اعلانات
اعلانات     اعلانات
 


بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ : عَنْ أَبِي رُقَيَّةَ تَمِيمِ بْنِ أَوْسٍ الدّارِيِّ (رضي الله عنه) أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنا: لِمَنْ؟ قالَ لِلَّهِ، وَلِكِتابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعامَّتِهِمْ». رَواهُ مُسْلِمٌ.

يُروى أنَّ عليَّ بنَ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه كتَبَ إلى ابنِه مُحَمَّدِ بنِ الحَنَفيَّةِ: (لا يكُنْ أخوك على قَطيعَتِك أقوى مِنك على صِلتِه، وعلى الإساءةِ أقوى مِنك على الإحسانِ) .


           :: وادي الجن شمال المدينة والبئر . (آخر رد :ابن الورد)       :: زعماعندو قدرة خارقة "بوهالي" خارج يداوي الناس من أمراض فالشارع العام فيها حارالأطباء (آخر رد :ابن الورد)       :: الشريف بهلول كيداوي وكيدير عمليات مستعصية وكيتحدى أطباء جميع دول العالم (آخر رد :ابن الورد)       :: 5:04 / 9:22 خطير ..عبد السلام دخانة يشرب ويستحم بالاسيد / الماء القاطع . (آخر رد :ابن الورد)       :: هَدْيِه النبي صلى الله فِي الْعِلَاجِ بِشُرْبِ الْعَسَلِ، وَالْحِجَامَةِ، وَالْكَيِّ. (آخر رد :ابن الورد)       :: استكشاف قرية الجن الفروثي وتجربة جهاز كاشف الجن والأشباح بالموجات الكهرومغناطيسية . (آخر رد :ابن الورد)       :: محمود صلاح بتصريح صادم: الجن يتعامل معنا والمنظومة التي تدير العالم تستجلب الشياطين ! (آخر رد :ابن الورد)       :: محمود صلاح يتحدث عن أسرار عبدة الشيطان :" التاروت هو أمر شيطاني "! (آخر رد :ابن الورد)       :: محمود صلاح يتحدى المنجمين : 2024 فيها لقاء مع الفضائيين وظهور وباء الزومبي ! (آخر رد :ابن الورد)       :: ماهي حقيقة مثلث برمودا ؟ ولماذا تختفي الطائرات والسفن به ؟ (آخر رد :ابن الورد)      

 تغيير اللغة     Change language
Google
الزوار من 2005:
Free Website Hit Counter

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 26 Feb 2018, 06:02 PM
سلطانه
SULTANA
وسام الشرف
سلطانه غير متصل
Saudi Arabia    
لوني المفضل Black
 رقم باحث : 19311
 تاريخ التسجيل : Jan 2018
 فترة الأقامة : 2297 يوم
 أخر زيارة : 06 Nov 2023 (09:05 PM)
 المشاركات : 1,395 [ + ]
 التقييم : 20
 معدل التقييم : سلطانه is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
Arrow ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .



الشروط المعتبرة التي لابد من توافرها (1)


الأول: التكليف (2) :
وهذا الشرط يخرج غير المكلف كالمجنون والصبي.. والمكلف في اصطلاح الفقهاء: هو البالغ العاقل.
وهذا الشرط يعد من شروط الوجوب، لكن لا يعني هذا الاشتراط للتكليف أن غير البالغ لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر بل يكون ذلك مندوباً في حقه.
كما هو الحال في الصلاة والصوم والحج ونحوها مما هو معلوم (3) .
الثاني: الإسلام (4) :
الحسبة فيها نوع ولاية، ولا ولاية للكافر على المسلم؛ ثم إن الكافر لو قام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنه لا يقبل منه مع انتفاء شرط الإسلام، بقطع النظر عن كونه مخاطباً بفروع الشريعة أم لا.
ولأن الحسبة نصرة للدين ورفع له فلا يرجى أن يكون ناصره من هو جاحد لأصله (5) . لكن لو قام الكافر بالإنكار للمنكر.. فهل يبقى على المسلم إنكار له؟!
والجواب عن هذا أن يقال: إن زال المنكر فليس على المسلم إنكار بعده، لأنه لا وجود للمنكر.. لكن إن كان المسلم عالماً بالمنكر قبل إنكار الكافر له كان إنكاره متعيناً على المسلم فيلام على الترك.
أما في حال بقاء المنكر بعد إنكار الكافر له فلا شك أن هذا لا يعفى المسلم من إنكاره أبداً.
الثالث: الإخلاص وإحضار النية (6) :
لابد للمحتسب من أن يطلب بعمله وجه الله تعالى ورضاه.. دون أن يقصد بعمله وحسبته رياء ولا سمعة.. ولا منزلة في قلوب الخلق أو شيئا من دنياهم.
وهذا الأمر –أعني الإخلاص- شرط في قبول سائر الأعمال الصالحة كما تقدم قال الله تعالى: فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: 110].
ويتأكد الإخلاص في حال كون العمل بارزاً ظاهراً يراه الناس ويشاهدونه. وننبه في هذا الموضع إلى مدخل شيطاني يوسوس به إبليس في نفوس بعض الغيورين فيشككهم في إخلاصهم وبالتالي يقعدهم عن القيام بمثل هذا العمل العظيم.. أو يقعدهم عنه ابتداء تحاشياً للشهرة أو الانزلاق بالعجب أو الرياء والسمعة.. كما نسمع من بعض القاعدين عنه!! فلا ينبغي الالتفات إلى شيء من هذه الوساوس ولا الركون إلى تلك الهواجس..!! وسيأتي المزيد من بيان هذا عند الكلام على أحوال الناس بالنسبة إلى القيام به وعدمه.
وقد يكون للرجل جهاد وعمل ضخم في مجالات الدعوة والإصلاح والتوجيه وليس له عند الله تعالى نصيب، لأنه إنما دعا إلى تجميع الناس حول نفسه.. فدعوته وجهاده لرفع تلك النفس.
الرابع: المتابعة:
إن الغرض من الاحتساب هو إيجاد المعروف وإزالة المنكر والمعروف هو ما جاء به محمد –صلى الله عليه وسلم-.. فعلى المحتسب أن يجعل هذا نصب عينيه، وعليه أن يعلم جيداً أن المتابعة شرط في قبول عمله لقوله تعالى: فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا [الكهف: 110] والعمل الصالح هو العمل الصائب الموافق لهديه –صلوات الله وسلامه عليه-.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة المتقدم – عن مداخلة الدخن للخير الذي يكون بعد الشر لما ذكر الفتن.. وفسره بقوله ((قوم يهدون بغير هديي ويستنون بغير سنتي)).
فيجب أن يكون منهجنا في التغيير للانحرافات الواقعة في الأمة.. وإيجاد الفضيلة والخير في المجتمع سائراً على المنهج الذي سار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رسول الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب: 21] قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [آل عمران: 31].
ولقد بدأ –صلوات الله وسلامه عليه- كغيره من الأنبياء قبله –بإصلاح عقائد الناس أولاً وجمعهم على عقيدة التوحيد؛ كما ربى أصحابه –رضوان الله عليهم أجمعين- على وحدة مصدر التلقي.. وعلى أن كل قول غير قول الله وقوله رسوله –صلى الله عليه وسلم- فإنه هو قول قابل للخطأ والصواب فلا ينظر إليه باعتبار قائله (اعرف الحق تعرف أهله، فإنما الحق لا يعرف بالرجال).
فإذا بدأ المحتسب أو (الداعي) بعكس ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم كما لو بدأ بالجهاد أو إقامة الدولة مثلاً فإنه لا يفلح في دعوته، وهذا ولا شك من ذلك الدخن الذي أخبرنا عنه –صلى الله عليه وسلم- قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: (ومن الصلاح أن يأتي بالأمر والنهي على الصراط المستقيم، والصراط المستقيم أقرب الطرق. وهو الموصل إلى حصول القصد) (7) ا.هـ.
فكل دعوة إلى الإصلاح وكل أمر بمعروف أو نهي عن منكر لا ينتهجان ذلك المنهج السوي فلهما من المفارقة لمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي هو منهج أهل السنة والجماعة بقدر المخالفة له.
فإن منهج أهل السنة وطريقهم لا يقتصر على مسائل الصفات فقط، أو قضايا العلم والاعتقاد، بل ذلك يكون في تلك القضايا وغيرها من الأمور العملية وإنما كثر التدوين في مسائل الصفات خاصة ومسائل الاعتقاد عامة لكثرة المخالفين فيها أولاً ثم لخطورة الخلاف في تلك المسائل ثانياً.
ونحن ندعو كل مسلم إلى التمسك بذلك المنهج فهو طريق الخلاص من هذا الواقع المرير.
الخامس: العلم (8) :
تبين لك فيما سبق أنه لابد من بلوغ المطالبة بالتكليف إلى المكلف في العمل المعين.. وإلا فإنه لا يؤاخذ على تركه. وهذا ظاهر وهو الذي مر معك عند الكلام في شرطية العلم بالتكليف وأنه من شروط الوجوب، لكن العلم الذي نريد الحديث عنه هو العلم بما يأمر والعلم بما ينهى.
فلابد للآمر أن يعلم أن ما يأمر به هو من المعروف، كما لابد للناهي أن يعلم أن ما نهى عنه يعد من المنكر.. فلابد إذاً أن يكون فقيهاً فيما يأمر به، فقيهاً فيما ينهى عنه. فحاله كحال الطبيب لا يمكنه العلاج حتى يفهم المرض والدواء معاً.
قال الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف: 108] فدلت الآية على لزوم البصيرة وهي الدليل الواضح (9) . قال ابن القيم –رحمه الله-: (وإذا كانت الدعوة إلى الله أشرف مقامات العبد وأجلها وأفضلها، فهي لا تحصل إلا بالعلم الذي يدعو به وإليه بل لابد في كمال الدعوة من البلوغ في العلم إلى حد أقصى ما يصل إليه السعي.
ويكفي هذا في شرف العلم أن صاحبه يحوز به هذا المقام، والله يؤتي فضله من يشاء) ا.هـ (10) .
وإن مما يدخل في هذا العلم المطلوب: علم المحتسب بمواقع الحسبة وحدودها (11) . قال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: (من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح) (12) .
قال النووي –رحمه الله-: (إنما يأمر وينهى من كان عالماً بما يأمر به وينهى عنه، وذلك يختلف باختلاف الشيء، فإن كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنا والخمر ونحوها فكل المسلمين علماء بها، وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه، ولا لهم إنكاره بل ذلك للعلماء) (13) ا.هـ. بل لا يكون عمل المحتسب أو الداعي صالحاً ما لم يكن بعلم وفقه كما قال عمر بن عبد العزيز –رحمه الله-.. لأن القصد والعمل إن لم يكن بعلم كان جهلاً وضلالاً واتباعاً للهوى.. وهذا هو الفرق بين أهل الجاهلية وأهل الإسلام.
فلابد إذاً من العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما، كما لابد من العلم بحال المأمور وحال المنهي (14) .
ولا تفهم مما سبق أن المطلوب منك عند قيامك بمهمة الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تكون عالماً فقيهاً!! بل يكفي في ذلك أن تعلم أن هذا من المنكر فتنكره أو من المعروف فتأمر به وتدعو الناس إليه.
أما إذا اقتحم الجهال الدعوة، وترأسوا فيها، وأخذوا بالأمر والنهي بلا علم في ذلك كله، فإنهم يفسدون في هذه الحال أكثر مما يصلحون كما تقدم؛ فقد يأمر أحدهم بالمنكر وينهى عن المعروف جهلاً منه (15) .. قال تعالى: وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ... [النحل: 116].
وإن من أمارات الساعة ومن أسباب تعطل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رفع العلم كما قال –صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)) (16) .
قال الإمام البخاري في صحيحه: (باب لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه) ثم أورد حديث الزبير بن عدي قال: ((أتينا أنس ابن مالك فشكونا إليه ما يلقون من الحجاج. فقال: اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده أشر منه. حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم –صلى الله عليه وسلم-)) (17) .
وقد ذكر الحافظ في شرحه أقوالاً متعددة ثم قال: ثم وجدت عند عبد الله بن مسعود التصريح بالمراد وهو أولى بالاتباع. فأخرج يعقوب بن شيبة من طريق الحارث بن حصيرة عن زيد بن وهب قال: (سمعت عبد الله بن مسعود يقول: لا يأتي عليكم يوم إلا وهو شر من اليوم الذي كان قبله حتى تقوم الساعة، لست أعني رخاء من العيش يصيبه، ولا مالاً يفيده، لكن لا يأتي عليكم يوم إلا وهو أقل علماً من اليوم الذي مضى قبله، فإذا ذهب العلماء استوى الناس فلا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، فعند ذلك يهلكون). ومن طريق أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود إلى قوله (شر منه).
قال: فأصابتنا سنة خصب. فقال: ليس ذلك أعني، إنما أعني ذهاب العلماء). ومن طريق الشعبي عن مسروق عنه قال: (لا يأتي عليكم زمان إلا وهو أشر مما كان قبله، أما إني لا أعني أميراً خيراً من أمير ولا عاماً خيراً من عام، ولكن علماؤكم وفقهاؤكم يذهبون ثم لا تجد منهم خلفاً، ويجيء قوم يفتون برأيهم) (18) وفي لفظ عنه من هذا الوجه: (ما ذاك بكثرة الأمطار وقلتها، ولكن بذهاب العلماء، ثم يحدث قوم يفتون في الأمور برأيهم فيثلمون الإسلام ويهدمونه) (19) (20) . والله المستعان.
هذا وقد يحمل الإقدام على الإنكار بغير علم ذوي النفوذ على الوقوف في وجه الحسبة وتعطيلها قال عبد الصمد بن المهتدي: لما دخل المأمون بغداد، نادى بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك لأن الشيوخ بقوا يضربون ويحبسون، فنهاهم المأمون وقال: قد اجتمع الناس على إمام، فمر أبو نعيم، فرأى جندياً وقد أدخل يديه بين فخذي امرأة، فنهاه بعنف، فحمله إلى الوالي، فحمله الوالي إلى المأمون. قال: فأدخلت عليه بكرة وهو يسبح، فقال توضأ. فتوضأت ثلاثاً ثلاثاً على ما رواه عبد خير، عن علي، فصليت ركعتين، فقال: ما تقول في رجل مات عن أبوين؟ فقلت: للأم الثالث، وما بقى للأب، قال فإن خلف أبويه وأخاه؟ قلت: المسألة بحالها، وسقط الأخ، قال: فإن خلف أبوين وأخوين؟ قلت: للأم السدس وما بقى للأب. قال: في قول الناس كلهم؟ قلت: لا، إن جدك ابن عباس يا أمير المؤمنين ما حجب الأم عن الثلث إلا بثلاثة إخوة. فقال: يا هذا، من نهى مثلك عن الأمر بالمعروف؟! إنما نهينا أقواماً يجعلون المعروف منكراً. ثم خرجت (21) .
السادس القدرة (22) :
يقول الله عز وجل: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة: 286] فمن كان بوسعه القيام بالأمر والنهي لزمه ذلك ومن لا فلا.
هذا واعلم أن الناس يتفاوتون في القدرة تفاوتاً كبيراً.. فالسلطان أقدر من غيره على القيام بذلك.. كم أن المتطوع أقل اقتداراً في الغالب من المنصوب للاحتساب.. وهكذا.
وكلما كان الإنسان أقدر كلما كان تعين ذلك عليه آكد (23) .
فإذا كان يعجز عن القيام به بيده تعين اللسان، فإن عجز عنه تعين القلب، وقد بينا أن الإنكار بالقلب لا يسقط عنه بحال من الأحوال، كما بينا أن العجز يكون حسياً ويكون ملحقاً به كخوف لحوق الأذى (24) .
لكن لو تمكن المرء من الإنكار على الضعفاء دون الأقوياء فهل يلزمه الإنكار على من قدر عليهم؟!
الجواب: نعم يلزمه ذلك. لقول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16] وهذا عمل بما يستطيع.. والله تعالى لا يكلفه ما لا يطيق لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة: 286] رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ [البقرة: 286].
وفي القاعدة الثامنة من قواعد ابن رجب –رحمه الله-: (من قدر على بعض العبادة وعجز عن باقيها هل يلزمه الإتيان بما قدر عليه منها أم لا) (25) ؟
وهذا فيه تفصيل يهمنا منه لزوم بعض العبادات التي تقبل ذلك كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلو رأى منكرين أحدهما كبير والآخر صغير وقدر على إنكار الصغير منهما دون الكبير فإن إنكار الصغيرة لا يسقط عنه.
قال الخلاب: (باب الرجل يرى المنكر الغليظ فلا يقدر أن ينهى عنه ويرى منكراً صغيراً يقدر أن ينهي عنه كيف العمل فيهما)؟ أخبرنا سليمان بن الأشعث قال: سئل أبو عبد الله عن رجل له جار يعمل بالمنكر لا يقوى على أن ينكر عليه، وضعيف يعمل بالمنكر أيضاً، ويقوى على هذا الضعيف أينكر عليه؟ قال: نعم ينكر على هذا الذي يقوى أن ينكر عليه.

