اعلانات
اعلانات     اعلانات
 


بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ : عَنْ أَبِي رُقَيَّةَ تَمِيمِ بْنِ أَوْسٍ الدّارِيِّ (رضي الله عنه) أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنا: لِمَنْ؟ قالَ لِلَّهِ، وَلِكِتابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعامَّتِهِمْ». رَواهُ مُسْلِمٌ.

يُروى أنَّ عليَّ بنَ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه كتَبَ إلى ابنِه مُحَمَّدِ بنِ الحَنَفيَّةِ: (لا يكُنْ أخوك على قَطيعَتِك أقوى مِنك على صِلتِه، وعلى الإساءةِ أقوى مِنك على الإحسانِ) .


           :: وادي الجن شمال المدينة والبئر . (آخر رد :ابن الورد)       :: زعماعندو قدرة خارقة "بوهالي" خارج يداوي الناس من أمراض فالشارع العام فيها حارالأطباء (آخر رد :ابن الورد)       :: الشريف بهلول كيداوي وكيدير عمليات مستعصية وكيتحدى أطباء جميع دول العالم (آخر رد :ابن الورد)       :: 5:04 / 9:22 خطير ..عبد السلام دخانة يشرب ويستحم بالاسيد / الماء القاطع . (آخر رد :ابن الورد)       :: هَدْيِه النبي صلى الله فِي الْعِلَاجِ بِشُرْبِ الْعَسَلِ، وَالْحِجَامَةِ، وَالْكَيِّ. (آخر رد :ابن الورد)       :: استكشاف قرية الجن الفروثي وتجربة جهاز كاشف الجن والأشباح بالموجات الكهرومغناطيسية . (آخر رد :ابن الورد)       :: محمود صلاح بتصريح صادم: الجن يتعامل معنا والمنظومة التي تدير العالم تستجلب الشياطين ! (آخر رد :ابن الورد)       :: محمود صلاح يتحدث عن أسرار عبدة الشيطان :" التاروت هو أمر شيطاني "! (آخر رد :ابن الورد)       :: محمود صلاح يتحدى المنجمين : 2024 فيها لقاء مع الفضائيين وظهور وباء الزومبي ! (آخر رد :ابن الورد)       :: ماهي حقيقة مثلث برمودا ؟ ولماذا تختفي الطائرات والسفن به ؟ (آخر رد :ابن الورد)      

 تغيير اللغة     Change language
Google
الزوار من 2005:
Free Website Hit Counter

المكتــــــبة العــــــــــــــامة ( Public Library ) للكتب والأبحاث العلمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15 Mar 2010, 05:27 AM   #61
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه (1)..................................
هذ1 صحيح بلا شك ولهذا دليل أثري ودليل نظري:
- أما الدليل الأثري: فقد قال الله تعالى : (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء)(الزمر: من الآية62).
وقال تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) (أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ) (الطور:36)
فلا يمكن أن يوجد شيء في السماء والأرض إلا الله خالقه وحده.
ولقد تحدى الله العابدين للأصنام تحدياً أمرنا أن نستمع له ، فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً )، ومعلوم أن الذين يدعون من دون الله في القمة عندهم؛ لأنهم اتخذوا أرباباً ؛ فإذا عجز هؤلاء القمة عن أن يخلقوا ذباباً ، وهو أحس الأشياء وأهونها؛ فما فوقه من باب أولى، بل قال: )هُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْه)(الحج: من الآية73) ؛ فيعجزون حتى عن مدافعة الذباب وأخذ حقهم منه.
فإن قيل: كيف يسلب هذه الأصنام شيئاً؟!
فالجواب: قال بعض العلماء : إن هذا على سبيل الفرض؛ يعني: على فرض أن يسلبهم الذباب شيئاً؛ لا يستنقذوه منه. وقال بعضهم : بل على سبيل الواقع؛ فيقع الذباب على هذه الأصنام ، ويمتص ما فيها من أطياب؛ فلا تستطيع الأصنام أن تخرج ما امتصه الذباب.
وإذا كانت عاجزة عن الدفع عن نفسها ، واستنقاذ حقها؛ فهي عن الدفع عن غيرها واستنقاذ حقه أعجز.
والمهم أن الله تعالى خالق كل شيء، وأن لا خالق إلا الله ، فيجب الإيمان بعموم خلق الله عز وجل ، وأنه خالق كل شي، حتى أعمال العباد؛ لقوله تعالى (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء)(الرعد(16)، وعمل الإنسان من الشيء، وقال تعالى ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)(الفرقان: من الآية2) ... والآيات في هذا كثيرة.
وفيه آية خاصة في الموضوع، وهو خلق أفعال العباد.
فقال إبراهيم لقومه (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات:96) .
ف (ما) مصدرية، وتقدير الكلام: خلقكم وعملكم، وهذا نص في أن عمل الإنسان مخلوق لله تعالى.
فإن قيل : إلا يحتمل أن تكون(ما) اسماً موصولاً، ويكون المعنى: خلقكم وخلق الذي تعملونه؟
فكيف يمكن أن نقول إن الآية دليلاً على خلق أفعال العباد على هذا التقدير أن (ما) موصولة؟
فالجواب: أنه إذا كان المعمول مخلوقاً لله ؛ لزم أن يكون عمل الإنسان مخلوقاً؛ لأن المعمول كان بعمل الإنسان ؛ فالإنسان هو الذي باشر العمل في المعمول ، فإذا كان المعمول مخلوقاً لله وهو فعل العبد؛ لزم أن يكون فعل العبد مخلوق ، فيكون في الآية دليل على خلق أفعال العباد على كلا الاحتمالين.
- وأما الدليل النظري على أن أفعال العبد مخلوقة لله؛ فتقريره أن نقول : إن فعل العبد ناشئ عن أمرين: عزيمة صادقة وقدرة تامة.
مثال ذلك: أردت أن اعمل عملاً من الأعمال ؛ فلا يوجد هذا العمل حتى يكون مسبوقاً بأمرين هما:
إحداهما : العزيمة الصادقة على فعله ؛ لأنك لو لم تعزم ما فعلته.
الثاني: القدرة التامة ؛ لأنك لو لم تقدر ؛ ما فعلته؛ فالذي خلق فيك هذه القدرة هو الله عز وجل، وهو الذي أودع فيك العزيمة، وخالق السبب التام خالق للمسبب.
ووجه ثان نظري: أن نقول: الفعل وصف الفاعل ، والوصف تابع للموصوف؛ فكما أن الإنسان بذاته مخلوق لله ؛ فأفعاله مخلوقة؛ لأن الصفة تابعة للموصوف.
فتبين بالدليل أن عمل الإنسان مخلوق لله، وداخل في عموم الخلق أثرياً ونظرياً، والدليل الأثري قسمان عام وخاص، والدليل النظري له وجهان.
لا خالق غيره (1)............................................... .......................................
(1)قوله :" لا خالق غيره":
* إن قلت : هذا الحصر يرد عليه أن هناك خلقاً غير الله ؛ فالمصور يعد نفسه خالقاً، بل جاء في الحديث[282] أنه خالق:" فغن المصورين يعذبون ؛ يقال لهم : أحيوا ما خلقتم"، وقال عز وجل: ( فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)(المؤمنون: من الآية14)؛ فهناك خالق، لكن الله تعالى هو أحسن الخالقين؛ فما الجواب عن قول المؤلف؟
الجواب: أن الخلق الذي ننسبه إلى الله عز وجل هو الإيجاد وتبديل الأعيان من عين لأخرى؛ فلا أحد يوجد إلا الله عز وجل، ولا أحد يبدل عيناً إلى عين؛ إلا الله عز وجل، وما قيل : إنه خلق؛ بالنسبة للمخلوق؛ فهو عبارة عن تحويل شيء من صفى إلى صفة؛ فالخشية مثلاً بدلاً من أن كانت في الشجرة تحول بالنجارة إلى باب؛ فتحويلها على باب يسمى خلقاً، لكنه ليس الخلق الذي يختص به الخالق، وهو الإيجاد من العدم، أو تبديل العين من عين إلى أخرى.
ولا رب سواه (1)............................................... .......................................
(1)أي: أن الله وحده هو الرب المدبر لجميع الأمور، وهذا حصر حقيقي.
ولكن ربما يرد عليه أنه جاء في الأحاديث إثبات الربوبية لغير الله :
ففي لقطة الإبل قال النبي صلى الله عليه وسلم :" دعها ؛ معها سقاؤها وحذاؤها ، ترد الماء ، وتأكل الشجر، حتى يجدها ربها "[283] وربها : صاحبها.
وجاء في بعض ألفاظ حديث جبريل ؛ يقول :" حتى تلد الأمة ربها "[284]
فما هو الجمع بين هذا وبين قول المؤلف :" لا رب سواه"
نقول : إن ربوبية الله عامة كاملة؛ كل شيء؛ فالله ربه ، لا يسأل عما يفعل في خلقه؛ لأن فعله كله رحمة وحكمة، ولهذا يقدر الله عز وجل الجدب والمرض والموت والجروح في الإنسان وفي الحيوان، ونقول هذا غية الكمال والحكمة. أما ربوبية الخلوق للمخلوق؛ فربوبية ناقصة قاصة ، لا تتجاوز محلها ، ولا يتصرف فيها الإنسان تصرفاً تاماً/ بل تصرفه مقيد: أما بالشرع ، وإما بالعرف.
ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله، ونهاهم عن معصيته (1) وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين (2)............................................... .............................
(1)يعني: ومع عموم خلقه : ومع عموم خلقه وربوبيته لم يترك العباد هملاً، ولم يرفع عنهم الاختيار ، بل أمرهم بطاعته وطاعة رسله، ونهاهم عن معصيته.
وأمره بذلك أمر يمكن؛ فالمأمور مخلوق لله عز وجل ، وفعله مخلوق لله ، ومع ذلك ؛ يؤمر وينهى.
ول كان الإنسان مجبراً على عمله ؛ لكان أمره أمراً بغير ممكن، والله عز وجل يقول : (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا)(البقرة: من الآية286)، وهذا يدل على أنهم قادرون على فعل الطاعة وعلى تجنب المعصية ، وأنهم غير مكرهين على ذلك.
(1)يعني أن الله عز وجل يحب المحسنين؛ لقوله تعالى : (ِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(البقرة: من الآية195)، والمتقين ، لقوله : (فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)(التوبة: من الآية7)والمقسطين؛ لقوله(وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)(الحجرات: من الآية9).
فهو عز وجل يحب هؤلاء، ومع ذلك هو الذي قدر هلم هذا العمل الذي يحبه، فكان فعلهم محبوباً إلى الله مراداً له كوناً وشرعاً؛ فالمحسن قام بالواجب والمندوب، والمتقي قام بالواجب، والمقسط أتقى الجور في المعاملة.
( ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات (1) ولا يحب الكافرين (2) ولا يرضى عن القوم الفاسقين (3 )………………………….………………
(1) الدليل قوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (التوبة:100)، وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (7) (جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) (البينة:7-8).
(2) قوله : " لا يحب" الله عز وجل " الكافرين".
والدليل قوله تعالى: ( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)(آل عمران: من الآية32) .
مع أن الكفر واقع بمشيئته ، لكن لا يلزم من وقوعه بمشيئته ، أن يكون محبوباً له سبحانه وتعالى.
(3) الدليل قوله تعالى : (فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ)(التوبة: من الآية96).
والفاسق- وهو الخارج عن طاعة الله – قد يراد به الكافر، وقد يراد به العاصي.
- ففي قوله تعالى : (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) (18)(أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (19)(وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (السجدة:18-20) فالمراد بالفاسق الكافر.
وأما قوله تعالى )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا)(الحجرات: من الآية6) ؛ فالمراد بالفاسق العاصي.
فالله عز وجل لا يرضى عن القوم الفاسقين، لا هؤلاء ولا هؤلاء، لكن الفاسقين بمعنى الكافرين لا يرضى عنهم مطلقاً، وأما الفاسقون بمعنى العصاة؛ فلا يرضى عنهم فيما فسقوا فيه، ويرضى عنهم فيما أطاعوا فيه.
ولا يأمر بالفحشاء (1) ولا يرضى لعباده الكفر (2)............................................... .......
(1) الدليل قوله تعالى : ( قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ) ؛لأنهم إذا فعلوا فاحشة: ( قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا) ؛ فاحتجوا بأمرين، فقال الله تعالى ( قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ)، وسكت عن قولهم : (وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا) لأنه حق لا ينكر، لكن (وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا) كذب، ولهذا كذبهم وأمر نبيه أن يقول: ( قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ) ولم يقل : ولم يجدوا عليها آباءهم؛ لأنهم قد وجدوا عليها آباءهم.
(2) لقوله تعالى: (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ )(الزمر: من الآية7) ،لكن يقدر أن يكفروا ، ولا يلزم من تقديره الكفر أن يكون راضياً به سبحانه وتعالى، بل يقدره وهو يكرهه ويسخطه.
ولا يحب الفساد (1)............................................... ......................................
(1)دليل ذلك قوله تعالى : ()وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ) (البقرة:205) .
كرر المؤلف مثل هذه العبارات ليبين انه لا يلزم من إرادته الشيء أن يكون محبوباً له ، ولا يلزم من كراهته للشيء أن لا يكون مراداً له بالإرادة الكونية ، بل هو عز وجل يكره الشيء ويريده بالإرادة الكونية، ويوقع الشيء ولا يرضى عنه، ولا يريده بالإرادة الشرعية.
فإن قلت : كيف يوقع ما لا يرضاه وما لا يحبه؟! وهل أحد يكرهه على أن يوقع ما لا يحبه ولا يرضاه؟!
فالجواب: لا أحد يكرهه على أن يوقع ما لا يحبه ولا يرضاه، وهذا الذي يقع من فعله عز وجل وهو مكروه له ، وهو مكروه له من وجه، ومحبوب له من وجه آخر؛ لما يترتب عليه من المصالح العظيمة.
فمثلاً ؛ الإيمان محبوب لله ، والكفر مكروه له، فأوقع الكفر وهو مكروه له ؛ لمصالح عظيمة؛ لأنه لولا وجود الكفر؛ ما عرف الإيمان ، ولو لا وجود الكفر ؛ ما عرف الإنسان قدر نعمة الله عليه بالإيمان، ولولا وجود الكفر ؛ ما قام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن الناس كلهم يكونون على المعروف، ولولا وجود الكفر ؛ ما قام الجهاد، ولولا وجود الكفر لكان خلق النار عبثاً؛ لأن النار مثوى الكافرين، ولولا وجود الكفر؛ لكان الناس أمة واحدة، ولم يعرفوا معروفاً ولم ينكروا منكراً، وهذا لاشك أنه مخل بالمجتمع الإنساني، ولولا وجود الكفر ؛ ما عرفت ولاية الله ؛ لأن من ولاية الله أن تبعض أعداء الله وأن تحب أولياء الله.
وكذلك يقال في الصحة والمرض؛ فالصحة محبوبة للإنسان؛ وملائمة له ، ورحمة الله تعالى فيها ظاهرة ، لكن المرض مكروه للإنسان، وقد يكون عقوبة من الله له، ومع ذلك يوقعه؛ لما في ذلك من المصالح العظيمة.
كم من إنسان إذا أسبغ الله عليه النعمة بالبدن والمال والولد والبيت والمركوب؛ ترفع ورأى أنه مستغن بما أنعم الله به عليه عن طاعة الله عز وجل؛ كما قال تعالى (كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى)(6)(أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى)(العلق:6-7)، وهذه مفسدة عظيمة؛ فإذا أراد الله أن يرد هذا الإنسان إلى مكانه ؛ ابتلاه ، حتى يرجع إلى الله ، وشاهد هذا قوله تعالى :(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم:41) .
وأنت إيها الإنسان إذا فكرت هذا التفكير الصحيح في تقديرات الله عز وجل؛ عرفت ما له سبحانه وتعالى من الحكمة فيما يقدره من خير أو شر ، وأن الله سبحانه وتعالى يخلق ما يكرهه ويقدر ما يكرهه لمصالح عظيمة؛ قد تحيط بها ، وقد لا تحيط بها ويحيط بها غيرك، وقد لا يحيط بها ولا أنت ولا غيرك.
فإن قيل: كيف يكون الشيء مكروهاً لله ومراداً له؟
فالجواب: أنه لا غرابة في ذلك ؛ فها هو الدواء المر طعماً، والخبيث رائحة يتناوله المريض وهو مرتاح؛ لما يترتب عليه من مصلحة الشفاء، وها هو الأب يمسك بابنه المريض ليكويه الطبيب ، وربما كواه هو بنفسه، مع أنه يكره أشد الكره أن يحرق ابنه بالنار.
والعباد فاعلون حقيقة ، والله خالق أفعالهم (1)............................................... ..........
(1)هذا صحيح ؛ فالعبد هو المباشر لفعله حقيقة، والله خالق فعله حقيقة، وهذه عقيدة أهل السنة، وقد سبق تقريرها بالأدلة.
وخالفهم في هذا الأصل طائفتان:
الطائفة الأولى: القدرية من المعتزلة وغيرهم ؛ قالوا إن العباد فاعلون حقيقة ، والله لم يخلق أفعالهم .
الطائفة الثانية : الجبرية من الجهمية وغيرهم ؛ قالوا : إن الله خالق أفعالهم ، وليسوا فاعلين حقيقة، لكن أضيف الفعل إليهم من باب التجوز ، وإلا فالفاعل حقيقة هو الله.
وهذا القول يؤدي إلى القول بوحدة الوجود، وأن الخالق هو الله ، ثم يؤذي إلي قول من أبطل الباطل، لأن العباد منهم الزاني ومنهم السارق ومنهم شار بالخمر ومنهم المعتدي بالظلم؛ فحاشا أن تكون هذه الأفعال منسوبة إلى الله !! وله لوازم باطلة أخرى.
* وبهذا تبين أن في قول المؤلف :" والعباد فاعلون حقيقة ، والله خالق أفعالهم ": رداً على الجبرية والقدرية.
والعبد هو المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والمصلي والصائم (1).....................................
(1) يعني : أن الوصف بالإيمان والكفر والبر والفجور والصلاة والصيام وصف للعبد ، لا لغيره ؛ فهو المؤمن وهو الكافر، وهو البار، وهو الفاجر، وهو المصلي، وهو الصائم... وكذلك هو المزكي، وهو الحاج ، وهو المعتمر... وهكذا ، ولا يمكن أن يوصف بما ليس من فعله حقيقة.
وهذه الجملة تتضمن الرد على الجبرية.
والمراد بالعبودية هنا العبودية العامة؛ لأن العبودية نوعان: عامة وخاصة:
- فالعامة: هي الخضوع لأمر الله الكوني؛ كقوله تعالى : (ِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً) (مريم:93).
- والعبودية الخاصة : هي الخضوع لأمر الله الشرعي، وهي خاصة بالمؤمنين ؛ كقوله تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً )(الفرقان: من الآية63)، وقوله : (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ )(الفرقان: من الآية1)وهذه أخص من الأولى.
- وللعباد قدرة على أعمالهم ، ولهم إرادة(1) ، والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم (2)..................
(1) قوله :" وللعباد قدرة على أعمالهم ولهم إرادة"؛ خلافاً للجبرية القائلين بأنهم لا قدرة لهم ولا إرادة ، بل هم مجبرون عليها.
(2) قوله :" والله خالقهم وخالق إرادتهم وقدرتهم"؛ خلافاً للقدرية القائلين بأن الله ليس خالقاً لفعل العبد ولا لإرادته وقدرته.
* وكان المؤلف يشير بهذه العبارة إلى وجه كون فعل العبد مخلوقاً لله تعالى ؛ بأن فعله صادر عن قدرة وإرادة ، وخالق القدرة والإرادة هو الله؛ وما صدر عن مخلوق ، فهو مخلوق.
ويشير بها أيضاً إلى كون فعل العبد اختيارياً لا إجبارياً ؛ لأنه صادر عن قدرة وإرادة ؛ فلو لا القدرة والإرادة ؛ لم يصدر منه الفعل ، ولولا الإرادة ؛ لم يصدر منه الفعل ، لو كان الفعل إجبارياً ، ما كان من شرطه القدرة والإرادة.
كما قال تعالى )لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (1) وهذه الدرجة من القدر (2) يكذب بها عامة القدرية (3) الذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم مجوس هذه الأمة (4) ويغلو فيها (5) قوم من أهل الإثبات حتى سلبوا العبد قدرته واختياره (6)...............................
(1) ثم استدل المؤلف لذلك ، فقال " كما قال الله تعالى (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (التكوير: 28-29).
فقوله : (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ)فيها رد على الجبرية.
وفي قوله: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ ) : رد على القدرية.
(2) أي: درجة المشيئة والخلق.
(3) أي: أكثرهم يكذبون بهذه الدرجة ، ويقولون إن الإنسان مستقل بعمله ، وليس لله فيه مشيئة ولا خلق.
(4)لأن المجوس يقولون: إن للحوادث خالقين : خالقاً للخير، وخالقاً للشر! فخالق الخير هو النور، وخالق الشر هو الظلمة؛ فالقدرية يشبهون هؤلاء المجوس من وجه؛ لأنهم يقولون: إن الحوادث نوعان: حوادث من فعل الله ؛ فهذه خلق الله ، وحوادث من فعل العباد ؛ فهذه للعباد استقلالاً ، وليس لله تعالى فيها خلق.
(5) أي: في هذه الدرجة.
(6) أي: إثبات القدر.
· وهؤلاء القوم هم الجبرية؛ حيث إنهم سلبوا العبد قدرته واختياره، وقالوا: إنه مجبر على عمله؛ لأنه مكتوب عليه.
ويخرجون عن أفعال الله و أحكامه حكمها ومصالحها (1)..............................................
(1)قوله :" ويخرجون عن أفعال الله وأحكامه حكمها ومصالحها " يخرجون" :معطوفة على قوله :" يغلو".
* ووجه كونهم يخرجون الحكم والمصالح عن أفعال الله وأحكامه أنهم لا يثبتون لله حكمة أو مصلحة؛ فهو يفعل ويحكم لمجرد مشيئته، ولهذا يثيب المطيع، وإن كان مجبراً على الفعل ، ويعاقب العاصي، وإن كان مجبراً على الفعل .
ومن المعلوم أن المجبر لا يستحق الحمد على محمود، ولا الذم على مذموم؛ لأنه بغير اختياره.
*وهنا مسألة يحتج بها كثير من العصاة: إذا أنكرت علي المنكر؛ قال : هذا هو ما قدره الله على ؛ أتعترض على الله؟! فيحتج بالقدر على معاصي الله ، ويقول : أنا عبد مسير! ثم يحتج أيضاً بحديث :" تحاج آدم وموسى ، فقال له موسى: أنت أبونا ، خيبتنا وأخرجتنا من الجنة؟! فقال له آدم: أن موسى اصطفاك الله بكلامه ، وكتب لك التوراة بيده! أتلومني على أمر قدره علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟!" قال النبي عليه الصلاة والسلام :" فحج آدم موسى" ؛ قالها ثلاثً [285] وعند أحمد " فحجه آدم[286]" وهي صريحة في أن آدم غلب موسى بالحجة .
قال : فهذا آدم لما اعترض عليه موسى؛ احتج عليه بالقدر ، وآدم نبي، وموسى رسول، فسكت موسى؛ فلماذا تحتج عليَّ؟
والجواب على حديث آدم:
- أما على رأي القدرية؛ فإن طريقتهم أن أخبار الآحاد لا توجب اليقين؛ قالوا: وإذا عرضت العقل؛ وجب أن ترد وبناء على ذلك قالوا: هذا لا يصح ولا نقبله ولا نسلم به.
- وأما الجبرية ؛ فقالوا : إن هذا هو الدليل ، ودلالته حق، ولا يلام العبد على ما قدر عليه.
- أما أهل السنة والجماعة؛ فقالوا : إن آدم عليه الصلاة والسلام فعل الذنب وصار ذنبه سبباً لخروجه من الجنة ، لكنه تاب من الذنب، وبعد توبته اجتباه اله وتاب عليه وهداه، التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ومن المحال أن موسى علي الصلاة والسلام- وهو أحد أولي العزم من الرسل- يلوم أباه على شيء تاب منه ثم اجتباه الله بعده وتاب عليه وهداه، ونما اللوم على المصيبة التي حصلت بفعله، هي إخراج الناس ونفسه من الجنة؛ فإن سبب هذا الإخراج هو معصية آدم ؛ على أن آدم عليه الصلاة والسلام لا شك أنه لم يفعل هذا ليخرج من الجنة حتى يلام؛ فكيف يلومه موسى؟!
وهذا وجه ظاهر في أن موسى علي السلام لم يرد لوم آدم على فعل المعصية، إنما على المصيبة التي هي من قدر الله ، وحينئذ يتبين أنه لا حجة بهذا الحديث للجبرية.
فنحن نقبله ولا ننكره كما فعل القدري، ولكننا لا نحتج به على المعصية ؛ كما فعل الجبري.
وهناك جواب آخر أشار إليه ابن القيم رحمه الله ، وقال : الإنسان إذا فعل المعصية واحتج بالقدر عليها بعد التوبة منها؛ فلا بأس به.
ومعناه : أنه لو لامك أحد على فعل المعصية بعد أن تبت منها ، وقلت : هذا بقضاء الله وقدره، واستغفر الله وأتوب إليه... وما أشبه ذلك؛ فإنه لا حرج عليك في هذا.
فآدم احتج بالقدر بعد أن تاب منه، وهذا لا شك أنه وجه حسن، لكن يبعده أن موسى لا يمكن أن يلوم آدم على معصية تاب منها.
ورجح ابن القيم قوله هذا بما جرى للنبي عليه الصلاة والسلام حين طرق علياً وفاطمة رضي الله عنهما ليلة، فقال :" ألا تصليان؟" فقال على رضي الله عنه: يا رسول الله! أنفسنا بيد الله؛ فإن شاء أن يبعثنا ؛ بعثنا . فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم يضرب فخذه وهو يقول: (وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً)(الكهف: من الآية54).
وعندي إن في الاستدلال بهذا الحديث نظراً؛ لأن علياً رضي الله عنه احتج بالقدر على نومه، والإنسان النائم له أن يحتج بالقدر؛ لأن فعله لا ينسب إليه، ولهذا قال الله تعالى في أصحاب الكهف ( وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ )(الكهف: من الآية18)؛ فنسب التقليب إليه ، مع أهم هم الذين يتقلبون ، لكن لما كان بغير إرادة منهم؛ لم يضفه إليهم.
والوجه الأول في الجواب عن حديث آدم وموسى- وهو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية- هو الصواب.
فإذاً ؛ لا حجة للجبري بهذا الحديث ولا للعصاة الذين يحتجون بهذا الحديث لاحتجاجهم بالقدر.
فنقول له : إن احتجاجك بالقدر على المعاصي يبطله السمع والعقل والواقع.
- فأما السمع؛ فقد قال الله تعالى (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا )(الأنعام: من الآية148)؛ وقالوا ذلك احتجاجاً بالقدر على المعصية فقال الله تعالى : (كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ )؛ يعني : كذبوا الرسل واحتجوا بالقدر (حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا) ، وهذا يدل على أن حجتهم باطلة ؛ إذ لو كانت حجة مقبولة ؛ ما ذاقوا بأس الله.
- ودليل سمعي آخر: قال الله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ)(النساء: من الآية163) إلى قوله: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ )(النساء: من الآية165) ، ووجه الدلالة من هذه الآية أنه لو كان القدر حجة؛ ما بطلت بإرسال الرسل وذلك لأن القدر لا يبطل بإرسال الرسل ، بل هو باق.
فإذا قال قائل: يرد عليك في الدليل الأول قول الله تبارك وتعالى في سورة الأنعام:(اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) (الأنعام:106-107)؛ فهنا قال الله تعالى : (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا ) فنقول إن قول الإنسان عن الكفار : (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا) قول صحيح وجائز، لكن قول المشرك : (مَا أَشْرَكْنَا )(الانعام : 148) يريد أن يحتج بالقدر على المعصية قول باطل ، والله عز وجل إنما قال لرسلوه هكذا تسلية له وبياناً أن ما وقع فهو بمشيئة الله.
أما الدليل العقلي على بطلان احتجاج العاصي بالقدر على معصية الله أن نقول له : ما الذي أعلمك بأن الله قدر لك أن تعصيه قبل أن تعصيه؟ فنحن جميعاً لا نعلم ما قدر الله إلا بعد أن يقع ؛ أما قبل أن يقع ، فلا ندري ماذا يراد بنا؛ فنقول للعاصي : هل عندك علم قبل أن تمارس المعصية أن الله قدر لك المعصية ؟ سيقول: لا . فنقول: إذاً لماذا لم تقدر أن الله قدر لك الطاعة وتطع الله ؛ فالباب أمامك مفتوح ، فلماذا لم تدخل من الباب الذي تراه مصلحة لك؛ لأنك لا تعلم ما قدر لك. واحتجاج الإنسان بحجة على أمر فعله قبل أن تتقدم حجته على فعله احتجاج باطل؛ لأن الحجة لابد أن تكون طريقاً يمشي به الإنسان ؛ إذ أن الدليل يتقدم المدلول.
ونقول له أيضا : الست لو ذكر لك أن لمكة طريقين أحدهما طريق معبد آمن، والثاني طريق صعب مخوف؛ ألست تسلك الآمن؟ سيقول : بلى. فنقول : إذا ً ؛ لماذا تسلك في عبادتك الطريق المخوف المحفوف بالأخطار ، وتدع الطريق الآمن الذي تكفل الله تعالى بالأمن لمن سلكه فقال: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ )(الأنعام: من الآية82)، وهذه حجة واضحة.
ونقول له : لو أعلنت الحكومة عن وظيفتين: إحداهما بالمرتبة العالية، والثانية بالمرتبة السفلي؛ فأيهما تريد؟ بلا شك سيرد المرتبة العالية، وهذا يدل على أنك تأخذ بالأكمل في أمور دنياك ؛ فلماذا لم تأخذ بالأكمل في أمور دينك ؟! وهل هذا إلا تناقض منك؟!
وبهذا يتبين انه لا وجه أبداً لاحتجاج العاصي بالقدر على معصية الله عز وجل.



