فريضة الحج بين أبعادها الثلاثية وأحكامها الشرعية ولطائفها الخفية

فريضة الحج بين أبعادها الثلاثية وأحكامها الشرعية ولطائفها الخفية

ثلاثية الزمان ، ثلاثية المكان ، ثلاثية الأقوال والأفعال
إن المتأمل في هذه الثلاثيات التي سادت أزمنة الحج وأمكنته وأقواله وأفعاله ليقف مندهشا عاجزا أمام هذه الحكم الجليلة وهذه العضات البالغة، فلنتأمل قليلا ولنعتبر بآية الله مصداقا لقوله تعالى (ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه) الحج:28· وأول هذه الثلاثيات ثلاثية الزمان يقول الله عز وجل:(الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا ر فث ولا فسوق ولاجدال في الحج) البقرة:197·
أشهر الحج ثلاثة: شوال، ذو القعدة،ذوالحجة على رأي الإمام مالك رضي الله عنه وهو رأي الإمام الشافعي في القديم، ونفس الرأي مروي عن ابن عمركما قال ابن جرير ومروي هذا أيضا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه وإ سناده صحيح كما قال ابن كثير رحم الله الجميع، وورد أثر في هذا الموضوع رواه ابن مردويه،لكن الحافظ ابن كثير حكم عليه بالوضع واعتبره غير مرفوع
ومن الذين قالوا إن أشهر الحج: شوال وذو القعدة وذوالحجة· ابن شهاب وعطاء ومجاهد وعروة بن الزبير والربيع بن أنس وقتادة· فنحن هنا نرى أن جماعة من الصحابة والتابعين يرون أن أشهر الحج ثلاثة كاملة· ولكن روي عن ابن عمر رأي ثاني يقول فيه: إن اشهر الحج: شوال وذوالقعدة وعشر من ذي الحجة· وهذا الرأي مروي عن عمر وعلي وابن مسعود وغيرهم،وذكر ابن العربي في هذه الآية أربعة أقوال ومن بينها ما ذكرناه·
وبما أن الروايتين متعارضتين في المدة الأخيرة من شهرذ ّي الحجة ـ ولعل الخلاف في الموضوع سببه لغوي ـ وقد جرة عادة اللغويين أن يطلقوا الجزء ويريدون الكل والعكس كذلك يطلقون الكل ويريدون الجزء، وكلا الأمرين مستعمل وجاء في لغة القرآن، ومالنا نذهب بعيدا ونحتج بقول علماء اللغة والشاهد معنا من القرآن وقي نفس السورة التي سقنا منها الآية، بل ومضمون الآية متعلق بالأحكام التي نحن بصدد تفصيل ثلاثياتها بل هو من الثلاثيات الزمانية أيضا كما سنبين إن شاء الله·
يقول الله عز وجل (واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون) البقرة:203· فالآية هنا تتحدث عن أيام التشريق التي خصصت وشرع فيه رمي الجمرات الثلاث والمراد باليومين هنا يوم الحادي عشر والثاني عشر ونحن نعلم أن المتعجل ينصرف من منى قبل غروب الشمش من اليوم الثاني من أيام التشريق·
من ثلاثيات الزما ن المبيت بمنى ثلاث ليالي ـ لغير المتعجل ـ بعد الرجوع من عرفة والوقوف بالمشعر الحرام· والمبيت بمنى من الواجبات التي تنجبر بدم·
ومن ثلاثيات الحج أيام التشريق الثلاثة وهي المسماة بالأيام المعدودات·
القرآن الكريم لما حدد لنا الزمان لأداء مناسك الحج شرع مباشرة من غير فصل بقول أو حدث عن فعل، يبين لنا ثلاث خصال أخرى ينبغي على كل مسلم رغب في أداء هذه الفريضة أن يعلمهما ويعمل على تجنبهما ولابتعاد عنها،فما هي الخصال الثلاث التي نص عليها القرآن في هذا المقام: إنها مفاهيم ثلاثة يمكن أن نرجعها إلى مضامينها الكبرى: آداب ـ أخلاق ـ سلوك
بما أ ن الخصال الحميدة كثيرة والأخلاق الفضيلة متعددة وأشكال الآداب الإسلامية متفاوتة تبتدئ بإفشاء السلام، وتنتهي ببدل النفس والمال وإطعام الطعام، لكي ندخل الجنة بسلام، كما قال خير الأنام، عليه أفضل الصلاة والسلام·
