السحر النيجيري لربط قلب الزوج! ؟؟؟؟0000000

السحر النيجيري لربط قلب الزوج!

الخضر عبد الباقي محمد - نيجيريا



اللجوء الى السحر ظاهرة اجتماعية في نيجيريا

للسحر والشعوذة وجود قديم وبارز في المجتمعات الأفريقية، وذلك لارتباطه الشديد بالتراث الفكري الأفريقي؛ فحالات النجاح الملازمة للإنسان ليست وليدة مصادفة، كما أن حالات الفشل هي الأخرى يقف وراءها فاعلون مجهولون، وفي كلتا الحالتين يستلزم التفاعل مع تلك القوى المجهولة الاتصال بعالم السحر أو عالم "عمل" كما يسمونه في العرف التقليدي النيجيري.

ورغم أن الإحصائيات المتعلقة بعدد ممن يمتهنون السحر ويحترفون الشعوذة والدجل غير دقيقة فإن المؤشرات العامة والمعطيات المتاحة من خلال الملاحظات المباشرة والمقابلات المعمقة لعدد من الناس تؤكد أن اللجوء إلى السحرة والمشعوذين أصبح ظاهرة اجتماعية ملموسة في المجتمع النيجيري، وأن قطاعا كبيرا من شرائح ومستويات متنوعة تتعامل مع هذه الظاهرة وتتفاعل معها بطريقة أو بأخرى.

الفشل والنجاح

ويؤكد الحاج "أبو بكر كايودي" -55 سنة، تاجر- أن ظاهرة السحر والتعامل معها أصبحا شيئا عاديا، و"الكثير من التجار يرون أن الواحد لا يمكن أن يحقق النجاح أو يتجاوز العقبات المادية والمعنوية المرئية منها وغير المرئية دون بذل جهد في الاتصال بعالم الغيبيات"، ويمضي الحاج "كايودي" ليثبت أن اللجوء إلى "المحاولين" كما يطلق على هذا النوع من النشاط لم يكن يقتصر على فترة الفشل فحسب بل حتى في حالة النجاح.

وعن نسبة وجود الظاهرة أو نسبة المترددين على دور "المحاولين" يقول "كايودي": "لا يمكن أن نعطي رقما صحيحا في ذلك، لكن المؤكد أن الظاهرة موجودة ومتجذرة في أعماق الناس وأفكارهم رغم اختلاف درجة الاعتقاد فيه وفي صحته من عدمه".

طلبات الزبائن لدى المشعوذين متعددة ومختلفة، فهناك طلبات "الربط" لربط قلب رجل أو امرأة بحب شخص معين، وطلبات "الفراق" لصرف قلوب المرتبطين عن بعض، إضافة لطلبات جلب الزبائن، وطلبات أخرى للتغلب على الأرواح الشريرة، وطلبات للحصول على الرفعة والترقية في العمل.

"أنجوى عبد الحكيم" -40 سنة- أحد رموز هذا الاتجاه (محاولة الإنقاذ والحماية) يبرز لنا بعض مجالات العمل التي تجذب أكثر زبائنه فيقول: هناك طلبات متنوعة يعتمد ذلك على احتياج كل واحد؛ فالنساء على سبيل المثال في الغالب ما تتجه طلباتهن نحو ربط قلب الزوج بحبها والاستحواذ العاطفي، فهذه هي كبرى المشاكل والهموم بالنسبة للنساء، وكثير من رواد منازل "محاولي الإنقاذ" يريدون "عملا" يجذب ويجلب الزبائن إليهم في أعمالهم، ومحلاتهم، وكما تعلم أن أصحاب المهن الواحدة غالبا ما يعملون في مكان واحد ومتجاورون لبعضهم؛ فهذا يذكى المنافسة في جلب وخطف الزبائن، وبالتالي يلجئون إلينا".

كما أن هناك من يلبون "عملا" للحصول على ترقية في العمل، ومن أغرب وأظرف طلبات الناس لدى المشعوذين ما ذكره "أنجوى" أن البعض يطلب "عملا" لتكميم فم الدائن عن مطالبته بسداد ما عليه من دين!!

النساء أكثر ولعا

تعد النساء أكثر ولعا وترددا على دور السحرة من الرجال، كما أن فئة الأغنياء والقيادات من الزعماء التقليديين يأتون في الدرجة الثانية، بل نجد كثيرا ما يجتمع عند زعيم قبلي تقليدي أكثر من مشعوذ، فإذا كان الأغنياء وعامة الناس هم الذين يذهبون إلى منازل السحرة فإن منازل الزعماء التقليديين والرؤساء تعد مجمعا وملتقى لهؤلاء السحرة، حيث يعملون على جلب كل عراف أو مشعوذ أو شيخ إلى منازلهم بدافع الاستقواء بهم؛ فالمكافآت التي تعطى لهم تكون حسب ما يقدمونه للزعيم أو الرئيس من "عمل"، ويتم جلبهم من جنسيات مختلفة ومن الدول الأفريقية المجاورة.

وتتلخص المهام الأساسية المطلوبة من هؤلاء المشعوذين والدجالين في حماية هؤلاء الزعماء من الأرواح الشريرة وردع محاولات القوى غير المرئية من المساس بأشخاصهم وممتلكاتهم حسب زعمهم، كما يطالبون بمهمة التنبؤ والتكهن بما يمكن أن يحدث في المستقبل داخل القصور ومنازل الزعماء.

