهم يعلمون كذب دعواهم أن لهم الدار الآخرة خالصة..
وظاهر الآية الكريمة على ما فسرنا أن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتحداهم بأنه إن كانت الدار الآخرة لهم كما يزعمون فليتمنوا الموت لِيَصِلوا إليها؛ وهذا لا شك هو ظاهر الآية الكريمة؛ وهو الذي رجحه ابن جرير، وكثير من المفسرين؛ وذهب بعض العلماء إلى أن المراد بقوله تعالى: { فتمنوا الموت } أي فباهلونا، وتمنوا الموت لمن هو كاذب منا؛ فتكون هذه مثل قوله تعالى في سورة آل عمران: {فمن حاجَّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين} [آل عمران: 61] ؛ فيكون المعنى: تمنوا الموت عن طريق المباهلة؛ ورجح هذا ابن كثير؛ وضعف الأول بأنه لو كان المراد: تمنوا حصول الموت لكانوا يحتجون أيضاً علينا نحن، ويقولون: أنتم أيضاً إن كنتم تقولون: إن الدار الآخرة لكم فتمنوا الموت؛ لأن تحديكم إيانا بذلك ليس بأولى من تحدينا إياكم به؛ لأنكم أنتم أيضاً تقولون: إن الدار الآخرة لكم، وأن اليهود بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم في النار؛ فتمنوا الموت أنتم أيضاً، والجواب عن ذلك أنا لم ندع أن الدار الآخرة خالصة لنا من دون الناس؛ بل نؤمن بأن الدار الآخرة لكل من آمن وعمل صالحاً سواء كان من هذه الأمة أم من غيرها؛ وهذا المعنى الذي نحا إليه ابن كثير . رحمه الله . مخالف لظاهر السياق؛ فلا يعوَّل عليه؛ وقد عرفت الانفكاك منه..
.{ 96 } قوله تعالى: { ولتجدنهم أحرص الناس على حياة }؛ اللام في { لتجدنهم } موطئة للقسم؛ والنون للتوكيد؛ وعليه تكون الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: القسم، واللام، والنون؛ والضمير الهاء يعود على اليهود؛ و{ أحرص } اسم تفضيل؛ و "الحرص" هو أن يكون الإنسان طامعاً في الشيء مشفقاً من فواته؛ والحرص يستلزم بذل المجهود؛ ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز"(146) ؛ ونكر { حياة } ليفيد أنهم حريصون على أيّ حياة كانت . وإن قلّت؛ حتى لو لم يأتهم إلا لحظة فهم أحرص الناس عليها..
قوله تعالى: { ومن الذين أشركوا } أي الشرك الأكبر؛ واختلف المفسرون فيها؛ فمنهم من قال: هو مستأنف، والكلام منقطع عما قبله؛ والتقدير: ومن الذين أشركوا من يود أحدهم لو يعمر...؛ وهذا وإن كان محتملاً لفظاً، لكنه في المعنى بعيد جداً؛ ومنهم من قال: إنه معطوف على قوله تعالى: { الناس } يعني: ولتجدنهم أحرص الناس، وأحرص من الذين أشركوا؛ يعني: اليهود أحرص من المشركين على الرغم من أن اليهود أهل كتاب يؤمنون بالبعث، وبالجنة، وبالنار؛ والمشركون لا يؤمنون بذلك، والذي لا يؤمن بالبعث يصير أحرص الناس على حياة؛ لأنه يرى أنه إذا مات انتهى أمره، ولا يعود؛ فتجده يحرص على هذه الحياة التي يرى أنها هي رأس ماله؛ وهذا القول هو الصواب..
قوله تعالى: { يود أحدهم لو يعمر ألف سنة }؛ "الود" خالص المحبة؛ والضمير في { أحدهم } يعود على المشركين لا غير . على القول الأول: أي أن قوله تعالى: { ومن الذين أشركوا } مستأنف؛ وعلى القول الثاني: يحتمل أن يكون الضمير عائداً على اليهود؛ ويصير انقطع الكلام عند قوله تعالى: { أشركوا }؛ ويحتمل أن يكون عائداً إلى المشركين؛ ويرجحه أمران:.
أحدهما: أن الضمير في الأصل يعود إلى أقرب مذكور؛ والمشركون هنا أقرب..
والثاني: أنه إذا كان المشرك يود أن يعمر ألف سنة، وكان اليهودي أحرص منه على الحياة، فيلزم أن يكون اليهودي يتمنى أن يعمر أكثر من ألف سنة..
وقوله تعالى: { لو يعمر } أي لو يزاد في عمره؛ و"العمر" هو الحياة؛ و{ لو } هنا مصدرية؛ وكلما جاءت بعد "ود" فهي مصدرية، كما في قوله تعالى: {ودوا لو تدهن فيدهنون} [القلم: 9] ، وقوله تعالى:
{ يودوا لو أنهم بادون في الأعراب } [الأحزاب: 20] ؛ ومعنى "مصدرية" أنها بمعنى "أنْ" تؤول، وما بعدها بمصدر، فيقال في الآية . { يود أحدهم لو يعمَّر ألف سنة }: يود أحدهم تعميره ألف سنة؛ و "السنة" هي العام؛ والمراد بها هنا السنة الهلالية . لا الشمسية . لأن الكلمات إذا أطلقت تحمل على الاصطلاح الشرعي؛ وقد قال الله تعالى: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم} [التوبة: 36] ؛ فالميقات الذي وضع الله للعباد إنما هو بالأشهر الهلالية، كما قال تعالى: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} [البقرة: 189] ، وكما قال تعالى في القمر: {وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب} [يونس: 5] ..
قوله تعالى: { وما هو بمزحزحه من العذاب } أي بدافعه، ومانعه؛ { أن يعمر }: { أن }، والفعل بعدها فاعل "زحزح" ؛ والتقدير: وما هو بمزحزحه تعميره؛ لأن "مزحزح" اسم فاعل يعمل عمل فعله؛ والمعنى أنه لو عُمِّر ألف سنة، أو أكثر وهو مقيم على معصية الله تعالى فإن ذلك لن يزحزحه من العذاب؛ بل إن الإنسان إذا ازداد عمره وهو في معصية الله ازداد عذابه؛ ولهذا جاء في الحديث: "شرُّكم من طال عمره، وساء عمله"(147).
قوله تعالى: { والله بصير بما يعملون }: { بصير } هنا بمعنى عليم؛ أي أنه جَلَّ وعلا عليم بكل ما يعملونه في السر، والعلانية من عمل صالح، وعمل سيء..
الفوائد:
.1 من فوائد الآيات: تكذيب اليهود الذين قالوا: "لنا الآخرة، ولكم الدنيا، لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة"؛ ووجهه: أن الله تعالى قال لهم: { فتمنوا الموت }، وقد قال تعالى: { ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم
2 . ومنها: أنَّ الكافر يكره الموت لما يعلم من سوء العاقبة؛ لقوله تعالى: ( بما قدمت أيديهم ).
.3 ومنها: إثبات السببية . تؤخذ من الباء في قوله تعالى: ( بما قدمت أيديهم ).
.4 منها: إثبات علم الله تعالى للمستقبل؛ لقوله تعالى: { ولن يتمنوه أبداً }؛ فوقع الأمر كما أخبر به..
.5 ومنها: جواز تخصيص العموم لغرض؛ لقوله تعالى: { والله عليم بالظالمين } فخص علمه بالظالمين تهديداً لهم..
.6 ومنها: أن اليهود أحرص الناس على حياة..
.7 ومنها: إبطال قولهم: "لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة"، ثم يخرجون منها، ويكونون في الجنة؛ لأن من كان كذلك لا يكره الموت..
.8 ومنها: أن الناس يتفاوتون في الحرص على الحياة؛ لقوله تعالى: { أحرص }؛ و{ أحرص } اسم تفضيل
.9 ومنها: أن المشركين من أحرص الناس على الحياة، وأنهم يكرهون الموت؛ لقوله تعالى: { ومن الذين أشركوا } مما يدل على أنهم في القمة في كراهة الموت ما عدا اليهود..
10 . ومنها: أن طول العمر لا يفيد المرء شيئاً إذا كان في معصية الله؛ لقوله تعالى: ( وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر ).
.11 ومنها: غَوْرُ فهم السلف حين كرهوا أن يُدْعَى للإنسان بالبقاء؛ فإن الإمام أحمد كره أن يقول للإنسان: "أطال الله بقاءك"؛ لأن طول البقاء قد ينفع، وقد يضر؛ إذاً الطريق السليم أن تقول: "أطال الله بقاءك على طاعة الله"، أو نحو ذلك..
.12 ومنها: أن الله سبحانه وتعالى محيط بأعمال هؤلاء كغيرهم؛ لقوله تعالى: { والله بصير بما يعملون }؛ والبصر هنا بمعنى العلم؛ ويمكن أن يكون بمعنى الرؤية؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم "لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه"(148) ؛ فأثبت لله بصراً؛ لكن تفسيره بالعلم أعم..
القـرآن
)قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (البقرة:97)( مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) (البقرة:98)
التفسير:
.{ 97 } قوله تعالى: { قل } أي يا محمد؛ ويجوز أن يكون المراد: كل من يتوجه إليه الخطاب؛ { من كان عدواً لجبريل } أي معادياً له؛ "وجبريل" هو الملَك الموكل بالوحي؛ وكان اليهود يعادونه، ويقولون: "إنه ينْزل بالعذاب"؛ { فإنه نزله على قلبك }: فيه إعرابان: الأول: أن الجملة جواب الشرط؛ ووجه ارتباطه بفعل الشرط من الناحية المعنوية تأكيد ذم هؤلاء اليهود المعادين لجبريل، كأنه لم يكن فيه ما يوجب العداوة إلا أنه نزله على قلبك؛ وهذا يشبه تأكيد المدح بما يشبه الذم، كقول القائل:.
(ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب) فالمعنى: من كان عدواً لجبريل فلا موجب لعداوته إلا أنه نزله . أي القرآن . على قلبك؛ وهذا الوصف يقتضي ولايته . لا عداوته؛ وقيل: إن جواب الشرط محذوف؛ والتقدير: من كان عدواً لجبريل فليمت غيظاً؛ لكن الإعراب الأول أصح، وأبلغ..
وقوله تعالى: { على قلبك } أي قلب النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهذا كقوله تعالى: {نزل به الروح الأمين * على قلبك} [الشعراء: 193، 194] ؛ وإنما كان نزوله على قلبه؛ لأن القلب محل العقل، والفهم، كما قال تعالى: {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها} [الحج: 46] ..
قوله تعالى: { بإذن الله } أي بإذنه الكوني القدري؛ { مصدقا لما بين يديه }: حال من الضمير . الهاء. في قوله تعالى { نزله }؛ يعني نزله حال كونه مصدقاً لما بين يديه . أي لما سبقه من الكتب، كالتوراة، والإنجيل، وغيرهما من الكتب التي أخبرت عن نزول القرآن؛ وسبق بيان معنى تصديق القرآن لما بين يديه.
قوله تعالى: { وهدًى } أي دلالة؛ { وبشرى } أي بشارة؛ و"البشارة" الإخبار بما يسر؛ وقد تأتي في الإخبار بما يضر، مثل قوله تعالى: { فبشره بعذاب أليم } [لقمان: 7] ؛ و{ للمؤمنين } متعلق بـ{ بشرى }؛ وإنما كان بشرى للمؤمنين خاصة؛ لأنهم الذين قبلوه، وانتفعوا به؛ "المؤمنون" أي الذين آمنوا بما يجب الإيمان به مع القبول، والإذعان؛ لأن الإيمان يدل على أمن، واستقرار؛ ولهذا قال بعض العلماء: إنه يكون في الأمور الغيبية دون الأمور المحسوسة..
.{ 98 } قوله تعالى: { من كان عدواً لله } أي معادياً له مستكبراً عن عبادته..
قوله تعالى: { وملائكته } يعني وعدواً لملائكته؛ و "الملائكة" جمع ملَك؛ وهم عالم غيبي خلقهم الله عزّ وجلّ من نور، وسخرهم لعبادته يسبحون الليل، والنهار لا يفترون؛ ومنهم جبريل، وميكائيل، وإسرافيل الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر أسماءهم في افتتاح صلاة الليل(149) ..
قوله تعالى: { ورسله } جمع رسول؛ وهم الذين أوحى الله تعالى إليهم بشرع، وأمرهم بتبليغه؛ أولهم نوح، وآخرهم محمد . صلى الله عليهم وسلم أجمعين..
قوله تعالى: { وجبريل وميكال }: معطوف على قوله تعالى: { وملائكته } من باب عطف الخاص على العام؛ وعطف الخاص على العام يدل على شرف الخاص؛ فجبريل موكل بالوحي من الله إلى الرسل؛ و{ ميكال } هو ميكائيل الموكل بالقطر، والنبات؛ وخص هذين الملكين؛ لأن أحدهما موكل بما تحيى به القلوب وهو جبريل؛ والثاني موكل بما تحيى به الأرض وهو ميكائيل..
قوله تعالى: { فإن الله عدو للكافرين }: هذا جواب الشرط: من كان عدواً لله فالله عدو له؛ ومن كان عدواً للملائكة فإن الله عدو له؛ ومن كان عدواً لرسله فإن الله عدو له؛ ومن كان عدواً لجبريل فإن الله عدو له؛ ومن كان عدواً لميكائيل فإن الله عدو له؛ وهنا أظهر في موضع الإضمار لفائدتين؛ إحداهما: لفظية؛ والثانية: معنوية؛ أما الفائدة اللفظية: فمناسبة رؤوس الآي؛ وأما الفائدة المعنوية فهي تتضمن ثلاثة أمور: الأول: الحكم على أن من كان عدواً لله ومن ذُكر، بأنه يكون كافراً؛ يعني: الحكم على هؤلاء بالكفر؛ الثاني: أن كل كافر سواء كان سبب كفره معاداة الله، أو لا، فالله عدو له، ثالث: بيان العلة . وهي في هذه الآية: الكفر..
الفوائد:
.1 من فوائد الآيتين: أن من الناس من يكون عدواً لملائكة الله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: { قل من كان عدواً لجبريل }: ووجه ذلك: أن مثل هذا لكلام لو لم يكن له أصل لكان لغواً من القول؛ والقرآن منزه عن هذا اللغو..
.2 ومنها: فضيلة جبريل . عليه الصلاة والسلام . لأن الله تعالى دافع عنه..
.3 ومنها: ذكر الوصف الذي يستحق أن يكون به ولياً لجبريل؛ لقوله تعالى: { فإنه نزله على قلبك } يعني: ومن كان هذه وظيفته فإنه يستحق أن يكون ولياً..
.4 . ومنها: إثبات علوّ الله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: { فإنه نزله }؛ وإنما نزل به من عند الله؛ والنّزول لا يكون إلا من أعلى..
.5 ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد وعى القرآن وعياً كاملاً لا يتطرق إليه الشك؛ لقوله تعالى: { نزله على قلبك }؛ لأن ما نفذ إلى القلب حلّ في القلب؛ وإذا حلّ في القلب فهو في حرز مكين..
.6 ومنها: أن هذا القرآن إنما نزل بإذن الله؛ لقوله تعالى: { نزله على قلبك بإذن الله }؛ والإذن هنا كوني؛ وقد ذكر العلماء أن إذن الله تعالى نوعان:.
كوني: وهو المتعلق بالخلق، والتكوين، ولا بد من وقوع ما أذِن الله تعالى فيه بهذا المعنى؛ مثاله قوله تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} [البقرة: 255] ، وقوله تعالى: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله} [البقرة: 102] وقوله تعالى: {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله} [التغابن: 11] ..
والثاني شرعي: وهو ما يتعلق بالشرع، والعبادة؛ مثاله قوله تعالى: {قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون} [يونس: 59] ؛ وقوله تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} [الشورى: 21] ؛ والفرق بينهما أن المأذون به شرعاً قد يقع، وقد لا يقع؛ وأما المأذون به قدراً فواقع لا محالة؛ ومن جهة أخرى: أن المأذون به شرعاً محبوب إلى الله عزّ وجلّ؛ والمأذون به قدراً قد يكون محبوباً، وقد يكون غير محبوب..
7 . ومن فوائد الآيتين: أن القرآن بشرى للمؤمنين؛ وعلامة ذلك أنك تنتفع به؛ فإذا وجدت نفسك منتفعاً به حريصاً عليه تالياً له حق تلاوته فهذا دليل على الإيمان، فتناله البشرى؛ وكلما رأى الإنسان من نفسه كراهة القرآن، أو كراهة العمل به، أو التثاقل في تطبيقه فليعلم أنه إنما فاقد للإيمان بالكلية، أو أن إيمانه ناقص..
.8 . ومنها: أن من عادى الله فهو كافر؛ لقوله تعالى: { من كان عدواً لله }، ثم قال تعالى: ( فإن الله عدوّ للكافرين ).
.9 ومنها: أن من كان عدواً للملائكة، أو للرسل فإنه عدو لله؛ لأن الملائكة رسل الله، كما قال تعالى: {جاعل الملائكة رسلاً} [فاطر: 1] ؛ والرسل البشريون أيضاً رسل لله؛ فمن عادى ملائكة الله من جبريل أو غيره، أو عادى الرسل من محمد أو غيره فقد عادى الله عزّ وجلّ..
فإن قيل: فهل من عادى المؤمنين يكون معادياً لله ؟
فالجواب: هذا محل توقف في دلالة الآية عليه؛ اللهم إلا إذا عادى المؤمنين لكونهم تمسكوا بشريعة الرسل؛ فهذا يظهر أن الله يكون عدواً لهم، لأن من عاداهم إنما فعل ذلك بسبب أنهم تمسكوا بما جاءت به الرسل؛ فكان حقيقة معاداتهم أنهم عادوا رسل الله، كما قال أهل العلم في قوله تعالى: {إن شانئك هو الأبتر} [الكوثر: 3] أي مبغضك، ومبغض ما جئت به من السنة هو الأبتر؛ وفي الحديث الصحيح أن الله تعالى في الحديث القدسي قال: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب"(150) ..
10 . ومن فوائد الآيتين: أن كل كافر فاللَّه عدوّ له؛ لقوله تعالى: ( فإن الله عدوّ للكافرين )
11 . ومنها: إثبات صفة العداوة من الله .أي أن الله يعادي؛ وهي صفة فعلية كالرضا، والغضب، والسخط، والكراهة؛ و "المعاداة" ضدها الموالاة الثابتة للمؤمنين، كما قال الله تعالى: (الله وليّ الذين آمنوا) (البقرة: 257)


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 16 Mar 2010, 04:45 AM   #73
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