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 15 Mar 2010, 05:28 AM   #62
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


فصل
في الإيمان
فصل
ومن أصول أهل السنة والجماعة أن الدين (1) والإيمان (2)................................
(1) "الدين" هو ما يدان به الإنسان ، أو يدين به؛ فيطلق عل العمل ويطلق على الجزاء.
ففي قوله تعالى: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ)(يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ)(الانفطار: 18-1) ؛ فالمراد بالدين في هذه الآية : الجزاء.
وفي قوله تعالى: )وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً )(المائدة: من الآية3)؛ أي : عملاً تتقربون به إلى الله .
ويقال : كما تدين تدان ؛ أي : كما تعمل تجازى
والمراد بالدين في كلام المؤلف : العمل.
(2) *(الإيمان)؛ أكثر أهل العلم يقولون: إن الإيمان في اللغة التصديق.
ولكن في هذا نظر ؛ لأن الكلمة إذا كانت بمعنى الكلمة؛ فإنها تتعدى بتعديتها ، ومعلوم أن التصديق بنفسه، والإيمان لا يتعدى بنفسه؛ فتقول مثلاً: صدقته، ولا تقول : آمنته! بل تقول : آمنت به: أو : آمنت له . فلا يمكن أن نفسر فعلاً لازماً لا يتعدى إلا بحرف الجر بفعل متعد ينصب المفعول به نفسه، ثم إن كلمة (صدقت) لا تعطي معنى كلمة (آمنت)؛ فإن (آمنت) تدل على طمأنينة بخبره أكثر من (صدقت).
ولهذا ؛ لو فسر الإيمان بالإقرار ؛ لكان أجود ؛ فنقول : الإيمان : الإقرار ، ولا إقرار إلا بتصديق ؛ فتقول : أقر به ؛ كما تقول : آمن به، وأقر به؛ كما تقول : آمن له. هذا في اللغة.
قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح (1)...................................
(1) وأما في الشرع ؛ فقال المؤلف : " قول وعمل"
وهذا تعريف مجمل فصله المؤلف بقوله :" قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح".
· فجعل المؤلف للقلب قولاً وعملاً، وجعل للسان قولاً وعملاً.
- أما قول اللسان؛ فالأمر فيه واضح ، وهو النطق، وأما عمله ؛ فحركاته ، وليست هي النطق، بل النطق ناشئ عنها إن سلمت من الخرس.
- وأما قول القلب ؛ فهو اعترافه وتصديقه .وأما عمله ؛ فهو عبارة عن تحركه وإرادته؛ مثل الإخلاص في العمل؛ فهذا عمل قلب، وكذلك التوكل والرجاء والخوف؛ فالعمل ليس مجرد الطمأنينة في القلب، بل هناك حركة في القلب.
- وأما عمل الجوارح ؛ فواضح ركوع، وسجود ، وقيام ، وقعود، فيكون عمل الجوارح إيماناً شرعاً؛ لأن الحامل لهذا العمل هو الإيمان.
- فإذا قال قائل: أين الدليل على أن الإيمان يشمل هذه الأشياء؟
قلنا: قال النبي صلى الله عليه وسلم :" الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره[287] "فهذا قول القلب . أما عمل القلب واللسان والجوارح ؛ فدليله قول النبي صلى الله عليه وسلم " الإيمان بضع وسبعون شعبة: أعلاها : قول : لا أله إلا الله ، وأدناها : إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان" [288]فهذا قول اللسان وعمله وعمل الجوارح ، والحياء عمل قلبي، وهو انكسار يصيب الإنسان ويعتريه عند وجود ما يستلزم الحياء .
- فتبين بهذا أن الإيمان يشمل هذه الأشياء كلها شرعاً.
- ويدل لذلك أيضاً قوله تعالى : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُم)(البقرة: من الآية143)؛ قال المفسرون: إي : صلاتكم إلى بيت المقدس؛ فسمى الله تعالى الصلاة إيماناً؛ مع أنها عمل جوارح وعمل قلب وقول لسان.
- هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة.
· وشموله لهذه الأشياء الأربعة لا يعني أنه لا يتم إلا بها ، بل قد يكون الإنسان مؤمناً مع تخلف بعض الأعمال ، لكنه ينقص إيمانه بقدر ما نقص من عمله.
· وخالف أهل السنة في هذا طائفتان بدعيتان متطرفتان:
· الطائفة الأولى: المرجئة يقولون: إن الإيمان هو الإقرار بالقلب ، وما عدا ذلك ؛ فليس من الإيمان.
ولهذا كان ا لإيمان لا يزيد ولا ينقص عندهم ؛ لأنه إقرار القلب ، والناس فيه سواء ؛ فالإنسان الذي يعبد الله آناء الليل والنهار كالذي يعصي الله آناء الليل والنهار عندهم، ما دامت معصيته لا تخرجه من الدين!!
فلو وجدنا رجلاً يزني ويسرق ويشرب الخمر ويعتدي على الناس، ورجلاً آخر متقياً لله بعيداً عن هذه الأشياء كلها ؛ لكانا عند المرجئة في الإيمان والرجاء سواء؛ كل منهما لا يعذب؛ لأن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان.
الطائفة الثانية: الخوارج والمعتزلة؛ قالوا: إن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، وإنها شرط في بقائه، فمن فعل معصيته من الكبائر خرج من الإيمان . لكن الخوارج يقولون: إنه كافر، والمعتزلة يقولون: هو في منزلة بين منزلتين؛ فلا نقول : مؤمن ، ولا نقول : كافر ، بل نقول: خرج من الإيمان، ولم يدخل في الكفر، وصار في منزلة بين منزلتين.
هذه أقوال الناس في الإيمان.
وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية (1)............................................... ..........
(1)هذا معطوف على قوله :" أن الدين..." الخ... أي: أن من أصول أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص.
ويستدلون لذلك بأدلة من الكتاب والسنة
فمن الكتاب : قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)(التوبة: من الآية124)، وقوله تعالى : (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانا)(المدثر: من الآية31)، وهذا صريح في ثبوت الزيادة.
وأما النقص؛ قد ثبت في "الصحيحين"[289] أن النبي صلى الله عليه وسلم وعظ النساء وقال لهن:" ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من أحدكن" فأثبت نقص الدين.
ثم لو فرض أنه لم يوجد نص في ثبوت النقص؛ فإن إثبات الزيادة مستلزم للنقص؛ فنقول : كل نص يدل على زيادة الإيمان؛ فإنه متضمن للدلالة على نقصه.
وأسباب زيادة الإيمان أربعة:
الأول: معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته ؛ فإنه كلما ازداد الإنسان معرفة بالله وأسمائه وصفاته؛ أزداد إيمانه.
الثاني: النظر في آيات الله الكونية والشرعية:
قال الله تعالى: (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ)(وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) (الغاشية:17-20)
وقال تعالى: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) (يونس:101)
وكلما ازداد الإنسان علماً بما أودع الله تعالى في الكون من عجائب المخلوقات ومن الحكم البالغات ؛ ازداد إيماناً بالله عز وجل، كذلك النظر في آيات الله الشرعية يزداد الإنسان إيماناً بالله عز وجل ؛ لأنك إذا نظرت إلى الآيات الشرعية، وهي الأحكام التي جاءت بها الرسل؛ وجدت فيها ما يبهر العقول من الحكم البالغة والأسرار العظيمة التي تعرف بها أن هذه الشريعة نزلت من عند الله ، وأنها مبنية على العدل والرحمة، فتزداد بذلك إيماناً.
الثالث: كثرة الطاعات وإحسانها؛ لأن الأعمال داخلة في الإيمان وإذا كانت داخلة فيه؛ لزم من ذلك أن يزيد بكثرتها.
السبب الرابع: ترك المعصية تقرباً إلى الله عز وجل؛ فإن الإنسان يزداد بذلك إيماناً بالله عز وجل.
· أسباب نقص الإيمان أربعة:
الأول : الإعراض عن معرفة الله تعالى وأسمائه وصفاته.
الثاني: الإعراض عن النظر في الآيات الكونية والشرعية؛ فإن هذا يوجب الغفلة وقسوة القلب.
الثالث: قلة العمل الصالح، ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في النساء: " ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن".
قالوا : يا رسول الله ! كيف نقصان دينها؟ قال :" أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟"[290]
الرابع: فعل المعاصي؛ لقوله تعالى: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (المطففين:14).
· وخالف أهل السنة والجماعة في القول بالزيادة والنقصان طائفتان: الطائفة الأولى المرجئة، والطائفة الثانية: الخوارج والمعتزلة.
الطائفة الأولى: المرجئة : قالوا : إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص؛ لأن الأعمال ليست من الإيمان، حتى يزيد بزيادتها وينقص بنقصانها ؛ فالإيمان هو إقرار القلب، والإقرار لا يزيد ولا ينقص.
ونحن نرد عليهم فنقول:
أولاً: إخراجكم الأعمال من الإيمان ليس بصحيح ؛ فإن الأعمال داخلة في الإيمان ، وقد سبق ذكر الدليل.
ثانياً : قولكم : إن الإقرار بالقلب يقبل التفاضل؛ فإقرار القلب بخبر الواحد ليس كإقراره بخبر اثنين، وإقراره بما سمع ليس كإقراره بما شاهد ألم تسمعوا قول إبراهيم : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)(البقرة: من الآية260)؛ فهذا دليل على أن الإيمان الكائن في القلب يقبل الزيادة والنقص.
ولهذا قسم العلماء درجات اليقين ثلاثة أقسام : علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين؛ قال الله تعالى: (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ)(لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) (ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ) (التكاثر: 5-7)، وقال تعالى: (وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ) (الحاقة:51) .
الطائفة الثانية المخالفة لأهل السنة طائفة الوعيدية، وهم الخوارج والمعتزلة، وسمعوا وعيدية؛ لأنهم يقولون بأحكام الوعيد دون أحكام الوعد؛ أي : يغلبون نصوص الوعيد على نصوص الوعد ، فيخرجون فاعل الكبيرة من الإيمان، لكن الخوارج يقولون: إنه خارج من الإيمان داخل الكفر، والمعتزلة يقولون: خارج من الإيمان غير داخل في الكفر، بل هو في منزلة بين منزلتين.
ومناقشة هاتين الطائفتين المرجئة والوعيدية في الكتب المطولات.
وهم منع ذلك (1) لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر (2) كما يفعله الخوارج (3) بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي كما قال سبحانه في آية القصاص: ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ )(2).............................................. ...............................................
(1) أي: مع قولهم : إن الإيمان قول وعمل.
(2)* أهل القبلة هم المسلمون، وإن كانوا عصاة ؛ لأنهم يستقبلون قبلة واحدة ، وهي الكعبة.
· فالمسلم عند أهل السنة والجماعة لا يكفر بمطلق المعاصي والكبائر.
· وتأمل قول المؤلف :" بمطلق المعاصي"، ولم يقل : بالمعاصي والكبائر؛ لأن المعاصي منها ما يكون كفراً ، وأما مطلق المعصية؛ فلا يكون كفراً.
والفرق بين الشيء المطلق ومطلق الشيء: أن الشيء المطلق يعني الكمال، ومطلق الشيء؛ يعني : أصل الشيء.
فالمؤمن الفاعل للكبيرة عنده مطلق الإيمان؛ فأصل الإيمان موجود عنده لكن كماله مفقود.
فكلام المؤلف رحمه الله دقيق جداً.
(3) يعني: الذين يقولون : إن فاعل الكبيرة كافر، ولهذا خرجوا على المسلمين ، واستباحوا دماءهم وأموالهم .
(4) يعني : أن الأخوة بين المؤمنين ثابتة ول مع المعصية ؛ فالزاني أخ للعفيف، والسارق أخ للمسروق منه، والقاتل أخ للمقتول، ثم استدل المؤلف لذلك فقال:" كما قال سبحانه في آية القصاص: ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوف)(البقرة: من الآية178).
* آية القصاص هي قوله تعالى : )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى..........)(إلى قوله( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء)الآية والمراد ب "أخيه" هو المقتول.
ووجه الدلالة من هذه الآية على أن فاعل الكبيرة لا يكفر أن الله سمى المقتول أخاً للقاتل، مع أن قتل المؤمن كبيرة من كبائر الذنوب.
وقال : ()وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)(1).................................. .........................................
(1) هذا دليل آخر لقول أهل السنة: إن فاعل الكبيرة لا يخرج من الإيمان.
* (اقتتلوا) جمع، و ( بينهما ) مثنى، و (طائفتان) مثنى؛ فكيف يكون مثنى وجمع ومثنى آخر والمرجع واحد؟!
نقول : لأن قوله : "طائفتان": الطائفة عدد كبير من الناس، فيصح أن أقول : اقتتلوا، وشاهد هذا قوله تعالى:( وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ )(النساء: من الآية102) ، ولم يقل : لم تصل. فالطائفة أمة وجماعة، ولهذا عاد الضمير إليها جمعاً فيكون الضمير في قوله " اقتتلوا" عائداً على المعنى، وف يقوله : " بينهما" عائداً على اللفظ.
فهاتان الطائفتان من المؤمنين اقتتلوا ، وحمل السلاح بعضهم على بعض، وقتال المؤمن للمؤمن كفر، ومع هذا قال الله تعالى بعد أن أمر بالصلح بينهما للطائفة الثالثة التي لم تدخل القتال )وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)(الحجرات 9-10)، فجعل الله تعالى الطائفة المصلحة إخوة للطائفتين المقتتلتين.
وعلى هذا ؛ ففي الآية دليل على أن الكبائر لا تخرج من الإيمان.
وعلى هذا؛ لو مررت بصاحب كبيرة؛ فإني أسلم عليه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر من حقوق المسلم على المسلم" إذا لقيته فسلم عليه" [291]، وهذا الرجل ما زال مسلماً، فأسلم عليه ؛ إلا إذا كان في هجرة مصلحة؛ فحينئذ أهجره للمصلحة؛ كما جرى لكعب بن مالك وصاحبيه الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، فهجرهم المسلمون خمسين ليلة حتى تاب الله عليهم "[292].
· وهل نحبه على سبيل الإطلاق أو نكرهه على سبيل الإطلاق ؟
نقول : لا هذا ولا هذا؛ نحبه بما معه من الإيمان ، ونكرهه بما معه من المعاصي، وهذا هو العدل.
ولا يسلبون الفاسق الملي الإسلام بالكلية (1)............................................... .............
(1) "الفاسق" هو الخارج عن الطاعة.
· والفسق- كما أشرنا غليه سابقاً – ينقسم إلى فسق أكبر مخرج عن الإسلام ، ومنه قوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ )(السجدة: من الآية20)، وفسق أصغر ليس مخرجاً عن الإسلام؛ كقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ) (الحجرات:6)
· والفاسق الذي لا يخرج من الإسلام هو الفاسق المالي، وهو من فعل كبيرة، أو أصر على صغيرة.
ولهذا قال المؤلف : "الملي"؛ يعني: المنتسب إلى الملة الذي لم يخرج منها.
فأهل السنة والجماعة لا يسلبون الفاسق الملي الإسلام بالكلية؛ فلا يمكن أن يقولوا : إن هذا ليس بمسلم ، لكن يمكن أن يقولوا: إن هذا ناقص الإسلام أو ناقص الإيمان.
ولا يخلدونه في النار كما تقول المعتزلة(1) بل الفاسق يدخل في أسم الإيمان المطلق(2) كما في قوله تعالى : ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ )(3 )................................................. .......................
(1) قوله: لا يخلدونه في النار): معطوف على قوله : "ولا يسلبون ": وعلى هذا يكون قوله :" كما تقول المعتزلة": عائداً للأمرين؛ لأن المعتزلة يسلبونه الإسلام ويخلدونه في النار، وإن كانوا لا يطلقون عليه الكفر.
(2) مراد المؤلف ب " المطلق" هنا ؛ يعني: إذا أطلق الإيمان ؛ فالوصف يعود إلى الاسم لا إلى الإيمان؛ كما سيتبين من كلام المؤلف رحمه الله ؛ فيكون المراد به مطلق الإيمان الشامل للفاسق والعدل.
(3) قوله :" كما في قوله : ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ )(النساء:92)؛ فإن المؤمنة هنا يدخل فيه الفاسق.
فلو أن إنساناً اشترى رقيقاً فاسقاً وأعتقه في كفارة؛ أجزئه؛ مع أن الله قال: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)؛ فكلمة (مؤمنة) تشمل الفاسق وغيره.
وقد لا يدخل في أسم الإيمان المطلق (1) كما في قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناًَ) (2) وقوله صلى الله عليه وسلم :" لا يزنى الزاني حين يزني وهو مؤمن (3)............................................... .........................
(1)أي : في مطلق أسم الإيمان.
قوله :" كما في قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً)(الأنفال:2) ؛ ف ( إنما) أداة حصر؛ يعني : ما المؤمنون إلا هؤلاء، والمراد بالمؤمنين ؛ يعني : ذوي الإيمان المطلق الكامل.
فلا يدخل في المؤمنين هنا الفساق؛ لأن الفاسق لو تلوت عليه آيات الله ؛ ما زادته إيماناً، ولو ذكرت الله له ؛ لم يوجل قلبه.
فبين المؤلف أن الإيمان قد يراد به مطلق الإيمان، وقد يراد به الإيمان المطلق.
فإذا رأينا رجلاً : إذا ذكر الله ؛ لم يؤجل قلبه، وإذا تليت عليه آياته؛ لم يزدد إيماناً؛ فيصح أن نقول : إنه مؤمن ، ويصح أن نقول : ليس بمؤمن؛ فنقول : مؤمن ؛ أي : معه مطلق الإيمان؛ يعني: أصله، وليس بمؤمن؛ أي: ليس معه الإيمان الكامل.


