اعلانات
اعلانات     اعلانات
 


بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ : روى الإمام مسلم عن أبي أيُّوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( مَن صام رمضان ثم أتبَعَه ستًّا من شوَّال، كان كصيام الدهر))؛ وروى الإمام الطبراني عن عبدالله ابن عمررضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من صام رمضانَ وأتبعه ستًّا من شوَّالٍ خرج من ذنوبِه كيومِ ولدته أمُّه ) .

اللهم ربنا تقبل منا الصيام والصلاة والقرآن والقيام والدعاء وسائر صالح الأعمال ،وأجعلنا ممن قام ليلة القدر واجعلنا فيها من الفائزين المقبولين وكل عام ونحن وجميع المسلمين في خيرورخاء وصحة وعافية وسعادة وأمن وأمان .


           :: صورة عجيبة.. هل توجد عناكب عملاقة فوق المريخ ؟ (آخر رد :ابن الورد)       :: اكتشاف على كوكب المريخ يثير حيرة العلماء . (آخر رد :ابن الورد)       :: خطبة جمعة : الوطن نعمته وأمانه - الشيخ فيصل الحسني . (آخر رد :ابن الورد)       :: حلم (آخر رد :hoor)       :: أكثر شيء يحسدوننا اليهود عليه ثلاثة أشياء . (آخر رد :شبوه نت)       :: خطبة جمعة : أحب الأعمال إلى الله - الشيخ فيصل الحسني . (آخر رد :ابن الورد)       :: بالصور: اكتشاف تاريخي لجيمس ويب.. العثور على المادة الأولى للحياة . (آخر رد :ابن الورد)       :: ناسا تكشف: أول دليل على احتمال وجود حياة فوق المريخ . (آخر رد :ابن الورد)       :: طاقية الإخفاء أصبحت حقيقة.. ابتكار أول درع للتخفي (آخر رد :ابن الورد)       :: أخطر جمعية سحر أسود بالعالم أعضاؤها أعظم سحرة الكون..في "الفجر الذهبي" (آخر رد :طالب علم)      

 تغيير اللغة     Change language
Google
الزوار من 2005:
Free Website Hit Counter

المكتــــــبة العــــــــــــــامة ( Public Library ) للكتب والأبحاث العلمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04 Apr 2010, 04:57 AM   #41
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


فعله غير المخلوق أو أن فعله هو المفعول والخلق هو المخلوق ؟ على قولين معروفين : و ( الأول هو المأثور عن السلف وهو الذي ذكره البخاري في كتاب خلق أفعال العباد " عن العلماء مطلقا ولم يذكر فيه نزاعا . وكذلك ذكره البغوي وغيره مذهب أهل السنة وكذلك ذكره أبو علي الثقفي والضبعي وغيرهما من أصحاب ابن خزيمة في " العقيدة " التي اتفقوا هم وابن خزيمة على أنها مذهب أهل السنة وكذلك ذكره الكلاباذي في كتاب " التعرف لمذهب التصوف " أنه مذهب الصوفية وهو مذهب الحنفية وهو مشهور عندهم وبعض المصنفين في " الكلام " كالرازي ونحوه ينصب الخلاف في ذلك معهم فيظن الظان أن هذا مما انفردوا به وهو قول السلف قاطبة وجماهير الطوائف وهو قول جمهور أصحاب أحمد متقدموهم كلهم وأكثر المتأخرين منهم وهو أحد قولي القاضي أبي يعلى . وكذلك هو قول أئمة المالكية والشافعية وأهل الحديث وأكثر أهل الكلام : كالهشامية أو كثير منهم والكرامية كلهم وبعض المعتزلة وكثير من أساطين الفلاسفة : متقدميهم ومتأخريهم . وذهب آخرون من أهل الكلام الجهمية وأكثر المعتزلة والأشعرية إلى أن الخلق هو نفس المخلوق وليس لله عند هؤلاء صنع ولا فعل ولا خلق ولا إبداع إلا المخلوقات أنفسها وهو قول طائفة من الفلاسفة المتأخرين ; إذا قالوا بأن الرب مبدع كابن سينا وأمثاله . و ( الحجة المشهورة لهؤلاء المتكلمين أنه لو كان خلق المخلوقات بخلق لكان ذلك الخلق إما قديما وإما حادثا . فإن كان قديما لزم قدم كل مخلوق وهذا مكابرة . وإن كان حادثا فإن قام بالرب لزم قيام الحوادث به وإن لم يقم به كان الخلق قائما بغير الخالق وهذا ممتنع . وسواء قام به أو لم يقم به يفتقر ذلك الخلق إلى خلق آخر ويلزم التسلسل هذا عمدتهم .
وجواب السلف والجمهور عنها بمنع مقدماتها كل طائفة تمنع مقدمة ويلزمهم ذلك إلزاما لا محيد لهم عنه . أما ( الأولى) فقولهم : لو كان قديما لزم قدم المخلوق ; يمنعهم ذلك من يقول : بأن الخلق فعل قديم يقوم بالخالق والمخلوق محدث كما يقول ذلك من يقوله من الكلابية والحنفية والحنبلية والشافعية والمالكية والصوفية وأهل الحديث وقالوا : أنتم وافقتمونا على أن إرادته قديمة أزلية مع تأخر المراد كذلك الخلق هو قديم أزلي وإن كان المخلوق متأخرا . ومهما قلتموه في الإرادة ألزمناكم نظيره في الخلق . وهذا جواب إلزامي جدلي لا حيلة لهم فيه . وأما ( المقدمة الثانية) وهي قولهم : لو كان حادثا قائما بالرب لزم قيام الحوادث وهو ممتنع ; فقد منعهم ذلك السلف وأئمة أهل الحديث وأساطين الفلاسفة وكثير من متقدميهم ومتأخريهم وكثير من أهل الكلام : كالهشامية والكرامية ; وقالوا : لا نسلم انتفاء اللازم وسيأتي الكلام إن شاء الله تعالى على ذلك في " الأصل الثاني " . وأما ( الثالث) فقولهم : إن لم تقم به فهو محال ; فهذا لم يمنعهم إياه إلا طوائف من أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم فمنهم من قال : بل الخلق يقوم بالمخلوق ومنهم من يقول : بل الخلق ليس في محل كما تقول المعتزلة البصريون : فعل بإرادة لا في محل وهذا ممتنع لا أعرفه عن أحد من السلف وأهل الحديث والفقهاء والصوفية والفلاسفة . وأما ( المقدمة الرابعة) وهي قولهم : الخلق الحادث يفتقر إلى خلق آخر ; فقد منعهم من ذلك عامة من يقول بخلق حادث من أهل الحديث والكلام والفلسفة والفقه والتصوف وغيرهم : كأبي معاذ التومني وزهير الإبري والهشامية والكرامية وداود بن علي الأصبهاني وأصحابه وأهل الحديث والسلف الذين ذكرهم البخاري وغيره وقالوا : إذا خلق السموات والأرض بخلق لم يلزم أن يحتاج ذلك الخلق إلى خلق آخر ولكن ذلك الخلق يحصل بقدرته ومشيئته وإن كان ذلك الخلق حادثا . والدليل على فساد إلزامهم أن الحادث إما أن يكفي في حصوله القدرة والمشيئة وإما أن لا يكفي . فإن لم يكف ذلك ; بطل قولهم إن المخلوقات تحدث بمجرد القدرة والإرادة بلا خلق وإذا بطل قولهم ; تبين أنه لا بد للمخلوق من خالق خلقه وهو المطلوب . وإن كفى في حصول المخلوق القدرة والمشيئة جاز حصول هذا الخلق الذي يخلق به المخلوقات بالقدرة والمشيئة ولم يحتج إلى خلق آخر ; فتبين أنه على كل تقدير ; لا يلزم أن يقال : خلقت المخلوقات بلا خلق بل يجوز أن يقال : خلقت بخلق وهو المطلوب . وتبين أن النفاة ليس لهم قط حجة مبنية على مقدمة إلا وقد نقضوا تلك المقدمة في موضع آخر ; فمقدمات حجتهم كلها منتقضة . وأيضا فمن المعقول أن المفعول المنفصل الذي يفعله الفاعل لا يكون إلا بفعل يقوم بذاته . وأما نفس فعله القائم بذاته فلا يفتقر إلى فعل آخر بل يحصل بقدرته ومشيئته ; ولهذا كان القائلون بهذا يقولون : إن الخلق حادث ولا يقولون هو مخلوق ; وتنازعوا هل يقال : إنه محدث ؟ على قولين . وكذلك يقولون : إنه يتكلم بمشيئته وقدرته وكلامه هو حديث وهو أحسن الحديث . وليس بمخلوق باتفاقهم ويسمى حديثا وحادثا . وهل يسمى محدثا ؟ على قولين لهم . ومن كان من عادته أنه لا يطلق لفظ المحدث إلا على المخلوق المنفصل - كما كان هذا الاصطلاح هو المشهور عند المتناظرين الذين تناظروا في القرآن في محنة الإمام أحمد رحمه الله وكانوا لا يعرفون للمحدث معنى إلا المخلوق المنفصل - فعلى هذا الاصطلاح لا يجوز عند أهل السنة أن يقال القرآن محدث بل من قال إنه محدث فقد قال إنه مخلوق . ولهذا أنكر الإمام أحمد هذا الإطلاق على " داود " لما كتب إليه أنه تكلم بذلك ; فظن الذين يتكلمون بهذا الاصطلاح أنه أراد هذا فأنكره أئمة السنة . وداود نفسه لم يكن هذا قصده بل هو وأئمة أصحابه متفقون على أن كلام الله غير مخلوق وإنما كان مقصوده أنه قائم بنفسه ; هو قول غير واحد من أئمة السلف وهو قول البخاري وغيره . والنزاع في ذلك بين أهل السنة " لفظي " ; فإنهم متفقون على أنه ليس بمخلوق منفصل ومتفقون على أن كلام الله قائم بذاته وكان أئمة السنة : كأحمد وأمثاله والبخاري وأمثاله وداود وأمثاله وابن المبارك وأمثاله وابن خزيمة وعثمان بن سعيد الدارمي وابن أبي شيبة وغيرهم ; متفقين على أن الله يتكلم بمشيئته وقدرته ; ولم يقل أحد منهم أن القرآن قديم ; وأول من شهر عنه أنه قال ذلك هو ابن كلاب . وكان " الإمام أحمد " يحذر من الكلابية وأمر بهجر الحارث المحاسبي لكونه كان منهم . وقد قيل عن الحارث أنه رجع في القرآن عن قول ابن كلاب وأنه كان يقول : إن الله يتكلم بصوت . وممن ذكر ذلك عنه الكلاباذي في كتاب " التعرف لمذهب التصوف " . والمقصود هنا : أن قول القائل : لو كان خلقه للأشياء ليس هو الأشياء لافتقر الخلق إلى خلق آخر فيكون الخلق مخلوقا : ممنوع. بل الخلق يحصل بقدرة الرب ومشيئته والمخلوق يحصل بالخلق .
( وأما المقدمة الخامسة) وهو أن ذلك يفضي إلى التسلسل ; فهذه المقدمة تقال على وجهين :
( أحدهما) أن الخلق يفتقر إلى خلق آخر وذلك الخلق إلى خلق آخر كما تقدم .