القـرآن
)وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ) (البقرة:99)
التفسير:
.{ 99 } قوله تعالى: { ولقد }: سبق الكلام عليها؛ { أنزلنا إليك }: الإنزال إنما يكون من الأعلى إلى الأسفل؛ وذلك؛ لأن القرآن كلام الله؛ والله تعالى فوق عباده..
قوله تعالى: { آيات } جمع آية؛ والآية في اللغة: العلامة، لكنها في الحقيقة أدق من مجرد العلامة؛ لأنها تتضمن العلامة، والدليل؛ فكل آية علامة . ولا عكس؛ لكن العلماء . رحمهم الله . قد يفسرون الشيء بما يقاربه، أو يلازمه . وإن كان بينهما فرق، كتفسيرهم "الريب" بالشك في قوله تعالى: {لا ريب فيه} [البقرة: ] مع أن "الريب" أخص من مطلق الشك؛ لأنه شك مع قلق؛ وقد أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة "أصول التفسير"..
قوله تعالى: { بينات } جمع بينة؛ وهن الواضحات في ذاتها، ودلالتها..
وقوله تعالى: { وما يكفر بها } أي بهذه الآيات البينات؛ { إلا الفاسقون } أي الخارجون عن شريعة الله؛ فالمراد بـ "الفسق" هنا الفسق الأكبر، كقوله تعالى في سورة السجدة: {وأما الذين فسقوا فمأواهم النار} [السجدة: 20]
الفوائد:
.1 من فوائد الآية: أن القرآن وحي من الله عزّ وجلّ..
.2 ومنها: عظمة القرآن؛ لأن الله سبحانه وتعالى أضافه إليه، وجعله آية..
3 . ومنها: ثبوت علوّ الله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: { ولقد أنزلنا إليك آيات بينات }؛ والنّزول لا يكون إلا من أعلى؛ وعلوّ الله سبحانه وتعالى من صفاته الذاتية اللازمة له التي لم يزل، ولا يزال متصفاً بها؛ وأما استواؤه على العرش فإنه من الصفات الفعلية؛ لأنه يتعلق بمشيئته..
.4 ومنها: وصف القرآن بأنه آيات بينات، ولا ينافي هذا قوله تعالى: {منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات} [آل عمران: 7] ؛ لأن هذا التشابه يكون متشابهاً على بعض الناس دون بعض؛ ولأنه يُحمل على المحكم، فيكون الجميع محكماً، كما قال تعالى: {فأما الذين في قلوبهم زيع فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم...} [آل عمران: 7] الآية..
فالحاصل: أن القرآن . ولله الحمد . آيات بينات؛ ولكنه يحتاج إلى قلب ينفتح لهذا القرآن حتى يتبين؛ أما قلب يكره القرآن، ثم يأتي بما يُشتَبه فيه ليضرب القرآن بعضه ببعض فهذا لا يتبين له أبداً؛ إنما يتبين الهدى من القرآن لمن أراد الهدى؛ وأما من لم يرده فلا؛ ولهذا قال تعالى: { وما يكفر بها إلا الفاسقون }..
5. ومن فوائد الآية: أنه لا يكفر بالقرآن إلا الفاسق..
6. ومنها: أن من كفر به فهو فاسق..
.7 ومنها: إطلاق الفاسق على الكافر؛ وعلى هذا يكون الفسق على نوعين:.
فسق أكبر مخرج عن الملة، كما في قوله تعالى: {فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلاً بما كانوا يعملون * وأما الذين فسقوا فمأواهم النار} [السجدة: 19، 20] الآية؛ ووجه الدلالة أنه تعالى جعل الفسق هنا مقابلاً للإيمان..
والثاني: فسق أصغر لا يخرج من الإيمان؛ ولكنه ينافي العدالة، كقوله تعالى: {ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان} [الحجرات: 7] : فعطف {الفسوق} على {الكفر} ؛ والعطف يقتضي المغايرة..
مسألة :-
تنقسم آيات الله تعالى إلى قسمين: كونية، وشرعية؛ فالكونية مخلوقاته، كالشمس، والقمر، والنجوم، والإنسان، وغير ذلك؛ قال الله تعالى: {ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر} [فصلت: 37] ، وقال تعالى: {ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين} [الروم: 22] ؛ وأما الشرعية فهي ما أنزله الله تعالى على رسله من الشرائع، كقوله تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته} [الجمعة: 2] ، وقوله تعالى: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم..} [سبأ: 43] الآية، وكذلك الآية التي نحن بصدد تفسيرها..
القـرآن
)أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (البقرة:100)
)وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (البقرة:101)
التفسير:.
.{ 100 } قوله تعالى: { أوَ كلما }: الهمزة هنا للاستفهام؛ والواو للعطف؛ ومثل هذه الصيغة متكررة في القرآن كثيراً؛ وقد سبق الكلام عليها؛ أما { كلما } فإنها أداة شرط تفيد التكرار . أي كثرة وقوع شرطها، وجوابها؛ وكلما حصل الشرط حصل الجواب؛ فإذا قلت: "كلما جاء زيد فأكرمه" اقتضى تكرار إكرامه بتكرر مجيئه قلّ، أو كثر..
قوله تعالى: { عاهدوا عهداً }؛ "العهد" : الميثاق الذي يكون بين الطوائف سواء كان ذلك بين أمة مسلمة وأمة كافرة؛ أو بين أمتين مسلمتين؛ أو بين أمتين كافرتين؛ والضمير في { عاهدوا } يعود على اليهود؛ { نبذه فريق منهم }: "النبذ" : الطرح، والترك . أي ترك هذا العهد جماعة منهم . أي من اليهود . فطرحوه، ولم يفوا به؛ وهذا هو حال بني إسرائيل مع الله سبحانه وتعالى، ومع عباد الله؛ فالله تعالى أخذ عليهم العهد، والميثاق؛ ومع ذلك نبذوا العهد، والميثاق؛ والنبي صلى الله عليه وسلم عاهدهم، ونبذوا عهده..
قوله تعالى: { بل أكثرهم لا يؤمنون }: هذا الإضراب للانتقال من وصف إلى وصف: من وصف نقض العهد ونبذه، إلى وصف عدم الإيمان؛ فعليه يكون هذا الإضراب إثباتاً لما قبله، وزيادة وصف . وهو انتفاء الإيمان عن أكثرهم؛ لأن المؤمن حقيقة لا بد أن يفي بالعهد، كما قال الله تعالى: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً} [الإسراء: 34] ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن آية المنافق ثلاث: "إذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر..."(151) ؛ ولو أنهم آمنوا ما نقضوا العهد الذي بينهم وبين الله، أو الذي بينهم وبين عباد الله..
.{101 } قوله تعالى: { ولما جاءهم رسول من عند الله }؛ { لما } هنا شرطية؛ وهي على أربعة أنحاء في اللغة العربية: شرطية؛ ونافية جازمة؛ وبمعنى "إلا"؛ وبمعنى "حين"؛ و{ من عند الله } صفة لـ{ رسول } أي رسول مرسل من عند الله . وهو محمد صلى الله عليه وسلم
قوله تعالى: { مصدق لما معهم } أي للذي معهم من التوراة إن كانوا من اليهود، ومن الإنجيل إن كانوا من النصارى؛ والحديث في هذه الآيات كلها عن اليهود؛ وتقدم معنى { مصدق لما معهم }؛ فكان على اليهود، والنصارى أن يفرحوا بهذا القرآن؛ لأنه مؤيد لما معهم؛ ولكن الأمر كان بالعكس!!!.
قوله تعالى: { نبذ } أي طرح بشدة { فريق } أي جماعة { من الذين أوتوا } أي أُعطوا؛ و{ الكتاب }: مفعول ثان لـ{ أوتوا }؛ ومفعولها الأول: الواو، وهي نائب الفاعل؛ و "أل" هنا للعهد الذهني؛ وهو بالنسبة لليهود التوراة؛ وبالنسبة للنصارى الإنجيل؛ و{ كتاب الله } أي القرآن؛ وهو مفعول { نبذ }؛ وأضيف إلى الله لأنه المتكلم به؛ فالقرآن الذي نقرؤه الآن هو كلام ربنا . تبارك وتعالى . تكلم به حقيقة بلفظه، ومعناه، وسمعه منه جبريل، ثم أتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزل به على قلب النبي صلى الله عليه وسلم حتى وعاه، وأداه إلى الصحابة؛ والصحابة أدوه إلى التابعين، وهكذا حتى بقي إلى يومنا هذا . ولله الحمد؛ وسمي القرآن كتاباً، لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ؛ وفي الصحف التي بأيدي الملائكة؛ وفي الصحف التي بأيدي البشر..
قوله تعالى: { وراء ظهورهم } أي رموه بشدة وراء الظهر؛ وهو عبارة عن الانصراف التام عنه؛ لأنهم لو نبذوه أمامهم، أو عن اليمين، أو عن الشمال لكان من الجائز أن يكونوا يأخذون به؛ لكن من ألقاه وراء ظهره كان ذلك أبلغ في التولي، والإعراض عنه، وعدم الرجوع إليه؛ لأن الشيء إذا خُلِّف وراء الظهر فإنه لا يرجع إليه..
قوله تعالى: { كأنهم لا يعلمون }: "كأن" لها معنى، ولها عمل؛ عملها: عمل "إنّ" . تنصب الاسم، وترفع الخبر؛ وأما معناها: فهو هنا التشبيه . يعني كأنهم في نبذهم لكتاب الله وراء ظهورهم لا يعلمون أنه حق..
الفوائد:
.1 من فوائد الآيتين: أن اليهود لا يوثق منهم بعهد؛ لأنهم كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم..
.2 ومنها: أن نبذ فريق من الأمة يعتبر نبذاً من الأمة كلها. ما لم يتبرؤوا منه؛ فإن تبرؤوا منه فإنهم لا يلحقهم عاره؛ لكن إذا سكتوا فإن نبذ الفريق نبذ للأمة كلهم؛ وجه ذلك أن الله وبخ هؤلاء على نبذ فريق منهم مع أنهم لم يباشروه..
.3 ومنها: أن من أهل الكتاب من لم ينبذ كتاب الله وراء ظهره؛ بل آمن به كالنجاشي من النصارى، وعبد الله بن سلام من اليهود..
.4 ومنها: أن من نبذ العهد من هذه الأمة فقد ارتكب محظورين:.
أحدهما: النفاق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف؛ وإذا اؤتمن خان"(152) ، وفي الحديث الآخر: "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كان فيه واحدة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها..."(153) ، وذكر منها: "إذا عاهد غدر" ..
والمحظور الثاني: مشابهة اليهود..
.5 ومنها: أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم حق؛ لقوله تعالى: ( من عند الله).
.6 ومنها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبرت به الكتب السابقة؛ لقوله تعالى: ( مصدق لما معهم).
.7 ومنها: أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم تقرر ما سبق من رسالات الرسل، لقوله تعالى: (مصدق لما معهم).
.8 ومنها: أنه مع هذا البيان والوضوح، فإن فريقاً من الذين أوتوا الكتاب نبذوا هذا الكتاب الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم..
.9 . ومنها: أن نبذ من عنده كتاب وعلم أقبح ممن ليس عنده ذلك؛ ولهذا نص على قوله تعالى: { فريق من الذين أوتوا الكتاب }؛ لإظهار شدة القبح من هؤلاء في نبذهم؛ لأن النبذ مع العلم أقبح من النبذ مع الجهل..
.10 ومنها: أن القرآن كلام الله، لأن الله تعالى أضافه إليه في قوله تعالى: ( كتاب الله).
.11 ومنها: توكيد قبح ما صنع هؤلاء المكذبون؛ لقوله تعالى: { كأنهم لا يعلمون }؛ لأنهم في الواقع يعلمون؛ ولكن فعلهم كأنه فعل من لم يعلم؛ وكفر من علم أشد من كفر من لم يعلم..
.12 ومنها: أن هذا النبذ الذي كان منهم لا يرجى بعده قبول؛ لقوله تعالى: { وراء ظهورهم }؛ لأن النبذ لو كان أمامهم ربما يتلقونه بعد؛ كذلك لو كان عن اليمين، والشمال، لكن إذا كان وراء الظهر فمعناه استبعاد القبول منهم..
13 . ومنها: شدة كراهية اليهود للقرآن، واستهانتهم به، حيث نبذوه وراء ظهورهم..

القـرآن
)وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (البقرة:102)
التفسير:
.{ 102 } قوله تعالى: { واتبعوا } أي اليهود؛ و{ تتلو } هنا ليست بمعنى "تقرأ"؛ لكنه من: تلاه يتلوه . بمعنى: "تبعه" .؛ أي ما تَتْبعه الشياطين، وتأخذ به؛ { على ملك سليمان } أي في ملكه؛ أي في عهده؛ وإنما قال تعالى: { على ملك سليمان }؛ لأن الله جمع له بين النبوة، والملك، ووهبه ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده: فسخر له الرياح، والجن، والشياطين؛ فإن سليمان عليه السلام كان ملكاً نبياً رسولاً؛ وكل من ذكر في القرآن من الأنبياء فهم أنبياء رسل؛ لقوله تعالى: {ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك منهم من قصصنا عليك} [غافر: 78] ؛ وعند اليهود . قاتلهم الله . أن سليمان ملك فقط؛ وهو لا ريب ملك، ونبي، ورسول؛ وسليمان كان بعد موسى عليه السلام؛ لقوله تعالى: {ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى...} [البقرة: 246] إلى قوله تعالى: {وقتل داود جالوت} [البقرة: 251] ؛ وسليمان هو ابن داود . عليهما السلام ...
قوله تعالى: { وما كفر سليمان } أي بتعلم السحر؛ أو تعليمِه..
قوله تعالى: { ولكنَّ الشياطينَ كفروا } بتشديد نون { لكنَّ }، ونصب { الشياطينَ }؛ وفي قراءة سبعية بتخفيف نون { لكن } وإسكانها ثم كسرها تخلصاً من التقاء الساكنين؛ و{ الشياطينُ } برفع النون؛ فعلى القراءة الأولى تكون الواو حرف عطف، و{ لكنّ } حرف استدراك يعمل عمل "إنّ" ينصب الاسم، ويرفع الخبر، و{ الشياطينَ } اسمها، وجملة: { كفروا } خبرها؛ وعلى قراءة التخفيف تكون الواو للعطف، و{ لكن } حرف استدراك مبني على السكون حُرِّك بالكسر لالتقاء الساكنين، و{ الشياطين } مبتدأ، وجملة: { كفروا } خبر المبتدأ..
وقوله تعالى: { ولكن الشياطين } جمع شيطان؛ وجاءت بالجمع؛ لأن الشياطين يوحي بعضهم إلى بعض، ويعلم بعضهم بعضاً؛ و{ كفروا }: فسَّر هذا بقوله تعالى: {يعلمون الناس السحر} ؛ و"السحر" في اللغة هو كل شيء خفيَ سببه، ولطف؛ ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن من البيان لسحراً"(154) ؛ لأن البيان . وهو الفصاحة . يجذب النفوس، والأسماع حتى إن الإنسان يجد من نفسه ما يشده إلى سماع هذا البيان، والتأثر به، فيسحر الناس؛ لكن ليس هو السحر الذي ورد ذمه؛ وإنما المراد بالسحر المذموم: عُقَد، ورُقى ينفث فيها الساحر، فيؤثر في بدن المسحور، وعقله؛ وهو أنواع: منه ما يقتل؛ ومنه ما يمرض؛ ومنه ما يزيل العقل، ويخدر الإنسان؛ ومنه ما يغير حواس المرء، بحيث يسمع ما لم يكن، أو يشاهد الساكن متحركاً، أو المتحرك ساكناً؛ ومنه ما يجلب المودة؛ ومنه ما يوجب البغضاء؛ المهم أن السحر أنواع؛ وأهله يعرفون هذه الأنواع..
قوله تعالى: {يعلمون الناس السحر} جملة حالية من الفاعل في { كفروا } يعني حال كونهم يعلمون الناس السحر؛ ويجوز أن تكون استئنافية لبيان نوع كفرهم..
قوله تعالى: { وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت } يعني واتبعوا أيضاً ما أنزل على الملكين؛ والجملة معطوفة على قوله: { واتبعوا ما تتلو }؛ و{ الملَكين } بفتح اللام تثنية ملَك؛ والفرق بين "ملَك" و"ملِك" أن "الملَك" بفتح اللام واحد الملائكة؛ و"الملِك" بكسر اللام: الحاكم الذي له سلطة؛ و "بابل" اسم لبلد في العراق؛ و{ هاروت وماروت } عطف بيان على { الملكين } لبيان اسمهما؛ وهما اسمان أعجميان؛ والمنزَّل عليهما شيء من أنواع السحر..
قوله تعالى: { وما يعلِّمان } أي الملكان هاروت، وماروت { من أحد } أي أحداً؛ وزيدت { مِن } للتوكيد..
قوله تعالى: { حتى يقولا إنما نحن فتنة } أي اختبار للناس؛ ليتبين من يريد السحر ممن لا يريده..
قوله تعالى: { فلا تكفر } أي بتعلم السحر { فيتعلمون } أي الناس { ما يفرقون به } أي سحراً يفرقون به { بين المرء وزوجه }؛ ويسمى هذا النوع من السحر "الصرف"؛ ويقابله سحر "العطف"؛ وهو من أشد أنواع السحر؛ لأنه يصل بصاحبه إلى الهيمان، والخبل..
قوله تعالى: { وما هم بضارين به من أحد } أي ما هؤلاء المتعلمون للسحر بضارين به أحداً { إلا بإذن الله } أي إلا بإذنه القدري . وهو بمعنى المشيئة .؛ و{ مِن } في قوله تعالى: { من أحد } زائدة للتوكيد.
قوله تعالى: { ويتعلمون } أي الناس من الملكين { ما يضرهم ولا ينفعهم } أي ما مضرته محضة لا نفع فيها..
قوله تعالى: { ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق }: الجملة مؤكدة بالقسم المقدر، واللام الواقعة في جوابه، و "قد" ؛ و{ لمن اشتراه }: اللام لام الابتداء؛ وهي معلِّقة للفعل { علموا } عن العمل؛ و "مَن" مبتدأ؛ وخبره جملة: { ما له في الآخرة من خلاق } أي نصيب؛ والجملة في محل نصب سدت مسد مفعولَي { علموا } أي علم هؤلاء المتعلمون للسحر أن من ابتغاه بتعلمه ليس له نصيب في الآخرة؛ وعلموا ذلك من قول الملكين: ( إنما نحن فتنة فلا تكفر )
قوله تعالى: { ولبئس ما شروا به أنفسهم }: اللام موطئة للقسم؛ والتقدير: والله لبئس ما شروا به أنفسهم؛ و "بئس" فعل ماض لإنشاء الذم . وهو جامد .؛ ومثله: "نعم"، و"عسى"، و"ليس"؛ ويسمونها الأفعال الجامدة؛ لأنها لا تتغير عن صيغتها: فلا تكون مضارعاً، ولا أمراً؛ و{ ما } اسم موصول؛ وهي فاعل "بئس"؛ والمخصوص بالذم محذوف؛ و{ شروا } بمعنى باعوا في اللغة العربية؛ لأن الشراء بيع؛ و"الاشتراء" هو أخذ السلعة؛ فالمشتري طالب؛ والشاري جالب، قال الله سبحانه وتعالى: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله} [البقرة: 207] يعني يبيعها؛ فقوله تعالى: { لبئس ما شروا به أنفسهم } أي باعوا به أنفسهم؛ لأنهم في الحقيقة لما اشتروا السحر، الثمن الذي بذلوه في هذا السحر: أنفسهم؛ لأنهم في الحقيقة خسروا أنفسهم؛ صارت الدنيا الآن ليس لهم فيها ربح إطلاقاً؛ والآخرة ليس لهم فيها ربح أيضاً؛ فخسروا الدنيا، والآخرة..
قوله تعالى: { لو كانوا يعلمون }: جملة شرطية؛ وجوابها محذوف تقديره: ما تعلَّموا السحر؛ يعني: لو كانوا من ذوي العلم المنتفعين بعلمهم ما تعلموا السحر؛ وهنا ينبغي للقارئ أن يبتدئ بـ{ لو }، وأن يقف على { ما شروا به أنفسهم }؛ لأن الوصل يوهم أن محل الذم في حال علمهم؛ أما في حال عدم علمهم فليس مذموماً! وهذا خلاف المعنى المراد؛ إذ المعنى المراد: توبيخهم، حيث عملوا عمل الجاهل؛ فقوله تعالى: { لو كانوا يعلمون } نداء عليهم بالجهل..