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 15 Mar 2010, 05:32 AM   #63
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


* * *
(3)هذا مثال ثان للإيمان الذي يراد به الإيمان المطلق ؛ أي الكامل.
· وقوله : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"[293]هنا نفي عنه الإيمان الكامل حين زناه، أما بعد أن يفرغ من الزنى؛ فقد يؤمن ؛ فقد يلحقه الخوف من الله بعد أن يتم الزنى فيتوب، لكن حين إقدامه على الزنى لو كان عنده إيمان كامل؛ ما أقدم عليه ، بل إيمانه ضعيف جداً حين أقدم عليه.
وتأمل قوله : " حين يزني": احترازاً من أنه قبل الزنى وبعده تختلف حاله؛ لأن الإنسان ما دام لم يفعل الفاحشة، ولو هم بها ؛ فهو على أمل ألا يقدم عليها .
ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن (1) ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن (2) ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن (3) …………………………
(1) وقوله :" لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن" : أي: كامل الإيمان ؛ لأن الإيمان يردعه عن سرقته.
(2) وقوله :" ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن"؛ أي : كامل الإيمان.
(3)" ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم ": " ذات شرف "؛ أي : ذات قيمة عند الناس، ولهذا يرفعون إليه أبصارهم ؛ فلا ينتهبها حين ينتهبها وهو مؤمن ؛ أي: كامل الإيمان.
هذه أربعة أشياء : الزنى ( وهو الجماع في فرج حرام)، والسرقة ( وهي أخذ المال المحترم على وجه الخفية من حرز مثله)، وشرب الخمر ( والمراد تناوله بأكل أو شرب، والخمر كل ما أسكر على وجه اللذة والطرب)، والنهبة التي لها شرف وقيمة عند الناس ( قيل : الانتهاب : أخذ المال على وجه الغنيمة) لا يفعل هذه الأشياء الأربعة احد وهو مؤمن بالله حين فعله لها . فالمراد بنفي الإيمان هنا : نفي تمام الإيمان.
ويقولون هو مؤمن ناقص الإيمان أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته فلا يعطى الاسم المطلق ، ولا يسلب مطلق الاسم(1)…………………………………………………………………………………
(1)هذا بيان للوصف الذي يستحقه الفاسق الملي عند أهل السنة والجماعة.
· والفرق بين مطلق الشيء والشيء المطلق : أن الشيء المطلق هو الشيء الكامل، ومطلق الشيء؛ يعني : أصل الشيء، وإن كان ناقصاً.
· فالفاسق الملّي لا يعطى الاسم المطلق في الإيمان، وهو الاسم الكامل ، ولا يسلب مطلق الاسم ؛ فلا نقول : ليس بمؤمن ، بل نقول : مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته.
هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة ، وهو المذهب العدل الوسط.
· وخالفهم في ذلك طوائف:
- المرجئة ؛ يقولون مؤمن كامل الإيمان.
- والخوارج ؛ يقولون : كافر .
- والمعتزلة ؛ يقولون: في منزلة بين منزلتين
* * *






في موقف أهل السنة والجماعة
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومن أصول أهل السنة والجماعة (1)‑سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)..............................
أي: من أسس عقيدتهم.
قوله : " سلامة قلوبهم وألسنهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم":
ولم يقل: وأفعالهم، لأن الأفعال متعذرة بعد موت الصحابة، حتي لو فرض أن أحداً نبش قبورهم وأخرج جثثهم، فإن ذلك لا يؤذيهم ولا يضرهم، لكن الذي يمكن أن يكون بعد موت الصحابة نحوهم هو ما يكون في القلب وما ينطق به اللسان.
فمن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، سلامة القلب من البغض والغل والحقد والكراهة، وسلامة ألسنتهم من كل قول لا يليق بهم.
فقلوبهم سالمة من ذلك، مملوءة بالحب والتقدير والتعظيم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يليق بهم.
فهم يحبون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ويفضلونهم على جميع الخلق، لأن محبتهم من محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من محبة الله، وألسنتهم أيضاً سالمة من السب والشتم واللعن والتفسيق والتكفير وما أشبه ذلك مما يأتي به أهل البدع، فإذا سلمت من هذا، ملئت من الثناء عليهم والترضي عنهم والترحم والاستغفار وغير ذلك. وذلك للأمور التالية:
أولاً: أنهم خير القرون في جميع الأمم، كما صرح بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: " خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم "[294]
ثانياً: أنهم هو الواسطة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أمته، فمنهم تلقت الأمة عنه الشريعة.
ثالثاً: ما كان على أيديهم من الفتوحات الواسعة العظيمة.
رابعاً: أنهم نشروا الفضائل بين هذه الأمة من الصدق والنصح والأخلاق والآداب التي لا توجد عند غيرهم، ولا يعرف هذا من كان يقرأ عنهم من وراء جدر، بل لا يعرف هذا إلا من عاش في تاريخهم وعرف مناقبهم وفضائلهم وإيثارهم واستجابتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
فنحن نشهد الله عز وجل على محبة هؤلاء الصحابة، ونثني عليهم بألسنتنا بما يستحقون، ونبرأ من طريقين ضالين: طريق الروافض الذين يسبون الصحابة ويغلون في آل البيت، ومن طريق النواصب الذين يبغضون آل البيت، ونري أن لآل البيت إذا كانوا صحابة ثلاثة حقوقه : حق الصحبة، وحق الإيمان، وحق القرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: " لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" : سبق أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من اجتمع به مؤمناً به ومات على ذلك، وسمي صاحباً، لأنه إذا اجتمع بالرسول صلى الله عليه وسلم مؤمناً به، فقد التزم اتباعه، وهذا من خصائص صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم، أما غير الرسول، فلا يكون الشخص صاحباً له حتي يلازمه ملازمة طويلة يستحق أن يكون بها صاحباً.
كما وصفهم الله به في قوله تعالى : ) والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم( (1).
* استدل المؤلف رحمه الله لموقف أهل السنة بقوله: " كما وصفهم الله به في قوله تعالى: ) والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ( [ الحشر: 10]".
هذه الآية بعد آيتين سابقتين هما قوله تعالى: ) للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ( [الحشر: 8]، وعلى رأس هؤلاء المهاجرين أبو بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.
ففي قوله : ) يبتغون فضلاً من الله ورضواناً ( : إخلاص النية، وفي قوله: ) وينصرون الله ورسوله ( : تحقيق العمل، وقوله: ) أولئك هم الصادقون (، أي: لم يفعلوا ذلك رياء ولا سمعة، ولكن عن صدق نية.
ثم قال في الأنصار: ) والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة( [الحشر : 9] ، فوصفهم الله بأوصاف ثلاث: ) يحبون من هاجر إليهم ( ، ) ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ( ، ) ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة(.
ثم قال تعالى بعد ذلك: ) والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ( الآية، وهم التابعون لهم بإحسان وتابعوهم إلى يوم القيامة، فقد أثنوا عليهم بالأخوة، وبأنهم سبقوهم بالإيمان، وسألوا الله أن لا يجعل في قلوبهم غلاً لهم، فكل من خالف في ذلك وقدح فيهم ولم يعرف لهم حقهم، فليس من هؤلاء الذين قال الله عنهم: )والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا أغفر لنا ولإخواننا .. ( .
ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن قوم يسبون الصحابة، قالت: لا تعجبون ! هؤلاء قوم انقطعت أعمالهم بموتهم، فأحب الله أن يجري أجرهم بعد موتهم!!
وقوله: ) ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا (، ولم يقل: للذين سبقونا بالإيمان، ليشمل هؤلاء السابقين وغيرهم إلي يوم القيامة.
) ربنا إنك رءوف رحيم( : ولرأفتك ورحمتك نسألك المغفرة لنا ولإخواننا الذين سبقون بالإيمان.
وطاعة (1) النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : (( لا تسبوا ))(2).............................
(1)* " طاعة " : معطوف على قوله: " سلامة " ، أي : من أصول أهل السنة والجماعة: طاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلخ.
(2)* السب: هو القدح والعيب، فإن كان في غيبة الإنسان، فهو غيبة.
أصحابي(1) فو الذي نفسي بيده (2)لو أن أحدكم أنفق مثل أحد (3) ذهباً ما بلغ مد (4) أحدهم ولا نصيفه "(5)... ......
(1)* أي: الذين صحبوه، وصحبه النبي صلى الله عليه وسلم لا شك أنها تختلف: صحبه قديمة قبل الفتح، وصحبة متأخرة بعد الفتح.
والرسول عليه الصلاة والسلام كان يخاطب خالد بن الوليد حين حصل بينه وبين عبد الرحمن بن عوف ما حصل من المشاجرة في بني جذيمة، فقال النبي صل الله عليه وسلم لخالد: " لا تسبوا أصحابي" ، والعبرة بعموم اللفظ.
ولا شك أن عبد الرحمن بن عوف وأمثاله أفضل من خالد بن الوليد رضي الله عنه من حيث سبقهم إلى الإسلام، لهذا قال: " لا تسبوا أصحابي"، يخاطب خالد بن الوليد وأمثاله.
وإذا كان هذا بالنسبة لخالد بن الوليد وأمثاله، فما بالك بالنسبة لمن بعدهم.
(2)* أقسم النبي عليه الصلاة والسلام، وهو الصادق البار بدون قسم : " لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه"[295].
(3)* " أحد " : جبل عظيم كبير معروف في المدينة.
(4)* المد: ربع الصاع.
(5)* " ولا نصيفه " ، أي نصفه. قال بعضهم: من الطعام ، لأن الذي يقدر بالمد والنصيف هو الطعام، أما الذهب فيوزن، وقال بعضهم: من الذهب ، بقرينة السياق، لأنه قال: " لو أنفق مثل أحد ذهباً، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" ، يعني : من الذهب.
وعلى كل حال ، فإن قلنا : من الطعام، فمن الطعام، وإن قلنا: من الذهب، فليكن من الذهب، ونسبة المد أو نصف المد من الذهب إلي جبل أحد من الذهب لا شيء.
فالصحابة رضي الله عنهم إذا أنفق الإنسان مثل أحد ذهباً، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه، والإنفاق واحد، والمنفق واحد، والمنفق عليه واحد، وكلهم بشر، لكن لا يستوي البشر بعضهم مع بعض، فهؤلاء الصحابة رضي الله عنهم لهم من الفضائل والمناقب والإخلاص والاتباع ما ليس لغيرهم، فلإخلاصهم العظيم، واتباعهم الشديد، كانوا أفضل من غيرهم فيما ينفقون.
وهذا النهي يقتضي التحريم، فلا يحل لأحد أن يسب الصحابة على العموم، ولا أن يسب واحداً منهم على الخصوص، فإن سبهم على العموم ، كان كافراً، بل لا شك في كفر من شك في كفره ، أما إن سبهم على سبيل الخصوص، فينظر في الباعث لذلك، فقد يسبهم من أجل أشياء خَلْقية أو دينية، ولكل واحد من ذلك حكمه.
***
ويقبلون (1) ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم(2)……….
(1)أي: أهل السنة.
(2)قوله : " ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم":
الفضائل: جمع فضيلة، وهو ما يفضل به المرء غيره ويعد منقبة له.
والمراتب: الدرجات، لأن الصحابة درجات ومراتب، كما سيذكرهم المؤلف رحمه الله.
فما جاء من فضائل الصحابة ومراتبهم، فإن أهل السنة والجماعة يقبلون ذلك:
فمثلاً ما جاء عنهم من كثرة صلاة أو صدقة أو صيام أو حج أو جهاد أو غير ذلك من الفضائل.
ويقبلون مثلاً ما جاء في أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على الصدقة، فجاء أبو بكر بجميع ماله، وهذه فضيلة[296].
ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة من أن أبا بكر رضي الله عنه كان وحده صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته في الغار.
ويقبلون ما جاء به النص من قول الرسول عليه الصلاة والسلام في أبي بكر: " إن من أمن الناس على في ماله وصحبته أبو بكر "[297]
وكذلك ما جاء في عمر وفي عثمان وفي علي رضي الله عنهم وما جاء في غيرهم من الصحابة من الفضائل، يقبلون هذا كله.
وكذلك المراتب، فيقبلون ما جاء في مراتبهم ، فالخلفاء الراشدين هم القمة في هذه الأمة في المرتبة، وأعلاهم مرتبة أبو بكر، ثم عمر ثم عثمان ثم علي، كما سيذكره المؤلف.
ويفضلون من أنفق من قبل الفتح وهو صلح الحديبية وقاتل على من أنفق من بعد وقاتل (1)....................
* دليل ذلك قول تعالى : ) لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى ( [ الحديد: 10].
فالذين أنفقوا وقاتلوا قبل صلح الحديبية أفضل من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، وكان صلح الحديبية في السنة السادسة من الهجرة في ذي القعدة، فالذين أسلموا قبل ذلك، وأنفقوا وقاتلوا أفضل من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا.
فإذا قال قائل: كيف نعرف ذلك؟
فالجواب: أن ذلك يعرف بتاريخ إسلامهم، كأن نرجع إلي " الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر أو " الاستيعاب في معرفة الأصحاب" لابن عبد البر أو غير ذلك من الكتب المؤلف في الصحابة رضي الله عنهم، ويعرف أن ، هذا أسلم من قبل أو أسلم من بعد.


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 15 Mar 2010, 05:33 AM   #64
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


