المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السلوك الإجتماعي عنوان المسلمين ///////////////


نورالهدى
02 Mar 2007, 12:12 PM
السلوك الإجتماعي عنوان المسلمين
إن من نهضة الأمم سلوكها الاجتماعي السليم، فهو عنوانها الناطق باسمها، وما سمى العالم قبل الإسلام بالجاهلية إلا لوجود جاهلية السلوك وجاهلية التعامل حتى كانت هي السمة الواضحة والعلامة المميزة لهؤلاء الناس، فأطلق عليهم: أمة جاهلية.. فكان حال العالم متقلباً بين أحضان هذه الجاهلية ينام ويصحو دون أن يفارقها، فالغني يأكل الفقير فانتشر الربا، والقوي يأكل الضعيف، فانتشر الظلم وتحولت المجتمعات إلى مجموعة من السادة تعد على الأصابع، والباقي أرقاء لهؤلاء السادة كالحيتان، في البحار أو الأسود في الغابات، فلا يسمع لضعيف رأي، ولا يرد لقوي قول.




السلوك الإجتماعي عنوان المسلمين

الحمد لله رب العالمين، يحق الحق بكلماته ولو كره الكافرون... ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون [ [الأنفال: 8].

أحمده على الهداية والرشاد، وعلى الإيمان وحسن الانقياد، وعلى نعمه الظاهرة والباطنة التى لا تعد ولا تحصى، {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار} [إبراهيم 34].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر بالتقوى وحسن الخلق. 473

ولست أرى السعادة جمع مال ** ولكن التقي هو الســعيد

وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً رسول الله، النبي الأمي، معلم البشرية وداعيها إلى الخير ومنقذها من الشر، {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} [الأعراف: 157]، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأحبابه، ومن اهتدى بهديه واسـتن بسـنته إلى يوم الدين، واجزه اللهم عنا خير ما جزيت نبياً عن قومه، ورسولاً عن أمته.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون:

إن من نهضة الأمم سلوكها الاجتماعي السليم، فهو عنوانها الناطق باسمها، وما سمى العالم قبل الإسلام بالجاهلية إلا لوجود جاهلية السلوك وجاهلية التعامل حتى كانت هي السمة الواضحة والعلامة المميزة لهؤلاء الناس، فأطلق عليهم: أمة جاهلية.. فكان حال العالم متقلباً بين أحضان هذه الجاهلية ينام ويصحو دون أن يفارقها، فالغني يأكل الفقير فانتشر الربا، والقوي يأكل الضعيف، فانتشر الظلم وتحولت المجتمعات إلى مجموعة من السادة تعد على الأصابع، والباقي أرقاء لهؤلاء السادة كالحيتان، في البحار أو الأسود في الغابات، فلا يسمع لضعيف رأي، ولا يرد لقوي قول.

( 2 )

والخلق يفتك أقواهم بأضعفهم ** كا لليث بالبهم أو كالحوت بالبلم

فساءت الأفعال وساءت على أثرها الظنون، وبات الناس في فوضى حتى جاءت بعثة النبي(صلي الله عليه وسلم)، فأحيت هذا الموات، وأعادت للبشرية اتزانها وصقلتها من جديد حين بثت فيها هذه التعاليم التي آمنتهم من خوف وأطعمتهم من جوع واستجاب من استجاب ففاز بالحياة الكريمة وتحرر من ذل هذه الجاهلية، فكان الإسلام هو أساس التعامل بين البشر بتعاليمه السمحة الميسرة التى لا تصادم فطرة الإنسان، {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} [الأنفال:24] {أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها} [الأنعام: 122].
فكانت دعوة الإسلام إنقاذاً للبشرية من براثن الجهالة والضلال، ودخل الناس الإسلام وهم متعطشون إلى الحرية مشتاقون إلى السلامة والتآخي والتحاب في الله فنفضوا عن رؤوسهم غبار العبودية والاضطهاد.. فأقبلوا على رسول الإسلام يستمعون منه ما يبهرهم من تعاليم ترفع شأن الإنسان وتعطيه الحق في الحياة الكريمة، والعيش بين الناس تحت مظلة الإسلام دون تعصب لجنس أو لون.. {يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير} [الحجرات: 13].

أيها المسلمون:

جاء الإسلام فحث الناس على الاتجاه والتآلف والتحاب، وعلمهم أن الأمة تؤتي فاعليتها في ظل وحدة منظمة قوامها العمل الصالح والعقيدة السليمة... فكانت الدعوة إلى وحدة الصف. {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} [الأنبياء: 92] ولا قوة ولا هيبة للأمة بدون هذه الوحدة، ولا تتأتى هذه الوحدة بدون قلوب مؤمنة فهمت تعاليم الإسلام وطبقتها في حياتها كلها، في البيت وفي العمل حتى في الشارع، نعرف أخلاق الناس حين يسيرون فيه: فمنهم المتغطرس الذي يتصرف بما يلحق الضرر بالآخرين، ومنهم المختل الذي لا يراعي شعور الناس، وهذا حق عام يتمتع به الجميع، فكان من تعاليم الله تعالى: {ولا تمش فى الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا} [الإسراء: 37]. {واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} [لقمان: 19].