الفوائد:
.1 من فوائد الآية: أن اليهود أخذوا السحر عن الشياطين؛ لقوله تعالى: { واتبعوا ما تتلو الشياطين }؛ ويدل على هذا أن أحدهم . وهو لبيد بن الأعصم . سحر النبي صلى الله عليه وسلم.
(155)2 . ومنها: أن السحر من أعمال الشياطين؛ لقوله تعالى: { ما تتلو الشياطين ]..
.3 ومنها: أن الشياطين كانوا يأتون السحر على عهد سليمان مع قوة سلطانه عليهم؛ لقوله تعالى: { ما تتلو الشياطين على ملك سليمان }..
.4 ومنها: أن سليمان لا يقر ذلك؛ لقوله تعالى: { وما كفر سليمان }؛ إذ لو أقرهم على ذلك . وحاشاه . لكان مُقراً لهم على كفرهم..
.5 ومنها: أن تعلم السحر، وتعليمه كفر؛ وظاهر الآية أنه كفر أكبر مخرج عن الملة؛ لقوله تعالى: { ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر }، وقوله تعالى: { وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر }؛ وهذا فيما إذا كان السحر عن طريق الشياطين؛ أما إذا كان عن طريق الأدوية، والأعشاب، ونحوها ففيه خلاف بين العلماء..
واختلف العلماء . رحمهم الله . هل تقبل توبته، أو لا؟ والراجح أنها تقبل فيما بينه وبين الله عز وجل؛ أما قتله فيرجع فيه إلى القواعد الشرعية، وما يقتضيه اجتهاد الحاكم..
.6 ومن فوائد الآية: أن الله تعالى قد ييسر أسباب المعصية فتنةً للناس . أي ابتلاءً .، وامتحاناً؛ لقوله تعالى: { وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة }؛ فإياك إياك إذا تيسرت لك أسباب المعصية أن تفعلها؛ واذكر قصة بني إسرائيل حين حُرِّم عليهم الصيد يوم السبت . أعني صيد البحر .؛ فلم يصبروا حتى تحيلوا على صيدها يوم السبت؛ فقال لهم الله تعالى: {كونوا قردة خاسئين} [البقرة: 65] ؛ واذكر قصة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حين ابتلاهم الله عز وجل وهم محرِمون بالصيد تناله أيديهم، ورماحهم؛ فلم يُقدم أحد منهم عليه حتى يتبين لك حكمة الله . تبارك وتعالى . في تيسير أسباب المعصية؛ ليبلوَ الصابر من غيره..
.7 ومن فوائد الآية: أنه يجب على الإنسان أن ينصح للناس . وإن أوجب ذلك إعراضهم عنه .؛ لقوله تعالى: { وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما فتنة فلا تكفر }؛ فإذا كانت عندك سلعة رديئة، وأراد أحد شراءها يجب عليك أن تُحذِّره..
.8 ومنها: أنّ من عِظم السحر أن يكون أثره التفريق بين المرء، وزوجه؛ لقوله تعالى: { فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه }؛ لأنه من أعظم الأمور المحبوبة إلى الشياطين، كما ثبت في الحديث الصحيح أن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئاً، ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، فيدنيه منه، ويقول: "نِعْم أنت"(156) ؛ وفيه سحر مقابل لهذا: وهو الربط بين المرء، وزوجه؛ حتى إنه . والعياذ بالله . يُبتلى بالهيام؛ فلا يستطيع أن يعيش . ولا لحظة . إلا وزوجته أمامه؛ وبعضهم يقضي عليه هذا الأمر . نسأل الله العافية ...
.9 ومن فوائد الآية: أن الأسباب . وإن عظمت . لا تأثير لها إلا بإذن الله عز وجل؛ لقوله تعالى: ( وما هم بضارِّين به من أحد إلا بإذن الله )
.10 ومنها: أن قدرة الله عز وجل فوق الأسباب؛ وأنه مهما وجدت الأسباب . والله لم يأذن . فإن ذلك لا يؤثر؛ وهذا لا يوجب لنا أن لا نفعل الأسباب؛ لأن الأصل أن الأسباب مؤثرة بإذن الله..
.11 ومنها: الإشارة إلى أنه ينبغي اللجوء إلى الله دائماً؛ لقوله تعالى: { إلا بإذن الله }؛ فإذا علمت أن كل شيء بإذن الله فإذاً تلجأ إليه سبحانه وتعالى في جلب المنافع، ودفع المضار..
12 . ومنها: أنّ تعلم السحر ضرر محض، ولا خير فيه؛ لقوله تعالى: { ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم }؛ فأثبت ضرره، ونفى نفعه..
.13 ومنها: أن كفر الساحر كفر مخرج عن الملة؛ لقوله تعالى: { ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق } يعني: من نصيب؛ وليس هناك أحد ليس له نصيب في الآخرة إلا الكفار؛ فالمؤمن مهما عذب فإن له نصيباً من الآخرة..
.14ومنها: أن هؤلاء اليهود تعلموا السحر عن علم؛ لقوله تعالى: { ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق }..
.15 ومنها: إثبات الجزاء، وأنه من جنس العمل؛ فإن الكافر لما لم يجعل لله نصيباً في دنياه لم يجعل الله له نصيباً من الآخرة..
.16 ومنها: ذم هؤلاء اليهود بما اختاروه لأنفسهم؛ لقوله تعالى: ( ولبئس ما شروا به أنفسهم )
.17ومنها: أن صاحب العلم الذي يَنتفِع بعلمه هو الذي يحذر مثل هذه الأمور؛ لقوله تعالى: { لو كانوا يعلمون } يعني: لو كانوا ذوي علم نافع ما اشتروا هذا العلم الذي يضرهم، ولا ينفعهم؛ والذي علموا: أنّ من اشتراه ما له في الآخرة من خلاق..


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 16 Mar 2010, 04:47 AM   #74
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


القـرآن
)وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (البقرة:103)
التفسير:
.{ 103 } قوله تعالى: { ولو أنهم آمنوا } أي بقلوبهم { واتقوا } أي بجوارحهم؛ فالإيمان بالقلب؛ والتقوى بالجوارح؛ هذا إذا جمع بينهما؛ وإن لم يجمع بينهما صار الإيمان شاملاً للتقوى، والتقوى شاملة للإيمان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم "التقوى هاهنا"(157) وأشار إلى قلبه؛ والإيمان عند أهل السنة والجماعة: "التصديق مع القبول، والإذعان"؛ وإلا فليس بإيمان؛ و "التقوى" أصلها: وَقْوَى؛ وهي اتخاذ وقاية من عذاب الله؛ وذلك بفعل أوامر الله، واجتناب نواهيه؛ وهذا أجمع ما قيل في معناها؛ وإلا فبعضهم قال: "التقوى" أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله؛ وأن تترك معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله؛ وبعضهم قال في تعريف "التقوى" .
(خلِّ الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى) (واعمل كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى) (لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى) وقوله تعالى: { ولو أنهم }: "أن" هنا مفتوحة الهمزة؛ و"أن" من الحروف المصدرية التي تؤول، وما بعدها بمصدر فاعل لفعل محذوف؛ والتقدير: لو ثبت أنهم آمنوا . أي إيمانهم ..
قوله تعالى: { لمثوبة }؛ "المثوبة" ، و "الثواب" بمعنى الجزاء؛ وسمي بذلك؛ لأنه من ثاب يثوب: إذا رجع؛ لأن الجزاء كأنه عمَلُ الإنسان رجع إليه، وعاد إليه منفعته، وثمرته..
قوله تعالى: { من عند الله } أضافها الله إلى نفسه، وجعلها من عنده لأمرين:.
الأول: أنها تكون أعظم مما يتصوره العبد؛ لأن العطاء من العظيم عظيم؛ فالعطية على حسب المعطي؛ عطية البخيل قليلة؛ وعطية الكريم كثيرة..
الثاني: اطمئنان العبد على حصولها؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد..
قوله تعالى: { خير }: الأَولى أن نقول: هي خيرية مطلقة . خير من كل شيء .؛ واللام في قوله: {لمثوبة } واقعة في جواب { لو }؛ ويوقف عند قوله: { لمثوبة من عند الله خير }؛ ولا توصل بما بعدها؛ لأنها لو وصلت به لاختل المعنى، حيث تكون مع الوصل: المثوبة خير بشرط العلم؛ والأمر ليس كذلك؛ وعلى هذا فجواب { لو كانوا يعلمون } محذوف تقديره: لآمنوا واتقوا..
الفوائد:
.1 من فوائد الآية: سعة حلم الله، حيث يعرض عليهم الإيمان، والتقوى؛ لقوله تعالى: { ولو أنهم آمنوا واتقوا } يعني فيما مضى، وفيما يستقبل؛ وهذه من سنته سبحانه وتعالى أن يعرض التوبة على المذنبين؛ انظر إلى قوله تعالى: {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق} البروج: 10] : يُحَرِّقون أولياءه، ثم يعرض عليهم التوبة؛ لقوله تعالى: {ثم لم يتوبوا ..
.2 ومنها: أن الإيمان يُنال به ثواب الله؛ لقوله تعالى: { ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير..
.3 ومنها: أن ثواب الله خير لمن آمن واتقى من الدنيا؛ لقوله تعالى: { ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير } أي خير من كل شيء؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لموضع سوط في الجنة خير من الدنيا، وما فيها(158)" ..
.4 ويؤخذ منها: ومن قوله تعالى عن الناصحين لمن تمنوا أن يكون لهم مثل ما لقارون: {ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً} [القصص: 80] ، أنّ التقوى هي العمل الصالح..
.5 ومنها: أن فعل هؤلاء اليهود، واختيارهم لما فيه الكفر من تعلم السحر فعلُ الجاهل؛ لقوله تعالى: ( لو كانوا يعلمون ).
القـرآن
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (البقرة:104)
التفسير:
.{ 104 } قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا }: تصدير الحكم بالنداء دليل على الاهتمام به؛ لأن النداء يوجب انتباه المنادَى؛ ثم النداء بوصف الإيمان دليل على أن تنفيذ هذا الحكم من مقتضيات الإيمان؛ وعلى أن فواته نقص في الإيمان؛ قال ابن مسعود رضي الله عنه: "إذا سمعت الله يقول: { يا أيها الذين آمنوا } فأرعها سمعك . يعني استمع لها .؛ فإنه خير يأمر به، أو شر ينهى عنه"(159). وهذه الآية من النهي: { لا تقولوا راعنا} يعني لا تقولوا عند مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم راعنا؛ و{ راعنا } من المراعاة؛ وهي العناية بالشيء، والمحافظة عليه؛ وكان الصحابة إذا أرادوا أن يتكلموا مع الرسول صلى الله عليه وسلم قالوا: "يا رسول الله، راعنا" ؛ وكان اليهود يقولون: "يا محمد، راعنا"؛ لكن اليهود يريدون بها معنى سيئاً؛ يريدون "راعنا" اسم فاعل من الرعونة؛ يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم راعن؛ ومعنى "الرعونة" الحمق، والهوج؛ لكن لما كان اللفظ واحداً وهو محتمل للمعنيين نهى الله عز وجل المؤمنين أن يقولوه تأدباً، وابتعاداً عن سوء الظن؛ ولأن من الناس من يتظاهر بالإيمان . مثل المنافقين . فربما يقول: "راعنا" وهو يريد ما أرادت اليهود؛ فلهذا نُهي المسلمون عن ذلك..
قوله تعالى: { وقولوا انظرنا } يعني إذا أردتم من الرسول أن ينتظركم فلا تقولوا: { راعنا }؛ ولكن قولوا: { انظرنا }: فعل طلب؛ و"النظر" هنا بمعنى الانتظار، كما في قوله تعالى: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام} [البقرة: 210] ، أي ما ينتظر هؤلاء..
قوله تعالى: { واسمعوا } فعل أمر من السمع بمعنى الاستجابة؛ أي اسمعوا سماع استجابة، وقبول، كما قال تعالى: {ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون} [الأنفال: 21] يعني اسمعوا ما تؤمرون به فافعلوه، وما تنهون عنه فاتركوه..
قوله تعالى: { وللكافرين عذاب أليم }؛ المراد بـ "الكافرين" هنا اليهود؛ و{ عذاب } بمعنى عقوبة؛ و{ أليم } بمعنى مؤلم..

الفوائد:
.1 من فوائد الآية: أنه ينبغي استعمال الأدب في الألفاظ؛ يعني أن يُتجنب الألفاظ التي توهم سبًّا، وشتماً؛ لقوله تعالى: { لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا..
.2 ومنها: أن الإيمان مقتضٍ لكل الأخلاق الفاضلة؛ لأن مراعاة الأدب في اللفظ من الأخلاق الفاضلة..
.3 ومنها: أن مراعاة الأخلاق الفاضلة من الإيمان..
.4 ومنها: أنه ينبغي لمن نهى عن شيء أن يدل الناس على بدله المباح؛ فلا ينهاهم، ويجعلهم في حيرة..
.5 ومنها: وجوب الانقياد لأمر الله ورسوله؛ لقوله تعالى: ( واسمعوا )
.6 ومنها: التحذير من مخالفة أمر الله، وأنها من أعمال الكافرين؛ لقوله تعالى: (وللكافرين عذاب أليم )

القـرآن
)مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (البقرة:105)
التفسير:
.{ 105 } قوله تعالى: { ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين }؛ { ما } نافية؛ و{ يود } بمعنى يحب؛ و "الود" خالص المحبة؛ و{ مِن } هنا لبيان الجنس؛ وليست للتبعيض؛ وعليه يصير المعنى أن أهل الكتاب كلهم كفار؛ { ولا المشركين } معطوفة على قوله تعالى: { من أهل الكتاب } يعني: ما يود الذين كفروا من هؤلاء، ولا هؤلاء؛ ولهذا قال تعالى: { ولا المشركين }؛ لأنها لو كانت معطوفة على { الذين كفروا } لكانت بالرفع؛ فعلى هذا تكون { من } لبيان الجنس؛ أي الذين كفروا من هذا الصنف . الذين هم أهل الكتاب؛ وكذلك من المشركين..
قوله تعالى: { أن ينزل عليكم من خير من ربكم }: { أن ينزل } مفعول { يود } يعني: ما يودون تنزيل خير؛ وقوله تعالى: { من خير }: { مِن } زائدة إعراباً؛ و "الخير" هنا يشمل خير الدنيا، والآخرة، القليل والكثير؛ لو حصل للكافرين من أهل الكتاب من اليهود، والنصارى، ومن المشركين أن يمنعوا القطر عن المسلمين لفعلوا؛ لأنهم ما يودون أن ينزل علينا أيّ خير؛ ولو تمكنوا أن يمنعوا العلم النافع عنا لفعلوا؛ وهذا ليس خاصاً بأهل الكتاب والمشركين في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم؛ بل هو عام؛ ولهذا جاء بصيغة المضارع: { ما يود }؛ وهو دال على الاستمرار..
وقوله تعالى: { ينزَّل } بتشديد الزاي؛ وفي قراءة بدون تشديد؛ والفرق بينهما أن "التنزيل" : هو إنزاله شيئاً فشيئاً؛ وأما "الإنزال" : فهو إنزاله جملة واحدة؛ هذا هو الأصل؛ فهم لا يودون هذا، ولا هذا: لا أن ينزل علينا الخير جملة واحدة؛ ولا أن ينزل شيئاً فشيئاً..
قوله تعالى: { والله يختص برحمته من يشاء }؛ "يختص" تستعمل لازمة، ومتعدية؛ فإن كانت لازمة فإن { مَن } فاعل { يختص }؛ والمعنى على هذا: ينفرد برحمته من يشاء؛ كما تقول: اختصصت بهذا الشيء: أي انفردت به؛ وإن كانت متعدية فهي بمعنى: يخص برحمته من يشاء؛ وعلى هذا فتكون { مَن } مفعولاً به لـ{ يختص }؛ وعلى كلا الوجهين المعنى واحد: أي أن الله عز وجل يخص برحمته من يشاء؛ فيختص بها..
وقوله تعالى: { برحمته } يشمل رحمة الدين، والدنيا؛ ومن ذلك رحمة الله بإنزال هذا الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا الوحي الذي نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم هو من رحمة الله عليه، وعلينا، كما قال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (الأنبياء: 107).
وقوله تعالى: { من يشاء } هذا مقرون بالحكمة؛ يعني اختصاصه بالرحمة لمن يشاء مبني على حكمته سبحانه وتعالى؛ فمن اقتضت حكمته ألا يختصه بالرحمة لم يرحمه..
قوله تعالى: { والله ذو الفضل } أي ذو العطاء الزائد عما تتعلق به الضرورة؛ و{ العظيم } أي الواسع الكثير الكبير؛ فالعِظم هنا يعود إلى الكمية، وإلى الكيفية..

الفوائد:
.1 من فوائد الآية: بيان عداوة غير المسلمين للمسلمين؛ لأنه تعالى ذكر صنفين ينتظمان جميع الأصناف: أهل الكتاب . وهم اليهود، والنصارى .؛ والمشركين . وهم كل أصحاب الأوثان .؛ فكل هؤلاء أعداء للمسلمين؛ لأنهم لا يودون الخير للمسلمين..
.2 ومنها: أنه يجب علينا أن نحذر من كل تصرف يصدر عن اليهود، والنصارى، والمشركين، ونتخذهم أعداءً، وأن نعلم أنهم بجميع تصرفاتهم يحاولون أن يمنعوا الخير عن المسلمين..
.3 ومنها: أن هؤلاء الكفار يودون أن يمنعوا عن المسلمين التقدم..
.4 ومنها: أنه يحرم على المسلمين أن يُوَلُّوا هؤلاء الكفار أيّ قيادة؛ لأنهم ما داموا لا يودون لنا الخير فلن يقودونا لأيّ خير مهما كان الأمر؛ ولهذا يحرم أن يجعل لهم سلطة على المسلمين لا في تخطيط، ولا في نظام، ولا في أي شيء؛ بل يجب أن يكونوا تحت إمرة المسلمين، وتحت تدبيرهم ما أمكن؛ وإذا استعنا بهم فإنما نستعين بهم لإدراك مصالحنا وهم تحت سلطتنا؛ لأنهم لو استطاعوا أن يمنعوا القطر وينبوع الأرض عن المسلمين لفعلوا؛ إذاً فيجب علينا الحذر من مخططاتهم، وأن نكون دائماً على سوء ظن بهم؛ لأن إحسان الظن بهم في غير محله؛ وإنما يحمل عليه الذل، وضعف الشخصية، والخور، والجبن؛ ولهذا قال تعالى: { ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم }؛ وهي شاملة لخير الدنيا، والآخرة؛ فاليهود حسدوا المسلمين لما آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ونزل عليهم هذا الكتاب..
.5 ومن فوائد الآية: أن خير الله لا يجلبه ودّ وادّ، ولا يرده كراهة كاره؛ لقوله تعالى: { والله يختص برحمته من يشاء }؛ فلا يمكن لهؤلاء اليهود، والنصارى، والمشركين أن يمنعوا فضل الله علينا؛ وعلى هذا جاء الحديث الصحيح: "واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك؛ ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك(160)" ..
.6 . ومنها: أن الإنسان الذي لا يود الخير للمسلمين فيه شبه باليهود، والنصارى؛ لأن من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم..
.7 ومنها: إثبات المشيئة لله؛ لقوله تعالى: { من يشاء }؛ ومشيئته تعالى عامة في كل شيء سواء كان من أفعاله، أو من أفعال عباده؛ لقوله تعالى: {ولو شاء الله ما فعلوه} [الأنعام: 137] ، وقوله تعالى: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين} [التكوير: 29] ؛ وأما ما يتعلق بأفعاله تعالى فالأمثلة عليه كثيرة، كقوله تعالى: {ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها} [السجدة: 13] ، وقوله تعالى: {إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد} [فاطر: 16] ، وقوله تعالى: { والله يفعل ما يشاء }، وغير ذلك من الآية..
.8 ومن فوائد الآية: إثبات الرحمة لله؛ لقوله تعالى: ( برحمته )
.9 ومنها: إثبات الإرادة لله؛ لقوله تعالى: { يختص }؛ لأن التخصيص يدل على الإرادة..
.10 ومنها: إثبات الفضل لله؛ لقوله تعالى: ( ذو الفضل )
.11 ومنها: إثبات أن فضله ليس كفضل غيره؛ ففضل غيره محدود؛ وأما فضل الله ففضل عظيم لا حدود له؛ فإن الله يضاعف لمن يشاء، والله واسع عليم؛ ومن فضله تبارك وتعالى أنه خص هذه الأمة بخصائص عظيمة كثيرة ما جعلها لأحد سواها؛ منها ما جاء في حديث جابر في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر؛ وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلّ؛ وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي؛ وأعطيت الشفاعة؛ وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة"(161) ..
تــنــبــيــه:.
لا يعارض هذه الآية قوله تعالى: {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون} [المائدة: 82] ؛ لأن هذه الآية في صنف معين من النصارى: وهم الذين منهم القسيسون، والرهبان الذين من صفاتهم أنهم لا يستكبرون؛ فإذا وجد هذا الصنف في عهد الرسول، أو بعده انطبقت عليه الآية؛ لكن اختلفت حال النصارى منذ زمن بعيد؛ نسأل الله أن يعيد للمسلمين عزتهم وكرامتهم، حتى يعرفوا حقيقة عداوة النصارى، وغيرهم من أهل الكفر، فيعدوا لهم العدة..