وقول المؤلف: " وهو صلح الحديبية " :
هذا أحد القولين في الآية ، وهو الصحيح، ودليله قصة خالد مع عبد الرحمن بن عوف، وقول البراء بن عازب: تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحاً، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية. رواه البخاري [298]وقيل: المراد فتح مكة، وهو قول كثير من المفسرين أو أكثرهم.
ويقدمون المهاجرين(1) على الأنصار (2) ............................
(1)المهاجرون: هم الذين هاجروا إلى المدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة.
ا(2)لأنصار: هم الذين هاجر إليهم النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة.
وأهل السنة يقدمون المهاجرين على الأنصار لأن المهاجرين جمعوا بين الهجرة والنصرة، والأنصار أتوا بالنصرة فقط.
فالمهاجرون تركوا أهلهم وأموالهم، وتركوا أوطانهم، وخرجوا إلى أرض هم فيها غرباء، كل ذلك هجرة إلى الله ورسوله، ونصرة لله ورسوله.
والأنصار أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم في بلادهم، ونصروا النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا شك أنهم منعوه مما يمنعون منه أبناءهم ونساءهم.
ودليل تقديم المهاجرين: قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (التوبة:100) ، فقدم المهاجرين على الأنصار، وقوله: ) لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار( [ التوبة: 117]، فقدم المهاجرين، وقوله في الفيء: ) للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ( [الحشر: 8]، ثم قال: ) والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم ( [ الحشر: 9].
ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر : (اعملوا ما شئتم غفرت لكم )(1) .............
(1)* أهل بدر مرتبتهم أعلى من مراتب الصحابة.
وبدر مكان معروف، كانت فيه الغزوة المشهورة، وكانت في السنة الثانية من الهجرة في رمضان ، وسمى الله تعالى يومها يوم الفرقان.
وسببها أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع أن أبا سفيان قدم بعير من الشام إلى مكة، فندب أصحابه من أجل هذه العير فقط، فانتدب منهم ثلاث مائة وبضعة عشر رجلاً، معهم سبعون بعيراً وفرسان وخرجوا من المدينة لا يريدون قتالاً، لكن الله عز وجل بحكمته جمع بينهم وبين عدوهم.
فلما سمع أبو سفيان بذلك، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام خرج إليه لتلقي العير، أخذ بساحل البحر، وأرسل صارخاً إلي أهل مكة يستنجدهم ، فانتدب أهل مكة لذلك، وخرجوا بأشرافهم همه وكبرائهم وزعمائهم، خرجوا على الوصف الذي ذكر الله عز وجل: ) بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله ( [ الأنفال: 47].
وفي أثناء ذلك جاءهم الخبر أن أبا سفيان نجا بالعير، فتآمروا بينهم في الرجوع، لكن أبا جهل قال: والله، لا نرجع حتى نقدم بدراً، فنقيم فيها ننحر الجزور، ونسقي الخمور، وتضرب علينا القيان، وتسمع بنا العرب ، فلا يزالون يهابوننا أبداً.
وهذا الكلام يدل على الفخر والخيلاء والاعتزاز بالنفس، ولكن ولله الحمد كان الأمر على عكس ما يقول، سمعت العرب بهزيمتهم النكراء فهانوا في نفوس العرب.
قدموا بدراً، والتقت الطائفتان، وأوحى الله تعالى إلى الملائكة: ) أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان * ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب* ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار ( [ الأنفال: 12-14] .
حصل اللقاء بين الطائفتين، وكانت الهزيمة- ولله الحمد على المشركين، والنصر المبين للمؤمنين، انتصروا، وأسروا منهم سبعين رجلاً، وقتلوا سبعين رجلاً، منهم أربعة وعشرون رجلاً من كبرائهم وصناديدهم ، سحبوا، فألقوا في قليب من قلب بدر خبيثة قبيحة.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بعد انتهاء الحرب بثلاثة أيام ركب ناقته، ووقف عليهم يدعوهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: " يا فلان ابن فلان! أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله؟ فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً " . فقالوا: يا رسول الله! ما تكلم من أجساد لا أرواح لها؟ فقال: " والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم " [299]والنبي عليه الصلاة والسلام وقف عليهم توبيخاً وتقريعاً وتنديماً ، وهم قد وجدوا ما وعد الله حقاً، قال الله تعالى: ) ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار ( [ الأنفال:14] ، فوجدوا النار من حين ماتوا وعرفوا أن الرسول حق ، ولكن أنى لهم التناوش من مكان بعيد.
فأهل بدر الذين جعل الله على أيدهم هذا النصر المبين والفرقان الذي هاب العرب به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وكان لهم منزلة عظيمة بعد هذا النصر، اطلع الله عليهم، وقال: " اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم" [300]، فكل ما يقع منهم من ذنوب، فإنه مغفور، لهم، بسبب هذه الحسنة العظيمة الكبيرة التي جعلها الله تعالي على أيديهم.
وفي هذا الحديث دليل على أن ما يقع منهم من الكبائر مهما عظم، فهو مغفور لهم.
وفيه بشارة بأنهم لن يموتوا على الكفر ؛ لأنهم مغفور لهم ، وهذا يقتضي أحد أمرين :
إما أنهم لا يمكن أن يكفروا بعد ذلك.
وإما أنهم إن قدر أن أحدهم كفر، فسيوفق للتوبة والرجوع وإلي الإسلام.
وأيا كان، ففيه بشارة عظيمة لهم، ولم نعلم أن أحداً منهم كفر بعد ذلك.
وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بل لقد رضي الله عنهم ورضوا عنه وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة (1) ..............................
* أصحاب الشجرة هم أصحاب بيعة الرضوان[301]
وسبب هذه البيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة إلى مكة يريد العمرة، ومعه أصحابه والهدي، وكانوا نحو ألف وأربعمائة رجل، لا يريدون إلا العمرة، فلما بلغوا الحديبية، وهي مكان قرب مكة، في طريق جدة الآن، بعضها من الحل وبعضها من الحرم، وعلم بذلك المشركون ، منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لأنهم يزعمون أنهم أهل البيت وحماة البيت، ) وما كانوا أولياءه إن إولياءه إلا المتقون( [الأنفال: 34]، وجرت بينهم وبينهم مفاوضات.
وأرى الله تعالى من آياته في هذه الغزوة ما يدل على أن الأولى تنازل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما يترتب على ذلك من الخير والمصلحة، فإن ناقة الرسول عليه الصلاة والسلام بركت وأبت أن تسير، حتى قالوا: " خلأت القصواء" ، يعني: حرنت وأبت المسير. فقال النبي صلى الله عليه وسلم مدافعاً عنها: " والله ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل". ثم قال : " والذي نفسي بيده، لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله ، إلا أعطيتهم إياها"[302] .
وجرى التفاوض، وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان، لأن له رهطاً بمكة يحمونه، أرسله إلى أهل مكة، يدعوهم إلى الإسلام، ويخبرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جاء معتمراً معظماً للبيت، فشاع الخبر بأن عثمان قد قتل، وكبر ذلك على المسلمين، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم إلي البيعة، يبايع أصحابه على أن يقاتلوا أهل مكة الذين قتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الرسل لا تقتل، فبايع الصحابة رضي الله عنهم النبي صلى الله عليه وسلم على أن يقاتلوا ولا يفروا إلي الموت. وكان النبي صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يبايع الناس، يمد يده فيبايعونه على هذه البيعة المباركة التي قال الله عنها: ) إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ( [ الفتح: 10]، وكان عثمان رضي الله عنه غائباً، فبايع النبي صلى الله عليه وسلم بيده عن يد عثمان، وقال بيده اليمني: " هذه يد عثمان".
ثم تبين أن عثمان لم يقتل، وصارت الرسل تأتي وتروح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش، حتى انتهى الأمر على الصلح الذي صار فتحاً مبيناً للرسول عليه الصلاة والسلام.
هؤلاء الذين بايعوا قال الله عنهم: ) لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً * ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيماً ( [ الفتح 18-19].
وكان من جملة المبايعين أبو بكر وعمر وعثمان وعلي.
فوصفهم الله تعالى بالإيمان، وهذه شهادة من الله عز وجل بأن كل من بايع تحت الشجرة، فهو مؤمن مرضى عنه، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: " لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة"، فالرضى ثابت بالقرآن، وانتفاء دخول النار ثبت بالسنة.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة "، قد يقول قائل: كيف نجمع بينه وبين قوله تعالى: ) وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضياً ( [مريم:71]؟
فالجمع من أحد وجهين:
الأول: أن يقال: إن المفسرين اختلفوا في المراد بالورود، فقال بعضهم: هو المرور على الصراط، لأن هذا نوع ورود بلا شك، كما في قوله تعالي: ) ولما ورد ما ء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون( [ القصص: 23]، ومعلوم أنه لم ينزل وسط الماء، بل كان حوله وقريباً منه، وبناء على هذا، لا إشكال ولا تعارض أصلاً.
والوجه الثاني: أن من المفسرين من يقول: المراد بالورود الدخول، وأنه ما من إنسان إلا ويدخل النار، وبناء على هذا القول، فيحمل قوله: " لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة". لا يدخلها دخول عذاب وإهانة ، وإنما يدخلها تنفيذاً للقسم: ) وإن منكم إلا واردها(، أو يقال: إن هذا من باب العام المخصوص بأهل بيعة الرضوان.
وقوله: " الشجرة ": الشجرة هذه شجرة سدر، وقيل: شجرة سمر، ولا طائل تحت هذا الخلاف، كانت ذات ظل، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم تحتها يبايع الناس، وكانت موجودة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وعهد أبي بكر رضي الله عنه وأول خلافه عمر، فلما قيل له: إن الناس يختلفون إليها أي: يأتونها يصلون عندها، أمر رضي الله عنه بقطعها، فقطعت.
قال في " الفتح "[303] وجدته عند ابن سعد بإسناد صحيح، لكن في " صحيح البخاري" [304]عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: رجعنا من العام المقبل يعني: بعد صلح الحديبية فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها، كانت رحمة من الله. وهكذا قال المسيب والد سعيد: فلما خرجنا من العام المقبل، نسيناها، فلم نقدر عليها".
وهذا لا ينافي ما ذكره ابن حجر عن ابن سعد، لأن نسيانها لا يستلزم عدمها ولا عدم تذكرها بعد والله أعلم.
وهذه من حسنات عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لأننا نظن أن هذه الشجرة لو كانت باقية إلي الآن، لعبدت من دون الله.
ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) .
أي أهل السنة والجماعة.
والشهادة بالجنة نوعان: شهادة معلقة بوصف، وشهادة معلقة بالشخص.
أما المعلقة بالوصف، فأن نشهد لكل مؤمن أنه في الجنة، وكل متق أنه في الجنة، بدون تعيين شخص أو أشخاص.
وهذه شهادة عامة، يجب علينا أن نشهد بها، لأن الله تعالى أخبر به، فقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ)(خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [لقمان 8-9]، وقال: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [ آل عمران: 133].
وأما الشهادة المعلقة بشخص معين، فأن نشهد لفلان أو لعدد معين أنهم في الجنة.
وهذه شهادة خاصة، فنشهد لمن شهد له الرسول صلي الله عليه وسلم، سواء شهد لشخص معين واحد أو لأشخاص معينين.
كالعشرة (1) وثابت بن قيس بن شماس (2) . .....................
(1)* مثال ذلك ما ذكره المؤلف بقوله: " كالعشرة "، يعني بهم: العشرة المبشرين بالجنة، لقبوا بهذا الاسم لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمعهم في حديث واحد وهم: الخلفاء الأربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وسعيد بن زيد، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة ابن عبيد الله، والزبير بن العوام، وأبو عبيدة عامر ابن الجراح، وانظر تراجمهم في المطولات.
وقد جمع الستة الزائدون عن الخلفاء الأربعة في بيت واحد، فاحفظه:
سعيد وسعد وابن عوف وطلحة وعامر فهر والزبير الممدوح
هؤلاء بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم في نسق واحد، فقال: " أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة "[305]، ولهذا لقبوا بهذا اللقب، فيجب أن نشهد أنهم في الجنة لشهادة النبي صلي الله عليه وسلم بذلك.
(2)ثابت بن قيس رضي الله عنه أحد خطباء النبي صلى الله عليه وسلم، كان جهوري الصوت، فلما نزل قوله تعالى: ) يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ( [ الحجرات:2]، خاف أن يكون ضبط عمله وهو لا يشعر، فاختفي في بيته، ففقده النبي عليه الصلاة والسلام، فبعث إليه رجلاً يسأله عن اختفائه فقال: إن الله أنزل قوله: ) يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون (، وأنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم حبط عملي، أنا من أهل النار !! فأتي الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما قال ثابت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اذهب إليه، فقل له إنك لست من أهل النار، ولكنك من أهل الجنة " [306]، فبشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة.
وغيرهم من الصحابة (1) ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره، من أن خير هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر ثم عمر(2)………….
(1) مثل أمهات المؤمنين، لأنهن في درجة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنهم بلال، وعبد الله بن سلام، وعكاشة بن محصن، وسعد بن معاذ، رضي الله عنهم.
* التواتر: خبر يفيد العلم اليقيني، وهو الذي نقله طائفة لا يمكن تواطؤهم على الكذب.
ففي " صحيح البخاري " [307] وغيره عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فنخير أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان.
وفي " صحيح البخاري" [308]أيضاً أن محمد بن الحنفية قال: قلت لأبي : أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر. قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر. وخشيت أن يقول: عثمان، قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين.
فإذا كان علي رضي الله عنه يقول وهو في زمن خلافته: إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، فقد اندحضت حجة الرافضة الذين فضلوه عليهما.
قوله: " وغيره "، يعني: غير علي من الصحابة والتابعين.
وهذا متفق عليه بين الأئمة.
وقال الإمام مالك: ما رأيت أحداً يشك في تقديمهما.
وقال الشافعي: لم يختلف الصحابة والتابعون في تقديم أبي بكر وعمر.
ومن خرج عن هذا الإجماع، فقد اتبع غير سبيل المؤمنين.
ويثلثون بعثمان (1) ويربعون بعلي (2) رضي الله عنهم كما دلت عليه الآثار وكما أجمع الصحابة على تقديم عثمان في البيعة(3) …………
(1)* " يثلثون " ، يعني: أهل السنة، يجعلون عثمان هو الثالث.
(2)* " ويربعون " بعلي " أي: يجعلون علياً هو الرابع.
وعلى هذا، فأفضل هذه الأمة هؤلاء الأربعة: أبو بكر ، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي.
* استدل المؤلف لهذا الترتيب بدليلين:
الأول: قوله: " كما دلت عليه الآثار " : وقد سبق ذكر شيء منها.
والثاني: قوله: " وكما أجمع الصحابة على تقديم عثمان في البيعة " :
فصار في تقديم عثمان على علي رضي الله عنهما آثار نقلية، وفيه أيضاً دليل عقلي، وهو إجماع الصحابة على تقديم عثمان في البيعة، فإن إجماعهم على ذلك يستلزم أن عثمان أفضل من علي، وهو كذلك، لأن حكمة الله عز وجل تأبى أن يولى على خير القرون رجلاً وفيه من هو أفضل منه، كما جاء في الأثر: " كما تكونون يولى عليكم، فخير القرون لا يولي الله عليهم إلا من هو خيرهم.
مع أن بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي رضي الله عنهما بعد اتفاقهم على تقديم أبي بكر وعمر أيهما أفضل؟ فقدم قوم عثمان وسكتوا أو ربعوا بعلي (1)، وقدم قومٌ علياً (2)، وقوم توقفوا (3).........
(1)فيقولون: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ويسكتون، أو يقولون: ثم علي.
فقالوا: أبو بكر، ثم عمر، ثم علي، ثم عثمان. وهذا رأي من آراء أهل السنة.
فقالوا: أبو بكر، ثم عمر. وتوقفوا أيهما أفضل: عثمان أو علي؟ وهذا غير الرأي الأول.
فالآراء أربعة:
الرأي المشهور: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي.
الرأي الثاني: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم السكوت.
الرأي الثالث: أبو بكر، ثم عمر، ثم علي، ثم عثمان.
الرأي الرابع: أبو بكر، ثم عمر، ثم نتوقف أيهما أفضل: عثمان أو على، فهم يقولون: لا نقول: عثمان أفضل، ولا علي أفضل، لكن لا نرى أحداً يتقدم على عثمان وعلي في الفضيلة بعد أبي بكر وعمر.
لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان (1) وإن كانت هذه المسألة مسألة عثمان وعلي ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة (2) ولكن المسألة التي يضلل فيها مسألة الخلافة(3) وذلك أنهم يؤمنون أن الخليفة بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم على (4) ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء الأئمة فهو أضل من حمار أهله(5)……………….
هذا الذي استقر عليه أمر أهل السنة، فقالوا: أفضل هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، على ترتيبهم في الخلافة. وهو الصواب، كما سبق دليله.
* يعني: المفاضلة بين عثمان وعلي رضي الله عنهما ليست من أصول أهل السنة التي يضلل فيها المخالف، فمن قال: إن علياً أفضل من عثمان، فلا نقول: إنه ضال، بل نقول: هذا رأي من آراء أهل السنة، ولا نقول فيه شيئاً.
* فيجب أن نقول: الخليفة بعد نبينا في أمته أبو بكر، ثم عمر ثم عثمان، ثم علي . ومن قال إن الخلافة لعلي دون هؤلاء الثلاثة، فهو ضال، ومن قال: إنها لعلي بعد أبي بكر وعمر، فهو ضال، لأنه مخالف لإجماع الصحابة رضي الله عنهم.
وهذا ما أجمع عليه أهل السنة في مسألة الخلافة.
* الذي يطعن في خلافة أحد من هؤلاء، ويقول: إنه لا يستحق الخلافة! أو: إنه أحق ممن سبقه ! فهو أضل من حمار أهله.
وعبر المؤلف بهذا التعبير، لأنه تعبير الإمام أحمد رحمه الله، ولا شك أنه أضل من حمار أهله، وإنما ذكر الحمار، لأنه أبلد الحيوانات على الإطلاق، فهو أقل الحيوانات فهماً، فالطعن في خلافة أحد من هؤلاء أو في ترتيبه طعن في الصحابة جميعاً.
فيجب علينا أن نعتقد بأن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وأنهم في أحقية الخلافة على هذا الترتيب، حتى لا نقول: إن هناك ظلماً في الخلافة، كما ادعته الرافضة حين زعموا أن أبا بكر وعمر وعثمان والصحابة كلهم ظلمة، لأنهم ظلموا على بن أبي طالب، حيث اغتصبوا الخلافة منه.
أما من بعدهم، فإننا لا نستطيع أن نقول: إن كل خليفة استخلفه الله على الناس، فهو أحق بالخلافة من غيره ، لأن من بعدهم ليسوا في خير القرون، بل حصل فيهم من الظلم والانحراف والفسوق ما استحقوا به أن يولي عليهم من ليس أحق بالخلافة منهم، كما قال الله تعالي: ) وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون ( [ الإنعام : 129].
واعلم أن الترتيب في الأفضلية على ما سبق لا يعني أن من فضل غيره، فإنه يفضله في كل شئ، بل قد يكون للمفضول فضيلة لم يشاركه فيها أحد، وتميز أحد هؤلاء الأربعة أو غيرهم بميزة يفضل بها غيره لا يدل على الأفضلية المطلقة، فيجب التفريق بين الإطلاق والتقييد.


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 15 Mar 2010, 05:34 AM   #65
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم(1)…………………….
(1)* أي: ومن أصول أهل السنة والجماعة أنهم يحبون آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحبون لأمرين: للإيمان، وللقرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يكرهونهم أبداً.
ولكن لا يقولون كما قال الرافضة: كل من أحب أبا بكر وعمر، فقد أبغض علياً، وعلى هذا فلا يمكن أن نحب علياً حتى نبغض أبا بكر وعمر، وكأن، أبا بكر وعمر أعداء لعلي بن أبي طالب مع أنه تواتر النقل عن علي رضي الله عنه أنه كان يثني عليها على المنبر.
فنحن نقول: إننا نشهد الله على محبة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته، نحبهم لمحبة الله ورسوله.
ومن أهل بيت أزواجه بنص القرآن، قال الله تعالى: ) يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً * يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا* ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما* يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً * وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطيراً ( [ الأحزاب، 28-33]، فأهل البيت هنا يدخل فيها أزواج الرسول عليه الصلاة والسلام بلا ريب.
وكذلك يدخل فيه قرابته، فاطمة وعلي والحسن والحسين وغيرهم كالعباس بن عبد المطلب وأبنائه.
فنحن نحبهم لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولإيمانهم بالله.
فإن كفروا ، فإننا لا نحبهم، ولو كانوا من أقارب الرسول عليه الصلاة والسلام، فأبو لهب عم الرسول عليه الصلاة والسلام لا يجوز أن نحبه بأي حال من الأحوال، بل يجب أن نكرهه لكفره ولإيذائه النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك أبو طالب، يجب علينا أن نكرهه لكفره، لكن نحب أفعاله التي أسداها إلى الرسول عليه الصلاة والسلام من الحماية والذب عنه.
ويتولونهم (1) ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلي الله عليه وسلم (2) حيث قال يوم غديرهم : " أذكركم الله في أهل بيتي " (3)……………………………………
(1(أي: يجعلونهم من أوليائهم، والولي: يطلق على عدة معان، يطلق على الصديق، والقريب، والمتولي للأمر، وغير ذلك من الموالاة والنصرة، وهنا يشمل النصرة والصداقة والمحبة.
(2)أي: عهده الذي عهد به إلي أمته.
(3)هو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة. وهذا الغدير ينسب إلي رجل يسمي ( خم )، وهو في الطريق الذي بين مكة والمدينة، قريب من الجحفة، نزل الرسول عليه الصلاة والسلام فيه منزلاً في رجوعه من حجة الوداع، وخطب الناس، وقال: " أذكركم الله في أهل بيتي"[309]، ثلاثاً، يعني: اذكروا الله، اذكروا خوفه وانتقامه إن أضعتم حق آل البيت، واذكروا رحمته وثوابه إن قمتم في حقهم.
وقال أيضاً (1) للعباس عمه وقد اشتكي إليه أن بعض قريش يجفو (2) بني هاشم (3) فقال: " والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتي يحبوكم لله ولقرابتي "(4)………………….
(1)* " أيضاً ": مصدر آض يئيض، أي: رجع، وهو مصدر لفعل محذوف، والمعني: عوداً على ما سبق.
(2)" يجفو " يترفع ويكره.
(3)* " هاشم " : هو جد أبي الرسول صلي الله عليه وسلم .
(4)أقسم صلي الله عليه وسلم [310]أنهم يؤمنون، أي : لا يتم إيمانهم، حتي يحبوكم لله، وهذا المحبة يشاركهم فيها غيرهم من المؤمنين، لأن الواجب على كل إنسان أن يحب كل مؤمن لله، لكن قال: " ولقرابتي " : فهذا حب زائد على المحبة لله، ويختص به آل البيت قرابة النبي عليه الصلاة والسلام.
وفي قول العباس: " إن بعض قريش يجفو بني هاشم " : دليل على أن جفاء آل البيت كان موجوداً منذ حياة النبي صلي الله عليه وسلم، وذلك لأن الحسد من طبائع البشر، إلا من عصمه الله عز وجل، فكانوا يحسدون آل بيت الرسول عليه الصلاة والسلام على مأمن الله عليهم من قرابة النبي صلي الله عليه وسلم ، فيجفونهم ولا يقومون بحقهم.
فعقيدة أهل السنة والجماعة بالنسبة لأل البيت: أنهم يحبونهم ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية لرسول صلي الله عليه وسلم في التذكير بهم، ولا ينزلونهم فوق منزلتهم، بل يتبرؤون ممن يغلو فيهم، حتي يوصلوهم إلي حد الألوهية، كما فعل عبد الله بن أبي طالب حين قال له: آنت الله ! والقصة مشهورة.
وقال صلي الله عليه وسلم : " إن الله اصطفي بن إسماعيل(1) ، واصطفي من بني إسماعيل كنانة (2) ، واصطفي من كنانة قريشاً (3)، واصطفي من قريش هاشم (4) ، واصطفاني من بني هاشم[311]* ويتولون أزواج رسول الله صلي الله عليه وسلم أمهات المؤمنين (5) ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة(6)……………….
(1)* " إسماعيل ": هو ابن إبراهيم الخليل، وهو الذي أمر الله إبراهيم بذبحه، وقصة في سورة الصافات.
(2)* " كنانة " : هو الأب الرابع عشر الرسول الله صلي الله عليه وسلم وعلى أله وسلم.
(3)* " قريش " : هو الأب الحادي عشر لرسول الله صلي الله عليه وسلم، وهو فهر بن مالك، وقيل : الأب الثالث عشر، وهو النضر بن كنانة.
(4) * " هاشم " هو الأب الثالث لرسول الله صلي الله عليه وسلم.
(5) قوله: " أمهات المؤمنين " : هذه صفة لـ " أزواج " فأزواج النبي صلي الله عليه وسلم أمهات لنا في الإكرام والاحترام والصلة، قال تعالي : ) النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ( [ الأحزاب: 6]، فنحن نتولاهن بالنصرة والدفاع عنهن واعتقاد أنهن أفضل أزواج أهل الأرض، لأنهن زوجات الرسول صلي الله عليه وسلم.
وهذا دليل على أن بني هاشم مصطفون عند الله مختارون من خلقه.
(6)لأحاديث وردت في ذلك، ولقوله تعالي: ) الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ، ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم ( [ غافر: 7-8] فقال: )وأزوجهم( ، فأثبت الزوجية لهن بعد دخول الجنة، وهذا يدل على أن زوجة الإنسان في الدنيا تكون زوجته في الآخرة إذا كانت من أهل الجنة.
خصوصاً (1) خديجة رضي الله عنها (2) لأن أكثر أولاده وأول من آمن به (3).......................
(1)" خصوصاً " : مصدر محذوف العامل، أي: أخص خصوصاً.
(2) خديجة بنت خويلد" : تزوجها النبي صلي الله عليه وسلم أول ما تزوج، وكان عمره حينذاك خمساً وعشرين سنة، وعمرها أربعين سنة، وكانت امرأة عاقلة، وانتفع بها صلي الله عليه وسلم انتفاعاً كثيراً، لأنها امرأة ذات عقل وذكاء، ولم يتزوج عليها أحداً.
*فكانت كما قال المؤلف: " أم أكثر أولاده ": البنين والبنات ، ولم يقل المؤلف: أم أولاده، لأن من أولاده من ليس منها، وهو إبراهيم، فإنه كان من مارية القبطية.
وأولاده الذين من خديجة هم ابنان وأربع بنات: القاسم، ثم عبد الله، ويقال له: الطيب، والطاهر. وأما البنات، فهن: زينب، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية. وأكبر أولاده القاسم، وأكبر بناته زينب.
(3) لا شك أنها أول من آمن به، لأن النبي صلي الله عليه وسلم لما جاءها وأخبرها بما رأي في غار حراء، قالت: كلا، والله لا يخزيك الله أبداً. وآمنت به، وذهبت به إلي ورقة بن نوفل، وقصت عليه الخبر، وقال له: إن هذا الناموس الذي كان ينزل على موسى [312]. "الناموس " أي: صاحب السر. فآمن به ورقة.
ولهذا نقول: أول من آمن به من النساء خديجة، ومن الرجال ورقة بن نوفل.
وعاضده علي أمره (1) وكان لها منه المنزلة العالية (2) والصديقة بنت الصديق رضي الله عنها(3) التي قال فيها النبي صلي الله عليه وسلم : " فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام(4) ……………………
(1)أي: ساعده، ومن تدبر السيرة، وجد لأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها من معاضدة النبي صلي الله عليه وسلم ما لم يحصل لغيرها من نسائه.
(2)قوله: " وكان لها منه المنزلة العالية" : حتي إنه كان يذكرها بعد موتها صلوات الله وسلامه عليه، ويرسل بالشيء إلي صديقاتها، ويقول: " إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد"[313]، فكان يثني عليها، وهذا يدل على معظم منزلتها عند الرسول صلي الله عليه وسلم.
(3)أما كونها صديقة، فلكمال تصديقها لرسول الله صلي الله عليه وسلم، وكمال صدقها في معاملته، وصبرها على ما حصل من الأذي في قصة الإفك، ويدلك على صدقها وصدق إيمانها بالله أنه لما نزلت براءتها، قال: إني لا أحمد غير الله. وهذا يدل على كمال إيمانها وصدقها.
وأما كونها بنت الصديق، فكذلك أيضاً، فإن أباها رضي الله عنه هو الصديق في هذه الأمة، بل صديق الأمم كلها، لأن هذه الأمة أفضل الأمم، فإذا كان صديق هذه الأمة، فهو صديق غيرها من الأمم.
(4)قوله: " على النساء ": ظاهره العموم، أي: على جميع النساء.
وقيل: إن المراد: فضل عائشة على النساء، أي من أزواجه اللاتي على قيد الحياة، فلا تدخل في ذلك خديجة.
لكن ظاهر الحديث العموم، لأن الرسول صلي الله عليه وسلم قال: " كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسيا امرأة فرعون، ومريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ، وقد أخرجه الشيخان بدون ذكر خديجة [314]وهذا يدل على أنها أفضل النساء مطلقاً.
ولكن ليست أفضل من فاطمة باعتبار النسب، لأن فاطمة بلا شك أشرف من عائشة نسباً.
وأما منزلة، فإن عائشة رضي الله عنها لها من الفضائل العظيمة ما لم يدركه أحد غيرها من النساء.
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن هاتين الزوجين رضي الله عنهما في منزلة واحدة، لأنه قال: " خصوصاً خديجة والصديقة " ، ولم يقل : ثم الصديقة.
والعلماء اختلفوا في هذه المسألة:
فقال بعض العلماء: خديجة أفضل، لأن لها مزايا لم تلحقها عائشة فيها.
وقال بعض العلماء: بل عائشة أفضل، لهذا الحديث، ولأن لها مزايا لم تلحقها خديجة فيها.
وفصل بعض أهل العلم، فقال: إن لكل منهما مزية لم تلحقها الأخرى فيها، ففي أول الرسالة لا شك أن المزايا التي حصلت عليها خديجة لم تلحقها فيها عائشة، ولا يمكن أن تساويها، وبعد ذلك، وبعد موت الرسول صلي الله عليه وسلم حصل من عائشة من نشر العلم ونشر السنة وهداية الأمة ما لم يحصل لخديجة، فلا يصح أن تفضل إحداهما على الأخرى تفضيلاً مطلقاً، بل نقول: هذه أفضل من وجه، وهذه أفضل من وجه، ونكون قد سلكنا مسلك العدل، فلم نهدر ما لهذه من المزية، ولا ما لهذه من المزية، وعند التفصيل يحصل التحصيل. وهما وبقية أزواج الرسول في الجنة معاً.
ويتبرءون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم(1)…………..
(1)الروافض: طائفة غلاة في علي بن أبي طالب وآل البيت، وهم من أضل أهل البدع، وأشدهم كرهاً للصحابة رضي الله عنهم، ومن أراد معرفة ما هم عليه من الضلال، فليقرأ في كتبهم وفي كتب من رد عليهم.
وسموا روافض لأنهم رفضوا زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عندما سألوه عن أبي بكر وعمر، فأثني عليهما وقال: هما وزيرا جدي.
أما النواصب، فهم الذين ينصبون العداء لأل البيت، ويقدحون فيهم، ويسبونهم، فهم على النقيض من الروافض.
فالروافض اعتدوا على الصحابة بالقلوب والألسن.
ففي القلوب يبغضون الصحابة ويكرهونهم، إلا من جعلوهم وسيلة لنيل مآربهم وغلوا فيهم، وهم آل البيت.
وفي الألسن يسبونهم فيلعنونهم ويقولون : إنهم ظلمة‍‍ ويقولون : إنهم ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا قليلاً، إلي غير ذلك من الأشياء المعروفة في كتبهم.
وفي الحقيقة إن سب الصحابة رضي الله عنهم ليس جرحاً في الصحابة رضي الله عنهم فقط بل هو قدح في الصحابة وفي النبي صلى الله عليه وسلم وفي شريعة الله وفي ذات الله عز وجل:
_ أما كونه قدحاً في الصحابة، فواضح.
وأما كونه قدحاً في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحيث كان أصحابه وأمناؤه وخلفاؤه على أمته من شرار الخلق، وفيه قدح في رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجه آخر، وهو تكذيبه فيما أخبر به من فضائلهم ومناقبهم.
وأما كونه قدحاً في شريعة الله، فلأن الواسطة بيننا وبين رسول الله صلي الله عليه وسلم في نقل الشريعة هم الصحابة، فإذا سقطت عدالتهم، لم يبق ثقة فيما نقلوه من الشريعة.
وأما كونه قدحاً في الله سبحانه، فحيث بعث نبيه صلى الله عليه وسلم في شرار الخلق، واختارهم لصحبته وحمل شريعته ونقلها لأمته!!
فانظر ماذا يترتب من الطوام الكبرى على سب الصحابة رضي الله عنهم.
ونحن نتبرأ من طريقة هؤلاء الروافض الذين يسبون الصحابة ويبغضونهم، ونعتقد أن محبتهم فرض، وأن الكف عن مساوئهم فرض، وقلوبنا ولله الحمد مملؤة من محبتهم، لما كانوا عليه من الإيمان والتقوي ونشر العلم ونصرة النبي صلي الله عليه وسلم.