ورغم تحريم الإسلام لهذا السلوك فإن تلك الظاهرة قد وجدت امتدادا وغطاء شرعيا من بعض أنصاف العلماء المتاجرين بالدين والذين يدافعون عن هذا الاتجاه بقوة تحت مسمى جديد هو "محاولة الإنقاذ"؛ لذا نجد أنه رغم وجود عدد من المشعوذين والدجالين من أتباع الديانات الأخرى فإن معظم المشاهير ورموز هذا الاتجاه ممن يحملون شعار "محاولة الإنقاذ والحماية" نجدهم من المسلمين بدعوى أن الإسلام لم يحرم بذل الجهد والمحاولة.

مخاطر اجتماعية

يعترف الممارسون للسحر بالمخاطر المحدقة بهم سواء من الناحية الأخلاقية أو الاجتماعية بالوقوع في زلات وأخطاء أخلاقية جسيمة، كما تقول "توغن كولاوالي شرف" -47 سنة- في أحيان كثيرة ما يقع "المحاول" ضحية محاولته في إنقاذ العميل؛ لأنه قد تكون المشكلة التي يشكو منها وراءها روح شريرة أقوى من طاقة "المحاول" المشعوذ؛ وهو ما قد يعرضه للآثار الارتدادية هو نفسه أو أولاده أو أحد أقاربه.

ومن أسوأ المخاطر الأخلاقية التي حدثت ولا تزال تتكرر في المجتمع النيجيري وقوع النساء في فخ المشعوذين، فتاة تبلغ من العمر 23 سنة خريجة كلية التربية الفنية-علوم الحاسب والكمبيوتر ذهبت لمشعوذ تطلب "عملا" لربط قلب خطيبها على حبها دون سواها حيث ينافسها عليه فتيات أخريات لمركزه الاجتماعي وشهرته. المشعوذ أعجب بالفتاة فأعطاها "معمولا" معاكسا، حيث تحولت الفتاة وأصبحت مغرمة وشغوفة بالمشعوذ بدلا من خطيبها؛ الشيء الذي تحول إلى مأساة حقيقية، وفي نهاية المطاف تزوجت تلك الفتاة من ذلك الرجل المشعوذ الهرم الذي يبلغ 60 سنة!!

تفسير علمي

التفسير الاجتماعي لدلالات ظاهرة السحر والشعوذة توغل في أعماق الفكر والثقافة الشعبية المحلية، كما يقول الدكتور "كاميل تالكوتنجا" عالم اجتماعي أنثروبولوجي أفريقي: إن التحليل الاجتماعي الصحيح لانتشار ظاهرة السحر والشعوذة لا بد أن يستند إلى دراسة أكثر عمقا وفهما لطبيعة الجماعات والشعوب الأفريقية أولا؛ فانجراف الناس في هذه البلاد نحو هذا السلوك يمكن تفسيره على ضوء عدة عوامل اجتماعية، فمثلا:

أولا: عند النظر ومراجعة الأدبيات في هذا المجال نجد أن تاريخ ارتباط الفكر الأفريقي قديم؛ فالشواهد على ذلك أن القصص الشعبية لدى الشعوب والقبائل النيجيرية المختلفة قد ساهمت في الترويج للأفكار الخرافية، ودعت إلى التمسك بالسحر ومظاهره، وبما أن القصص الشعبية هي الوسيلة الوحيدة لنقل الثقافة القومية والأساطير والمعتقدات ووجهات النظر الاجتماعية من جيل إلى جيل، فقد استطاعت وتمكنت في وجدان الناس حتى رغم تعرضهم لمؤثرات كثيرة من التطورات الجديدة.

ثانيا: ننظر في طبيعة التركيب والتنظيم الاجتماعي للسكان؛ فالناس يعيشون في شبكة متداخلة من العلاقات والارتباطات الاجتماعية، فلا يزال يسود نظام العيش داخل الأسرة الكبيرة (البيت العائلي الكبير) فليس هناك استقلالية للأسرة الصغيرة (زوج وزوجة وأولاد)، فهذا النظام يسمح بتدخلات وتطفلات في شئون الغير، وفي ظل هذا المناخ تنمو نظريات المؤامرة والتشاؤم بشكل سريع؛ الشيء الذي يروج للنموذج المعرفي للأفكار التقليدية الشائعة في المجتمع.

ثالثا: أسهمت تداعيات التقاليد الاجتماعية في ظاهرة الاعتماد على السحر والشعوذة؛ فعلى سبيل المثال ظاهرة تعدد الزوجات التي تنتشر في المجتمعات الأفريقية والنيجيرية بلا حدود، وإذا فحصنا واقع العلاقات داخل أغلب الأسر نجدها علاقات ذات طبيعة تنافسية بين هذه الزوجات (الضرائر) وهذا التنافس المحموم هو الذي يدفع كل واحدة للسعي إلى كسب المعركة والجولة التنافسية بكل وسيلة بما في ذلك وسيلة السحر.

رابعا: على ضوء نظريات علم الأنثروبولوجيا فقد ثبت أن الثقافات البدائية بما فيها الاعتقادات في الخوارق والقوى الغيبية لا تزال ممتدة ومرتبطة بشكل كبير بالسلالات العرقية الزنجية من سكان القارة.

غموض وإشكالية

ويبقى في النهاية أن نشير إلى أن ذلك السلوك كظاهرة اجتماعية موجود وليس ظاهرة ثقافية، كما أن هذا الاتجاه رغم انتشاره في الوسط الاجتماعي لا يزال متخفيا وراء الستار؛ لأن تعاطي السحر وممارسة الشعوذة والدجل يعد من القيم السلبية في المجتمع النيجيري والأفريقي؛ ولذا من النادر إن لم يكن مستحيلا أن نجد من يمارس ذلك النشاط ويطلق على نفسه "مشعوذا" أو "ساحرا"؛ وهو ما أوجد إشكالية جديدة تتمثل في صعوبة فك الارتباط بين "المعالج النفسي" و"المعالج الشعبي" وبين "المشعوذ الساحر".