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
ذكر الشروط غير المعتبرة


1) العدالة:
ذهب قوم إلى اشتراط العدالة مستدلين بما يأتي:
1- قوله تعالى: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران: 104] قالوا: فالفاسق ليس من المفلحين، فيجب أن يكون الآمر الناهي غير فاسق.
2- قال تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ [البقرة: 44] فأنكر عليهم أمرهم بالشيء وواقعهم يخالفه. ولذا قال بعض الأنبياء لأقوامهم: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ.. [هود: 88] وقال تعالى: لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف: 3-4].

واستدلوا بقوله –صلى الله عليه وسلم-: ((يؤتى بالرجل فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه..)) (1) إلخ قالوا: فهذا كان معاقب لكونه يأمر وينهى ولا يأتمر وينتهي بنفسه.
الجواب عما استدلوا به: يمكن أن يجاب عن الآية الأولى بأن الفلاح المذكور حاصل حتى للفاسق فإنه لا يكون مخلداً في النار.
أو يقال: بأن هذا ورد على سبيل التغليب، لأن الغالب أن لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من أصلح أحوال نفسه. فالعاقل يقدم ما يصلحها على ما يصلح غيره في الآجل.
وأما الجواب عن النصوص التي تضمنت الإنكار والوعيد لمن يأمر ولا يمتثل فيقال: قد اجتمع في هذا الموضع على المكلف واجبان:
الأول: الامتثال لأمر الله تعالى.
الثاني: حث الناس على ذلك وأمرهم به وتحذيرهم ونهيهم عما خالفه.

فإذا قصر في أحد هذين فإن ذلك لا يعني سقوط الآخر عنه.. فإن ترك الأمر والنهي بقي عليه الامتثال.. وإن ترك الامتثال بنفسه بقي عليه الأمر والنهي (2) .
هذا وقد وقع الذم في تلك النصوص والوعيد على ارتكاب ما نهى عنه الناهي عن المنكر، ولم يقع الذم على نفس النهي عن المنكر، بل هذا يحمد ولا يذم فهو طاعة لله عز وجل وقربة، ولا شك أن وقوع المنكر ممن ينهى عنه أقبح من وقوعه ممن لا يعلم أنه منكر أو علم ولم يدع إلى تركه. وهذا لا يعني إعفاءه من الأمر والنهي كما تقدم (3) .
وبهذا تعلم أن التوبيخ إنما وقع على نسيانهم لأنفسهم من المعروف الذي أمروا به، وليس التوبيخ على أمرهم ونهيهم (4) .
قال ابن العربي: (وليس من شرطه أن يكون عدلاً عند أهل السنة (5) ، وقالت المبتدعة: لا يغير المنكر إلا عدل. وهذا ساقط، فإن العدالة محصورة في قليل من الخلق، والنهي عن المنكر عام في جميع الناس) (6) ا.هـ.
ومن المعلوم لديك أن شروط الطاعات لا تثبت إلا بالأدلة (7) .
قال الجصاص: لما ثبت وجوب فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبينا أنه فرض على الكفاية.. وجب أن يختلف في لزوم فرضه البر والفاجر لأن ترك الإنسان لبعض الفروض لا يسقط عنه فروضاً غيرها.. ألا ترى أن تركه للصلاة لا يسقط عنه فرض الصوم وسائر العبادات، فكذلك من لم يفعل سائر المعروف، ولم ينته عن سائر المناكير، فإن فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير ساقط عنه (8) ا.هـ.
وإن مما يبرهن على صحة ما ذكرنا أن العصمة من المعاصي ليست من شروط الاحتساب بالإجماع، فلو اشترط ذلك لتعطل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع الأعصار، وسواء في ذلك عصر الصحابة أو من بعدهم، إذ لا أحد معصوم من المعاصي منهم.. بل حتى الأنبياء تقع منهم الصغائر على القول الراجح لكنهم لا يصرون عليها.
ومن أجل ذا قال الإمام مالك وسعيد بن جبير –رحمهما الله-: (لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء، ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر).
قال مالك: (ومن هذا الذي ليس فيه شيء؟) (9) .
قال عمر بن عبد العزيز –رحمه الله-: (لو أن المرء لا يعظ أخاه حتى يحكم أمر نفسه، ويكمل الذي خلق له من عبادة ربه، إذاً لتواكل الناس الخير! وإذاً لرفع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقل الواعظون والساعون لله بالنصيحة في الأرض) (10) .
وقال أبو الدرداء –رضي الله عنه-: (إني لآمركم بالأمر وما أفعله، ولكن لعل الله يأجرني فيه) (11) .
وقد نقل عن الحسن أنه قال لمطرف بن عبد الله: عظ أصحابك. فقال إني أخاف أن أقول ما لا أفعل. قال: يرحمك الله! وأينا يفعل ما يقول! ويود الشيطان أنه قد ظفر بهذا فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر (12) .
ولو قال قائل إن ذلك مختص بالكبائر! قيل له: هل للزاني أو شارب الخمر مثلاً أن يغزو الكفار؟!
فإن قالوا: لا. فقد خرقوا الإجماع.. فلا زال جنود المسلمين منذ عهد الصحابة مشتملة على بعض من يقترف الكبائر، وقصة أبي محجن رضي الله عنه يوم القادسية مشهورة معلومة، ولم يمنعهم أحد لا النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من بعده عن الغزو (13) .
وقال ابن كثير –رحمه الله- بعد أن قرر عدم اشتراط العدالة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (ولكنه والحالة هذه مذموم على ترك الطاعة وفعله المعصية لعلمه بها ومخالفته على بصيرة، فإنه ليس من يعلم كمن لا يعلم، ولهذا جاءت الأحاديث في الوعيد على ذلك) ا.هـ ثم ذكر جملة من الآثار الدالة على ذلك (14) .
ويمكن أن توصف حال مثل هذا بما نقل عن أبي عثمان الحيري أنه قال:
وغير تقى يأمر الناس بالتقى طبيب يداوي والطبيب مريض


