حظ الشيطان

غسل قلب النبي صلى الله عليه وسلم مرتين، الأولى وهو غلام عند بني سعد، والثانية ليلة الإسراء. انظر صحيح البخاري، صحيح ابن حبان ج 14، ص 242 كما أخرجه مسلم في صحيحه و النسائي في سننه و ابن حنبل في مسنده.

ينبغي أن نعلم ابتداء أن حادثة شق الصدر وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم مرتان، الأولى وهو طفل صغير، حيث يروي الإمام ابن كثير عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا له أخبرنا عن نفسك قال نعم أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى عليهما السلام ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام واسترضعت في بني سعد بن بكر فبينا أنا في بهم أتاني رجلان عليهما ثياب بيض معهما طست من ذهب مملوء ثلجا فأضجعاني فشقا بطني ثم استخرجا قلبي فشقاه فاخرجا منه علقة سوداء فألقياها ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى إذا ألقياه رداه كما كان ثم قال أحدهما لصاحبه زنه بعشرة من أمته فوزنني بعشرة فوزنتهم ثم قال زنه بمائة من أمته فوزنني بمائة فوزنتهم ثم قال زنه بألف من أمته فوزنني بألف فوزنتهم فقال دعه عنك فلو وزنته بأمته لوزنهم .

وكانت الحادثة الثانية قبل إسراءه صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت في البخاري عن عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به: (بينما أنا في الحطيم، وربما قال في الحجر، مضطجعا، إذ أتاني آت فقال: وسمعته يقول: فشق - ما بين هذه إلى هذه - فقلت للجارود وهو إلى جنبي: ما يعني به؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته، وسمعته يقول: من قصه إلى شعرته - فاستخرج قلبي، ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا، فغسل قلبي، ثم حشي ثم أعيد..).



السؤال الذي يلح علينا: ألا يمكن أن تكون إفرازات الشيطان مثلها مثل إفرازات غدة من الغدد الصغيرة التي تلقي بإفرازاتها المؤثرة، بالسلب أو الإيجاب، في القلب وبالتالي تسري سريان الدم، وقد تحدث هذه المواد خللا من نوع الصرع أو الغضب أو الاكتئاب أوغيره، كما هو الشأن بالنسبة لهبوط نسبة الكليكوز أو الحموضة (PH) أو الأدرينالين -1 - أو الكورتيزول-2 - أو الدوبامين-3 - أو السيروتونين-4 -؟

حينما نقرأ في كتب السيرة أنه قبل 14 قرنا قام جبريل عليه السلام بأول عملية جراحية للقلب في تاريخ البشرية، عملية في غاية الدقة والكمال، لا يستطيع القيام بها أبرع الجراحين اليوم، بوسائل خاصة ومتميزة من أهمها: ماء زمزم، وكان الغرض منها نزع حظ الشيطان من قلب النبي صلى الله عليه وسلم -5- . ألا ينبهنا هذا إلى منافع ماء زمزم-6- ، وإمكانية استعماله في تنقية القلوب من الأمراض والآفات التي تصيبه من إفرازات الشيطان، مما يفتح مجالا جديدا في اختصاصات الطب والجراحة ويكون ميدانا خصبا لأبحاث العلماء المسلمين، وفي مجال الدعوة أيضا؟

ألا يمكن أن يكون حظ الشيطان ـ المذكور في الخبر ـ مادة أفرزها الشيطان في الدم عن طريق اللغاديد وعروق الحلق، فاستقرت في القلب وتجمعت على شكل علقة، لتوزع بعد ذلك على أي عضو من أعضاء البدن وتؤثر فيه سلبا بإحداث خلل في توازن مواده الطبيعية... مما يؤدي إلى الغضب أو الشهوة أو عدم الارتياح مثلا-7 ؟

يقول ابن القيم-8- : قوة الغضب والشهوة نار تغلي في قلب ابن آدم، كما في الترمذي، من حديث أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم، أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه، فمن أحس بشيء من ذلك فليلصق بالأرض.»، وفي أثر آخر: إن الشيطان خلق من نار وإنما تطفأ النار بالماء، فما أطفأ العبد جمرة الغضب والشهوة بمثل الوضوء والصلاة، فإنها نار، والوضوء يطفئها، والصلاة إذا وقعت بخشوعها والإقبال فيها على الله أذهبت أثر ذلك كله، وهذا أمر تجربته تغني عن إقامة الدليل عليه.

كما نقرأ في كتاب "الوابل الصيب" فيما يقال ويفعل عند الغضب: قال سبحانه وتعالى: واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم  (الأعراف/200). وقال سليمان بن صرد: كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان أحدهما قد احمر وجهه وانتفخت أوداجه فقال النبي: «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ذهب عنه.» وعن عطية بن عروة قال: قال رسول الله: «إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفئ النار الماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ.» (رواه أبو داود)، وفي حديث آخر أنه أمر من غضب إن كان قائما أن يجلس، وإن كان جالسا أن يضطجع.