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 15 Mar 2010, 05:34 AM   #66
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


ومن طريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل (1) ………
(1) يعني: يتبرأ أهل السنة والجماعة من طريقة النواصب.
وهؤلاء على عكس الروافض، الذين يغلون في آل البيت حتي يخرجوهم عن طور البشرية إلي طور العصمة والولاية.
أما النواصب، فقابلوا البدعة، فلما رأوا الرافضة يغلون في آل البيت، قالوا: إذا، نبغض آل البيت ونسبهم، مقابلة لهؤلاء في الغلو في محبتهم والثناء عليهم، ودائماً يكون الوسط هو خير الأمور، ومقابلة البدعة ببدعة لا تزيد البدعة إلا قوة.
ويمسكون عما شجر بين الصحابة (1) ……………………………………
(1) يعني: عما وقع بينهم من النزاع.
فالصحابة رضي الله عنهم وقعت بينهم بعد مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه نزاعات، واشتد الأمر بعد مقتل عثمان، فوقع بينهم ما وقع، مما أدي إلي القتال.
وهذه القضايا مشهورة، وقد وقعت بلا شك عن تأويل واجتهاد كل منهم يظن أنه على حق، ولا يمكن أن نقول: إن عائشة والزبير بن العوام قاتلا علياً رضي الله عنهم أجمعين وهم يعتقدون أنهم على باطل، وأن عليا على حق.
واعتقادهم أنهم على حق لا يستلزم أن يكونوا قد أصابوا الحق.
ولكن إذا كانوا مخطئين، ونحن نعلم أنهم لن يقدموا على هذا الأمر إلا عن اجتهاد، فإنه ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه: " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب، فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ، فله أجر" [315]، فنقول: هم مخطئون مجتهدون، فلهم أجر واحد.
فهذا الذي حصل موقفنا نحن منه له جهتان: الجهة الأولي: الحكم على الفاعل. والجهة الثانية: موقفنا من الفاعل.
_ أما الحكم على الفاعل، فقد سبق، وأن ما ندين الله به أن ما جري بينهم، فهو صادر عن اجتهاد، والاجتهاد إذا وقع فيه الخطأ، فصاحبه معذور مغفور له.
وأما موقفنا من الفاعل، فالواجب علينا الإمساك عما شجر بينهم لماذا نتخذ من فعل هؤلاء مجالاً للسب والشتم والوقيعة فيهم والبغضاء بيننا، ونحن في فعلنا هذا إما آثمون وإما سالمون ولسنا غانمين أبدا.
فالواجب علينا تجاه هذه الأمور أن نسكت عما جري بين الصحابة وأن لا نطالع الأخبار أو التأريخ في هذه الأمور، إلا المراجعة للضرورة.
ويقولون : إن هذه الآثار المروية في مساويهم ؛ منها ما هو كذب ومنها ما قد زيد فيه ونقص عن وجهه الصريح، والصحيح منه هم فيه معذورون : إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون(1).................
(1)قسم المؤلف الآثار المروية في مساويهم ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما هو كذب محض لم يقع منهم، وهذا يوجد كثيراً فيما يرويه النواصب في آل البيت وما يرويه الروافض في غير آل البيت.
القسم الثاني: شيء له أصل، لكن زيد فيه ونقص وغير عن وجهه.
وهذان القسمان كلاهما يجب رده.
القسم الثالث: ما هو صحيح، فماذا نقول فيه؟ بينه المؤلف بقوله:
" والصحيح منه هم فيه معذورون: إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون " .
والمجتهد إن أصاب، فله أجران، وإن أخطأ،فله أجر واحد، لقول النبي صلي الله عليه وآلله وسلم : " إذا حكم الحاكم، فاجتهد، ثم أصاب، فله أجران، وإذا حكم، فاجتهد، ثم أخطأ فله أجر"[316].
فما جري بين معاوية وعلى رضي الله عنهما صادر عن اجتهاد وتأويل.
لكن لا شك أن عليا أقرب إلي الصواب فيه من معاوية، بل قد نكاد نجزم بصوابه، إلا إن معاوية كان مجتهداً.
*ويدل على أن عليا أقرب إلي الصواب أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "ويح عمارا تقتله الفئة الباغية"[317]، فكان الذي قتله أصحاب معاوية، وبهذا عرفنا أنها فئة باغية خارجة على الإمام، لكنهم متأولون، والصواب مع على إما قطعناً وإما ظناً.
وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره(1) ..................
(1)وهناك قسم رابع: وهو ما وقع منهم من سيئات حصلت لا عن اجتهاد ولا عن تأويل: فبينه المؤلف بقوله:
" وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره.
*لا يعتقدون ذلك، لقوله صلي الله عليه وسلم : " كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون"[318] .
ولكن العصمة في إجماعهم ؛ فلا يمكن أن يجمعوا على شيء من كبائر الذنوب وصغائرها فيستحلوها أو يفعلوها.
ولكن الواحد منهم قد يفعل شيئاً من الكبائر، كما حصل من مسطح بن أثاثه وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش في قصة الإفك[319]، ولكن هذا الذي حصل تطهروا منه بإقامة الحد عليهم.
بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة (1) ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر عنهم إن صدر (2)....................
يعني: كغيرهم من البشر، لكن يمتازون عن غيرهم بما قال المؤلف رحمه الله: " ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر".
هذا من الأسباب التي يمحو الله بها عنهم ما فعلوه من الصغائر أو الكبائر، وهو ما لهم من السوابق والفضائل التي لم يلحقهم فيها أحد، فهم نصروا النبي عليه الصلاة والسلام، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم، وبذلوا رقابهم لإعلاء كلمة الله، فهذه توجب مغفرة ما صدر منهم، ولو كان من أعظم الذنوب، إذا لم يصل إلى الكفر.
ومن ذلك قصة حاطب بن أبي بلتعة حين أرسل إلى قريش يخبرهم عن مسير النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، حتى أطلع الله نبيه على ذلك، فلم يصلهم الخبر، فاستأذن عمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يضرب عنق حاطب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنه شهد بدراً، وما يدريك ؟ لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: أعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم"[320].
حتى أنه يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم، لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم، وقد ثبت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنهم خير القرون، وأن المد من أحدهم إذا تصدق به، كان أفضل من جبل أحد ذهباً ممن بعدهم(1)، ثم إن كان قد صدر من أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه (2)، أو أتي بحسنات تمحوه (3) . أو غفر له بفضل سابقته(4)……………………………………….
(1)وذلك في قوله صلي الله عليه وسلم: " خبر الناس قرني "[321]، وفي قوله: " لا تسبوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه"[322].
يعني: وإذا تاب منه، ارتفع عنه وباله ومعرته، لقوله تعالى: ) والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً، ( إلي قوله: ( إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [ الفرقان: 68-70]، ومن تاب من الذنب كمن لا ذنب له ، فلا يؤثر عليه.
لقوله تعالي : ) إن الحسنات يذهبن السيئات ( [ هود: 114].
لقوله تعالي في الحديث القدسي في أهل بدر: " اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم " .
أو بشفاعة محمد صلي الله عليه وسلم الذين هم أحق الناس بشفاعته (1) أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه (2) فإذا كان هذا في الذنوب المحققة، فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين: إن أصابوا، فلهم أجران، وإن أخطأوا فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور(3). ثم إن القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغمور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم (4)...............
(1)وقد سبق أن النبي صلي الله عليه وسلم يشفع في أمته، والصحابة رضي الله عنهم أحق الناس في ذلك.
(2)فإن البلاء في الدنيا يكفر الله به السيئات، كما أخبر بذلك النبي صلي الله عليه وسلم في قوله: " ما من مسلم يصيبه أذي من مرض فما سواه، إلا حط الله به سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها"[323] صلي الله عليه وسلم، والأحاديث في هذا مشهورة كثيرة.
(3) سبق دليله، فتكون هذه من باب أولى آلا تكون سبباً للقدح فيهم والعيب.
*فهذه الأسباب التي ذكرها المؤلف ترفع القدح في الصحابة، وهي قسمان:
الأول: خاص بهم، وهو مالهم من السوابق والفضائل.
والثاني: عام، وهى التوبة، والحسنات الماحية، وشفاعة النبي صلي الله عليه وسلم ، والبلاء.
(4)القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل جداً نزر أقل القليل، ولهذا قال: " مغمور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم " .
*ولا شك أنه حصل من بعضهم سرقة وشرب خمر وقذف وزني بإحصان وزني بغير إحصان، لكن كل هذه الأشياء تكون مغمورة في جنب فضائل القوم ومحاسنهم، وبعضها أقيم فيه الحدود، فيكون كفارة.
من الإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيله، والهجرة، والنصرة، والعلم النافع، والعمل الصالح(1) ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة، وما من الله عليهم به من الفضائل، علم يقيناً أنهم خير الخلق بعد الأنبياء(2) ………………………….
(1)فكل هذه مناقب وفضائل معلومة مشهورة، تغمر كل ما جاء من مساوئ القوم المحققة، فكيف بالمساوئ غير المحققة أو التي كانوا فيها مجتهدين متأولين.
(2)هذا بالإضافة إلى ما ثبت عن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم من قوله: " خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم " أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما[324].
وعلي هذا تثبت خيرتهم على غيرهم من أتباع الأنبياء بالنص والنظر في أحوالهم.
فإذا نظرت بعلم وبصيرة وإنصاف في محاسن القوم وما أعطاهم الله من الفضائل، علمت يقيناً أنهم خير الخلق بعد الأنبياء، فهم خير من الحواريين أصحاب عيسي، خير من النقباء أصحاب موسى، وخير من الذين آمنوا من نوح ومع هود وغيرهم، لا يوجد أحد في أتباع الأنبياء أفضل من الصحابة رضي الله عنهم، والأمر في هذا ظاهر معلوم، لقوله تعالى:
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ )[ آل عمران: 110] ، وخيرنا الصحابة، ولأن النبي صلي الله عليه وسلم خير الخلق ، فأصحابه خير الأصحاب بلا شك .
هذا عند أهل السنة والجماعة ، أما عند الرافضة، فهم شر الخلق ، إلا من استثنوا منهم.
لا كان ولا يكون مثلهم (1) وأنهم هم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله تعالى (2)........................
(1)أي: ما وجد ولا يوجد مثلهم ، لقوله عليه الصلاة والسلام: " خير الناس قرني " فلا يوجد على الإطلاق مثلهم رضي الله عنهم لا سابقاً ولا لاحقاً.
(2)أما كون هذه الأمة خير الأمم، فلقوله تعالى: ) كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ( [ ال عمران: 110] وقوله: ) وكذلك جلعناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ( [ البقرة: 143]، ولأن النبي صلي الله عليه وسلم خير الرسل، فلا جرم أن تكون أمته خير الأمم.
وأما كون الصحابة صفوة قرون الأمة، فلقوله صلي الله عليه وسلم: " خير الناس قرني"[325]، وفي لفظ : " خير أمتي قرني " [326]،والمراد بقرنه: الصحابة، وبالذين يلونهم: التابعون، وبالذين يلونهم: تابعوا التابعين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " والاعتبار بالقرون الثلاثة بجمهور أهل القرن، وهم وسطه، وجمهور الصحابة انقرضوا بانقراض خلافة الخلفاء الأربعة، حتى إنه لم يكن بقي من أهل بدر إلا نفر قليل، وجمهور التابعين بإحسان انقرضوا في أواخر عصر أصاغر الصحابة في إمارة ابن الزبير وعبد الملك وجمهور تابعي التابعين في أواخر الدولة الأموية وأوائل الدولة العباسية" أ هـ.
وكان أخر الصحابة موتاً أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي سنة مائة من الهجرة، وقيل: مئة وعشر.
قال الحافظ ابن حجر في " الفتح "[327] " واتفقوا على أن أخر من كان من أتباع التابعين ممن يقبل قوله من عاش إلي حدود العشرين ومائتين".