هذا واعلم أن القسمة رباعية فالناس أحد أربعة أشخاص تجاه المنكر:
فالأول: من لا يأتيه وينهى عنه وهذا أعلى الأقسام.
والثاني: من لا يأتيه ولا ينهى عنه.
والثالث: من يأتيه وينهى عنه.
والرابع: من يأتيه ولا ينهى عنه.
2- الإذن من ولي الأمر (15) :
يذهب البعض إلى شرطية إذن السلطان أو نائبه للقائم بالاحتساب! وهذا باطل لا دليل عليه من كتاب ولا سنة! بل الدليل يرده ويرفضه!! فكل مسلم يلزمه تغيير المنكر إذا رآه أو علم به وقدر على إزالته أو تغييره.. فلا يختص الأمر ولا النهي بأصحاب الولايات وحدهم دون من سواهم! وقد جرى عمل السلف على ما بينت.. ونقل عليه إمام الحرمين الإجماع وقال: (فإن غير الولاة في الصدر الأول والعصر الذي يليه كانوا يأمرون الولاة بالمعروف وينهونهم عن المنكر مع تقرير المسلمين إياهم وترك توبيخهم على التشاغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير ولاية والله أعلم (16) . ا.هـ.
ومن المعلوم بداهة أن الحسبة كما تكون على عامة الناس فإنها تكون على الولاة أيضاً.. فهل يقال بشرطية إذنهم من أجل القيام بالاحتساب عليهم؟!
والحاصل أن الاحتساب لا يشترط فيه إذن الإمام كما لا يشترط فيه إيجاده وإقراره.. فقد أمر به رب العالمين ودعا إليه رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، فهو من مهمات الدين ومن ميراث سيد المرسلين –صلى الله عليه وسلم-.
نعم لو نصب السلطان رجالاً يقومون على الحسبة وتعاون معهم غيرهم كان ذلك أقوى وأمضى في سبيل إزالة كثير من المنكرات وأجدى في طريق الإصلاح.. لكنه ليس بشرط!! لكن أحسن أحوال الحسبة وأقواها هي الحسبة التي يلتقي فيها قوة السلطان وهيبته ودعمه مع جهود المخلصين الغيورين من رعيته.. فإن الله تعالى أنزل القرآن هدى وشفاء، وأنزل الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس.. والله تبارك وتعالى يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. والحاصل أن خير صنوف الحسبة ما اجتمع فيه معونة السلاطين والأمراء الأخيار الصادقين وجهود أهل الغيرة من رعاياهم (17) .
وهذا التفضيل الذي ذكرت إنما هو من جهة القوة والتأثير لكن إذا فقد هذا المستوى الرفيع فليس ذلك يعني تخلي المسلمين عن القيام بهذا الواجب.
فلو فرض أن الولاة عطلوها وكادوا لها وحاربوها وتربصوا بها الدوائر وبأهلها وضيقوا عليهم سبيل معاشهم ومجالات تركهم.. فإنه يجب على الرعية أن يقوموا بها حسب استطاعتهم كل بحسبه، وإن غضب السلطان لذلك، فإن وجودها ليس مفتقراً إلى إذنه أو رضاه ومباركته!
نعم.. لو قيل باشتراط إذن الولاة في بعض صور الاحتساب، التي لو كانت فردية بحتة لخشي من ظهور فتنة، فقد يكون لهذا الاشتراط وجه من الصحة، ولكل حالة لبوسها، وإنما نريد التقريب (18) . وسيأتي المزيد من إيضاح هذه الجزئية عند الكلام على مراتب الاحتساب.
3- الذكورة (19) :
اعتبر بعض أهل العلم الذكورة من جملة شروط الحسبة المعتبرة (20) كما حاول أصحاب هذا القول رد ما يدل على خلاف قولهم هذا الذي اختاروه مذهباً لهم.
والحقيقة التي يعرفها من اطلع على كلام أصحاب هذا المذهب هي أن اشتراطهم الذكورة هنا متعلق بتولي ولاية الحسبة والانتصاب لذلك، فيؤديها المنتصب لها على وفق مفهومها الواسع.
وكلامنا هنا ليس في ذلك خاصة وإنما حديثنا عن الحسبة هنا نريد به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلقاً. والنساء شقائق الرجال من حيث التكليف والمطالبة والعبادة إلا ما علم اختصاصه بالرجال دونهن.
ثم إن الآيات والأحاديث الواردة في الحث على القيام بهذا العمل أو التحذير من تركه.. لا تختص بالرجال دون النساء.. بل على المرأة أن تأمر نساءها كما تأمر إخوانها وأخواتها وأولادها وكذلك زوجها (بالمعروف) كما تأمر وتنهى النساء مثلها.. لكن تجتنب كل ما يؤدي إلى تقليل حشمتها أو التأثير عليها في جانب الديانة أو الشرف والعفة.
ومما ينص على دخولها مع الرجل في ذلك قوله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ... [التوبة: 71] قال ابن النحاس: (وفي ذكره تعالى المؤمنات هنا دليل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على النساء كوجوبه على الرجال حيث وجدت الاستطاعة) (21) ا.هـ.
وحينما نقول بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على النساء، ليس معنى ذلك أن تترك المرأة بيتها وأبناءها وزوجها لتقوم بتلك المهمة كما نشاهد في هذا العصر الذي كثر فيه خروج النساء جداً.. حتى أشبهن الرجال من جهة عدم الاستقرار في البيوت للاشتغال بالدعوة أو غيرها!!
وقد رأينا في هذا العصر من يحرض النساء على الخروج للدعوة، والتغلغل في كل إدارة أو وظيفة يتمكن من الدخول فيها؛ بل ويطالب أن يوجد في صفوف النساء داعيات يشار إليهن بالبنان كما هو حاصل بين الرجال.
وهذا أمر غريب فيما أحسب على هذا الدين، وعلى طبيعة المرأة وفطرتها. والحاصل أن اشتغال المرأة بذلك المطلب إنما هو بضوابط وحدود شرعية، لا أن تكون المرأة مستوية مع الرجال في خوض مجالات الدعوة، وإنما أثر ذلك الواقع ما ألفنه من كثرة الخروج وإدمانه سواء للدراسة أو (الوظيفة) أو التسوق أو الخروج إلى أماكن النزهة.. كل ذلك أفرز في مجتمعنا هجران كثير من النساء والفتيات دورهن في أوقات كثيرة من اليوم.
والمتأمل في حال المجتمعات الغربية وما تعيشه المرأة هناك.. وكذلك حال النساء في المجتمعات المنتسبة للإسلام يدرك أن إدمان هذا الخروج أمر يصفق له أعداء الإسلام ويفرحون به.. لأنهم بذلك يستطيعون الوصول إلى فريستهم بأقرب طريق وأيسر سبيل!
فعلى المرأة أن تهتم بتربية أولادها وتقوم بحق زوجها. وإن كانت غير متزوجة فعليها أن تتعلم من الأمومة والقيام على شؤون المنزل ما يكفيها بعد الزواج.. لا كما نشاهد من كثرة النساء والفتيات اللاتي لا يعرفن شيئاً من ذلك، وكذلك عليها أن تتعلم ما تدعو الحاجة إليه من أمور الطهارة والصلاة والصوم والحج.. إلخ كما عليها أن تعي جيداً تربية الأولاد وأساليبها الصحيحة الشرعية.. حتى تخرج الأجيال الصالحة.. فإن كان عندها فضل من جهد ووقت بعد القيام بذلك كله على الوجه المطلوب وكان لديها علم ينفع المسلمين فيحبذ أن تعلم النساء والبنات هذا العلم الذي عرفته لأن الحاجة تدعو إلى ذلك (على أن يتم ذلك حسب الضوابط الشرعية).
وإنما جاء هذا الاستطراد لكثرة ما أسمع وأرى من وقوع الخلل في تلك الجوانب.
4- الحرية (22) :
إن القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دليل وبرهان على غيرة المسلم على دينه وعقيدته، وحبه وإخلاصه لهما.. وإنه لا يتصور انتفاء المراتب الثلاث (اليد واللسان والقلب) مجتمعة، من رجل في قلبه إيمان حي –كما تقدم- وهذا أمر يشترك فيه الحر والعبد.. فالعبد مكلف بأعمال القلوب كلها كالحر تماماً سواء بسواء، لا فرق بينهما في ذلك البتة.. كالحب والبغض والإنكار بالقلب ونحو ذلك من الأمور القلبية.. كما أنه مكلف أيضاً بأعمال البدن كالحر أيضاً إلا ما دل الدليل على إخراج الرقيق من المطالبة به.
هذا مع كونه لم يرد دليل على تقييد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالأحرار دون الأرقاء. بل واقع الأمر على خلاف ذلك.. فإن ظاهر الآيات والأحاديث يدل على دخول الأرقاء في ذلك كقوله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة: 71] وهذا يشمل الجميع كما هو ظاهر.
لكن إن أريد بالحسبة تلك الولاية المعروفة فإن اشتراط الحرية في محله وليس كلامنا في ذلك.
وإنما ذكرت هذا الشرط والذي قبله هنا لأن الكثير من أهل العلم الذين تكلموا عن الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتحدثون عنها –أي الحسبة- على أنها تلك الولاية العامة الشاملة لكثير من الجهات الحيوية في حياة الناس وأمور معاشهم فأردت التوضيح هنا لئلا يلتبس على من قرأ شيئاً من ذلك لمن ذكر مثل هذه الشروط. (23) .





