اعلانات
اعلانات     اعلانات
 


بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ : عَنْ أَبِي رُقَيَّةَ تَمِيمِ بْنِ أَوْسٍ الدّارِيِّ (رضي الله عنه) أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنا: لِمَنْ؟ قالَ لِلَّهِ، وَلِكِتابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعامَّتِهِمْ». رَواهُ مُسْلِمٌ.

يُروى أنَّ عليَّ بنَ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه كتَبَ إلى ابنِه مُحَمَّدِ بنِ الحَنَفيَّةِ: (لا يكُنْ أخوك على قَطيعَتِك أقوى مِنك على صِلتِه، وعلى الإساءةِ أقوى مِنك على الإحسانِ) .


           :: وادي الجن شمال المدينة والبئر . (آخر رد :ابن الورد)       :: زعماعندو قدرة خارقة "بوهالي" خارج يداوي الناس من أمراض فالشارع العام فيها حارالأطباء (آخر رد :ابن الورد)       :: الشريف بهلول كيداوي وكيدير عمليات مستعصية وكيتحدى أطباء جميع دول العالم (آخر رد :ابن الورد)       :: 5:04 / 9:22 خطير ..عبد السلام دخانة يشرب ويستحم بالاسيد / الماء القاطع . (آخر رد :ابن الورد)       :: هَدْيِه النبي صلى الله فِي الْعِلَاجِ بِشُرْبِ الْعَسَلِ، وَالْحِجَامَةِ، وَالْكَيِّ. (آخر رد :ابن الورد)       :: استكشاف قرية الجن الفروثي وتجربة جهاز كاشف الجن والأشباح بالموجات الكهرومغناطيسية . (آخر رد :ابن الورد)       :: محمود صلاح بتصريح صادم: الجن يتعامل معنا والمنظومة التي تدير العالم تستجلب الشياطين ! (آخر رد :ابن الورد)       :: محمود صلاح يتحدث عن أسرار عبدة الشيطان :" التاروت هو أمر شيطاني "! (آخر رد :ابن الورد)       :: محمود صلاح يتحدى المنجمين : 2024 فيها لقاء مع الفضائيين وظهور وباء الزومبي ! (آخر رد :ابن الورد)       :: ماهي حقيقة مثلث برمودا ؟ ولماذا تختفي الطائرات والسفن به ؟ (آخر رد :ابن الورد)      

 تغيير اللغة     Change language
Google
الزوار من 2005:
Free Website Hit Counter

المكتــــــبة العــــــــــــــامة ( Public Library ) للكتب والأبحاث العلمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15 Mar 2010, 05:10 AM   #41
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


إثبات معية الله لخلقه
قوله :(هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (1)............
(1) شرع المؤلف بسوق أدلة المعية؛ أي: أدلة معية الله تعالى لخلقه، وناسب أن يذكرها بعد العلو ؛ لأنه قد يبدون للإنسان أن هناك تناقضاً بين كونه فوق كل شيء وكونه مع العباد، فكان من المناسب جداً أن يذكر الآيات التي تثبت معية الله للخلق بعد ذكر آيات العلو.
وفي معية الله تعالى لخلقه مباحث:
* المبحث الأول في أقسامها :
معية الله عز وجل تنقسم إلى قسمين: عامة، وخاصة.
والخاصة تنقسم إلى قسمين: مقيدة بشخص ، ومقيدة بوصف.
أما العامة ؛ فهي التي تشمل كل أحد من مؤمن وكافر وبر وفاجر . ودليلها قوله تعالى: (وهو معكم أين ما كنتم) {الحديد: 4} .
أما الخاصة المقيدة بوصف ؛ فمثل قوله تعالى: (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) {النحل: 128}.
وأما الخاصة المقيدة بشخص معين؛ فمثل قوله تعالى عن نبيه :)ِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) {التوبة 40)، وقال لموسى وهارون : ) إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) {طه : 46}.
وهذه أخص من المقيدة بوصف.
فالمعية درجات: عامة مطلقة، وخاصة مقيدة بوصف، وخاصة مقيدة بشخص. فأخص أنواع المعية ما قيد بشخص ، ثم ما قيد بوصف، ثم ما كان عاماً. فالمعية العامة تستلزم الإحاطة بالخلق علماً وقدرة وسمعاً وبصراً وسلطاناً وغير ذلك من معاني ربوبيته، والمعية الخاصة بنوعيها تستلزم مع ذلك النصر والتأييد.
* المبحث الثاني: هل المعية حقيقية أو هي كناية عن علم الله عز وجل وسمعه وبصره وقدرته وسلطانه وغير ذلك من معاني ربوبيته؟
أكثر عبارات السلف رحمهم الله يقولون : إنها كناية عن العلم وعن السمع والبصر والقدرة وما أشبه ذلك ، فيجعلون معنى قوله: (وهو معكم) أي: وهو عالم بكم سميع لأقوالكم ، بصير بأعمالكم ، قادر عليكم حاكم بينكم . . . . وهكذا ، فيفسرونها بلازمها.
واختار شيخ الإسلام رحمه الله في هذا الكتاب وغيره أنها على حقيقتها ، وأن كونه معنا حق على حقيقته ، لكن ليست معيته كمعية الإنسان للإنسان التي يمكن أن يكون الإنسان مع الإنسان في مكانه ؛ لأن معية الله عز وجل ثابتة له وهو في علوه ؛ فهو معنا وهو عال على عرشه فوق كل شيء ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون معنا في الأمكنة التي نحن فيها.
وعلى هذا، فإنه يحتاج إلى الجمع بينها وبين العلو.
والمؤلف عقد لها فصلاً خاصاً سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، وأنه لا منافاة بين العلو والمعية، لأن الله تعالى ليس كمثله شيء في جميع صفاته، فهو علي في دنوه، قريب في علوه.
وضرب شيخ الإسلام رحمه الله لذلك مثلاً بالقمر، قال: إنه يقال: مازلنا نسير والقمر معنا، وهو موضوع في السماء، وهو من أصغر المخلوقات، فكيف لا يكون الخالق عز وجل مع الخلق، الذي الخلق بالنسبة إليه ليسوا بشيء، وهو فوق سماواته؟!
وما قاله رحمه الله فيه دفع حجة بعض أهل التعطيل حيث احتجوا على أهل السنة، فقالوا: أنتم تمنعون التأويل، وأنتم تؤولون في المعية، تقولون: المعية بمعنى العلم والسمع والبصر والقدرة والسلطان وما أشبه ذلك.
فنقول: إن المعية حق على حقيقتها، لكنها ليست في المفهوم الذي فهمه الجهمية ونحوهم، بأنه مع الناس في كل مكان وتفسير بعض السلف لها بالعلم ونحوه تفسير باللازم.
*المبحث الثالث: هل المعية من الصفات الذاتية أو من الصفات الفعلية؟
فيه تفصيل:
أما المعية العامة، فهي ذاتية، لأن الله لم يزل ولا يزال محيطاً بالخلق علماً وقدرة وسلطاناً وغير ذلك من معاني ربوبيته.
وأما المعية الخاصة، فهي صفة فعلية، لأنها تابعة لمشيئة الله، وكل صفة مقرونة بسبب هي من الصفات الفعلية، فقد سبق لنا أن الرضى من الصفات الفعلية، لأنه مقرون بسبب، إذا وجد السبب الذي به يرضى الله، وجد الرضى، وكذلك المعية الخاصة إذا وجدت التقوى أو غيرها من أسبابها في شخص، كان الله معه.
*المبحث الرابع في المعية: هل هي حقيقية أو لا؟
ذكرنا ذلك، وأن من السلف من فسرها باللازم، وهو الذي لا يكاد يرى الإنسان سواه. ومنهم من قال: هي على حقيقتها، لكنها معية تليق بالله، خاصة به.
وهذا صريح كلام المؤلف هنا في هذا الكتاب وغيره، لكن تصان عن الظنون الكاذبة، مثل أن يظن أن الله معنا في الأرض ونحو ذلك، فإن هذا باطل مستحيل!
*المبحث الخامس في المعية: هل بينها وبين العلو تناقض؟
الجواب: لا تناقض بينهما، لوجوه ثلاثة:
الوجه الأول: أن الله جمع بينهما فيما وصف به نفسه، ولو كانا يتناقضان ما صح أن يصف الله بهما نفسه.
الوجه الثاني: أن نقول: ليس بين العلو والمعية تعارض، أصلاً، إذ من الممكن أن يكون الشيء عالياً وهو معك، ومنه ما يقوله العرب: القمر معنا ونحن نسير، والشمس معنا ونحن نسير، والقطب معنا ونحن نسير، مع أن القمر والشمس والقطب كلها في السماء، فإذا أمكن اجتماع العلو والمعية في المخلوق، فاجتماعهما في الخالق من باب أولى.
أرأيت لو أن إنساناً على جبل عالٍ، وقال للجنود: اذهبوا إلى مكان بعيد في المعركة، وأنا معكم، وهو واضع المنظار على عينيه، ينظر إليهم من بعيد، فصار معهم، لأنه الآن يبصرهم كأنهم بين يديه، وهو بعيد عنهم، فالأمر ممكن في حق المخلوق، فكيف لا يمكن في حق الخالق؟!
الوجه الثالث: أنه لو تعذر اجتماعهما في حق المخلوق، لم يكن متعذراً في حق الخالق، لأن الله أعظم وأجل، ولا يمكن أن تقاس صفات الخالق بصفات المخلوقين، لظهور التباين بين الخالق والمخلوق.
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في سفره: "اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل"[135]، فجمع بين كونه صاحباً له وخليفة له في أهله، مع أنه بالنسبة للمخلوق غير ممكن، لا يمكن أن يكون شخص ما صاحباً لك في السفر وخليفة لك في أهلك.
وثبت في الحديث الصحيح[136] أن الله عز وجل يقول إذا قال المصلي:)الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ): "حمدني عبدي". كم من مصلٍ يقول: :)الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ؟ لا يحصون، وكم من مصليين، أحدهما يقول: )الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، والثاني يقول: )إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ، وكل واحد منهما له رد، الذي يقول: ]الحمد لله رب العالمين[: يقول الله له: "حمدني عبدي". والذي يقول: )إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(: يقول الله له: "هذا بيني وبين عبدي نصفين".....
إذاً، يمكن أن يكون الله معنا حقاً وهو على عرشه في السماء حقاً، ولا يفهم أحداً أنهما يتعارضان، إلا من أراد أن يمثل الله بخلقه، ويجعل معية الخالق كمعية المخلوق.
ونحن بَينا إمكان الجمع بين نصوص العلو ونصوص المعية، فإن تبين ذلك، وإلا، فالواجب أن يقول العبد: آمنت بالله ورسوله، وصدقت بما قال الله عن نفسه ورسوله، ولا يقول: كيف يمكن؟! منكراً ذلك!
إذا قال: كيف يمكن؟! قلنا: سؤالك هذا بدعة، لم يسأل عنه الصحابة، وهم خير منك، ومسئولهم أعلم من مسئولك وأصدق وأفصح وأنصح، عليك أن تصدق، لا تقل: كيف؟ ولا لم؟ ولكن سلم تسليماً.
تنبيه:
تأمل في الآية، تجد كل الضمائر تعود على الله سبحانه وتعالى: (خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى) ، (يعلم ما يلج في الأرض)، فكذلك ضمير ]وهو معكم[، فيجب علينا أن نؤمن بظاهر الآية الكريمة، ونعلم علم اليقين أن هذه المعية لا تقتضي أن يكون الله معنا في الأرض، بل هو معنا مع استوائه على العرش. هذه المعية، إذا آمنا بها، توجب لنا خشية الله عز وجل وتقواه، ولهذا جاء في الحديث: "أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت"[137]
أما أهل الحلول، فقالوا: إن الله معنا بذاته في أمكنتنا، إن كنت في المسجد، فالله معك في المسجد والذين في السوق الله معهم فى السوق!! والذين في الحمامات الله معهم في الحمامات!!
ما نزهوه عن الأقذار والأنتان وأماكن اللهو والرفث!!
المبحث السادس: في شبهة القائلين بأن الله معنا في أمكنتنا والرد عليهم:
شبهتهم : يقولون : هذا ظاهر اللفظ : (وهو معكم) ؛ لأن كل الضمائر تعود على الله : (هو الذي خلق) ، (ثم استوى) ، (يعلم) ، (وهو معكم) ، وإذا كان معنا ؛ فنحن لا نفهم من المعية إلا المخالطة أو المصاحبة في المكان!!
والرد عليهم من وجوه:
أولاً: أن ظاهرها ليس كما ذكرتم؛ إذ لو كان الظاهر كما ذكرتم ؛ لكان في الآية تناقض: أن يكون مستوياً على العرش، وهو مع كل إنسان في أي مكان ! والتناقض في كلام الله تعالى مستحيل .
ثانياً : قولكم : "إن المعية لا تعقل إلا مع المخالطة أو المصاحبة في المكان! هذا ممنوع ؛ فالمعية في اللغة العربية أسم لمطلق المصاحبة، وهي أوسع مدلولاً مما زعمتم ؛ فقد تقتضي الاختلاط ، وقد تقتضي المصاحبة في المكان، وقد تقتضي مطلق المصاحبة وإن اختلف المكان ؛ هذه ثلاثة أشياء:
1-مثال المعية التي تقتضي المخالطة: أن يقال: اسقوني لبناً مع ماء ؛ أي : مخلوطاً بماء.
2-ومثال المعية التي تقتضي المصاحبة في المكان: قولك: وجدت فلاناً مع فلان يمشيان جميعاً وينزلان جميعاً.
3-ومثال المعية التي لا تقتضي الإختلاط ولا المشاركة في المكان: أن يقال : فلان مع جنوده . وإن كان في غرفة القيادة ، لكن يوجههم . فهذا ليس فيه اختلاط ولا مشاركة في مكان.
ويقال: زوجة فلان معه. وإن كانت هي في المشرق وهو في المغرب. فالمعية إذا كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وكما هو ظاهر من شواهد اللغة: مدلولها مطلق المصاحبة، ثم هي بحسب ما تضاف إليه. فإذا قيل :)إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا ) {النحل : 128} ؛ فلا يقتضي ذلك لا اختلاطاً ولا مشاركة في المكان ، بل هي معية لائقة بالله ، ومقتضاها النصر والتأييد.
ثالثاً: نقول: وصفكم الله بهذا ! من أبطل الباطل وأشد التنقص لله عز وجل ، والله عز وجل ذكرها هنا عن نفسه متمدحاً ؛ أنه مع علوه على عرشه ؛ فهو مع الخلق ، وإن كانوا أسفل منه ، فإذا جعلتم الله في الأرض ؛ فهذا نقص.
إذا جعلتم الله نفسه معكم في كل مكان ، وأنتم تدخلون الكنيف ؛ هذا أعظم النقص ، ولا تستطيع أن تقوله ولا لملك من ملوك الدنيا: إنك أنت في الكنيف ! لكن كيف تقوله لله عز وجل ؟!
رابعاً : يلزم على قولكم هذا أحد أمرين لا ثالث لهما ، وكلاهما ممتنع : إما أن يكون الله متجزئاً ، كل جزء منه في مكان.
وإما أن يكون متعدداً ؛ يعني : كل إله في جهة ضرورة تعدد الأمكنة.
خامساً: أن نقول : قولكم هذا أيضاً يستلزم أن يكون الله حالاً في الخلق ؛ فكل مكان في الخلق ؛ فالله تعالى فيه، وصار هذا سلماً لقول أهل وحدة الوجود. فأنت ترى أن هذا القول باطل ، ومقتضى هذا القول الكفر.
ولهذا نرى أن من قال: إن الله معنا في الأرض ؛ فهو كافر؛ يستتاب ، ويبين له الحق، فإن رجع، وإلا ؛ وجب قتله.
وهذه آيات المعية:
الآية الأولى: قوله تعالى:)هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) {الحديد: 4} : والشاهد فيها قوله: (وهو معكم أين ما كنتم) ، وهذه من المعية العامة؛ لأنها تقتضي الإحاطة بالخلق علماً وقدرة وسلطاناً وسمعاً وبصراً وغير ذلك من معاني الربوبية.
الآية الثانية: قوله: )ِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) {المجادلة: 7}.
(ما يكون) : (يكون) ؛ تامة يعني: ما يوجد.
وقوله : (من نجوى ثلاثة) : قيل: إنها من باب إضافة الصفة إلى الموصوف ، وأصلها : من ثلاثة نجوى ، ومعنى (نجوى) ؛ أي: متناجين.
وقوله: (إلا هو رابعهم) ولم يقل : إلا هو ثالثهم ؛ لأنه من غير الجنس ، وإذا كان من غير الجنس ، فإنه يؤتى بالعدد التالي، أما إذا كان من الجنس؛ فإنه يؤتى بنفس العدد، أنظر قوله تعالى عن النصارى :)لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ ){المائدة: 73}، ولم يقولوا : ثالث أثنين ؛ لأنه من الجنس على زعمهم فعندهم كل الثلاثة آلهة ، فلما كان من الجنس على زعمهم ؛ قالوا فيه : ثالث ثلاثة.
قوله : (ولا خمسة هو سادسهم) ذكر العدد الفردي ثلاثة وخمسة، وسكت عن العدد الزوجي، لكنه داخل في قوله : (ولا أدنى من ذلك): الأدنى من ثلاثة أثنان ، (ولا أكثر) من خمسة ، ستة فما فوق.
ما من اثنين فأكثر يتناجيان بأي مكان من الأرض ؛ إلا والله عز وجل معهم.
وهذه المعية عامة؛ لأنها تشمل كل أحد: المؤمن ، والكافر، والبر، والفاجر ، ومقتضاها الإحاطة بهم علماً وقدرة وسمعاً وبصراً وسلطاناً وتدبيراً وغير ذلك.
وقوله: )ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة( ؛ يعني : أن هذه المعية تقتضي إحصاء ما عملوه ؛ فإذا كان يوم القيامة ؛ نبأهم بما عملوا ؛ يعني: أخبرهم به وحاسبهم عليه ؛ لأن المراد بالإنباء لازمه ، وهو المحاسبة ، لكن إن كانوا مؤمنين ؛ فإن الله تعالى يحصي أعمالهم ، ثم يقول : "سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم"[138].
وقوله عز وجل : ]إن الله بكل شيء عليم[ : كل شيء موجود أو معدوم ، جائز أو واجب أو ممتنع ، كل شيء ؛ فالله عليم به. وقد سبق لنا الكلام على صفة العلم ، وأن علم الله يتعلق بكل شيء، حتى بالواجب والمستحيل والصغير والكبير ، والظاهر والخفي.
وقوله : ) لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا )(1) ............................................
(1)الآية الثالثة: ]لا تحزن إن الله معنا[ {التوبة: 40}.
الخطاب لأبي بكر من النبي ، صلى الله عليه وسلم : ؛ قال الله تعالى:)إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّه)(التوبة: من الآية40) إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه( لا تحزن إن الله معنا) {التوبة:40}.
أولاً: نصره حين الإخراج ]إذ أخرجه الذين كفروا[ .
ثانياً: وعند المكث في الغار ]إذ هما في الغار[.
ثالثاً: عند الشدة حينما وقف المشركون على فم الغار : ]إذ يقول لصاحبه لا تحزن[.
فهذه ثلاثة مواقع بين الله تعالى فيها نصره لنبيه ، صلى الله عليه وسلم .
وهذا الثالث حين وقف المشركون عليهم ؛ يقول أبو بكر : "يا رسول الله ! لو نظر أحدهم إلى قدمه ؛ لأبصرنا"[139]؛ يعني : إننا على خطر ؛ كقول أصحاب موسى لما وصلوا إلى البحر : (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) {الشعراء: 61}، فقال )َ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الشعراء:62) وهنا قال النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لأبي بكر رضي الله عنه : ]لا تحزن إن الله معنا[ . فطمأنه وأدخل الأمن في نفسه ، وعلل ذلك بقوله: ]إن الله معنا[ .
وقوله : ]لا تحزن[ : نهي يشمل الهم مما وقع وما سيقع؛ فهو صالح للماضي والمستقبل.
والحزن: تألم النفس وشدة همها.