( 3 )

إن الذي يدخل إلى بلد من البلاد فيرى فيها سلوكيات أقرب إلى حركات السوائم منها إلى حركات الإنسان المستقيم، فيرى أصواتاً عالية صاخبة، وعدم مراعاة لشعور الغير فلا احترام لكبير ولا رحمة لضعيف وصغير، ولا توقير لعالم، ولا أدب في الأخذ والعطاء، ولا أمانة في التعامل، إنما يحكم على هؤلاء بأنهم مجموعة من الذئاب البشرية، أو من الغوغائية الذين لا يعرفون حقيقة أمر الحياة يقول الرسول(صلي الله عليه وسلم) "إن الله يبغض كل جعظري جواظ صخاب في الأسواق" [رواه البيهقي] والجعظري: الغليظ المتكبر، و الجواظ: الجموع المنوع.
ويقول(صلي الله عليه وسلم): "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا" [رواه الترمذي] [نزهة المتقين].

أيها المسلمون:

إن حالة التنافر التي تعتري المجتمعات اليوم فتحدث خللاً في سلوكياتها إنما نتجت عن ضعف الوازع الديني والأخلاقي عند هؤلاء الناس، لأن المسلم يتخلق بأخلاق الله فلا نراه قاسي القلب لأن الرحمة سكنت قلبه وملأت نفسه فهو يتعامل بها بين الناس لأن الله رحيم ولأن الرسول(صلي الله عليه وسلم) الرحمة المهداة، والمسلم يقتدي بالله ورسوله فهو يمد يده للقريب والبعيد ليفيض عليه من الرحمة التى ملأت قلبه بصرف النظر عن الجنس واللون، فالله هو القائل: {ورحمتي وسعت كل شيء} [الأعراف: 156].
إن مجتمع الإسلام مجتمع الرحمة والله تعالى وصفهم بقوله: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} [الفتح: 29] وهذه الرحمة تكون للعامة وليست للقريب فحسب، فالإسلام ربط الناس جميعاً برباط قوي فوق مستوى العائلة والقبيلة يقول الله تعالى: {إن رحمة الله قريب من المحسنين} [الأعراف: 56]، ويقول الرسول: (صلي الله عليه وسلم) "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله" [متفق عليه].

أيها المسلمون:

( 4 )

إن المسلم لا بد أن يكون دعاية حسنة للإسلام وليس دعاية سيئة له وإذا أخلص الإنسان لله أحب أخاه المسلم لله، وأحب وطنه لله، وأعني بحبه لوطنه ليس حب الطين والتراب الموجود في أرض الوطن، ولكن حب الإنسان الذي هو محبوب الله في الأرض وأعز خلق الله وهذا يجعل حب الوطـن من الإيمان، إن دعوى الوطنية أصبحت عبارة ذائعة الآن بين فئات من الناس، لكن ليس لها مدلول بين هذه الفئات ولو أخذوا بحقيقتها لأخذوا بيد الوطن إلى بر الأمان، إن سـلفنا الصالح ملأوا الدنيا بالعمل الصالح من السلوكيات والأخلاقيات الطيبة حتى عرفوا يين الناس بأخلاقهم قبل أن يعرف الناس دينهم فلما عرفوه اتبعوهم لما وجدوه فيهم من صفات تشجع على الدخول في هذا الدين.

لقد أسلم أحد الفلاسفة الغربيين وهو رجاء جارودي الذي حسن إسلامه عن علم وبحث، ثم ذهب الرجل لأداء فريضة الحج فوجد تصرفات المسلمين سيئة للغاية، ليس هناك نظام ولا تعاليم إسلام مطبقة ولا تراحم ولا شيء من هذه التعاليم إلا النزر اليسير فقال عبارة لها مدلولها قال: الحمد لله الذي عرفني بالإسلام قبل أن يعرفني بالمسلمين، إن مدلول هذه الكلمة أن الإسلام لا يؤخذ من واقع المسلمين الآن لأنه ليس مطبقاً واقعياً وإنما هو حبيس الكتب فقط فإذا نظرنا إلى تعاليم الإسلام ثم نظرنا إلى واقع المسلمين نجد هوة سحيقة بين الواقع والتعاليم وهذا الأمر فتنة للناس جميعاً تجعل الناس يقولون: لو كان في دينهم خير لاتبعوه. {ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم} [الممتحنة: 5].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.