القـرآن
)مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة:106)
التفسير:
.{ 106 } قوله تعالى: { ما ننسخ من آية أو ننسها } فيها ثلاث قراءات؛ الأولى: بفتح النون الأولى في { نَنسخ }؛ وضمها في { نُنسها } بدون همز؛ والثانية: بفتح النون الأولى في { نَنسخ }؛ وفتحها في { نَنسأها } مع الهمز؛ والثالثة بضم النون الأولى في { نُنسخ }؛ وضمها في { نُنسها } بدون همز..
قوله تعالى: { ما ننسخ من آية... }؛ { ما }: شرطية؛ وهي اسم شرط جازم يجزم فعلين؛ الأول: فعل الشرط: { ننسخ }؛ والثاني: جوابه: { نأت }؛ وأما قوله تعالى: { أو ننسها } فهي معطوفة على ( ننسخ )
وقوله تعالى: { ننسخ من آية أو ننسها } بضمير الجمع للتعظيم؛ وليس للتعدد؛ لأن الله واحد؛ و"النسخ" معناه في اللغة: الإزالة؛ أو ما يشبه النقل؛ فالأول كقولهم: "نسخت الشمس الظل" يعني أزالته؛ والثاني كقولهم: "نسخت الكتاب"؛ إذ ناسخ الكتاب لم يزله، ولم ينقله؛ وإنما نقش حروفه، وكلماته؛ لأنه لو كان "نسخ الكتاب" يعني نقله كان إذا نسخته انمحت حروفه من الأول؛ وليس الأمر كذلك؛ أما في الشرع: فإنه رفع حكم دليل شرعي، أو لفظه، بدليل شرعي؛ و{ مِن } لبيان الجنس؛ لأن { ما } اسم شرط جازم مبهم؛ والمراد بـ "الآية" الآية الشرعية؛ لأنها محل النسخ الذي به الأمر والنهي دون الآية الكونية..
وقوله: { ننسها } من النسيان؛ وهو ذهول القلب عن معلوم؛ وأما { ننسأها } فهو من "النسأ"؛ وهو التأخير؛ ومعناه: تأخير الحكم، أو تأخير الإنزال؛ أي أن الله يؤخر إنزالها، فتكون الآية لم تنزل بعد؛ ولكن الله سبحانه وتعالى أبدلها بغيرها؛ وأما على قراءة { ننسها } فهو من النسيان؛ بمعنى نجعل الرسول صلى الله عليه وسلم ينساها، كما في قوله تعالى: {سنقرئك فلا تنسى * إلا ما شاء الله} [الأعلى: 6 . 7] ؛ والمراد به هنا رفع الآية؛ وليس مجرد النسيان؛ لأن مجرد النسيان لا يقتضي النسخ؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم قد ينسى بعض الآية؛ وهي باقية كما في الحديث: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة فترك شيئاً لم يقرأه فقال له رجل: تركت آية كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلَّا أذكرتنيها(162)" ..
قوله تعالى: { نأت بخير منها } هو جواب الشرط؛ والخيرية هنا بالنسبة للمكلف؛ ووجه الخيرية . كما يقول العلماء . أن النسخ إن كان إلى أشد فالخيرية بكثرة الثواب؛ وإن كان إلى أخف فالخيرية بالتسهيل على العباد مع تمام الأجر؛ وإن كان بالمماثل فالخيرية باستسلام العبد لأحكام الله عز وجل، وتمام انقياده لها، كما قال تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه} [البقرة: 143] ..
قوله تعالى: { أو مثلها } أي نأتي بمثلها..
قوله تعالى: { ألم تعلم } الهمزة هنا للاستفهام؛ والمراد به التقرير؛ وكلما جاءت على هذه الصيغة فالاستفهام فيها للتقرير، مثل: {ألم نشرح لك صدرك} [الشرح: 1] ؛ فقوله تعالى: { ألم تعلم } يقرر الله المخاطَب . سواء قلنا: إنه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ أو كل من يتأتى خطابه . بالاستفهام بأنه يعلم { أن الله على كل شيء قدير }؛ يعني أنك قد علمت قدرة الله على كل شيء؛ ومنها القدرة على النسخ..
وقوله تعالى: { قدير }: لما أريد بها الوصف جاءت على صيغة "فعيل"؛ لكن إذا أريد بها الفعل تكون بصيغة "الفاعل"، كما في قوله تعالى: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم} [الأنعام: 65] ؛ و "القدرة" صفة تقوم بالقادر بحيث يفعل الفعل بلا عجز؛ و"القوة" صفة تقوم بالقوي بحيث يفعل الفعل بلا ضعف؛ إذاً المقابل للقدرة: العجز؛ لقوله تعالى: {وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض إنه كان عليماً قديراً} [فاطر: 44] ؛ والمقابل للقوة: الضعف، قال تعالى: {الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة} [الروم: 54] ؛ والفرق الثاني بينهما: أن "القوة" يوصف بها من له إرادة، وما ليس له إرادة؛ فيقال: رجل قوي؛ وحديد قوي؛ وأما "القدرة" فلا يوصف بها إلا ذو إرادة؛ فلا يقال: حديد قادر..
تــنــبــيــه:.
من هذا الموضع من السورة إلى ذكر تحويل القبلة في أول الجزء الثاني تجد أن كل الآيات توطئة لنسخ استقبال القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة؛ ولهذا تجد الآيات بعدها كلها في التحدث مع أهل الكتاب الذين أنكروا غاية الإنكار تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة..
الفوائد:
.1 من فوائد الآية: ثبوت النسخ، وأنه جائز عقلاً، وواقع شرعاً؛ وهذا ما اتفقت عليه الأمة إلا أبا مسلم الأصفهاني؛ فإنه زعم أن النسخ مستحيل؛ وأجاب عما ثبت نسخه بأن هذا من باب التخصيص؛ وليس من باب النسخ؛ وذلك لأن الأحكام النازلة ليس لها أمد تنتهي إليه؛ بل أمدها إلى يوم القيامة؛ فإذا نُسِخت فمعناه أننا خصصنا الزمن الذي بعد النسخ . أي أخرجناه من الحكم .؛ فمثلاً: وجوب مصابرة الإنسان لعشرة حين نزل كان واجباً إلى يوم القيامة شاملاً لجميع الأزمان؛ فلما نُسخ أخرج بعض الزمن الذي شمله الحكم، فصار هذا تخصيصاً؛ وعلى هذا فيكون الخلاف بين أبي مسلم وعامة الأمة خلافاً لفظياً؛ لأنهم متفقون على جواز هذا الأمر؛ إلا أنه يسميه تخصيصاً؛ وغيره يسمونه نسخاً؛ والصواب تسميته نسخاً؛ لأنه صريح القرآن: { ما ننسخ من آية أو ننسها }؛ ولأنه هو الذي جاء عن السلف..
.2 ومن فوائد الآية: أن الناسخ خير من المنسوخ؛ لقوله تعالى: { نأت بخير منها }؛ أو مماثل له عملاً . وإن كان خيراً منه مآلاً .؛ لقوله تعالى: ( أو مثلها )
.3 ومنها: أن أحكام الله سبحانه وتعالى تختلف في الخيرية من زمان إلى زمان؛ بمعنى أنه قد يكون الحكم خيراً للعباد في وقت؛ ويكون غيره خيراً لهم في وقت آخر..
.4 ومنها: عظمة الله عز وجل لقوله تعالى: { ما ننسخ }: فإن الضمير هنا للتعظيم؛ وهو سبحانه وتعالى أهل العظمة..
.5 . ومنها: إثبات تمام قدرة الله عز وجل؛ لقوله تعالى: { ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير }؛ ومن ذلك أنه قادر على أن ينسخ ما يشاء..
.6 ومنها: أن قدرة الله عامة شاملة؛ لقوله تعالى: ( أن الله على كل شيء قدير ).
.7 ومنها: أن القادر على تغيير الأمور الحسية قادر على تغيير الأمور المعنوية؛ فالأمور القدرية الكونية الله قادر عليها؛ فإذا كان قادراً عليها فكذلك الأمور الشرعية المعنوية؛ وهذا هو الحكمة في قوله تعالى: { ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير } بعد ذكر النسخ..
.8 ومنها: أن الشريعة تابعة للمصالح؛ لأن النسخ لا يكون إلا لمصلحة؛ فإن الله لا يبدل حكماً بحكم إلا لمصلحة..
قد يقول قائل: ما الفائدة إذاً من النسخ إذا كانت مثلها والله تعالى حكيم لا يفعل شيئاً إلا لحكمة؟
فالجواب: أن الفائدة اختبار المكلف بالامتثال؛ لأنه إذا امتثل الأمر أولاً وآخراً، دل على كمال عبوديته؛ وإذا لم يمتثل دل على أنه يعبد هواه، ولا يعبد مولاه؛ مثال ذلك: تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة؛ هذا بالنسبة للمكلف ليس فيه فرق أن يتجه يميناً، أو شمالاً؛ إنما الحكمة من ذلك اختبار المرء بامتثاله أن يتجه حيثما وجه؛ أما المتجَه إليه، وكونه أولى بالاتجاه إليه فلا ريب أن الاتجاه إلى الكعبة أولى من الاتجاه إلى بيت المقدس؛ ولهذا ضل من ضل، وارتد من ارتد بسبب تحويل القبلة: قال الله تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله} [البقرة: 143] ؛ فالإنسان يبتلى بمثل هذا النسخ؛ إن كان مؤمناً عابداً لله قال: سمعت وأطعت؛ وإن كان سوى ذلك عاند، وخالف: يقول: لماذا هذا التغيير! فيتبين بذلك العابد حقاً، ومن ليس بعابد..
.9 ومن فوائد الآية: أن الله تعالى وعد بأنه لا يمكن أن ينسخ شيئاً إلا أبدله بخير منه، أو مثله؛ ووعده صدق..
.10 ومنها: ذكر ما يطمئن به العبد حين يخشى أن يقلق فكره؛ لقوله تعالى: ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها )


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 16 Mar 2010, 04:49 AM   #75
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


القـرآن
)أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلانَصِيرٍ) (البقرة:107)
التفسير:
.{ 107 } قوله تعالى: { ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض } أي أن الله وحده الذي له ملك السموات، والأرض: ملك الأعيان، والأوصاف، والتدبير؛ فأعيان السموات، والأرض، وأوصافها ملك لله؛ و"التدبير" يعني أنه تعالى يملك التدبير فيها كما يشاء: لا معارض له، ولا ممانع؛ و{ السموات } جمع سماء؛ ويُطلق على العلو، وعلى السقف المحفوظ . وهو المراد هنا .؛ وهي سبع سموات كما جاء في القرآن الكريم، والسنة النبوية؛ و{ الأرض } أي جنس الأرضين، فيشمل السبع كلها..
قوله تعالى: { وما لكم من دون الله } أي من سواه؛ { من ولي }: فعيل بمعنى مفعل؛ أي ما من أحد يتولاكم فيجلب لكم الخير؛ { ولا نصير } أي ولا ناصر يدفع عنكم الشر؛ و{ مِن }: حرف جر زائد إعراباً؛ ولكنه أصلي المعنى؛ إذ إن الغرض منه التنصيص على العموم؛ يعني ما لكم أيّ ولي..
الفوائد:
.1 من فوائد الآية: تقرير عموم ملك الله؛ لقوله تعالى: { ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض }؛ ولا يرد على هذا إضافة الملك للإنسان، كما في قوله تعالى: {أو ما ملكت أيمانكم} [النساء: 3] ؛ فإن هذه الإضافة ليست على سبيل الإطلاق؛ لأن ملك الإنسان للأشياء ملك محدود، وناقص، وقاصر؛ محدود من حين استيلائه عليه إلى أن يخرج عن ملكه ببيع، أو هبة، أو موت، أو غير ذلك؛ كذلك هو ناقص: فهو لا يملك التصرف فيه كما يشاء؛ بل تصرفه مقيد بما يباح له شرعاً؛ ولهذا لو أراد أن يحرق ملكه لم يملك ذلك؛ كذلك أيضاً ملك الإنسان قاصر؛ فهو لا يملك إلا ما تحت يده؛ فلا يشمل ملك الآخرين..
.2 ومن فوائد الآية: اختصاص ملك السموات، والأرض بالله؛ وهذا مأخوذ من تقديم الخبر، حيث إن تقديم الخبر يدل على الحصر؛ لقوله تعالى: { له ملك السموات والأرض }..
.3 ومنها: أن من ملك الله أنه ينسخ ما يشاء، ويثبت؛ فكأن قوله تعالى: { ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض } تعليل لقوله تعالى: { ما ننسخ من آية }؛ فالمالك للسموات والأرض يتصرف فيهما كما شاء..
.4 ومنها: أنه لا أحد يدفع عن أحد أراد الله به سوءاً؛ لقوله تعالى: { وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير
.5 ومنها: أنه يجب على المرء أن يلجأ إلى ربه في طلب الولاية، والنصر..
فإذا قال قائل: إن الله سبحانه وتعالى يقول: {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين} [الأنفال: 62] ، ويقول تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله} [التوبة: 40] ؛ فأثبت نصراً لغير الله..
فالجواب: أن إثبات النصر لغير الله إثبات للسبب فقط؛ وليس نصراً مستقلاً؛ والنصر المستقل من عند الله؛ أما انتصار بعضنا ببعض فإنه من باب الأخذ بالأسباب؛ وليس على وجه الاستقلال..
.6 ومن فوائد الآية: أن ما يريده الإنسان فهو إما جلب منفعة يحتاج إلى ولي يجلبها له؛ وإما دفع مضرة يحتاج إلى نصير يدفعها عنه..


القـرآن
)أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) (البقرة:108)
التفسير:
.{ 108 } قوله تعالى: { أم تريدون أن تسألوا }؛ { أم } هنا منقطعة بمعنى "بل" وهمزة الاستفهام؛ أي: بل أتريدون؛ والإضراب هنا ليس للإبطال؛ لأن الأول ليس بباطل؛ بل هو باق؛ فالإضراب هنا إضراب انتقال؛ و "الإرادة" هنا بمعنى المشيئة؛ وإن شئت فقل: بمعنى المحبة؛ والخطاب هنا قيل: إنه لليهود حينما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم آيات يأتي بها؛ وقيل: إنه للمشركين؛ لقوله تعالى: {وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً} [الإسراء: 90] ؛ وقيل: إنه للمسلمين؛ والآية صالحة للأقوال كلها؛ لأن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول للجميع؛ لكن تخصيصها باليهود يبعده قوله تعالى: { كما سئل موسى من قبل }؛ فمعنى الآية: أتريدون أن توردوا الأسئلة على رسولكم كما كان بنو إسرائيل تورد الأسئلة على رسولها؛ ولا شك أن الاستفهام هنا يراد به الإنكار على من يكثرون السؤال على النبي صلى الله عليه وسلم..
قوله تعالى: { رسولكم }: أضافه سبحانه وتعالى إليهم، مع أنه في آيات كثيرة أضافه الله إلى نفسه: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم} [المائدة: 15] ؛ والجمع بين ذلك: أن كل واحدة من الإضافتين تنزل على حال: فهو رسول الله باعتبار أنه أرسله؛ ورسولنا باعتبار أنه أرسل إلينا؛ والمراد به محمد صلى الله عليه وسلم بالإجماع..
قوله تعالى: { كما سئل موسى من قبل } أي كما سأل بنو إسرائيل موسى من قبل، كقولهم: {لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} [البقرة: 55] ، وقولهم: {اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة} [الأعراف: 138] ، وغير ذلك؛ فبنو إسرائيل هم المشهورون بالأسئلة، والتعنت، والإعجاز؛ أما هذه الأمة فإنها قد أدَّبها الله عز وجل فأحسن تأديبها: لا يسألون إلا عن أمر لهم فيه حاجة..
قوله تعالى: { ومن يتبدل الكفر بالإيمان } أي يأخذ الكفر بديلاً عن الإيمان؛ { فقد ضل } أي تاه { سواء السبيل } أي وسط الطريق؛ يعني يخرج عن وسط الطريق إلى حافات الطريق، وإلى شعبها؛ وطريق الله واحد؛ وعليك أن تمشي في سواء الصراط . أي وسطه . حتى لا تعرض نفسك للضلال..
الفوائد:
.1 من فوائد الآية: إنكار كثرة الأسئلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الاستفهام: { أم تريدون } يقصد به الإنكار؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم محذراً من ذلك: "ذروني ما تركتكم فإنما هلك الذين من قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم"(163) ؛ وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرَّم فحُرِّم من أجل مسألته"(164) ؛ فهذا نهي، وإنكار على الذين يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم مسائل؛ والمطلوب من المسلم في زمن الوحي أن يسكت حتى ينزل ما أراد الله عز وجل من أمر أو نهي..
.2 ومن فوائد الآية: تأكيد ذم هذا النوع من الأسئلة؛ لقوله تعالى: { رسولكم }؛ فكأنه أراد أنه لما كان رسولكم، فالذي ينبغي منكم عدم إعناته بالأسئلة..
.3 ومنها: أن إرسال محمد صلى الله عليه وسلم من مصالحنا، ومنافعنا؛ لقوله تعالى: ( رسولكم )..
.4 ومنها: أن كثرة الأسئلة للنبي صلى الله عليه وسلم فيها مشابهة لليهود؛ لقوله تعالى: ( كما سئل موسى من قبل).
.5 ومنها: أنه لا ينبغي إلقاء السؤال إلا لمصلحة: إما رجل وقعت له مسألة يسأل عن حكمها؛ أو طالب علم يتعلم ليستنتج المسائل من أصولها؛ أما الأسئلة لمجرد استظهار ما عند الإنسان فقط؛ أو أقبح من ذلك من يستظهر ما عند الإنسان ليضرب آراء العلماء بعضها ببعض، وما أشبه ذلك؛ أو لأجل إعنات المسؤول، وإحراجه؛ فكل هذا من الأشياء المذمومة التي لا تنبغي..
.6 ومن فوائد الآية: ذم بني إسرائيل الذين أرسل إليهم موسى صلى الله عليه وسلم، حيث إن الله سبحانه وتعالى ذكرهم في هذه الآية على سبيل الذم..
.7 ومنها: أن اليهود كانوا سألوا موسى عن أشياء فكانت العاقبة فيها وخيمة: فقد سألوا عن أشياء بينت لهم؛ لكنهم لم يعملوا بها؛ فكانت نتيجة السؤال الخيبة..
.8 ومنها: إثبات رسالة موسى صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: { كما سئل موسى من قبل } يعني: وهو رسول..
.9 ومنها: ذم من استبدل الكفر بالإيمان؛ لقوله تعالى: { ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل ؛ وهذا يشمل من بقي على كفره بعد عرض الإيمان عليه، ومن ارتد بعد إيمانه؛ فإنه في الحقيقة تبديل؛ لأن كل مولود يولد على الفطرة؛ فإذا كفر فقد تبدل الكفر بالإيمان..
.10 ومنها: أن من اختار الكفر على الإيمان فهو ضال..
.11ومنها: عكس هذه المسألة: أن من يتبدل الإيمان بالكفر فقد هُدي إلى سواء السبيل..
.12 ومنها: الرد على الجبرية الذين يقولون: إن الإنسان ليس له إرادة في عمله، وأنه مجبر عليه؛ لقوله تعالى: { ومن يتبدل الكفر بالإيمان }..
.13 ومنها: أنه يجب على السائل أن يعمل بما أجيب به؛ لأنه إذا علم ولم يعمل فقد تبدل الكفر بالإيمان من بعد ما تبين له أنكر؛ فالواجب على المرء إذا سأل من يثق به أن يعمل بقوله؛ ولهذا قال العلماء: ومن سأل مفتياً ملتزماً بقوله حرم عليه أن يسأل غيره؛ لأنه حين سأله كان يعتقد أن الذي يقوله هو الشرع؛ فإذا كان يعتقد هذا فلا يسأل غيره؛ نعم، إذا سأل إنساناً يثق به بناءً على أن فتواه هو الشرع، وأفتاه، ولكنه سمع في مجلس عالم آخر حكماً نقيض الذي أُفتي به مدعَّماً بالأدلة، فحينئذ له أن ينتقل؛ بل يجب عليه؛ أو سأل عالماً مقتنعاً بقوله للضرورة . لأنه ليس عنده في البلد أعلم منه . على نية أنه إذا وجد أعلم منه سأله؛ فهذا أيضاً يجوز أن يسأل غيره إذا وجد أعلم منه..
القـرآن
)وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة:109)
التفسير:
.{ 109 } قوله تعالى: { ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً }؛ { ود } بمعنى أحب؛ بل إن "الود" خالص المحبة؛ والمعنى: أن كثيراً من أهل الكتاب يودون بكل قلوبهم أن يردوكم كفاراً؛ أي يرجعوكم كفاراً؛ وعلى هذا فـ{ يردونكم } تنصب مفعولين؛ الأول: الكاف في { يردونكم }؛ والثاني: { كفاراً }؛ و{ أهل الكتاب } هم اليهود، والنصارى؛ والمراد بـ{ الكتاب } التوراة، والإنجيل؛ و{ لو } هنا مصدرية؛ وضابطها أن تقع بعد "ود" ونحوها؛ و{ من بعد إيمانكم } أي من بعد أن ثبت الإيمان في قلوبكم..
قوله تعالى: { حسداً } مفعول لأجله عامله: { ود }؛ أي ودوا من أجل الحسد؛ يعني هذا الود لا لشيء سوى الحسد؛ لأن ما أنتم عليه نعمة عظيمة؛ وهؤلاء الكفار أعداء؛ والعدو يحسد عدوه على ما حصل له من نعمة الله؛ و "الحسد" تمني زوال نعمة الله على الغير سواء تمنى أن تكون له، أو لغيره، أو لا لأحد؛ فمن تمنى ذلك فهو الحاسد؛ وقيل: "الحسد" كراهة نعمة الله على الغير..
قوله تعالى: { من عند أنفسهم } أي هذه المودة التي يودونها ليست لله، ولا من الله؛ ولكن من عند أنفسهم..
قوله تعالى: { من بعد ما تبين } أي من بعد ما ظهر { لهم } أي لهؤلاء الكثيرين؛ { الحق } أي ما أنتم عليه من الحق؛ و "الحق" هو الشيء الثابت؛ فإن وصف به الحكم فالمراد به العدل؛ وإن وصف به الخبر فالمراد به الصدق؛ فـ{ الحق } الصدق في الأخبار، والعدل في الأحكام؛ ودين الإسلام على هذا؛ وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا؛ فإن أخباره صدق، وأحكامه عدل..
قوله تعالى: { فاعفوا واصفحوا }: الخطاب للمؤمنين عامة؛ ويدخل فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ و "العفو" بمعنى ترك المؤاخذة على الذنب؛ كأنه من عفا الأثر: إذا زال لتقادمه؛ و{ اصفحوا }: قيل: إنه من باب عطف المترادفين، كقول الشاعر:
(فألفى قولها كذباً وميناً) و"الكذب" و"المين" معناهما واحد؛ ولكن الصواب أن بين "العفو" ، و "الصفح" فرقاً؛ فـ "العفو" ترك المؤاخذة على الذنب؛ و "الصفح" الإعراض عنه؛ مأخوذ من صفحة العنق؛ وهو أن الإنسان يلتفت، ولا كأن شيئاً صار . يوليه صفحة عنقه .؛ فـ "الصفح" معناه الإعراض عن هذا بالكلية وكأنه لم يكن؛ فعلى هذا يكون بينهما فرق؛ فـ "الصفح" أكمل إذا اقترن بـ "العفْو" ..
قوله تعالى: { حتى يأتي الله بأمره } أي بأمر سوى ذلك؛ وهو الأمر بالقتال..
قوله تعالى: { إن الله على كل شيء قدير } أي لا يعتريه عجز في كل شيء فعله..
الفوائد:
.1 من فوائد الآية: بيان شدة عداوة اليهود، والنصارى للأمة الإسلامية؛ وجه ذلك أن كثيراً منهم يودون أن يردوا المسلمين كفاراً حسداً من عند أنفسهم..
.2 ومنها: أن الكفر بعد الإسلام يسمى ردة؛ لقوله تعالى: { لو يردونكم }؛ ولهذا الذي يكفر بعد الإسلام لا يسمى باسم الدين الذي ارتد إليه؛ فلو ارتد عن الإسلام إلى اليهودية، أو النصرانية لم يعط حكم اليهود، والنصارى..
.3 ومنها: أن الحسد من صفات اليهود، والنصارى..
.4 ومنها: تحريم الحسد؛ لأن مشابهة الكفار بأخلاقهم محرمة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم"(165) ؛ واعلم أن الواجب على المرء إذا رأى أن الله أنعم على غيره نعمة أن يسأل الله من فضله، ولا يكره ما أنعم الله به على الآخرين، أو يتمنى زواله؛ لقوله تعالى: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله} [النساء: 32] ؛ والحاسد لا يزداد بحسده إلا ناراً تتلظى في جوفه؛ وكلما ازدادت نعمة الله على عباده ازداد حسرة؛ فهو مع كونه كارهاً لنعمة الله على هذا الغير مضاد لله في حكمه؛ لأنه يكره أن ينعم الله على هذا المحسود؛ ثم إن الحاسد أو الحسود . مهما أعطاه الله من نعمة لا يرى لله فضلاً فيها؛ لأنه لابد أن يرى في غيره نعمة أكثر مما أنعم الله به عليه، فيحتقر النعمة؛ حتى لو فرضنا أنه تميز بأموال كثيرة، وجاء إنسان تاجر، وكسب مكسباً كبيراً في سلعة معينة تجد هذا الحاسد يحسده على هذا المكسب بينما عنده ملايين كثيرة؛ وكذلك أيضاً بالنسبة للعلم: بعض الحاسدين إذا برز أحد في مسألة من مسائل العلم تجده . وإن كان أعلم منه . يحسده على ما برز به؛ وهذا يستلزم أن يحتقر نعمة الله عليه؛ فالحسد أمره عظيم، وعاقبته وخيمة؛ والناس في خير، والحسود في شر: يتتبع نعم الله على العباد؛ وكلما رأى نعمة صارت جمرة في قلبه؛ ولو لم يكن من خُلُق الحسد إلا أنه من صفات اليهود لكان كافياً في النفور منه..
.5 ومن فوائد الآية: علم اليهود، والنصارى أن الإسلام منقبة عظيمة لمتبعه؛ لقوله تعالى: { حسداً }؛ لأن الإنسان لا يحسد إلا على شيء يكون خيراً، ومنقبة؛ ويدل لذلك قوله تعالى: {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم} [البقرة: 105] ..
.6 ومنها: وجوب الحذر من اليهود، والنصارى؛ ما دام كثير منهم يودون لنا هذا فإنه يجب علينا أن نحذر منهم..
.7 ومنها: بيان خبث طوية هؤلاء الذين يودون لنا الكفر؛ لقوله تعالى: { من عند أنفسهم }؛ ليس من كتاب، ولا من إساءة المسلمين إليهم؛ ولكنه من عند أنفسهم: أنفس خبيثة تود الكفر للمسلمين حسداً..
.8 ومنها: أن هؤلاء الذين يودون الكفر للمسلمين قد تبين لهم الحق؛ فلو كانوا جاهلين بأن المسلمين على حق، وقالوا: "لا نريد أن نكون على دين مشكوك فيه" لكان لهم بعض العذر؛ ولكنهم قد تبين لهم الحق، وعلموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم حق، وأن دينه حق، وأن المؤمنين على حق؛ ومع ذلك فهم يودون هذه المودة، ويسعون بكل سبيل أن يصلوا إلى غايتهم؛ فمن أحب شيئاً سعى في تحصيله؛ فكثير من هؤلاء اليهود والنصارى يسعون بكل ما يستطيعون من قوة مادية، أو أخلاقية، أو غيرهما ليردوا المسلمين بعد الإيمان كفاراً..
.9 ومن فوائد الآية: مراعاة الأحوال، وتطور الشريعة، حيث قال تعالى: { فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره }..
.10 ومنها: أن الذم إنما يقع على من تبين له الحق؛ وأما الجاهل فهو معذور بجهله إذا لم يقصر في طلب العلم..
11 . ومنها: جواز مهادنة الكفار إذا لم يكن للمسلمين قوة..
.12 ومنها: إثبات الحكمة لله عز وجل، حيث أمر بالعفو، والصفح إلى أن يأتي الله بأمره؛ لأن الأمر بالقتال قبل وجود أسبابه، وتوفر شروطه من القوة المادية والبشرية، ينافي الحكمة..
.13 ومنها: الرد على منكري قيام الأفعال الاختيارية بالله عز وجل؛ والذي عليه أهل السنة والجماعة أن الله سبحانه وتعالى فعال لما يريد فعلاً يليق بجلاله وعظمته، وما تقتضيه حكمته؛ لقوله تعالى: { حتى يأتي الله بأمره }..
.14 ومنها: ثبوت القدرة لله عز وجل، وأنها شاملة لكل شيء؛ لقوله تعالى: ( إن الله على كل شيء قدير )
.15 ومنها: الرد على المعتزلة القدرية؛ لأنهم يقولون: إن الإنسان مستقل بعمله؛ وإذا كان مستقلاً بعمله لزم من ذلك أن الله لا يقدر على تغييره؛ لأنه إن قدر على تغييره صار العبد غير مستقل..
.16 ومنها: بشارة المؤمنين بأن الله سبحانه وتعالى سيغير حالهم المقتضية للعفو والصفح، إلى قوة يستطيعون بها جهاد العدو..
.17 ومنها: اتباع الحكمة في الدعوة إلى الله بالصبر، والمصابرة حتى يتحقق النصر، وأنْ تعامَل كل حال بما يناسبها..