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 15 Mar 2010, 05:11 AM   #42
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


]إن الله معنا[ : وهذه المعية خاصة، مقيدة بالنبي ، صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وتقتضي مع الإحاطة التي هي المعية العامة النصر والتأييد. ولهذا وقفت قريش على الغار ، لوم يبصروهما ! أعمى الله أبصارهم. وأما قول من قال : فجاءت العنكبوت فنسجت على باب الغار ، والحمامة وقعت على باب الغار، فلما جاء المشركون ، وإذا على الغار ، حمامة وعش عنكبوت ، فقالوا: ليس فيه أحد؛ فانصرفوا . فهذا باطل!! الحماية الإلهية والآية البالغة أن يكون الغار مفتوحاً صافياً ؛ ليس فيه مانع حسي ، ومع ذلك لا يرون من فيه، هذه هي الآية!!
أما أن تأتي حمامة وعنكبوت تعشش ؛ فهذا بعيد ، وخلاف قوله: "لو نظر أحدهم إلى قدمه، لأبصرنا".
المهم أن بعض المؤرخين عفا الله عنهم يأتون بأشياء غريبة شاذة منكرة لا يقبلها العقل ولا يصح بها النقل.
) إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)(1) .............................
(1)الآية الرابعة: قوله: ) إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى){طه: 46}.
هذا الخطاب موجه لموسى وهارون ، لما أمرهما الله عز وجل أن يذهبا إلى فرعون ؛ قال: ()اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) ()فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) )قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى( {طه:43-46}.
فقوله : (أسمع وأرى(: جملة استئنافية لبيان مقتضى هذه المعية الخاصة، وهو السمع والرؤية، وهذا سمع ورؤية خاصان تقتضيان النصر والتأييد والحماية من فرعون الذي قالا عنه: (إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى) .
)إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (1) ، وقوله) وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (2).......................................
(1)لآية الخامسة: قوله:)إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ{النحل: 128}.
هذه جاءت بعد قوله :)وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِين)َ )وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) {النحل: 126-127}.
عقوبة الجاني بمثل ما عوقب به من باب التقوى ، وبأكثر ظلم وعدوان، والعفو إحسان ، ولهذا قال: )إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل:128)
والمعية هنا خاصة مقيدة بصفة: كل من كان من المتقين المحسنين؛ فالله معه.
وهذا يثمر لنا بالنسبة للحالة المسلكية : الحرص على الإحسان والتقوى ؛ فإن كل إنسان يحب أن يكون الله معه.
(2) الآية السادسة: قوله: ) وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ){الأنفال:46}.
سبق لنا أن الصبر حبس النفس على طاعة الله ، وحبسها عن معصية الله، وحبسها عن التسخط على أقدار الله ؛ سواء باللسان أو بالقلب أو بالجوارح.
وأفضل أنواع الصبر: الصبر على طاعة الله، ثم عن معصية الله لأن فيهما اختياراً : إن شاء الإنسان فعل المأمور، وإن شاء لم يفعل ، وإن شاء ترك المحرم وإن شاء ما تركه ، ثم على أقدار الله ؛ لأن أقدار الله واقعة شئت أم أبيت؛ فإما أن تصبر صبر الكرام وإما أن تسلو سلو البهائم.
والصبر درجة عالية لا تنال إلا بشيء يصبر عليه ، أما من فرشت له الأرض وروداً ، وصار الناس ينظرون إلى ما يريد ؛ فإنه لا بد أن يناله شيء من التعب النفسي أو البدني الداخلي أو الخارجي.
ولهذا جمع الله لنبيه عليه الصلاة والسلام بين الشكر والصبر.
فالشكر ؛ كان يقوم حتى تتورم قدماه ، فيقول : "افلا أكون عبداً شكورا" [140]
والصبر : صبر على ما أوذي ، فقد أوذي من قومه ومن غيرهم من اليهود والمنافقين، ومع ذلك؛ فهو صابر.
) كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)(1)................................. .
(1)الآية السابعة : قوله) كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ){البقرة:249} .
]كم[ : خبرية ، تفيد التكثير ؛ يعني: فئة قليلة غلبت فئة كثيرة عدة مرات، أو فئات قليلة متعددة غلبت فئات كثيرة متعددة، لكن لا بحولهم ولا بقوتهم، بل بإذن الله ، أي: بإرادته وقدرته.
ومن ذلك: أصحاب طالوت غلبوا عدوهم وكانوا كثيرين.
ومن ذلك: أصحاب بدر غلبوا قريشاً وهم كثيرون .
أصحاب بدر خرجوا لغير قتال، بل لأخذ عير أبي سفيان ، وأبو سفيان لما علم بهم؛ أرسل صارخاً إلى أهل مكة يقول: أنقذوا عيركم، محمد وأصحابه خرجوا إلينا يريدون أخذ العير. والعير فيها أرزاق كثيرة لقريش، فخرجت قريش بأشرافها وأعيانها وخيلائها وبطرها، يظهرون القوة والفخر والعزة ، حتى قال أبو جهل: والله ؛ لا نرجع حتى نقدم بدراً فنقيم فيها ثلاثاً ؛ ننحر الجذور، ونسقي الخمور، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب ؛ فلا يزالون يهابوننا أبداً.
فالحمد لله ، غنوا عل قتله هو ومن معه!
كان هؤلاء القوم ما بين تسعمائة وألف، كل يوم ينحرون من الإبل تسعاً إلى عشر، والنبي عليه الصلاة والسلام هو أصحابه ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً ، معهم سبعون بعيراً وفرسان فقط يتعاقبونها ، ومع ذلك قتلوا الصناديد العظماء لقريش حتى جيفوا وانتفخوا من الشمس وسحبوا إلى قليب من قلب بدر خبيثة.
فـ ) كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ(؛ لأن الفئة القليلة صبرت، (والله مع الصابرين) ؛ صبرت كل أنواع الصبر؛ على طاعة الله ، وعن معصية الله، وعلى ما أصابها من الجهد والتعب والمشقة في تحمل أعباء الجهاد، (والله مع الصابرين) .
انتهت آيات المعية، وسيأتي للمؤلف رحمه الله فصل كامل في تقريرها.
فما هي الثمرات التي نستفيدها بأن الله معنا؟
أولاً: الإيمان بإحاطة الله عز وجل بكل شيء ، وأنه مع علوه فهو مع خلقه، لا يغيب عنه شيء من أحوالهم أبداً.
ثانياً: أننا إذا علمنا ذلك وآمنا به؛ فإن ذلك يوجب لنا كمال مراقبته بالقيام بطاعته وترك معصيته ؛ بحيث لا يفقدنا حيث أمرنا ، ولا يجدنا حيث نهانا ، وهذه ثمرة عظيمة لمن آمن بهذه المعية.
إثبات الكلام لله تعالى وأن القرآن من كلامه تعالى
قوله : ) وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً)(1)، ) وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً)(2)...........................
(1)ذكر المؤلف رحمه الله الآيات الدالة على كلام الله تعالى وأن القرآن من كلامه تعالى.
الآية الأولى والثانية: قوله: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً) {النساء: 87} (ومن أصدق من الله قيلاً) {النساء: 122}.
(ومن) : اسم استفهام بمعنى النفي ، وإتيان النفي بصيغة الإستفهام أبلغ من إتيان النفي مجرداً ؛ لأنه يكون بالاستفهام مشرباً معنى التحدي؛ كأنه يقول : لا أحد أصدق من الله حديثاً ، وإذا كنت تزعم خلاف ذلك؛ فمن اصدق من الله؟
وقوله: (حديثاً) و (قيلاً): تمييز لـ(أصدق).
وإثبات الكلام في هاتين الآيتين يؤخذ من: قوله: (أصدق)؛ لأن الصدق يوصف به الكلام ، وقوله: (حديثاً( لأن الحديث هو الكلام، ومن قوله في الآية الثانية:)قيلاً(؛ يعني : قولاً ، والقول لا يكون إلا باللفظ.
ففيهما إثبات الكلام لله عز وجل، وأن كلامه حق وصدق ، ليس فيه كذب بوجه من الوجوه.
)وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ )(1).....................................
(1)الآية الثالثة: قوله: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ){المائدة: 116}.
قوله : (يا عيسى) : مقول القول، وهي جملة من حروف : (يا عيسى ابن مريم).
ففي هذا إثبات أن الله يقول : وأن قوله مسموع، فيكون بصوت ، وأن قوله كلمات وجمل ، فيكون بحرف.
ولهذا كانت عقيدة أهل السنة والجماعة : أن الله يتكلم بكلام حقيقي متى شاء ، كيف شاء، بما شاء ، بحرف وصوت، لا يماثل أصوات المخلوقين.
"متى شاء" : باعتبار الزمن.
"بما شاء" :باعتبار الكلام؛ يعني: موضوع الكلام من أمر أو نهي أو غير ذلك.
"كيف شاء" : يعني على الكيفية والصفة التي يريدها سبحانه وتعالى. قلنا: إنه بحرف وصوت لا يشبه أصوات المخلوقين.
الدليل على هذا من الآية الكريمة (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم): هذا حروف.
وبصوت؛ لأن عيسى يسمع ما قال.
لا يماثل أصوات المخلوقين ؛ لأن الله قال: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) {الشورى: 11}.
)وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً )(1) وقوله ) وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً)(2)..................................
(1)الآية الرابعة: قوله: (وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً) {الأنعام: 115} .
(كلمة)؛ بالإفراد، وفي قراءة (كلمات) ؛ بالجمع ، ومعناها واحد؛ لأن ]كلمة[ مفرد مضاف فيعم.
تمت كلمات الله عز وجل على هذين الوصفين: الصدق والعدل، والذي يوصف بالصدق الخبر، والذي يوصف بالعدل الحكم، ولهذا قال المفسرون : صدقاً في الأخبار، وعدلاً في الأحكام.
فكلمات الله عز وجل في الأخبار صدق لا يعتريها الكذب بوجه الوجوه ، وفي الأحكام عدل لا جور فيها بوجه من الوجوه.
هنا وصفت الكلمات بالصدق والعدل . إذا ؛ فهي أقوال ؛ لأن القول هو الذي يقال فيه : كاذب أو صادق.
(2)الآية الخامسة : قوله: (وكلم الله موسى تكليماً) {النساء:164}.
(الله) : فاعل ؛ فالكلام واقع منه.
(تكليماً) : مصدر مؤكد ، والمصدر المؤكد بكسر الكاف-؛ قال العلماء: إنه ينفي احتمال المجاز. فدل على أنه كلام حقيقي؛ لأن المصدر المؤكد ينفي احتمال المجاز.
أرأيت لو قلت : جاء زيد. فيفهم أنه جاء هو نفسه، ويحتمل أن يكون المعنى جاء خبر زيد، وإن كان خلاف الظاهر ، لكن إذا أكدت فقلت: جاء زيد نفسه. أو : جاء زيدٌ انتفى احتمال المجاز.
فكلام الله عز وجل لموسى كلام حقيقي ، بحرف وصوت سمعه ، ولهذا جرت بينهما محاورة ؛ كما في سورة طه وغيرها.
) مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ)(1) وقوله )وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ )(2) )وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً) (3)............................................
(1)الآية السادسة : قوله : (منهم من كلم الله) {البقرة:253}.
(منهم) ؛أي: من الرسل
(من كلم الله) : الاسم الكريم (الله) فاعل كلّم، ومفعولها محذوف يعود على (من) ، والتقدير: كلمه الله.
(2)الآية السابعة: قوله: وقوله: (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه) .
{الأعراف:143}.
*أفادت هذه الآية أن الكلام يتعلق بمشيئته ، وذلك لأن الكلام صار حين المجيء. ، لا سابقاً عليه، فدل هذا على أن كلامه يتعلق بمشيئته.
فيبطل به قول من قال: إن كلامه هو المعنى القائم بالنفس ، وإنه لا يتعلق بمشيئته ؛ كما تقوه الأشاعرة.
وفي هذه الآية إبطال زعم من زعم أن موسى فقط هو الذي كلم الله ، وحرف قوله تعالى: (وكلم الله موسى تكليم) إلى نصب الاسم الكريم؛ لأنه في هذه الآية لا يمكنه زعم ذلك ولا تحريفها.
(3)الآية الثامنة: قوله: وقوله: (وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا) .{مريم:52}.
(وناديناه) : ضمير الفاعل يعود إلى الله ، وضمير المفعول يعود إلى موسى؛ أي: نادى الله موسى.
(نجياً) : حال ، وهو فعيل بمعنى مفعول ؛ أي : مناجي.
والفرق بين المناداة والمناجاة أن المناداة تكون للبعيد ، والمناجاة تكون للقريب وكلاهما كلام.
وكون الله عز وجل يتكلم مناداة ومناجاة داخل في قول السلف: "كيف شاء".
فهذه الآية مما يدل على أن الله يتكلم كيف شاء مناداة كان الكلام أو مناجاة.
)وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (1) ) وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ)(2)...........
(1)الآية التاسعة: قوله: (وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين) {الشعراء:10}.
(وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى ) ؛ يعني: واذكر إذ نادى.
والشاهد قوله: (وإذ نادى ربك موسى) : فسر النداء بقوله: (أن ائت القوم الظالمين).
فالنداء يدل على أنه بصوت، و (أن ائت القوم الظالمين) : يدل على أنه بحرف.
(2)الآية العاشرة: قوله: (وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة) {الأعراف:22}.
(وناداهما): ضمير المفعول يعود على آدم وحواء.
(ألم أنهكما عن تلكما الشجرة): يقرر أنه نهاهما عن تلكما الشجرة ، وهذا يدل على أن الله كلمهما من قبل، وأن كلام الله بصوت وحرف، ويدل على أنه يتعلق بمشيئته ؛ لقوله: (ألم أنهكما) ؛ فإن هذا القول بعد النهي، فيكون متعلقاً بالمشيئة.
)وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) (1)...................................
(1)الآية الحادية عشرة: قوله: ]ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين[ {القصص:65}.
يعني : واذكر يوم يناديهم، وذلك يوم القيامة ، والمنادي هو الله عز وجل:]فيقول[.
وفي هذه الآية إثبات الكلام من وجهين: النداء والقول.
وهذه الآيات تدل بمجموعها على أن الله يتكلم بكلام حقيقي، متى شاء ، بما شاء ، بحرف وصوت مسموع، لا يماثل أصوات المخلوقين.
وهذه هي العقيدة السلفية عقيدة أهل السنة والجماعة.


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 15 Mar 2010, 05:11 AM   #43
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