يخبرنا علم النفس المعاصر أن للغضب علاقة وطيدة بالدورة الدموية، وأنه (أي الغضب) ينتج عن نقص في تركيز مادة الكليكوز، ومن ثم السيروتونين في الدم، فنتساءل: ألا يتقاطع التفسير العلمي الحديث، في هذه النقطة على الأقل، مع تأويلنا للنصوص الدينية؟

------------------------

1- الأدرينالين: Adrénalineهرمون تفرزه غدة الكضور glande surrénale ويفرز بكثرة بعد إثارة الجهاز العصبي في حالة القلق أو الغضب أو الإجهاد العضلي. يساعد الأدرينالين الجسم على الاستجابة في بعض الحالات: فيثير القلب(أي يرفع قوة انقباض نسيج القلب العضلي ويزيد في سرعة النبضات) كما يقوم بخفض محيط الشرايين، ويرفع بذلك ضغط الدم، بالإضافة إلى تسريح الكليكوز المتجمع في الكبد ليجعله رهن إشارة الخلايا العضلية كمصدر للطاقة (هناك هرمون آخر له نفس التأثير وهو النورادرينالين.)

-2- الكورتيزول Cortisol : أحد الهرمونات التي تفرزها الطبقة الخارجية لغدة الكضور، وله علاقة بنشاط الجهاز العصبي وبضبط ضغط الدم. يستعمل هو أو أحد مشتقاته لعلاج العديد من الأمراض من بينها مرض الربو.

-3- الدوبامين Dopamine : موصل عصبي neurotransmeteur مادة يفرزها الجهاز العصبي ويؤدي نقصان/ زيادة في هذه المادة إلى مشاكل متعددة تدخل فيها أمراض متعددة كنوم الفجأة المتكرر والشلل الجزئي والهلوسة ومرض الزهايمر والباركينسون والفصام وغيرها كما لها دور في فقدان الذاكرة.

-4- السيروتونين: Sérotonine مادة موجودة في العديد من الأعضاء وتلعب دور الوسيط للجهاز العصبي. تنتجها الخلايا العصبية انطلاقا من الحامض الأميني، التيبتوفان. ويطلق عليها اسم (5HT) تتدخل السيروتونين في العديد من الوظائف الدماغية لكنها تلعب دورا هاما بالنسبة للنوم، ولتوصيل رسائل متعلقة بالآلام وخاصة بالنسبة للاضطرابات العقلية كالإحساس بالخمول والهم والغم والقلق والعجز والكسل.

5-- غسل قلب النبي صلى الله عليه وسلم مرتين، الأولى وهو غلام عند بني سعد، والثانية ليلة الإسراء. انظر صحيح البخاري، صحيح ابن حبان ج 14، ص 242 كما أخرجه مسلم في صحيحه و النسائي في سننه و ابن حنبل في مسنده.

6- - أثبت بعض العلماء أن ماء زمزم له مزية من حيث التركيب, فقد قام بعض الباحثين من الباكستانيين من فترة طويلة فأثبتوا هذا، وقام مركز أبحاث الحج بدراسات حول ماء زمزم, فوجدوا أن ماء زمزم ماء عجيب يختلف عن غيره، كما أكدت دراسة لماء زمزم من منبعه أنه لا يوجد فيه جرثومة واحدة فهو نقي طاهر، لكن قد يحدث نوع من التلوث بعد ذلك في استعمال الآنية أو أنابيب المياه أو الدلو يأتي التلوث من غيره، ولكنه نقي طاهر ليس فيه أدنى شيء. هذا عن خصوصيته ومن خصوصية ماء زمزم أيضا أنك تجده دائما .. ودائما يعطي منذ عهد الرسول صلى الله عليه سلم إلى اليوم وهو يفيض. ويحكي الكثير من الناس معجزة شفائهم بماء زمزم دون القيام بأية عملية جراحية. أنظر: " الإعجاز العلمي في الإسلام والسنة النبوية " لمحمد كامل عبد الصمد.

-7- يقوم الوضوء والصلاة والقرآن بما فيهم من قوة روحية في الظاهر مادية في الباطن ـ أي إفرازات لمواد كيماوية تحدث في جسم العبد في حالة الخضوع والخشوع ـ إلى إعادة توازن الإفرازات إلى نسبها العادية فيطمئن العبد ويذهب عنه ما يجد ويسلم من كل سوء فيرتاح كما قال المصطفى. قال رجل قال مسعر: أراه من خزاعة ليتني صليت فاسترحت، فكأنهم عابوا عليه ذلك فقال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "يا بلال: أقم الصلاة أرحنا بها".
وعن عبد اللّه محمد ابن الحنفية قال: انطلقت أنا وأبي إلى صهر لنا من الأنصار نعوده، فحضرت الصلاة، فقال لبعض أهله: يا جارية ائتوني بوضوء لعلي أُصلِّي فأستريح قال: فأنكرنا ذلك عليه، فقال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "قم يا بلال فأرحنا بالصلاة".(سنن أبو داود، كتاب الأدب)

8- ابن قيم الجوزية، بدائع الفوائد، ص، 405، مكتبة مشكاة الإسلامية.