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 04 Apr 2010, 04:58 AM   #42
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


( والثاني) أن يقال : هب أنه لا يفتقر إلى خلق لكن يفتقر إلى سبب يحصل به الخلق . وإن لم يسم ذلك خلقا وذلك السبب إنما تم عند وجود الخلق ; فتمامه حادث وكل حادث فلا بد له من سبب ; إذ لو كان ذلك الخلق لا يفتقر إلى سبب حادث للزم وجود الحادث بلا سبب حادث . وإن قيل : إن السبب التام قديم ; لزم من ذلك تأخر المسبب عن سببه التام ; وهذا ممتنع . وهنا للقائلين بأن الخلق غير المخلوق وأن الخلق حادث ثلاثة أجوبة :
( أحدها) قول من يقول : الخلق الحادث لا يفتقر إلى سبب حادث لا إلى خلق ولا إلى غيره ; قالوا : أنتم يا معشر المنازعين كلكم يقول إنه قد يحدث حادث بلا سبب حادث فإنه من قال : المخلوق غير الخلق ; فالمخلوقات كلها حادثة عنده بلا سبب حادث ومن قال : الخلق قديم فلا ريب أن القديم لا اختصاص له بوقت معين ; فالمخلوق الحادث في وقته المعين له لم يحصل له سبب حادث . قالوا : وإذا كان هذا لازما على كل تقدير ; لم يخص بجوابه بل نقول المخلوق حدث بالخلق والخلق حصل بقدرة الله ومشيئته القديمة من غير افتقار إلى سبب آخر وهذا قول كثير من الطوائف من أهل الحديث والكلام كالكرامية وغيرهم .
( الجواب الثاني) قول من يقول من المعتزلة : إن الخلق الحادث قائم بالمخلوق أو قائم لا بمحل كما يقولون في الإرادة إنها حادثة لا في محل من غير سبب اقتضى حدوثها بل أحدثها بمجرد القدرة .
( الجواب الثالث): جواب معمر وأصحابه الذين يسمون " أهل المعاني " فإنهم يقولون بالتسلسل في آن واحد فيقولون : إن الخلق له خلق وللخلق خلق وللخلق خلق آخر وهلم جرا لا إلى نهاية وذلك موجود كله في آن واحد وهذا مشهور عنهم .
و( الجواب الرابع) قول من يقول : الخلق الحادث يفتقر إلى سبب حادث وكذلك ذلك السبب وهلم جرا . وهذا يستلزم دوام نوع ذلك وهذا غير ممتنع ; فإن مذهب السلف أن الله لم يزل متكلما إذا شاء وكلماته لا نهاية لها وكل كلام مسبوق بكلام قبله لا إلى نهاية محدودة وهو سبحانه يتكلم بقدرته ومشيئته . وكذلك يقولون : الحي لا يكون إلا فعالا كما قاله البخاري وذكره عن نعيم بن حماد . وعثمان بن سعيد وابن خزيمة وغيرهم ولا يكون إلا متحركا كما قال عثمان بن سعيد الدارمي وغيره وكل منهما يذكر أن ذلك مذهب أهل السنة . وهكذا يقول ذلك من أساطين الفلاسفة من ذكر قوله بذلك في غير هذا الموضع من متقدميهم ومتأخريهم . قالوا وهذا تسلسل في الآثار والبرهان إنما دل على امتناع التسلسل في المؤثرين فإن هذا مما يعلم فساده بصريح المعقول وهو مما اتفق العقلاء على امتناعه كما بسط الكلام عليه في موضع آخر . فأما كونه سبحانه وتعالى يتكلم كلمات لا نهاية لها وهو يتكلم بمشيئته وقدرته فهذا هو الذي يدل عليه صحيح المنقول وصريح المعقول وهو مذهب سلف الأمة وأئمتها والفلاسفة توافق على دوام هذا النوع وقدماء أساطينهم يوافقون على قيام ذلك بذات الله كما يقوله أئمة المسلمين وسلفهم . والذين قالوا إن ذلك ممتنع هم أهل الكلام المحدث في الإسلام من الجهمية والمعتزلة وهم الذين استدلوا على حدوث كل ما تقوم به الحوادث بامتناع حوادث لا أول لها . ومن هنا يظهر الأصل الثاني الذي تبنى عليه أفعال الرب تعالى اللازمة والمتعدية وهو أنه سبحانه هل تقوم به الأمور الاختيارية المتعلقة بقدرته ومشيئته أم لا ؟ فمذهب السلف وأئمة الحديث وكثير من طوائف الكلام والفلاسفة جواز ذلك . وذهب نفاة الصفات من الجهمية والمعتزلة والفلاسفة والكلابية من مثبتة الصفات إلى امتناع قيام ذلك به . أما " نفاة الصفات " فإنهم ينفون هذا وغيره ويقولون : هذا كله أعراض والأعراض لا تقوم إلا بجسم والأجسام محدثة فلو قامت به الصفات ; لكان محدثا . أما " الكلابية " فإنهم يقولون : نحن نقول تقوم به الصفات ولا نقول هي أعراض فإن العرض لا يبقى زمانين وصفات الرب تبارك وتعالى عندنا باقية بخلاف الأعراض القائمة بالمخلوقات ; فإن الأعراض عندنا لا تبقى زمانين . وأما جمهور العقلاء فنازعوهم في هذا وقالوا : بل السواد والبياض الذي كان موجودا من ساعة هو هذا السواد بعينه كما قد بسط في غير هذا الموضع إذ المقصود هنا التنبيه على مقالات الطوائف في هذا الأصل . قالت " الكلابية " : وأما الحوادث فلو قامت به للزم أن لا يخلو منها فإن القابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده . وإذا لم يخل منها لزم أن يكون حادثا فإن هذا هو الدليل على حدوث الأجسام . هذا عمدتهم في هذا الأصل ; والذين خالفوهم قد يمنعون المقدمتين كليهما وقد يمنعون واحدة منهما . وكثير من أهل الكلام والحديث منعوا الأولى : كالهشامية والكرامية ; وأبي معاذ وزهير الإبري وكذلك الرازي والآمدي وغيرهما من الأشعرية منعوا المقدمة الأولى وبينوا فسادها ; وأنه لا دليل لمن ادعاها على دعواه . بل قد يكون الشيء قابلا للشيء وهو خال منه ومن ضده كما هو الموجود ; فإن القائلين بهذا الأصل التزموا أن كل جسم له طعم ولون وريح ; وغير ذلك من أجناس الأعراض التي تقبلها الأجسام . فقال جمهور العقلاء : هذا مكابرة ظاهرة ; ودعوى بلا حجة وإنما التزمته الكلابية لأجل هذا الأصل . وأما المقدمة الثانية ; وهو منع دوام نوع الحادث فهذه يمنعها أئمة السنة والحديث القائلون بأن الله يتكلم بمشيئته وقدرته ; وأن كلماته لا نهاية لها ; والقائلون بأنه لم يزل فعالا ; كما يقوله البخاري وغيره . والذين يقولون الحركة من لوازم الحياة فيمتنع وجود حياة بلا حركة أصلا ; كما يقوله الدارمي وغيره وقد روى الثعلبي في " تفسيره " بإسناده عن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه : أنه سئل عن قوله تعالى : { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا } لم خلق الله الخلق ؟ فقال : لأن الله كان محسنا بما لم يزل فيما لم يزل إلى ما لم يزل فأراد الله أن يفيض إحسانه إلى خلقه وكان غنيا عنهم لم يخلقهم لجر منفعة ولا لدفع مضرة ولكن خلقهم وأحسن إليهم وأرسل إليهم الرسل حتى يفصلوا بين الحق والباطل فمن أحسن كافأه بالجنة ومن عصى كافأه بالنار . وقال ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى : { وكان الله غفورا رحيما } { وكان الله عليما حكيما } ونحو ذلك قال : كان ولم يزل ولا يزال . ويمنعها أيضا جمهور الفلاسفة ولكن الجهمية والمعتزلة والكلابية والكرامية يقولون بامتناعها وهي من الأصول الكبار التي يبتنى عليها الكلام في كلام الله تعالى وفي خلقه . وهذا القول هو أصل الكلام المحدث في الإسلام الذي ذمه السلف والأئمة . فإن أصحاب هذا الكلام في الجهمية والمعتزلة ومن اتبعهم ظنوا أن معنى كون الله خالقا لكل شيء - كما دل عليه الكتاب والسنة واتفق عليه أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى وغيرهم - أنه سبحانه وتعالى لم يزل معطلا لا يفعل شيئا ولا يتكلم بشيء أصلا بل هو وحده موجود بلا كلام يقوله ولا فعل يفعله . ثم إنه أحدث ما أحدث من


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 04 Apr 2010, 04:59 AM   #43
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