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 16 Mar 2010, 04:49 AM   #76
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


القـرآن
)وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (البقرة:110)
التفسير:
.{ 110 } قوله تعالى: { وأقيموا الصلاة } يعني أدوا الصلاة على وجه الكمال؛ لأن إقامة الشيء جعله قيماً معتدلاً مستقيماً؛ فمعنى { أقيموا الصلاة } أي ائتوا بها كاملة بشروطها، وواجباتها، وأركانها، ومكملاتها.
قوله تعالى: {وآتوا الزكاة} أي أعطوها؛ وهنا حذف المفعول الثاني؛ والتقدير: وآتوا الزكاة مستحقيها؛ و{ الزكاة } المفعول الأول؛ ومستحقوها قد بينهم الله في سورة براءة في قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء...} إلخ [التوبة: 60] ..
و"الزكاة" في اللغة النماء، والزيادة؛ ومنه قولهم: "زكا الزرع" إذا نما، وزاد؛ وفي الشرع هي دفع مال مخصوص لطائفة مخصوصة تعبداً لله عز وجل؛ وسميت زكاة؛ لأنها تزكي الإنسان، كما قال الله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} [التوبة: 103] ؛ فهي تزكي الإنسان في أخلاقه، وعقيدته، وتطهره من الرذائل؛ لأنها تخرجه من حظيرة البخلاء إلى حظيرة الأجواد، والكرماء؛ وتكفِّر سيئاته..
قوله تعالى: { وما تقدموا لأنفسكم }؛ { ما } شرطية؛ لأنها جزمت فعل الشرط، وجوابه..
قوله تعالى: { من خير } يشمل ما يقدمه من المال، والأعمال؛ وهو بيان للمبهم في اسم الشرط..
ضعف إلى أضعاف كثيرة، كما قال تعالى: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء} [البقرة: 261].
قوله تعالى: { إن الله بما تعملون بصير }؛ هذه الجملة مؤكدة بـ{ إن } مع أن الخطاب ابتدائي؛ إذ إنه لم يوجه إلى متردد، ولا منكر؛ والخطاب إذا لم يوجه لمنكر، ولا متردد فإنه يسمى ابتدائياً؛ والابتدائي لا يؤكد؛ لأنه لا حاجة لذلك؛ ولكنه قد يؤكد لا باعتبار حال المخاطب؛ لكن باعتبار أهمية مدلوله؛ فهنا له أهمية عظيمة: أن الله سبحانه وتعالى يخبرنا أنه بكل ما نعمل بصير؛ و{ ما } اسم موصول يفيد العموم؛ أي بما نعمل قلبياً، وبدنياً؛ قولياً، وفعلياً؛ لأن القلوب لها أعمال كالمحبة، والخوف، والرجاء، والرغبة، وما أشبه ذلك؛ و{ بما تعملون } متعلقة بـ{ بصير }؛ وقدمت عليها لغرضين؛ الأول: مراعاة الفواصل؛ لأن التي قبلها فاصلة بالراء: { قدير }، وبعدها: { بصير }؛ والثاني: من أجل الحصر؛ والحصر هنا وإن كان يقلل من العموم لكنه يفيد الترهيب والترغيب؛ لأنه إذا قيل: أيهما أعظم في التهديد أو الترغيب، أن نقول: إن الله بصير بكل شيء مما نعمل، ومما لا نعمل؛ أو أنه بصير بما نعمل فقط؟
فالجواب: أن الأول أعم؛ والثاني أبلغ في التهديد، أو الترغيب؛ وهو المناسب هنا؛ كأنه يقول: لو لم يكن الله بصيراً إلا بأعمالكم فإنه كاف في ردعكم، وامتثالكم؛ و{ بصير } ليس من البصر الذي هو الرؤية؛ لكن من البصر الذي بمعنى العلم؛ لأنه أشمل حيث يعم العمل القلبي، والبدني؛ والعمل القلبي لا يدرك بالرؤية.
الفوائد:
.1 من فوائد الآية: وجوب إقامة الصلاة؛ والصلاة تشمل الفريضة والنافلة؛ ومن إقامة الفرائض كثرة النوافل؛ لأنه جاء في الحديث(166) أن النوافل تكمل بها الفرائض يوم القيامة؛ ما من إنسان إلا وفي فريضته نقص؛ لكن هذه النوافل تكملها، وترقعها..
.2 ومنها: وجوب إيتاء الزكاة . يعني لمستحقيها ...
.3 ومنها: أن الصلاة أوكد من الزكاة؛ ولهذا يقدمها الله عليها في الذكر..
.4 ومنها: أن إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة من أسباب النصر؛ لأن الله ذكرها بعد قوله: {فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره} [البقرة: 109] ؛ وقد جاء ذلك صريحاً في قوله تعالى: {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز * الذين إن مكنَّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} [الحج: 40، 41] ..
.5 ومنها: أنه ينبغي للإنسان أن يتشاغل بالأهم فالأهم مع الدعوة إلى الله عز وجل..
.6 ومنها: أن كل خير يقدمه العبد لربه عز وجل فإنه سيجد ثوابه عنده..
.7 ومنها: أن الثواب عام لجميع الأعمال صغيرها، وكبيرها؛ لقوله تعالى: { من خير }؛ فإنها نكرة في سياق الشرط؛ فتفيد العموم؛ فأيّ خير قدمته قليلاً كان، أو كثيراً ستجد ثوابه؛ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "اتقوا النار ولو بشق تمرة"(167) ..
.8 ومنها: الترغيب في فعل الخير، حيث إن الإنسان يجد ثوابه عند ربه مدخراً له . وهو أحوج ما يكون إليه ...
.9 ومنها: أن الإنسان إذا قدم خيراً فإنما يقدمه لنفسه؛ لقوله تعالى: { وما تقدموا لأنفسكم من خير }؛ ولهذا ليس له من ماله إلا ما أنفق لله؛ وما أخره فلوارثه..
.10 ومنها: عموم علم الله سبحانه وتعالى بكل ما نعمل..
.11 ومنها: التحذير من المخالفة؛ لقوله تعالى: ( إن الله بما تعملون بصير )


القـرآن
)وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة:111)
التفسير:
.{ 111 } قوله تعالى: { وقالوا } أي اليهود، والنصارى؛ { لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً }: هذا قول اليهود؛ { أو نصارى }: هذا قول النصارى..
قوله تعالى: { تلك أمانيهم } أي تلك المقالة؛ و{ أمانيهم } جمع أمنية؛ وهي ما يتمناه الإنسان بدون سبب يصل به إليه..
قوله تعالى: { قل } أي يا محمد؛ { هاتوا }: فعل أمر؛ لأن ما دل على الطلب، ولحقته العلامة فهو فعل أمر؛ يقال: "هاتي" للمرأة؛ "هاتيا" للاثنين؛ والأمر هنا للتحدي، والتعجيز؛ { برهانكم } أي دليلكم؛ مِن "برهن على الشيء": إذا بينه؛ أو من "بَرَه الشيء": إذا وضح بالعلامة؛ فعلى الأول تكون النون أصلية؛ وعلى الثاني تكون النون زائدة؛ وعلى القولين جميعاً فـ "البرهان" هو الذي يتبين به حجة الخصم؛ يعني ما نقبل كلامكم إلا إذا أقمتم عليه الدليل؛ فإذا أقمتم عليه الدليل فهو على العين، والرأس..
قوله تعالى: { إن كنتم صادقين } يعني أن هذا أمر لا يمكن وقوعه؛ فهو تحدٍّ، كقوله تعالى: {فتمنوا الموت إن كنتم صادقين * ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم} [البقرة: 94، 95] ؛ فإذا كانوا صادقين في زعمهم أنه لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً، أو نصارى فليأتوا بالبرهان؛ ولن يأتوا به؛ إذاً يكونون كاذبين.
الفوائد:
.1 من فوائد الآية: بيان ما كان عليه اليهود، والنصارى من الإعجاب بما هم عليه من الدين..
.2 ومنها: تعصب اليهود، والنصارى؛ وتحجيرهم لفضل الله..
.3 ومنها: أن ما ادعوه كذب؛ لقوله تعالى: { تلك أمانيهم }؛ فعلى قول هؤلاء اليهود يكون النصارى، والمسلمون لن يدخلوا الجنة؛ وقد سبق أن قالوا: لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة ثم تخلفوننا فيها؛ وعلى قول النصارى لا يدخل اليهود، ولا المسلمون الجنة؛ أما اليهود فصحيح: فإنهم كفروا بعيسى، وبمحمد؛ ومن كفر بهما فإنه لن يدخل الجنة؛ وأما بالنسبة للمسلمين فغير صحيح؛ بل المسلمون هم أهل الجنة؛ وأما اليهود والنصارى الذين لم يتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم أهل النار؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بما أرسلت به إلا كان من أصحاب النار"(168) ؛ فالحاصل أن هذا القول . وهو قولهم: لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى . كذب من الطرفين؛ ولهذا قال تعالى: { تلك أمانيهم }؛ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني(169)" ..
.4 ومن فوائد الآية: أن من اغتر بالأماني، وطمع في المنازل العالية بدون عمل لها ففيه شَبه من اليهود، والنصارى..
.5 ومنها: عدل الله عز وجل في مخاطبة عباده، حيث قال تعالى: { قل هاتوا برهانكم }؛ لأن هذا من باب مراعاة الخصم، وأنه إن كان لكم بينة فهاتوها؛ وهذا لا شك من أبلغ ما يكون من العدل؛ وإلا فالحكم لله العلي الكبير..
.6 ومنها: أن هؤلاء لا برهان لهم على ما ادعَوه بدليل أنهم لم يأتوا به..
.7 ومنها: أنهم كاذبون؛ لقوله تعالى: { إن كنتم صادقين }؛ ولو كان لهم أدنى حيلة بما يبرر قولهم، ويصدِّقه لأتوا بها..



القـرآن
)بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:112)
التفسير:
.{ 112 } قوله تعالى: { بلى }: هذا إبطال للنفي في قولهم: { لن يدخل... } إلخ؛ وإن كان بعض المفسرين يقول: إن { بلى } هنا بمعنى "بل"؛ ولكن نقول: { بلى } هنا حرف جواب تفيد إبطال النفي؛ يعني لما قالوا: { لن يدخل الجنة... } إلخ قال الله تعالى: { بلى } أي يدخل الجنة من ليس هوداً، أو نصارى؛ وبينه بقوله تعالى: { من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره }؛ { من } شرطية؛ وهي مبتدأ؛ وجواب الشرط قوله تعالى: { فله أجره }؛ والمراد بـ "الوجه" القصد، والنية، والإرادة؛ "أسلم وجهه لله" أي جعل اتجاهه، وقصده، وإرادته خالصاً لله عز وجل؛ وعبر بـ "الوجه" لأنه الذي يدل على قصد الإنسان؛ ولهذا يقال: أين كان وجه فلان؟ يعني: أين كان قصده، واتجاهه..
وقوله تعالى: { وهو محسن }: الجملة في محل نصب على الحال من فاعل { أسلم }؛ يعني: أسلم والحال أنه محسن . أي متبع لشريعة الله ظاهراً، وباطناً ...
قوله تعالى: { فله أجره } أي ثوابه؛ وشبَّهه بالأجر؛ لأن الله التزم به للعامل..
قوله تعالى: { عند ربه }: أضاف العندية إليه لفائدتين:.
الفائدة الأولى: أنه عظيم؛ لأن المضاف إلى العظيم عظيم؛ ولهذا جاء في حديث أبي بكر الذي علمه الرسولُ صلى الله عليه وسلم إياه أنه قال: "فاغفر لي مغفرة من عندك(170)" ..
والفائدة الثانية: أن هذا محفوظ غاية الحفظ، ولن يضيع؛ لأنك لا يمكن أن تجد أحداً أحفظ من الله؛ إذاً فلن يضيع هذا العمل؛ لأنه في أمان غاية الأمان..
وأضافه إلى وصف الربوبية ليبين كمال عناية الله بالعامل، وإثابته عليه؛ فالربوبية هنا من الربوبية الخاصة
قوله تعالى: { ولا خوف عليهم } أي فيما يستقبل من أمرهم { ولا هم يحزنون } أي فيما مضى من أمرهم.
الفوائد:
.1 من فوائد الآية: أن أهل الجنة هم الذين جمعوا بين وصفين؛ الأول: الإخلاص لله؛ لقوله تعالى: { من أسلم وجهه لله }؛ والثاني: اتباع شرعه؛ لقوله تعالى: { وهو محسن }..
.2 ومنها: أن إخلاص النية وحده لا يكفي في تبرير التعبد لله؛ لقوله تعالى: { وهو محسن }؛ وعلى هذا فمن قال: إنه يحب الله، ويخلص له وهو منحرف في عبادته فإنه لا يدخل في هذه الآية لاختلال شرط الإحسان..
ويتفرع على هذه الفائدة أن أهل البدع لا ثواب لهم على بدعهم . ولو مع حسن النية .؛ لعدم الإحسان الذي هو المتابعة؛ والأجر مشروط بأمرين: الأول: إسلام الوجه لله؛ والثاني: الإحسان..
.3 ومن فوائد الآية: الدلالة على الشرطين الأساسيين في العبادة؛ وهما الإخلاص؛ والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم..
.4 ومنها: ثبوت الأجر في الآخرة، وأن العمل لن يضيع؛ لقوله تعالى: ( فله أجره عند ربه )
.5 ومنها: أن الجزاء من جنس العمل..
.6 ومنها: عظم الثواب؛ لإضافته إلى الله في قوله تعالى: ( عند ربه )
.7 ومنها: انتفاء الخوف، والحزن لمن تعبد لله سبحانه وتعالى بهذين الوصفين؛ وهما الإخلاص والمتابعة؛ ولهذا قال تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} (الأنعام: 82)
.8 . ومنها: حسن عاقبة المؤمنين بانتفاء الخوف، والحزن عنهم؛ وغير المؤمنين تُملأ قلوبهم رعباً، وحزناً؛ قال تعالى: {وتقطعت بهم الأسباب} [البقرة: 166] ، وقال تعالى: {كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار} [البقرة: 167] ، وقال تعالى: {وأنذرهم يوم الحسرة} [مريم: 39] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على تحسر هؤلاء الذين لم يهتدوا إلى صراط الحميد..
.9 ومن فوائد الآية: الحث على الإخلاص لله سبحانه وتعالى في العبادة، واتباع الشرع فيها؛ لأن الله إنما أخبرنا بهذا الثواب لمن أخلص، واتبع الشريعة من أجل أن نقوم بذلك؛ وليس لمجرد الخبر؛ وهكذا يقال في كل ما أخبر الله به من ثواب على طاعة، أو عقاب على معصية؛ فإنه إنما يراد به الحث على الطاعة، والزجر عن المعصية..