إثبات أن القرآن كلام الله تعالى
ذكر المؤلف رحمه الله الآيات الدالة على أن القرآن كلام الله. وهذه المسألة وقع فيها النزاع الكثير بين المعتزلة وأهل السنة ، وحصل بها شر كثير على أهل السنة ، وممن أوذي في الله في ذلك الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إمام أهل السنة، الذي قال فيه بعض العلماء: "إن الله سبحانه وتعالى حفظ الإسلام (أو قال: نصره) بأبي بكر يوم الردة، وبالإمام أحمد يوم المحنة".
والمحنة: هو أن المأمون عفا الله عنا وعنه أجبر الناس على أن يقولوا بخلق القرآن ، حتى إنه صار يمتحن العلماء ويقتلهم إذا لم يجيبوا ، وأكثر العلماء رأوا أنهم في فسحة من الأمر، وصاروا يتأولون:
إما بأن الحال حال إكراه ، والمكره إذا قال الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان؛ فإنه معفو عنه.
وإما بتنزيل اللفظ على غير ظاهره؛ يتأولون، فيقولون مثلاً: القرآن والتوراة والإنجيل والزبور؛ هذه مخلوقة . وهو يتأول أصابعه.
أما الإمام أحمد ومحمد بن نوح [141] رحمهما ؛ فأبيا ذلك، وقالا: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق . ورأيا أن الإكراه في هذا المقام لا يسوغ لهما أن يقولا خلاف الحق؛ لأن المقام مقام جهاد ، والإكراه يقتضي العفو إذا كانت المسألة شخصية؛ بمعنى أن تكون على الشخص نفسه، أما إذا كانت المسألة لحفظ شريعة الله ؛ فالواجب أن يتبرع الإنسان برقبته لحفظ شريعة الله عز وجل فالواجب أن يتبرع الإنسان برقبته لفظ شريعة الله.
لو قال الإمام أحمد في ذلك الوقت : إن القرآن مخلوق ، ولو بتأويل أو لدفع الإكراه ؛ لقال الناس كلهم : القرآن مخلوق! وحينئذ يتغير المجتمع الإسلامي من أجل دفع الإكراه، لكنه صمم ، فصارت العاقبة له، ولله الحمد.
المهم أن القول في القرآن جزء من القول في كلام الله على العموم ، لكن لما وقعت فيه المحنة، وصار محك النزاع بين المعتزلة وأهل السنة ؛ صار الناس يفردون القول في القرآن بكلام خاص، والمؤلف رحمه الله من الآن ساق الآيات الدالة على أن القرآن كلام الله في آيات متعددة.
)وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ)(1)................................
(1)الآية الأولى : قوله: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) {التوبة:6}.
(أحد) : هذه اسم ، و (وإن) : أداة الشرط ، والاسم إذا ولي أداة الشرط ؛ فقد ولي أداة لا يليها إلا الفعل، فاختلف النحويون في هذا: فقال بعضهم: إنه فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده ، وعليه يكون ]أحد[ فاعل لفعل محذوف ، والتقدير: وإن استجارك أحد من المشركين؛ فأجره، ومثلها: ]إذا السماء انشقت (1) [ الانشقاق : 1 ] ؛ فـ ( السماء ) : فاعل لفعل محذوف ، والتقدير : إذا السماء انشقت .
القول الثاني: وهو قول الكوفيين وهم في الغالب أسهل من البصريين: أن (أحد) فاعل مقدم، والفعل استجارك مؤخر ، ولا حاجة للتقدير.
القول الثالث: أن ورود الأسماء بعد أدوات الشرط في القرآن كثيراً يدل على عدم امتناعه، وعلى هذا القول يكون الإسم الواقع بعد أداة الشرط مبتدأ إذا كان مرفوعاً، فيكون (أحد) : مبتدأ ، و (استجارك) : خبر المبتدأ.
والقاعدة عندي أن ما كان أسهل من أقوال النحويين؛ فهو المتبع، حيث لا مانع شرعاً من ذلك.
قوله : (استجارك) ؛ أي: طلب جوارك، والجوار: بمعنى العصمة والحماية.
(حتى يسمع) : (حتى) : للغاية ؛ والمعنى: إن أحد استجارك ليسمع كلام الله ؛ فأجره حتى يسمع كلام الله ؛ أي: القرآن، وهذا بالاتفاق.
وإنما قال: (فأجره حتى يسمع كلام الله) ؛ لأن سماع كلام الله عز وجل مؤثر ولا بد كما قال تعالى: (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد){ق:37}، وكم من إنسان سمع كلام الله فآمن ، لكن بشرط أن يكون يفهمه تماماً.
وقوله : (كلام الله) : أضاف الكلام إلى نفسه ، فقال: (كلام الله) ، فدل هذا على أن القرآن كلام الله، وهو كذلك.
وعقيدة أهل السنة والجماعة في القرآن ؛ يقولون : إن القرآن كلام الله ، منزل ، غير مخلوق منه بدأ ، وإليه يعود. قولهم : (( كلام الله )) : دليله : قوله تعالى هنا : ( فأجره حتى يسمع كلام الله ) [ التوبة : 6 ] ، وبما يأتي من الآيات .
قولهم : "منزل": دليله قوله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) {البقرة:185} ، وقوله: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) {القدر: 1} ، وقوله: (وقرأنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً) {الإسراء:106}.
وقولهم: "غير مخلوق" : دليله: قوله تعالى: (ألا له الخلق والأمر) {الأعراف:54} ؛ فجعل الخلق شيئاً والأمر شيئاً آخر؛ لأن العطف يقتضي المغايرة ، والقرآن من الأمر؛ بدليل قوله تعالى: (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا) {الشورى:52}؛ فإذا كان القرآن أمراً ، وهو قسيم للخلق؛ صار غير مخلوق ؛ لأنه لو كان مخلوقاً؛ ما صح التقسيم. وهذا دليل سمعي.
أما الدليل العقلي؛ فنقول: القرآن كلام الله، والكلام ليس عيناً قائمة بنفسها حتى يكون بائناً من الله، ولو كان عيناً قائمة بنفسها بائنة من الله ؛ لقلنا: إنه مخلوق ، لكن الكلام صفة للمتكلم به، فإذا كان صفة للمتكلم به، وكان من الله؛ كان غير مخلوق؛ لأن صفات الله عز وجل كلها غير مخلوقة.
وأيضاً ؛ لو كان مخلوقاً ؛ لبطل مدلول الأمر والنهي والخبر والاستخبار ؛ لأن هذه الصيغ لو كانت مخلوقة. لكانت مجرد أشكال خلقت على هذه الصورة لا دلالة لها على معناها؛ كما يكون شكل النجوم والشمس والقمر ونحوها.
وقولهم: "منه بدأ"؛ أي: هو الذي ابتدأ به، وتكلم به أولاً. والقرآن أضيف إلى الله وإلى جبريل وإلى محمد ، صلى الله عليه وسلم .
مثال الأول: قول الله عز وجل: (فأجره حتى يسمع كلام الله) {التوبة:6} ، فيكون منه بدأ؛ أي: من الله جل جلاله ، ومنه: حرف جر وضمير قدم على عامله لفائدة الحصر والاختصاص.
ومثال الثاني-إضافته إلى جبريل-: قوله تعالى: (إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين) {التكوير : 19-20} .
ومثال الثالث- إضافته إلى محمد عليه الصلاة والسلام -: قوله: (إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر) {الحاقة: 40-41} ، لكن أضيف إليهما لأنهما يبلغانه، لا لأنهما ابتدأاه.
وقولهم: "وإليه يعود" : في معناه وجهان:
الأول: أنه كما جاء في بعض الآثار : يسرى عليه في ليلة ، فيصبح الناس ليس بين أيديهم قرآن ؛ لا في صدورهم ، ولا في مصاحفهم ، يرفعه الله عز وجل[142].
وهذا-والله أعلم-حينما يعرض عنه الناس إعراضاً كلياً؛ لا يتلونه لفظاً ولا عقيدة ولا عملاً ؛ فإنه يرفع ؛ لأن القرآن أشرف من أن يبقى بين يدي أناس هجروه وأعرضوا عنه فلا يقدرونه قدره، وهذا-والله أعلم-نظير هدم الكعبة في آخر الزمان[143] ؛ حيث يأتي رجل من الحبشة قصير أفحج أسود ، يأتي بجنوده من البحر إلى المسجد الحرام، وينقض على الكعبة حجراً حجراً، كلما نقض حجراً ؛ مده للذي يليه . . . . وهكذا يتمادون الأحجار إلى أن يرموها في البحر، والله عز وجل يمكنهم من ذلك، مع أن أبرهة جاء بخيله ورجله وفيله فقصمه الله قبل أن يصل إلى المسجد لأن الله علم أنه سيبعث هذا النبي وتعاد إلى المسجد هيبته وعظمته، ولكن آخر الزمان لن يبعث نبي بعد محمد عليه الصلاة والسلام، وإذا أعرض الناس عن تعظيم هذا البيت نهائياً ؛ فإنه يسلط عليه هذا الرجل من الحبشة ؛ فهذا نظير رفع القرآن . والله أعلم.
الوجه الثاني: في معنى قولهم : "وإليه يعود" : أنه يعود إلى الله وصفاً ؛ أي أنه لا يوصف به أحد سوى الله فيكون المتكلم بالقرآن هو الله عز وجل، وهو الموصوف به.
ولا مانع من أن نقول: إن المعنيين كلاهما صحيح.
هذا كلام أهل السنة والجماعة في القرآن الكريم.
ويرى المعتزلة أن القرآن مخلوق، وليس كلام الله!
ويستدلون لذلك بقول الله تعالى:)اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ){الزمر:62} ، والقرآن شيء ، فيدخل في عموم قوله: (كل شيء) ، ولأنه ما ثم إلا خالق ومخلوق ، والله خالق ، وما سواه مخلوق.
والجواب من وجهين:
الأول : أن القرآن كلام الله تعالى، وهو صفة من صفات الله ، وصفات الخالق غير مخلوقة.
الثاني: أن مثل هذا التعبير (كل شيء) عام قد يراد به الخاص ؛ مثل قوله تعالى عن ملكة سبأ :]وأوتيت من كل شيء[{النمل:23}، وقد خرج شيء كثير لم يدخل في ملكها منه شيء؛ مثل ملك سليمان.
فإن قال قائل: هل هناك فرق كبير بين قولنا : إنه منزل ، وقولنا :إنه مخلوق؟
فالجواب : نعم؛ بينهما فرق كبير، جرت بسببه المحنة الكبرى في عصر الإمام أحمد.
فإذا قلنا : إنه منزل. فهذا ما جاء به القرآن ؛ قال الله تعالى: )تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ ){الفرقان:1}.
وإذا قلنا: إنه مخلوق. لزم من ذلك:
أولاً: تكذيب للقرآن ؛ لأن الله يقول: ]وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا[{الشورى:52}، فجعله الله تعالى موحى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولو كان مخلوقاً ؛ ما صح أن يكون موحى ؛ فإذا كان وحياً لزم ألا يكون مخلوقاً؛ لأن الله هو الذي تكلم به.
ثانياً: إذا قلنا: إنه مخلوق ؛ فإنه يلزم على ذلك إبطال مدلول الأمر والنهي والخبر والاستخبار ؛ لأن هذه الصيغ لو كانت مخلوقة ؛ لكانت مجرد شكل خلق على هذه الصورة؛ كما خلقت الشمس على صورتها ، والقمر على صورته، والنجم على صورته. . وهكذا ، ولم تكن أمراً ولا نهياً ولا خبراً ولا استخباراً ؛ فمثلاً : كلمة (قل) (لا تقل) (قال فلان) (هل قال فلان) كلها نقوش على هذه الصورة ، فتبطل دلالتها على الأمر والنهي والخبر والاستخبار ، وتبقى كأنها صور ونقوش لا تفيد شيئاً.
ولهذا قال ابن القيم في "النونية" : "إن هذا القول يبطل به الأمر والنهي؛ لأن الأمر كأنه شيء خلق على هذه الصورة دون أن يعتبر مدلوله ، والنهي خلق على هذه الصورة دون أن يقصد مدلوله، وكذلك الخبر والاستخبار".
ثالثاً: إذا قلنا: إن القرآن مخلوق، وقد أضافه إلى نفسه إضافة خلق؛ صح أن نطلق على كل كلام من البشر وغيرهم أنه كلام الله؛ لأن كل كلام الخلق مخلوق، وبهذا التزم أهل الحلول والاتحاد ؛ حيث يقول قائلهم:
وكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه
وهذا اللازم باطل، وإذا بطل اللازم بطل الملزوم.
فهذه ثلاثة أوجه تبطل القول بأنه مخلوق.
والوجه الرابع : أن نقول: إذا جوزتم أن يكون الكلام-وهو معنى لا يقوم إلا بمتكلم مخلوقاً ؛ لزمكم أن تجوزوا أن تكون جميع صفات الله مخلوقة ؛ إذ لا فرق ؛ فقولوا إذا: سمعه مخلوق ، وبصره مخلوق. . . . وهكذا.
فإن أبيتم إلا أن تقولوا: إن السمع معنى قائم بالسامع لا يسمع منه ولا يرى، بخلاف الكلام ؛ فإنه جائز أن الله يخلق أصواتاً في الهواء فتسمع !! قلنا لكم : لو خلق أصواتاً في الهواء، فسمعت ؛ لكان المسموع وصفاً للهواء ، وهذا أنتم بأنفسكم لا تقولوه ؛ فكيف تعيدون الصفة إلى غير موصوفها ؟!
هذه وجوه أربعة كلها تدل على أن القول بخلق القرآن باطل، ولو لم يكن منه إلا إبطال الأمر والنهي والخبر والاستخبار ؛ لكان ذلك كافياً.
) وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)(1). .......................
(1)الآية الثانية: قوله: (وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون) {البقرة:75}.
هذا في سياق قوله تعالى: (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم) ؛ يعني: لا تطمعون أن يؤمنوا لكم ؛ أي : اليهود.
(فريق منهم) : طائفة منهم، وهم علماؤهم.
(يسمعون كلام الله) : يحتمل أن يراد به القرآن ، وهو ظاهر صنيع المؤلف، فيكون دليلاً على أن القرآن كلام الله . ويحتمل أن يراد به كلام الله تعالى لموسى حين اختار موسى سبعين رجلاً لميقات الله تعالى، فكلمه الله وهم يسمعون ، فحرفوا كلام الله تعالى من بعدما عقلوه وهم يعلمون. ولم أر الاحتمال الأول لأحد من المفسرين.
أيا كان ؛ ففيه إثبات أن كلام الله بصوت مسموع ، والكلام صفة المتكلم ، وليس شيئاً بائناً منه؛ فوجب أن يكون القرآن كلام الله لا كلام غيره.
(ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون) : (يحرفونه) : أي : يغيرون معناه.
وقوله: (من بعد ما عقلوه وهم يعلمون) :هذا أشد في قبح عملهم وجرأتهم على الله سبحانه وتعالى: أن يحرفوا الشيء من بعد ما عقلوه ووصل إلى عقولهم وهم يعلمون أنهم محرفون له؛ لأن الذي يحرف المعنى عن جهل أهون من الذي يحرفه بعد العقل والعلم.
) يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ )(1).........................................
(1) الآية الثالثة ]يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل[ {الفتح:15}.
في هذه الآية إثبات أن القرآن كلام الله؛ لقوله: (يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل).
والضمير يعود على الأعراب الذين قال الله فيهم:)سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ ) {الفتح: 15}؛ فهؤلاء أرادوا أن يبدلوا كلام الله ، فيخرجوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولكن الله تعالى إنما كتب المغانم لقوم معينين ، للذين غزوا في الحديبية ، وأما من تبعوه لأخذ الغنائم فقط؛ فلا حق لهم فيها.
وفي الآية ايضاً إثبات القول لله تعالى ؛ لقوله : (كذلكم قال الله من قبل) .
)وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ)(1) .....................................
(1) الآية الرابعة: قوله: (واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته {الكهف: 27}.
قوله: (ما أوحي إليك) ؛ يعني : القرآن ، والوحي لا يكون إلا قولاً ؛ فهو إذا غير مخلوق.
وقوله: (من كتاب ربك) : أضافه إليه سبحانه وتعالى ؛ لأنه هو الذي تكلم به، أنزله على محمد ، صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل الأمين.
(لا مبدل لكلماته) ؛ يعني : لا أحد يبدل كلمات الله ، أما الله عز وجل ؛ فيبدل آية مكان آية ؛ كما قال تعالى: )وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ){النحل: 101}.
وقوله: (لا مبدل لكلماته) : يشمل الكلمات الكونية والشرعية:
أما الكونية: فلا يستثنى منها شيء ، لا يمكن لأحد أن يبدل كلمات الله الكونية: إذا قضى الله على شخص بالموت؛ ما استطاع أحد أن يبدل ذلك. إذا قضى الله تعالى بالفقر؛ ما استطاع أحد أن يبدل ذلك.
إذا قضى الله تعالى بالجدب؛ ما استطاع أحد أن يبدل ذلك.
وكل هذه الأمور التي تحدث في الكون ؛ فإنها بقوله ؛ لقوله تعالى: )إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ){يس:82}.
- أما الكلمات الشرعية؛ فإنها قد تبدل من قبل أهل الكفر والنفاق، فيبدلون الكلمات: إما بالمعنى، وإما باللفظ إن استطاعوا، أو بهما.
وفي قوله: ]لكلماته[ دليل على أن القرآن كلام الله تعالى.
)إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (1) )وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ )(2).....
(1)الآية الخامسة: قوله: ()إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) {النمل:76}.
الشاهد قوله: ]يقص[ ، والقصص لا يكون إلا قولاً ؛ فإذا كان القرآن هو الذي يقص ؛ فهو كلام الله ؛ لأن الله تعالى هو الذي قص هذه القصص؛ قال الله سبحانه وتعالى: )نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ){يوسف:3} ، وحينئذ يكون القرآن كلام الله عز وجل.


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 15 Mar 2010, 05:12 AM   #44
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