كلامه ومفعولاته المنفصلة عنه . فأحدث العالم . وظنوا أن ما جاءت به الرسل واتفق عليه أهل الملل - من أن كل ما سوى الله مخلوق والله خالق كل شيء - هذا معناه وأن ضد هذا قول من قال بقدم العالم أو بقدم مادته فصاروا في كتبهم الكلامية لا يذكرون إلا قولين :
( أحدهما) : قول المسلمين وغيرهم من أهل الملل أن العالم محدث ومعناه عندهم ما تقدم .
( والثاني) : قول الدهرية الذين يقولون : العالم قديم وصاروا يحكون في كتب الكلام والمقالات أن مذهب أهل الملل قاطبة من المسلمين واليهود والنصارى وغيرهم أن الله كان فيما لم يزل لا يفعل شيئا ولا يتكلم بشيء ثم إنه أحدث العالم ; ومذهب الدهرية أن العالم قديم . والمشهور عن القائلين بقدم العالم أنه لا صانع له ; فينكرون الصانع جل جلاله . وقد ذكر أهل المقالات أن أول من قال من الفلاسفة بقدم العالم " أرسطو " صاحب التعاليم الفلسفية : المنطقي والطبيعي والإلهي . وأرسطو وأصحابه القدماء يثبتون في كتبهم العلة الأولى ويقولون : إن الفلك يتحرك للتشبه بها ; فهي علة له بهذا الاعتبار إذ لولا وجود من تشبه به الفلك لم يتحرك وحركته من لوازم وجوده فلو بطلت حركته لفسد . ولم يقل أرسطو : إن العلة الأولى أبدعت الأفلاك ; ولا قال هو موجب بذاته كما يقوله من يقول من متأخري الفلاسفة كابن سينا وأمثاله ولا قال : إن الفلك قديم وهو ممكن بذاته ; بل كان عندهم ما عند سائر العقلاء أن الممكن هو الذي يمكن وجوده وعدمه ولا يكون كذلك إلا ما كان محدثا والفلك عندهم ليس بممكن بل هو قديم لم يزل وحقيقة قولهم إنه واجب لم يزل ولا يزال . فلهذا لا يوجد في عامة كتب الكلام المتقدمة القول بقدم العالم إلا عمن ينكر الصانع . فلما أظهر من أظهر من الفلاسفة كابن سينا وأمثاله أن العالم قديم عن علة موجبة بالذات قديمة صار هذا قولا آخر للقائلين بقدم العالم أزالوا به ما كان يظهر من شناعة قولهم من إنكار صانع العالم وصاروا أيضا يطلقون ألفاظ المسلمين من أنه مصنوع ومحدث ونحو ذلك ولكن مرادهم بذلك أنه معلول قديم أزلي لا يريدون بذلك . أن الله أحدث شيئا بعد أن لم يكن وإذا قالوا : إن الله خالق كل شيء فهذا معناه عندهم ; فصار المتأخرون من المتكلمين يذكرون هذا القول والقول المعروف عن أهل الكلام في معنى حدوث العالم الذي يحكونه عن أهل الملل كما تقدم كما يذكر ذلك الشهرستاني والرازي والآمدي وغيرهم . وهذا الأصل الذي ابتدعه الجهمية ومن اتبعهم من أهل الكلام من امتناع دوام فعل الله وهو الذي بنوا عليه أصول دينهم وجعلوا ذلك أصل دين المسلمين فقالوا : الأجسام لا تخلو من الحوادث وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث أو ما لا يسبق الحوادث فهو حادث لأن ما لا يخلو عنها ولا يسبقها يكون معها أو بعدها وما كان مع الحوادث أو بعدها فهو حادث . وكثير منهم لا يذكر على ذلك دليلا لكون ذلك ظاهرا إذ لم يفرقوا بين نوع الحوادث وبين الحادث المعين . لكن من تفطن منهم للفرق فإنه يذكر دليلا على ذلك بأن يقول : الحوادث لا تدوم بل يمتنع وجود حوادث لا أول لها . ومنهم من يمنع أيضا وجود حوادث لا آخر لها كما يقول ذلك إماما هذا الكلام : الجهم بن صفوان وأبو الهذيل : ولما كان حقيقة هذا القول أن الله سبحانه لم يكن قادرا على الفعل في الأزل ; بل صار قادرا على الفعل بعد أن لم يكن قادرا عليه ; كان هذا مما أنكره المسلمون على هؤلاء حتى إنه كان من البدع التي ذكروها : من بدع الأشعري في الفتنة التي جرت بخراسان لما أظهروا لعنة أهل البدع والقصة مشهورة . ثم إن أهل الكلام وأئمتهم كالنظام والعلاف وغيرهما من شيوخ المعتزلة والجهمية ومن اتبعهم من سائر الطوائف يقولون : إن دين الإسلام إنما يقوم على هذا الأصل وأنه لا يعرف أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الأصل ; فإن معرفة الرسول متوقفة على معرفة المرسل فلا بد من إثبات العلم بالصانع أولا ومعرفة ما يجوز عليه وما لا يجوز عليه . قالوا : وهذا لا يمكن معرفته إلا بهذه الطريقة فإنه لا سبيل إلى معرفة الصانع فيما زعموا إلا بمعرفة مخلوقاته ولا سبيل إلى معرفة حدوث المخلوقات إلا بهذه الطريق فيما زعموا ويقول أكثرهم : أول ما يجب على الإنسان معرفة الله ; ولا يمكن معرفته إلا بهذا الطريق . ويقول كثير منهم : إن هذه طريقة إبراهيم الخليل عليه السلام المذكورة في قوله { لا أحب الآفلين } قالوا : فإن إبراهيم استدل بالأفول - وهو الحركة والانتقال - على أن المتحرك لا يكون إلها . قالوا : ولهذا يجب تأويل ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم مخالفا لذلك من وصف الرب بالإتيان والمجيء والنزول وغير ذلك ; فإن كونه نبيا لم يعرف إلا بهذا الدليل العقلي فلو قدح في ذلك لزم القدح في دليل نبوته فلم يعرف أنه رسول الله وهذا ونحوه هو الدليل العقلي الذي يقولون إنه عارض السمع والعقل . ونقول إذا تعارض السمع والعقل امتنع تصديقهما وتكذيبهما وتصديق السمع دون العقل ; لأن العقل هو أصل السمع فلو جرح أصل الشرع كان جرحا له . ولأجل هذه الطريق أنكرت الجهمية والمعتزلة الصفات والرؤية وقالوا : القرآن مخلوق ; ولأجلها قالت الجهمية بفناء الجنة والنار ; ولأجلها قال العلاف بفناء حركاتهم ; ولأجلها فرع كثير من أهل الكلام ; كما قد بسط في غير هذا الموضع . فقال لهم الناس : أما قولكم إن هذه الطريق هي الأصل في معرفة دين الإسلام ونبوة الرسول صلى الله عليه وسلم ; فهذا مما يعلم فساده بالاضطرار من دين الإسلام . فإنه من المعلوم لكل من علم حال الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وما جاء به من الإيمان والقرآن أنه لم يدع الناس بهذه الطريق أبدا ولا تكلم بها أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان فكيف تكون هي أصل الإيمان والذي جاء بالإيمان وأفضل الناس إيمانا لم يتكلموا بها ألبتة ولا سلكها منهم أحد . والذين علموا أن هذه طريق مبتدعة حزبان ; حزب ظنوا أنها صحيحة في نفسها لكن أعرض السلف عنها لطول مقدماتها وغموضها وما يخاف على سالكها من الشك والتطويل . وهذا قول جماعة كالأشعري في رسالته إلى الثغر والخطابي والحليمي والقاضي أبي يعلى وابن عقيل وأبي بكر البيهقي وغير هؤلاء .
والثاني : قول من يقول : بل هذه الطريقة باطلة في نفسها ولهذا ذمها السلف وعدلوا عنها . وهذا قول أئمة السلف كابن المبارك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ; وأبي يوسف ومالك بن أنس وابن الماجشون عبد العزيز وغير هؤلاء من السلف . وحفص الفرد لما ناظر الشافعي في مسألة القرآن - وقال القرآن مخلوق وكفره الشافعي - كان قد ناظره بهذه الطريقة . وكذلك أبو عيسى محمد بن عيسى برغوث - كان من المناظرين للإمام أحمد بن حنبل في مسألة القرآن بهذه الطريقة .
وقد ذكر الإمام أحمد في رده على الجهمية مما عابه عليهم أنهم يقولون إن الله لا يتكلم ولا يتحرك. وأما عبد الله بن المبارك فكان مبتلى بهؤلاء في بلاده ومذهبه في مخالفتهم كثير وكذلك


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 04 Apr 2010, 04:59 AM   #44
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