بما أن الأمر كذلك،جاء القرآن بالنهي عن سلوك لايليق، وأخلاق لاتشرف وآداب لاتستصاغ عقلا أو نقلا· ولا تستصاغ عرفا لذوي العقول السليمة· فاستمعوا وأنصتوا لعلكم ترحمون·
قال الله تعالى: (فمن فرض فيهن الحج فلا رأفت ولا فسوق ولاجدال في الحج)·
>فمن فرض<: أي الزم نفسه بأداء مناسك الحج أوالعمرة ووصل الميقات ودخل في الإحرام فعليه بالابتعاد عن ثلاثة خصال لأن المشرع نهى عن فعلها، وإليكم تفاصيلها·
أولا:لارفث الرفث:

الجماع،مصداقا لقوله تعالى:(أحل لكم ليلة الصيام الرفث ألى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) البقرة: 187، فالرفث هنا الجماع· وفي الآية المتعلقة بالحج الجماع ودواعيه من قبلة ولمس وتحد ث مع النساء في شأنه ممنوع كما قال ابن عمر· وفسر ابن عباس الرفث بالتعريض بذكر الجماع،وفسره عطاء بن أبي رباح بالجماع وما دونه من قول الفحش· والرفث بالقول أو الفعل على كلا التفسيرين محرم شرعا في موسم الحج للمحرم بأحد النسكين·
ثانيا: ولا فسوق، الفسوق: المعاصي:

قاله ابن عباس ومجاهد وطاووس وعكرمة والحسن وقتادة وغيرهم· وقال ابن عمر:الفسوق هنا ماأصيب من معاصي الله كقتل صيد وغيره· وقال آخرون الفسوق:السباب· وشاهدهم في ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: >سباب المسلم فسوق وقتاله كفر<· وفسره آخرون بأنه الذبح للأصنام، وشاهدهم في ذلك قواه تعالى: (أو فسقا أهل لغير الله به) الأنعام:146·
ولقد ساق الحافظ ابن كثير هذه الأقوال وغيرها، وقال في ختام ذلك: >والذين قالوا الفسوق هاهنا هو جميع المعاصي الصواب منهم<· ويشهد لهذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: >من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه<·
ثالثا: ولا جال في الحج· الجدال هنا يحتمل قولان:
أولهما: أن مناسك الحج قد بينها الله ووضحها الرسول الله صلى الله عليه وسلم بالقول والفعل والتقرير حين قال: >خذوا عني مناسككم<· وفي هذا القول رد على كل من جادل فيما كانت تزعمه قريش عندما كانت ثقف بالمزدلفة عند الشعر الحرام ويقولن نحن أصوب، وغيرهم يقفون بعرفة ويقولون نفس القول، بالإضافة إلى أقوال أخرى كانوا يتجادلون حولها· ثانيهما المراد بالجدال هنا المخاصمة وهذا القول مروي عن ابن مسعود قال: الجدال في الحج أن تماري صاحبك حتى تغضبه وبذلك قال أبو العالية وعطاء ومجاهد وسعيد ابن جبير وعكرمة وغيرهم· ومن أجل ذلك قال الرسول: >المسلم من سلم السلمون من لسانه ويده<· وقد ذكر ابن كثير حديثاً مروياً عن عبد بن حميد قال: عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: >من قضى نسكه وسلم المسلمون من لسانه ويده غفر له ما تقدم من ذنبه<·
فترك الرفث والفسوق والجدال من ثلاثيات الحج· ويمكن أن نستنبط من هذه الثلاثية ثلاثية أخرى ضمنها فكو ن هذه الثلاثية جمعت بين القول والفعل وتضاف إليهما نقطة ثالثة خاصة بأماكن الحج ويتعلق الأمر بالتفكير في العصيان أو الهم به دون قول أو فعل يعتبر إثما ومعصية مصداقا لقوله تعالى (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) الحج:52·وهذا أيضا من خصوصيات المكان الذي هو بيت الله الحرام·
ولهذا جعل بعض المفسرين الباء من >بإلحاد< للتعدية ليتضمن الفعل معنى الهم· وبمعنى آخر من هم فيه بإلحاد أي بأمر فضيع بالقول أو الفعل أو التفكير ـ أي مجرد النية ـ كل ذلك فيه إثم ومن ارتكبه سيذيقه الله العذاب الأليم·