رد مع اقتباس
قديم 26 Feb 2018, 06:03 PM   #2
سلطانه
وسام الشرف
SULTANA


الصورة الرمزية سلطانه
سلطانه غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 19311
 تاريخ التسجيل :  Jan 2018
 أخر زيارة : 06 Nov 2023 (09:05 PM)
 المشاركات : 1,395 [ + ]
 التقييم :  20
 الدولهـ
Saudi Arabia
لوني المفضل : Black
رد: ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .



الآثار المترتبة على تركه


1- وقوع الهلاك: وذلك من جهتين:
الأولى: أن المعاصي التي تظهر ولا تنكر سبب للعقوبات والمصائب (1) .
الثانية: أن السكوت ذاته يعد معصية يستحق صاحبه العقوبة (2) ، كما أنه يدل على التهاون في دين الله عز وجل.
هذا إذا كان الساكت عنه فرداً من أفراد المجتمع.. أما حين يسكت المجتمع بأكمله.. فإن العقوبة تعم في هذه الحال. قال الله تعالى: وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً [الأنفال: 25]. وقال البخاري –رحمه الله-: باب ما جاء في قوله تعالى: وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً... ثم ذكر بعض الأحاديث تحت هذا الباب. قال الحافظ: (وعند الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب) (3) . ولهذا الأثر شاهد من حديث عدي بن عميرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله عز وجل لا يعذب العامة بعمل الخاصة، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة)) (4) . ا.هـ (5) .
وقد ورد في هذا المعنى أحاديث وآثار متنوعة، منها حديث أبي بكر الصديق –رضي الله عنه عند بيانه لما أشكل على البعض من قوله تعالى: عليكم أنفسكم وفيه: وإنما سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب...)) (6) .
وثبت عنه أيضاً. ((وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون أن يغيروا ولا يغيرون إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب)) (7) .
قال ابن العربي في شرحه: (وهذا الفقه عظيم، وهو أن الذنوب منها ما يعجل الله عقوبته، ومنها ما يمهل بها إلى الآخرة، والسكوت عن المنكر تتعجل عقوبته في الدنيا بنقص الأموال والأنفس والثمرات، وركوب الذل من الظلمة للخلق...) ا.هـ (8) .
وقد جاء من حديث جرير –رضي الله عنه مرفوعاً: ((ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز منهم وأمنع لا يغيرون إلا عمهم الله بعقاب)) (9) .
وعن حذيفة –رضي الله عنه مرفوعاً: ((والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم)) (10) .
ولما قالت أم المؤمنين زينب –رضي الله عنها-: ((أنهلك وفينا الصالحون؟)) قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((نعم إذا كثر الخبث)) (11) .
وقال بلال بن سعد –رحمه الله-: (إن المعصية إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها، وإذا أعلنت فلم تغير ضرت العامة) (12) .
وقال عمر بن عبد العزيز –رحمه الله-: (كان يقال: إن الله تعالى لا يعذب العامة بذنب الخاصة، ولكن إذا عمل المنكر جهاراً استحقوا كلهم العقوبة) (13) .
هذا وإن العقوبات تتنوع وتقع بصور مختلفة، فمنها ما يكون بالتدمير بالزلازل أو الفيضانات أو نقص الأنفس من جراء الحروب أو الأوبئة أو نقص الثمرات، ومنها ما يكون بالريح، أو بإدالة الأعداء، أو بتولي أهل الشر وتسلطهم على رقاب المسلمين (ولا تكون القيادة لأهل الشر إلا إذا تخلى عنها أهل الخير ورضوا من إيمانهم بإيمان صوري، أو إيمان ناقص لا يلحقهم بهذه الخيرية، وإنما يعاقبهم بتسليط أهل الشر عليهم فيحكمونهم بالحكم الدنيوي المرخص لأعراضهم والمهدر لكرامتهم والمصادر لأموالهم..) (14) .
وبهذا تعلم أن العاصي لا يضر نفسه فحسب، وإنما يضر مجتمعه بأكمله، وقد شبه الرسول –صلى الله عليه وسلم- حاله مع حالهم بقوله: ((مثل القائم على حدود الله والمدهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر، فأصاب بعضهم أعلاها، وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها يصعدون فيستقون الماء فيصبون على الذين في أعلاها. فقال الذين في أعلاها: لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا، فقال الذين في أسفلها: فإنا ننقبها من أسفلها فنستقي، فإن أخذوا على أيديهم فمنعوهم نجوا جميعاً، وإن تركوهم غرقوا جميعاً)) (15) .
2- انتفاء وصف الخيرية عن هذه الأمة: وذلك أن الحكم المقرون بالوصف المناسب له يدل على أنه معلل بذلك الوصف، فيدور الحكم مع الوصف وجوداً وعدماً، كما قال في المراقي:
دلالة الإيماء والتنبيه في الفن تقصد لدى ذويه
أن يقرن الوصف بحكم إن يكن لغير علة يعبه من فطن (16)

3- أنه يجرئ العصاة والفساق على أهل الحق والخير: فينالون منهم ويتطاولون عليهم (17) وهذا مشاهد ملموس في هذه الأيام – والله المستعان -.
4- أنه سبب لظهور الجهل واندراس العلم (18) : وذلك أنه إذا ظهر المنكر ولم يوجد من ينكره نشأ عليه الصغير وألفه وظن أنه من الحق، كما هي الحال في كثير من المنكرات اليوم.
5- أن في هذا الأمر تزييناً للمعاصي عند الناس وفي نفوسهم (19) ؛ لأن صاحب المنكر كالبعير الأجرب يختلط بالإبل فتجرب جميعاً بإذن الله..!!
والناس كأسراب القطا قد جبل بعضهم على التشبه ببعض..!!
فإذا أضفت إلى ذلك ما يوجد داخل النفس من الأمر بالسوء، وحب الشهوة، فإذا وجد المنكر عند الناس في الخارج قوي الباعث الذي في النفس!!
فإذا كان الفاعل له في الخارج من نظراء هذا ازداد طلبه له، ويشتد الدافع له إذا وجد من يأمره به ويرغبه بارتكابه.. ويعظم الدافع إلى ارتكابه إذا أوذي بسبب تركه ونيل منه بسبب مجانبته..!!
هذا وإن أهل الفساد لا يرضون إلا بموافقته لهم ويكرهون من تنزه عن ذلك. وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- إلى أن المرأة الزانية تود أن النساء كلهن يزنين.. ونقله عن بعض السلف.
علماً أنه لو وقع فيه معهم لانتقصوه وصغر في أعينهم.. واتخذوا من فعله هذا حجة عليه يطعنون بها متى شاؤوا!! (20) .
6- عدم إجابة الدعاء: جاء هذا في حديث عائشة –رضي الله عنها- مرفوعاً: ((مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم)) (21) وقد تقدم حديث حذيفة قريباً وفيه: ((ثم تدعونه فلا يستجاب لكم)) (22) .
7- سبب ظهور غربة الدين: واختفاء معالمه، وتفشي المنكرات والكفر والظلم.. وهذا هو الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء)) (23) فكلما انتشر الفساد والظلم كلما ازدادت الغربة.. حتى يصبح المتمسك بدينه غريباً بينهم.. وحتى تصبح السنن والهدى من الأمور المرفوضة والمستهجنة عند هذا الجنس السيئ من الخلق.. قال الخلال: (أخبرني عمر بن صالح بطرسوس، قال: قال لي أبو عبد الله: يا أبا حفص: يأتي على الناس زمان يكون المؤمن فيه بينهم مثل الجيفة، ويكون المنافق يشار إليه بالأصابع.
فقلت: يا أبا عبد الله، وكيف يشار إلى المنافق بالأصابع؟! فقال: يا أبا حفص صيروا أمر الله فضولاً. وقال: المؤمن إذا رأى أمراً بالمعروف أو نهياً عن المنكر لم يصبر حتى يأمر وينهى، يعني قالوا: هذا فضول. قال: والمنافق كل شيء يراه قال بيده على فمه. فقالوا: نعم الرجل، وليس بينه وبين الفضول عمل!) (24) .
وقال جامع بن شداد: كنت عند عبد الرحمن بن يزيد بفارس، فأتاه نعي الأسود بن يزيد، فأتيناه نعزيه. فقال: مات أخي الأسود. ثم قال: قال عبد الله: يذهب الصالحون أسلافاً ويبقى أصحاب الريب.
قالوا: يا أبا عبد الرحمن، وما أصحاب الريب؟!
قال: (قوم لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر) (25) .
8- إلف المسلم لهذه المنكرات: المتفشية لكثرة مشاهدته لها، والأمر كما قيل: (كثرة المساس تبلد الإحساس)، فما تعود للقلب تلك الشفافية والحساسية عند رؤية المنكر.
وقد حكي عن بعضهم: أنه مر يوماً في السوق فرأى بدعة فبال الدم من شدة إنكاره لها بقلبه، وتغير مزاجه لرؤيتها، فلما كان في اليوم الثاني مر فرآها فبال دماً صافياً، فلما كان في اليوم الثالث مر فرآها فبال بوله المعتاد لأنه قد ألف رؤيتها


 

رد مع اقتباس
قديم 26 Feb 2018, 06:04 PM   #3
سلطانه
وسام الشرف
SULTANA


الصورة الرمزية سلطانه
سلطانه غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 19311
 تاريخ التسجيل :  Jan 2018
 أخر زيارة : 06 Nov 2023 (09:05 PM)
 المشاركات : 1,395 [ + ]
 التقييم :  20
 الدولهـ
Saudi Arabia
لوني المفضل : Black
رد: ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .