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 16 Mar 2010, 04:50 AM   #77
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


القـرآن
)وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (البقرة:113)
التفسير:
.{ 113 } قوله تعالى: { وقالت اليهود ليست النصارى على شيء } يعني على شيء من الدين..
قوله تعالى: { وقالت النصارى ليست اليهود على شيء } يعني على شيء من الدين..
وإنما قالت اليهود ذلك؛ لأنهم يكفرون بعيسى، ولا يرون شريعته ديناً؛ وقالت النصارى: { ليست اليهود على شيء }؛ لأنهم يرون أن الدين الحق ما كانوا عليه، واليهود قد كفروا به؛ أما عن دعوى اليهود فإنها باطلة على كل تقدير؛ لأن النصارى بلا شك على دين قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم؛ وأما دعوى النصارى في اليهود فحق؛ لأن دينهم نسخ بما جاء به عيسى؛ إذ إنهم يجب عليهم أن يؤمنوا بعيسى؛ فإذا كذبوه لم يكونوا على شيء من الدين؛ بل هم كفار..
قوله تعالى: { وهم يتلون الكتاب }: الجملة هذه حالية؛ والضمير { هم } يعود على اليهود، والنصارى؛ يعني: والحال أن هؤلاء المدعين كلهم { يتلون الكتاب } يعني يقرؤونه؛ والمراد بـ{ الكتاب } الجنس، فيشمل التوراة، والإنجيل؛ و "كتاب" فعال بمعنى مفعول؛ لأن الكتب المنزلة من السماء تكتب وتُقرأ؛ ولا سيما أن التوراة كتبها الله بيده سبحانه وتعالى..
قوله تعالى: { كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم }؛ قال المعربون: إن الكاف في مثل هذا التعبير اسم بمعنى "مثل"، وأنها منصوبة على المفعولية المطلقة؛ وأن "ذلك" اسم إشارة يشير إلى المصدر؛ أي مثلَ ذلك القول قال: { الذين لا يعلمون }؛ يعني: الذين لم يقرؤوا كتاباً؛ وكلمة { مثل قولهم } تأكيد لـ{ كذلك }؛ قالوا: لأن العامل الواحد لا ينصب معمولين بمعنى واحد..
وقوله تعالى: { الذين لا يعلمون }؛ قال بعض المفسرين: المراد بهم كفار قريش . أهل الجاهلية .؛ فإنهم قالوا: إن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس على دين، وليس على شيء؛ وقال بعض المفسرين: إنهم أمم سابقة؛ وقال بعض المفسرين: إنهم طوائف من اليهود، والنصارى؛ يعني أن الذين يتلون الكتاب من اليهود، والنصارى قالوا مثل قول الذين لا يعلمون منهم؛ فاستوى قول عالمهم، وجاهلهم؛ والأحسن أن يقال: إن الآية عامة . مثل ما اختاره ابن جرير، وغيره .؛ والقاعدة أن النص من الكتاب، والسنة إذا كان يحتمل معنيين لا منافاة بينهما، ولا يترجح أحدهما على الآخر فإنه يحمل على المعنيين جميعاً؛ لأنه أعم في المعنى؛ وهذا من سعة كلام الله عز وجل، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وشمول معناهما؛ وهذه قاعدة مهمة ينبغي أن يحتفظ بها الإنسان..
قوله تعالى: { فالله يحكم بينهم يوم القيامة}؛ الفاء حرف عطف؛ ولفظ الجلالة مبتدأ؛ وجملة: { يحكم } في محل رفع خبر المبتدأ؛ و{ يحكم } للمستقبل؛ و "الحكم" معناه القضاء، والفصل بين الشيئين؛ والله . تبارك وتعالى . يوم القيامة يقضي بين الناس فيما كانوا فيه يختلفون؛ فيبين لصاحب الحق حقه، ويجزيه به؛ و{ يوم القيامة } هو اليوم الذي يبعث فيه الناس؛ وسمي بذلك لأمور ثلاثة سبق ذكرها(171) ..
قوله تعالى: { فيما كانوا فيه يختلفون } أي في الخلاف الواقع بينهم؛ ومعلوم أن هناك خلافاً بين اليهود، والنصارى؛ بل النصارى الآن مختلفون في مللهم بعضهم مع بعض اختلافاً جوهرياً في الأصول؛ واليهود كذلك على خلاف؛ وكذلك المسلمون عامة مع الكفار؛ والذي يحكم بينهم هو الله عز وجل يوم القيامة..

الفوائد:
.1 من فوائد الآية: أن الأمم الكافرة يكفِّر بعضها بعضاً؛ فهم أعداء بعضهم لبعض من جهة؛ وأولياء بعضهم لبعض من جهة أخرى: بالنسبة لنا هم بعضهم لبعض وليّ؛ وبالنسبة لما بينهم بعضهم لبعض عدو؛ فالإسلام عدو مشترك لليهودية، والنصرانية، وسائر الكفار؛ فيجب أن يتولى بعضنا بعضاً..
.2 ومنها: شدة قبح قول من خالف الحق وهو يعلمه؛ لقوله تعالى: { وهم يتلون الكتاب }؛ فهذه الجملة تفيد زيادة القبح فيما قالوه، حيث قالوا ذلك وهم يتلون الكتاب، ويعرفون الحق؛ فالنصارى تتلو التوراة، وتعرف أن اليهود تدين بالتوراة . وهم على دين صحيح قبل بعثة عيسى .؛ واليهود أيضاً يتلون الإنجيل، ويعرفون أن عيسى حق؛ لكنهم كفروا استكباراً؛ ولا ريب أن الذي ينكر الحق مع العلم به أعظم قبحاً من الذي ينكر الحق مع الجهل به؛ لأن هذا معاند مكابر بخلاف الجاهل، فالجاهل ينكر الحق للجهل به؛ ثم إذا تبين له الحق اتبعه إذا كان المانع له من اتباعه الجهل؛ لكن العالم لا عذر له..
.3 ومن فوائد الآية: إثبات يوم القيامة؛ لقوله تعالى: { فالله يحكم بينهم يوم القيامة }؛ والإيمان بيوم القيامة أحد أركان الإيمان الستة؛ ولأهميته يقرنه الله سبحانه وتعالى كثيراً بالإيمان به عز وجل..
.4 ومنها: إثبات الحكم لله عز وجل؛ لقوله تعالى: { فالله يحكم بينهم }؛ وحكم الله سبحانه وتعالى ينقسم إلى ثلاثة أقسام: شرعي، وكوني، وجزائي؛ فالشرعي: مثل قوله تعالى في سورة الممتحنة: {ذلكم حكم الله يحكم بينكم} [الممتحنة: 10] ؛ والكوني: مثل قوله تعالى عن أخي يوسف: {فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين} [يوسف: 80] ؛ والجزائي: مثل هذه الآية: {فالله يحكم بينهم يوم القيامة }؛ والحكم الجزائي هو ثمرة الحكم الشرعي؛ لأنه مبني عليه: إن خيراً فخير؛ وإن شراً فشر؛ هذا الحكم يوم القيامة بين الناس إما بالعدل؛ أو بالفضل؛ ولا يمكن أن يكون بالظلم؛ لقوله تعالى: {وما ربك بظلام للعبيد} [فصلت: 46] ، وقوله تعالى: {ولا يظلم ربك أحداً} [الكهف: 49] ، وقوله تعالى في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرَّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً"(172) ؛ هذا بالنسبة لحقوق الله؛ أما بالنسبة لحقوق الخلق فيما بينهم فيقضى بينهم بالعدل..
فإذا قال قائل: إذا كان الله تعالى يجزي المؤمنين بالفضل، فما الجواب عن قوله تعالى: {ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط} [يونس: 4] ؟
فالجواب: أن هذا هو الذي أوجبه الله على نفسه؛ والفضل زيادة؛ والمقام مقام تحذير..
.5 ومن فوائد الآية: أن هؤلاء الذين اختلفوا في الحق، والباطل، سوف يكون القضاء بينهم يوم القيامة بين يدي الله عز وجل؛ فيجزي صاحب الحق بعمله، ويجزي صاحب الباطل بعمله؛ لقوله تعالى: { فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون }، وقوله تعالى: {فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا} [النساء: 141] ؛ ولهذا لا يوجد حكم يبين للخصم أن الحق له دون خصمه إلا في هذا؛ فالقاضي مثلاً لا يقول لأحد الخصمين: "لن يكون لخصمك سبيل عليك" حتى يتبين، ويأتي كلٌّ بحجته؛ لكن هنا بيّن الله أن الكافرين ليس لهم سبيل على المؤمنين؛ لأن الحجة واضحة للجميع..
* * *

انتهى المجلد الأول من التفسير ويليه المجلد الثاني بإذن الله
وبدايته تفسير الآية 114 من سورة البقرة


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 16 Mar 2010, 05:01 AM   #78
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


القــــرآن
{)وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (البقرة:114)

التفسير:ـ
{ 114 } قوله تعالى: { ومن أظلم }: { من } اسم استفهام؛ وهي مبتدأ؛ و{ أظلم } خبرها؛ والاستفهام هنا بمعنى النفي؛ يعني لا أحد أظلم؛ والميزان الذي يبيِّن أن الاستفهام بمعنى النفي أنك لو حذفت الاستفهام، وأقمت النفي مقامه لصح؛ والفائدة من تحويل النفي إلى الاستفهام أنه أبلغ في النفي؛ إذ إن الاستفهام الذي بمعنى النفي مشرب معنى التحدي؛ كأنه يقول: بيِّنوا لي أيّ أحد أظلم من كذا وكذا.
وقوله تعالى: { أظلم } اسم تفضيل من الظلم؛ وأصله في اللغة النقص؛ وهو أن يفرط الإنسان فيما يجب؛ أو يعتدي فيما يحرم؛ ويدل على هذا قوله تعالى: {كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً} [الكهف: 33] أي لم تنقص؛ وهو في الشرع بهذا المعنى؛ لأن الظلم عبارة عن تفريط في واجب، أو انتهاك لمحرم وهذا نقص
قوله تعالى: { ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه }: «مِن» حرف جر؛ و{ مَن } اسم موصول؛ أي من الذي منع؛ وأضيفت المساجد إلى الله عز وجل؛ لأنها محل عبادته؛ فتكون الإضافة هنا من باب التشريف.
وقوله تعالى: { مساجد الله } منصوب على أنه مفعول { منع }؛ و{ أن يذكر فيها اسمه } بدل منه.
قوله تعالى: { وسعى في خرابها } معطوف على { منع }؛ يعني جمع وصفين: منع المساجد أن يذكر فيها اسمه؛ والسعي في خرابها؛ والخراب هو الفساد، كما قال تعالى: {يخربون بيوتهم بأيديهم} [الحشر: 2] .
قوله تعالى: { أولئك } اسم إشارة يعود إلى الذين منعوا مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، وسعوا في خرابها؛ { ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين } يحتمل ثلاثة معان:
الأول: ما كان ينبغي لهؤلاء أن يدخلوها إلا خائفين فضلاً عن أن يمنعوا عباد الله؛ لأنهم كافرون بالله عز وجل؛ فليس لهم حق أن يدخلوا المساجد إلا خائفين.
الثاني: أن هذا خبر بمعنى النهي؛ يعني: لا تدعوهم يدخلوها - إذا ظهرتم عليهم - إلا خائفين.
الثالث: أنها بشارة من الله عز وجل أن هؤلاء الذين منعوا المساجد - ومنهم المشركون الذين منعوا النبي صلى الله عليه وسلم المسجد الحرام - ستكون الدولة عليهم، ولا يدخلونها إلا وهم ترجف قلوبهم.
قوله تعالى: { لهم في الدنيا خزي } أي ذل، وعار { ولهم في الآخرة عذاب عظيم } أي عقوبة عظيمة.
الفوائد:
1- من فوائد الآية: أن المعاصي تختلف قبحاً؛ لقوله تعالى: { ومن أظلم }؛ و{ أظلم } اسم تفضيل؛ واسم التفضيل يقتضي مفضَّلاً، ومفضَّلاً عليه؛ وكما أن المعاصي تختلف، فكذلك الطاعات تختلف: بعضها أفضل من بعض؛ وإذا كانت الأعمال تختلف فالعامل نتيجة لها يختلف؛ فبعض الناس أقوى إيماناً من بعض؛ وبهذا نعرف أن القول الصحيح قول أهل السنة، والجماعة في أن الإيمان يزيد، وينقص، والناس يتفاوتون تفاوتاً عظيماً لا في الكسب القلبي، ولا في الكسب البدني: فإن الناس يتفاوتون في اليقين؛ ويتفاوتون في الأعمال الظاهرة من قول أو فعل.
يتفاوتون في اليقين: فإن الإنسان نفسه تتفاوت أحواله بين حين وآخر؛ في بعض الأحيان يصفو ذهنه وقلبه حتى كأنما يشاهد الآخرة رأي عين؛ وفي بعض الأحيان تستولي عليه الغفلة، فيَقِلُّ يقينه؛ ولهذا قال الله تعالى لإبراهيم: {أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي} [البقرة: 260] ؛ وتفاوت الناس في العلم، واليقين أمر معلوم: فلو أتى رجل، وقال: «قدم فلان» - والرجل ثقة عندي - صار عندي علم بقدومه؛ فإذا جاء آخر، وقال: «قدم فلان» ازداد علمي؛ فإذا جاء الثالث ازداد علمي أكثر؛ فإذا رأيتُه ازداد علمي؛ فالأمور العلمية تتفاوت في إدراك القلوب لها.
أيضاً يتفاوت الناس في الأقوال: فالذي يسبِّح الله عشر مرات أزيد إيماناً ممن يسبِّحه خمس مرات؛ وهذه زيادة كمية الإيمان؛ كذلك يتفاوت الناس في الأعمال من حيث جنس العمل: فالمتعبد بالفريضة أزيد إيماناً من المتعبد بالنافلة؛ لقوله تعالى في الحديث القدسي: «ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه»(1) ؛ فبهذا يكون القول الصواب بلا ريب قول أهل السنة، والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص.
2 - ومن فوائد الآية: جواز منع دخول المساجد لمصلحة؛ لقوله تعالى: { أن يذكر فيها اسمه}؛ ومنع مساجد الله له أسباب؛ فتارة تمنع المساجد من أن تمتهن فرشها، أو أرضها، أو كتبها، أو مصاحفها؛ فتغلَّق الأبواب حماية لها؛ وتارة تغلق أبوابها خوفاً من الفتنة، كما لو اجتمع فيها قوم لإثارة الفتن، والتشويش على العامة؛ فتغلق منعاً لهؤلاء من الاجتماع؛ وتارة تغلق لترميمها، وإصلاحها؛ وتارة تغلق خوفاً من سرقة ما فيها؛ ففي كل هذه الصور إغلاقها مباح، أو مطلوب.
3 - ومنها: تحريم منع المساجد من أن يذكر فيها اسم الله سواء كان ذكر الله: صلاة، أو قراءة للقرآن، أو تعليماً للعلم، أو غير ذلك.
وأخذ بعض العلماء من هذه الآية: تحريم التحجر؛ وهو أن يضع شيئاً في الصف، فيمنع غيره من الصلاة فيه، ويخرج من المسجد؛ قالوا: لأن هذا منع المكان الذي تحجره بالمسجد أن يذكر فيه اسم الله؛ لأن هذا المكان أحق الناس به أسبق الناس إليه؛ وهذا قد منع من هو أحق بالمكان منه أن يذكر فيه اسم الله؛ وهذا مأخذ قوي؛ ولا شك أن التحجر حرام: أن الإنسان يضع شيئاً، ويذهب، ويبيع، ويشتري، ويذهب إلى بيته يستمتع بأولاده، وأهله؛ وأما إذا كان الإنسان في نفس المسجد فلا حرج أن يضع ما يحجز به المكان بشرط ألا يتخطى الرقاب عند الوصول إليه، أو تصل إليه الصفوف؛ فيبقى في مكانه؛ لأنه حينئذ يكون قد شغل مكانين.
4- ومن فوائد الآية: شرف المساجد؛ لإضافتها إلى الله؛ لقوله تعالى: { مساجد الله }؛ والمضاف إلى الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام: إما أن يكون أوصافاً؛ أو أعياناً؛ أو ما يتعلق بأعيان مخلوقة؛ فإذا كان المضاف إلى الله وصفاً فهو من صفاته غير مخلوق، مثل كلام الله، وعلم الله؛ وإذا كان المضاف إلى الله عيناً قائمة بنفسها فهو مخلوق وليس من صفاته، مثل مساجد الله، وناقة الله، وبيت الله؛ فهذه أعيان قائمة بنفسها إضافتها إلى الله من باب إضافة المخلوق لخالقه على وجه التشريف؛ ولا شيء من المخلوقات يضاف إلى الله عز وجل إلا لسبب خاص به؛ ولولا هذا السبب ما خص بالإضافة؛ وإذا كان المضاف إلى الله ما يتعلق بأعيان مخلوقة فهو أيضاً مخلوق؛ وهذا مثل قوله تعالى: {ونفخت فيه من روحي} [الحجر: 29] ؛ فإن الروح هنا مخلوقة؛ لأنها تتعلق بعين مخلوقة.
5-ومن فوائد الآية: أن المصلَّيات التي تكون في البيوت، أو الدوائر الحكومية لا يثبت لها هذا الحكم؛ لأنها مصلَّيات خاصة؛ فلا يثبت لها شيء من أحكام المساجد.
6- ومنها: أنه لا يجوز أن يوضع في المساجد ما يكون سبباً للشرك؛ لأن { مساجد الله } معناها موضع السجود له؛ فإذا وضع فيها ما يكون سبباً للشرك فقد خرجت عن موضوعها، مثل أن نقبر فيها الموتى؛ فهذا محرم؛ لأن هذا وسيلة إلى الشرك.
7- ومنها: وجوب تطهير المساجد؛ وهذا مأخوذ من إضافتها إلى الله تلك الإضافة القاضية بتشريفها، وتعظيمها؛ ولهذا قال تعالى: { وطهر بيتي للطائفين والعاكفين والركَّع السجود }.
8- ومنها: أن الناس فيها سواء؛ لأن الله تعالى أضافها إلى نفسه: { مساجد الله }؛ والناس عباد الله - بالنسبة إلى الله في المسجد سواء -؛ فكل من أتى إلى هذه المساجد لعبادة الله فإنه لا فرق بينه وبين الآخرين.
وهنا نقول: إن للعالِم الحق أن يتخذ مكاناً يجعله لإلقاء الدرس، وتعليم الناس؛ لكنه إذا أقيمت الصلاة لا يمنع الناس - هو، وغيره سواء -.
9- ومنها: أن ذكر الله لا بد أن يكون باسمه، فتقول: لا إله إلا الله؛ سبحان الله؛ سبحان ربك رب العزة عما يصفون؛ سبحان ربي العظيم؛ فالذكر باللسان لا يكون إلا باسم الله؛ أما ذكر القلب فيكون ذكراً لله، وذكراً لأسمائه؛ فقد يتأمل الإنسان في قلبه أسماء الله، ويتدبر فيها، ويكون ذكراً للاسم؛ وقد يتأمل في أفعال الله عز وجل، ومخلوقاته، وأحكامه الشرعية.
أما ذكره بالضمير المفرد فبدعة، وليس بذكر، مثل طريقة الصوفية الذين يقولون: أفضل الذكر أن تقول: «هو»، «هو»؛ «هو»، «هو»؛ قالوا: لأنك لا تشاهد إلا الله -والعياذ بالله؛ فهم يرون أن أكمل حال الإنسان هو الفناء - أي يفنى عن مشاهدة ما سوى الله، بحيث إنه ما شاهد إلا الله؛ ويقولون: ليس بلازم أن تقول: «لا إله إلا الله»: تثبت إلهين: واحد منفي، والثاني مثبت! بل قل: «هو»، «هو»، «هو»؛ فهذا لا شك من البدع؛ وليس ذكراً لله عز وجل؛ بل هو من المنكر.
10 - ومن فوائد الآية: تحريم تخريب المساجد؛ لقوله تعالى: { وسعى في خرابها }؛ ويشمل الخراب الحسي، والمعنوي؛ لأنه قد يتسلط بعض الناس - والعياذ بالله - على هدم المساجد حسًّا بالمعاول، والقنابل؛ وقد يخربها معنًى، بحيث ينشر فيها البدع والخرافات المنافية لوظيفة المساجد.
11 - ومنها: البشارة للمؤمنين بأن العاقبة لهم، وأن هؤلاء الذين منعوهم لن يدخلوها إلا وهم خائفون؛ وهذا على أحد الاحتمالات التي ذكرناها.
12 - ومنها: أن عقوبة من منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها، الخزي والعار في الدنيا، والعذاب العظيم في الآخرة.
13 - ومنها: أن الذنب إذا كان فيه تعدٍّ على العباد فإن الله قد يجمع لفاعله بين العقوبتين: عقوبة الدنيا، وعقوبة الآخرة؛ عقوبة الدنيا ليشفي قلب المظلوم المعتدى عليه؛ ولا شك أن الإنسان إذا اعتدى عليك، ثم رأيت عقوبة الله فيه أنك تفرح بأن الله سبحانه وتعالى اقتص لك منه؛ أما إذا كان في حق الله فإن الله تعالى لا يجمع عليه بين عقوبتين؛ لقوله تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} [الشورى: 30] .
14 - ومن فوائد الآية: إثبات يوم القيامة؛ لقوله تعالى: { ولهم في الآخرة عذاب عظيم }.
15 - ومنها: أن عذاب الآخرة أعظم من عذاب الدنيا، كما أن نعيم الآخرة أكمل من نعيم الدنيا؛ ولكن الله سبحانه وتعالى يُري عباده نموذجاً من هذا، ومن هذا؛ لأنه لا يستقيم فهم الوعيد، ولا فهم الوعد، إلا بمشاهدة نموذج من ذلك؛ لو كان الله توعد بالنار، ونحن لا ندري ما هي النار، فلا نخاف إلا خوفاً إجمالياً عاماً؛ وكذلك لو وعد بالنعيم والجنة، ولا نعرف نموذجاً من هذا النعيم، لم يكن الوعد به حافزاً للعمل.