إثبات أن القرآن منزل من الله تعالى
(2) ذكر المؤلف رحمه الله الآيات التي فيها أن القرآن منزل من الله تعالى:
الآية الأولى : قوله: ()وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ)(الأنعام:155}.
(وهذا كتاب) : المشار إليه القرآن .
( كتاب) أي: مكتوب ؛ لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ ، ومكتوب في الصحف التي بأيدي السفرة ، ومكتوب في المصاحف التي بأيدينا.
وقوله: (مبارك) ؛ أي: ذو بركة.
فهو مبارك ؛ لأنه شفاء لما في الصدور ، إذا قرأه الإنسان بتدبر وتفكر ؛ فإنه يشفي القلب من المرض ، وقد قال الله تعالى: )وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ){الإسراء:82}.
مبارك في اتباعه ؛ إذ به صلاح الأعمال الظاهرة والباطنة.
مبارك في آثاره العظيمة ؛ فقد جاهد المسلمون به بلاد الكفر ؛ لأن الله يقول : (وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً){الفرقان:52}، والمسلمون فتحوا مشارق الأرض ومغاربها بهذا القرآن حتى ملكوها ، ولو رجعنا إليه ؛ لملكنا مشارق الأرض ومغاربها ؛ كما ملكها أسلافنا ، ونسأل الله ذلك.
مبارك في أن من قرأه ؛ فله بكل حرف عشر حسنات ؛ فكلمة (قال) مثلاً فيها ثلاثون حسنة ، وهذا من بركة القرآن ؛ فنحن نحصل خيرات كثيرة لا تحصى بقراءة آيات وجيزة من كلام الله عز وجل.
والحاصل: أن القرآن كتاب مبارك؛ فكل أنواع البركة حاصلة بهذا القرآن العظيم.
والشاهد في قوله: (أنزلناه).
وثبوت نزوله من الله دليل على أنه كلامه.
)لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّه)(1).......................................
(1)الآية الثانية: قوله: ]لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله[{الحشر:21}.
* الجبل من أقسى ما يكون ، والحجارة التي منها تتكون الجبال هي مضرب المثل في القساوة ؛ قال الله تعالى:)ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ) {البقرة: 74}، ولو نزل هذا القرآن على جبل ؛ لرأيت هذا الجبل خاشعاً متصدعاً من خشية الله.
(خاشعاً) ؛ أي: ذليلاً.
ومن شدة خشيته لله يكون (متصدعاً) يتفلق ويتفتق.
وهو ينزل على قلوبنا ، وقلوبنا إلا أن يشاء الله تضمر وتقسو لا تتفتح ولا تتقبل.
فالذين آمنوا إذا نزلت عليهم الآيات ؛ زادتهم إيماناً، والذين في قلوبهم مرض ؛ تزيدهم رجساً إلى رجسهم؛ والعياذ بالله!
ومعنى ذلك : أن قلوبهم تتصلب وتقسو أكثر وتزداد رجساً إلى رجسها ، نعوذ بالله من ذلك!
وهذا القرآن لو أنزل على جبل ؛ لتصدع الجبل وخشع ؛ لعظمة ما أنزل عليه من كلام الله.
وفي هذا دليل على أن للجبل إحساساً؛ لأنه يخشع ويتصدع ، والأمر كذلك ، قال النبي ، صلى الله عليه وسلم في أحد: "هذا أحد جبل يحبنا ونحبه"[144] .
وبهذا الحديث نعرف الرد على المثبتين للمجاز في القرآن ، والذي يرفعون دائماً علمهم مستدلين بهذه الآية: )فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ ) {الكهف:77}؛ يقول: كيف يريد الجدار؟!
فنقول : يا سبحان الله ! العليم الخبير يقول:( يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ )، وأنت تقول : لا يريد ! أهذا معقول؟
فليس من حقك بعد هذا أن تقول : كيف يريد؟!
وهذا يجعلنا نسأل أنفسنا: هل نحن أوتينا علم كل شيء؟
فنجيب بالقول بأننا ما أوتينا من العلم إلا قليلاً
فقول من يعلم الغيب والشهادة : (يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ ) : لا يسوغ لنا أن نعترض عليه ، فنقول : لا إرادة للجدار ! ولا يريد أن ينقض !
وهذا من مفاسد المجاز ؛ لأنه يلزم منه نفي ما أثبته القرآن.
أليس الله تعالى يقول:)تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ){الإسراء:44}؛ هل تسبح بلا إرادة ؟!
يقول: (تُسَبِّحُ لَهُ) : اللام للتخصيص ؛ إذا ؛ هي مخلصة ، وهل يتصور إخلاص بلا إرادة؟! إذا؛ هي تريد وكل شيء يريد لأن الله يقول:) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ) ، واظنه لا يخفى علينا جميعاً أن هذا من صيغ العموم ؛ فـ(إن) : نافية بمعنى (ما) ، و (من شيء) : نكرة في سياق النفي ، (إلا يسبح بحمده) ، فيعم كل شيء.
فيا أخي المسلم ! إذا رأيت قلبك لا يتأثر بالقرآن ؛ فاتهم نفسك ؛ لأن الله أخبر أن هذا القرآن لو نزل على جبل لتصدع، وقلبك يتلى عليه القرآن ، ولا يتأثر. اسأل الله أن يعينني وإياكم.
)وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(101) )قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)(102) )وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (النحل:103)(1)...............................
(1) الآية الثالثة والرابعة والخامسة : قوله: ( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ))قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) )وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) {النحل: 101-103} .
قوله عز وجل (وإذا بدلنا آية مكان آية) : قوله: (بدلنا) ؛ أي: جعلنا آية مكان آية ، وهذا إشارة إلى النسخ المذكور في قوله تعالى: )مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا){البقرة:106}، فالله سبحانه إذا نسخ آية ؛ جعل بدلها آية ، سواء نسخها لفظاً ، أو نسخها حكماً.
وقوله : (والله أعلم بما ينزل) : هذه جمله اعتراضية ، وهي من أحسن ما يكون في هذا الموضع ، والمعنى أن تبديلنا للآية بدل الآية ليس سفهاً وعبثاً ، بل هو صادر عن علم بما يصلح الخلق، فنبدل آية مكان آية؛ لعلمنا أن ذلك أصلح للخلق وأنفع لهم.
وفيها أيضاً فائدة أخرى، وهي أن هذا التبديل ليس من عمل الرسول عليه الصلاة والسلام. بل هو من الله ، أنزله بعلمه ، وأبدل آية مكان آية بعلمه، وليس منك أيها الرسول.
قال تعالى:)وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ ) {يونس : 15} ؛ فماذا كان الجواب؟ كان الجواب بأن أجاب عن شيء من كلامهم وترك شيئاً فقال تعالى) قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي )(يونس:15}، ولم يقل : ولا آتي بقرآن غيره . لماذا؟ لأنه قد يأتي بتبديل من عنده، وإذا كان لا يمكنه تبديله؛ فالإتيان بغيره أولى بالامتناع.
فالمهم : أن الذي يبدل آية مكان آية، سواء لفظها أو حكمها ، هو الله سبحانه.
قوله: (إنما أنت مفتر) : الجملة جواب (وإذا) .
قوله: (إنما أنت) : الخطاب هنا لمحمد ، صلى الله عليه وسلم .
قوله: (مفتر) ؛ أي: كذاب ، بالأمس تقول لنا كذا ، واليوم تقول لنا كذا ، هذا كذب، ، إنما أنت مفتر!!
لكن هذا القول الذي يقولونه إزاء إتيانه بآية مكان آية هو قول سفه ، ولو أمعنوا النظر ؛ لعلموا علم اليقين أن الذي يأتي بآية مكان آية هو الله سبحانه، وذلك يدل على صدقه ، صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الكذاب يحذر غاية الحذر أن يأتي بكلام غير كلامه الأول؛ لأنه يخشى أن يطلع على كذبه، فلو كان كاذباً كما يدعون أن ذلك من علامة الكذب؛ ما أتى بشيء يخالف الأول؛ لأنه إذا أتى بشيء يخالف الأول على زعمهم تبين كذبه بل إتيانه بما يخالف الأول دليل على صدقه بلا شك.
ولهذا قال هنا: ) بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ، وهذا إضراب إبطالي؛ معناه: بل لست مفترياً ، ولكن أكثرهم لا يعلمون ، ولو أنهم كانوا من ذوي العلم لعلموا أنه إذا بدلت آية مكان آية فإنما ذلك دليل على صدق الرسول عليه الصلاة والسلام.
قوله تعالى : )قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقّ): (روح القدس) : هو جبريل، ووصفه بذلك لطهارته من الخيانة عليه الصلاة والسلام. ولهذا قال في آية أخرى )إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ)( )ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) {التكوير:19-21}.
قوله: (من ربك) قال: (من ربك)، ولم يقل : من رب العالمين؛
إشارة إلى الربوبية الخاصة ؛ ربوبية الله للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، وهي ربوبية أخص الخاصة.
وقوله: (بالحق) : إما أن يكون وصفاً للنازل أو للمنزول به.
فإن كان وصفاً للنازل؛ فمعناه : أن نزوله حق، وليس بكذب.
وإن كان وصفاً للمنزول به؛ فمعناه: أن ما جاء به فهو حق.
وكلاهما مراد ؛ فهو حق من عند الله ، ونازل بالحق.
قال الله تعالى:)وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَل){الإسراء:105}.
فالقرآن حق، وما نزل به حق. قوله : (ليثبت الذين آمنوا) : هذا تعليل وثمرة عظيمة ، يثبت الذين آمنوا به ، ويمكنهم من الحق ، ويوقيهم عليه .
قوله: ]وهدى وبشرى للمسلمين[ ؛ أي : هدى يهتدون به، ومناراً يستنيرون به، وبشارة لهم يستبشرون به.
بشارة ؛ لأن من عمل به، واستسلم له كان ذلك دليلاً على أنه من أهل السعادة، قال الله تعالى : :)فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى)( )وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى)( )فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) {الليل:5-7}.
ولهذا ينبغي للإنسان أن يفرح إذا رأى من نفسه الخير والثبات عليه والإقبال عليه، يفرح ؛ لأن هذه بشارة له؛ فإن الرسول ، صلى الله عليه وسلم لما حدث أصحابه ؛ قال "ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار". قالوا أفلا ندع العمل ونتكل؟ قال: "لا ؛ اعملوا ؛ فكل ميسر لما خلق له"، ثم قرأ :(فأما من أعطى وأتقى ))وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى))فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى))وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى)( )وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى) ()فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى){الليل:5-10}[145]
فإذا رأيت من نفسك أن الله عز وجل قد من عليك بالهداية ، والتوفيق والعمل الصالح ومحبة الخير وأهل الخير ؛ فأبشر؛ فإن في هذا دليلاً على أنك من أهل اليسرى ، الذين كتبت لهم السعادة.
ولهذا قال هنا: (وهدى وبشرى للمسلمين) .
قوله: )وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ )؛ قال: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ) ، ولم يقل : لقد علمنا ؛ لأن قولهم هذا يتجدد ، فكان التعبير بالمضارع أولى من التعبير بالماضي ؛ لأنه لو قال : لقد علمنا ؛ لتبادر إلى ذهن بعض الناس أن المعنى : علمنا أنهم قالوا ذلك سابقاً ، لا أنهم يستمرون عليه.
وسبب نزول هذه الآية أن قريشاً قالت: إن هذا القرآن الذي يأتي به محمد ليس من عند ربه، وإنما هو من شخص يعلمه ويقص عليه من قصص الأولين، ويأتي ليقول لنا: هذا من عند الله ! أعوذ بالله!!
ادعوا أنه كلام البشر! والعجيب أنهم يدعون أنه كلام بشر، ويقال لهم: ائتوا بمثله ، ولا يستطيعون!!
وقد أبطل الله افتراءهم هذا بقوله تعالى: (لسان الذي يلحدون إليه أعجمي) ، ومعنى (يلحدون) يميلون ؛ لأن قولهم هذا ميل عن الصواب بعيد عن الحق. والأعجمي : هو الذي لا يفصح بالكلام ، وإن كان عربياً ، والعجمي بدو همزة هو: المنسوب إلى العجم وإن كان يتكلم العربية.
فلسان هذا الذي يلحدون إليه أعجمي لا يفصح بالكلام العربي.
وأما القرآن ؛ فإن الله قال فيه : (وهذا لسان عربي مبين) . بين في نفسه مبين لغيره.
فالقرآن كلام عربي، وهو أفصح الكلام ، كيف يأتي من هذا الرجل الأعجمي، الذي لسانه لا يفصح بالكلام؟!
والشاهد هو قوله: ]والله أعلم بما ينزل[ ، وقوله : ]قل نزله روح القدس من ربك[ ، وقوله ]وهذا لسان عربي مبين[ .
وكل هذه تدل على أن القرآن كلام الله تعالى منزل من عنده.
والمؤلف ترك الآية التي بعدها ؛ لأنه ليس فيها شاهد ، ولكنها مفيدة ؛ فنذكرها : قال تعالى:)إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) )إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) {النحل:104-105}. ومعنى هذه الآية: أن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولا ينتفعون بآياته، والعياذ بالله ؛ فالهداية مسدودة عليهم.
وهذه الحقيقة فيها فائدة كبيرة، وهي: أن من لم يؤمن بآيات الله لا يهديه الله
ومفهوم المخالفة فيها: أن من آمن بآيات الله؛ هداه الله.
مثال ذلك : أننا نجد من لم يؤمن بالآيات ؛ لم يهتد لبيان وجهها ؛ مثل قول بعضهم : كيف ينزل الله إلى السماء الدنيا وهو في العلو؟!
فنقول: آمن تهتد ! فإذا آمنت بأنه ينزل حقيقة علمت أن هذا ليس بمستحيل: لأنه في جانب الله عز وجل، ولا يماثله شيء.
ونجد من يقول في قوله تعالى )َجداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ )(الكهف:77}: كيف يريد الجدار؟
فنقول: آمن بأن الجدار يريد أن يتبين لك أن هذا ليس بغريب.
وهذه قاعدة ينبغي أن تكون أساسية عندك، وهي: آمن تهتد!
والذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله، ويبقى القرآن عليهم عمى-والعياذ بالله ولا يستطيعون الاهتداء به، نسأل الله لنا ولكم الهداية.
ما نستفيده من الناحية المسلكية من هذه الآيات:
نستفيد أننا إذا علمنا أن هذا القرآن تكلم به رب العالمين ؛ أوجب لنا ذلك تعظيم هذا القرآن ، واحترامه ، وامتثال ما جاء فيه من الأوامر ، وترك ما فيه من المنهيات والمحذورات ، وتصديق ما جاء فيه من الأخبار عن الله تعالى وعن مخلوقاته السابقة واللاحقة.


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 15 Mar 2010, 05:13 AM   #45
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة
ذكر المؤلف رحمه الله آيات إثبات رؤية الله تعالى.
)وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَة)ٌ )إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (1)............................................... .....
(1) الآية الأولى : قوله: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) {القيامة:22-23}.
قوله:(وجوه يومئذ) ؛ يعني بذلك اليوم الآخر.
قوله:(ناضرة) ؛ أي: حسنة، من النضارة ؛ بالضاد ، وهي: الحسن، يدل على ذلك قوله تعالى: )فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نضرة وسروراً){الإنسان:11} ؛ أي: حسناً في وجوههم ، وسروراً في قلوبهم. قوله: (إلى ربها ناظرة) : (ناظرة)؛ بالظاء ، من النظر ، وهنا عدي النظر بـ (إلى) الدالة على الغاية، وهو نظر صادر من الوجوه، والنظر الصادر
من الوجوه يكون بالعين ؛ بخلاف النظر الصادر من القلوب ؛ فإنه يكون بالبصيرة والتدبر والتفكر؛ فهنا صدر النظر من الوجوه إلى الرب عز وجل؛ لقوله: )إِلَى رَبِّهَا) .
فتفيد الآية الكريمة: أن هذه الوجوه الناضرة الحسنة تنظر إلى ربها عز وجل، فتزداد حسناً إلى حسنها.
وانظر كيف جعل هذه الوجوه مستعدة متهيئة للنظر إلى وجه الله عز وجل؛ لكونها نضرة حسنة متهيئة للنظر إلى وجه الله.
ففي هذه الآية دليل على أن الله عز وجل يرى بالأبصار وهذا هو قول أهل السنة والجماعة.
واستدلوا لذلك بالآيات التي ساقها المؤلف ، واستدلوا أيضاً بالأحاديث المتواترة عن النبي ، صلى الله عليه وسلم والتي نقلها عنه صحابة كثيرون ونقلها عن هؤلاء الصحابة تابعون كثيرون ، ونقلها عن التابعين من تابع التابعين كثيرون. وهكذا.
والنصوص فيها قطعية الثبوت والدلالة ؛ لأنها في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله ، صلى الله عليه وسلم المتواترة.
وأنشدوا في هذا المعنى:
مما تواتر حديث من كذب ومن بنى لله بيتاً واحتسب
ورؤية شفاعة والحوض ومسح خفين وهذي بعض
فالمراد بقوله: "ورؤية" رؤية المؤمنين لربهم.
وأهل السنة والجماعة يقولون : إن النظر هنا بالبصر حقيقة.
ولا يلزم منه الإدراك ؛ لأن الله تعالى يقول:)لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ) {الأنعام:103} ؛ كما أن العلم بالقلب أيضاً لا يلزم منه الإدراك ؛ قال الله تعالى: ]ولا يحيطون به علماً[ {طه:110}.
ونحن نعلم ربنا بقلوبنا ، لكن لا ندرك كيفيته وحقيقته ، وفي يوم القيامة نرى ربنا بأبصارنا، ولكن لا تدركه أبصارنا.
)عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ) (1)..............................................
(1)الآية الثانية: قوله :]على الأرائك ينظرون[{المطففين:23}.
]الأرائك[ : جمع أريكة، وهي السرير الجميل المغطى بما يشبه الناموسية.
]ينظرون[: لم يذكر المنظور إليه، فيكون عاماً لكل ما يتنعمون بالنظر إليه.
وأعظمه وأنعمه النظر إلى الله تعالى ؛ لقوله تعالى: ]تعرف في وجوههم نضرة النعيم[ {المطففين:24}؛ فسياق الآية يشبه قوله: ]وجوه يومئذ ناضرة . إلى ربها ناظرة[ ؛ فهم ينظرون إلى كل ما يتنعمون بالنظر إليه.
ومنه النظر إلى قرناء السوء يعذبون في الجحيم ؛ كما قال تعالى: )قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يقول أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ) )قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لمدينون قال أي : لأصحابه: ]هل أنتم مطلعون[: ]هل[ . للتشويق يطلعون على ماذا ؟! على هذا القرين، )فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ)!! أعوذ بالله! رآه في سوائها أي: في أصلها، وقعرها ، سبحان الله هذا في أعلى عليين ، وهذا في أسفل سافلين ، وينظر إليه مع بعد المسافة العظيمة!
لكن نظر أهل الجنة ليس كنظر أهل الدنيا، هناك ينظر الإنسان في ملكه في الجنة مسيرة ألفي عام ينظر أقصاه كما ينظر أدناه ، من كمال النعيم؛ لأن
الإنسان لو كان نظره كنظره في الدنيا ؛ ما استمتع بنعيم الجنة ؛ لأنه ينظر إلى مدى قريب ، فيخفى عليه شيء كثير منه.
اطلع من أعلى عليين إلى أسفل سافلين، فرآه في سواء الجحيم، قال يخاطبه: ]تالله إن كدت لتردين[ ؛ وهذا يدل على أنه كان دائماً يحاول أن يضله ، ولهذا قال : ]إن كدت[ ؛ يعني: إنك قاربت ، و ]وإن[ هذه المخففة لا الثقيلة ، ]ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين . أفما نحن بميتين[ إلى آخر الآيات {الصافات: 54-58}.
أقول : إن الناس سابقاً يمارون في مثل هذا ؛ كيف يكون في أعلى مكان ويخاطب من ينظر إليه ويكلمه في أسفل مكان ؟!
ولكن ظهرت الآن أشياء من صنع البشر ؛ كالأقمار الصناعية، والهواتف التليفزيونية . . . . وغير ذلك ؛ يرى الإنسان من خلالها من يكلمه وينظر إليه وهو بعيد.
مع أنه لا يمكن أن نقيس ما في الآخرة على ما في الدنيا.
إذاً ؛ ]ينظرون[ : عامة: ينظرون إلى الله، وينظرون مالهم من النعيم، وينظرون ما يحصل لأهل النار من العذاب.
إذا قال قائل: هذا فيه إشكال!! كيف ينظرون إلى أهل النار ينكتون عليهم ويوبخونهم ؟!
فنقول : والله ؛ ما أكثر ما أذاق أهل النار أهل الجنة في الدنيا من العذاب والبلاء والمضايقة ، قال الله تعالى: )إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ): يضحكون سواء في مجالسهم ، أو معهم ، )وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ)( )وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ) ؛ أي: انقلبوا متنعمين بأقوالهم، )وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ)! قال الله تعالى: )فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) {المطففين: 29-35} ؛ ينظرون إليهم وهم-والعياذ بالله في سواء الجحيم. إذاً ؛ يكون هذا من تمام عدل الله عز وجل ؛ بأن جعل هؤلاء الذين كانوا يضايقون في دار الدنيا، جعلهم الآن يفرحون بنعمة الله عليهم، ويوبخون هؤلاء الذين في سواء الجحيم.
)لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ )(1).............................................. .........
الآية الثالثة: قوله: ]للذين أحسنوا الحسنى وزيادة[ {يونس: 26} .
قوله: ]للذين[ : خبر مقدم.
و ]الحسنى[ : مبتدأ مؤخر ، وهي الجنة.
]زيادة[ : هي النظر إلى وجه الله.
هكذا فسره النبي ، صلى الله عليه وسلم : كما ثبت ذلك في "صحيح مسلم"[146] وغيره. ففي هذه الآية دليل على ثبوت رؤية الله من تفسير الرسول عليه الصلاة والسلام ، وهو أعلم الناس بمعاني القرآن بلا شك ، وقد فسرها بالنظر إلى وجه الله، وهي زيادة على نعيم الجنة.
إذاً ؛ فهي نعيم ليس من جنس النعيم في الجنة؛ لأن جنس النعيم في الجنة نعيم بدن، أنهار ، وثمار ، وفواكه، وأزواج مطهرة . . . . . وسرور القلب فيها تبع، لكن النظر إلى وجه الله نعيم قلب، لا يرى أهل الجنة نعيماً أفضل منه، نسأل الله أن يجعلنا ممن يراه .
وهذا نعيم ما له من نظير أبداً ؛ لا فواكه ، ولا أنهار ، ولا غيرها أبداً ، ولهذا قال : ]وزيادة[ ؛ أي : زيادة على الحسنى .
] لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد [ (1) ......................................
(1)الآية الرابعة : قوله : ( لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد) [ ق : 35 ] .
قوله : ] لهم ما يشاءون فيها [ ؛ أي : في الجنة كل ما يشاءون .
وقد ورد في الحديث الصحيح أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ! أفي الجنة خيل ؟ فإني أحب الخيل . فقال : (( إن يدخلك الله الجنة فلا تشاء أن تركب فرسا ، من ياقوتة حمراء ، تطير بك في الجنة شئت إلا فعلت )) .
وقال الأعرابي : يا رسول الله ! أفي الجنة إبل ؟ فإني أحب الإبل . قال : (( يا أعرابي ! إن يدخلك الله الجنة ؛ أصبت فيها ما اشتهت نفسك ولذّت عينك ))[147] .
وهذا نعيم ما له من نظير أبداً؛ لا فواكه، ولا أنهار ، ولا غيرها أبداً، ولهذا قال: (وزيادة) ؛ أي على الحسنى.
1- الآية الرابعة: قوله: (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) (قّ:35) .
*قوله : ؛أي : في الجنة كل ما يشاءون.
وقد ورد في الحديث الصحيح أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله !أفي الجنة خيل؟ فإني أحب الخيل . فقال:" إن يدخلك الله الجنة فلا تشاء أن تركب فرساً، من ياقوتة حمراء، تطير بك في الجنة شئت إلا فعلت".
وقال الأعرابي: يا رسول الله! أفي الجنة إبل؟ فإني أحب الإبل. قال :" يا أعرابي؟ إن يدخلك الله الجنة؛ أصبت فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك
فإذا اشتهى أي شيء؛ فإنه يكون ويتحقق، حتى إن بعض العلماء يقول: لو اشتهى الولد لكان له ولد؛ فكل شيء يشتهونه فهو لهم.
قال تعالى : (ٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)(الزخرف: من الآية71).
وقوله : (وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) ؛ أي: مزيد على ما يشاءون.
يعني: أن الإنسان إذا شاء شيئاً ؛ يعطى إياه، ويعطي زيادة؛ كما جاء في الحديث الصحيح في آخر أهل الجنة دخولاً، يعطيه الله عز وجل نعيماً، ونعيماً... ويقول : رضيت . يقول له :" لك مثله وعشرة أمثاله" [148]فهو أكثر مما يشاء.
وفسر المزيدَ كثيرٌ من العلماء بما فسر به النبي صلى الله عليه وسلم الزيادة وهي: النظر إلى وجه الله الكريم.
فتكون الآيات التي ساقها المؤلف لإثبات رؤية الله تعالى أربعاً.
وهناك آية خامسة استدل بها الشافعي رحمه الله، وهي قوله تعالى في الفجار: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (المطففين:15).
ووجه الدلالة أنه ما حجب هؤلاء في الغضب محجوبين عن الله؛ فأهل الرضى يرون الله عز وجل.
وهذا استدل قوي جداً؛ لأنه لو كان الكل محجوبين؛ لم يكن مزية لذكر هؤلاء.
وعلى هذا ؛ فنقول: الآيات خمس، ويمكن أن نلحق بها قول الله تعالى (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الأنعام:103)؛ على ما سنقرره في الرد على النفاة إن شاء الله.
*فهذا قول أهل السنة في رؤية الله تعالى وأدلتهم، وهي ظاهرة جلية، لا ينكرها إلا جاهل أو مكابر
* وخالفهم في ذلك طائف من أهل التعطيل من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة وغيرهم، واستدلوا بأدلة سمعية متشابهة، وأدلة عقلية متداعية.
أما الأدلة السمعية:
فالأول قوله تعالى : (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً) (لأعراف:143)
ووجه الدلالة أن (لن) للنفي المؤبد، والنفي خير، وخبر الله تعالى صدق، لا يدخله النسخ.
والرد عليهم من وجوه:
- الأول: منع كون (لن) للنفي المؤبد؛ لأنه مجرد دعوى:
- قال ابن مالك في " الكافية":
ومن رأى النفي بلن مؤبداً فقولهُ اردد وسِواهُ فاعضداَ
- الثاني: أن موسى عليه الصلاة والسلام لم يطب من الله الرؤية في الآخرة؛ وإنما طلب رؤية حاضرة ؛ لقوله: ( أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْك) ؛ أي : الآن ، ثم ضرب الله تعالى له مثلاً بالجبل حيث تجلى الله تعالى له فجعله دكاً، فقال: ( وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي )، فلما رأى موسى ما حصل للجبل ؛ علم أنه هو لا طاقة له برؤية الله، وخر صعقاً لهول ما رأى.
ونحن نقول إن رؤية الله تعالى في الدنيا مستحيلة؛ لأن الحال البشرية لا تستطيع تحمل رؤية الله عز وجل؛ كيف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل: " حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه"[149]
أما رؤية الله تعالى في الآخرة فممكنة؛ لأن الناس في ذلك اليوم يكونون في عالم آخر تختلف فيه أحوالهم عن حالهم في الدنيا؛ كما يعلم ذلك من نصوص الكتاب والسنة فيما يجرى للناس في عرصات القيامة وفي مقرهم في دار النعيم أو الجحيم.
- الوجه الثالث: أن يقال: استحالة رؤية الله في الآخرة عند المنكرين لها مبنية على أن إثباتها يتضمن نقصاً في حق الله تعالى! كما يعللون نفيهم بذلك ، وحينئذ يكون سؤال موسى لربه الرؤية دائراً بين الجهل بما يجب لله ويستحيل في حقه، أو الاعتداء في دعائه حين طلب من الله ما لا يليق به إن كان عالماً بأن ذلك مستحيل في حق الله ، وحينئذ يكون هؤلاء النافون أعلم من موسى فيما يجب لله تعالى ويستحيل في حقه!! وهذا غاية الضلال!
- وبهذا الوجه يتبين أن في الآية دليلاً عليهم لا دليلاً لهم.
وهكذا؛ كل دليل من الكتاب والسنة الصحيحة يستدل به على باطل أو نفي حق فسيكون دليلاً على من أورده، لا دليلاً له.
الدليل الثاني لنفاة رؤية الله تعالى : قوله تعالى(لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الأنعام:103).
والرد عليهم : أن الآية فيها نفي الإدراك، والرؤية لا تستلزم الإدراك؛ إلا تري أن الرجل يرى الشمس ولا يحيط به إدراكاً؟!
فإذا أثبتنا أن الله تعالى يُرى ؛ لم يلزم أن يكون يدرك بهذه الرؤية؛ لأن الإدراك أخص من مطلق الرؤية.
ولهذا نقول: إن نفي الإدراك يدل على وجود أصل الرؤية ؛ لأن نفي الأخص يدل على وجود الأعم، ولو كان الأعم منتفياً؛ لوجب نفيه، وقيل : لا تراه الأبصار؛ لأن نفيه يقتضي نفي الأخص ، ولا عكس، ولأنه ؛ لو كان الأعم منتفياً؛ لكان نفي الأخص إيهاماً وتلبيساً ينزّه عنه كلام الله عز وجل.
وعلى هذا ؛ يكون في الآية دليل عليهم لا دليل لهم.
*وأما أدلة نفاة الرؤية العقليه؛ فقالوا : لو كان الله يُرى؛ لزم أن يكون جسماً، والجسم ممتنع على الله تعالى ؛ لأنه يستلزم التشبيه والتمثيل.
والرد عليهم : أنه إن كان يلزم من رؤية الله تعالى أن يكون جسماً؛ فليكن ذلك ، لكننا نعلم علم اليقين أنه لا يماثل أجسام المخلوقين؛ لأن الله تعالى يقول: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: من الآية11) .
على أن القول بالجسم نفياً أو إثباتاً مما أحدثه المتكلمون، وليس في الكتاب والسنة إثباته ولا نفيه.
وقد أجاب النفاة عن أدلة أهل الإثبات بأجوبة باردة، فحرفوها تحريفاً لا يخفى على أحد، وليس هذا موضع ذكرها ، وهذا مذكورة في الكتب المطولة.
ما نستفيده من الناحية المسلكية من هذه الآيات:
أما في مسألة الرؤية ؛ فما أعظم أثرها على الاتجاه المسلكي ؛ لأن الإنسان إذا وجد أن غاية ما يصل إليه من الثواب هو النظر إلى وجه الله كانت الدنيا كلها رخيصة عنده؛ وكل شيء يرخص عنده في جانب الوصول إلى رؤية الله عز وجل؛ لأنها غاية كل طالب، ومنتهى المطالب.
فإذا علمت أنك سوف تري ربك عياناً بالبصر؛ فوالله لا تساوي الدنيا عندك شيئاً.
فكل الدنيا ليست بشيء؛ لأن النظر إلى وجه الله هو الثمرة التي يتسابق فيها المتسابقون، ويسعى إليها الساعون، وهي غاية المرام من كل شيء.؟
فإذا علمت هذا ؛ فهل تسعى إلى الوصول إلى ذلك أم لا؟!
والجواب: نعم ؛ أسعى إلى الوصول إلى ذلك بدون تردد.
وإنكار الرؤية في الحقيقة حرمان عظيم، لكن الإيمان بها يسوق الإنسان سوقاً عظيماً إلى الوصول إلى هذه الغاية؛ فهو يسير ولله الحمد؛ فالدين كله يسر، حتى إذا وجد الحرج تيسر الدين؛ فأصله ميسر، وإذا وجد الحرج تيسر ثانية، وإذا لم يمكن القيام به أبداً سقط؛ فلا واجب مع العجز، ولا حرام مع الضرورة.
وهذا الباب (1) في كتاب الله كثير (2)، ومن تدبر القرآن طالباً للهدى منه تبين له طريق الحق(3)......
(1) * قوله : "وهذا الباب" : الإشارة هنا إلى باب الأسماء والصفات.
(2) * قوله: "في كتاب الله كثير": ولذلك؛ ما من آية من كتاب الله ؛ إلا وتجد فيها غالباً اسماً من أسماء الله ، أو فعلاً من أفعاله ، أو حكماً من أحكامه، بل لو شئت لقلت: كل آية في كتاب الله فهي صفة من صفات الله ؛ لأن القرآن الكريم كلام الله عز وجل؛ فكل آية منه؛ فهي صفة من صفات الله عز وجل.
(3) تدبر الشيء؛معناه: التفكر فيه، كأن الإنسان يستدبره مرة ويستقبله أخرى؛ فهو يكرر اللفظ ليفهم المعنى.
فالذي يتدبر القرآن بهذا الفعل ، وأما النية؛ فهي أن يكون " طالباً للهدى منه"؛ فليس قصده بتدبر القرآن أن ينتصر لقوله، أو أن يتخذ منه مجادلة بالباطل، ولكن قصده طلب الحق؛ فإنه سوف تكون النتيجة قول المؤلف :" تبين لهُ طَريق الحق".
وما أعظمها من نتيجة!!
لكنها مسبوقة بأمرين: التدبر، وحسن النية؛ بأن يكون الإنسان طالباً للهدى من القرآن ؛ فحينئذ يتبين له طريق الحق.
والدليل على ذلك عدة آيات؛ منها:
قوله الله تبارك وتعالى : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)(النحل: من الآية44).
وقال تعالى : (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (صّ:29) .
وقال تعالى : (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ) (المؤمنون:68).
وقال تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (القمر:32) .
...والأيات في هذا كثيرة، تدل على أن من تدبر القرآن – لكن بهذه النية، وهي طلب الهدى منه-؛ لابد أن يصل إلى النتيجة، وهي تبين طريق الحق.
أما من تدبر القرآن ليضرب بعضه ببعض، وليجادل بالباطل، ولينصر قوله؛ كما يوجد عند أهل البدع وأهل الزيغ فإنه يعمى عن الحق والعياذ بالله.
لأن الله تعالى يقول: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) (آل عمران:7)؛ على تقدير ( أما) ؛ أي: وأما الراسخون في العلم؛ ف ( يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا )(آل عمران: من الآية7)؛ وإذا قالوا هذا القول؛ فسيهتدون إلى بيان هذا المتشابه، ثم قال: ( وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)(آل عمران: من الآية7).
وقال تعالى : ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ)(فصلت: من الآية44)