الماجشون في الرد عليهم وكلام السلف في الرد على هؤلاء كثير وقال لهم الناس : إن هذا الأصل الذي ادعيتم إثبات الصانع به وأنه لا يعرف أنه خالق للمخلوقات إلا به هو بعكس ما قلتم بل هذا الأصل يناقض كون الرب خالقا للعالم ولا يمكن مع القول به القول بحدوث العالم ; ولا الرد على الفلاسفة . فالمتكلمون الذين ابتدعوه وزعموا أنهم به نصروا الإسلام وردوا به على أعدائه كالفلاسفة ; لا للإسلام نصروا ولا لعدوه كسروا بل كان ما ابتدعوه مما أفسدوا به حقيقة الإسلام على من اتبعهم فأفسدوا عقله ودينه واعتدوا به على من نازعهم من المسلمين وفتحوا لعدو الإسلام بابا إلى مقصوده . فإن حقيقة قولهم - إن الرب لم يكن قادرا ولا كان الكلام والفعل ممكنا له ولم يزل كذلك دائما مدة أو تقدير مدة لا نهاية لها ثم إنه تكلم وفعل من غير سبب اقتضى ذلك وجعلوا مفعوله هو فعله وجعلوا فعله وإرادة فعله قديمة أزلية والمفعول متأخرا وجعلوا القادر يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح - وكل هذا خلاف المعقول الصريح وخلاف الكتاب والسنة وأنكروا صفاته ورؤيته وقالوا كلامه مخلوق ; وهو خلاف دين الإسلام . والذين اتبعوهم وأثبتوا الصفات قالوا يريد جميع المرادات بإرادة واحدة وكل كلام تكلم به أو يتكلم به إنما هو شيء واحد لا يتعدد ولا يتبعض وإذا رئي رئي لا بمواجهة ولا بمعاينة وإنه لم يسمع ولم ير الأشياء حتى وجدت ; ثم لما وجدت لم يقم به أمر موجود ; بل حاله قبل أن يسمع ويبصر كحاله بعد ذلك ; إلى أمثال هذه الأقوال التي تخالف المعقول الصريح والمنقول الصحيح . ثم لما رأت " الفلاسفة " أن هذا مبلغ علم هؤلاء وأن هذا هو الإسلام الذي عليه هؤلاء وعلموا فساد هذا أظهروا قولهم بقدم العالم واحتجوا بأن تجدد الفعل بعد أن لم يكن ممتنع ; بل لا بد لكل متجدد من سبب حادث وليس هناك سبب ; فيكون الفعل دائما ثم ادعوا دعوى كاذبة لم يحسن أولئك أن يبينوا فسادها وهو : أنه إذا كان دائما ; لزم قدم الأفلاك والعناصر . ثم إنهم لما أرادوا تقرير " النبوة " جعلوها فيضا يفيض على نفس النبي من العقل الفعال أو غيره ; من غير أن يكون رب العالمين يعلم له رسولا معينا ولا يميز بين موسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين ولا يعلم الجزئيات ولا نزل من عنده ملك بل جبريل هو خيال يتخيل في نفس النبي أو هو العقل الفعال وأنكروا : أن تكون السموات والأرض خلقت في ستة أيام وأن السموات تنشق وتنفطر وغير ذلك مما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم . وزعموا أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إنما أراد به خطاب الجمهور مما يخيل إليهم بما ينتفعون به من غير أن يكون الأمر في نفسه كذلك ومن غير أن تكون الرسل بينت الحقائق وعلمت الناس ما الأمر عليه . ثم منهم من يفضل الفيلسوف على النبي صلى الله عليه وسلم . و " حقيقة قولهم " أن الأنبياء كذبوا لما ادعوه من نفع الناس وهل كانوا جهالا على قولين لهم . إلى غير ذلك من أنواع الإلحاد والكفر الصريح والكذب البين على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين . وقد بين في غير هذا الموضع : أن هؤلاء أكفر من اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل وإن تظاهروا بالإسلام ; فإنهم يظهرون من مخالفة الإسلام أعظم مما كان يظهره المنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه : المنافقون اليوم شر من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . قيل : ولم ذلك ؟ قال : لأنهم كانوا يسرون نفاقهم وهم اليوم يعلنونه . ولم يكن على عهد حذيفة من وصل إلى هذا النفاق ولا إلى قريب منه ; فإن هؤلاء إنما ظهروا في الإسلام في أثناء " الدولة العباسية " وآخر " الدولة الأموية " لما عربت الكتب اليونانية ونحوها وقد بسط الرد عليهم في غير هذا الموضع . والمقصود هنا : أن هؤلاء المتكلمين الذين زعموا أنهم ردوا عليهم لم يكن الأمر كما قالوه بل هم فتحوا لهم دهليز الزندقة ولهذا يوجد كثير ممن دخل في هؤلاء الملاحدة إنما دخل من باب أولئك المتكلمين : كابن عربي وابن سبعين وغيرهما . وإذا قام من يرد على هؤلاء الملاحدة فإنهم يستنصرون ويستعينون بأولئك المتكلمين المبتدعين ويعينهم أولئك على من ينصر الله ورسوله ; فهم جندهم على محاربة الله ورسوله كما قد وجد ذلك عيانا . ودعواهم أن هذه طريقة إبراهيم الخليل في قوله : { لا أحب الآفلين } : كذب ظاهر على إبراهيم ; فإن الأفول هو التغيب والاحتجاب باتفاق أهل اللغة والتفسير وهو من الأمور الظاهرة في اللغة وسواء أريد بالأفول ذهاب ضوء القمر والكواكب بطلوع الشمس أو أريد به سقوطه من جانب المغرب ; فإنه إذا طلعت الشمس يقال : إنها غابت الكواكب واحتجبت وإن كانت موجودة في السماء ولكن طمس ضوء الشمس نورها . وهذا مما ينحل به الإشكال الوارد على الآية في طلوع الشمس بعد أفول القمر وإبراهيم عليه السلام لم يقل : { لا أحب الآفلين } لما رأى الكوكب يتحرك ; والقمر والشمس بل إنما قال ذلك حين غاب واحتجب . فإن كان إبراهيم قصد بقوله الاحتجاج بالأفول على نفي كون الآفل رب العالمين - كما ادعوه - كانت قصة إبراهيم حجة عليهم ; فإنه لم يجعل بزوغه وحركته في السماء إلى حين المغيب دليلا على نفي ذلك ; بل إنما جعل الدليل مغيبه . فإن كان ما ادعوه من مقصوده من الاستدلال صحيحا فإنه حجة على نقيض مطلوبهم وعلى بطلان كون الحركة دليل الحدوث . لكن الحق أن إبراهيم لم يقصد هذا ولا كان قوله : { هذا ربي } أنه رب العالمين ولا اعتقد أحد من بني آدم أن كوكبا من الكواكب خلق السموات والأرض وكذلك الشمس والقمر ولا كان المشركون قوم إبراهيم يعتقدون ذلك ; بل كانوا مشركين بالله يعبدون الكواكب ويدعونها ويبنون لها الهياكل ويعبدون فيها أصنامهم وهو دين الكلدانيين والكشدانيين والصابئين المشركين ; لا الصابئين الحنفاء وهم الذين صنف صاحب " السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم " كتابه على دينهم . وهذا دين كان كثير من أهل الأرض عليه بالشام والجزيرة والعراق وغير ذلك وكانوا قبل ظهور دين المسيح عليه السلام وكان جامع دمشق وجامع حران وغيرهما موضع بعض هياكلهم : هذا هيكل المشتري وهذا هيكل الزهرة . وكانوا يصلون إلى القطب الشمالي ; وبدمشق محاريب قديمة إلى الشمال . والفلاسفة اليونانيون كانوا من جنس هؤلاء المشركين يعبدون الكواكب والأصنام ويصنعون السحر وكذلك أهل مصر وغيرهم . وجمهور المشركين كانوا مقرين برب العالمين والمنكر له قليل مثل فرعون ونحوه . وقوم إبراهيم كانوا مقرين بالصانع ولهذا قال لهم إبراهيم الخليل : { أفرأيتم ما كنتم تعبدون } { أنتم وآباؤكم الأقدمون } { فإنهم عدو لي إلا رب العالمين } فعادى كل ما يعبدونه إلا رب العالمين وقال تعالى : { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 04 Apr 2010, 05:00 AM   #45
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء } وقال الخليل عليه السلام : { أتعبدون ما تنحتون } { والله خلقكم وما تعملون } وقال تعالى في سورة الأنعام ; { فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون } { إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين } { وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هداني ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون } { وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون } { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } قال الله تعالى : { وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم } . ولما فسر هؤلاء " الأفول " بالحركة وفتحوا باب تحريف الكلم عن مواضعه دخلت الملاحدة من هذا الباب ففسر ابن سينا وأمثاله من الملاحدة الأفول بالإمكان الذي ادعوه حيث قالوا : إن الأفلاك قديمة أزلية وهي مع ذلك ممكنة وكذلك ما فيها من الكواكب والنيرين . قالوا : فقول إبراهيم { لا أحب الآفلين } أي لا أحب الممكن المعلول وإن كان قديما أزليا . وأين في لفظ الأفول ما يدل على هذا المعنى ؟ ولكن هذا شأن المحرفين للكلم عن مواضعه . وجاء بعدهم من جنس من زاد في التحريف فقال : المراد " بالكواكب والشمس والقمر " هو النفس والعقل الفعال والعقل الأول وقد ذكر ذلك أبو حامد الغزالي في بعض كتبه وحكاه عن غيره في بعضها . وقال هؤلاء الكواكب والشمس والقمر لا يخفى على عاقل أنها ليست رب العالمين بخلاف النفس والعقل . ودلالة لفظ الكوكب والشمس والقمر على هذه المعاني لو كانت موجودة من عجائب تحريفات الملاحدة الباطنية كما يتأولون العلميات مع العمليات ويقولون : الصلوات الخمس معرفة أسرارنا وصيام رمضان كتمان أسرارنا والحج هو الزيارة لشيوخنا المقدسين . وفتح لهم هذا الباب " الجهمية والرافضة " حيث صار بعضهم يقول : الإمام المبين علي بن أبي طالب والشجرة الملعونة في القرآن بنو أمية والبقرة المأمور بذبحها عائشة واللؤلؤ والمرجان الحسن والحسين . وقد شاركهم في نحو هذه التحريفات طائفة من الصوفية وبعض المفسرين كالذين يقولون : { والتين والزيتون } { وطور سينين } { وهذا البلد الأمين } أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وكذلك قوله : { كزرع أخرج شطأه } أبو بكر { فآزره } عمر { فاستغلظ } هو عثمان { فاستوى على سوقه } هو علي . وقول بعض الصوفية : { اذهب إلى فرعون إنه طغى } هو القلب { إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة } هي النفس . وأمثال هذه التحريفات . لكن منها ما يكون معناه صحيحا وإن لم يكن هو المراد باللفظ وهو الأكثر في إشارات الصوفية . وبعض ذلك لا يجعل تفسيرا ; بل يجعل من باب الاعتبار والقياس وهذه طريقة صحيحة علمية كما في قوله تعالى : { لا يمسه إلا المطهرون } وقول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب } . فإذا كان ورقه { لا يمسه إلا المطهرون } فمعانيه لا يهتدي بها إلا القلوب الطاهرة وإذا كان الملك لا يدخل بيتا فيه كلب فالمعاني التي تحبها الملائكة لا تدخل قلبا فيه أخلاق الكلاب المذمومة ولا تنزل الملائكة على هؤلاء وهذا لبسطه موضع آخر . والمقصود أن أولئك المبتدعة من أهل الكلام لما فتحوا " باب القياس الفاسد في العقليات والتأويل الفاسد في السمعيات " ; صار ذلك دهليزا للزنادقة الملحدين إلى ما هو أعظم من ذلك من السفسطة في العقليات والقرمطة في السمعيات وصار كل من زاد في ذلك شيئا دعاه إلى ما هو شر منه ; حتى انتهى الأمر بالقرامطة إلى إبطال الشرائع المعلومة كلها كما قال لهم رئيسهم بالشام : قد أسقطنا عنكم العبادات فلا صوم ولا صلاة ولا حج ولا زكاة . ولهذا قال من قال من السلف : البدع بريد الكفر والمعاصي بريد النفاق .
ولما اعتقد أئمة الكلام المبتدع أن معنى كون الله خالقا لكل شيء هو ما تقدم : أنه لم يزل غير فاعل لشيء ولا متكلم بشيء حتى أحدث العالم ; لزمهم أن يقولوا : إن القرآن أو غيره من كلام الله مخلوق منفصل بائن عنه . فإنه لو كان له كلام قديم أو كلام غير مخلوق ; لزم قدم العالم على الأصل الذي أصلوه لأن الكلام قد عرف العقلاء أنه إنما يكون بقدرة المتكلم ومشيئته . وأما كلام يقوم بذات المتكلم بلا قدرة ولا مشيئة ; فهذا لم يكن يتصوره أحد من العقلاء ولا نعرف أن أحدا قاله بل ولا يخطر ببال جماهير الناس حتى أحدث القول به ابن كلاب . وإنما ألجأه إلى هذا : أن أولئك المتكلمين لما أظهروا موجب أصلهم وهو القول بأن القرآن مخلوق أظهروا ذلك في أوائل المائة الثانية فلما سمع ذلك علماء الأمة أنكروا ذلك ثم صار كلما ظهر قولهم أنكره العلماء - وكلام السلف والأئمة في إنكار ذلك مشهور متواتر - إلى أن صار لهؤلاء المتكلمين الكلام المحدث في دولة المأمون عز وأدخلوه في ذلك وألقوا إليه الحجج التي لهم . وقالوا إما أن يكون العالم مخلوقا أو قديما . وهذا الثاني كفر ظاهر معلوم فساده بالعقل والشرع . وإذا كان العالم مخلوقا محدثا بعد أن لم يكن ; لم يبق قديم إلا الله وحده . فلو كان العالم قديما ; لزم أن يكون مع الله قديم آخر . وكذلك الكلام إن كان قائما بذاته ; لزم دوام الحوادث وقيامها بالرب وهذا يبطل الدليل الذي اشتهر بينهم على حدوث العالم . وإن كان منفصلا عنه لزم وجود المخلوق في الأزل ; وهذا قول بقدم العالم . فلما امتحن الناس بذلك واشتهرت هذه المحنة وثبت الله من ثبته من أئمة السنة ; وكان الإمام - الذي ثبته الله وجعله إماما للسنة حتى صار أهل العلم بعد ظهور المحنة يمتحنون الناس به فمن وافقه كان سنيا وإلا كان بدعيا - هو الإمام أحمد بن حنبل فثبت على أن القرآن كلام الله غير مخلوق . وكان " المأمون " لما صار إلى الثغر بطرسوس كتب بالمحنة كتابا إلى نائبه بالعراق " إسحاق بن إبراهيم " فدعا العلماء والفقهاء والقضاة ; فامتنعوا عن الإجابة والموافقة فأعاد عليه الجواب فكتب كتابا ثانيا يقول فيه عن القاضيين : بشر بن الوليد وعبد الرحمن بن إسحاق إن لم يجيبا فاضرب أعناقهما ويقول عن الباقين إن لم يجيبوا فقيدهم فأرسلهم إلي . فأجاب القاضيان وذكرا لأصحابهما أنهما مكرهان وأجاب أكثر الناس قبل أن يقيدهم لما رأوا الوعيد ولم يجب ستة أنفس فقيدهم فلما قيدوا أجاب الباقون إلا اثنين : أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح النيسابوري ; فأرسلوهما مقيدين إليه ; فمات محمد بن نوح في الطريق ومات المأمون قبل أن يصل أحمد إليه وتولى أخوه أبو إسحاق وتولى القضاء أحمد بن أبي دؤاد وأقام أحمد بن حنبل في الحبس من سنة ثماني عشرة إلى سنة عشرين . ثم إنهم طلبوه وناظروه أياما متعددة فدفع حججهم وبين فسادها وأنهم لم يأتوا على ما يقولونه بحجة لا من كتاب ولا من سنة ولا من أثر وأنه ليس لهم أن يبتدعوا قولا ويلزموا الناس بموافقتهم عليه ويعاقبوا من خالفهم