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 16 Mar 2010, 05:01 AM   #79
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


القـرآن
{)وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:115)

التفسير:
{ 115 } قوله تعالى: { ولله المشرق والمغرب }؛ اللام للاختصاص؛ يعني أن الله سبحانه وتعالى مختص بملك المشرق، والمغرب؛ وأما من سواه فملكه محدود؛ و{ المشرق } مكان الشروق؛ و{ المغرب } مكان الغروب؛ وقد وردت المشرق، والمغرب في القرآن على ثلاثة أوجه: مفردة، ومثناة، وجمع؛ فجاءت مفردة هنا فقال تعالى: { ولله المشرق والمغرب }؛ وجاءت مثناة في قوله تعالى: {رب المشرقين ورب المغربين} [الرحمن: 17] ، وجمعاً في قوله تعالى: {فلا أقسم برب المشارق والمغارب} [المعارج: 40] ؛ والجمع بين هذه الأوجه الثلاثة أن نقول: أما «المشرق» فلا ينافي «المشارق» ، ولا «المشرقين» ؛ لأنه مفرد محلى بـ «أل» ؛ فهو للجنس الشامل للواحد، والمتعدد؛ وأما { رب المشرقين ورب المغربين }، و{ رب المشارق والمغارب } فالجمع بينهما أن يقال: إن جمع { المشارق }، و{ المغارب } باعتبار الشارق، والغارب؛ لأن الشارق، والغارب كثير: الشمس، والقمر، والنجوم؛ كله له مشرق، ومغرب؛ فمن يحصي النجوم! أو باعتبار مشرق كل يوم، ومغربه؛ لأن كل يوم للشمس مشرق، ومغرب؛ وللقمر مشرق، ومغرب؛ وثنَّى باعتبار مشرق الشتاء، ومشرق الصيف؛ فمشرق الشتاء تكون الشمس في أقصى الجنوب؛ ومشرق الصيف في أقصى الشمال؛ وبينهما مسافات عظيمة لا يعلمها إلا الله؛ وسورة «الرحمن» أكثر ما فيها بصيغة التثنية؛ فلذلك كان من المناسب اللفظي أن يذكر المشرق، والمغرب بصيغة التثنية؛ أما عند العظمة فذكرت بالجمع: {فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون * على أن نبدل خيراً منهم وما نحن بمسبوقين} [المعارج: 40، 41] ؛ فقوله تعالى: { ولله المشرق والمغرب } أي مشرق كل شارق؛ ومغرب كل غارب؛ ويحتمل أن المراد له كل شيء؛ لأن ذكر المشرق والمغرب يعني الإحاطة والشمول.
قوله تعالى: { فأينما تولوا فثم وجه الله }؛ «أين» شرطية؛ و «ما» زائدة للتوكيد؛ و{ تولوا } فعل الشرط مضارع مجزوم بأداة الشرط؛ وعلامة جزمه حذف النون؛ وقوله تعالى: { فثم وجه الله }: الفاء رابطة لجواب الشرط؛ و{ ثم } اسم إشارة يشار به للبعيد؛ وهو ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم؛ { وجه } مبتدأ مؤخر؛ والجملة من المبتدأ وخبره في محل جزم جواب الشرط.
قوله تعالى: { تولوا } أي تتجهوا؛ { فثم } أي فهناك؛ والإشارة إلى الجهة التي تولوا إليها؛ و{ وجه الله }: اختلف فيه المفسرون من السلف، والخلف، فقال بعضهم: المراد به وجه الله الحقيقي؛ وقال بعضهم: المراد به الجهة: { فثم وجه الله } يعني: في المكان الذي اتجهتم إليه جهة الله عز وجل؛ وذلك؛ لأن الله محيط بكل شيء؛ ولكن الراجح أن المراد به الوجه الحقيقي؛ لأن ذلك هو الأصل؛ وليس هناك ما يمنعه؛ وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قِبَل وجه المصلي(2)؛ والمصلُّون حسب مكانهم يتجهون؛ فأهل اليمن يتجهون إلى الشمال؛ وأهل الشام إلى الجنوب؛ وأهل المشرق إلى المغرب؛ وأهل المغرب إلى الشرق؛ وكل يتجه جهة؛ لكن الاتجاه الذي يجمعهم الكعبة؛ وكل يتجه إلى وجه الله؛ وعلى هذا يكون معنى الآية: أنكم مهما توجهتم في صلاتكم فإنكم تتجهون إلى الله سواء إلى المشرق، أو إلى المغرب، أو إلى الشمال، أو إلى الجنوب.
قوله تعالى: { إن الله واسع عليم }؛ «الواسع» يعني واسع الإحاطة، وواسع الصفات؛ فهو واسع في علمه، وفي قدرته، وسمعه، وبصره، وغير ذلك من صفاته؛ و{ عليم } أي ذو علم؛ وعلمه محيط بكل شيء.
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: انفراد الله بالملك؛ لتقديم الخبر في قوله تعالى: { ولله المشرق والمغرب}.
2 - ومنها: عموم ملك الله؛ لأن المشرق والمغرب يحتويان كل شيء.
3 - ومنها: إحاطة الله تعالى بكل شيء؛ لقوله تعالى: { فأينما تولوا فثم وجه الله }.
4 - ومنها: عموم ملك الله تعالى للمشرق، والمغرب خلقاً وتقديراً؛ وله أن يوجه عباده إلى ما شاء منهما من مشرق ومغرب؛ فله ملك المشرق والمغرب توجيهاً؛ وقد سبق أن قوله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها...} [البقرة: 106] إلى آيات نسخ القبلة كله تمهيد لتحويل القبلة؛ فكأن الله تعالى يقول: لله المشرق والمغرب فإذا شاء جعل اتجاه القبلة إلى المشرق؛ وإذا شاء جعله إلى المغرب؛ فأينما تولوا فثم وجه الله.
5 - ومنها: إثبات الوجه لله سبحانه وتعالى؛ لقوله تعالى: { فثم وجه الله }.
6 - ومنها: أن الله تعالى له مكان لقوله تعالى: { فثم }؛ لأن «ثم» إشارة إلى المكان؛ ولكن مكانه في العلو؛ لا يحيط به شيء من مخلوقاته؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم للجارية: «أين الله؟ قالت: في السماء»(3) .
7 - ومنها: إبطال بدعتين ضالتين؛ إحداهما بدعة الحلولية القائلين بأن الله تعالى في كل مكان بذاته؛ فإن قول هؤلاء باطل يبطله السمع، والعقل، والفطرة أيضاً؛ الثانية: قول النفاة المعطلة الذين يقولون: إن الله لا داخل العالم، ولا خارجه؛ ولا فوق العالم، ولا تحته؛ ولا يمين العالم، ولا شمال العالم، ولا متصل بالعالم، ولا منفصل عن العالم؛ وهذا القول قال بعض أهل العلم: لو قيل لنا: صفوا لنا العدم ما وجدنا وصفاً أدق من هذا.
8 - ومن فوائد الآية: إثبات اسمين من أسماء الله؛ وهما: { واسع }، و{ عليم }.
9- ومنها: إثبات سعة الله، وعلمه؛ ونستفيد صفة ثالثة من جمع السعة والعلم؛ للإشارة إلى أن علم الله واسع بمعنى أنه لا يفوته شيء من كل معلوم لا في الأرض، ولا في السماء.

القــــرآن
{ )وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) (البقرة:116) )بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (البقرة:117)

التفسير:
{ 116 } قوله تعالى: { وقالوا اتخذ الله ولداً } أي قالت النصارى، واليهود، والمشركون، اتخذ الله ولداً؛ اليهود قالت: عُزير ابن الله؛ والنصارى قالت: المسيح ابن الله؛ والمشركون قالوا: الملائكة بنات الله؛ فنزه الله نفسه عن ذلك بقوله تعالى: { سبحانه } أي تنزيهاً له أن يكون له ولد؛ لأنه الغني بذاته عن جميع مخلوقاته؛ وهو سبحانه وتعالى مالك لجميع المخلوقات، كما قال تعالى مبطلاً هذه الدعوى: { بل له ما في السموات والأرض }؛ ومن له ملك السموات والأرض، لا يحتاج إلى ولد؛ ولأنه لو كان له ولد لكان الولد مماثلاً له؛ والله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء.
قوله تعالى: { كل له قانتون } أي كل له خاشع ذليل؛ لأنه مملوك؛ والله - تبارك وتعالى - هو المالك؛ وهذا من الاستدلال بالعقل على كذب دعوى هؤلاء أن له سبحانه وتعالى ولداً.
{ 117 } قوله تعالى: { بديع }: فعيل بمعنى مُفعل؛ أي مبدع؛ ولها نظير في اللغة العربية، مثل قول الشاعر:
(أم الريحانةَ الداعي السميع يؤرقني وأصحابي هجوع) فـ«السميع» بمعنى المسمِع؛ { بديع السموات والأرض} أي موجدهما على غير مثال سابق.
قوله تعالى: { وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون } أي إذا أراد أن يقضي أمراً؛ والفعل يأتي بمعنى إرادته المقارنة له، مثل قوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} [النحل: 98] أي إذا أردت قراءته؛ والدليل على تأويل {قضى } بمعنى «أراد أن يقضي» هو قوله تعالى في آية أخرى: {إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون} [يس: 82] ؛ على أنه يصلح أن يكون { إذا قضى أمراً... } بمعنى إذا فعل شيئاً فإنما يقول تعالى له عند فعله: { كن فيكون }؛ يعني أن فعله سبحانه وتعالى للشيء يكون بعد قوله عز وجل: { كن } من غير تأخر؛ لأنه ليس أمراً شاقاً عليه؛ و{ أمراً } واحد الأمور؛ يعني الشؤون؛ أي إذا قضى شأناً من شؤونه سبحانه وتعالى فإن ذلك لا يصعب عليه: { فإنما يقول له كن }؛ أي لا يقول له إلا «كن» مرة واحدة بدون تكرار؛ و{ كن } هنا تامة من «كان» بمعنى حدث؛ { فيكون } أي فيحدث كما أمره الله سبحانه وتعالى على ما أراد الله عز وجل.
وفي قوله تعالى: { فيكون } قراءتان؛ هما النصب، والرفع؛ فعلى قراءة النصب تكون جواباً للأمر: { كن } أي فبسبب ذلك يكون؛ وتكون الفاء للسببية؛ وعلى قراءة الرفع تكون للاستئناف؛ أي فهو يكون.
الفوائد:
1 - من فوائد الآيتين: بيان عتوّ الإنسان وطغيانه، حيث سبَّ الله سبحانه وتعالى هذه السبَّة العظيمة، فقال: إن الله اتخذ ولداً!!! في الحديث الصحيح القدسي: «كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك؛ وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله: إنه لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولداً، وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفْئاً أحدٌ»(4) ؛ فهذا من أعظم العدوان؛ وهو يشير كما تقدم في التفسير إلى ثلاث طوائف: اليهود، والنصارى، والمشركين؛ وقد أبطل الله هذه الدعوى الكاذبة من ستة أوجه:
الوجه الأول: في قوله تعالى: { سبحانه }؛ فإن تنزهه عن النقص يقتضي أن يكون منزهاً عن اتخاذ الولد؛ لأن اتخاذ الولد يقصد به الإعانة، ودفع الحاجة، أو بقاء العنصر؛ والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك؛ ومنزه أيضاً عن المماثلة؛ ولو كان له ولد لكان مثيلاً له.
الوجه الثاني: في قوله تعالى: { بل له ما في السموات والأرض }؛ وعموم ملكه يستلزم استغناءه عن الولد.
الوجه الثالث: في قوله تعالى: { بل له ما في السموات والأرض }، والمملوك لا يكون ولداً للمالك؛ حتى إنه شرعاً إذا ملك الإنسان ولده يعتق عليه؛ فالمملوك لا يمكن أن يكون ولداً للمالك؛ فالله خالق؛ وما سواه مخلوق؛ فكيف يكون المخلوق ولداً للخالق!
الوجه الرابع: في قوله تعالى: { كل له قانتون }؛ ووجهه أن العباد كلهم خاضعون ذليلون؛ وهذا يقتضي أنهم مربوبون لله عابدون له؛ والعبد لا يكون ولداً لربه.
الوجه الخامس: في قوله تعالى: { بديع السموات والأرض }؛ ووجهه أنه سبحانه وتعالى مبدع السموات والأرض؛ فالقادر على خلق السموات والأرض قادر على أن يخلق إنساناً بلا أب، كما قال تعالى: {لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس} [غافر: 57] .
الوجه السادس: في قوله تعالى: { إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون }؛ ومن كان هذه قدرته فلا يستحيل عليه أن يوجد ولداً بدون أب.
فبطلت شبهتهم التي يحتجون بها على أن لله ولداً.
2 - ومن فوائد الآيتين: امتناع أن يكون لله ولد؛ لهذه الوجوه الستة.
3- ومنها: عموم ملك الله سبحانه وتعالى؛ لقوله تعالى: { بل له ما في السموات والأرض }.
4- ومنها: أن الله لا شريك له في ملكه؛ لتقديم الخبر في قوله تعالى: { له ما في السموات والأرض }؛ وتقديم الخبر يفيد الاختصاص.
5- ومنها: أن كل من في السموات، والأرض قانت لله؛ والمراد القنوت العام - وهو الخضوع للأمر الكوني -؛ والقنوت يطلق على معنيين؛ معنى عام وخاص؛ «المعنى الخاص» هو قنوت العبادة، والطاعة، كما في قوله تعالى: {أمَّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً} [الزمر: 9] ، وكما في قوله تعالى: {وصدَّقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين} [التحريم: 12] ، وكما في قوله تعالى: {يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين} [آل عمران: 43] ؛ و«المعنى العام» هو قنوت الذل العام؛ وهذا شامل لكل من في السموات، والأرض، كما في هذه الآية: { كل له قانتون }؛ حتى الكفار بهذا المعنى قانتون لله سبحانه وتعالى؛ لا يخرجون عن حكمه الكوني.
6 - ومن فوائد الآيتين: عظم قدرة الله عز وجل ببدع السموات، والأرض؛ فإنها مخلوقات عظيمة.
7- ومنها: حكمة الله سبحانه وتعالى بأن هذه السموات، والأرض على نظام بديع عجيب؛ قال تعالى: {ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت} [الملك: 3] ؛ هذا النظام الواسع الكبير العظيم لا يختل، ولا يتغير على مر السنين، والأعوام؛ فتدل على قدرة باهرة بالغة، وحكمة عظيمة بالغة: كل شيء منظم تنظيماً بديعاً متناسباً، فلا يصطدم شيء بشيء فيفسده؛ ولا يغير شيء شيئاً؛ بل كل سائر حسب ما أمره الله به؛ قال الله تعالى: {وأوحى في كل سماء أمرها} [فصلت: 12] ؛ إذاً { بديع السموات والأرض } يستفاد منها القوة، والقدرة، والحكمة.
8- ومن فوائد الآيتين: أن السموات عدد؛ لأن الجمع يدل على العدد؛ وقد بيَّن الله في القرآن، وثبتت السنة، وأجمع المسلمون على أن السماء جرم محسوس؛ وليس كما قال أهل الإلحاد: إن الذي فوقنا فضاء لا نهاية له؛ وأما الأرض فلم تأت في القرآن إلا مفردة؛ لكن أشار الله سبحانه وتعالى إلى أنها سبع في قوله تعالى: {الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن} [الطلاق: 12] ؛ وصرحت السنة بذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: «من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين»(5) .
9- ومن فوائد الآيتين: أن الله سبحانه وتعالى لا يعجزه شيء، ولا يمتنع عن أمره شيء؛ لقوله تعالى: { إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون }.
10- ومنها: إثبات القول لله؛ لقوله تعالى: { فإنما يقول له }.
11- ومنها: أن قول الله بصوت مسموع؛ لقوله تعالى: { فإنما يقول له كن فيكون }؛ و{ له } صريحة في توجيه القول للمقول له؛ ولولا أنه يسمعه لما صار في توجيهه له فائدة؛ ولهذا يسمعه الموجه إليه الأمر، فيمتثل، ويكون.
12- ومنها: أن قول الله بحروف؛ لقوله تعالى: { كن }؛ وهي كلمة بحرفين.
فإن قال قائل: كيف يمكن أن نتصور هذا ونحن نقول: ليس كمثله شيء؛ وأنتم تقولون: إنه بحروف؟ قلنا: نعم؛ الحروف هي الحروف؛ لكن كيفية الكلام، وحقيقة النطق بها - أو القول - لا يماثل نطق المخلوق، وقوله؛ ومن هنا نعرف أننا لا نكون ممثِّلة إذا قلنا: إنه بحرف، وصوت مسموع؛ لأننا نقول: صوت ليس كأصوات المخلوقين؛ بل هو حسب ما يليق بعظمته، وجلاله.
13- ومن فوائد الآيتين: أن الجماد خاضع لله سبحانه وتعالى؛ وذلك لأن قوله تعالى: { وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون } يشمل الأمور المتعلقة بالحيوان، والمتعلقة بالجماد؛ فالجماد إذا قال الله تعالى له: { كن } كان.
14- ومنها: أنه ليس بين أمر الله بالتكوين، وتكونه تراخٍ؛ بل يكون على الفورية؛ وذلك لقوله تعالى: { فيكون }: بالفاء؛ والفاء تدل على الترتيب، والتعقيب.



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 16 Mar 2010, 05:02 AM   #80
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


القـــــرآن
{ )وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (البقرة:118)
التفسير:
{ 118 } قوله تعالى: { وقال الذين لا يعلمون } أي ليسوا من ذوي العلم { لولا يكلمنا الله } أي هلاّ يكلمنا الله بتصديق الرسل { أو تأتينا آية } أي علامة على صدقهم؛ وهذا منهم على سبيل التعنت والعناد؛ فالتعنت قولهم: { لولا يكلمنا الله }؛ والعناد قولهم: { أو تأتينا آية }؛ لأن الرسل أتوا بالآيات التي يؤمن على مثلها البشر؛ وأعظمها القرآن الكريم الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم؛ وقد تحداهم الله أن يأتوا بمثله، فعجزوا.
قوله تعالى: { كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم }؛ أي مثلَ هذا القول قال الذين من قبلهم؛ وعلى هذا يكون { مثل قولهم } توكيداً لقوله تعالى: { كذلك }؛ أي مثل هذا القول الذي اقترحوه قد اقترحه من قبلهم: قوم موسى قالوا: {لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} [البقرة: 55] ؛ فهذا دأب المكذبين للرسل ينكرون، ويقترحون؛ وقد أُتوا من الآيات بأعظم مما اقترحوه.