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 15 Mar 2010, 05:14 AM   #46
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


فصل
في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)............................................... ......
(1) * السنة في اللغة: الطريقة، ومنه قال صلى الله عليه وسلم :" لتركبن سنن من كان قبلكم"[150] يعني : طريقتهم.
* وفي الاصطلاح هي :" قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وإقراره".
فتشمل الواجب والمستحب.
*والسنة هي المصدر الثاني في التشريع.
ومعني قولنا :" المصدر الثاني": يعني : في العدد، وليس في الترتيب؛ فإن منزلتها إذا صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم كمنزلة القرآن.
لكن الناظر في القرآن يحتاج إلى شيء واحد، وهو صحة الدلالة على الحكم، والناظر في السنة يحتاج على شيئين: الأول: صحة نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، والثاني: صحة دلالتها على الحكم ؛ فكأن المستدل بالسنة يعاني من الجهد أكثر مما يعانيه المستدل بالقرآن؛ لأن القرآن قد كفينا سنده؛ فسنده متواتر، ليس فيه ما يوجب الشك؛ بخلاف ما ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم . فإذا صحت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ كانت بمنزلة القرآن تماماً في تصديق الخبر والعمل بالحكم، كما قال تعالى : ( وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)(النساء: من الآية113).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته؛ يأتيه الأمر من أمري؛ يقول : لا ندري! ما وجدنا في كتاب الله ؛ اتبعناه ، ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه"[151]
ولهذا كان القول الصحيح أن القرآن يُنسخ بالسنة إذا صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن ذلك جائز عقلاً وشرعاً، ولكن ليس له مثال مستقيم.
* * *
فالسنة تفسر القرآن(1) وتبينه (2)............................................... ......................
(1) تفسر القرآن يعني: توضح المعنى المراد منه: كما في تفسير قوله تعالى:(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ )(يونس: من الآية26)؛ حيث فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها النظر إلى وجه الله عز وجل[152]
وكما في فسر النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى (َأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ )(لأنفال: من الآية60)، فقال: " ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي"[153]
(2) يعني تبين المجمل منه؛ حيث إن في القرآن آيات مجملة، لكن السنة بينتها ووضحتها؛ مثل : قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ َ )(البقرة: من الآية43)أمر الله بإقامتها، وبينت السنة كيفيتها.
وقوله سبحانه :(أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ )(الإسراء: من الآية78)
(لِدُلُوكِ الشَّمْسِ )؛ يعني : من دلوك الشمس إلى غسق الليل؛ أي : غاية ظلمته، وهو نصفه؛ لأن أشد ما يكون في ظلمة الليل نصفه.
فظاهر الآية أن هذا وقت واحد، ولكن السنة فصلت هذا المجمل: فللظهر: من دلوك الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله.
وللعصر: من ذلك إلى اصفرار الشمس في الاختيار، ثم إلى غروبها في الضرورة.
وللمغرب: من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر.
وللعشاء : من مغيب الشفق الأحمر إلى مصف الليل، وليس هناك وقت ضرورة للعشاء، ولهذا لو طهرت الحائض في منتصف الليل الأخير؛ لم يجب عليها صلاة العشاء ولا صلاة المغرب؛ لأن صلاة العشاء تنتهي بانتصاف الليل، ولم يأت في السنة دليل على أن وقت صلاة العشاء يمتد إلى طلوع الفجر.
وللفجر : من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
ولهذا قال في نفس الآية : (لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) ، ثم فصل وقت الفجر فقال : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ )(الإسراء: من الآية78) ؛ لأن وقت الفجر بينه وبين الأوقات الأخرى فاصل من قبله ومن بعده؛ فنصف الليل الثاني قبله، ونصف النهار الأول بعده. هذا من بيان السنة حيث بينت الأوقات.
كذلك : ( وَآتُوا الزَّكَاةَ )؛ بينت السنة الأنصبة والأموال الزكوية.
وتدل عليه (1) وتعبر عنه (2) .................................................. ......................
(1) هذه كلمة تعم التفسير والتبيين والتعبير؛ فالسنة تفسر القرآن وتبين القرآن.
(2) يعني : تأتي بمعان جديدة أو بأحكام ليست في القرآن، وهذا كثير؛ فإن كثيراً من الأحكام الشرعية استقلت بها السنة، ولم يأت به القرآن.
لكن دل على أن لها حكم ما جاء في القرآن مثل قوله تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ )(النساء: من الآية80)، وقوله : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )(الحشر: من الآية7)، وقوله: ( وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً)(الأحزاب: من الآية36).
أما الحكم المعين؛ فالسنة استقلت بأحكام كثيرة عن القرآن، ومن ذلك ما سيأتينا في أول حديث ذكره المؤلف في هذا الفصل: " ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر.."[154] ،فإن هذا ليس في القرآن.
إذاَ ؛ السنة مقامها مع القرآن على هذه الأنواع الأربعة: تفسير مشكل، وتبيين مجمل، ودلالة عليه، وتعبير عنه.

* * *


"ما وصف الرسول به ربه عز وجل من الأحاديث الصحاح التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول؛ وجب الإيمان بها كذلك" (1) .................................................. .................................................
(1) هذه قاعدة مهمة ساقها المؤلف رحمه الله:
· قوله : "وما" : هذه شرطية . وفعل الشرط : " وصف" . "وجب الإيمان بها": هذا جواب الشرط.
فما وصف الرسول به ربه، وكذلك ما سمة به ربه؛ لأن هناك أسماء مما سمى به الرسول ربه لم تكن موجودة في القرآن؛ مثل (الشافي)؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم :" واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك"[155]
· "الرب" : لم يأت في القرآن بدون إضافة لكن في السنة قال الرسول صلى الله عليه وسلم " أما الركوع فعظموا فيه الرب"[156]
وقال في السواك:" مطهرة للفم مرضاة للرب"[157]
وظاهر كلام المؤلف أنه يشترط لقبولها شرطان:
الأول: أن تكون الأحاديث صحيحة.
الثاني: أن يكون أهل المعرفة يعني بالأحاديث تلقوها بالقبول، ولكن ليس هذا هو المراد، بل مراد الشيخ- رحمه الله- أن الأحاديث الصحاح تلقاها أهل المعرفة بالقبول فتكون الصفة هذه صفى كاشفة لا صفة مقيدة.
· فقوله: " التي تلقاها": هذا بيان لحال الأحاديث الصحيحة أي أن أهل المعرفة تلقوها بالقبول لأنه من المستحيل أن تكون الأحاديث صحيحة، ثم يرفضها أه المعرفة، بل سيقبلونها.
صحيح أن هناك أحاديث ظاهرها الصحة، ولكن قد تكون معلولة بعلة؛ كانقلاب على الراوي ونحوه، وهذه لا تعد من الأحاديث الصحيحة.
قال:" وجب الإيمان بها": لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ )(النساء: من الآية136)، وقوله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ )(النساء: من الآية59)، وقوله تعالى (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) (65) (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ) (القصص:66،65) ..والنصوص في هذا كثيرة معلومة.
واعلم أن موقف أهل الأهواء والبدع تجاه الأحاديث المخالفة لأهوائهم يدور على أمرين: إما التكذيب، وإما التحريف.
فإن كان يمكنهم تكذيبه؛ كذبوه؛ كقولهم في القاعدة الباطلة: أخبار الآحاد لا تقبل في العقيدة!!
وقد رد ابن القيم رحمه الله هذه القاعدة وأبطلها بأدلة كثيرة في آخر " مختصر الصواعق".
وإن كان لا يمكنهم تكذيبه؛ حرفوه؛ كما حرفوا نصوص القرآن.
أما أهل السنة؛ فقبلوا كل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمور العلمية والأمور العملية؛ لقيام الدليل على وجب قبول ذلك.
· وقوله :" كذلك" ؛ يعني : كما يجب الإيمان بما في القرآن؛ من غير تحريف ، ولا تعطيل ، ولا تكييف، لا تمثيل.
مثل قوله صلى الله عليه وسلم :" ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة، حين يبقى ثلث الليل الآخر. فيقول : من يدعوني فأستجب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟"(1) متفق عليه[158]..................
فصل
في أحاديث الصفات
(1) هذا الحديث في إثبات نزول الله إلى سماء الدنيا:
وهذا الحديث قال بعض أهل العلم : إنه من الأحاديث المتواترة، واتفقوا على أنه من الأحاديث المشهورة المستفيضة عند أهل العلم بالسنة.
· قوله :" ينزل ربنا إلى السماء الدنيا": نزوله تعالى حقيقي؛ لأنه كما مر علينا من قبل: أن كل شيء كان الضمير يعود فيه إلى الله؛ فهو ينسب إليه حقيقة.
فعلينا أن نؤمن به ونصدق ونقول: ينزل ربنا على السماء الدنيا، وهي أقرب السماوات إلى الأرض، والسماوات سبع، وإنما ينزل عز وجل في هذا الوقت من الليل للقرب من عباده جل وعلا؛ كما يقرب منهم عشية عرفة؛ حيث يباهي بالواقفين الملائكة[159]
· وقوله :" كل ليلة" يشمل جميع ليالي العام.
· " حين يبقى ثلث الليل الآخر" والليل يبتدئ من غروب الشمس اتفاقاً لكن حصل الخلاف في انتهائه هل يكون بطلوع الفجر أو بطلوع الشمس والظاهر أن الليل الشرعي ينتهي بطلوع الفجر والليل الفلكي ينتهي بطلوع الشمس.
· وقوله" فيقول: من يدعوني": "من" : استفهام للتشويق؛ كقوله تعالى : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)(الصف: من الآية10).
· و "يدعوني" أي: يقول : يا رب!
· وقوله:"فأستجيب له": بالنصب؛ لأنها جواب الطلب.
· "من يسألني": يقول: أسألك الجنة، أو نحو ذلك.
· "من يستغفرني" فيقول: اللهم اغفر لي، أو : أستغفر اللهم!
· "فأغفر له": والمغفرة ستر الذنب والتجاوز عنه.
بهذا يتبين لك إنسان قرأ هذا الحديث أن المراد بالنزول هنا نزول الله نفسه، ولا نحتاج أن نقول : بذاته؛ ما دام الفعل أضيف إليه؛ فهو له، لكن بعض العلماء قالوا: ينزل بذاته؛ لأنهم لجاءوا إلى ذلك، واضطروا إليه؛ لأن هناك من حرفوا الحديث وقالوا: الذي ينزل أمر الله! وقال آخرون: بل الذي ينزل رحمة الله! وقال آخرون: بل الذي ينزل ملكٌ من ملائكة الله!
وهذا باطل؛ فإن نزول أمر الله دائماً وأبداً، ولا يختص نزوله في الثلث الأخير من الليل؛ قال الله تعالى : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ)(السجدة: من الآية5)، وقال : ( يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ)(هود: من الآية123).
وأما قولهم : تنزل رحمة الله إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر! فسبحان الله! الرحمة لا تنزل إلا في هذا الوقت ! قال الله تعالى : (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ )(النحل: من الآية53)؛ كل النعم من الله ، وهي من آثار رحمته، وهي تترى كل وقت !!‍‍
ثم نقول: أي فائدة لنا بنزول الرحمة إلى السماء الدنيا؟‍
ثم نقول لمن قال : إنه ملك من ملائكته: هل من المعقول أن الملك من ملائكة الله يقول: من يدعوني فأستجب له... إلخ؟‍
فتبين بهذا أن هذه الأقوال تحريف باطل يبطله الحديث.
ووالله ؛ ليسوا أعلم بالله من رسول الله، وليسوا أنصح لعباد الله من رسول الله، وليسوا أفصح في قولهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
يقولون: كيف تقولون كيف تقولون: إن الله ينزل؟‍ إذا نزل؛ أين العلو؟‍ وإذا نزل؛ أين الاستواء على العرش؟‍ إذا نزل ؛ فالنزول حركة وانتقال‍‍ إذا نزل؛ فالنزول حادث، والحوادث لا تقوم إلا بحادث.
فنقول : هذا جدال بالباطل، وليس بمانع من القول بحقيقة النزول.
هل أنتم أعلم بما يستحقه الله عز وجل من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ؟‍
فأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ما قالوا هذه الاحتمالات أبداً؛ قالوا: سمعنا وآمنا وقبلنا وصدقنا.
وأنتم إيها الخالفون المخالفون تأتون الآن وتجادلون بالباطل وتقولون : كيف؟‍ وكيف؟‍
نحن نقول: ينزل ، ولا نتكلم عن استوائه على العرش؛ هل يخلو منه العرش أو لا يخلو؟‍
أما العلو ؛ فنقول : ينزل، لكنه عال عز وجل على خلقه؛ لأنه ليس معنى النزول أن السماء تقله، وأن السماوات الأخرى تظله؛ إذ إنه لا يحيط به شيء من مخلوقاته.
فنقول: هو ينزل حقيقة مع علوه حقيقة، وليس كمثله شيء.
أما الاستواء على العرش فهو فعل، ليس من صفات الذات، وليس لن حق- فيما أرى- أن نتكلم هل يخلو منه العرش أو لا يخلو، بل نسكت كما سكت عن ذلك الصحابة رضي الله عنهم.
وإذا كان علماء أهل السنة لهم في هذا ثلاثة أقوال: قول بأنه يخلو، بل نسكت كما سكت عن ذلك الصحابة رضي الله عنهم.
وإذا كان علماء أهل السنة لهم في هذا ثلاثة أقوال: قول بأنه يخلو، وقول بأنه لا يخلو، وقول بالتوقف.
وشيخ الإسلام رحمه الله في " الرسالة العرشية" يقول : إنه لا يخلو منه العرش؛ لأن أدلة استوائه على العرش محكمة، والحديث هذا محكم، والله عز وجل لا تقاس صفاته بصفات الخلق؛ فيجب علينا أن نبقي نصوص الاستواء على إحكامها، ونص النزول على إحكامه، ونقول : هو مستو على عرشه، نازل إلى السماء الدنيا، والله أعلم بكيفية ذلك، وعقولنا أقصر وأدنى وأحقر من أن تحيط بالله عز وجل.
القول الثاني: التوقف؛ يقولون: لا نقول : يخلو، ولا : لا يخلو.
والثالث: أنه يخلو منه العرش.
وأورد المتأخرون الذين عرفوا أن الأرض كروية وأن الشمس تدور على الأرض إشكالاً؛ قالوا: كيف ينزل في ثلث الليل؟‍ وثلث الليل إذا انتقل عن المملكة العربية السعودية؛ ذهب إلى أوربا وما قاربها؟‍‍ أفيكون نازلاً دائماً؟‍
فنقول: آمن أولاً بأن الله ينزل في هذا الوقت المعين، وإذا آمنت؛ ليس عليك شيء وراء ذلك، لا تقل : كيف ؟‍ وكيف؟‍ بل قل: إذا كان ثلث الليل في السعودية؛ فالله نازل، وإذا كان في أمريكا ثلث الليل؛ يكون نزول الله أيضاً، وإذا طلع الفجر؛ انتهى وقت النزول في كل مكان بحسبه.
إذاً ؛ موقفنا أن نقول: إنا نؤمن بما وصل إلينا عن طريق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ بأن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى الثلث الآخر من الليل، ويقول:" من يدعوني فأستجب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له"؟‍
من فوائد هذا الحديث:
أولاً: إثبات العلو لله من قوله:" ينزل"
ثانياً: إثبات الأفعال الاختيارية التي هي الصفات الفعلية من قوله: " ينزل حين يبقى ثلث الليل الآخر".
ثالثاً : إثبات القول لله من قوله :"يقول".
رابعأً: إثبات الكرم لله عز وجل من قوله:" من يدعوني...من يسألني... من يستغفرني...".
وفيه من الناحية المسلكية:
أنه ينبغي للإنسان أن يغتنم هذا الجزء من الليل، فيسأل الله عز وجل ويدعوه ويستغفره، ما دام الرب سبحانه يقول:" من يدعوني... من يستغفرني..." و(من) : للتشويق؛ فينبغي لنا أن نستغل هذه الفرصة؛ لأنه ليس لك من العمر إلا ما أمضيته في طاعة الله، وستمر بك الأيام ؛ فإذا نزل بك الموت؛ فكأنك ولد تلك الساعة، وكل ما مضى ليس بشيء[160]