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 04 Apr 2010, 05:01 AM   #46
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


. وإنما يلزم الناس ما ألزمهم الله ورسوله ; ويعاقب من عصى الله ورسوله ; فإن الإيجاب والتحريم والثواب والعقاب والتكفير والتفسيق هو إلى الله ورسوله ; ليس لأحد في هذا حكم وإنما على الناس إيجاب ما أوجبه الله ورسوله ; وتحريم ما حرمه الله ورسوله وتصديق ما أخبر الله به ورسوله . وجرت في ذلك أمور يطول شرحها . ولما اشتهر هذا وتبين للناس باطن أمرهم ; وأنهم معطلة للصفات يقولون : إن الله لا يرى ولا له علم ولا قدرة وإنه ليس فوق العرش رب ; ولا على السموات إله ; وإن محمدا لم يعرج به إلى ربه إلى غير ذلك من أقوال الجهمية النفاة ; كثر رد الطوائف عليهم بالقرآن والحديث والآثار تارة ; وبالكلام الحق تارة ; وبالباطل تارة . وكان ممن انتدب للرد عليهم أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب وكان له فضل وعلم ودين . ومن قال : إنه ابتدع ما ابتدعه ليظهر دين النصارى في المسلمين - كما يذكره طائفة في مثالبه ويذكرون أنه أوصى أخته بذلك - فهذا كذب عليه . وإنما افترى هذا عليه المعتزلة والجهمية الذين رد عليهم ; فإنهم يزعمون أن من أثبت الصفات فقد قال بقول النصارى . وقد ذكر مثل ذلك عنهم الإمام أحمد في الرد على الجهمية ; وصار ينقل هذا من ليس من المعتزلة من السالمية ويذكره أهل الحديث والفقهاء الذين ينفرون عنه لبدعته في القرآن ; ويستعينون بمثل هذا الكلام الذي هو من افتراء الجهمية والمعتزلة عليه . ولا يعلم هؤلاء أن الذين ذموه بمثل هذا هم شر منه وهو خير وأقرب إلى السنة منهم .
وكان " أبو الحسن الأشعري " لما رجع عن الاعتزال سلك طريقة أبي محمد بن كلاب فصار طائفة ينتسبون إلى السنة والحديث من السالمية وغيرهم كأبي علي الأهوازي يذكرون في مثالب أبي الحسن أشياء هي من افتراء المعتزلة وغيرهم عليه لأن الأشعري بين من تناقض أقوال المعتزلة وفسادها ما لم يبينه غيره حتى جعلهم في قمع السمسمة . " وابن كلاب " لما رد على الجهمية لم يهتد لفساد أصل الكلام المحدث الذي ابتدعوه في دين الإسلام بل وافقهم عليه . وهؤلاء الذين يذمون ابن كلاب والأشعري بالباطل هم من أهل الحديث . والسالمية من الحنبلية والشافعية والمالكية وغيرهم كثير منهم موافق لابن كلاب والأشعري على هذا موافق للجهمية على أصل قولهم الذي ابتدعوه . وهم إذا تكلموا في " مسألة القرآن " وأنه غير مخلوق أخذوا كلام ابن كلاب والأشعري فناظروا به المعتزلة والجهمية وأخذوا كلام الجهمية والمعتزلة فناظروا به هؤلاء وركبوا قولا محدثا من قول هؤلاء وهؤلاء لم يذهب إليه أحد من السلف ووافقوا ابن كلاب والأشعري وغيرهما على قولهم : إن القرآن قديم واحتجوا بما ذكره هؤلاء على فساد قول المعتزلة والجهمية وغيرهم . وهم مع هؤلاء . وجمهور المسلمين يقولون : إن القرآن العربي كلام الله وقد تكلم الله به بحرف وصوت فقالوا : إن الحروف والأصوات قديمة الأعيان أو الحروف بلا أصوات وإن الباء والسين والميم مع تعاقبها في ذاتها فهي أزلية الأعيان لم تزل ولا تزال ; كما بسطت الكلام على أقوال الناس في القرآن في موضع آخر . والمقصود هنا التنبيه على أصل مقالات الطوائف وابن كلاب أحدث ما أحدثه لما اضطره إلى ذلك من دخول أصل كلام الجهمية في قلبه وقد بين فساد قولهم بنفي علو الله ونفي صفاته . وصنف كتبا كثيرة في أصل التوحيد والصفات وبين أدلة كثيرة عقلية على فساد قول الجهمية وبين فيها أن علو الله على خلقه ومباينته لهم من المعلوم بالفطرة والأدلة العقلية القياسية كما دل على ذلك الكتاب والسنة . وكذلك ذكرها الحارث المحاسبي في كتاب " فهم القرآن " وغيره ; بين فيه من علو الله واستوائه على عرشه ما بين به فساد قول النفاة ; وفرح الكثير من النظار الذين فهموا أصل قول المتكلمين وعلموا ثبوت الصفات لله وأنكروا القول بأن كلامه مخلوق ; فرحوا بهذه الطريقة التي سلكها ابن كلاب : كأبي العباس القلانسي وأبي الحسن الأشعري والثقفي ; ومن تبعهم : كأبي عبد الله بن مجاهد وأصحابه والقاضي أبي بكر وأبي إسحاق الإسفراييني وأبي بكر بن فورك وغير هؤلاء . وصار هؤلاء يردون على المعتزلة ما رده عليهم ابن كلاب والقلانسي والأشعري وغيرهم من مثبتة الصفات فيبينون فساد قولهم : بأن القرآن مخلوق وغير ذلك وكان في هذا من كسر سورة المعتزلة والجهمية ما فيه ظهور شعار السنة وهو القول بأن القرآن كلام الله غير مخلوق وأن الله يرى في الآخرة وإثبات الصفات والقدر وغير ذلك من أصول السنة . لكن " الأصل العقلي " الذي بنى عليه ابن كلاب قوله في كلام الله وصفاته هو أصل الجهمية والمعتزلة بعينه وصاروا إذا تكلموا في خلق الله السموات والأرض وغير ذلك من المخلوقات إنما يتكلمون بالأصل الذي ابتدعه الجهمية ومن اتبعهم ; فيقولون قول أهل الملة كما نقله أولئك ويقررونه بحجة أولئك . وكانت " محنة الإمام أحمد " سنة عشرين ومائتين وفيها شرعت القرامطة الباطنية يظهرون قولهم فإن كتب الفلاسفة قد عربت وعرف الناس أقوالهم . فلما رأت الفلاسفة أن القول المنسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل بيته هو هذا القول الذي يقوله المتكلمون الجهمية ومن اتبعهم ورأوا أن هذا القول الذي يقولونه فاسد من جهة العقل ; طمعوا في تغيير الملة . فمنهم من أظهر إنكار الصانع وأظهر الكفر الصريح وقاتلوا المسلمين وأخذوا الحجر الأسود كما فعلته قرامطة البحرين . وكان قبلهم قد فعل بابك الخرمي مع المسلمين ما هو مشهور . وقد ذكر القاضي أبو بكر بن الباقلاني وغيره من كشف أسرار " الباطنية " وهتك أستارهم فإنه كان منهم من النفاة الباطنية الخرمية . وصاروا يحتجون في كلامهم وكتبهم بحجج قد ذكرها أرسطو وأتباعه من الفلاسفة وهو أن الحركة يمتنع أن يكون لها ابتداء ويمتنع أن يكون للزمان ابتداء ويمتنع أن يصير الفاعل فاعلا بعد أن لم يكن فاعلا ; فصار هؤلاء الفلاسفة وهؤلاء المتكلمون كلاهما يستدل على قوله بالحركة . فأرسطو وأتباعه يقولون : إن الحركة يمتنع أن يحدث نوعها بعد أن لم يكن ويمتنع أن يصير الفاعل فاعلا بعد أن لم يكن ; ولأنه من المعلوم بصريح المعقول أن الذات إذا كانت لا تفعل شيئا ثم فعلت بعد أن لم تفعل ; فلا بد من حدوث حادث من الحوادث وإلا فإذا قدرت على حالها وكانت لا تفعل فهي الآن لا تفعل فإذا كانت الآن تفعل ; لزم دوام فعلها . ويقولون : قبل وبعد مستلزم للزمان فمن قال بحدوث الزمان لزمه القول بقدمه من حيث هو قائل بحدوثه . ويقولون : الزمان مقدار الحركة فيلزم من قدمه قدمها ويلزم من قدم الحركة قدم المتحرك - وهو الجسم - فيلزم ثبوت جسم قديم ثم يجعلون ذلك الجسم القديم هو الفلك ; ولكن ليس لهم على هذا حجة كما قد بسط في موضع آخر . وصار المتكلمون من الجهمية والمعتزلة والكلابية والكرامية يردون عليهم ويدعون أن القادر المختار يرجح أحد المقدورين المتماثلين على الآخر المماثل له بلا سبب أصلا وعلى هذا الأصل بنوا


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 04 Apr 2010, 05:01 AM   #47
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