وهده الثلاثية الأخيرة تستحق منا التأمل كثيرا وبصفة خاصة عندما نصل إلى الحرم المكي حتى لا نزل أو نضل لما لهذه الثلاثية من خطورة تتجلى في أفكارنا وأمانينا وأهوائنا·فمن هم بسوء باء بإثمه ومن هم بخير نال الجزاء عليه·
بعد الانتهاء من الكلام عن الزمان في أداء مناسك الحج وثلاثياته، نعود الآن من البداية وإن كان منهج البحث قد ساقنا إلى الحديث عن أفعال الحج في النهاية·
وأول هذه الثلاثية التي نستحضرها في أول طريقنا مع هذه الفريضة العظيمة ـ فريضة الحج ـ ما عبر عنه الفقهاء بالشروط الثلاثة التي فسروا بها الاستطاعة الواردة في قوله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) آل عمران:98·
المراد بالاستطاعة كما فهمها الكثير من الفقهاء هي:
ـ الزاد ـ الراحلة ـ أمن الطريق·
ولقد لخص عمر ابن الخطاب ذلك بقوله: >لقد هممت أن أبعث رجالا إلى الأمصار فينظرون إلى كل من عنده جدة فلن يحج فيضرب عنهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين<· لقد وردت أحادث تبين معنى السبيل بأنها الزاد والراحلة، ولكن ابن العربي المعافري حكم عليها بعدم الصحة قائلا: >لو قال ـ أي راوي الحديث ـ الاستطاعة: الزاد والراحلة لكان أولى في النفس<· وقال الحافظ ابن كثير عن الحديث المفسر للسبيل بالزاد والراحلة بإنه روي من طرق أخرى··· ولكن في أسانيدها مقال كما هو مقرر في كتاب الأحكام·
فإذا اعتبرنا الحديث الذي فسر السبيل بالزاد والراحلة ضعيف،قد يقال كيف استنبط الفقهاء هذه الثلاثية التي نتحدث عنها؟ نقول إن استنباطها من مقاصد الشريعة العامة ومبادئها الخلاقة ومن الآية نفسها حيث ذكرت الاستطاعة فيها· ومفهوم الاستطاعة مفهوم حاضرة بل هو من شروط القيا م بالشعائر الدينية مصداقا لقوله تعالى( لايكلف الله نفسا إلا وسعها) البقرة:285·
وقد عبر ابن العربي عن أمن الطريق بالآفة حين قال: >إذا وجدت الاستطاعة توجب الحج بلا خلاف إلا أن تعرض آفة<·
فهذه الثلاثية هي أول شيء يجب توفره وتوفيره لمن يريد الحج: القوة البدنية· القدرة المالية· أمن الطرق من المخاطر·
من الأفعال التي وردت في الحج وتكررت ثلاث مرات استحباب الغسل في ثلاث مواقف: الموقف الأول:

الغسل من أجل الدخول في الإحرام بالحج عند الوصول إلى مواقيت الإحرام· الموقف الثاني:

الغسل من أجل الدخول إلى مكة المكرمة· فإذا كان الغسل للإحرام خارج مواقيت الحرام فالغسل للدخول إلى بيت الله الحرام يكون داخل الحرم، أي في مدينة مكة المكرمة·
الموقف الثالث:الغسل من أجل الوقوف بعرفة·وهذ الغسل يكون في منى·
وإذا أتم القاصد لأداء مناسك الحاج الغسل للإحرام وأتى بالطهارتين معا، صلى ركعتي السنة وتهيأ للإحرام بالتجرد عن الخيط والمحيط، فلا بد من العزم و عقد النية على أحد أمور ثلاث وهي: الحج بالإفراد أو الحج بالقران أو التمتع
إذا استقر عزم الشخص على الحج بالإفراد فله شروطه وضوابطه، او الحج بالقران فله أحكامه ومتطلباته وأما ان يعزم على الحج بالتمتع وهو الأسهل على النفس والأحوط لها وخاصة لمن لايملك ضبط نفسه ولسانه لوقت أطول·
فما هي هذه الأنواع الثلاثة لأداء فريضة الحج· فالحج ثلاثة أنواع أي الإحرام به ثلاثة أنواع· النوع الأول: الإفراد هو الإحرام ـ أي النية ـ بالحج دون قران مع العمرة،وعند الدخول في هذا المنسك يلتزم الحاج به ويجب عليه أن يبقى مجردا عن المحيط والمخيط حتى تنقضي أيام الحج بعد الوقوف بعرفة ورمي جمرة العقبة الكبرى وحلق شعره أو قصره، فإن فعل ذلك يكون قد تحلل التحلل الأصغر أما التحلل الأكبر يكون بعد طواف الإفاضة·