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 15 Mar 2010, 05:35 AM   #67
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


فصل
في كرامة الأولياء
ومن أصول أهل السنة والجماعة: التصديق بكرامات الأولياء (1) …………..
(1) كرامات الأولياء مسألة هامة ينبغي أن يعرف الحق فيها من الباطل، هل هي حقيقة ثابتة، أو هي من باب التخيلات؟
فبين المؤلف رحمه الله قول أهل السنة فيها بقوله:
" ومن أصول أهل السنة والجماعة : التصديق بكرامات الأولياء".
فمن هم الأولياء؟
والجواب: أن الله بينهم بقوله: ) )أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) (يونس:62-63)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " من كان مؤمناً تقياً، كان لله ولياً " .
ليست الولاية بالدعوى والتمني، الولاية إنما هي بالإيمان والتقوى، فلو رأينا رجلاً يقول: إنه ولي ولكنه غير متق لله تعالي، فقوله مردود عليه.
أما الكرامات، فهي جمع كرامة، والكرامة أمر خارق للعادة، يجريه الله تعالى علي يد ولي، تأييداً له، أو إعانة، أو تثبيتاً، أو نصراً للدين.
فالرجل الذي أحيا الله تعالي له فرسه، وهو صلة بن أشيم، بعد أن ماتت، حتى وصل إلي أهله، فلما وصل إلي أهله ، قال لابنه : ألق السرج عن الفرس، فإنها عربة! فلما ألقي السرج عنها، سقطت ميتة. فهذه كرامة لهذا الرجل إعانة له.
أما التي لنصرة الإسلام، فمثل الذي جرى للعلاء بن الحضرمي رضي الله عنه في عبور ماء البحر، وكما جري لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في عبور نهر دجلة، قصتها مشهورة في التاريخ.
فالكرامة أمر خارق للعادة.
أما ما كان على وفق العادة، فليس بكرامة.
وهذا الأمر إنما يجريه الله علي يد ولي، احترازاً من أمور السحر والشعوذة، فإنها أمور خارقة للعادة، لكنها تجري على يد غير أولياء الله، بل على يد أعداء الله، فلا تكون هذه كرامة.
وقد كثرت هذه الكرامات التي تدعي أنها كرامات في هؤلاء المشعوذين الذين يصدون عن سبيل الله ، فالواجب الحذر منهم ومن تلاعبهم بعقول الناس وأفكارهم.
فالكرامة ثابتة بالقرآن والسنة، والواقع سابقاً ولاحقاً.
فمن الكرامات الثابتة بالقرآن والسنة لمن سبق قصة أصحاب الكهف، الذين عاشوا في قوم مشركين، وهم قد آمنوا بالله، وخافوا أن يغلبوا على آمرهم، فخرجوا من القرية مهاجرين إلى الله عز وجل، فيسر الله لهم غاراً في جبل، وجه هذا الغار إلى الشمال، فلا تدخل الشمس عليهم فتفسد أبدانهم ولا يحرمون منها، إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين، وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال، وهم في فجوه منه، وبقوا في هذا الكهف ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً، وهم نائمون، يقلبهم الله ذات اليمن وذات الشمال، في الصيف وفي الشتاء، لم يزعجهم الحر، ولم يؤلمهم البرد، ما جاعوا وما عطشوا وما ملوا من النوم. فهذه كرامة بلا شك، بقوا هكذا حتى بعثهم الله وقد زال الشرك عن هذه القرية، فسلموا منه.
ومن ذلك قصة مريم رضي الله عنها، أكرمها الله حيث جاءها المخاض إلى جذع النخلة، وأمرها الله أن تهز بجذعها لتتساقط عليها رطباً جنياً.
ومن ذلك قصة الرجل الذي أماته الله مائة عام ثم بعثة، كرامة له، ليتبين له قدرة الله تعالى، ويزداد ثباتاً في إيمانه.
أما في السنة ، فالكرامات كثيرة، وراجع ( كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بن إسرائيل) في " صحيح البخاري"، وكتاب " الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان " لشيخ الإسلام ابن تيمية.
وأما شهادة الواقع بثبوت الكرامات، فظاهر، يعلم به المرء في عصره، إما بالمشاهدة، وإما بالأخبار الصادقة.
فمذهب أهل السنة والجماعة التصديق بكرامات الأولياء.
وهناك مذهب مخالف لمذهب أهل السنة، وهو مذهب المعتزلة ومن تبعهم، حيث إنهم ينكرون الكرامات، ويقولون: إنك لو أثبت الكرامات، لا شتبه الساحر بالولي والولي بالنبي، لأن كل واحد منهم يأتي بخارق.
فيقال: لا يمكن الالتباس، لأن الكرامة على يد ولي، والولي لا يمكن أن يدعي النبوة، ولو ادعاها، لم يكن ولياً. آية النبي تكون على يد نبي، والشعوذة والسحر على يد عدو بعيد من ولاية الله، وتكون بفعله باستعانته بالشياطين، فينالها بكسبه، بخلاف الكرامة، فهي من الله تعالى، لا يطلبها الولى يكسبه.
قال العلماء: كل كرامة لولي، فهي آية للنبي الذي اتبعه، لأن الكرامة شهادة من الله عز وجل أن طريق هذا الولي طريق صحيح.
وعلي هذا، ما جري من الكرامات للأولياء من هذه الأمة فإنها آيات لرسول الله صلي الله عليه وسلم .
*ولهذا قال بعض العلماء: ما من آية لنبي من الأنبياء السابقين، إلا ولرسول الله صلي الله عليه وسلم مثلها.
فأورد عليهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يلق في النار فيخرج حياً، كما حصل ذلك لإبراهيم.
فأجيب بأنه جرى ذلك لأتباع الرسول عليه الصلاة والسلام، كما ذكره المؤرخون عن أبي مسلم الخولاني، وإذا أكرم أتباع الرسول عليه الصلاة والسلام بجنس هذا لأمر الخارق للعادة، دل ذلك على أن دين النبي صلى الله عليه وسلم حق ، لأنه مؤيد بجنس هذه الآية التي حصلت لإبراهيم.
وأورد عليهم أن البحر لم يفلق للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد فلق لموسى!
فأجيب بأنه حصل لهذه الأمة فيما يتعلق في البحر شىء أعظم مما حصل لموسى، وهو المشي على الماء، كما في قصة العلاء بن الحضرمي، حيث مشوا على ظهر الماء، وهذا أعظم مما حصل لموسى، مشى على أرض يابسة.
وأورد عليهم أن من آيات عيسي إحياء الموتى، ولم يقع ذلك لرسول الله صلي الله عليه وسلم.
فأجيب بأنه حصل وقع لأتباع الرسول عليه الصلاة والسلام، كما في قصة الرجل الذي مات حماره في أثناء الطريق، فدعا الله تعالى أن يحييه، فأحياه الله تعالى.
وأورد عليهم إبراء الأكمة والأبرص.
فأجيب بأنه حصل من النبي صلي الله عليه وسلم أن قتادة بن النعمان لما جرح في أحد، ندرت عينه حتى صارت على خده، فجاء النبي صلي الله عليه وسلم، فأخذها بيده، ووضعها في مكانها، فصارت أحسن عينيه. فهذه من أعظم الآيات.
فالآيات التي كانت للأنبياء السابقين كان من جنسها للنبي صلى الله عليه وسلم أو لأمته، ومن أراد المزيد من ذلك، فليرجع إلى كتاب " البداية والنهاية في التاريخ" لابن كثير.
تنبيه:
الكرامات، قلنا: إنها تكون تأييدا أو تثبيتاً أو إعانة للشخص أو نصراً للحق، ولهذا كانت الكرامات في التابعين أكثر منها في الصحابة، لأن الصحابة عندهم من التثبيت والتأييد والنصر ما يستغنون به عن الكرامات فإن الرسول صلي الله عليه وسلم كان بين أظهرهم، وأما التابعون، فإنهم دون ذلك، ولذلك كثرت الكرامات في زمنهم تأييداً لهم وتثبيتاً ونصراً للحق الذي هم عليه.
وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات (1) …………………..
(1)" خوارق ": جمع خارق.
و " العادات ": جمع عادة.
والمراد بـ " خوارق العادات" : ما يأتي على خلاف العادة الكونية.
وهذه الكرامات لها أربع دلالات:
أولاً: بيان كمال قدره الله عز وجل، حيث حصل هذا الخارق للعادة بأمر الله.
ثانياً: تكذيب القائلين بأن الطبيعة هي التي تفعل، لأنه لو كانت الطبيعة هي التي تفعل، لكانت الطبيعة على نسق واحد لا يتغير، فإذا تغيرت العادات والطبيعة، دل على أن للكون مدبراً وخالقاً.
ثالثا: أنها آية للنبي المتبوع كما أسلفنا قريباً.
رابعاً: أن فيها تثبيتاً وكرامة لهذا الولي.
في أنواع العلوم والمكاشفات، وأنواع القدرة والتأثيرات (1)...............................
(1)يعني : أن الكرامة تنقسم إلي قسمين : قسم يتعلق بالعلوم والمكاشفات، وقسم آخر يتعلق بالقدرة والتأثيرت.
- أما العلوم، فأن يحصل للإنسان من العلوم ما لا يحصل لغيره.
- وأما المكاشفات، فأن يظهر له من الأشياء التي يكشف له عنها ما لا يحصل لغيره.
مثال الأول العلوم : ما ذكر عن أبي بكر: أن الله أطلعه على ما في بطن زوجته الحمل، أعلمه الله أنه أنثي[328].
ومثال الثاني- المكاشفات - : ما حصل لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث كان يخطب الناس يوم الجمعة على المنبر، فسمعوه يقول: يا سارية ! الجبل ! فتعجبوا من هذا الكلام، ثم سألوه عن ذلك ؟
فقال : إنه كشف له عن سارية بن زنيم وهو أحد قواده في العراق ، وأنه محصور من عدوه، فوجهه إلي الجبل، وقال له: يا سارية ! الجبل! فسمع سارية صوت عمر، وانحاز إلى الجبل، وتحصن به[329]
هذه من أمور المكاشفات، لأنه أمر واقع، لكنه بعيد.
أما القدرة والتأثيرات، فمثل ما وقع لمريم من هزما لجذع النخل وتساقط الرطب عليها، ومثل ما وقع للذي عنده علم من الكتاب، حيث قال لسليمان: أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك.
كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها، وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر قرون الأمة (1) وهي موجودة فيها إلي يوم القيامة (2)……………
(1)الكرامات موجودة فيما سبق من الأمم، ومنها قصة أصحاب الغار الذين انطبقت عليهم الصخرة[330]، وموجودة في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم، كقصة أسيد بن حضير [331]، وتكثير الطعام عند بعض الصحابة[332]، وموجودة في التابعين، مثل قصة صلة بن أشيم الذي أحيا الله له فرسه.
يقول شيخ الإسلام في كتاب " الفرقان " : " وهذا باب واسع، قد بسط الكلام على كرامات الأولياء في غير هذا الموضع، وأما ما نعرفه نحن عياناً ونعرفه في هذا الزمان، فكثير".
الدليل على أنها موجودة إلي يوم القيامة: سمعي وعقلي:
أما السمعي، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر في قصة الدجال أنه يدعو رجلاً من الناس من الشباب، يأتي، ويقول له: كذبت ! إنما أنت المسيح الدجال الذي أخبرنا عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأتي الدجال، فيقتله قطعتين، فيجعل واحدة هنا وواحدة هنا رمية الغرض ( يعني: بعيد ما بينهما) ، ويمشي بينهما، ثم يدعوه، فيقوم يتهلل، ثم يدعوه ليقر له بالعبودية، فيقول الرجل: ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم ! فيريد الدجال أن يقتله، فلا يسلط عليه[333].
فهذه أي: عدم تمكن الدجال من قتل ذلك الشاب من الكرامات بلا شك.
وأما العقلي، فيقال: ما دام سبب الكرامة هي الولاية، فالولاية لا تزال موجودة إلي قيام الساعة(2).



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 15 Mar 2010, 05:36 AM   #68
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


فصل
في طريقة أهل السنة العملية
ثم من طريقة أهل السنة والجماعة اتباع آثار الرسول صلى الله عليه وسلم(1)………….
(1) لما فرغ المؤلف مما يريد ذكره من طريقة أهل السنة العقدية، شرع في ذكر طريقتهم العملية.
*قوله: " اتباع الآثار" : لا اتباع إلا بعلم ، إذاً، فهم حريصون على طلب العلم، ليعرفوا آثار الرسول صلي الله عليه وسلم ثم يتبعونها فهم يتبعون آثار الرسول صلي الله عليه وسلم في العقيدة والعبادة والأخلاق والدعوة إلي الله تعالي، يدعون عباد الله إلي شريعة الله في كل مناسبة، وكلما اقتضت الحكمة أن يدعوا إلي الله، دعوا إلي الله، ولكنهم لا يخبطون خبط عشواء، وإنما يدعون بالحكمة، يتبعون آثار الرسول عليه الصلاة والسلام في الأخلاق الحميدة في معاملة الناس باللطف واللين، وتنزيل كل إنسان منزلته، يتبعونه أيضاً في أخلاقه مع أهله، فتجدهم يحرصون على أن يكونوا أحسن الناس لأهليهم، لأن النبي صلي الله عليه وسلم يقول: " خيركم لأهله، وأنا خيرك لأهلي "[334].
ونحن لا نستطيع أن نحصر آثار الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكن نقول على سبيل الإجمال في العقيدة والعبادة والخلق والدعوة: في العبادة لا يتشددون ولا يتهاونون ويتبعون ما هو أفضل.
وربما يشتغلون عن العبادة بمعاملة الخلق للمصلحة، كما كان الرسول يأتيه الوفود يشغلونه عن الصلاة، فيقضيها فيما بعد.
باطناً وظاهراً (1) ……………………………………………
(1)قوله: " باطناً وظاهراً " : الظهور والبطون أمر نسبي: ظاهراً فيما يظهر للناس ، وباطناً فيما يسرونه بأنفسهم. ظاهراً في الأعمال الظاهرة، وباطناً في أعمال القلوب………
فمثلاً، التوكل والخوف والرجاء والإنابة والمحبة وما أشبه ذلك، هذه من أعمال القلوب، يقومون بها على الوجه المطلوب، والصلاة فيها القيام والقعود والركوع والسجود والصدقة والحج، والصيام، وهذه من أعمال الجوارح، فهي ظاهرة.
ثم أعلم أن آثار الرسول صلى الله عليه وسلم تنقسم إلى ثلاثة أقسام أو أكثر:
أولاً: ما فعله على سبيل التعبد، فهذا لا شك أننا مأمورون باتباعه، لقوله تعالي: ( لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ )[ الأحزاب: 21]، فكل شئ لا يظهر فيه أنه فعله تأثراً بعادة أو بمقتضى جبلة وفطرة أو حصل اتفاقاً، فإنه علي سبيل التعبد، ونحن مأمورون به.
ثانياً : ما فعله اتفاقاً ، فهذا لا يشرع لنا التأسي فيه، لأنه غير مقصود ، كما لو قال قائل : ينبغي أن يكون قدومنا إلي مكة في الحج في اليوم الرابع من ذي الحجة ! لأن الرسول صلي الله عليه وسلم قدم مكة في اليوم الرابع من ذي الحجة[335].
فنقول: هذا غير مشروع، لأن قدومه صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم وقع اتقاقاً.
ولو قائل قال: ينبغي إذا دفعنا من عرفة ووصلنا إلي الشعب الذي نزل فيه صلى الله عليه وسلم وبال أن ننزل ونبول ونتوضاً وضوءاً خفيفاً كما فعل النبي صلي الله عليه وسلم ! فنقول: هذا لا يشرع.
وكذلك غيرها من الأمور التي وقعت اتفاقاً، فإنه لا يشرع التأسي فيه بذلك ، لأنه صلي الله عليه وسلم فعله لا على سبيل القصد للتعبد، والتأسي به تعبد.
ثالثاً: ما فعله بمقتضى العادة، فهل يشرع لنا التأسي به؟
الجواب: نعم، ينبغي لنا أن نتأسى به، لكن بجنسه لا بنوعه.
وهذه المسألة قل من يتفطن لها من الناس، يظنون أن التأسي به فيما هو علي سبيل العادة بالنوع، ثم ينفون التأسي به في ذلك.
ونحن نقول: نتأسى به، لكن باعتبار الجنس، بمعني أن نفعل ما تقتضيه العادة التي كان عليها الناس، إلا أن يمنع ذلك مانع شرعي.
رابعاً: ما فعله بمقتضى الجبلة، فهذا ليس من العبادات قطعاً، لكن قد يكون عبادة من وجه، بأن يكون فعله على صفة معينة عبادة: كالنوم ، فإنه بمقتضى الجبلة، لكن يسن أن يكون على اليمين، والأكل والشرب جبلة وطبيعة، ولكن قد يكون عبادة من جهة أخرى، إذا قصد به الإنسان امتثال أمر الله والتنعم بنعمه والقوة على عبادته وحفظ البدن، ثم إن صفته أيضاً تكون عبادة كالأكل باليمين، والبسملة عند البداية، والحمد لله عند الانتهاء.
وهنا نسأل: هل اتخاذ الشعر عادة أو عبادة؟
يرى بعض العلماء أنه عبادة، وأنه يسن للإنسان اتخاذ الشعر.
ويرى آخرون أن هذا من الأمور العادية، بدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم للذي رآه قد حلق بعض رأسه وترك بعضه، فنهاهم عن ذلك، وقال: " احلقوا كله أو ذروا كله " [336]، وهذا يدل على أن اتخاذ الشعر ليس بعبادة، وإلا، لقال: أبقه، ولا تحلق منه شيئاً!
وهذه المسألة ينبغي التثبت فيها، ولا يحكم على شيء بأنه عبادة، إلا بدليل، لأن الأصل في العبادات المنع، إلا ما قام الدليل على مشروعيته.
وأتباع (1) سبيل السابقين (2) الأولين (3) من المهاجرين(4) والأنصار(5) ………
(1)أي: ومن طريقة أهل السنة اتباع الخ، فهي معطوفة على " اتباع الآثار".
(2)يعني: إلي الأعمال الصالحة.
(3)يعني: من هذه الأمة.
(4)المهاجرون: من هاجروا إلي المدينة.
(5)الأنصار: أهل المدينة في عهد النبي صلي الله عليه وسلم.
*وإنما كان اتباع سبيلهم من منهج أهل السنة والجماعة، لأنهم أقرب إلي الصواب والحق ممن بعدهم، وكلما بعد الناس عن عهد النبوة، بعدوا من الحق، وكلما قرب الناس من عهد النبوة، قربوا من الحق، وكلما كان الإنسان أحرص على معرفة سيرة النبي صلي الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، كان أقرب إلي الحق.
ولهذا تري اختلاف الأمة بعد زمن الصحابة والتابعين أكثر انتشاراً وأشمل لجميع الأمور، لكن الخلاف في عهدهم كان محصوراً.
فمن طريقة أهل السنة والجماعة أن ينظروا في سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، فيتبعوها، لأن اتباعها يؤدى إلى محبتهم، مع كونهم أقرب إلى الصواب والحق، خلافاً لمن زهد في هذه الطريقة، وصار يقول: هم رجال ونحن رجال ! لا يبالي بخلافهم!! وكأن قول أبي بكر وعمر وعثمان وعلي كقول فلان وفلان من أواخر هذه الأمة !! وهذا خطأ وضلال، فالصحابة أقرب إلي الصواب، وقولهم مقدم على قول غيرهم من أجل ما عندهم من الإيمان والعلم، وما عندهم من الفهم السليم والتقوى والأمانة، وما لهم من صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم.
واتباع(1) وصية (2) رسول الله صلي الله عليه وسلم حيث قال: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ(3) ……
(1)" اتباع " : معطوف على " اتباع الآثار ".
(2)" الوصية " العهد إلي غيره بأمر هام.
(3)معنى: " عليكم بسنتي " إلخ: الحث على التمسك بها، وأكد هذا بقوله: " وعضوا عليها بالنواجذ " ، وهي أقصي الأضراس، مبالغة في التمسك بها.
والسنة: هي الطريقة ظاهراً وباطناً.
والخلفاء الراشدين: هم الذين خلفوا النبى صلي الله عليه وسلم في أمته علماً وعملاً ودعوة.
وأول من يدخل في هذا الوصف وأولى من يدخل فيه: الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي.
ثم يأتي رجل في هذا العصر، ليس عنده من العلم شيء، ويقول: أذان الجمعة الأول بدعة، لأنه ليس معروفاً على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ويجب أن نقتصر على الأذان الثاني فقط !
فنقول له: إن سنة عثمان رضي الله عنه سنة متبعة إذا لم تخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقم أحد من الصحابة الذين هم أعلم منك وأغير على دين الله بمعارضته، وهو من الخلفاء الراشدين المهديين، الذين أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم باتباعهم.
ثم إن عثمان رضي الله عنه أعتمد على أصل، وهو أن بلالاً يؤذن قبل الفجر في عهد النبي صلي الله عليه وسلم، لا لصلاة الفجر، ولكن ليرجع القائم ويوقظ النائم، كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر عثمان بالأذان الأول يوم الجمعة [337] لا لحضور الإمام، ولكن لحضور الناس، لأن المدينة كبرت واتسعت واحتاج الناس أن يعلموا بقرب الجمعة قبل حضور الإمام، من أجل أن يكون حضورهم قبل حضور الإمام.
فأهل السنة والجماعة يتبعون ما أوصى به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الحث علي التمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده وعلى رأسهم الخلفاء الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، إلا إذا خالف كلام رسول الله صلي الله عليه وسلم مخالفة صريحة ؛ فالواجب علينا أن نأخذ بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعتذر عن هذا الصحابي، ونقول: هذا من باب الاجتهاد المعذور فيه.
وإياكم (1) ومحدثات الأمور (2) ……………………………………….
(1)إياكم للتحذير، أي : أحذركم.
(2) " والأمور ": بمعنى : الشؤون، والمراد بها أمور الدين، أما أمور الدنيا، فلا تدخل في هذا الحديث، لأن الأصل في أمور الدنيا الحل، فما
ابتدع منها، فهو حلال، إلا أن يدل الدليل على تحريمه. لكن أمور الدين الأصل فيها الحظر، فما ابتدع منها، فهو حرام بدعة، إلا بدليل من الكتاب والسنة على مشروعيته.
فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة " (1) …………………………
(1)قال النبي عليه الصلاة السلام: " فإن كل بدعة ضلالة "[338]: الجملة مفرعة على الجملة التحذيرية، فيكون المراد بها هنا توكيد التحذير وبيان حكم البدعة.
هذا كلام عام مسور بأقوى لفظ دال على العموم، وهو لفظ ( كل ) ، فهو تعميم محكم صدر من الرسول صلي الله عليه وسلم، والرسول عليه الصلاة والسلام أعلم الخلق بشريعة الله، وأنصح الخلق لعباد الله، وأفصح الخلق بياناً، وأصدقهم خبراً، فاجتمعت في حقه أربعة أمور: علم ونصح وفصاحة وصدق، نطق بقوله: " كل بدعة ضلالة " .
فعلي هذا: كل من تعبد لله بعقيدة أو قول أو فعل لم يكن من شريعة الله، فهو مبتدع.
فالجهمية يتعبدون بعقيدتهم، ويعتقدون أنهم منزهون لله، والمعتزلة كذلك. والأشاعرة يتعبدون بما هم عليه من عقيدة باطلة.
والذين أحدثوا أذكاراً معينة يتعبدون لله بذلك، ويعتقدون أنهم مأجورون على هذا.
والذين أحدثوا أفعالاً يتعبدون لله بها ويعتقدون أنهم مأجورون على هذا.
كل هذه الأصناف الثلاثة الذين ابتدعوا في العقيدة أو في الأقوال أو في الأفعال، كل بدعة من بدعهم، فهي ضلالة، ووصفها الرسول عليه الصلاة والسلام بالضلالة، لأنها مركب، ولأنها أنحراف عن الحق.
والبدعة تستلزم محاذير فاسدة:
فأولاً: تستلزم تكذيب قول الله تعالي: ) اليوم أكملت لكم دينكم ( [ المائدة:3]، لأنه إذا جاء ببدعة جديدة يعتبرها ديناً، فمقتضاه أن الدين لم يكمل.
ثانياً: تستلزم القدح في الشريعة، وأنها ناقصة، فأكملها هذا المبتدع.
ثالثاً : تستلزم القدح في المسلمين الذين لم يأتوا بها، فكل من سبق هذه البدع من الناس دينهم ناقص! وهذا خطير !!
رابعاً:من لوازم هذه البدعة أن الغالب أن من اشتغل ببدعة، انشغل عن سنة، كما قال بعض السلف: " ما أحدث قوم بدعة، إلا هدموا مثلها من السنة".
خامساً: أن هذه البدع توجب تفرق الأمة، لأن هؤلاء المبتدعة يعتقدون أنهم أصحاب الحق، ومن سواهم علي ضلال!! وأهل الحق يقولون: أنتم الذين على ضلال ! فتتفرق قلوبهم.
فهذه مفاسد عظيمة، كلها تترتب علي البدعة من حيث هي بدعة، مع أنه يتصل بهذه البدعة سفه في العقل وخلل في الدين.
وبهذا نعرف أن من قسم البدعة إلي ثلاثة أقسام أو خمسة أو ستة، فقد أخطأ، وخطؤه من أحد وجهين:
-إما أن لا ينطبق شرعاً وصف البدعة على ما سماه بدعة.
- وإما أن لا يكون حسناً كما زعم.
فالنبي صلي الله عليه وسلم قال: " كل بدعة ضلالة" ، فقال: " كل "، فما الذي يخرجنا من هذا السور العظيم حتي نقسم البدع إلي أقسام؟
*فإن قلت: ما تقول في قول أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه حين خرج إلى الناس وهم يصلون بإمامهم في رمضان، فقال: نعمت البدعة هذه[339]. فأثني عليها، وسماها بدعة؟ !
فالجواب أن نقول: ننظر إلي هذه البدعة التي ذكرها، هل ينطبق عليها وصف البدعة الشرعية أو لا.
فإذا نظرنا لم يخرج وجدنا أنه لا ينطبق عليها وصف البدعة الشرعية، فقد ثبت أن النبي صلي الله عليه وسلم صلي بأصحابه في رمضان ثلاث ليال، ثم تركه خوفاً من أن تفرض عليهم [340]، فثبت أصل المشروعية، وانتفي أن تكن بدعة شرعية، ولا يمكن أن نقول: إنها بدعة، والرسول صلي الله عليه وسلم قد صلاها.
وإنما سماها عمر رضي الله عنه بدعة، لأن الناس تركوها، وصاروا لا يصلون جماعة بإمام واحد، بل أوزاعاً، الرجل وحده والرجلان والثلاثة والرهط، فلما جمعهم علي إمام واحد، صار اجتماعهم بدعة بالنسبة لما كانوا عليه أولاً من هذا التفرق.
فإنه خرج رضي الله عنه ذات ليلة، فقال: لو أني جمعت الناس على إمام واحد، لكان أحسن، فأمر أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدي عشرة ركعة، فقاما للناس بإحدي عشرة ركعة، فخرج ذات ليلة والناس يصلون بإمامهم، فقال: نعمت البدعة هذه.
إذاً، هي بدعة نسبية، باعتبار أنها تركت ثم أنشئت مرة أخري.
فهذا وجه تسميتها ببدعة.
وأما أنها بدعة شرعية، ويثني عليها عمر، فكلاً.
وبهذا نعرف أن كلام رسول الله صلي الله عليه وسلم لا يعارضه كلام عمر رضي الله عنه.
*فإن قلت: كيف تجمع بين هذا وبين قول الرسول صلي الله عليه وسلم: " من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها إلي يوم القيامة "[341]، فأثبت أن الإنسان يسن سنة حسنة في الإسلام؟
فنقول: كلام الرسول صلي الله عليه وسلم يصدق بعضه بعضاً، ولا يتناقض، فيريد بالسنة الحسنة السنة المشروعة، ويكون المراد بسنها المبادرة إلى فعلها.
يعرف هذا ببيان سبب الحديث، وهو أن النبي صلي الله عليه وسلم قاله حين جاء أحد الأنصار بصرة ( يعني: من الدراهم)، ووضعها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم حين دعا أصحابه أن يتبرعوا للرهط الذين قدموا من مضر مجتابي النمار، وهم من كبار العرب، فتمعر وجه النبي صلي الله عليه وسلم لما رأي من حالهم، فدعا إلي التبرع لهم، فجاء هذا الرجل أول ما جاء بهذه الصرة، فقال : " من سن في الإسلام سنة حسنة ، فله أجرها وأجر من عمل بها إلي يوم القيامة " .
أو يقال: المراد بالسنة الحسنة ما أحدث ليكون وسيلة إلي ما ثبتت مشروعيته، كتصنيف الكتب وبناء المدارس ونحو ذلك.
وبهذا نعرف أن كلام الرسول صلي الله عليه وسلم لا يناقض بعضه بعضاً، بل هو متفق، لأنه عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى.