كون الله خالقا للمخلوقات . ثم نفاة الصفات يقولون : رجح بمجرد القدرة وكذلك أصل القدرية . والمعتزلة جمعت بين الأمرين . وأما المثبتة كالكلابية والكرامية فيدعون أنه رجح بمشيئة قديمة أزلية . وكلا القولين مما ينكره جمهور العقلاء . ولهذا صار كثير من المصنفين في هذا الباب كالرازي ومن قبله من أئمة الكلام والفلسفة - كالشهرستاني ومن قبله من طوائف الكلام والفلسفة - لا يوجد عندهم إلا العلة الفلسفية أو القادرية المعتزلية أو الإرادية الكلابية . وكل من الثلاثة منكر في العقل والشرع ; ولهذا كانت بحوث الرازي في مسألة القادر المختار في غاية الضعف من جهة المسلمين وهي على قول الدهرية أظهر دلالة . واحتج أهل الكلام المبتدع بأنه يمتنع وجود حوادث لا أول لها ويقولون : لو وجدت حوادث لا أول لها ; لكنا إذا قدرنا ما وجد قبل الطوفان وما وجد قبل الهجرة وقابلنا بينهما ; فإما أن يتساويا - وهو ممتنع - لأنه يكون الزائد مثل الناقص وإما أن يتفاضلا فيكون فيما لا يتناهى تفاضلا وهو ممتنع . ويذكرون حججا أخرى قد بسط الكلام عليها في غير هذا الموضع . وقد تكلم الناس في هذه " الحجة " ونحوها وبينوا فسادها ; بأن التفاضل إنما يقع من الطرف المتناهي لا من الطرف الذي لا يتناهى وبأن هذا منقوض بالحوادث المستقبلة ; فإن كون الحادث ماضيا أو مستقبلا أمر إضافي ; ولهذا منع أئمة هذا القول - كجهم والعلاف - وجود حوادث لا تتناهى في المستقبل وقال جهم بفناء الجنة والنار وقال العلاف بفناء الحركات وهذا كله مبسوط في موضع آخر . وصار " طائفة أخرى " قد عرفت كلام هؤلاء وكلام هؤلاء - كالرازي والآمدي وغيرهما - يصنفون الكتب الكلامية فينصرون فيها ما ذكره المتكلمون المبتدعون عن أهل الملة من " حدوث العالم " بطريقة المتكلمين المبتدعة هذه وهو امتناع حوادث لا أول لها ثم يصنفون الكتب الفلسفية كتصنيف الرازي " المباحث الشرقية " ونحوها ; ويذكر فيها ما احتج به المتكلمون على امتناع حوادث لا أول لها وأن الزمان والحركة والجسم لها بداية ثم ينقض ذلك كله ويجيب عنه ويقرر حجة من قال : إن ذلك لا بداية له . وليس هذا تعمدا منه لنصر الباطل ; بل يقول بحسب ما توافقه الأدلة العقلية في نظره وبحثه . فإذا وجد في المعقول بحسب نظره ما يقدح به في كلام الفلاسفة قدح به فإن من شأنه البحث المطلق بحسب ما يظهر له فهو يقدح في كلام هؤلاء بما يظهر له أنه قادح فيه من كلام هؤلاء وكذلك يصنع بالآخرين ومن الناس من يسيء به الظن وهو أنه يتعمد الكلام الباطل ; وليس كذلك بل تكلم بحسب مبلغه من العلم والنظر والبحث في كل مقام بما يظهر له وهو متناقض في عامة ما يقوله ; يقرر هنا شيئا ثم ينقضه في موضع آخر ; لأن المواد العقلية التي كان ينظر فيها من كلام أهل الكلام المبتدع المذموم عند السلف ومن كلام الفلاسفة الخارجين عن الملة يشتمل على كلام باطل - كلام هؤلاء وكلام هؤلاء : - فيقرر كلام طائفة بما يقرر به ثم ينقضه في موضع آخر بما ينقض به . ولهذا اعترف في آخر عمره فقال : لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا ولا تروي غليلا ورأيت أقرب الطرق " طريقة القرآن " اقرأ في الإثبات : { الرحمن على العرش استوى } { إليه يصعد الكلم الطيب } واقرأ في النفي { ليس كمثله شيء } { ولا يحيطون به علما } ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي . والآمدي تغلب عليه الحيرة والوقف في عامة الأصول الكبار حتى إنه أورد على نفسه سؤالا في تسلسل العلل وزعم أنه لا يعرف عنه جوابا وبنى إثبات الصانع على ذلك ; فلا يقرر في كتبه لا إثبات الصانع ولا حدوث العالم ولا وحدانية الله ولا النبوات ولا شيئا من الأصول التي يحتاج إلى معرفتها . والرازي - وإن كان يقرر بعض ذلك - فالغالب على ما يقرره أنه ينقضه في موضع آخر لكن هو أحرص على تقرير الأصول التي يحتاج إلى معرفتها من الآمدي . ولو جمع ما تبرهن في العقل الصريح من كلام هؤلاء وهؤلاء لوجد جميعه موافقا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ووجد صريح المعقول مطابقا لصحيح المنقول . لكن لم يعرف هؤلاء حقيقة ما جاء به الرسول وحصل اضطراب في المعقول به ; فحصل نقص في معرفة السمع والعقل وإن كان هذا النقص هو منتهى قدرة صاحبه لا يقدر على إزالته فالعجز يكون عذرا للإنسان في أن الله لا يعذبه إذا اجتهد الاجتهاد التام . هذا على قول السلف والأئمة في أن من اتقى الله ما استطاع إذا عجز عن معرفة بعض الحق لم يعذب به . وأما من قال من الجهمية ونحوهم : إنه قد يعذب العاجزين ومن قال من المعتزلة ونحوهم من القدرية : إن كل مجتهد فإنه لا بد أن يعرف الحق وإن من لم يعرفه فلتفريطه لا لعجزه فهما قولان ضعيفان وبسببهما صارت الطوائف المختلفة من أهل القبلة يكفر بعضهم بعضا ويلعن بعضهم بعضا . فيقال " لأرسطو وأتباعه " ممن رأى دوام الفاعلية ولوازمها : العقل الصريح لا يدل على قدم شيء بعينه من العالم : لا فلك ولا غيره ; وإنما يدل على أن الرب لم يزل فاعلا . وحينئذ فإذا قدر أنه لم يزل يخلق شيئا بعد شيء كان كل ما سواه مخلوقا محدثا مسبوقا بالعدم ولم يكن من العالم شيء قديم وهذا التقدير ليس معكم ما يبطله فلماذا تنفونه ونفس قدر الفعل هو المسمى بالزمان فإن الزمان إذا قيل : إنه مقدار الحركة كان جنس الزمان مقدار جنس الحركة لا يتعين في ذلك أن يكون مقدار حركة الشمس أو الفلك .
وأهل الملل متفقون على أن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام وخلق ذلك من مادة كانت موجودة قبل هذه السموات والأرض وهو الدخان الذي هو البخار كما قال تعالى : { ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين } وهذا الدخان هو بخار الماء الذي كان حينئذ موجودا كما جاءت بذلك الآثار عن الصحابة والتابعين وكما عليه أهل الكتاب كما ذكر هذا كله في موضع آخر . وتلك الأيام لم تكن مقدار حركة هذه الشمس وهذا الفلك ; فإن هذا مما خلق في تلك الأيام بل تلك الأيام مقدرة بحركة أخرى . وكذلك إذا شق الله هذه السموات وأقام القيامة وأدخل أهل الجنة الجنة قال تعالى : { ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا } . وقد جاءت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه تبارك وتعالى يتجلى لعباده المؤمنين يوم الجمعة وأن أعلاهم منزلة من يرى الله تعالى كل يوم مرتين وليس في الجنة شمس ولا قمر ولا هناك حركة فلك بل ذلك الزمان مقدر بحركات كما جاء في الآثار أنهم يعرفون ذلك بأنوار تظهر من جهة العرش . وإذا كان مدلول الدليل العقلي أنه لا بد أنه قديم تقوم به الأفعال شيئا بعد شيء فهذا إنما يناقض قول المبتدعة من أهل الملل الذين ابتدعوا الكلام المحدث - الذي ذمه السلف والأئمة - الذين قالوا : إن الرب لم يزل معطلا عن الفعل والكلام . فصار ما علمته العقلاء من أصناف الأمم من الفلاسفة وغيرهم بصريح المعقول هو عاضد وناصر لما جاء به الرسول


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 04 Apr 2010, 05:02 AM   #48
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


صلى الله عليه وسلم على من ابتدع في ملته ما يخالف أقواله . وكان ما علم بالشرع مع صريح العقل أيضا راد لما يقوله الفلاسفة الدهرية من قدم شيء من العالم مع الله بل القول " بقدم العالم " قول اتفق جماهير العقلاء على بطلانه ; فليس أهل الملة وحدهم تبطله بل أهل الملل كلهم وجمهور من سواهم من المجوس وأصناف المشركين : مشركي العرب ومشركي الهند وغيرهم من الأمم . وجماهير أساطين الفلاسفة كلهم معترفون بأن هذا العالم محدث كائن بعد أن لم يكن بل وعامتهم معترفون بأن الله خالق كل شيء والعرب المشركون كلهم كانوا يعترفون بأن الله خالق كل شيء وأن هذا العالم كله مخلوق والله خالقه وربه وهذه الأمور مبسوطة في موضعها . والمقصود هنا الكلام على ما يحتاج إليه من معرفة " حديث النزول " وأمثاله وهما " الأصلان المتقدمان " ومن تمام الأصل الثاني لفظ " الحركة " هل يوصف الله بها أم يجب نفيه عنه ؟ اختلف فيه المسلمون وغيرهم من أهل الملل وغير أهل الملل من أهل الحديث وأهل الكلام وأهل الفلسفة وغيرهم على ثلاثة أقوال . وهذه الثلاثة موجودة في أصحاب الأئمة الأربعة من أصحاب الإمام أحمد وغيرهم . وقد ذكر القاضي أبو يعلى الأقوال الثلاثة عن أصحاب الإمام أحمد في " الروايتين والوجهين " وغير ذلك من الكتب . وقبل ذلك ينبغي أن يعرف أن لفظ الحركة والانتقال والتغير والتحول ونحو ذلك ألفاظ مجملة ; فإن المتكلمين إنما يطلقون لفظ الحركة على الحركة المكانية وهو انتقال الجسم من مكان إلى مكان بحيث يكون قد فرغ الحيز الأول وشغل الثاني : كحركة أجسامنا من حيز إلى حيز وحركة الهواء والماء والتراب والسحاب من حيز إلى حيز ; بحيث يفرغ الأول ويشغل الثاني ; فأكثر المتكلمين لا يعرفون للحركة معنى إلا هذا . ومن هنا نفوا ما جاءت به النصوص من أنواع جنس الحركة ; فإنهم ظنوا أن جميعها إنما تدل على هذا وكذلك من أثبتها وفهم منها كلها هذا كالذين فهموا من نزوله إلى السماء الدنيا أنه يبقى فوقه بعض مخلوقاته فلا يكون هو الظاهر الذي ليس فوقه شيء ولا يكون هو العلي الأعلى ويلزمهم أن لا يكون مستويا على العرش بحال كما تقدم . والفلاسفة يطلقون لفظ " الحركة " على كل ما فيه تحول من حال إلى حال . ويقولون أيضا : حقيقة الحركة هي الحدوث أو الحصول والخروج من القوة إلى الفعل يسيرا يسيرا بالتدريج . قالوا : وهذه العبارات دالة على معنى الحركة وقد يحدون بها الحركة . وهم متنازعون في الرب تعالى هل تقوم به جنس الحركة ؟ على قولين . وأصحاب " أرسطو " جعلوا الحركة مختصة بالأجسام ويصفون النفس بنوع من الحركة ; وليست عندهم جسما فيتناقضون . وكانت الحركة عندهم " ثلاثة أنواع " فزاد ابن سينا فيها قسما رابعا فصارت " أربعة " . ويجعلون الحركة جنسا تحته أنواع : حركة في الكيف وحركة في الكم . وحركة في الوضع وحركة في الأين . " فالحركة في الكيف " هي تحول الشيء من صفة إلى صفة ; مثل اسوداده واحمراره واخضراره واصفراره ومثل مصيره حلوا وحامضا ومثل تغير رائحته ; وكذلك في النفوس كعلم الإنسان بعد جهله وحبه بعد بغضه وإيمانه بعد كفره وفرحه بعد حزنه ورضاه بعد غضبه ; كل هذه الأحوال النفسانية حركة في الكيف وهذا مما احتج به من جوز منهم الحركة ; فإن إرادته لإحداث الشيء عندهم حركة . و " الحركة في الكم " مثل امتداد الشيء مثل كبر الحيوان بعد صغره وطوله بعد قصره ومثل امتداد الشجر والنبات وامتداد عروقه في الأرض وأغصانه في الهواء فهذا حركة في المقدار والكمية ; كما أن الأول حركة في الصفات والكيفية . وأما " الحركة في الوضع " ; فمثل دوران الشيء في موضع واحد ; كدوران " الفلك " و " المنجنون " الذي يسمى الدولاب وكحركة الرحى وغير ذلك فإنه لا ينتقل من حيز إلى حيز ; بل حيزه واحد لكن يختلف في أوضاعه فيكون الجزء منه تارة محاذيا للجهة العليا فيصير محاذيا للجهة السفلى ; أو للجهة اليمنى فيصير محاذيا للجهة اليسرى . وهذا النوع يقولون : إن ابن سينا زاده .
والرابع : الحركة في الأين وهي الحركة المكانية وهو انتقاله من حيز إلى حيز . وأما عموم أهل اللغة فيطلقون لفظ الحركة على جنس الفعل . فكل من فعل فعلا فقد تحرك عندهم ; ويسمون أحوال النفس حركة فيقولون : تحركت فيه المحبة وتحركت فيه الحمية وتحرك غضبه وتوصف هذه الأحوال بالحركة والسكون : فيقال : سكن غضبه قال تعالى : { ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح } فوصف الغضب بالسكوت وفي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه ومعاوية بن قرة وعكرمة : ( ولما سكن بالنون وعلى القراءة المشهورة ( بالتاء قال المفسرون : سكت الغضب أي سكن . وكذلك قال أهل اللغة ; الزجاج وغيره . قال الجوهري : سكت الغضب مثل سكن ; فالسكون أخص ; فكل ساكت ساكن وليس كل ساكن ساكتا وإذا وصف بالسكون دل على أنه كان متحركا ; وهذا وصف للأعراض النفسانية بالحركة والسكون . والأشعري قد استدل على أن الحركة وأنواعها لا تختص بالأجسام بما وجد من استعمالهم ذلك في الأعراض ; قال : فإنهم يقولون : جاءت الحمى وجاء البرد وجاءت العافية وجاء الشتاء وجاء الحر . ونحو ذلك مما يوصف بالمجيء والإتيان من الأعراض . ومجيء هذه الأعراض هو حدوث وتغير وتحول من حال إلى حال . فإن قيل : ما وصف بالحركة والسكون من هذه الأعراض فإنما هو لتحرك المحل الحامل لذلك العرض - وإلا فالعرض لا يقوم بنفسه ولا يفارق محله ; فإن الحمى والحر والبرد يقوم بالهواء الذي يحمل الحر والبرد . وكذلك الغضب هو غليان دم القلب لطلب الانتقام وهذا حركة الدم ; فإذا سكن غليان الدم سكن الغضب . قيل : ليس الأمر كذلك ; بل هذا يستعمل فيما يحدث من الأعراض في المحل شيئا فشيئا وإن لم يكن هناك جسم ينتقل معه كما تقدم من الحركة في الكيفيات والصفات ; فإن الماء إذا سخن حدثت فيه الحرارة وسخن الوعاء الذي فيه الماء من غير انتقال جسم حار إليه وإذا وضع الماء المسخن في المكان البارد برد من غير انتقال جسم بارد إليه . وكذلك الحمى حرارة أو برودة تقوم بالبدن من غير أن ينتقل إلى كل جزء من البدن جسم حار أو بارد . والغضب - وإن كان بعض الناس يقول : إنه غليان دم القلب فهو - صفة تقوم بنفس الغضبان غير غليان دم القلب ; وإنما ذلك أثره ; فإن حرارة الغضب تسخن الدم حتى يغلي . فإن مبدأ الغضب من النفس هي التي تتصف به أولا ثم يسري ذلك إلى الجسم وكذلك الحزن والفرح وسائر الأحوال النفسانية . والحزن يوجب دخول الدم ; ولهذا يصفر لون الحزين وهو من الأحوال النفسانية ; لكن الحزين يستشعر العجز عن دفع المكروه الذي أصابه وييأس من ذلك ; فيغور دمه والغضبان يستشعر قدرته على الدفع أو المعاقبة ; فينبسط دمه . والحركة والسكون والطمأنينة التي توصف بها النفس ليست مماثلة لما يوصف به الجسم قال تعالى