النوع الثاني: من أنواع الحج القران: وهو الإحرام بنية الجمع بين الحج والعمرة في نسك واحد وصاحب هذا الحج ملزم بكل ماالتزم به الحاج المفرد من ابتعاد عن الطيب وعن المخيط حتى يتحلل التحللين المذكورين،وعليه أيضا هدي ينحره قبل الحلق والطواف المذكور·
النوع الثالث: التمتع المقصود من الإحرام بالتمتع هو أن ينوي القاصد لبيت الله الحرام أداء العمرة ويتم مناسكها من إحرام وطواف وسعي بين الصفا والمروة وحلق الشعر ثم ينتظر حتى يصل يوم التروية ـ الثامن من ذي الحجة ـ فيغتسل ثم يحرم معلنا تلبيته بالحج، وعليه هدي لهذا التمتع·فالإحرام بأحد أنواع الحج من الثلاثيات المشروعة·
وانت أيها الحاج ها قد اخترت الإحرا م بأحد الأنواع الثلاثة الذكورة من الميقات المحدد فلا تنسى عند الدخول إلى المسجد الحرام ومشاهدة الكعبة المشرفة ورؤيتها لأول مرة عند دخولك هذا، لاتنسى وقفة للدعاء لهذا البيت كما ورد في الأثر: اللهم أنت السلام ومنك السلام فحيينا ربنا بالسلام اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما···
وهذه الوقفة من الوقفات الثلاث المسنونة داخل المسجد الحرام أثناء مناسك الحج أ والعمرة وهي من السنن المستحبة ولا شيء على من تركها وإن كان سيفوته بتركها خير كثير والمطلوب في مثل هذا الموقف هو الدعاء والاستغفار·
الوقفة الثانية من أجل الدعاء تكون عند الانتهاء من أشوا ط طواف القدوم وعند باب الملتزم وهو من الأماكن التي يستجاب فيها الدعاء·
الوقفة الثالثة من أجل الدعاء تكون عند تناول ماء زمزم،تنفيدا للحديث الشريف: ماء زمزم لما شرب له·فاشرب أخي الحاج وارتوي وتضلع وآنت داع الله·
من ثلاثيات الحج الطواف بالبيت العتيق
فما هو الطواف؟ الطواف هو المشي حول الكعبة المشرفة سبعة أشواط ـ أي دورات ـ انطلاقا من محاذاة الحجر الأسود وجعل الكعبة عن يسارك ثم تنطلق مشيا أو رملا جاعلا طوافك حولهاعلى شكل دائرة تبتدئ من الحجر الأسود أو بمكان محاذ له، وحيث ما وصلت إلى مكان البداءة فقد تم الشوط وشرعت في شوط آخر، إلى نهاية السبعة·
والطواف ثلاثة أنواع: طواف القدوم طواف الإفاضة،وطواف الوداع·
فما معنى هذه الأنواع من الطواف؟
الطواف الأول طواف القدوم: هو الذي يقوم به الحاج عندما يصل لأول مرة إلى مكة محرما إما بالحج أو العمرة أو بهما معا· وطواف القدوم من الواجبات التي تنجبر بدم·
الطواف الثاني طواف الإفاضة: هو الطواف الذي يقوم به الحاج عند رجوعه من عرفات بعد رميه لجمرة العقبة الكبرى، وهو ركن من أركان الحج ولا ينجبر بدم·
الطواف الثالث طواف الوداع:هو الطواف الذي يقوم به الحاج أو المعتمر عندما يريد الخروج من مكة إلى بلده وأهله وهذا الطواف سنة مؤكدة ولا شي على من تركه عند الجمهور،وشرع هذا الطواف حتى يكون آخر عهد بالبيت العتيق للحاج والمعتر عندما يريد الانصراف من مكة·
وكما نلاحظ فإن الطواف من ثلاثية الحج وإن اختلفت أحكامه من حيث الوجوب والندب فالطواف الأول واجب من تركه عليه دم· والثاني ركن من أركان الحج فمن تركه عاد إلى فعله ولو بعد الخروج من الحرم وعليه هدي فإن لم يفعل بطل حجه، والطواف الثالث مستحب فمن تركه فلا شيء عليه حسب رأي الكير من الفقهاء·