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 15 Mar 2010, 05:15 AM   #47
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


* * *
وقوله صلى الله عليه وسلم :" لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم براحلته..." الحديث (1) متفق عليه.......
(1)هذا الحديث في إثبات الفرح" لله أشدُ فرحاً بتوبة عبده..."[161]
· "لله": اللام هذه لام الابتداء."الله " مبتدأ.
· "أشد" :خبر المبتدأ.
· " فرحاً": تمييز.
· قال المؤلف:" الحديث"؛ أي: أكمل الحديث.
والحديث أن هذا الرجل كان معه راحلته، وعليها طعامه وشرابه، فضلت عنه، فذهب يطلبها ، فلم يجدها ، فأيئس من الحياة ثم اضطجع تحت شجرة ينتظر الموت؛ فإذا بخطام ناقته متعلقاً بالشجرة، ولا أحد يستطيع أن يقدر هذا الفرح؛ إلا من وقع فيه، فأمسك بخطام الناقة، وقال: اللهم أنت عبدي، وأنا ربك؛ أخطأ من شدة الفرح؛ لم يملك كيف يتصرف في الكلام‍ ‍‍‍!!
فالله عز وجل أفرح بتوبته عبده إذا تاب إليه من هذا الرجل براحلته، وليس الله عز وجل بمحتاج إلى توبتنا ، بل نحن مفتقرون إليه في كل أحوالنا ، لكن لكرمه جل وعلا ومحبته للإحسان والفضل والجود يفرح هذا الفرح الذي لا نظير له بتوبة الإنسان إذا تاب إليه.
في هذا الحديث إثبات الفرح لله عز وجل؛ فنقول في هذا الفرح: إنه فرح حقيقي وأشد فرح، ولكنه ليس كفرح المخلوقين.
الفرح بالنسبة للإنسان هو نشوة وخفة يجدها الإنسان من نفسه عند حصول ما يسره، ولهذا تشعر بأنك إذا فرحت بالشيء كأنك تمشي على الهواء، لكن بالنسبة لله عز وجل لا نفسر الفرح بمثل ما نعرفه من أنفسنا؛ نقول: هو فرح يليق به عز وجل؛ مثل بقية الصفات؛ كما أننا نقول: لله ذات، ولكن لا تماثل ذواتنا؛ فله صفات لا تماثل صفاتنا؛ لان الكلام عن الصفات فرع عن الكلام في الذات.
فنؤمن بأن الله تعالى له فرح كما أثبت ذلك أعلم بالخلق به، محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنصح الخلق للخلق، وأفصح الخلق فيما ينطق به عليه الصلاة والسلام.
ونحن على خطر إذا قلنا : المراد بالفرح الثواب؛ لأن أهل التحريف يقولون: إن الله لا يفرح، والمراد بفرحه : إثابته التائب، أو : إرادة الثواب؛ فيقولون في الفرح: إنه الثواب المخلوق، أو : إرادة الثواب.
ونحن نقول: المراد بالفرح: الفرح حقيقة؛ مثلما أن المراد بالله عز وجل: نفسه حقيقة، ولكننا لا نمثل صفاتنا بصفات الله أبداً.
ويستفاد من هذا الحديث مع إثبات الفرح لله عز وجل : كمال رحمته جل وعلا ورأفته بعباده؛ حيث يحب رجوع العاصي إليه هذه المحبة العظيمة، هارب من الله ، ثم وقف ورجع إلى الله ، يفرح الله به هذا الفرح العظيم.
ومن الناحية المسلكية: يفيدنا أن نحرص على التوبة غاية الحرص، كما فعلنا ذنباً؛ تبنا إلى الله.
قال الله تعالى ف يوصف المتقين: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة)؛ أي فاحشة؛ مثل الزنى، واللواط، ونكاح ذوات المحارم... قال الله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً) (النساء:22)، (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) (الاسراء:32)، وقال لوط لقومه: ( أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ )(لأعراف: 80) .
إذاً؛ (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّه)؛ ذكروا الله تعالى في نفوسهم ؛ ذكروا عظمته، وذكروا عقابه، وذكروا ثوابه للتائبين؛( فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ) ؛ فعلوا ما فعلوا؛ لكنهم ذكروا الله تعالى في نفوسهم، واستغفروا لذنوبهم، فغفر لهم، والدليل : (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ )(آل عمران: من الآية135) .
فأنت إذا علمت أن الله يفرح بتوبتك هذا الفرح الذي لا نظير له؛ لا شك انك سوف تحرص غاية الحرص على التوبة.
وللتوبة شروط خمسة:
الأول: الإخلاص لله عز وجل؛ بأن لا يحملك على التوبة مراءاة الناس ، أو نيل الجاه عندهم، أو ما أشبه ذلك من مقاصد الدنيا.
الثاني: الندم على المعصية.
الثالث: الإقلاع عنها، ومن الإقلاع إذا كان التوبة في حق من حقوق الآدميين : أن ترد الحق إلى صاحبه.
الرابع:العزم على أن لا تعود في المستقبل.
الخامس: أن تكون التوبة في وقت القبول، وينقطع قبول التوبة بالنسبة لعموم الناس بطلوع الشمس من مغربها، وبالنسبة لكل واحد بحضور أجله.
قال الله تعالى : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) (النساء:18).
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن زمن التوبة ينقطع إذا طلعت الشمس من مغربها [162] ، والناس يؤمنون حينئذ، ولكن؛ ( لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً )(الأنعام: من الآية158).
هذه خمسة شروط؛ إذا تمت؛ صحت التوبة.
· ولكن ؛ هل يشترط لصحة التوبة أن يتوب من جميع الذنوب؟!
فيه خلاف ، ولكن الصحيح أنه ليس بشرط، وأنها تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره، لكن هذا التائب لا يصدق عليه وصف التائبين المطلق؛ فيقال : تاب توبة مقيدة، لا مطلقة.
· فلو كان أحد يشرب الخمر ويأكل الربا، فتاب من شرب الخمر؛ صحت توبته من الخمر، وبقي إثمه في أكل الربا، ولا ينال منزلة التائبين على الإطلاق؛ لأنه مصر على بعض المعاصي.
· رجل تمت الشروط في حقه، وعاد إلى الذنب مرة أخرى؛ فلا تنتقض توبته الأولى؛ لأنه عزم على أن لا يعود، ولكن سولت له نفسه، فعاد؛ إنما يجب عليه أن يتوب مرة ثانية، وهكذا ؛ كلما أذنب يتوب، وفضل الله واسع.
* * *
وقوله صلى الله عليه وسلم:" يضحك الله إلى رجلين يقتل إحداهما الآخر كلاهما يدخل الجنة" متفق عليه (1)............................................... ............
(1) هذا الحديث في إثبات الضحك ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم :" يضحك الله إلى رجلين ؛ يقتل إحداهما الآخر؛ كلاهما يدخل الجنة"[163].
وفي بعض النسخ:" يدخلان" ، وهي صحيحة ؛ لأن ( كلا) يجوز في خبرها – سواء كان فعلاً أو اسماً – مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى، وقد اجتمعا في قول الشاعر يصف فرسين:
كلاهما حين جد الجري بينهما قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي
الحديث يخبر فيه النبي عليه الصلاة والسلام أن الله يضحك إلى رجلين؛ عند ملاقاتهما يقتل أحدهما الآخر؛ كلاهما يدخل الجنة بعد ذلك، فتزول تلك العداوة؛ لأن إحداهما كان مسلماً ، والآخر كان كافراً، فتله الكافر، فيكون هذا المسلم شهيداً، فيدخل الجنة، ثم من الله على هذا الكافر، فأسلم ، ثم قتل شهيداً، أو مات بدون قتل؛ فإنه يدخل الجنة، فيكون هذا القاتل والمقتول كلاهما يدخل الجنة، فيضحك الله إليهما.
ففي هذا إثبات الضحك لله عز وجل، وهو ضحك حقيقة، لكنه لا يماثل ضحك المخلوقين؛ ضحك يليق بجلاله وعظمته، ولا يمكن أن نمثله، لأننا لا يجوز أن نقول : إن لله فماً أو أسناناً أو ما أشبه ذلك ، لكن نثبت الضحك لله على وجه يليق به سبحانه وتعالى.
· فإذا قال قائل: يلزم من إثبات الضحك أن يكون الله مماثلاً للمخلوق.
فالجواب: لا يلزم أن يكون مماثلاً للمخلوق؛ لأن الذي قال " يضحك": هو الذي أنزل عليه قوله تعالى: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: من الآية11).
ومن جهة أخرى؛ فالنبي عليه الصلاة والسلام لا يتكلم في مثل هذا إلا عن وحي؛ لأنه من أمور الغيب، ليس من الأمور الاجتهادية التي قد يجتهد فيها الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم يقره الله على ذلك أو لا يقره، ولكنه من الأمور الغيبية التي يتلقاها الرسول عليه الصلاة والسلام عن طريق الوحي.
· لو قال قائل: المراد بالضحك الرضى؛ لأن الإنسان إذا رضي عن الشيء؛ سر به وضحك، والمراد بالرضى الثواب أو إرادة الثواب؛ كما قال ذلك أهل التعطيل.
فالجواب أن نقول: هذا تحريق للكلم عن مواضعه؛ فما الذي أدراكم أن المراد بالرضى الثواب؟!
فأنتم الآن قلتم على الله ما لا تعلمون من وجهين:
الوجه الأول: صرفتم النص عن ظاهره بلا علم.
الوجه الثاني: أثبتم له معنى خلاف الظاهر بلا علم.
ثم نقول لهم : الإرادة؛ إذا قلتم : إنها ثابتة لله عز وجل ؛ فإنه تنتقض قاعدتكم ؛ لأن للإنسان إرادة؛ كما قال تعالى : (َ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَة)(آل عمران: من الآية152) ، فللإنسان إرادة، بل للجدار إرادة؛ كما قال تعالى : ( فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضّ)(الكهف: من الآية77)؛ فأنتم إما أن تنفوا الإرادة عن الله عز وجل كما نفيتم ما نفيتم من الصفات، وإما أن تثبتوا لله عز وجل ما أثبته لنفسه، وإن كان للمخلوق نظيره في الأسم لا في الحقيقة.
والفائدة المسلكية من هذا الحديث:
هو أننا إذا علمنا أن الله عز وجل يضحك؛ فإننا نرجو منه كل خير. ولهذا قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ! أو يضحك ربنا؟ قال : "نعم" قال: لن نعدم من رب يضحك خيراً[164]
إذا علمنا ذلك ؛ انفتح لن الأمل في كل خير ؛ لأن هناك فرقاً بين إنسان عبوس لا يكاد يُرى ضاحكاً، وبين إنسان يضحك.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم دائم البشر كثير التبسم عليه الصلاة والسلام.
* * *
وقوله صلى الله عليه وسلم :" عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غيره؛ ينظر إليكم أزلين قنطين، فيظل يضحك ؛ يعلم أن فرجكم قريب" (1) حديث حسن............................................... ...............
(1)هذا الحديث [165] في إثبات العجب وصفات أخرى.
· العجب : هو استغراب الشيء، ويكون ذلك لسببين:
السبب الأول: خفاء الأسباب على هذا المستغرب للشيء المتعجب منه؛ بحيث يأتيه بغتة بدون توقع، وهذا مستحيل على الله تعالى ؛ لأن الله بكل شيء عليم ، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
والثاني: أن يكون السبب فيه خروج هذا الشيء عن نظائره وعما ينبغي أن يكون عليه بدون قصور من المتعجب؛ بحيث يعمل عملاً مستغرباً لا ينبغي أن يقع من مثله.
وهذا ثابت لله عز وجل ؛ لأنه ليس عن نقص من المتعجب، ولكنه عجب بالنظر إلى حال المتعجب منه.
قوله:" عجب ربنا من قنوط عباده": القنوط: أشد اليأس.
يعجب الرب عز وجل من دخول اليأس الشديد على قلوب العباد.
" وقرب غيره": الواو بمعنى (مع) ؛ يعني : مع قرب غيره.
و(الغير) أسم جمع غيرة؛ كطير : أسم جمع طيرة، وهي اسم بمعنى التغيير، يغير الحال إلى حال أخرى بكلمة واحدة، وهي : كن .فيكون.
وقوله: ينظر إليكم أزلين" أي : ينظر الله إلينا بعينه.
" أزلين قنطين": الأزل: الواقع في الشدة: و"قنطين": جمع قانط، والقانط اليائس من الفرج وزوال الشدة.
فذكر النبي صلى الله عليه وسلم حال الإنسان وحال قلبه؛ حاله أنه واقع في شدة، وقلبه قانط يائس مستبعد للفرج.
"فيظل يضحك" : يظل يضحك من هذه الحال العجيبة الغريبة؛ كيف تقنط من رحمة أرحك الراحمين الذي يقول للشيء: كن . فيكون؟!
" يعلم أن فرجكم قريب"؛ أي : زوال شدتكم قريب.
في هذا الحديث عدة صفات:
-أولاً: العجب ؛ لقوله :" عجب ربنا من قنوط عباده".
وقد دل على هذا الصفة القرآن الكريم ؛ قال الله تعالى: (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ)(الصافات:12)على قراءة ضم التاء.
ثانياً: وفيه أيضاً بيان قدرة الله عز وجل؛ لقوله :" وقرب غيره"، وأنه عز وجل تام القدرة، إذا أراد غير الحال من حال إلى ضدها في وقت قريب.
ثالثاً: وفيه أيضاً من إثبات النظر؛ لقوله:" ينظر إليكم".
رابعأً: وفيه إثبات الضحك؛ لقوله :" فيظل يضحك".
خامساً: وكذلك العلم ؛ " يعلم أن فرجكم قريب".
سادساً: والرحمة، لأن الفرج من الله دليل على رحمة الله بعبادة.
وكل هذه الصفات التي دل عليها الحديث يجب علينا أن نثبتها لله عز وجل حقاً على حقيقتها ، ولا نتأول فيها .
والفائدة المسلكية في هذا : أن الإنسان إذا علم ذلك من الله سبحانه وتعالى ؛ حذر من هذا الأمر، وهو القنوط من رحمة الله ، ولهذا كان القنوط من رحمة الله من الكبائر:
قال الله تعالى : (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) (الحجر:56)
وقال تعالى:( وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)(يوسف: 88).
فالقنوط من رحمة الله ، واستبعاد الرحمة: من كبائر الذنوب، والواجب على الإنسان أن يحسن الظن بربه؛ إن دعاه أحسن الظن به بأنه سيجيبه، وإن تعبد له بمقتضى شرعه؛ فليحسن الظن بأن الله سوف يقبل منه، وإن وقعت به شدة؛ فليحسن الظن بأن الله سوف يزيلها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا"[166]
بل قد قال الله تعالى : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (5) (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (الشرح:5،6) ، ولن يغلب عسر يسرين؛ كما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما.
* * *
وقوله صلى الله عليه وسلم :" لا تزال جهنم يُلقى فيها ، وهي تقول: هل من مزيد ؛ حتى يضع رب العزة فيها رجله( وفي رواية : عليها قدمه) فينزوي بعضها إلى بعض، فتقول : قط قط" (1) متفق عليه ..............
(1)هذا الحديث [167]في إثبات الرجل أو القدم:
*قوله:" لا تزال جهنم يلقى فيها": هذا يوم القيامة؛ يعني : يلقى فيها الناس والحجارة؛ لأن الله تعالى يقول: ( فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ )(البقرة: من الآية24)، وقد يقال: يلقى فيها لاناس فقط، وأن الحجارة لم تزل موجودة فيها، والعلم عند الله.
*" يلقى فيها" : في هذا دليل على أن أهلها- والعياذ بالله- يلقون فيها إلقاء لا يدخلون مكرمين، بل يدعون إلى نار جهنم دعاً؛ ( كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ)(الملك: من الآية8) .
*قوله:" لا وهي تقول: هل من مزيد؟" : (هل) للطلب؛ يعني: زيدوا. وأبعد النجعة من قال: إن الاستفهام هنا للنفي، والمعنى على زعمه: لا مزيد على ما في، والدليل على بطلان هذا التأويل:
*قوله:" حتى يضع رب العزة فيها رجله" وفي رواية :" عليها قدمه": لأن هذا يدل على أنها تطلب زيادة، وإلا لما وضع الله عليها رجله حتى ينزوي بعضها إلى بعض؛ فكأنها تطلب بشوق إلى من يلقى فيها زيادة على ما فيها.
*قوله:" حتى يضع رب العزة": عبرَ برب العزة؛ لأن المقام مقام عزة وغلبة وقهر.
وهنا (رب) ؛ بمعنى : صاحب، وليست بمعنى خالق؛ لأن العزة صفة من صفات الله، وصفات الله تعالى غير مخلوقة.
*وقوله:" فيها رجله" ، وفي رواية :" عليها قدمه": (في) و (على) : معناهما واحد هنا، والطاهر أن (في) بمعنى (على)؛ كقوله: ( وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ )(طـه: من الآية71)؛ أي : عليها.
أما الرجل والقدم؛ فمعناهما واحد، وسميت رجل الإنسان قدماً؛ لأنها تتقدم في المشي؛ فإن الإنسان لا يستطيع أن يمشي برجله إلا إذا قدمها.
*قوله :" فينزوي بعضها إلى بعض"؛ يعني : ينضم بعضها على بعض من عظمة قدم الباري عز وجل.
*قوله: " وتقول : قط قط"؛ بمعنى : حسبي حسبي؛ يعني : لا أريد أحداً.
في هذا الحديث من الصفات:
أولاً: إثبات القول من الجماد؛ لقوله:" وهي تقول" ،وكذلك : " فتقول : قط قط" ، وهو دليل على قدرة الله الذي أنطق كل شيء.
ثانياً: التحذير من النار ؛ لقوله:" لا تزال جهنم يلقى فيها ، وهي تقول: هل من مزيد؟"
ثالثاً: إثبات فضل الله عز وجل؛ فإن الله تعالى تكفل للنار بأن يملأها كما قال : ( لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)(هود: من الآية119)؛ فإذا دخلها أهلها ، وبقي فيها فضل، وقالت : هل من مزيد؟ وضع الله عليها رجله، فانزوى بعضها إلى بعض، وامتلأت بهذا الانزواء.
وهذا من فضل الله عز وجل؛ وإلا فإن الله قادر على أن يخلق أقواماً ويكمل ملأها بهم، ولكنه عز وجل لا يعذب أحداً بغير ذنب؛ بخلاف الجنة، فيبقى فيها فضل عمن دخلها من أهل الدنيا، فيخلق الله أقواماً يوم القيامة ويدخلهم الجنة بفضله ورحمته.
رابعاً:أن لله تعالى رجلاً وقدماً حقيقية ، لا تماثل أرجل المخلوقين ويسمي أه السنة هذه الصفة: الصفة الذاتية الخبرية؛ لأنها لم تعلم إلا بالخبر، ولأن مسماها أبعاض لنا وأجزاء ، لكن لا نقول بالنسبة لله: إنها أبعاض وأجزاء ؛ لأن هذا ممتنع على الله عز وجل.
وخالف الأشاعرة وأهل التحريف في ذلك ، فقالوا:" يضع عليها رجله"يعني : طائفة من عباده مستحقين للدخول ، والرجل تأتي بمعنى الطائفة؛ كما في حديث أيوب عليه الصلاة والسلام[168] أرسل الله إليه رجل جرد من ذهب؛ يعني : طائفة من جراد.
وهذا تحريف باطل؛ لأن قوله :" عليها": يمنع ذلك.
وأيضاً ؛ لا يمكن أن يضيف الله عز وجل أهل النار إلى نفسه؛ لأن إضافة الشيء إلى الله تكريم وتشريف.
وقالوا في القدم: قدم ؛ بمعنى : مقدم ؛ أي: يضع الله تعالى عليها مقدمه؛ أي: من يقدمهم إلى النار.
وهذا باطل أيضاً؛ فإن أهل النار لا يقدمهم الباري عز وجل، ولكنهم (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً)(الطور:13) ، ويلقون فيها إلقاء؛ فهؤلاء المحرفون فروا من شيء ووقعوا في شر منه؛ فروا من تنزيه الله عن القدم والرجل، لكنهم وقعوا في السفه ومجانبة الحكمة في أفعال الله عز وجل.
والحاصل أنه يجب علينا أن نؤمن بأن لله تعالى قدماً، وإن شئنا ؛ قلنا : رجلاً؛ على سبيل الحقيقة؛ مع عدم المماثلة، ولا نكيف الرجل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأن لله تعالى رجلاً أو قدماً، ولم يخبرنا كيف هذه الرجل أو القدم ، وقد قال الله تعالى : (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (لأعراف:33).
والفائدة المسلكية من هذا الحديث : هو الحذر الشديد من عمل أهل النار؛ خشية أن يلقى الإنسان فيها كما يلقى غيره.
وقوله صلى الله عليه وسلم :" يقول الله تعالى : يا آدم! فيقول : لبيك وسعديك. فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار....(1) متفق عليه
(1)هذا الحديث[169] : في إثبات الكلام والصوت:
* يخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن ربه أنه يقول: يا آدم "! وهذا يوم القيامة، فيجب آدم: لبيك وسعديك".
* " لبيك ، بمعنى: إجابة مع إجابة، وهو مثنى لفظاً ، ومعناه: الجمع، ولهذا يعرب على أنه ملحق بالمثنى.
* " وسعديك"؛ يعني: إسعاداً بعد إسعاد؛ فأنا ألبي قولك وأسألك أن نسعدني وتعينني.
* قال :" فينادي"؛ أي : الله ؛ فالفاعل هو الله عز وجل.
* وقوله : " بصوت":هذا من باب التأكيد؛ لأن النداء لا يكون إلا بصوت مرتفع؛ فهو كقوله تعالى ( وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ )(الأنعام: من الآية38)؛ فالطائر الذي يطير؛ إنما يطير بجناحيه، وهذا من باب التأكيد.
* وقوله:" إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار": ولم يقل: إني آمرك! وهذا من باب الكبرياء والعظمة؛ حيث كنى عن نفسه تعالى بكنية الغائب: فقال:" إن الله يأمرك"؛ كما يقول الملك لجنوده: إن الملك يأمركم بكذا وكذا؛ تفاخراً وتعاظماً ، والله سبحانه هو المتكبر وهو العظيم.
وجاء في القرآن مثل هذا: )إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا )[النساء: 58]، ولم يقل: إني آمركم.
* وقوله: "أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار"؛ أي: مبعوثاً.
* والحديث الآخر؛ قال: "يارب! وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسع مائة وتسعة وتسعون[170]
قوله صلى الله عليه وسلم : "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان" (1).....................
(1) هذا الحديث[171] في إثبات الكلام أيضاً:
* قوله: "ما": نافية.
* قوله: "من أحد": مبتدأ؛ دخلت عليه (من) الزائدة للتوكيد؛ يعني: ما منكم من أحد.
* قوله: "إلا سيكلمه ربه"؛ يعني: هذه حاله؛ سيكلمه الله عز وجل؛ "ليس بينه وبينه ترجمان"، وذلك يوم القيامة.
* والترجمان: هو الذي يكون واسطة بين متكلمين مختلفين في اللغة، ينقل إلى أحدهما كلام الآخر باللغة التي يفهمها.
ويشترط في المترجم أربعة شروط: الأمانة، وأن يكون عالماً باللغة التي يترجم منها، وباللغة التي يترجم إليها، وبالموضوع الذي يترجمه.
* وفي هذا الحديث من صفات الله: الكلام، وأنه بصوت مسموع مفهوم.
"الفوائد المسلكية في الحديث الأول: "يقول الله: يا آدم!": فيه بيان أن الإنسان إذا علم بذلك، فإنه يحذر ويخاف أن يكون من التسع مائة والتسعة والتسعين.
وفي الحديث الثاني: يخاف الإنسان من ذلك الكلام الذي يجري بينه وبين ربه عز وجل أن يفتضح بين يدي الله إذا كلمه تعالى بذنوبه فيقلع عن الذنوب، ويخاف من الله عز وجل.