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 15 Mar 2010, 05:37 AM   #69
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


ويعلمون أن أصدق الكلام كلام الله (1) ………………………………
(1)هذا علمنا واعتقادنا، وأن ليس في كلام الله من كذب، بل هو أصدق الكلام، فإذا أخبر الله عن شيء بأنه كائن، فهو كائن، وإذا أخبر عن شيء بأنه سيكون، فإنه سيكون، وإذا أخبر عن شيء بأن صفته كذا وكذا، فإن صفته كذا وكذا، فلا يمكن أن يتغير الأمر عما أخبر الله به، ومن ظن التغير، فإنما ظنه خطأ، لقصوره أو تقصيره.
مثال ذلك لو قال قائل: إن الله عز وجل أخبر أن الأرض قد سطحت، قال: (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) (الغاشية:20)، ونحن نشاهد أن الأرض مكورة، فكيف يكون خبره خلاف الواقع؟
فجوابه أن الآية لا تخالف الواقع، ولكن فهمه خاطئ إما لقصوره أو تقصيره، فالأرض مكورة مسطحة، وذلك لأنها مستديرة، ولكن لكبر حجمها لا تظهر استدارتها إلا في مساحة واسعة تكون بها مسطحة، وحينئذ يكون الخطأ في فهمه، حيث ظن أن كونها قد سطحت مخالف لكونها كروية.
فإذا كنا نؤمن أن أصدق الكلام كلام الله، ، فلازم ذلك أنه يجب علينا أن نصدق بكل ما أخبر به كتابه، سواء كان ذلك عن نفسه أو عن مخلوقاته.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم (1) ………………………
(1)" الهدي " : هو الطريق التي كان عليها السالك.
والطرق شتي، لكن خيرها طريق النبي صلى الله عليه وسلم، فنحن نعلم ذلك ونؤمن به، نعلم أن خير الهدي هدي محمد صلي الله عليه وسلم في العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات، وأن هدي محمد صلى الله عليه وسلم ليس بقاصر، لا في حسنه وتمامه وانتظامه موافقته لمصالح الخلق، ولا في أحكام الحوداث التي لم تزل ولا تزال تقع إلي يوم القيامة، فإن هدي محمد صلي الله عليه وسلم كامل تام، فهو خير الهدي، أهدي من شريعة التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وجميع الهدي.
فإذا كنا نعتقد ذلك، فو الله ، لا نبغي به دليلاً.
وبناء على هذه العقيدة لا نعارض قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول أحد من الناس، كائناً من كان، حتى لو جاءنا قول لأبي بكر، وهو خير الأمة، وقول لرسول الله صلي الله عليه وسلم ، أخذنا بقول رسول الله صلي الله عليه وسلم.
وأهل السنة والجماعة بنوا هذا الاعتقاد على الكتاب والسنة.
قال الله تعالي: ) ومن أصدق من الله حديثاً ( [ النساء: 87].
وقال النبي صلي الله عليه وسلم وهو يخطب الناس على المنبر: " خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلي الله عليه وسلم " [342]
ولهذا تجد الذين اختلفوا في الهدي وخالفوا فيه: إما مقصرين عن شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإما غالين فيها، بين متشددين وبين متهاونين، بين مفرط ومفّرط، وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم يكون بين هذا وهذا.
ويؤثرون (1) كلام الله على كلام غيره غيره من كلام أصناف الناس(2) ويقدمون هدي محمد صلى الله عليه وسلم(3) على هدي كل أحد(4)........................
(1)أي: يقدمون.
(2)أي يقدمون كلام الله على كلام غيره من سائر أصناف الناس في الخبر والحكم، فأخبار الله عندهم مقدمة على خبر كل أحد.
*فإذا جاءتنا أخبار عن أمم مضت وصار القرآن يكذبها، فإننا نكذبها.
مثال ذلك: اشتهر عند كثير من المؤرخين أن إدريس قبل نوح، وهذا كذب، لأن القرآن يكذبه، كما قال تعالى: )إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ [ النساء: 163]، وإدريس من النبيين، كما قال الله تعالي: ) واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقاً نبياً ( [مريم: 56] إلي أن قال: ) أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ( [ مريم: 58]، وقال تعالي: ) ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب( [ الحديد: 26] فلا نبي قبل نوح إلا آدم فقط.
أي: طريقته وسنته التي عليها.
في العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات والأحوال وفي كل شيء، لقوله تعالي: )وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ)( الأنعام: 153]، وقوله: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران:31)
ولهذا(1) سموا أهل الكتاب والسنة (2) وسموا أهل الجماعة لأن الجماعة في الاجتماع وضدها الفرقة (3) وإن كان لفظ الجماعة قد صار أسماً لنفس القوم المجتمعين(4)..
(1)قوله: " ولهذا " : اللام في قول: " ولهذا " للتعليل، أي: ومن أجل إيثارهم كلام الله وتقديم هدي رسول الله صلي الله عليه وسلم .
(2)لتصديقهما والتزامهما وإيثارهما على غيرهما. ومن خالف الكتاب والسنة، وادعي أنه من أهل الكتاب والسنة، فهو كاذب، لأن من كان من أهل شيء لابد أن يلزمه ويلتزم به.
(3)الجماعة اسم مصدر يجتمع اجتماعاً وجماعة، فالجماعة هي الاجتماع، فمعني أهل الجماعة أهل الاجتماع، لأنهم مجتمعون على السنة، متالفون فيها، لا يضلل بعضهم بعضاً، ولا يبدع بعضهم بعضاً، بخلاف أهل البدع.
(4)هذا استعمال ثان، حيث صار لفظ ( الجماعة ) عرفاً: اسماً للقوم المجتمعين.
*وعلى ما قرره المؤلف تكون ( الجماعة ) في قولنا: " أهل السنة والجماعة " : معطوفة على ( السنة )، ولهذا عبر المؤلف بقوله: " سموا أهل الجماعة" ، ولم يقل: سموا جماعة، فكيف يكونون أهل الجماعة وهم جماعة؟ ‍
نقول: الجماعة في الأصل: الاجتماع، فأهل الجماعة، يعني: أهل الاجتماع، لكن نقل اسم الجماعة إلي القوم المجتمعين نقلاً عرفياً.
والإجماع هو الأصل الثالث الذي يعتمد عليه في العلم والدين (1) …………
(1) يعني به الدليل الثالث، لأن الأدلة أصول الأحكام، حيث تبنى عليها.
*والأصل الأول: هو الكتاب، والثاني: السنة، والإجماع هو: الأصل الثالث، ولهذا يسمون: أهل الكتاب والسنة والجماعة.
فهذه ثلاثة أصول يعتمد عليها في العلم والدين، وهي: الكتاب، والسنة، والإجماع.
أما الكتاب والسنة، فأصلان ذاتيان، وأما الإجماع، فأصل مبني على غيره، إذ لا إجماع إلا بكتاب أو سنة.
أما كون الكتاب والسنة يرجع إليه، فأدلته كثيرة، منها:
قوله تعالى:(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ )[ النساء: 59]. وقوله تعالى: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ )[ المائدة: 92].
وقوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوه وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)[ الحشر: 7] قوله تعالي:( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)[ النساء: 80].
ومن أنكر أن تكون السنة أصلاً في الدليل، فقد أنكر أن يكون القرآن أصلاً.
ولا شك عندنا في أن من قال: إن السنة لا يرجع إليها في الأحكام الشرعية، أنه كافر مرتد عن الإسلام، لأنه مكذب ومنكر للقرآن، فالقرآن في غير ما موضع جعل السنة أصلاً يرجع إليه.
وأما الدليل على أن الإجماع أصل، فيقال:
أولاً: هل الإجماع موجود أو غير موجود؟
قال بعض العلماء: لا إجماع موجود، إلا على ما فيه نص، وحينئذ، يستغني بالنص عن الإجماع.
فمثلاً، لو قال قائل: العلماء مجمعون على أن الصلوات المفروضة خمس، فهذا صحيح، لكن ثبوت فرضيتها بالنص.
ومجمعون على تحريم الزني، فهذا صحيح، لكن ثبوت تحريمه بالنص.
ومجمعون على تحريم نكاح ذوات المحارم فهذا صحيح، لكن ثبوت تحريمه بالنص.
ولهذا قال الإمام أحمد: من ادعي الإجماع، فهو كاذب، وما يدريه؟ لعلهم اختلفوا.
والمعروف عن عامة العلماء أن الإجماع موجود، وأن كونه دليلاً ثابت بالقرآن والسنة:
فمن ذلك قوله تعالي:(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ )[ النساء: 59]، فإن قوله: ) فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ ( : يدل على أن ما أجمعنا عليه لا يجب رده إلي الكتاب والسنة، اكتفاء بالإجماع! وهذا الاستدلال فيه شيء!!
ومن ذلك قوله: ) ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي ونصله جهنم وساءت مصيراً( [النساء: 115]، فقال ) ويتبع غير سبيل المؤمنين( .
واستدلوا أيضاً بحديث: " لا تجتمع أمتي على ضلالة "[343].
وهذا الحديث حسنه بعضهم وضعفه آخرون، لكن قد نقول: إن هذا، وإن كان ضعيف السند، لكن يشهد لمتنه ما سبق من النص القرآني.
فجمهور الأمة على أن الإجماع دليل مستقل، وأننا إذا وجدنا مسألة فيها إجماع، أثبتناها بهذا الإجماع.
وكأن المؤلف رحمه الله يريد من هذه الجملة إثبات أن إجماع أهل السنة حجة.
وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة مما له تعلق بالدين (1) والإجماع الذي ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح، إذا بعدهم كثر الاختلاف وانتشرت الأمة (2) ……………………………………………
(1)" الأصول الثلاثة" : هي الكتاب والسنة والإجماع.
يعني: أن أهل السنة والجماعة يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من قول أو عمل، باطن أو ظاهر، لا يعرفون أنه حق، إلا إذا وزنوه بالكتاب والسنة والإجماع، فإن وجد له دليل منها، فهو حق، وإن كان على خلافه، فهو باطل.
(2) يعني أن الإجماع الذي يمكن ضبطه والإحاطة به هو ما كان عليه السلف الصالح وهم القرون الثلاثة، الصحابة والتابعون وتابعوهم.
ثم علل المؤلف ذلك بقوله: " إذ بعدهم كثر الاختلاف وكثرت الأمة " يعني: أنه كثر الاختلاف ككثرة الأهواء، لأن الناس تفرقوا طوائف، ولم يكونوا كلهم يريدون الحق، فاختلفت الآراء، وتنوعت الأقوال، وانتشرت الأمة فصارت الإحاطة بهم من أصعب الأمور.
فشيخ الإسلام رحمه الله كأنه يقول: من ادعي الإجماع بعد السلف الصالح، وهم القرون الثلاثة، فإنه لا يصح دعواه الإجماع، لأن الإجماع الذي ينضبط ما كان عليه السلف الصالح، وهل يمكن أن يوجد إجماع بعد الخلاف؟ فنقول: لا إجماع مع وجود خلاف سابق ولا عبرة بخلاف بعد تحقق الاجماع.




 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 15 Mar 2010, 05:39 AM   #70
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


فصل
في منهج أهل السنة والجماعة
في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من الخصال