ومن اللطائف العجيبة أن يكون القدوم على البيت العتيق يستقبل بالطواف ومغادرته تختم بالطواف مصداقا لقوله تعالى: (وليطوفوا بالبيت العتيق) 92 الحج· وفيم العجب؟ والقرآن الكريم قد قسم الناس ثلاثة أقسام عندما أمر خليله إبراهيم عليه السلام بقوله: (وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود) البقرة:125·
من ثلاثية الحج الإسرا ع في ثلاث مواطن وهو من السنة:
الموطن الأول: الإسراع في الأشواط الثلاث من طواف القدوم حيث يستحب الرمل كما ورد بذلك الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم·
الموطن الثاني: الإسراع بين الميلين أثناء السعي بين الصفا والمروة·
الموطن الثالث: واد محسر وهو مكان بين المزدلفة ومنى، فهذه المواطن الثلاثة قد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالإسراع فيها أوعند المرور بهذين الأخيرين منها، ولا دم أو فدية على من لم يسرع في هذه المواطن الثلاث·
نحن نعلم بأن السعي بين الصفا والمروة يكون مصاحبا لطواف القدوم أو لطواف الإفاضة وهو ركن من أركان الحج أو العمرة أيضا،وشروطه ثلاثة·
أولا: أن يكون بعد طواف صحيح·
ثانيا: البدء بالصفا ثم الختام بالمروة لقوله صلى الله عليه وسلم: ابدءوا بما بدا الله به ثالثا: ان لايفصل بين الطواف والسعي بوقت طويل·
ومضمون كلامنا أنه من قدم السعي على الطواف بطل وأعاده· وإن بدأه من المروة ألغى ذلك الشوط واعتبر البداية من الصفا ومن نقص شوطا من الأشواط السبعة أتى به إن لم يطل الوقت وإلا أعاد من الأول·
لابد لنا هنا أن نفتح قوسين لكي نقول إذا كان الحاج مفردا أو قارنا فعليه ان يلازم إحرامه حتى يتم مناسك الحج فإن كان متمتعا فعليه أن يحلق رأسه ليتحللل من عمرته، وينتظر يوم التروية ليحرم بالحج من جديد، ثم الذهاب إلى منى ومن ثم إلى عرفات·
الوقوف بعرفات: يكون في اليوم التاسع من ذي الحجة، وهو ركن من أركان الحج بل هو الركن الأعظم لقول الرسول صلىالله عليه وسلم الحج عرفات من سنن هذا الوقوف·
1ـ الدخول الى مكان الوقوف بعد صلاة الظهر والعصر جمع تقديم وقصر·
2ـالوقوف ـ هنا ضد الجلوس ـ للدعاء والاستغفار حتى تغرب الشمس من ذلك اليوم·
3ـ الانسحاب من عرفات ــ لمن حضر بها ــ بعد غروب الشمس من ذلك اليوم·وعدم صلاة المغرب والعشاء بها سنة مؤكدة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم·
ومما تجدر الإشارة إليه في البعد المكاني، هناك ثلاثة أبعاد مكانية كبرى في أداء مناسك الحج أو الشروع فيه هذه الأبعاد هي:
البعد المكاني الأول: المواقيت التي حددها الرسول وأمر الناس بالتزامها عند الإحرام فأصبح لزاما على كل مار بها أن يتوقف عندها للتجرد من الخيط وتحديد نية أحد النسك المذكورة مع التلبية بما حصل في نية وقصد المحرم·
البعدالمكاني الثاني بيت الله الحرام التي تقام فيه جملة من شعائر الحج والعمرة: طواف،سعي ذكر دعاء···
البعد المكاني الثالث عرفات وهي الركن الأعظم من أركان الحج·وفي هذه الأمكنة عبر وعظات ومواقف ومشاهد للأقوال والأفعال·
بعد الانصراف من عرفات، ويسمى هذا الانصراف بالإفاضة مصداقا لقوله تعالى( فإذا أفضتم من عرفات فذكروا الله عند المشعر الحرام) 198 البقرة· والإ فاضة من ثلاثيات الحج·
الأولى: الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة·
الثانية:الإفاضة من مزدلفة إلى المشعر الحرام·
الثالثة الإفاضة من المشعر الحرام إلى منى لرمي الجمرة الكبرى·