قوله تعالى: { تشابهت قلوبهم }: الأولون، والآخرون قلوبهم متشابهة في رد الحق، والعناد، والتعنت، والجحود؛ من أول ما بعثت الرسل إلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم - بل وإلى يوم القيامة - فقلوب أهل الكفر، والعناد متشابهة؛ إنما يختلف الأسلوب؛ قد يقترح هؤلاء شيئاً؛ وهؤلاء شيئاً آخر؛ لكن الكلام على جنس الاقتراح، وعدم قبولهم للحق.
قوله تعالى: { قد بينا } أي أظهرنا؛ لأن «بان» بمعنى ظهر؛ و«بيَّن» بمعنى أظهر؛ و{ الآيات } جمع آية؛ وهي العلامة المعيِّنة لمدلولها؛ فكل علامة تعين مدلولها تسمى آية؛ فآيات الله هي العلامات الدالة عليه.
قوله تعالى: { لقوم يوقنون } متعلقة بقوله تعالى: { بينا }؛ و «الإيقان» هو العلم الذي لا يخالجه شك.
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: أن أهل الباطل يجادلون بالباطل؛ لأن طلبهم الآيات التي يعينونها ما هو إلا تعنت واستكبار؛ ففي الآيات التي جاءت بها الرسل ما يؤمن على مثلها البشر؛ ثم إنهم لو جاءت الآيات على ما اقترحوا لم يؤمنوا إذا حقت عليهم كلمة ربهم؛ لقوله تعالى: {إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون * ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم} [يونس: 96، 97] .
2 - ومنها: وصف من لم يَنقَدْ للحق بالجهل؛ لقوله تعالى: { وقال الذين لا يعلمون }؛ فكل إنسان يكابر الحق، وينابذه فإنه أجهل الناس.
3 - ومنها: أن المشركين يقرون بأن الله يتكلم بحرف، وصوت مسموع؛ لقوله تعالى: { لولا يكلمنا الله فهم خير في هذا ممن يدعون أن كلام الله هو المعنى القائم في نفسه.
4 - ومنها: أنه ما من رسول إلا وله آية؛ لأن قولهم: { أو تأتينا آية } هذا مدَّعى غيرهم؛ إذ إن من لم يأت بآية لا يلام من لم يصدقه؛ مثلاً إذا جاء رجل يقول: «أنا رسول الله؛ آمنوا بي وإلا قتلتكم، واستحللت نساءكم، وأموالكم» فلا نطيعه؛ ولو أننا أنكرناه لكنا غير ملومين؛ لكن الرسل تأتي بالآيات؛ ما من رسول إلا وأعطاه الله تعالى من الآيات ما يؤمن على مثلها البشر؛ فالله تعالى لا يرسل الرسل، ويتركهم بدون تأييد.
5 - ومن فوائد الآية: أن أقوال أهل الباطل تتشابه؛ لقوله تعالى: { كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم} وقوله تعالى: {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون * أتواصوا به بل هم قوم طاغون} [الذاريات: 52، 53] ؛ وأنت لو تأملت الدعاوى الباطلة التي رد بها المشركون رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم من زمنه إلى اليوم لوجدت أنها متشابهة، كما قال تعالى: {وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون} [المطففين: 32] ؛ واليوم يقولون للمتمسكين بالقرآن، والسنة هؤلاء رجعيون؛ هؤلاء دراويش لا يعرفون شيئاً.
6 - ومن فوائد الآية: أن الأقوال تابعة لما في القلوب؛ لقوله تعالى: { كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم }؛ فلتشابه القلوب تشابهت الأقوال؛ ويؤيد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله؛ وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب»(6).
7- ومنها: تشابه قلوب الكفار؛ لقوله تعالى: { تشابهت قلوبهم }.
8- ومنها: تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الإنسان المصاب إذا رأى أن غيره أصيب فإنه يتسلى بذلك، وتخف عليه المصيبة، كما قال تعالى: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون} [الزخرف: 39] ؛ فالله تعالى يسلي رسوله صلى الله عليه وسلم بأن هذا القول الذي قيل له قد قيل لمن قبله.
9 - ومنها: إبطال دعوى قولهم: { أو تأتينا آية } في قوله تعالى: { قد بينا الآيات }.
10 - ومنها: أنه لا ينتفع بالآيات إلا الموقنون؛ لقوله تعالى: { قد بينا الآيات لقوم يوقنون }؛ وأما غير الموقنين فلا تتبين لهم الآيات لما في قلوبهم من الريب والشك.
11 - ومنها: أن الموقن قد يتبين له من الآيات ما لم يتبين لغيره؛ ويؤيده قوله تعالى: {والذين اهتدوا زادهم هدًى وآتاهم تقواهم} [محمد: 17] .
12 - ومنها: أن الآيات تنقسم إلى قسمين: آيات شرعية، وآيات كونية؛
فالآيات الشرعية: ما جاءت به الرسل من الوحي؛ والقسم الثاني آيات كونية: وهي مخلوقات الله الدالة عليه، وعلى ما تقتضيه أسماؤه، وصفاته، كالشمس، والقمر، والنجوم، والجبال، وغيرها:
(وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد) 13 - ومنها: زيادة العلم باليقين؛ لأن من آيات الله هذا الوحي الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فكلما ازداد يقينك تبين لك من آيات الله ما لم يتبين لغيرك، فيزداد علمك؛ فباليقين يزداد العلم؛ قال تعالى: {ويزداد الذين آمنوا إيماناً} [المدثر: 31] ؛ فكلما كان الإنسان أقوى يقيناً كان أكثر علماً؛ وكلما ازداد علمه ازداد يقينه؛ فهما متلازمان.

القــــرآن
{ )إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ) (البقرة:119)
التفسير:
{ 119 } قوله تعالى: { إنا أرسلناك }؛ «إن» للتوكيد؛ اسمها «نا» لكن حذفت النون لتوالي الأمثال؛ مع أن الأصل أنها لا تحذف: «إننا»؛ لكن لا نقول اسمها الألف؛ إذ إن الألف لا تكون ضميراً إلا إذا اتصلت بفعل، مثل: قالا، قاما، وما أشبه ذلك؛ وحذف المرسل إليه لإفادة العموم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل إلى العالمين؛ وغيره من الرسل إلى قومهم خاصة.
قوله تعالى: { بالحق }؛ الباء هنا للمصاحبة، أو الملابسة؛ يعني أرسلناك متلبساً بالحق؛ أو أن المعنى: حاملاً الحق في هذه الرسالة؛ والآية تحتمل المعنيين؛ أحدهما: أن إرسالك حق؛ والثاني: أن ما أرسلت به حق؛ والمعنيان كلاهما صحيح؛ فتحمل الآية عليهما؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم رسالته حق؛ وعليه فالباء للملابسة؛ والرسول صلى الله عليه وسلم ما أرسل به فهو حق؛ وعلى هذا فالباء للمصاحبة - يعني أن رسالتك مصحوبة بالحق - ؛ لأن ما جئت به حق؛ والحق هو الثابت المستقر؛ وهو ضد الباطل؛ والحق بالنسبة للأخبار الصدق؛ وبالنسبة للأحكام العدل.
قوله تعالى: { بشيراً } من البشارة؛ وهي الإخبار بما يسر؛ وقد تقع فيما يسوء، كقوله تعالى: {فبشرهم بعذاب أليم} [آل عمران: 21] .
قوله تعالى: { ونذيراً } من الإنذار؛ وهو الإعلام بالمكروه؛ أي بما يخاف منه.
والرسول صلى الله عليه وسلم لا شك أنه مبشر بما يسر - وهو الجنة - ؛ ومنذر بما يخاف منه - وهو النار و{ بشيراً } حال من الكاف في { أرسلناك }؛ و{ نذيراً } حال أخرى بواسطة حرف العطف؛ فجمع الله له بين كونه مبشراً، ومنذراً؛ لأن ما جاء به أمر، ونهي؛ والمناسب للأمر: البشارة؛ وللنهي: الإنذار؛ فعليه تكون رسالة النبي صلى الله عليه وسلم جامعة بين البشرى، وبين الإنذار؛ والأمر، والنهي؛ إذاً فالرسول مبشر للمتقين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسناً ماكثين فيه أبداً؛ ومنذر للكافرين أن لهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلوا جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب.
قوله تعالى: { ولا تسأل عن أصحاب الجحيم }؛ في { تسأل } قراءتان؛ إحداهما بالرفع على أن { لا} نافية؛ والفعل مبني لما لم يسم فاعله؛ يعني: ولا تُسأل أنت عن أصحاب الجحيم؛ أي لا يسألك الله عنهم؛ لأنك بلَّغت؛ والحساب على الله؛ والقراءة الثانية: بالجزم على أن { لا } ناهية؛ و{ تَسألْ }: فعل مضارع مبني للفاعل مجزوم بها؛ والمعنى: لا تَسأل عن أصحاب الجحيم بما هم عليه من العذاب؛ فإنهم في حال لا يتصورها الإنسان؛ وهذا غاية ما يكون من الإنذار لهؤلاء المكذبين المخالفين الذين هم أصحاب الجحيم؛ فالنهي هنا للتهويل؛ والقراءتان سبعيتان جامعتان للمعنيين؛ و{ أصحاب } جمع صاحب؛ وهو الملازم؛ و{ الجحيم } النار العظيمة؛ وهي لها أسماء كثيرة منها: النار، والسعير، وجهنم، والجحيم؛ كل ذلك لاختلاف أوصافها؛ وإلا فهي واحدة.
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: الرد على هؤلاء الذين قالوا: { لولا يكلمنا الله... }؛ لقوله تعالى: { إنا أرسلناك بالحق }.
2- ومنها: ثبوت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: { إنا أرسلناك }.
3- ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم رسول صادق؛ وليس برب؛ لأن الرسول لا يمكن أن يكون له مقام المرسِل.
4- ومنها: أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم متضمنة لأمر، ونهي، وتبشير، وإنذار؛ لقوله تعالى: { بشيراً ونذيراً }؛ والحكمة من ذلك ظاهرة؛ وذلك لأن الإنسان قد يهون عليه فعل الأوامر، ويشق عليه ترك المنهيات؛ أو بالعكس؛ فلو كانت الشريعة كلها أوامر ما تبين الابتلاء في كفّ الإنسان نفسه عن المحارم، ولو كانت كلها نواهي ما تبين ابتلاء الإنسان بحمل نفسه على الأوامر؛ فكان الابتلاء بالأمر، والنهي غاية الحكمة؛ فالشيخ الكبير يهون عليه ترك الزنى؛ ولذلك كانت عقوبته على الزنى أشد من عقوبة الشاب؛ المهم أن الابتلاء لا يتم إلا بتنويع التكليف؛ فمثلاً الصلاة تكليف بدني؛ والزكاة بذل للمحبوب؛ والصيام ترك محبوب؛ والحج تكليف بدني، ومالي.
5 - ومن فوائد الآية: أن وظيفة الرسل الإبلاغ؛ وليسوا مكلفين بعمل الناس؛ لقوله تعالى: { ولا تُسأل عن أصحاب الجحيم }.
وعلى القراءة الثانية نستفيد فائدة ثانية ؛ وهي شدة عذاب أصحاب الجحيم - والعياذ بالله -؛ لقوله تعالى: { ولا تَسأل عن أصحاب الجحيم }.

القــــرآن
{ )وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (البقرة:120)
التفسير:
{ 120 } قوله تعالى: { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم }: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يتألف اليهود، والنصارى؛ والذي يحب أن يتألفهم يحب أن يرضوا عنه؛ فبين الله عزّ وجلّ أن هؤلاء اليهود والنصارى قوم ذوو عناد؛ لا يمكن أن يرضوا عنك مهما تألفتهم؛ ومهما ركنت إليهم بالتألف - لا بالمودة - فإنهم لن يرضوا عنك حتى تتبع ملتهم؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يُنهَ عنه؛ ثم بعد ذلك كان يأمر بمخالفتهم؛ و{ لا } هنا للتوكيد؛ وليست مستقلة؛ فإنها لو حذفت، وقيل: «ولن ترضى عنك اليهود والنصارى» لاستقام الكلام؛ لكنها زيدت للتوكيد؛ لأجل ألا يظن الظان أن المراد أن الجميع لا يرضون مجتمعين؛ مع أن الواقع أن كل طائفة لن ترضى؛ ونظير ذلك في زيادة «لا»: قوله تعالى: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} [الفاتحة: 7] : فإنها تفيد ما أفادته «لا» في قوله تعالى: { ولا النصارى و{ حتى }: حرف غاية؛ وهي تنصب المضارع بنفسها عند الكوفيين؛ وبـ«أن» المقدرة عند البصريين؛ و{ ملتهم } أي دينهم الذي كانوا عليه؛ فاليهود لن يرضوا عنك حتى تكون يهودياً، والنصارى لن ترضى عنك حتى تكون نصرانياً؛ ولكن الجواب الوحيد لهؤلاء الذين يقولون: «لا نرضى عنك حتى تتبع ملتنا»، قوله تعالى: { قل أي مجيباً لهم في عدم اتباع ملتهم { إن هدى الله هو الهدى } أي ليس الهدى ما أنتم عليه؛ بل إن هدى الله وحده هو الهدى؛ و{ هو } ضمير فصل لا محل له من الإعراب؛ وقوله تعالى: { الهدى } خبر { إن }؛ أما اسمها فهو قوله تعالى: { هدى الله }.
قوله تعالى: { ولئن اتبعت أهواءهم }: الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم؛ أو لكل من يتأتى خطابه؛ ولكن الأقرب أنه للرسول صلى الله عليه وسلم؛ و{ لئن اتبعت } جملة فيها شرط، وقسم؛ وإذا اجتمعا - أي الشرط، والقسم فإنه يحذف جواب المؤخر منهما؛ قال ابن مالك في الألفية:
واحذف لدى اجتماع شرط وقسم جواب ما أخرت فهو ملتزم والقسَم دلت عليه اللام في قوله تعالى: { ولئن اتبعت }؛ إذ إن التقدير: «والله لئن اتبعت»؛ والشرط «إن» . والجواب: { ما لك من الله... }؛ وهو جواب القسم بناءً على القاعدة التي أشار إليها ابن مالك؛ ولأنه لو كان جواب الشرط لوجب اقترانه بالفاء؛ لأنه نُفي بـ{ ما }؛ وجواب الشرط قيل: إنه محذوف دل عليه جواب القسم؛ وقيل: إنه لا يحتاج إليه لتمام الكلام بدونه؛ وهذا القول هو الراجح - أنه لا يحتاج إليه لتمام الكلام بدونه - ؛ والدليل على ذلك؛ أنه لم يأت ذكره في أي أسلوب من أساليب اللغة العربية؛ فإذا لم يأت في أي أسلوب من أساليب اللغة العربية دل على أن الكلام مستغن عنه.
قوله تعالى: { بعد الذي جاءك من العلم } يشير إلى الوحي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم سواء كان القرآن، أو السنة؛ فالذي جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم عِلم.
قوله تعالى: { ما لك من الله من ولي ولا نصير }: { ما } نافية؛ و{ لك } جار ومجرور خبر مقدم؛ و{ وليّ } مجرور لفظاً مرفوع محلاً على أنه مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد إعراباً؛ وأصلها: «ما لك من الله وليٌّ»؛ وجملة: { ما لك من الله } لا محل لها من الإعراب؛ لأنها جواب القسم؛ و «الولي» هو الذي يتولى غيره بحفظه، وصيانته؛ فالمعنى: ما أحد يتولى حفظك سوى الله عزّ وجلّ؛ و «النصير» هو الذي يدفع الشر؛ أي: ولا أحد يتولى نصرك، فيدفع عنك الشر سوى الله عزّ وجلّ.
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: بيان عناد اليهود، والنصارى، حيث لا يرضون عن أحد إلا إذا اتبع دينهم.
2- ومنها: أن من كان لا يرضى إلا بذلك فسيحاول إدخال غير اليهود، والنصارى في اليهودية، والنصرانية.
3 - ومنها: الحذر من اليهود، والنصارى؛ إذ لا يرضون لأحد حتى يكون يهودياً؛ أو نصرانياً.
4 - ومنها: أن الكفر ملة واحدة؛ لقوله تعالى: { ملتهم }؛ وهو باعتبار مضادة الإسلام ملة واحدة؛ أما باعتبار أنواعه فإنه ملل: اليهودية ملة؛ والنصرانية ملة؛ والبوذية ملة؛ وهكذا بقية الملل؛ ولكن كل هذه الملل باعتبار مضادة الإسلام تعتبر ملة واحدة؛ لأنه يصدق عليها اسم الكفر؛ فتكون جنساً، والملل أنواعاً.
5- ومنها: الرد على أهل الكفر بهذه الكلمة: { هدى الله هو الهدى }؛ والمعنى: إن كان معكم هدى الله فأنتم مهتدون؛ وإلا فأنتم ضالون.
6 - ومنها: أن ما عدا هدى الله ضلال؛ قال الله تعالى: {فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون} [يونس: 32] ؛ فكل ما لا يوافق هدى الله فإنه ضلال؛ وليس ثمة واسطة بين هدى الله، والضلال.
7 - ومنها: أن البدع ضلالة؛ لقوله تعالى: { قل إن هدى الله هو الهدى }؛ وقوله تعالى: {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} [سبأ: 24] ؛ فليس بعد الهدى إلا الضلال؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل بدعة ضلالة»(7) .
8 - ومنها: تحريم اتباع أهواء اليهود، والنصارى؛ لقوله تعالى: { ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من وليّ ولا نصير }.
9 - ومنها: أن ما عليه اليهود والنصارى ليس ديناً؛ بل هو هوى؛ لقوله تعالى: { أهواءهم }؛ ولم يقل ملتهم كما في الأول؛ ففي الأول قال تعالى: { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}؛ لأنهم يعتقدون أنهم على ملة، ودين؛ ولكن بيَّن الله تعالى أن هذا ليس بدين، ولا ملة؛ بل هوى؛ وليسوا على هدًى؛ إذ لو كانوا على هدى لوجب على اليهود أن يؤمنوا بالمسيح عيسى بن مريم؛ ولوجب عليهم جميعاً أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ لكن دينهم هوى، وليس هدًى؛ وهكذا كل إنسان يتبع غير ما جاءت به الرسل - عليهم الصلوات والسلام - ، ويتعصب له؛ فإن ملته هوى، وليست هدًى.
10- ومن فوائد الآية: أن من اتبع الهوى بعد العلم فهو أشد ضلالة؛ لقوله تعالى: { ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم... } الآية.
11- ومنها: أن ما جاء إلى الرسول سواء كان القرآن، أو السنة فهو علم؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم كان أمياً - لا يقرأ، ولا يكتب -، كما قال تعالى: {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك} [العنكبوت: 48] ؛ ولكن الله تعالى أنزل عليه هذا الكتاب حتى صار بذلك نبياً جاء بالعلم النافع، والعمل الصالح.
12- ومنها: أن من أراد الله به سوءاً فلا مرد له؛ لقوله تعالى: { ما لك من الله من ولي ولا نصير }.
13- ومنها: أنك إذا اتبعت غير شريعة الله فلا أحد يحفظك من الله؛ ولا أحد ينصرك من دونه - حتى لو كثر الجنود عندك؛ ولو كثرت الشُرَط؛ ولو اشتدت القوة -؛ لأن النصر والولاية تكون بالهداية باتباع هدى الله عزّ وجلّ، كما قال تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} [الأنعام: 82] فالأمن إنما يكون بالإيمان، وعدم الظلم.
14- ومنها: أنه يجب تعلق القلب بالله خوفاً، ورجاءً؛ لأنك متى علمت أنه ليس لك وليّ، ولا نصير فلا تتعلق إلا بالله؛ فلا تعلق قلبك أيها المسلم إلا بربك.


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سورة البقره كامله مكتوبه لناالله دراسات وأبحاث علم الرُقى والتمائم . الإدارة العلمية والبحوث Studies and science research spells and 8 15 Jun 2012 01:59 PM
حلمي بعد قراءة سورة البقره انا الورد ‎تعطير الأنام في تأويل الرؤى والأحلام - تفسير ابن الورد الحسني 1 12 Dec 2010 08:41 PM
عاجل وضروري (اقرأ سورة البقره) ام منار ‎تعطير الأنام في تأويل الرؤى والأحلام - تفسير ابن الورد الحسني 1 25 Jul 2007 02:39 PM
فضل سورة البقره مع شرح للايتان (الاولى والثانيه) ابرهيم الرفاعى منهج السلف الصالح . The Salafi Curriculum 0 21 Mar 2007 05:40 PM

 
مايُكتب على صفحات المركز يُعبّر عن رأى الكاتب والمسؤولية تقع على عاتقه


علوم الجان - الجن - عالم الملائكة - ابحاث عالم الجن وخفاياه -غرائب الجن والإنس والمخلوقات - فيديو جن - صور جن - أخبار جن - منازل الجن - بيوت الجن- English Forum
السحر و الكهانة والعرافة - English Magic Forum - الحسد والعين والغبطة - علم الرقى والتمائم - الاستشارات العلاجية - تفسير الرؤى والاحلام - الطب البديل والأعشاب - علم الحجامة

الساعة الآن 08:42 PM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2011-2012
جميع الحقوق محفوظة لمركز دراسات وأبحاث علوم الجان العالمي