فصل
ثم هم (1) مع هذه الأصول(2) يأمرون بالمعروف(3) وينهون عن المنكر(4) على ما توجبه الشريعة (5)…………………………………
(1)أي: أهل السنة والجماعة.
(2) " مع هذه الأصول" : السابقة التي ذكرها قبل هذا، وهو اتباع آثار الرسول عليه الصلاة والسلام، واتباع الخلفاء الراشدين وإيثارهم كلام الله وكلام رسوله على غيره واتباع إجماع المسلمين، مع هذه الأصول: يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
(3) " المعروف" : كل ما أمر به الشرع ، فهم يأمرون به.
(4) " المنكر " : كل ما نهي عن الشرع، فهم ينهون عنه.
لأن هذا هو ما أمر الله به في قوله: ) ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ( [ آل عمران: 104].
وكذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: " لتأمرون بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً "[344].
فهم يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ولا يتأخرون عن ذلك.
ولكن يشترط للأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر أن يكونا على ما توجبه الشريعة وتقتضيه.
ولذلك شروط:
الشرط الأول: أن يكون عالماً بحكم الشرع فيما يأمر به أو ينهي عنه، فلا يأمر إلا بما علم أن الشرع أمر به: ولا ينهي إلا عما علم أن الشرع نهى عنه، ولا يعتمد في ذلك على ذوق ولا عادة.
لقوله تعالي لرسوله صلي الله عليه وسلم : (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ )[ المائدة: 48].
وقوله: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الاسراء:36)
وقوله: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) (النحل:116)
فلو رأى شخصاً يفعل شيئاً الأصل فيه الحل، فإنه لا يحل له أن ينهاه عنه حتى يعلم أنه حرام أو منهي عنه.
ولو رأى شخصاً ترك شيئاً يظنه الرائي عبادة، فإنه لا يحل له أن يأمره بالتعبد به حتى يعلم أن الشرع أمر به.
الشرط الثاني: أن يعلم بحال المأمور: هل هو ممن يوجه إليه الأمر أو النهي أم لا؟ فلو رأي شخصاً يشك هل هو مكلف أم لا، لم يأمره بما لا يؤمر به مثله حتى يستفصل.
الشرط الثالث: أن يكون عالماً بحال المأمور حال تكليفه، هل قال بالفعل أم لا؟
فلو رأي شخصاً دخل المسجد ثم جلس، وشك هل صلي ركعتين، فلا ينكر عليه، ولا يأمره بهما، حتى يستفصل.
ودليل ذلك أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة، فدخل رجل، فجلس، فقال له النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم: " أصليت ؟ " .
قال: لا قال: " قم فصل ركعتين وتجوز فيها"[345].
ولقد نقل لي أنه بعض الناس يقول: يحرم أن يسجل القرآن بأشرطه، لأن ذلك إهانة للقرآن على زعمه ! فينهى الناس أن يسجلوا القرآن على هذه الأشرطة، لظنه أنه منكر!!
فنقول له : إن المنكر أن تنهاهم عن شيء لم تعلم أنه منكر!! فلابد أن تعلم أن هذا منكر في دين الله.
وهذا في غير العبادات، أما العبادات، فإننا لو رأينا رجلاً يتعبد بعبادة، لم يعلم أنها مما أمر الله به، فإننا ننهاه، لأن الأصل في العبادات المنع.
الشرط الرابع: أن يكون قادراً على القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا ضرر يلحقه، فإن لحقه ضرر، لم يجب عليه، لكن إن صبر وقام به، فهو أفضل، لأن جميع الواجبات مشروطة بالقدرة والاستطاعة، لقوله تعالي: ) فاتقوا الله ما استطعتم ( [ التغابن: 16]، وقوله: ) لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ( [ البقرة: 286].
فإذا خاف إذا أمر شخصاً بمعروف أن يقتله، فإنه لا يلزمه أن يأمره، لأنه لا يستطيع ذلك، بل قد يحرم عليه حينئذ. وقال بعض العلماء: بل يجب عليه الأمر والصبر، وإن تضرر بذلك ما لم يصل إلي حد القتل. لكن القول الأول أولي، لأن هذا الأمر إذا لحقه الضرر بحبس ونحوه، فإن غيره قد يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خوفاً مما حصل، حتى في حال لا يخشى ذلك الضرر.
وهذا ما لم يصل الأمر إلى حد يكون الأمر حد يكون الأمر بالمعروف من جنس الجهاد، كما لو أمر بسنة ونهي عن بدعة، ولو سكت ، لاستطال أهل البدعة على أهل البدعة، ففي هذه الحال يجب إظهار السنة وبيان البدعة، لأنه من الجهاد في سبيل الله، ولا يعذر من تعين عليه بالخوف على نفسه.
الشرط الخامس: أن لا يترتب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مفسدة أعظم من السكوت، فإن ترتب عليها ذلك، فإنه لا يلزمه، بل لا يجوز له أن يأمر بالمعروف أو ينهي عن المنكر.
ولهذا قال العلماء: إن إنكار ينتج منه إحدى أحوال أربعة: إما أن يزول المنكر، أو يتحول إلى أخف منه، أو إلى مثله، أو إلى أعظم منه.
أما الحالة الأولي والثانية، فالإنكار واجب.
أما في الثالثة، فهي في محل نظر.
وأما في الرابعة، فلا يجوز الإنكار، لأن المقصود بإنكار المنكر إزالته أو تخفيفه.
مثال ذلك: إذا أراد أن يأمر شخصاً بفعل إحسان، لكن يستلزم فعل هذا الإحسان ألا يصلي مع الجماعة، فهنا لا يجوز الأمر بهذا المعروف، لأنه يؤدي إلي ترك واجب من أجل فعل مستحب.
وكذلك في المنكر لو كان إذا نهي عن هذا المنكر، تحول الفاعل له إلى فعل منكر أعظم، فإنه في هذه الحال لا يجوز أن ينهي عن هذا المنكر دفعاً لأعلي المفسدتين بأدناهما.
ويدل لهذا قوله تعالي: ) ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلي ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون ( [ الأنعام: 108] فإن سب آلهة المشركين، لا شك أنه أمر مطلوب، لكن لما كان يترتب عليه أمر محظور أعظم من المصلحة التي تكون بسب آلهة المشركين، وهو سبهم لله تعالي عدواً بغير علم، نهي الله عن سب آلهة المشركين في هذه الحال.
ولو وجدنا رجلاً يشرب الخمر، وشرب الخمر منكر، فلو نهيناه عن شربه، لذهب يسرق أموال الناس ويستحل أعراضهم، فهنا لا ننهاه عن شرب الخمر، لأنه يترتب عليه مفسدة أعظم.
الشرط السادس: إن يكون هذا الآمر أو الناهي قائماً بما يأمر به منتهياً عما ينهى عنه، وهذا على رأي بعض العلماء، فإن كان غير قائم بذلك، فإنه لا يأمر بالمعروف ولا ينهي عن المنكر، لأن الله تعالي قال لبني إسرائيل: ) أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ( [ البقرة: 44]، فإذا كان هذا الرجل لا يصلي، فلا يأمر غيره بالصلاة، وإن كان يشرب الخمر، فلا ينهي غيره عنها، ولهذا قال الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
فهم استدلوا بالأثر والنظر.
ولكن الجمهور علي خلاف ذلك ، وقالوا: يجب أن يأمر بالمعروف، وإن كان لا يأتيه، وينهى عن المنكر، وإن كان يأتيه، وإنما وبخ الله تعالي بني إسرائيل، لا على أمرهم بالبر، ولكن علي جمعهم بين الأمر بالبر ونسيان النفس.
وهذا القول هو الصحيح، فنقول: أنت الآن مأمور بأمرين: الأول: فعل البر، والثاني: الأمر بالبر. منهي عن أمرين: الأول: فعل المنكر، والثاني: ترك النهي عن فعله. فلا تجمع بين ترك المأمورين وفعل المنهيين، فإن ترك أحدهما لا يستلزم سقوط الآخر.
فهذه ستة شروط ، منها أربعة للجواز، وهي الأول والثاني والثالث والخامس، على تفصيل فيه، واثنان للوجوب، وهما الرابع والسادس.
ولا يشترط أن لا يكون من أصول الآمر أو الناهي كأبيه أو أمه أو جده أو جدته، بل ربما نقول: إن هذا يتأكد أكثر، لأن من بر الوالدين أن ينهاهما عن فعل المعاصي ويأمرهما بفعل الطاعات قد يقول: أنا إذا نهيت أبي، غضب علي، وهجرني، فماذا أصنع؟
نقول: اصبر على هذا الذي ينالك بغضب أبيك وهجره، والعاقبة للمتقين، واتبع ملة إبراهيم عليه السلام، حيث عاتب أباه على الشرك، فقال: (ِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) إلي أن قال: (يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً) (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً) قال: أي أبوه: (قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً)[ مريم: 42-46]. وقال إبراهيم أيضاً لأبيه آزر: ) أتتخذ أصناماً آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين ( [الأنعام: 74].
ويرون إقامة الحج، والجهاد، والجمع، والأعياد، مع الأمراء، أبراراً كانوا أو فجاراً (1)...........
(1)الأبرار: جمع بر، وهو كثير الطاعة، والفجار: جمع فاجر وهو العاصي كثير المعصية.
فأهل السنة رحمهم الله يخالفون أهل البدع تماماً، فيرون إقامة الحج مع الأمير، وإن كان من أفسق عباد الله.
وكان الناس فيما سبق يجعلون على الحج أميراً، كما جعل النبي صلي الله عليه وسلم أبا بكر أميراً على الحج في العام التاسع من الهجرة، وما زال الناس على ذلك، يجعلون للحجة أميراً قائداً يدفعون ويقفون بوقوفه، وهذا هو المشروع، لأن المسلمين يحتاجون إلي إمام يقتدون به، أما كون كل إنسان على رأسه، فإنه يحصل به فوضى واختلاف.
فهم يرون إقامة الحج من الأمراء، وإن كانوا فساقاً، حتي وإن كانوا يشربون الخمر في الحج، لا يقولون: هذا إمام فاجر، لا نقبل إمامته، لأنهم يرون أن طاعة ولي الأمر واجبة، وإن كان فاسقاً، بشرط أن لا يخرجه فسقه إلي الكفر البواح الذي عندنا فيه من الله برهان، فهذا لا طاعة له، ويجب أن يزال عن تولي أمور المسلمين، لكن الفجور الذي دون الكفر مهما بلغ، فإن الولاية لا تزول به، بل هي ثابتة، والطاعة لولي الأمر واجبة في غير المعصية.
خلافاً للخوارج، الذين يرون أنه لا طاعة للإمام والأمير إذا كان عاصياً، لأن من قاعدتهم: أن الكبيرة تخرج من الملة.
وخلافاً للرافضة الذين يقولون: إنه لا إمام إلا المعصوم، وإن الأمة الإسلامية منذ غاب من يزعمون أنه الإمام المنتظر، ليست على إمام، ولا تبعا لإمام، بل هي تموت ميتة جاهلية من ذلك الوقت إلى اليوم، ويقولون: إنه لا إمام إلا الإمام المعصوم، ولا حج ولا جهاد مع أي أمير كان، لأن الإمام لم يأت بعد.
*لكن أهل السنة والجماعة يقولون: نحن نرى إقامة الحج مع الأمراء سواء كانوا أبراراً أو فجاراً ، وكذلك إقامة الجهاد مع الأمير، ولو كان فاسقاً، ويقيمون الجهاد مع أمير لا يصلي معهم الجماعة، بل يصلي في رحلة.
فأهل السنة والجماعة لديهم بعد نظر، لأن المخالفات في هذه الأمور معصية لله ورسوله، وتجر إلى فتن عظيمة.
فما الذي فتح باب الفتن والقتال بين المسلمين والاختلاف في الأراء إلا الخروج على الأئمة؟!
فيرى أهل السنة والجماعة وجوب إقامة الحج والجهاد مع الأمراء، وإن كانوا فجاراً.
ولكن هذا لا يعني أن أهل السنة والجماعة لا يرون أن فعل الأمير منكر، بل يرون أنه منكر، وأن فعل الأمير للمنكر قد يكون أشد من فعل عامة الناس، لأن فعل الأمير للمنكر يلزم منه زيادة على إثمه محذوران عظيمان:
الأول: اقتداء الناس به وتهاونهم بهذا المنكر.
والثاني: أن الأمير إذا فعل المنكر سيقل في نفسه تغييره على الرعية أو تغيير مثله أو مقاربه.
لكن أهل السنة والجماعة يقولون: حتي مع هذا الأمر المستلزم لهذين المحذورين أو لغيرهما، فإنه يجب علينا طاعة ولاة الأمور، وإن كانوا عصاة، فنقيم معهم الحج والجهاد، وكذلك الجمع، نقيمها مع الأمراء، ولو كانوا فجاراً.
فالأمير إذا كان يشرب الخمر مثلاً، ويظلم الناس بأموالهم، نصلي خلفه الجمعة، وتصح الصلاة، حتي إن أهل السنة والجماعة يرون صحة الجمعة خلف الأمير المبتدع إذا لم تصل بدعته إلي الكفر، لأنهم يرون أن الاختلاف عليه في مثل هذه الأمور شر، ولكن لا يليق بالأمير الذي له إمامة الجمعة أن يفعل هذه المنكرات.
وكذلك أيضاً إقامة الأعياد مع الأمراء الذي يصلون بهم، أبراراً كانوا أو فجاراً.
وبهذه الطريق الهادئة يتبين أن الدين الإسلامي وسط بين الغالي في والجافي عنه.
فقد يقول قائل: كيف نصلي خلف هؤلاء ونتابعهم في الحج والجهاد والجمع والأعياد؟ !
فنقول: لأنهم أئمتنا، ندين لهم بالسمع والطاعة: امتثالاً لأمر الله بقوله: ) يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ( [ النساء: 59]. ولأمر النبي صلي الله عليه وسلم بقوله: " إنكم سترون بعدي أثرة وأموراً تنكرونها". قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال: " أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم "[346]. وحقهم: طاعتهم في غير معصية الله.
وعن وائل بن حجر، قال: سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله صلي الله عليه وعلى آله وسلم، فقال: يا نبي الله! أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟ قال: " اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم " [347]
وفي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: بايعنا رسول الله صلي الله عليه وعلي آله وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله. قال: " إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان "[348].
ولأننا لو تخلفنا عن متابعتهم، لشققنا عصا الطاعة الذين يترتب على شقه أمور عظيمة، ومصائب جسيمة.
والأمور التي فيها تأويل واختلاف بين العلماء إذا ارتكبها ولاة الأمور، لا يحل لنا منابذتهم ومخالفتهم، لكن يجب علينا مناصحتهم بقدر المستطاع فيما خالفوا فيه، مما لا يسوغ فيه الاجتهاد، وأما ما يسوغ فيه الأجتهاد، فنبحث معهم فيه بحث تقدير واحترام، لنبين لهم الحق، لا على سبيل الانتقاد لهم والانتصار للنفس، وأما منابذتهم وعدم طاعتهم، فليس من طريق أهل السنة والجماعة.
ويحافظون على الجماعات (1)، ويدينون بالنصيحة للأمة (2) ………………
أي: يحافظ أهل السنة والجماعة على الجماعات، أي: علي إقامة الجماعة في الصلوات الخمس، يحافظون عليها محافظة تامة، بحيث إذا سمعوا النداء، أجابوا وصلوا مع المسلمين، فمن لم يحافظ على الصلوات الخمس، فقد فاته من صفات أهل السنة والجماعة ما فاته من هذه الجماعات.
وربما يدخل في الجماعات الاجتماع على الرأي وعدم النزاع فيه، فإن هذا ما أوصي به النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم معاذ بن جبل وأبا موسي حين بعثهما إلي اليمن، فقال: " يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا، ولا تختلفا "[349].
" يدينون " ، أي: يتعبدون لله عز وجل بالنصيحة للأمة، ويعتقدون ذلك ديناً.
والنصح للأمة قد يكون الحامل عليه غير التعبد لله، فقد يكون الحامل عليه الغيرة، وقد يكون الحامل عليه الخوف من العقوبات، وقد يكون الحامل عليه أن يتخلق بالأخلاق الفاضلة التي يريد بها نفع المسلمين.. إلي غير ذلك من الأسباب.
لكن هؤلاء ينصحون للأمة طاعة لله تعالي وتديناً له، لقول الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث تميم بن أوس الداري: " الدين النصيحة، الدين النصيحة " . قالوا لمن يا رسول الله ؟ قال: " لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم "[350].
فالنصيحة لله صدق الطلب في الوصول إليه.
والنصيحة للرسول عليه الصلاة والسلام صدق الاتباع له، ويستلزم ذلك الذود عن دين الله عز وجل، الذي جاء به رسول صلي الله عليه وسلم، ولهذا قال " ولكتابه " .
فينصح للقرآن ببيان أنه كلام الله، وأنه منزل غير مخلوق، وأنه يجب تصديق خبره وامتثال أحكامه، وهو كذلك يعتقده في نفسه.
" وأئمة المسلمين " كل من ولاه الله أمراً من أمور المسلمين، فهو إمام في ذلك الأمر، فهناك إمام عام كرئيس الدولة، وهناك إمام خاص، كالأمير والوزير والمدير والرئيس وأئمة المساجد وغيرهم.
وعامتهم، يعني: عامة المسلمين، وهم التابعون للأئمة.
ومن أعظم أئمة المسلمين العلماء، والنصيحة لعلماء المسلمين هي نشر محاسنهم، والكف عن مساوئهم، والحرص على إصابتهم الصواب، بحيث يرشدهم إذا أخطاءوا، ويبين لهم أخطأ على وجه لا يخدش كرامتهم، ولا يحط من قدرهم، لأن تخطئة العلماء على وجه يحط من قدرهم ضرر على عموم الإسلام، لأن العامة إذا رأوا العلماء يضلل بعضهم بعضاً سقطوا من أعينهم وقالوا: كل هؤلاء راد و مردود عليه. فلا ندري من الصواب معه! فلا يأخذون بقول أي واحد منهم، لكن إذا احترم العلماء بعضهم بعضاً، وصار كل واحد يرشد أخاه سراً إذا أخطأ، ويعلن للناس القول الصحيح ، فإن هذا من أعظم النصيحة لعلماء المسلمين.
وقول المؤلف: " للأمة" : يشمل الأئمة والعامة، فأهل السنة والجماعة يدينون بالنصيحة للأمة، أئمتهم وعامتهم.
وكان مما يبايع الرسول عليه الصلاة والسلام أصحابه: " والنصح لكل مسلم"[351].
فإذا قال قائل: ما هو ميزان النصيحة للأمة؟
فالميزان هو ما أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: " لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه" [352]، فإذا عاملت الناس هذه المعاملة، فهذا هو تمام النصيحة.
فقبل أن تعامل صاحبك بنوع من المعاملة فكر، هل ترضي أن يعاملك شخص بها؟ فإن كنت لا ترضي، فلا تعامله!!
ويعتقدون معني قوله صلي الله عليه وسلم : " المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضاً " وشبك بين أصابعه صلي الله عليه وسلم (1) ……………………
* شبه النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم المؤمن لأخيه المؤمن بالبنيان الذي يشد بعضه بعضاً، حتي يكون بناء محكماً متماسكاً يشد بعضه بعضاً ويقوي به، ثم قرب هذا وأكده، فشبك بين أصابعه.
فالأصابع المتفرقة فيها ضعف، فإذا اشتبكت، قوي بعضها بعضاً، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، فالبنيان يمسك بعضه بعضاً، كذلك المؤمن مع أخيه إذا صار في أخيه نقص، فإن هذا يكمله، فهو مرآة أخيه إذا وجد فيه النقص كمله، إذا احتاج أخوه ساعده، إذا مرض أخوه عاده وهكذا في كل الأحوال. فأهل السنة والجماعة يعتقدون هذا المعني ويطبقونه عملاً.
وقوله (1) صلي الله عليه وسلم: " مثل المؤمنين في توادهم (2) وتراحمهم (3) وتعاطفهم (4) كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالحمي والسهر"(5)………
(1)" قوله " : هنا معطوف على " قوله " في الحديث السابق.
(2)أي: مودة بعضهم بعضاً.
(3)أي: رحمة بعضهم بعضاً.
(4)أي: عطف بعضهم على بعض.
(5)أي: أنهم يشتركون في الآمال والآلام، فيرحم بعضهم بعضاً، فإذا احتاج، أزال حاجته، ويعطف بعضهم على بعض باللين والرفق وغير ذلك ويود بعضهم بعضاً، حتى إن الواحد منهم إذا رأى في قلبه بغضاء لأحد من إخوانه المسلمين، حاول أن يزيله وأن يذكر من محاسنه ما يوجب زوال هذه البغضاء.
فالجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو، ولو من أصغر الأعضاء، تداعي له سائر الجسد، فإذا أوجعك أصبعك الخنصر الذي هو من أصغر الأعضاء، فإن الجسد كله يتألم، إذا أوجعتك الأذن، تألم الجسد كله، وإذا أوجعتك العين، تألم الجسد كله، وغير ذلك،
فهذا المثل الذي ضربه النبي عليه الصلاة والسلام مثل مصور للمعني ومقرب له غاية التقريب.
ويأمرون (1) بالصبر عند البلاء (2) …………………………
(1)" يأمرون ": قد يقال: إن هذه الكلمة تشمل أمر نفوسهم، لقوله تعالي: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) [ يوسف:53]، فهم يأمرون حتي أنفسهم.
(2)الصبر: هو تحمل البلاء، وحبس النفس عن التسخط بالقلب أو اللسان أو الجوارح.
والبلاء: المصيبة، قال الله تعالي: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة156:155) فالصبر يكون عند البلاء، وأفضله وأعلاه الصبر عند الصدمة الأولي، وهذا عنوان الصبر الحقيقي، كما قاله النبي صلي الله عليه وسلم للمرأة التي مر بها وهي تبكي عند قبر، فقال لها: " اتقي الله واصبري، قالت: إليك عني فإنكم لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي صلي الله عليه وسلم فأتت النبي صلي الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: " إنما الصبر عند الصدمة الأولي"[353]، أما بعد أن تبرد الصدمة، فإن الصبر يكون سهلاً، ولا ينال به كمال الصبر.
فأهل السنة والجماعة يأمرون بالصبر عند البلاء، وما من إنسان إلا يبتلي إما في نفسه وإما في أهله، وإما في ماله، وإما في صحبه، وإما في بلده، وإما في المسلمين عامة. ويكون ذلك إما في الدنيا وإما في الدين، والمصيبة في الدين أعظم بكثير من المصيبة في الدنيا.
فأهل السنة والجماعة يأمرون بالصبر عند البلاء في الأمرين:
فأما الصبر على بلاء الدنيا، فأن يتحمل المصيبة كما سبق.
وأما الصبر على بلاء الدين، فأن يثبت على دينه، ولا يتزعزع عنه، ولا يكن كمن قال الله تعالي فيهم: ) ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ( [ العنكبوت : 10].
والشكر عند الرخاء (1) والرضا بمر القضاء(2) ……………………………
(1)الرخاء: سعة في العيش، والأمن في الوطن، فيأمرون عند ذلك بالشكر.
وأيهما أشق الصبر على البلاء، أو الشكر عند الرخاء؟
اختلف العلماء في ذلك، فقال بعضهم: إن الصبر على البلاء أشق، وقال آخرون: الشكر عند الرخاء أشق.
والصواب: أن لكل واحد آفته ومشقته، لأن الله عز وجل قال:(وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ كَفُورٌ)( وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ [ هود: 9-10].لكن كل منهما قد يهونه بعض التفكير: فالمصاب إذا فكر وقال إن جزعي لا يرد المصيبة ولا يرفعها، فإما أن أصبر صبر الكرام، وإما أن أسلو سلو البهائم، فهان عليه الصبر، وكذلك الذي في رخاء ورغد.
لكن أهل السنة والجماعة يأمرون بهذا وهذا، بالصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء.
(2)الرضي أعلي من الصبر ومر القضاء: هو ما لا يلائم طبيعة الإنسان، ولهذا عبر عنه بـ "المر".
فإذا قضي الله قضاء لا يلائم طبيعة البشر، وتأذي به، سمي ذلك مر القضاء، فهو ليس لذيذاً ولا حلواً، بل هو مر، فهم يأمرون بالرضى بمر القضاء.
واعلم أن مر القضاء لنا فيه نظران:
النظر الأول: باعتباره فعلاً واقعاً من الله.
والنظر الثاني: باعتباره مفعولاً له.
فباعتبار كونه فعلاً من الله يجب علينا أن نرضي به، ألا نعترض على ربنا به، لأن هذا من تمام الرضي بالله رباً.
وأما باعتباره مفعولاً له، فهذا يسن الرضي به، ويجب الصبر عليه.
فالمرض باعتبار كون الله قدره الرضي به واجب، وباعتبار المرض نفسه يسن الرضي به ، وأما الصبر عليه، فهو واجب، والشكر عليه مستحب.
ولهذا نقول: المصابون لهم تجاه المصائب أربعة مقامات: المقام الأول: السخط، والثاني: الصبر، والثالث: الرضي، والرابع: الشكر.
فأما السخط، فحرام بل هو من كبائر الذنوب، مثل أن يلطم خده، أو ينتف شعره، أو يشق ثوبه، أو يقول: واثبوراه! أو يدعو على نفسه بالهلاك وغير ذلك مما يدل على السخط، قال النبي صلي الله عليه وسلم: " ليس منا من شق الجيوب ولطم الخدود ودعا بدعوي الجاهلية"[354]
الثاني: الصبر: بأن يحبس نفسه قلباً ولساناً وجوارح عن التسخط، فهذا واجب.
الثالث: الرضي: والفرق بينه وبين الصبر: أن الصابر يتجرع المر، لكن لا يستطيع أن يتسخط، إلا أن هذا الشيء في نفسه. صعب ومر، ويتمثل بقول الشاعر:
والصبر مثل أسمه مر مذاقته لكن عواقبه أحلي من العسل
لكن الراضي لا يذوق هذا مراً، بل هو مطمئن، وكان هذا الشيء الذي أصابه لا شيء.
وجمهور العلماء علي أن الرضي بالمقضي مستحب، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو الصحيح.
الرابع: الشكر: وهو أن يقول بلسانه وحاله: " الحمد لله"، ويري أن هذه المصيبة نعمة، لكن، هذا المقام، قد يقول قائل: كيف يكون؟ !
فنقول: يكون لمن وقفه الله تعالي:
فأولاً: لأنه إذا علم أن هذه المصيبة كفارة للذنب، وأن العقوبة على الذنب في الدنيا أهون من تأخير العقوبة في الآخرة، صارت هذه المصيبة عنده نعمة يشكر الله عليها.
وثانياً: أن هذه المصيبة إذا صبر عليها، أثيب، لقوله تعالي: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بغير حساب)[ الزمر10].
فيشكر الله على هذه المصيبة الموجبة للأجر.
وثالثا: أن الصبر من المقامات العالية عند أرباب السلوك، لا ينال إلا بوجود أسبابه، فيشكر الله علي نيل هذا المقام.
ويذكر أن بعض العابدات أصيبت في أصبعها، فشكرت الله، فقيل لها في ذلك، فقالت: إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها.
فأهل السنة والجماعة رحمهم الله يأمرون بالصبر على البلاء، والشكر عند الرخاء، والرضي بمر القضاء.


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كتاب العلم ... للشيخ محمد العثيمين محمد الغماري المكتــــــبة العــــــــــــــامة ( Public Library ) 62 16 Mar 2010 03:07 AM
كتاب نبذة في العقيدة الإسلامية ... للشيخ محمد العثيمين محمد الغماري المكتــــــبة العــــــــــــــامة ( Public Library ) 13 16 Mar 2010 12:53 AM
شرح ثلاثة الأصول ... للشيخ محمد العثيمين محمد الغماري المكتــــــبة العــــــــــــــامة ( Public Library ) 2 16 Mar 2010 12:46 AM
الكتاب : الخلاف بين العلماء/ للشيخ العلامة :محمد بن صالح بن محمد العثيمين ابومروان الليبي منهج السلف الصالح . The Salafi Curriculum 1 22 Sep 2009 06:29 PM

 
مايُكتب على صفحات المركز يُعبّر عن رأى الكاتب والمسؤولية تقع على عاتقه


علوم الجان - الجن - عالم الملائكة - ابحاث عالم الجن وخفاياه -غرائب الجن والإنس والمخلوقات - فيديو جن - صور جن - أخبار جن - منازل الجن - بيوت الجن- English Forum
السحر و الكهانة والعرافة - English Magic Forum - الحسد والعين والغبطة - علم الرقى والتمائم - الاستشارات العلاجية - تفسير الرؤى والاحلام - الطب البديل والأعشاب - علم الحجامة

الساعة الآن 04:21 PM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2011-2012
جميع الحقوق محفوظة لمركز دراسات وأبحاث علوم الجان العالمي