لقد سبق الحديث عن الوقفات الثلاث داخل المسجد الحرام بمكة المكرمة من أجل الدعاء والاستغفار فلابد لنا هنا أن نشير إلى وقفات ثلاث أخرى في هذا المقام· مقام عرفات، والمزدلفة ومنى·فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صعد الجبل ووقف يوم عرفة يدعوا الله ويستغفره،وأمر الناس بذلك وهذه هي الوقفة الأولى· أما الوقفة الثانية فكانت عند نزوله إلى المزدلفة وفي مكان المشعر الحرام· أما الوقفة الثالثة تكون عند رمي الجمرات أي بعد رمي الجمرة الأولى والثانية من أيام التشريق والأدعية هنا من مسنونات الحج·ويندرج ضمن هذه الثلاثية ثلاثيات أخرى ألا وهي ثلاثيات الزمان وثلاثيات المكان وثلاثيات الأقوال والأفعال، فتأمل ذلك تجده واضحا للعيان·
بعد الرجوع من عرفات من الواجب على الحاج المبيت بمنى ثلاث ليالي لغير المتعجل وهومن الواجبات، إذا تركه الحاج أوترك بعضه وجب عليه دم· أما المتعجل فيبيت ليلتين مصداقا لقوله تعالى (واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا أثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون) البقرة:203·
كما تعلمون فإن الجمرات ثلاث الجمرة الصغرى والجمرة الوسطى والجمرة الكبرى ورميهن من الواجبات فمن تركهن،أوترك واحدة منهن وجب عليه دم·
وبانقضاء اليوم الثالث من أيام التشريق يكون الحج قد ثم لمن قام بالنحر والحلق و طاف الإفاضة وقد تقدم معنا ان الطواف من ثلاثياث الحج·
بكلامنا هدا عن طواف الإفاضة ورمي الجمار الثلاث نكون قد انهينا الحديث عن مناسك الحج من واجبات وأركان وسنن ومن أتى بها على وجهها المطلوب يكون قد أدى ماافترض الله عليه· ولا محالة فإن الله سيجزيه الجزاء الأوفى· >والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة<· ولنجعل مسك الختام ونجمل القول من الكلام حول عامة الأحكام·
من سنن النبي صلى الله عليه وسلم في مناسك الحج توجيه خطبة إلى الناس وهي ثلاث خطب·
الخطبة الأولى تكون في اليوم السابع من ذي الحجة بمكة يبين للناس فيها مناسك الحج وكيفية الإحرام·
الخطبة الثانية: تكون في اليوم التاسع ــ أي يوم عرفة ــ وهي جامعة هادفة· الخطبة الثالثة: تكون يوم العيد بمنى من أجل بيان ما تبقى من مناسك الحج· والخطب من ثلاثيات الحج وإن اختلفت في الزمان والمكان كما هو واضح للعيان·
لقد سبق الحديث عن أعمال الحج وتقسيمها إلى أركان وواجبات ومسنونات أو مندوبات، وهذا التقسيم هو المعمول به في مذهب الإمام مالك، وهو مذهبنا وفي القضايا الفقهية عليه اعتمادنا·
فما حكم من ترك ركنا من أركان الحج؟
الحاج إن ترك ركنا من أركان الحج فإن حجه يكون فاسدا إلا أن يتدارك ذلك إن كان في الإمكان تداركه قبل فوات الزمان والبعد عن المكان فإن لم يتدارك ذلك فحجه فاسد وإن شئت فهو باطل وعليه حج من العام القادم·
أما الواجبات من الحج فإنها تنجبر بدم أي يمكن تداركها بتقديم هدي أو صيام ثلاثة أيام مصداقا لقوله تعالى ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) البقرة: 196·
ونلاحظ هنا أن هذه الثلاثية نطق بها القرآن هنا صريحة حيث طلب من الحاج الذي لايجد هديا ثم انتقل من الهدي إلى الصيام أن يصوم ثلاثة أيام في الحج فقط، ثم يتم العشرة بعد ذلك عند ما يرجع إلى أهله·
أما المسنونات والمندوبات فلا كفارة فيها ولا فدية بل يجبرها الاستغفار والحسنات يذهبن السيئات·
من ثلاثيات الحج الفدية
الفدية ثلاثة أشكال إما صيام أوصدقة أونسك مصداقا لقول تعالى (فمن كان منكم مريضا أوبه أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أونسك) البقرة:196·