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 04 Apr 2010, 05:02 AM   #49
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


: { ألا بذكر الله تطمئن القلوب } والاطمئنان هو السكون ; قال الجوهري : اطمأن الرجل اطمئنانا وطمأنينة : أي سكن قال تعالى : { يا أيتها النفس المطمئنة } { ارجعي إلى ربك راضية مرضية } وكذلك للقلوب سكينة تناسبها . قال تعالى : { هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم } . وكذلك " الريب " حركة النفس للشك ومنه الحديث : { أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بظبي حاقف فقال لا يريبه أحد } ويقال : رابني منه ريب و { دع ما يريبك إلى ما لا يريبك } وقال : { الكذب ريبة والصدق طمأنينة } فجعل الطمأنينة ضد الريبة وكذلك اليقين ضد الريب . واليقين يتضمن معنى الطمأنينة والسكون ومنه ماء يقن وكذلك يقال : انزعج . وأزعجه فانزعج أي أقلقه ويقال ذلك لمن قلقت نفسه ولمن قلق بنفسه وبدنه حتى فارق مكانه ; وكذلك يقال : قلقت نفسه ; واضطربت نفسه ونحو ذلك من أنواع الحركة . ويسمى ما يألفه جنس الإنسان ويحبه سكنا ; لأنه يسكن إليه . ويقال : فلان يسكن إلى فلان ويطمئن إليه ويقال : القلب يسكن إلى فلان ويطمئن إليه إذا كان مأمونا معروفا بالصدق ; فإن الصدق يورث الطمأنينة والسكون . وقد سميت الزوجة سكنا قال تعالى : { خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة } وقال : { وجعل منها زوجها ليسكن إليها } ; فيسكن الرجل إلى المرأة بقلبه وبدنه جميعا . وقد يكون بدن الشخص ساكنا ونفسه متحركة حركة قوية وبالعكس قد يسكن قلبه وبدنه متحرك . والمحب للشيء المشتاق إليه يوصف بأنه متحرك إليه ; ولهذا يقال : العشق حركة نفس فارغة . فالقلوب تتحرك إلى الله تعالى بالمحبة والإنابة والتوجه وغير ذلك من أعمال القلوب وإن كان البدن لا يتحرك إلى فوق . فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : { أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد } . ومع هذا فبدنه أسفل ما يكون . فينبغي أن يعرف أن الحركة جنس تحته أنواع مختلفة باختلاف الموصوفات بذلك . وما يوصف به نفس الإنسان من إرادة ومحبة وكراهة وميل ونحو ذلك كلها فيها تحول النفس من حال إلى حال وعمل للنفس وذلك حركة لها بحسبها ; ولهذا يعبر عن هذه المعاني بألفاظ الحركة فيقال : فلان يهفو إلى فلان كما قيل : يهفو إلى البان من قلبي نوازعه وما بي البان بل من دارة البان وهذا اللفظ يستعمل في حركة الشيء الخفيف بسرعة كما يقال : هفا الطائر بجناحه أي خفق وطار وهفا الشيء في الهواء إذا ذهب كالصوفة ونحوها ومر الظبي يهفو أي يطفر ومنه قيل للزلة : هفوة كما سميت زلة والزلة حركة خفيفة وكذلك الهفوة . وكذلك يسمى المحب المشتاق الذي صار حبه أقوى من العلاقة " صبا " وحاله صبابة وهو رقة الشوق وحرارته والصب المحب المشتاق وذلك لانصباب قلبه إلى المحبوب كما ينصب الماء الجاري والماء ينصب من الجبل أي ينحدر . فلما كان في انحداره يتحرك حركة لا يرده شيء سميت حركة الصب " صبابة " وهذا يستعمل في المحبة المحمودة والمذمومة . ومنه الحديث : { أن أبا عبيدة رضي الله عنه لما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم في سرية بكى صبابة وشوقا إلى النبي صلى الله عليه وسلم } . والصبابة والصب متفقان في الاشتقاق الأكبر . والعرب تعاقب بين الحرف المعتل والحرف المضعف كما يقولون : تقضى البازي وتقضض وصبا يصبو : معناه مال وسمي الصبي صبيا لسرعة ميله . قال الجوهري : والصبي أيضا من الشوق يقال منه تصابى وصبا يصبو صبوة وصبوا أي مال إلى الجهل والفتوة وأصبته الجارية . وقد يستعمل هذا في الميل المحمود على قراءة من قرأ : { إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين } بلا همزة في قراءة نافع فإنه لا يهمز " الصابئين " في جميع القرآن . وبعضهم قد حمده الله تعالى ; وكذلك يقال : حن إليه حنينا ; ومنه حنا في الاشتقاق الأكبر يحنو عليه حنوا . قال الجوهري : حنوت عليه عطفت عليه ويحني عليه أي يعطف مثل تحنن كما قال الشاعر : تحنى عليك النفس من لاعج الهوى فكيف تحنيها وأنت تهينها وقال : الحنين : الشوق وتوقان النفس ويقال حن إليه يحن حنينا فهو حان والحنان الرحمة يقال حن عليه يحن حنانا ومنه قوله تعالى : { وحنانا من لدنا وزكاة } والحنان بالتشديد : ذو الرحمة وتحنن عليه ترحم والعرب تقول : حنانيك يا رب وحنانك بمعنى واحد أي رحمتك وهذا كلام الجوهري .
وفي الأثر في تفسير " الحنان المنان " : أن الحنان هو الذي يقبل على من أعرض عنه والمنان الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال وهذا باب واسع . والمقصود هنا أن هذا كله من أنواع جنس الحركة العامة والحركة العامة هي التحول من حال إلى حال ; ومنه قولنا : لا حول ولا قوة إلا بالله . وفي " الصحيحين " { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي موسى رضي الله عنه : ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ قال : بلى قال : لا حول ولا قوة إلا بالله } . وفي " صحيح مسلم " وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا قال المؤذن : الله أكبر ; فقال الرجل : الله أكبر فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ; فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال : أشهد أن محمدا رسول الله ; فقال : أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال : حي على الصلاة ; فقال : لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال : حي على الفلاح فقال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال : الله أكبر الله أكبر فقال : الله أكبر الله أكبر } . فلفظ الحول يتناول كل تحول من حال إلى حال والقوة هي القدرة على ذلك التحول ; فدلت هذه الكلمة العظيمة على أنه ليس للعالم العلوي والسفلي حركة وتحول من حال إلى حال ولا قدرة على ذلك إلا بالله . ومن الناس من يفسر ذلك بمعنى خاص فيقول : لا حول من معصيته إلا بعصمته . ولا قوة على طاعته إلا بمعونته . والصواب الذي عليه الجمهور هو التفسير الأول وهو الذي يدل عليه اللفظ فإن الحول لا يختص بالحول عن المعصية وكذلك القوة لا تختص بالقوة على الطاعة بل لفظ الحول يعم كل تحول . ومنه لفظ " الحيلة " ووزنها فعلة بالكسر وهي النوع المختص من الحول كما يقال : الجلسة والقعدة واللبسة والإكلة والضجعة ونحو ذلك بالكسر هي النوع الخاص وهو بالفتح المرة الواحدة . فالحيلة أصلها حولة لكن لما جاءت الواو الساكنة بعد كسرة قلبت ياء كما في لفظ ميزان وميقات وميعاد وزنه مفعال ; وقياسه موزان وموقات ; لكن لما جاءت الواو الساكنة بعد كسرة قلبت ياء قال تعالى : { إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة } من الحيل ; فإنها نكرة في سياق النفي فتعم جميع أنواع الحيل . وكذلك لفظ " القوة " قال تعالى : { الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة } ولفظ القوة قد يراد به ما كان في القدرة أكمل من غيره ; فهو قدرة أرجح من غيرها أو القدرة التامة . ولفظ " القوة " قد يعم القوة التي في الجمادات بخلاف لفظ القدرة ; فلهذا كان المنفي بلفظ القوة أشمل وأكمل . فإذا لم تكن قوة