الأدلة من السنة على فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر


إن الأحاديث الواردة في فضله كثيرة جداً ولكننا سوف نقتصر على طرف منها:
1- ورد في الصحيحين ومسند أحمد وسنن النسائي والدارمي عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((على كل مسلم صدقة. قال أرأيت إن لم يجد؟ قال: يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق. قال أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يأمر بالمعروف أو الخير. قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال يمسك عن الشر فإنه له صدقة)) (1) .
فالرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ندب الأمة إلى نفع الخلق بالتصدق عليهم، صدقة حسية أو معنوية. فمن وجد الحسية فهو خير وإلا تصدق بالمعنوية ففيها خير، وإن أمكنه فعل ذلك كله فهو أفضل.
قال ابن حجر -رحمه الله-: فمن أمكنه أن يعمل بيده فيتصدق وأن يغيث الملهوف وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويمسك عن الشر فليفعل الجميع (2) .
ويؤخذ من هذا الحديث أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم ندب إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقد يرد سؤال هنا ألا وهو. كيف جعل الأمر بالمعروف من الصدقات. وهو من فروض الكفاية؟
نقول يتعين هذا الأمر إذا حصل من غيره القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وإلا لا يكون من باب الصدقات وقد أشار ابن حجر –رحمه الله- إلى هذه المسألة (3) .
2- وعن أبي ذر -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة. يجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى)) (4) .
3- وفي رواية أخرى عن عائشة –رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل، فمن كبر الله وحمد الله وهلل الله وسبح الله واستغفر الله وعزل حجراً عن طريق الناس أو شوكة أو عظماً عن طريق الناس، وأمر بمعروف أو نهى عن منكر عدد تلك الستين وثلاثمائة مفصل فإنه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار)) (5) .
4- عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((تبسمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة)) (6) .
ففي هذه الأحاديث الشريفة ترغيب من المصطفى صلى الله عليه وسلم بفعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنهما سبب في نجاة العبد من النار.
5- وعن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- قال: ((كنا عند عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ فقلت: أنا أحفظه كما هو. قال: هات إنك عليه –أو عليها- لجريء. قلت: فتنة الرجل أهله وماله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصوم والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال: ليس هذا أريد ولكن الفتنة التي تموج كما يموج البحر. قال ليس عليكم منها بأس يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها باباً مغلقاً. قال: أيكسر أم يفتح؟ قال: يكسر قال: إذن لا يغلق أبداً. قلنا أكان عمر يعلم الباب؟ قال: نعم كما أن دون الغد الليلة. إني حدثته بحديث ليس بالأغاليط. فهبنا أن نسأل حذيفة، فأمرنا مسروقاً فسأله، فقال: عمر)) (7) .
فهذا الحديث الشريف الصحيح دليل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب في تكفير الذنوب التي تحصل بسبب الفتنة في الأهل والمال والولد والجار. وقد قرنه صلى الله عليه وسلم بالصلاة والصوم والصدقة، وهما من أركان الإسلام، فهذا دليل على فضله وعظمته.
6- وعن أبي ذر جندب بن جنادة الغفاري -رضي الله عنه- أنا ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم. قال: ((أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون. إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر)) (8) .
ففي هذا الحديث دليل على فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه يقوم مقام الصدقات المادية أو الحسية.
7- وعن درة بنت أبي لهب –رضي الله عنها- قالت قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر. فقال يا رسول الله أي الناس خير؟ فقال: ((خير الناس أقرؤهم وأتقاهم وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأوصلهم للرحم)) (9) .
فالرسول صلى الله عليه وسلم يبين في هذا الحديث أن من أفضل الناس من اتصف بالصفات المذكورة في هذا الحديث ومنها أن يكون آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر.
8- وروى الأصبهاني من حديث أبي الدرداء عويمر قال: ((قلت يا نبي الله إن مع الإيمان عملاً؟ قال يرضخ مما رزقه الله. قال: قلت يا نبي الله: أرأيت إن كان فقيراً لا يجد ما يرضخ به؟ قال: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. قال: قلت يا رسول الله إن كان عيياً لا يستطيع أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ قال يعين صانعاً أو يصنع لأخرق. قال: قلت يا نبي الله إن كان أخرق ولا يستطيع شيئاً؟ قال يعين مغلوباً. قال قلت يا نبي الله أرأيت إن كان ضعيفاً لا يستطيع أن يعين مغلوباً؟ قال ما تريد أن تترك في صاحبك من خير. قال: يمسك أذاه عن الناس. قلت: يا نبي الله إذا فعل ذلك يدخل الجنة؟ قال: ما من مسلم أو مؤمن يفعل خصلة من هؤلاء إلا أخذت بيده حتى يدخل الجنة)) (10) .
فبين صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الخصال التي تدخل صاحبها الجنة.
ومن المتفق عليه بين الأمة أن العمل الواحد لا ينجي صاحبه من النار ولا يدخله الجنة. ولكن –إذا صح هذا الحديث- فإننا نقول أن يقوم الإنسان بالمفروضات والواجبات ويركز على بعض الخصال المندوبة فحينئذ يرجى له دخول الجنة.
والله أعلم.
9- وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((والذي نفسي بيده إن المعروف والمنكر خليقتان ينصبان للناس يوم القيامة. فأما المعروف فيبشر أصحابه ويعدهم الخير وأما المنكر فيقول إليكم إليكم وما يستطيعون له إلا لزوماً)) (11) .
10- وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ما من رجل ينعش لسانه حقاً يعمل به بعده إلا أجرى الله عليه أجره إلى يوم القيامة ثم وفاه الله عز وجل ثوابه يوم القيامة)) (12) .
فهذان الحديثان يبينان عظمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفضلهما حيث إن المعروف يبشر صاحبه والنهي عن المنكر يدافع عنه. وأن أجره يجري إلى يوم القيامة طالما أن ذلك العمل ناتج بسبب أمره ونهيه.
فهنيئاً للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر لما ينالهم من الثواب الكبير والأجر العظيم.


 

رد مع اقتباس
قديم 26 Feb 2018, 06:05 PM   #4
سلطانه
وسام الشرف
SULTANA


الصورة الرمزية سلطانه
سلطانه غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 19311
 تاريخ التسجيل :  Jan 2018
 أخر زيارة : 06 Nov 2023 (09:05 PM)
 المشاركات : 1,395 [ + ]
 التقييم :  20
 الدولهـ
Saudi Arabia
لوني المفضل : Black
رد: ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .



الأدلة على فضله من القرآن الكريم


1- قوله تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [آل عمران: 110].
سبب نزولها: قال عكرمة ومقاتل: نزلت في ابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة -رضي الله عنهم- وذلك أن مالك بن الضيف ووهب بن يهوذا قالا: نحن أفضل منكم وديننا خير مما تدعونا إليه. فأنزل الله هذه الآية (1) .
من المخاطب بهذه الآية؟ قال ابن عباس –رضي الله عنهما- هم الذين هاجروا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. وقال الضحاك: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة الرواة والدعاة الذين أمر الله بطاعتهم (2) .
وقال الحسن البصري ومجاهد وجماعة: الخطاب لجميع الأمة (3) .
وهذا القول هو الراجح –والله أعلم- فالخطاب يشمل جميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم وذلك للمرجحات التالية:
أ- أن الآية عامة وليس فيها تخصيص صريح يقيدها بالصحابة أو بطائفة منهم.
ب- النصوص الواردة في الكتاب والسنة والتي تبين فضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم، منها:
1- قوله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة: 143].
قال القرطبي – رحمه الله – وكما أن الكعبة وسط الأرض كذلك جعلناكم أمة وسطاً، أي دون الأنبياء وفوق الأمم، والوسط العدل (4) .
وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الوسطية بالعدل فقد.
2- ورد عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة: 143].
قال (عدلاً) (5) .
3- وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعى نوح يوم القيامة فيقول: لبيك وسعديك يا رب فيقول: هل بلغت؟ فيقول: نعم فيقال لأمته: هل بلغكم فيقولون: ما أتانا من نذير، فيقول: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، ويشهدون أنه قد بلغ ويكون الرسول عليكم شهيداً فذلك قوله جل ذكره وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (6) .
4- وقوله صلى الله عليه وسلم ((نحن الآخرون السابقون)) (7) .
5- وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حين مرت جنازة فأثني عليها خيراً فقال: ((وجبت وجبت وجبت)) ثم مر عليه بأخرى فأثني عليها شراً فقال: ((وجبت وجبت وجبت)) فقال عمر: فدى لك أبي وأمي: مر عليك بجنازة فأثني عليها خيراً فقلت: ((وجبت وجبت وجبت)) ومر بجنازة فأثني عليها شراً. فقلت: ((وجبت وجبت وجبت)) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((... من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض)) (8) .
فهذه النصوص تفيد بمضمونها عموم الأمة، وأن الخطاب ليس مقصوراً على الصحابة ولا على جزء منهم.
وقال القرطبي: قال علماؤنا أنبأنا ربنا – تبارك وتعالى- في كتابه بما أنعم علينا من تفضيله لنا باسم العدالة وتولية خطير الشهادة على جميع خلقه، فجعلنا أولاً مكاناً وإن كنا آخراً زماناً كما قال عليه السلام ((نحن الآخرون الأولون)).
وهذا دليل على أنه لا يشهد إلا العدول ولا ينفذ قول غير العدول على غيرهم إلا أن يكونوا عدولاً (9) .
وهذا القول يزيد ترجيحنا قوة.
وقد اختلف في لفظة كان فقيل هي بمعنى الحدوث والوقوع، والمعنى وجدتم خير أمة وعلى هذا فكان فعل تام، وقيل كان ناقصة وهي عبارة عن وجود الشيء في زمان ماض ولا تدل على انقطاع طارئ بدليل قوله: إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا [سورة النساء: 23]. فعلى هذا التقدير يكون المعنى كنتم خير أمة، وقيل معناه كنتم مذكورين في الأمم الماضية فأنتم خير أمة، وقيل معناه كنتم في اللوح المحفوظ موصوفين بأنكم خير أمة (10) .
وقال الرازي في تفسيره: المعنى أنكم (كنتم) في اللوح المحفوظ خير الأمم وأفضلها، فاللائق بهذا ألا تبطلوا على أنفسكم هذه الفضيلة وأن لا تزيلوا عن أنفسكم هذه الخصلة المحمودة وأن تكونوا منقادين مطيعين في كل ما يتوجه عليكم من التكاليف (11) .
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال في قوله تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران: 110] قال: ((خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا الإسلام)) (12) .
وقال قتادة: (هم أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- لم يؤمر نبي قبله بالقتال فهم يقاتلون الكفار فيدخلونهم في الإسلام فهم خير أمة أخرجت للناس) (13) .
وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ قال ((إنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله)) (14) .
فالله سبحانه وتعالى يخبر في هذه الآية الكريمة بأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الأمم التي خلقت من قبل وذلك بسبب فضائل كثيرة منها أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وحري بكل مسلم يتلو هذه الآية أو يسمعها أن يطبق ما تدعو إليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل عليه أن يطبقه على نفسه أولاً ثم على إخوانه المسلمين وغيرهم ثانياً، فيفعل الخير ويأمر به ويتجنب الشر ويحذر منه وليعلم أنه متى ترك هذا الجانب المهم (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) فإنه يفقد الفضيلة التي وصف الله بها المؤمنين.
لذا ينبغي لكل مسلم ولا سيما الدعاة أن يجعلوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جزءاً من حياتهم.
2- ويقول تعالى: لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 114].
النجوى السر بين الاثنين أو الجماعة، تقول ناجيت فلاناً ونجا، وهم يتناجون، ونجوت فلاناً أنجوه نجوى أي أناجيه، فنجوت مشتقة من نجوت الشيء أنجوه: أي أخلصته وأفردته، والنجوة من الأرض المرتفع لانفراده بارتفاعه عما حوله. فالنجوى المسارة (15) .
وقال جماعة من المفسرين: إن النجوى كلام الجماعة المنفردة أو الاثنين سواء كان ذلك سراً أو جهراً (16) .
وقيل النجوى: الإسرار في التدبير (17) .
معنى الآية: لا خير فيما يتناجى فيه الناس ويخوضون فيه من الحديث إلا فيما كان من أعمال الخير (18) .
وقال القشيري: أفضل الأعمال ما كانت بركاته تتعدى صاحبه إلى غيره، ففضيلة الصدقة يتعدى نفعها إلى من تصل إليه، والفتوة أن يكون سعيك لغيرك، وأما المعروف فكل حسن في الشرع معروف، ومن ذلك إنجاد المسلمين وإسعادهم فيما لهم فيه قربة إلى الله وزلفى عنده، وإعلاء التواصي بالطاعة، ومن تصدق بنفسه على طاعة ربه وتصدق بقلبه على الرضى بحكمه ولم يخرج بالانتقام لنفسه، وحث الناس على ما فيه نجاتهم بالهداية إلى ربهم وأصلح بين الناس بصدقه في حاله، فإن لسان فعله أبلغ في الوعظ من لسان نطقه (19) .
فالله سبحانه وتعالى بين أنه لا خير فيما يتناجى فيه الناس إلا ما كان فيه الحث على الصدقة وفعل المعروف والإصلاح بين الناس.
3- قوله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بالمعروف وينهون عن المنكر وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة: 71].
قال أبو السعود في قوله تعالى: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض: بيان لحسن حال المؤمنين والمؤمنات حالاً ومالاً إثر بيان قبح حال أضدادهم عاجلاً وآجلاً (20) .
وقيل: قلوبهم متحدة في التواد والتحاب والتعاطف (21) .
وأما قوله: يَأْمُرُونَ بالمعروف وينهون عن المنكر [التوبة: 71] أي يأمرون بعبادة الله تعالى وتوحيده وكل ما أتبع ذلك، وينهون عن عبادة الأوثان وكل ما أتبع ذلك (22) .
فالآية تفيد أن المؤمنين جميعاً من رجال ونساء ينطلقون من قاعدة واحدة، وهي أنهم يأمرون بالأمور الحسنة والأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة وينهون عن كل ما خالف الشرع من العقائد الفاسدة والأعمال السيئة والأخلاق الرديئة، ومن هذا شأنه أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ [التوبة: 71] يدخلهم الله في رحمته ويشملهم بإحسانه (23) .
وقال الزمخشري في تفسيره: السين مفيدة وجوب الرحمة لا محالة، فهي تؤكد الوعد والوعيد (24) .
إذاً فمن هذه صفته يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فإن الله سبحانه وتعالى يدخله في رحمته، وذلك فضل منه وتكرم وإحسان وليس من باب الوجوب فالله – سبحانه وتعالى- لا يجب عليه شيء ولو عامل عباده بعدله لم ينج منهم أحد.
4- وقوله تعالى: لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بالمعروف وينهون عن المنكر وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران: 113 – 114]
سبب نزولها:
قال الواحدي: قال ابن عباس ومقاتل: لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سَعْيَة وأسيد بن سَعْيَة وأسعد بن عبيد ومن أسلم من اليهود قالت أحبار اليهود: ما آمن لمحمد إلا شرارنا ولو كانوا من خيارنا لما تركوا دين آبائهم وقالوا لهم: لقد خنتم واستبدلتم بدينكم ديناً غيره فأنزل الله هذه الآية (25) .
معنى الآية:
ليسوا سواء تفرقة بين هاتين الفرقتين من أهل الكتاب اليهود والنصارى وأنهم ليسوا سواء على وضع واحد في موقفهم من الإسلام والمسلمين، وإذا كانت الآية الكريمة قد فرقت بين الفرقتين فإنها لم تحدد أي الفريقين من أهل الكتاب هو المتجه إليه الحكم في قوله من أهل الكتاب.
أمة قائمة في إطلاق الحكم هكذا بحيث يدخل فيه الفريقان معاً حكم عظيمة تبين أنه في كلا الفريقين من أهل الكتاب اليهود والنصارى جماعات قائمة على الحق مؤمنة بالله واليوم الآخر تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر (26) .
فمعنى الآية ليس أهل الكتاب على حد سواء، بل منهم المجرم ومنهم المسلم القائم على الحق المستقيم على الهدى التالي لآيات الله والساجد له والمؤمن بالبعث بعد الموت الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر. ومن كانت هذه حاله فهو من (الصالحين) أي من جملة من صلحت أحوالهم عند الله عز وجل واستحقوا رضاه وثناءه (27) .
فالله سبحانه وتعالى أثنى عليهم لاتصافهم بالصفات المذكورة ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
5- وقوله تعالى: التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [التوبة: 112].
أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال من مات على هذه التسع فهو في سبيل الله التائبون العابدون (28) الآية.
التائبون الراجعون إلى طاعة الله تعالى عن الحالة المخالفة للطاعة.
وهل المراد التوبة من الشرك أو من كل معصية أو الأظهر أنه من كل معصية؟
قال في فتح البيان (.. ثم قيل المراد بالتوبة عن الشرك والبراءة من النفاق وقيل من كل معصية) (29) .
(العابدون) المؤدون لما أوجب الله عليهم من الطاعات القولية والفعلية (30) .
(السائحون) الصائمون (31) .
(الراكعون الساجدون) المكثرون من الركوع والسجود في صلاة الفرض والنفل (32) .
(الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر).
أي الآمرون بجميع ما أمر الله ورسوله بفعله والناهون عن جميع ما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بتركه.
قال المراغي: أي الداعون إلى الإيمان وما تبعه من أعمال البر والخير والناهون عن الشرك وما بسبيله من المعاصي والسيئات (33) .
(والحافظون لحدود الله) أي الحافظون لشرائعه وأحكامه التي بين فيها ما يجب على المؤمنين اتباعه وما يحظر عليهم فعله منها، وكذا ما يجب على أئمة المسلمين وأولي الأمور منهم إقامته وتنفيذه بالعمل في أفراد المسلمين وجماعتهم إذا أخلوا بما يجب عليهم حفظه منها (34) .
(وبشر المؤمنين) أي وبشر المؤمنين المتصفين بالصفات المذكورة في الآية الكريمة.
ففي هذه الآية دليل على فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن الله أثنى عليهم وبشرهم.
وفي الآية إظهار في مقام الإضمار اعتناء بهم وتشريفاً لقدرهم وحذف المبشر به إشارة إلى أنه لا يدخل تحت الحصر بل لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر (35) .
6- وقوله تعالى: فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ [هود: 116].
فهذا دليل على فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث إنه كان سبباً لنجاة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وهلاك الآخرين.
يقول الشيخ: عبد الرحمن السعدي:
(وهذا حث لهذه الأمة أن يكون فيهم بقايا مصلحون لما أفسد الناس قائمون بدين الله يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى ويبصرونهم من العمى، وفي هذه الحالة أعلى حالة يرغب فيها الراغبون وصاحبها يكون إماماً في الدين إذا جعل عمله خالصاً لرب العالمين) (36) .
7- وقوله تعالى: واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ [الأعراف: 163 – 165].
فالله سبحانه وتعالى يخبر عن أهل هذه القرية أنهم صاروا إلى ثلاث فرق، فرقة ارتكبت المحذور واحتالوا على اصطياد السمك يوم السبت، وفرقة نهت عن ذلك واعتزلتهم، وفرقة سكتت فلم تفعل ولم تنه ولكنها قالت للمنكرة لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا أي لم تنهون هؤلاء وقد علمتم أنهم قد هلكوا واستحقوا العقوبة من الله فلا فائدة في نهيكم إياهم قالت لهم المنكرة: مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ أي نفعل ذلك مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ أي فيما أخذ علينا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ولعلهم بهذا الإنكار يتقون ما هم فيه ويتركونه ويرجعون إلى الله فإذا تابوا تاب الله عليهم ورحمهم فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أي فلما أبى الفاعلون قبول النصيحة أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ ارتكبوا المعصية بِعَذَابٍ بَئِيسٍ فنص على نجاة الناهين وهلاك الظالمين وسكت عن الساكتين لأن الجزاء من جنس العمل، فهم لا يستحقون مدحاً فيمدحون ولا ارتكبوا عظيماً فيذمون (37) .
وقد اختلف المفسرون في الفرقة الساكتة هل نجت أم هلكت؟
فقال القرطبي – رحمه الله -:
إن الطائفة التي لم تنه ولم تعص هلكت مع العاصية عقوبة على ترك النهي قاله ابن عباس وقال أيضاً: ما أدري ما فعل الله بهم. وهو الظاهر من الآية. قال عكرمة: قلت لابن عباس لم قلت ما أدري ما فعل الله بهم؟! ألا ترى أنهم قد كرهوا ما هم عليه وخالفوهم فقالوا لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ فلم أزل به حتى عرفته أنهم نجوا فكساني حلة (38) .
ورجح أيضاً أبو السعود أن الفرقة الساكتة نجت يقول في قوله تعالى: أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وهم الفريقان (39) .
والآية الكريمة لم تذكر صراحة إلا الفريقين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والمهلكين.
والأولى – عندي -:
ترك الخوض في أمرهم ونكل علم ذلك إلى الله تعالى. وإن كنا نجزم أن درجتهم أقل من درجة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر. ويكفي في نزول درجتهم سكوت الله تعالى عنهم والله تعالى أعلى وأعلم.
والمهم أن نعرف أن الله سبحانه وتعالى بين لنا في هذه الآية الكريمة أنه أنجى الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر من العذاب الذي أصاب القوم. وهذا دليل على فضله وعظمته حيث كان سبباً في نجاة أهله..
8- قول الله تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل: 90]
وقد اختلف المفسرون في معنى العدل والإحسان في الآية.
فقال ابن عباس –رضي الله عنهما- العدل: لا إله إلا الله. والإحسان أداء الفرائض.
وقيل العدل: الفرض، والإحسان: النافلة.
وقال سفيان بن عيينة: العدل ههنا استواء السريرة، والإحسان أن تكون السريرة أفضل من العلانية. وقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- العدل الإنصاف والإحسان التفضل (40) .
وقيل: العدل هو القيام على طريق الحق في كل أمر، فمن أقام وجوده على العدل استقام على طريق مستقيم فلم ينحرف عنه أبداً ولم تتفرق به السبل. والإحسان إحسان مطلق يتناول كل قول يقوله الإنسان وكل عمل يعمله، بل الإحسان هو الإيمان بالله على أتم صورة وأكملها بحيث لا يبلغ درجة الإحسان إلا من عبد الله على هذا الوجه الذي بينه الرسول صلى الله عليه وسلم ((أن تعبد الله كأنك تراه)) (41) .
قلت: والعدل والإحسان يشمل كل ما ذكره المفسرون بل أوسع مما ذكروه بكثير والله أعلم.
وإيتاء ذي القربى يعني ويأمر بصلة الرحم وهم القرابة الأدنون والأبعدون منك فيستحب أن تصلهم من فضل ما رزقك الله فإن لم يكن لك فضل فدعاء حسن (42) .
(وينهى عن الفحشاء والمنكر) الفحشاء ما قبح من القول والفعل فيدخل فيه الزنا وغيره من جميع الأقوال والأفعال، (والمنكر) ما لا يعرف في شريعة ولا سنة (والبغي) الكبر والظلم والتطاول على الغير (43) .
يعظكم لعلكم تذكرون أي يعظكم بما يأمر وينهى طلباً لأن تتعظوا بذلك (44) .
فبين سبحانه وتعالى في هذه الآية أنه ينهى عن الفحشاء والمنكر. فيكفي شرفاً للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أنهم ينهون عما ينهى عنه الله سبحانه وتعالى فهم في حقيقة الأمر منفذون لأمر الله تعالى داعين إلى تنفيذه.
9- وقوله تعالى: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج: 40-41].
يقول الفخر الرازي: ولولا دفاع الله أهل الشرك بالمؤمنين من حيث يأذن لهم في جهادهم وينصرهم على أعدائهم لاستولى أهل الشرك على أهل الأديان وعطلوا ما يبغونه من مواضع العبادة ولكنه دفع هؤلاء بأن أمر بقتال أعداء الدين ليتفرغ أهل العبادة وبناء البيوت لها. لهذا المعنى ذكر الصوامع والبيع والصلوات وإن كانت لغير أهل الإسلام (45) .
وقيل لولا هذا الدفع لهدمت في زمن موسى الكنائس وفي زمن عيسى الصوامع والبيع وفي زمن محمد صلى الله عليه وسلم المساجد (46) .
وقيل لولا دفع الله ظلم الظلمة بعدل الولاة، وقيل لولا دفع الله العذاب بدعاء الأخيار (47) .
والصوامع: قيل إنها صوامع الرهبان. قاله ابن عباس وأبو العالية ومجاهد، وقيل إنها صوامع الصابئين. قاله قتادة.
وأما البيع فقيل: هي بيع النصارى. وأما الصلوات فقيل: إنها كنائس اليهود وقيل مساجد الصابئين.
وأما المساجد: فقيل مساجد المسلمين قاله ابن عباس (48) .
وروي عن الحسن أنها بأسرها أسماء المساجد، أما الصوامع فلأن المسلمين قد يتخذون الصوامع، وأما البيع فأطلق هذا على المساجد على سبيل التشبيه، وأما الصلوات فالمعنى أنه لولا ذلك الدفع لانقطعت الصلوات ولخربت المساجد (49) ولا يخفى علي أوالقول من بعد. والذي حمله على ذلك هو أنه لا يمكن أن يدافع عن هذه الأماكن والعبادة فيها باطلة ولكن المعنى: أن هذه الأماكن مع أنها مخصصة للعبادة لا يشفع لها في نظر الباطل أن اسم الله يذكر فيها... (50) .
وقوله وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ أي ينصر دينه وأولياءه فهو قوي على نصر أوليائه والانتقام من أعدائه.
وقوله: الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ هذا إخبار عما ستكون عليه سيرة المهاجرين إن مكنهم الله في الأرض وبسط لهم الدنيا كيف يقومون بأمر الدين. وفيه دليل على صحة أمر الخلفاء الراشدين لأن الله تعالى أعطاهم التمكين ونفاذ الأمر مع السيرة العادلة وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ أي مرجعها إلى تقديره وفيه تأكيد لما وعد من إظهار أوليائه وإعلاء كلمته (51) .
وقال سيد قطب –رحمه الله-:
الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ فحققنا لهم النصر وثبتنا لهم الأمر أَقَامُوا الصَّلَاةَ فعبدوا الله ووثقوا صلتهم به واتجهوا إليه طائعين خاضعين مستسلمين وآتوا الزكاة فأدوا حق المال وانتصروا على شح النفس، وتطهروا من الحرص، وغلبوا وسوسة الشيطان، وسدوا خلة الجماعة، وكفلوا الضعاف فيها والمحاويج، وحققوا لها صفة الجسم الحي، وأمروا بالمعروف فدعوا إلى الخير والصلاح ودفعوا إليه الناس، ونهوا عن المنكر فقاوموا الشر والفساد، وحققوا بهذا وذاك الأمة المسلمة التي لا تبقي على منكر وهي قادرة على تغييره، ولا تقعد عن معروف وهي قادرة على تحقيقه. هؤلاء هم الذين ينصرون الله إذ ينصرون نهجه الذي أراده للناس في الحياة معتزين بالله وحده دون سواه وهؤلاء هم الذين يعدهم الله بالنصر على وجه التحقيق واليقين (52) .
فالله سبحانه وتعالى في آخر هذه الآيات وضع الأسس والقواعد للطائفة الحاكمة، وبين أن القيام بهذه القواعد سبب للتثبيت والنصر وأن الإخلال بها أو ببعضها سبب للهزيمة والإبعاد وربما يصحب ذلك عذاب. وهذه القواعد:
1- أن تقيم الصلاة في نفسها وفي مجتمعها وأن تؤدى كما يؤديها المصطفى صلى الله عليه وسلم كاملة الشروط والأركان والواجبات...
2- وأن تؤدي الزكاة من نفسها أولاً ثم هي تأخذها من الأغنياء وتردها على الفقراء والمحتاجين ثانياً.
3- وأن تأتمر بالمعروف وتنتهي عن المنكر أولاً ثم هي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتناصر أهله وتحميهم وتعينهم على ذلك ثانياً.