وقد روى لنا الإمام البخاري حديثا يوضح فيه معنى الآية المذكورة قال: سمعت عبد الله بن معقل قال:قعدت إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد يعني مسجد الكوفة فسألته عن فدية من صيام فقال: حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال >ما كنت أرى أن الجهد قد بلغ بك هذا أما تجد شاة؟ قلت لا، قال صم ثلاثة أيام أو اطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام واحلق رأسك· فنزلت في خاصة وهي لكم عامة·
بالإضافة إلىالاختيار بين أحد ثلاثية الفدية التي اجمع جمهور الفقهاء على أن لفظ >أو< الواردة في الأية هنا للاختيار ولا تفيد الترتيب·
الهدي ثلاثة أنواع·فما معنى الهدي؟: الهدي هو ماينحره الحاج قربانا لله وطاعة لأمره وشكرا له على تيسيره ويسره حيث رخص لعباده في التمتع ورفع الحرج عنهم عندما أحصروا أو منعوا بأي مانع عرض لهم، قبل إتمام مناسك الحج· والهدي يقدم من أحد الأصناف الثلاثة إما الإبل أو البقر أوالغنم· وروي عن ابن عباس قال: إن كان الحاج موسرا فمن الإبل ــ أي الهدي ــ وإلا فمن البقر وإلا فمن الغنم· لأن الهدي من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم والآية تنص على مااستيسر من الهدي وهوما نطق به ابن عباس حبر هذه الأمة، كما نص على ذلك ابن كثير في تفسيره·وبما أن الأمر مبني على اليسر دون العسر في أحكام الشريعة فقد رخص لمن لم يجد الهدي أن ينتقل إلى الصيام وهو بديل عنه لمن لا مال له أو لم يجد الهدي·
وبما أننا نتحدث عن الهدي فإننا نستخلص منه ثلاثية أخرى تتعلق بأنواع الدماء المطلوبة في الحج لمن فرط في أمر مطلوب أوفعل محظورا·
فالدماء ثلاثة أنواع: دم في الفدية· ودم للهدي ودم مقابل لما قتل المحرم من الصيد مصداقا لقوله تعالى (يأيها الذين آمنوا لاتقتل الصيد وأنتم حرم فمن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة) المائدة:97·
الأفعال المحظورة في الحج
إذا نظرنا إلى الأفعال المحظورة في الحج وجدناها تتميز بهذه اللطيفة الثلاثية أيضا، لأن الأفعال المحظورة ثلاثة أنواع·
1 ـ نوع محظور مفسد للحج·وهو الجماع···
2 ـ نوع محظور غير مفسد للحج لبس المخيط تغطية الرأ س
3 ـ نوع مسكوت عنه ولا شيء فيه مثل الغسل قبل الإحرام والصلاة قبل الشروع في الإحرام
من الأفعال المحظورة على الحرم بالحج أو العمرة: الزواج··· أو التزويج··· أوالخطبة وبتعبير آخر أن لا ينكح ولا ينكح ولا يخطب·
وهناك ثلاثيات أخرى نشير اليها إشارات خفيفة حتى لانتقل على القارئ الكريم· من ذلك ان في الحج ثلاثة خصال بدل المال ـ إتعاب البدن ـ قهر النفس وحرمانها مما هو معتاد لديها·
في الحج:البعد عن الأهل ـ البعد عن الوطن ـ البعد عن الممتلكات والأموال· الهدي يجب لثلاثة أسباب: فمن ترك واجبا ـ فعل محظورا ـ أو بسبب الإحصار· المحرم يحرم عليه الصيد وأكله والدلالة على مكانه·
هذا ما فتح الله به في هذه الأيام من ثلاثيات الحج، حيث كنت أراجع مناسك الحج،في أشهر الحج وفي ختام ذلك تمنيت زيارة إلى أماكن الحج·
أسأل الله العلي القدير أن أكون قد وفقت في إبراز معالم هذه الثلاثيات وأظهرت كل مايتعلق بمضامينها مصحوبة بجملة من الأحكام لما يجب على كل زائر لذلك المقام·


وفقني الله وإياكم لإقامة شعائر الإسلام، واتباع هدي خير الأنام، سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام·

جزاك الله خير

جزاك الله خير

جزاكي الله خير اختي الفاضلة