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 04 Apr 2010, 05:03 AM   #50
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


إلا به لم تكن قدرة إلا به بطريق الأولى . وهذا باب واسع . والمقصود هنا أن الناس متنازعون في جنس " الحركة العامة " التي تتناول ما يقوم بذات الموصوف من الأمور الاختيارية كالغضب والرضا والفرح وكالدنو والقرب والاستواء والنزول بل والأفعال المتعدية كالخلق والإحسان وغير ذلك على ثلاثة أقوال :
أحدها قول من ينفي ذلك مطلقا وبكل معنى فلا يجوز أن يقوم بالرب شيء من الأمور الاختيارية . فلا يرضى على أحد بعد أن لم يكن راضيا عنه ولا يغضب عليه بعد أن لم يكن غضبان ولا يفرح بالتوبة بعد التوبة ; ولا يتكلم بمشيئته وقدرته إذا قيل إن ذلك قائم بذاته . وهذا القول أول من عرف به هم " الجهمية والمعتزلة " وانتقل عنهم إلى الكلابية والأشعرية والسالمية ومن وافقهم من أتباع الأئمة الأربعة : كأبي الحسن التميمي وابنه أبي الفضل وابن ابنه رزق الله ; والقاضي أبي يعلى وابن عقيل وأبي الحسن بن الزاغوني وأبي الفرج بن الجوزي ; وغير هؤلاء من أصحاب أحمد - وإن كان الواحد من هؤلاء قد يتناقض كلامه - وكأبي المعالي الجويني وأمثاله من أصحاب الشافعي وكأبي الوليد الباجي وطائفة من أصحاب مالك وكأبي الحسن الكرخي وطائفة من أصحاب أبي حنيفة .
والقول الثاني : إثبات ذلك وهو قول الهشامية والكرامية وغيرهم من طوائف أهل الكلام الذين صرحوا بلفظ الحركة . وأما الذين أثبتوها بالمعنى العام حتى يدخل في ذلك قيام الأمور والأفعال الاختيارية بذاته ; فهذا قول طوائف غير هؤلاء : كأبي الحسين البصري وهو اختيار أبي عبد الله بن الخطيب الرازي وغيره من النظار وذكر طائفة : أن هذا القول لازم لجميع الطوائف . وذكر عثمان بن سعيد الدارمي إثبات لفظ الحركة في كتاب نقضه على بشر المريسي ونصره على أنه قول أهل السنة والحديث وذكره حرب بن إسماعيل الكرماني : لما ذكر مذهب أهل السنة والأثر عن أهل السنة والحديث قاطبة وذكر ممن لقي منهم على ذلك : أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ; وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور . وهو قول أبي عبد الله بن حامد وغيره . وكثير من أهل الحديث والسنة يقول : المعنى صحيح لكن لا يطلق هذا اللفظ لعدم مجيء الأثر به كما ذكر ذلك أبو عمر بن عبد البر وغيره في كلامهم على حديث النزول . والقول المشهور عن السلف عند أهل السنة والحديث : هو الإقرار بما ورد به الكتاب والسنة من أنه يأتي وينزل وغير ذلك من الأفعال اللازمة . قال " أبو عمرو الطلمنكي " : أجمعوا - يعني أهل السنة والجماعة - على أن الله يأتي يوم القيامة والملائكة صفا صفا لحساب الأمم وعرضها كما يشاء وكيف يشاء قال تعالى : { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر } وقال تعالى : { وجاء ربك والملك صفا صفا } . قال : وأجمعوا على أن الله ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا على ما أتت به الآثار كيف شاء لا يحدون في ذلك شيئا ثم روى بإسناده عن محمد بن وضاح قال : وسألت يحيى بن معين عن النزول فقال نعم . أقر به ولا أحد فيه حدا .
والقول الثالث الإمساك عن النفي والإثبات وهو اختيار كثير من أهل الحديث والفقهاء والصوفية - كابن بطة وغيره . وهؤلاء فيهم من يعرض بقلبه عن تقدير أحد الأمرين ومنهم من يميل بقلبه إلى أحدهما ولكن لا يتكلم لا بنفي ولا بإثبات . والذي يجب القطع به أن الله ليس كمثله شيء في جميع ما يصف به نفسه . فمن وصفه بمثل صفات المخلوقين في شيء من الأشياء فهو مخطئ قطعا كمن قال إنه ينزل فيتحرك وينتقل كما ينزل الإنسان من السطح إلى أسفل الدار كقول من يقول : إنه يخلو منه العرش ; فيكون نزوله تفريغا لمكان وشغلا لآخر ; فهذا باطل يجب تنزيه الرب عنه كما تقدم . وهذا هو الذي تقوم على نفيه وتنزيه الرب عنه الأدلة الشرعية والعقلية ; فإن الله سبحانه وتعالى أخبر أنه الأعلى وقال : { سبح اسم ربك الأعلى } . فإن كان لفظ العلو لا يقتضي علو ذاته فوق العرش ; لم يلزم أن يكون على العرش . وحينئذ فلفظ النزول ونحوه يتأول قطعا إذ ليس هناك شيء يتصور منه النزول . وإن كان لفظ العلو يقتضي علو ذاته فوق العرش فهو سبحانه الأعلى من كل شيء كما أنه أكبر من كل شيء . فلو صار تحت شيء من العالم لكان بعض مخلوقاته أعلى منه ولم يكن هو الأعلى وهذا خلاف ما وصف به نفسه . وأيضا فقد أخبر : أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش فإن لم يكن استواؤه على العرش يتضمن أنه فوق العرش ; لم يكن الاستواء معلوما وجاز حينئذ ألا يكون فوق العرش شيء ; فيلزم تأويل النزول وغيره . وإن كان يتضمن أنه فوق العرش فيلزم استواؤه على العرش وقد أخبر أنه استوى عليه لما خلق السموات والأرض في ستة أيام وأخبر بذلك عند إنزال القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بألوف من السنين ودل كلامه على أنه عند نزول القرآن مستو على عرشه فإنه قال : { هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير } . وفي حديث الأوعال الذي رواه أهل السنن كأبي داود والترمذي وغيرهما لما مرت سحابة قال النبي صلى الله عليه وسلم : { أتدرون ما هذا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : السحاب قالوا : السحاب قال : والمزن : قالوا : والمزن وذكر السموات وعددها وكم بين كل سماءين ثم قال : والله فوق عرشه وهو يعلم ما أنتم عليه } . وكذلك في حديث جبير بن مطعم الذي رواه أبو داود وغيره عن جبير بن مطعم قال : { أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال : يا رسول الله جهدت الأنفس وجاع العيال وهلكت الأموال وهلكت الأنعام ; فاستسق الله لنا فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويحك أتدري ما تقول وسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ثم قال : ويحك أتدري ما الله ؟ إن الله على عرشه وعرشه على سمواته مثل القبة وأشار بيده } . وهذا إخبار عن أنه سبحانه فوق العرش في تلك الحال كما دل عليه القرآن كما أخبر أنه استوى على العرش وأنه معنا أينما كنا . وكونه معنا أمر خاص ; فكذلك كونه مستويا على العرش . وكذلك سائر النصوص تبين وصفه بالعلو على عرشه في هذا الزمان ; فعلم أن الرب سبحانه لم يزل عاليا على عرشه . فلو كان في نصف الزمان أو كله تحت العرش أو تحت بعض المخلوقات ; لكان هذا مناقضا لذلك . وأيضا فقد ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء ; وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء } وهذا نص في أن الله ليس فوقه شيء وكونه الظاهر صفة لازمة له مثل كونه الأول والآخر وكذلك الباطن فلا يزال ظاهرا ليس فوقه شيء ولا يزال باطنا ليس دونه شيء . وأيضا فحديث أبي ذر وأبي هريرة وقتادة المذكور في تفسير هذه " الأسماء الأربعة " الذي فيه ذكر الإدلاء قد ذكرناه في " مسألة الإحاطة " وهو مما يبين أن الله لا يزال عاليا على المخلوقات مع ظهوره وبطونه وفي حال نزوله إلى السماء الدنيا . وأيضا فقد قال تعالى : { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون } فمن هذه عظمته يمتنع أن يحصره شيء من مخلوقاته . وعن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية أحاديث صحيحة اتفق أهل العلم بالحديث على صحتها وتلقيها .


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أشياء تعين العبد على الصبر لشيخ الإسلام ابن تيمية فخوره بحجابى المكتــــــبة العــــــــــــــامة ( Public Library ) 10 11 Jan 2013 11:09 AM
شرح الفتوى الحموية لشيخ الإسلام ابن تيمية أبو سفيان صوتيات ومرئيات المركز . Audio & Video Center 1 13 Mar 2011 09:27 PM
سؤال وجواب لشيخ الإسلام ابن تيمية ... (أين الله؟ ) محمد الغماري المكتــــــبة العــــــــــــــامة ( Public Library ) 0 04 Apr 2010 04:19 AM
الحسنة والسيئة ... لشيخ الإسلام ابن تيمية محمد الغماري المكتــــــبة العــــــــــــــامة ( Public Library ) 23 04 Apr 2010 04:08 AM
حمل: دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية عرض ونقد أبو سفيان المكتــــــبة العــــــــــــــامة ( Public Library ) 3 09 Sep 2008 03:48 AM

 
مايُكتب على صفحات المركز يُعبّر عن رأى الكاتب والمسؤولية تقع على عاتقه


علوم الجان - الجن - عالم الملائكة - ابحاث عالم الجن وخفاياه -غرائب الجن والإنس والمخلوقات - فيديو جن - صور جن - أخبار جن - منازل الجن - بيوت الجن- English Forum
السحر و الكهانة والعرافة - English Magic Forum - الحسد والعين والغبطة - علم الرقى والتمائم - الاستشارات العلاجية - تفسير الرؤى والاحلام - الطب البديل والأعشاب - علم الحجامة

الساعة الآن 08:59 AM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2011-2012
جميع الحقوق محفوظة لمركز دراسات وأبحاث علوم الجان العالمي