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 15 Mar 2010, 05:15 AM   #48
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


* * *
و قوله صلى الله عليه وسلم في رقية المريض: "ربنا الله الذي في السماء؛ تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض؛ كما رحمتك في السماء؛ اجعل رحمتك في الأرض، اغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنت رب الطيبين، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع؛ فيبرأ"(1) حديث حسن رواه أبو داود وغيره............................................. .....
(1) هذا الحديث [172]: في إثبات العلو لله وصفات أخرى:
* قوله: "في رقية المريض": من باب إضافة المصدر إلى المفعول؛ يعني: في الرقية إذا قرأ على المريض.
* قوله: "ربنا الله الذي في السماء": تقدم الكلام على قوله: "في السماء" في الآيات.
* وقوله: "تقدس اسمك"؛ أي: طهر، والاسم هنا مفرد، لكنه مضاف، فيشمل كل الأسماء؛ أي: تقدست أسماؤك من كل نقص.
* "أمرك في السماء والأرض": أمر الله نافذ في السماء والأرض؛ كما قال تعالى: )يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْض)[السجدة: 5]، وقال:(أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ )[الأعراف: 54].
* وقوله: "كما رحمتك في السماء اجعل رحمتك في الأرض": الكاف هنا للتعليل، والمراد بها التوسل؛ توسل إلى الله تعالى بجعل رحمته في السماء أن يجعلها في الأرض.
فإن قلت: أليس رحمة الله في الأرض أيضاً؟‍
قلنا: هو يقرأ على المريض، والمريض يحتاج إلى رحمة خاصة يزول بها مرضه.
* وقوله: "اغفر لنا حوبنا وخطايانا": الغفر: ستر الذنب والتجاوز عنه. والحوب: كبائر الإثم. والخطايا: صغائره. هذا إذا جمع بينهما، أما إذا افترقا؛ فهما بمعنى واحد؛ يعني: اغفر لنا كبائر الإثم وصغائره ؛ لأن في المغفرة زوال المكروب وحصول المطلوب، ولأن الذنوب قد تحول بين الإنسان وبين توفيقه؛ فلا يوفق ولا يجاب دعاؤه.
* قوله: "أنت رب الطيبين": هذه ربوبية خاصة، وأما الربوبية العامة؛ فهو رب كل شيء، والربوبية قد تكون خاصة وعامة.
واستمع إلى قول السحرة الذين آمنوا:)قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (121) )رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) الأعراف: 121-122]؛ حيث عموا ثم خصوا.
واستمع إلى قوله تعالى: إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ) [النمل: 91]؛ ف (رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ): خاص، ]( وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ) عام.
* والطيبون: هم المؤمنون؛ فكل مؤمن؛ فهو طيب، وهذا من باب التوسل بهذه الربوبية الخاصة، إلى أن يستجيب الله الدعاء ويشفي المريض.
* قوله: "أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع" هذا الدعاء وما سبقه من باب التوسل.
* "أنزل رحمة من رحمتك": الرحمة نوعان:
- رحمة هي صفة الله؛ فهذه غير مخلوقة وغير بائنة من الله عز وجل؛ مثل قوله تعالى: )وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَة) [الكهف: 58]، ولا يطلب نزولها.
- ورحمة مخلوقة، لكنها أثر من آثار رحمة الله؛ فأطلق عليها الرحمة؛ مثل قوله تعالى في الحديث القدسي عن الجنة: "أنت رحمتي أرحم بك من أشاء"[173].
* كذلك الشفاء؛ فالله شاف، ومنه الشفاء؛ فوصفه الشفاء، وهو فعل من أفعاله، وهو بهذا المعنى صفة من صفاته، وأما باعتبار تعديه إلى المريض؛ فهو مخلوق من مخلوقاته؛ فإن الشفاء زوال المرض.
* قوله: "فيبرأ": بفتح الهمزة منصوباً؛ لأنه جواب الدعاء: أنزل رحمة؛ فيبرأ. أما إذا قرئ بالضم مرفوعاً؛ فإنه مستأنف، ولا يتبع الحديث، بل يوقف عند قوله: "الوجع"، وتكون "فيبرأ": جملة خبرية تفيد أن الإنسان إذا قرأ بهذه الرقية؛ فإن المريض يبرأ، ولكن الوجه الأول أحسن بالنصب.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء"(1) حديث صحيح..................
(1) هذا الحديث [174] في إثبات العلو أيضاً:
* قوله: "ألا تأمنوني": فيها إشكال لغوي، وهو حذف نون الفعل بدون ناصب ولا جازم!!
والجواب عن هذا: إنه إذا اتصلت نون الوقاية بفعل من الأفعال الخمسة؛ جاز حذف نون الرفع.
* "ألا تأمنوني" أي: إلا تعتبروني أميناً.
* "وأنا أمين من في السماء": والذي في السماء هو الله عز وجل، وهو أمينه عليه الصلاة والسلام على وحيه، وهو سيد الأمناء عليه الصلاة والسلام، والرسول والذي ينزل عليه جبريل هو أيضاً أمين: )إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) )ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ)( مطاع ثم أمين).
* وهذا الحديث له سبب، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم ذهيبة بعث بها علي من اليمن بين أربعة نفر، فقال له رجل: نحن أحق بهذا من هؤلاء. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء".
* "ألا": للعرض؛ كأنه يقول: ائمنوني؛ فإني أمين من في السماء!
ويحتمل أن تكون الهمزة لاستفهام الإنكار، و(لا): نافية.
* والشاهد قوله: "من في السماء"، ونقول فيها ما قلناه فيما سبق في الآيات.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "والعرش فوق الماء، والله فوق العرش وهو يعلم ما أنتم عليه"(1) حديث حسن رواه أبو داود وغيره..........................
(1) هذا الحديث[175] في إثبات العلو أيضاً:
* لما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام المسافات التي بين السماوات؛ قال: "والعرش فوق الماء".
ويشهد لهذا قوله تعالى: ) وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) [هود: 7].
* قال: "والله فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه": هو فوق العرش، ومع ذلك لا يخفى عليه شيء من أحوالنا وأعمالنا، بل قد قال الله تعالى: )وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ )[ق:16] يعني: الشيء الذي في ضميرك يعلمه الله؛ مع أنه ما بان لأحد.
* وقوله: "وهو يعلم ما أنتم عليه": يفيد إحاطة علم الله بكل ما نحن عليه.
الفائدة المسلكية في هذا الحديث:
إذا آمنا بهذا الحديث؛ فإننا نستفيد منه فائدة مسلكية، وهي تعظيم الله عز وجل، وأنه في العلو، وأنه يعلم ما نحن عليه، فنقوم بطاعته؛ بحيث لا يفقدنا حيث أمرنا، ولا يجدنا حيث نهانا.
* * *
وقوله صلى الله عليه وسلم للجارية: "أين الله؟" قالت: في السماء. قال: "من أنا؟" قالت أنت رسول الله. قال: "اعتقها فإنها مؤمنة"(1) رواه مسلم.............................................. .
(1) هذا الحديث[176]: في إثبات العلو أيضاً:
* قوله: "أين الله؟": (أين): يستفهم بها عن المكان.
* "قالت: في السماء"؛ يعني: على السماء، أو: في العلو؛ على حسب الاحتمالين السابقين.
قال "من أنا؟ قال: أنت رسول الله. قال: "اعتقها فإنها مؤمنة".
وعند أهل التعطيل هي بقولها: "في السماء": إذا أرادت أنه في العلو؛ هي كافرة!! لأنهم يرون أن من أثبت أن الله في جهة؛ فهو كافر؛ إذ يقولون: إن الجهات خالية منه.
واستفهام النبي صلى الله عليه وسلم: ب(أين) يدل على أن لله مكاناً.
ولكن يجب أن نعلم أن الله تعالى لا تحيط به الأمكنة؛ لأنه أكبر من كل شيء، وأن ما فوق الكون عدم، ما ثم إلا الله؛ فهو فوق كل شيء.
* وفي قوله: "أعتقها؛ فإنها مؤمنة": دليل على أن عتق الكافر ليس بمشروع، ولهذا لا يجزئ عتقه في الكفارات؛ لأن بقاء الكافر عندك رقيقاً؛ فيه نوع حماية وسلطة وإمرة وتقريب من الإسلام؛ فإذا أعتقته؛ تحرر؛ وإذا تحرر؛ فيخشى منه أن يرجع إلى بلاد الكفر؛ لأن أصل الرق هو الكفر، ويبقى معيناً للكافرين على المؤمنين.
* * *
وقوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت"(1) حديث حسن............
(1) هذا الحديث[177]: في إثبات المعية:
* أفاد الحديث معية الله عز وجل، وقد سبق في الآيات أن معية الله لا تستلزم أن يكون في الأرض، بل يمتنع غاية الامتناع أن يكون في الأرض، لأن العلو من صفاته الذاتية التي لا ينفك عنها أبداً، بل هي لازمة له سبحانه وتعالى.
وسبق أيضاً أنها قسمان.
* وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أفضل الإيمان أن تعلم": يدل على أن الإيمان يتفاضل؛ لأنك أذا علمت أن الله معك حيثما كنت؛ خفت منه عز وجل وعظمته.
لو كنت في حجرة مظلمة ليس فيها أحد؛ فاعلم أن الله معك، لا في الحجرة؛ لكنه سبحانه وتعالى معك؛ لإحاطته بك علماً وقدرة وسلطاناً وغير ذلك من معاني ربوبيته.