فإذا حققت هذه الأسس كتب الله لها البقاء والنصر وإذا خالفت فلترتقب زوالها وخذلانها في أية ساعة من ليل أو نهار.
وهذا دليل واضح في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث إنه كان سبباً أساسياً في النصر إن أقيم أو الهزيمة إن ترك.
10- قول الله تعالى: لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [المائدة: 63].
قال في البحر المحيط: لولا تخصيص يتضمن توبيخ العلماء والعباد على سكوتهم عن النهي عن معاصي الله تعالى والأمر بالمعروف (53) .
وقال الطبري –رحمه الله-: هلا ينهى هؤلاء الذين يسارعون في الإثم والعدوان وأكل الربا في الحكم من اليهود من بني إسرائيل ربانيوهم وهم أئمتهم المؤمنون وساستهم العلماء، وأحبارهم وهم علماؤهم وقوادهم عن قولهم الإثم يعني قول الكذب والزور وذلك أنهم كانوا يحكمون فيهم بغير ما أنزل الله. ثم يقولون هذا حكم الله وأكلهم السحت يعني الرشوة (54) .
وقال أيضا –رحمه الله-: ما في القرآن أشد توبيخاً للعلماء من هذه الآية ولا أخوف عليهم منها (55) .
فالآية فيها تخصيص يتضمن توبيخاً من جهة، ومن جهة أخرى فإذا كان الله تعالى ذم كبار القوم لعدم قيامهم بالأمر بالمعروف فإنه بالمقابل يحب الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
وإذا كان الله سبحانه وتعالى رغب في الأمر بالمعروف وبين فضله من خلال النصوص السابقة فإنه رهب الذين يتركونه ولعنهم فقال تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [المائدة: 78، 79].
أي لعنهم الله جل وعلا في الإنجيل والزبور على لسان هذين النبيين –عليهما السلام- بأن أنزل الله سبحانه وتعالى: ملعون من يكفر من بني إسرائيل بالله أو بأحد من رسله عليهم السلام (56) .
وقيل: لعن الأسلاف والأخلاف ممن كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم على لسان داود وعيسى بن مريم لأنهما أعلما أن محمداً صلى الله عليه وسلم نبي مبعوث فلعنا من يكفر به (57) .
ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ أي لم يكن اللعن الشنيع الذي كان سبب المسخ إلا لأجل المعصية والاعتداء لا شيء آخر، ثم فسر المعصية بقوله: كانوا لا يتناهون لا ينهى بعضهم بعضاً عن منكر فعلوه للتعجب من سوء فعلهم مؤكداً لذلك بالقسم.
فيا حسرة على المسلمين في إعراضهم عن باب التناهي عن المناكير وقلة عبئهم به كأنه ليس من ملة الإسلام في شيء مع ما يتلون من كلام الله وما فيه من المبالغات في هذا الباب (58) .
وقيل لا ينهى بعضهم بعضاً عن معاودة منكر فعلوه أو عن مثل منكر فعلوه أو عن منكر أرادوا فعله وتهيؤوا له ولا ينهون عنه (59) .
فالله سبحانه وتعالى لعن بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام بسبب أمور منها: أنهم لا يتناهون عن المنكرات الموجودة لديهم. وفي ذلك تحذير لأمة محمد صلى الله عليه وسلم حتى لا يتهاونوا في هذا الباب.
وقد جاءت السنة النبوية المطهرة موضحة هذا الجانب ومحذرة من مشابهة بني إسرائيل في تركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وروي عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول له: اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ إلى قوله فاسقون ثم قال: كلا والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم أو لتأطرنه على الحق أطراً أو لتقصرنه على الحق قصراً)) (60) وفي رواية ((أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعنكم كما لعنهم)) (61) .
فهذا الحديث يدل على الحث على القيام بالمعروف والنهي عن المنكر والحذر من تركهما. فقد يصيب الأمة ما أصاب بني إسرائيل من اللعن بسبب تركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.


 

رد مع اقتباس
قديم 26 Feb 2018, 06:11 PM   #5
سلطانه
وسام الشرف
SULTANA


الصورة الرمزية سلطانه
سلطانه غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 19311
 تاريخ التسجيل :  Jan 2018
 أخر زيارة : 06 Nov 2023 (09:05 PM)
 المشاركات : 1,395 [ + ]
 التقييم :  20
 الدولهـ
Saudi Arabia
لوني المفضل : Black
رد: ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .



الحكم العام للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر


يعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الواجبات، وأجلها وأفضلها.
ولقد دل على وجوبه الكتاب والسنة (2) ، كما نقل الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم كابن عطية (3) والنووي وأبي المعالي الجويني (4) .
وإذا تأملت نصوص الكتاب والسنة في طلب هذا الأمر العظيم ألفيت ذلك قد ورد باستفاضة كبيرة جداً مع تنوع في الأساليب التي يمكن أن نوجز لك بعضها ثم نمثل عليها بعد ذلك:
1- الأمر به.
2- جعله من الصفات اللازمة للمؤمنين.
3- اعتبار فعل ما يضاده من الصفات اللازمة للمنافقين.
4- جعله سبباً للخيرية في هذه الأمة.
5- بيان أن تركه سبب لوقوع اللعن والإبعاد.
6- بيان أن فعله سبب للنجاة.
7- بيان أن تركه سبب للهلاك.
8- اعتباره سبباً للنصر.
9- اعتبار تركه سبباً للذم والتوبيخ.
10- وصف من تركه وقعد عنه بالظلم.
11- نفي الإيمان عمن قعد عنه حتى بالقلب.
12- الشهادة بالإيمان لفاعله، وتارة يجعله من أفضل أعمال المؤمنين.
13- تارة يقرنه بعدد من الحقوق والواجبات، ويجعلها معه في سياق واحد.

حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبا


تبين... أن أصل هذا العمل واجب قطعاً.. لكن هذا الوجوب لا يكون لازماً في كل مطلوب شرعاً ولا على كل فرد كل حال (فيما زاد على القلب).
إذا عرفت هذا وتبينته فاعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد يكون واجباً، وقد يكون مستحباً، وقد يكون محرماً، وقد يكون مكروهاً..
أما حال كونه واجباً: فهذا يحصل إذا كان العمل المأمور به من الواجبات، أو الفعل المرتكب –الذي يراد النهي عنه- معدوداً من المحرمات (2) .. فهنا يجب الأمر أو النهي ما لم يكن هناك عذر في تركه.
متى يسقط الوجوب (3) : لا شك أن الإنكار بالقلب لا يسقط بحال من الأحوال، لكن الإنكار باليد واللسان قد يسقط وجوبه وذلك في واحد من ثلاثة أحوال:
الحالة الأولى: إذا تكاثرت الفتن والمنكرات (4) :
وهذا يكون على نوعين:
النوع الأول: ما يكون في آخر الزمان؛ وهذا النوع هو الذي تحمل عليه كثير من الأحاديث الواردة في العزلة والتي منها حديث أبي سعيد –رضي الله عنه- مرفوعاً ((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن)) (5) .
ومن ذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهما-: ((شبك النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه وقال: كيف أنت يا عبد الله بن عمرو إذا بقيت في حثالة قد مرجت عهودهم وأمانتهم واختلفوا فصاروا هكذا، قال: فكيف أصنع يا رسول الله؟! قال: تأخذ ما تعرف وتدع ما تنكر وتقبل على خاصتك وتدعهم وعوامهم)) (6) .
وفي لفظ آخر: ((بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذكرت الفتنة فقال: إذا رأيتم الناس مرجت عهودهم وخفت أمانتهم وكانوا هكذا –وشبك بين أصابعه- قال ابن عمرو: فقمت إليه فقلت: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟ قال: الزم بيتك، وأملك عليك لسانك، وخذ ما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة)).
لنوع الثاني: ما يقع من الفتن في بعض الأوقات دون التي تقع آخر الزمان:
وهذا كالفتن التي وقعت بعد مقتل عثمان رضي الله عنه بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد اعتزل جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حينما وقعت الفتن، ومن هؤلاء سعد بن أبي وقاص (12) ، ومحمد بن مسلمة، وسلمة بن الأكوع، وعبد الله بن عمر، وأسامة بن زيد، وعروة بن الزبير من التابعين (13) .
عن عامر بن سعد قال: كان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في إبله فجاءه ابن عمر، فلما رآه سعد قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب، فجاء فنزل فقال له: أنزلت في إبلك وغنمك وتركت الناس يتنازعون في الملك بينهم؟ فضرب سعد في صدره وقال: اسكت. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي)) (14) .
وقال البخاري: (باب التعرب في الفتنة) وذكر حديثين: الأول: وفيه تعرب سلمة بن الأكوع بعد مقتل عثمان.. (15) والثاني: حديث أبي سعيد مرفوعاً ((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم...).
والذي يظهر من استقراء النصوص أن الفتن من حيث التعلق بالزمان على قسمين:
1- قسم مضى. 2- قسم سيأتي.
وأما من حيث التعلق بإمكانية ظهور الحق ومعرفته لكثير من الناس فهي أيضاً على قسمين وهما:
1- قسم يمكن معرفة الحق فيه وتمييزه، وإن أشكل على البعض.
2- قسم يوقع الناس في الحيرة.. فلا يكاد يعرف فيه الحق من الباطل لاختلاط المعروف بالمنكر والمحق بالمبطل.
فالفتن التي يمكن معرفة الحق فيها، وإن أشكلت على بعض الناس، فيقال فيها: إن من أشكلت عليه الأمور تعينت عليه العزلة، وعليه يحمل اعتزال من ذكر من الصحابة. والله أعلم.
أما من أمكنه معرفة الحق، ولم يتمكن من العمل به، أو أدت مخالطته للناس إلى تكثير سواد أهل الفتنة، أو حملهم له على المشاركة، فيلزمه أن يعتزل أيضاً.

واخيراً أسال الله ان يجعلنا من أهل اليمين .
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
المصدر | موقع الدرر السنيه بعنوان الموسوعه العقيديه ، الكتاب العاشر ، الباب الثالث عشر .


 

رد مع اقتباس
قديم 26 Feb 2018, 06:16 PM   #6
ابن الورد
الحسني


الصورة الرمزية ابن الورد
ابن الورد متصل الآن

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 1
 تاريخ التسجيل :  Feb 2005
 أخر زيارة : اليوم (06:46 AM)
 المشاركات : 17,420 [ + ]
 التقييم :  24
 الدولهـ
Saudi Arabia
 وسائط MMS
وسائط MMS
لوني المفضل : Cadetblue
رد: ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .



أختي الفاضلة الكريمة سلطانة
نشكر لكم مشاركاتكم المباركة
وجزاكم الله تعالى عن الجميع خير الجزاء


 
 توقيع : ابن الورد



رد مع اقتباس
قديم 26 Feb 2018, 06:43 PM   #7
سلطانه
وسام الشرف
SULTANA


الصورة الرمزية سلطانه
سلطانه غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 19311
 تاريخ التسجيل :  Jan 2018
 أخر زيارة : 06 Nov 2023 (09:05 PM)
 المشاركات : 1,395 [ + ]
 التقييم :  20
 الدولهـ
Saudi Arabia
لوني المفضل : Black
رد: ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .



اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الحسن مشاهدة المشاركة
أختي الفاضلة الكريمة سلطانة
نشكر لكم مشاركاتكم المباركة
وجزاكم الله تعالى عن الجميع خير الجزاء
يا أهلاً وسهلاً
آجمعين إن شاء الله


 

رد مع اقتباس
قديم 27 Feb 2018, 01:12 AM   #8
نور الشمس
وسام الشرف - مشرفة قروب - أخوات البحث العلمي - جزاها الله تعالى خيرا
** أم عمـــر **


الصورة الرمزية نور الشمس
نور الشمس غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 13417
 تاريخ التسجيل :  Dec 2012
 أخر زيارة : 21 Aug 2023 (03:12 PM)
 المشاركات : 11,240 [ + ]
 التقييم :  35
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 مزاجي
لوني المفضل : Olivedrab
رد: ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .



جزاك الله خير ..


 
 توقيع : نور الشمس



قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

‏🌱 اجعل نفسك دائماً في تفاؤل والذي يريده الله سيكون

‏ وكن مسروراً فرحاً واسع الصدر ،،

‏فالدنيا أمامك واسعة والطريق مفتوح ✨

‏فهذا هو الخير ،،،

‏ 📚 شرح رياض الصالحين - ج4 ص87

🦋🍃


رد مع اقتباس
قديم 27 Feb 2018, 12:51 PM   #9
أبو خالد
باحث جزاه الله تعالى خيرا


الصورة الرمزية أبو خالد
أبو خالد غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 25
 تاريخ التسجيل :  Jun 2005
 أخر زيارة : 15 Jul 2018 (03:04 PM)
 المشاركات : 13,860 [ + ]
 التقييم :  21
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
 مزاجي
 وسائط MMS
وسائط MMS
 SMS ~
اللهم إني ظلمت نفسي
ظلـمآ كثيرآ
ولا يفغر الذنوب
الا أنت
فاغفر لي مفغرة من عندك
وأرحمني
إنك أنت الغفور الرحيم
لوني المفضل : Cadetblue
رد: ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .



جزاكِ الله خير


 
 توقيع : أبو خالد



قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرَّجلُ لأخيهِ بظَهرِ الغيبِ قالَتِ الملائِكةُ آمينَ ولَك بمِثلٍ»

الراوي: عويمر بن مالك أبو الدرداء المحدث:الألباني - المصدر: صحيح أبي داود -
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فلاتحرمونا دعائكم


رد مع اقتباس
قديم 28 Feb 2018, 12:24 AM   #10
سلطانه
وسام الشرف
SULTANA


الصورة الرمزية سلطانه
سلطانه غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 19311
 تاريخ التسجيل :  Jan 2018
 أخر زيارة : 06 Nov 2023 (09:05 PM)
 المشاركات : 1,395 [ + ]
 التقييم :  20
 الدولهـ
Saudi Arabia
لوني المفضل : Black
رد: ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .



اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نور الشمس مشاهدة المشاركة
جزاك الله خير ..


اجمعين إن شاء الله


 

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 
مايُكتب على صفحات المركز يُعبّر عن رأى الكاتب والمسؤولية تقع على عاتقه


علوم الجان - الجن - عالم الملائكة - ابحاث عالم الجن وخفاياه -غرائب الجن والإنس والمخلوقات - فيديو جن - صور جن - أخبار جن - منازل الجن - بيوت الجن- English Forum
السحر و الكهانة والعرافة - English Magic Forum - الحسد والعين والغبطة - علم الرقى والتمائم - الاستشارات العلاجية - تفسير الرؤى والاحلام - الطب البديل والأعشاب - علم الحجامة

الساعة الآن 10:44 AM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2011-2012
جميع الحقوق محفوظة لمركز دراسات وأبحاث علوم الجان العالمي