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 15 Mar 2010, 05:16 AM   #49
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


وقوله صلى الله عليه وسلم :" إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصق قبل وجهه، ولا عن يمينه ،فإن الله قبل وجهه، ولكن عن يساره أو تحت قدمه" (1) متفق عليه............
(1) هذا الحديث [178]في إثبات كون الله قبل وجه المصلى:
*" قبل وجهه" يعني : أمامه.
قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) (البقرة:115).
*" يمينه": ورد فيه حديث:" فإن عن يمينه ملكاً"[179] ، ولأن اليمين أفضل من الشمال، فيكون اليسار أولى بالبصاق ونحوه، ولهذا قال" ولكن عن يساره أو تحت قدمه".
فإن كان في المسجد؛ قال العلماء : فإنه يجعل البصاق في خرقه أو منديل أو ثوبه ، ويحك بعضه ببعض، حتى تزول صورة البصاق، وإذا كان الإنسان في المسجد عند الجدار، والجدار قصير عن يساره؛ فإنه يمكن أن يبصق عن يساره إذا لم يؤذ أحداً من المارة.
*يستفاد من هذا الحديث: أن الله تبارك وتعالى أمام وجه المصلي، ولكن يجب أن نعلم أن الذي قال: إنه أمام وجه المصلى؛ هو الذي قال إنه في السماء، ولا تناقض في كلامه هذا وهذا؛ إذ يمكن الجمع من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن الشرع جمع بينهما ، ولا يجمع بين متناقضين.
الوجه الثاني: أنه يمكن أن يكون الشيء عالياً، وهو قبل وجهك؛ فها هو الرجل يستقبل الشمس أول النهار، فتكون أمامه وهي في السماء؛ فإذا كان هذا ممكناً في المخلوق؛ ففي الخالق من باب أولى بلا شك.
الوجه الثالث: هب أن هذا ممتنع في المخلوق؛ فإنه لا يمتنع في الخالق؛ لأن الله تعالى ليس كمثله شيء في جميع صفاته.
يستفاد من هذا الحديث من الناحية المسلكية وجوب الأدب مع الله عز وجل ويستفاد أنه متى آمن المصلي بذلك فإنه يحدث له خشوعاً وهيبة من الله عز وجل.
وقوله صلى الله عليه وسلم :" اللهم رب السماوات السبع والأرض ورب العرش العظيم ، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك م شر نفسي، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها . أنت الأول ؛ فليس قبلك شيء، وأنت الآخر؛ فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر؛ فليس فوقك شيء، وأنت الباطن؛ فليس دونك شيء؛ اقض عني الدين، وأغنني من الفقر". رواه مسلم(1).........................................
(1)هذا الحديث[180] : في إثبات العلو وصفات أخرى:
*وهو حديث عظيم ، توسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى بربوبيته في قوله:" اللهم رب السماوات السبع والأرض، ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء" ، وهذا من باب التعميم بعد التخصيص في قوله:" ورب كل شيء" وهذا التعميم بعد التخصيص؛ لئلا يتوهم واهم اختصاص الحكم بما خصص به. وانظر إلى قوله تعالى : (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ )(النمل: من الآية91) حيث قال : (وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ) ؛ حتى لا يظن ظان أنه ليس رباً إلا لهذه البلدة.
*" فالق الحب والنوى": حب الزرع. و "النوى" : نوى العرس؛ فالأشجار التي تخرج: إما زروع أصلها النوى؛ فما للأشجار يسمى نوى، وما للزروع يسمى حباً ؛( فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى)(الأنعام: من الآية95).
هذا الحب والنوى اليابس الذي لا ينمو ولا يزيد ، يفلقه الرب عز وجل؛ أي: يفتحه حتى تخرج منه الأشجار والزروع ، ولا يستطيع أحد أن يفعل ذلك؛ مهما بلغ الناس في القدرة؛ ما استطاعوا أن يفلقوا حبة واحدة أبداً! والنوى كذلك الذي كالحجر؛ لا ينمو، ولا يزيد ؛ يفلقه الله عز وجل، وينفرج، ثم تكون منه الغريسة التي تنمو، ولا أحد يستطيع ذلك ؛ إلا الذي فلقها سبحانه وتعالى.
ولما ذكر الآية الكونية العظيمة؛ ذكر الآيات الشرعية، وهي:
قوله:" منزل التوراة والإنجيل والقرآن" : وهذه أعظم كتب أنزلها الله عز وجل، وبدأها على الترتيب الزمني: التوراة على موسى، والإنجيل على عيسى، والفرقان على محمد صلى الله عليه وسلم .
وفي هذا نص صريح على أن التوراة منزلة كما جاء في القرآن: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ )(المائدة: من الآية44) ، وقال في أول سورة آل عمران: (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ) (3) (مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ )(آل عمران: 3-4).
قوله:" أعوذ بك من شر نفسي": أعتصم بالله من شر نفسي.
إذاً ؛ في نفسك شر؛ (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوء)(يوسف: من الآية53)
لكن النفس نفسان:
1- نفس مطمئنة طيبة تأمر بالخير.
2- نفس شريرة أمارة بالسوء.
والنفس اللوامة؛ هل هي ثالثة، أو وصف للثنتين السابقتين؟!
فيه خلاف: بعضهم يقول: أنها نفس ثالثة. وبعضهم يقول : هي وصف للثنتين السابقتين؛ فالمطمئنة تلومك والأمارة بالسوء تلومك؛ فيكون قوله تعالى : (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) (القيامة:2)؛ يشمل النفسين جميعاً.
فالمطمئنة تلومك على التقصير في الواجب؛ إذا أهملت واجباً؛ لامتك، وإذا فعلت محرماً ؛ لامتك.
والأمارة بالعكس ؛ إذا فعلت الخير؛ لامتك وتلومك إذا فوت ما تأمرك به من السوء.
إذاً؛ صارت اللوَّامة على القول الراجح وصفاً لنفسين معاً.
وقوله هنا:" أعوذ بك من شر نفسي": المراد بها النفس الأمارة بالسوء.
قوله:" ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها": الدابة : كل ما يدب على الأرض، حتى الذي يمشي على بطنه داخل في هذا الحديث؛ كقوله تعالى : (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ )(النور: من الآية45) ، وقوله: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا )(هود: من الآية6) .
وإن كانت الدابة تطلق في العرف على ذوات الأربع، فوفي عرف أخص تطلق على الحمار فقط، لكنها في مثل هذا الحديث يراد بها كل ما يدب على الأرض، وما يدب على الأرض فيه شرور، أما بعضه فشر محض بالنسبة لذاته، وأما بعضه ففيه خير وفيه شر، وحتى الذي فيه خير ؛ لا يسلم من الشر.
*قوله :" أنت آخذ بناصيتها " : مقدم الرأس، وإنما نص على الناصية؛ لأنه هو المقدم ، وهو الذي يمسك به لقيادة البعير وشبهه وقيل : خص ذلك؛ لأن المخ الذي فيه التصور والتلقي يكون في مقدمة الرأس ، والعلم عند الله.
*قوله:" أنت الأول؛ فليس قبلك شيء": هذا تفسير من النبي صلى الله عليه وسلم لقوله :" الأول" والأول من أسماء الله.
وقد ذكرنا عند تفسير الآية أن أهل الفلسفة يسمون الله : القديم، وذكرنا أن القديم ليس من أسماء الله الحسنى، وأنه لا يجوز أن يسمى به، لكن يجوز أن يخبر به عنه، وباب الخبر أوسع من باب التسمية؛ لأن القديم ليس من الأسماء الحسنى، والقديم فيه نقص؛ لأن القدم قد يكون قدماً نسبياً ؛ ألم تر إلى قوله تعالى : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (يّـس:39)، والعرجون القديم حادث، لكنه قديم بالنسبة لما بعده.
*قوله:" " وأنت الظاهر ؛ فليس فوقك شيء": الظاهر من الظهور، وهو العلو؛ كما قال تعالى : (فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً) (الكهف:97)؛( يَظْهَرُوهُ) ؛ أي : يعلو عليه.
وأما من قال : الظاهر بآياته؛ فهذا خطأ؛ لأنه لا أحد أعلم بتفسير كلام الله من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قال:" الظاهر ؛ فليس فوقك شيء": بل هو فوق كل شيء سبحانه.
قوله:" وأنت الباطن؛ فليس دونك شيء": المعنى : ليس دون الله شيء؛ لا أحد يدبر دون الله ، ولا أحد ينفرد بشيء دون الله، ولا أحد يخفى على الله ؛ كل شيء؛ فالله محيط به ، ولهذا قال:" ليس دونك شيء" يعني : لا يحول دونك شيء، ولا يمنع دونك شيء، ولا ينفع ذا الجد منك الجد... وهكذا.
قوله:" اقض عني الدين": الدين: ما يستحق على الإنسان من مال أو حق؛ اشتريت منك حاجة، ولم أنقدك الثمن؛ فهذا يسمى ديناً، وإن كان غير مؤجل.
قوله:" أغنني من الفقر": الفقر: خلو ذات اليد، ولا شك أن الفقر فيه إيلام للنفس ، والدين فيه ذل؛ والمدين ذليل للدائن، والفقير معوز ربما يجره الفقر إلى أمر محرم.
ألم يأتكم نبأ الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار، فتوسل كل واحد منهم بصالح عمله، وكان لأحدهم ابنة عم أعجبته، وكان يراودها عن نفسه، ولكنها كان تأبى ذلك، فألمت به سنة من السنين، واحتاجت ، وجاءت إليه تطلب منه أن يعينها، فأبى عليها إلا أن تمكنه من نفسه ، من أجل ضرورتها ؛ وافقت على هذا، فما جلس منها مجلس الرجل من امرأته؛ قالت له: يا هذا! اتق الله! ولا تفض الخاتم إلا بحقه! وأثرت هذه الكلمة في الرجل عندما كانت نابعة من القلب، فقام عنها. قال: فقمت عنها وهي أحب الناس إلي. لكن ذكرته هذه الموعظة الكريمة؛ فأقلع[181].
فانظر إلى الفقر ؛ فإن هذه المرأة أرادت أن تبيع عرضها بسبب الفقر.
إذاً ؛ قول الرسول صلى الله عليه وسلم :" أغنني من الفقر"
: سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يغنيه من الفقر؛ لأن الفقر له آفات عظيمة.
*وفي هذا الحديث أسماء وصفات:
- فمن الأسماء: الأول، والآخر، والظاهر ، والباطن.
- ومن الصفات: الأولية والآخرية، وفيهما الإحاطة الزمانية.


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
قديم 15 Mar 2010, 05:17 AM   #50
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


والظاهرية والباطنية، وفيهما الإحاطة المكانية. ومنها : العلو، وعموم ربوبيته، وتمام قدرته. ومنها: كما رحمته وحكمته بإنزال الكتب؛ لتحكم بين الناس وتهديهم صراط الله.
*ومن غير الأسماء والصفات: التوسل إلى الله بصفات الله، والتحذير من شر النفوس، وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضى الله دينه ويغنيه من الفقر، وبيان ضعف الحديث الذي فيه سؤال النبي صلى الله عليه وسلم أن يحييه ربه مسكينا[182].
وفيه من الفوائد المسلكية : التحذير من شر النفس، وتعظيم شأن الدين، وأن يحرص على تلافي الدين بقدر الإمكان، ويقتصد في ماله طلباً وتصرفاً؛ لأنه إذا اقتصد في ذلك ؛ سلم غالباً من الفقر والدين.
* * *
وقوله صلى الله عليه وسلم لما رفع الصحابة أصواتهم بالذكر:" أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنما تدعون سميعاً بصيراً؛ إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته"(1) متفق عليه......
(1)هذا الحديث [183]: في إثبات قرب الله تعالى :
كان الصحابة رضي الله عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم ؛ إذا علوا نشزاً ؛ كبروا، وإذا نزلوا وادياً؛ سبحوا[184]؛ لأن الإنسان إذا ارتفع؛ قد يتعاظم في نفه، ويرى أنه مرتفع عظيم؛ فناسب أن يقول: الله أكبر! تذكيراً لنفسه بكبرياء الله عز وجل، وأما إذا نزل؛ فهذا سفول ونزول، فيقول: سبحان الله! تذكيراً لنفسه بتنزه الله عن اسفل. فكان الصحابة رضي الله عنهم يرفعون أصواتهم بالذكر جداً، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:
" أيها الناس اربعوا على أنفسكم"؛ يعني : هونوا عليها.
" فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً"؛ لا تدعون أصم لا يسمع ، ولا غائباً لا يرى.
" إنما تدعون سميعاً"؛ يسمع ذكركم، " بصيرا"؛ يرى أفعالكم.
" إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته": عنق الراحلة للراكب قريب جداً؛ فالله تعالى أقرب من هذا إلى الإنسان، ومع هذا؛ فهو فوق سماواته على عرشه.
ولا منافاة بين القرب والعلو؛ لأن الشيء قد يكون بعيداً قريباً؛ هذا بالنسبة للمخلوق؛ فكيف بالخالق؟! فالرب عز وجل قريب مع علوه، أقرب إلى أحدنا من عنق راحلته.
هذا الحديث فيه فوائد:
- فيه شيء من الصفات السلبية: نفي كونه أصم أو غائباً؛ لكمال سمعه ولكمال بصره وعلمه وقربه.
- وفيه أيضاً انه ينبغي للإنسان إلا يشق على نفسه في العبادة؛ لأن الإنسان إذا شق على نفسه؛ تعبت النفس وملت، وربما يتأثر البدن، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " اكلفوا من العمل ما تطيقون؛ فإن الله لا يمل حتى تملوا"[185].
حتى إن الرسول صلى الله عليه وسمل أمر من نعس في صلاته أن ينام ويدع الصلاة؛ قال : " فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه"[186].
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم حتى يقول القائل : لا يفطر ، ويفطر حتى يقول القائل: لا يصوم[187] كذلك في القيام والنوم[188]
- وفيه ايضاً أن الله قريب، وقد دل عليه قوله تعالى : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ )(البقرة: من الآية186).
* ونستفيد من هذا الحديث من الناحية المسلكية:
- أنه لا ينبغي لنا أن نشق على أنفسنا بالعبادات، وأن يكون سيرنا إلى الله وسطاً؛ لا تفريط ولا إفراط.
- وفيه أيضاً: الحذر من الله ؛ لأنه سميع وقريب وبصير، فنبتعد عن مخالفته.
- وفيه أيضا من الناحية الحكمية: جواز تشبيه الغائب الحاضر للإيضاح؛ حيث قال:" إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته".
- وفيه أيضاً انه ينبغي أن يراعي الإنسان في المعاني ما كان أقرب على الفهم ؛ لأن هؤلاء مسافرون، وكل منهم على راحلته، وإذا ضرب المثل بما هو قريب؛ فلا أحسن من هذا المثل الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام.
وقوله صلى الله عليه وسلم :" إنكم سترون ربكم كمـا ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته؛ فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها ؛ فافعلوا (1)" متفق عليه....................................
(1) هذا الحديث [189]: في إثبات رؤية المؤمنين لربهم.
· قوله :" إنكم سترون ربكم ": السين للتحقيق، وتخلص الفعل المضارع إلى الاستقبال بعد أن كان صالحاً للحال والاستقبال؛ كما أن (لم) تخلصه للماضي، والخطاب للمؤمنين.
· قوله :" كما ترون القمر:" هذه رؤية بصرية؛ لأن رؤيتنا للقمر بصرية، وهنا شبه الرؤية بالرؤية؛ فتكون رؤية بصرية.
· قوله :" كما ترون" : (ما) هذه مصدرية، فيحول الفعل بعدها إلى مصدر، ويكون التقدير : كرؤيتكم القمر؛ فالتشبيه حينئذ للرؤية بالرؤية وليس للمرئي بالمرئي، لأن الله تعالى ليس كمثله شيء.
والنبي عليه الصلاة والسلام يقرب المعاني أحياناً بذكر الأمثلة الحسية الواقعية؛ كما سأله أبو رزين العقيلي لقيط بن عامر؛ قال : يا رسول الله ! أكلنا يرى ربه يوم القيامة، وما آية ذلك في خلقه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" كلكم ينظر إلى القمر مخلياً به" قال: بلى قال النبي صلى الله عليه وسلم :" فالله أعظم"[190]
وقوله :" مخلياً به"؛ يعني : خالياً به.
وكما ثبت به الحديث في " صحيح مسلم "[191] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه :" إن الله يقول :قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين؛ فإذا قال : الحمد لله رب العالمين. قال: حمدني عبدي...." الخ.
وهذا يشمل كل مصل، ومن المعلوم أنه قد يتفق المصلون في هذه الآية جميعأً ، فيقول اله لكل واحد:" حمدني عبدي"، في آن واحد
قال :" كما ترون القمر ليلة البدر" أي: ليلة إبداره، وهي الليلة الرابعة عشرة والخامسة عشرة والثالثة عشرة أحياناً، والوسط الرابعة عشرة، كما قال ابن القيم : كالبدر ليل الست بعد ثمان.
*قوله:" لا تضامُون في رؤيته" ، وفي لفظ : لا تضامون" وفي لفظ:" لا تضارون":
- " لا تضامون": بضم التاء وتخفيف الميم ، أي : يلحقكم ضيم، والضيم الظلم، والمعنى: لا يحجب بعضكم بعضاً عن الرؤية فيظلمه بمنعه إياه. لأن كل واحد يراه.
- " لا تضامون" : بتشديد الميم وفتح التاء وضمها : يعني : لا ينضم بعضكم إلى بعض في رؤيته؛ لأن الشيء إذا كان خفياً ؛ ينضم الواحد على صاحبه ليريه إياه.
- أما " لا تضارون" أو "لا تضارُون" فالمعنى: لا يلحقكم ضرر؛ لأن كل إنسان يراه سبحانه وتعالى وهو في غاية ما يكون من الطمأنينة والراحة.
- قوله :" فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غربوها ؛ فافعلوا": الصلاة قبل طلوع الشمس هي الفجر، وقبل غروبها هي العصر.

- والعصر أفضل من الفجر؛ لأنها الصلاة الوسطى التي خصها الله بالأمر بالمحافظة عليها بعد التعميم ، والفجر أفضل من العصر من وجه؛ لأنها الصلاة المشهودة؛ كما قال تعالى (ِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً)(الاسراء: من الآية78) وجاء في الحديث الصحيح:" من صلى البردين ؛ دخل الجنة[192]، وهما الفجر والعصر.
إلى أمثال هذه الأحاديث التي يخبر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه بما يخبر به (1) فإن الفرقة (2) الناجية (3) أهل السنة والجماعة(4)....................................... ......................................
*في هذا الحديث من صفات الله: إثبات أن الله يرى، وقد سبق شرح هذه الصفة عند ذكر الآيات الدالة عليها ، وهي أربعة آيات، والأحاديث في هذا متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم فثبوتها قطعة، ودلالتها قطعية.

ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن من أنكر رؤية الله تعالى ؛ فهو كافر مرتد، وان الواجب على كل مؤمن أن يقر بذلك. قال: وإنما كفرناه؛ لأن الأدلة قطعية الثبوت وقطعية الدلالة، ولا يمكن لأحد أن يقول : إن قول الرسول عليه الصلاة والسلام :" إنكم سترون ربكم" إنه ليس قطعي الدلالة؛ إذ ليس هناك شيء أشد قطعاً من مثل هذا التركيب.
لو كان الحديث :" إنكم ترون ربكم": لربما تحتمل التأويل، وأنه عبر عن العلم اليقيني بالرؤية البصرية، ولكنه صرح بأنا نراه كما نرى القمر، وهو حسي.
وسبق لنا أن أهل التعطيل يؤولون هذه الأحاديث ويفسرون الرؤية برؤية العلم، وسبق بطلان قولهم.
(1)* قوله: " إلى أمثال هذه الأحاديث ..." إلخ؛ يعني : انظر إلى أمثال هذه الأحاديث التي يخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه؛ فما كان مثلها ثبوتاً ودلالة؛ فحكمه حكمها.
(2) الفرقة "؛ أي: الطائفة.
(3) " الناجية" التي نجت في الدنيا من البدع، وفي الآخرة من النار.
(4) أي: الذين أخذوا بالسنة واجتمعوا عليها .
يؤمنون بذلك(1) كما يؤمنون بما أخبر الله به في كتابه العزيز (2) من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل (3)............................................... ................................................
(1) أي: بما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسمل .
(2) لأن ما أخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام يجب علينا أن نؤمن به كما يجب علينا أن نؤمن بما أخبر الله به في كتابه ؛ إلا أنه يختلف عن القرآن في الثبوت؛ فإن لنا نظرين بالنسبة لما جاءت به السنة:
النظر الأول: في ثبوته.
والنظر الثاني: في دلالته.
أما ما في القرآن؛ فلنا نظر واحد، وهو النظر في الدلالة.
وقد سبق لنا بيان الأدلة الدالة على وجوب قبول ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسمل .
(3) سبق شرح هذا.


 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كتاب العلم ... للشيخ محمد العثيمين محمد الغماري المكتــــــبة العــــــــــــــامة ( Public Library ) 62 16 Mar 2010 03:07 AM
كتاب نبذة في العقيدة الإسلامية ... للشيخ محمد العثيمين محمد الغماري المكتــــــبة العــــــــــــــامة ( Public Library ) 13 16 Mar 2010 12:53 AM
شرح ثلاثة الأصول ... للشيخ محمد العثيمين محمد الغماري المكتــــــبة العــــــــــــــامة ( Public Library ) 2 16 Mar 2010 12:46 AM
الكتاب : الخلاف بين العلماء/ للشيخ العلامة :محمد بن صالح بن محمد العثيمين ابومروان الليبي منهج السلف الصالح . The Salafi Curriculum 1 22 Sep 2009 06:29 PM

 
مايُكتب على صفحات المركز يُعبّر عن رأى الكاتب والمسؤولية تقع على عاتقه


علوم الجان - الجن - عالم الملائكة - ابحاث عالم الجن وخفاياه -غرائب الجن والإنس والمخلوقات - فيديو جن - صور جن - أخبار جن - منازل الجن - بيوت الجن- English Forum
السحر و الكهانة والعرافة - English Magic Forum - الحسد والعين والغبطة - علم الرقى والتمائم - الاستشارات العلاجية - تفسير الرؤى والاحلام - الطب البديل والأعشاب - علم الحجامة

الساعة الآن 04:49 AM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2011-2012
جميع الحقوق محفوظة لمركز دراسات وأبحاث علوم الجان العالمي