المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية ... ابن تيميه


محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:25 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبو عبدالله محمد بن عمر الرازي
الحمد لله الواجب وجوده وبقاؤه الممتنع تغيره وفناؤه العظيم قدره واستعلاؤه العميم نعماؤه وآلاؤه الدال على وحدانيته أرضه وسماؤه المتعالي عن شوائب التشبيه والتعطيل صفاته وأسماؤه فاستواؤه قهره واستيلاؤه ونزوله بره وعطاؤه ومجيئه حكمه وقضاؤه ووجهه وجوده أو وجوده وحباؤه وعينه حفظه وعونه اجتباؤه وضحكه عفوه أو إذنه وارتضاؤه ويده وإنعامه وإكرامه واصطفاؤه ولا يجري في الدارين من أفعاله إلا ما يريد ويشاؤه العظمة إزاره والكبرياء رداؤه # أحمده على جزيل نعمه وجميل كرمه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا # أما بعد فإني وإن كنت ساكنا في أقاصي بلاد المشرق إلا أني سمعت أهل المشرق والمغرب مطبقين متفقين على أن السلطان المعظم العالم العادل المجاهد سيف الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين أفضل سلاطين الحق واليقين أبا بكر بن أيوب لا زالت آيات راياته في تقوية الدين الحق والمذهب الصدق متصاعدة إلى عنان السماء وآثار أنوار قدرته ومكنته باقية بحسب تعاقب الصباح والمساء أفضل الملوك وأكمل السلاطين في آيات الفصل وبينات

الصدق وتقوية الدين القويم ونصرة الصراط المستقيم فأردت أن أتحفه بتحفة سنية وهدية مرضية فأتحفته بهذا الكتاب الذي سميته بأساس التقديس على بعد الدار وتباين الأقطار وسألت الله الكريم أن ينفعه به في الدارين بفضله وكرمه ورتبته على أربعة أقسام # القسم الأول في الدلائل على أنه تعالى منزه عن الجسمية والحيز وفيه فصول
الفصل الأول # في تقرير المقدمات التي يجب إيرادها قبل الخوض في الدلائل وهي ثلاثة المقدمة الأولى اعلم أنا ندعي وجود موجود لا يمكن أن يشار إليه بالحس أنه ههنا أو هناك أو نقول أنا ندعي وجود موجود غير مختص بشيء من الأحياز والجهات أو نقول إنا ندعي وجود موجود غير حال في العالم ولا مباين عنه في شيء من الجهات الست التي للعالم هذه العبارات متفاوتة والمقصود من الكل شيء واحد # ومن المخالفين من يدعي أن فساد هذه المقدمات معلوم بالضرورة وقالوا لأن العلم الضروري حاصل بأن كل موجودين فإنه لا بد وأن يكون أحدهما حالا في الآخر أو مباينا عنه بجهة من الجهات الست المحيطة به قالوا وإثبات موجودين على خلاف هذه الأقسام السبعة باطل في بداية العقول # واعلم أنه لو ثبت كون هذه المقدمة بديهية لم كن الخوض في ذكر الدلائل جائزا لأن على تقدير أن يكون الأمر على ما قالوه كان الشروع في الاستدلال على كون الله تعالى غير حال في العالم ولا مباين عنه بالجهة إبطالا للضروريات

والقدح في الضروريات بالنظريات يقتضي القدح في الأصل بالفرع وذلك يوجب تطرق الطعن إلى الأصل والفرع معا وهو باطل بل يجب علينا بيان أن هذه المقدمة ليست من المقدمات البديهية حتى يزول هذا الأشكال فنقول الذي يدل على أن هذه المقدمات ليست بديهية وجوه # الأول أن جمهور العقلاء المعتبرين اتفقوا على أنه تعالى ليس بمتحيز ولا مختص بشيء من الجهات وأنه تعالى غير حال في العالم ولا مباين عنه في شيء من الجهات ولو كان فساد هذه المقدمات معلوما بالبديهة لكان إطباق أكثر العقلاء على إنكارها ممتنعا لأن الجمع العظيم من العقلاء لا يجوز إطباقهم على إنكار الضروريات بل نقول الفلاسفة اتفقوا على إثبات موجودات ليست بمتحيزة ولا حالة في المتحيز مثل العقول والنفوس والهيولى بل زعموا أن الشيء الذي يشير إليه كل إنسان بقوله أنا موجود ليس بجسم ولا جسماني ولم يقل أحد بأنهم في هذه الدعوى منكرون للبديهيات بل جمع عظيم من المسلمين اختاروا مذهبهم مثل معمر بن عباد السلمي من المعتزلة ومثل محمد بن النعمان من الرافضة ومثل أبي القاسم الراغب وأبي حامد الغزالي من أصحابنا وإذا كان الأمر كذلك فكيف يمكن أن يقال بأن الله تعالى ليس بمتحيز ولا حال في المتحيز قول مدفوع في بداية العقول

ولا خارجه لم يقل أحد من العقلاء أنه معلوم بالضرورة وكذلك سائر لوازم هذا القول مثل كونه ليس بجسم ولا متحيز ونحو ذلك لم يقل أحد من العقلاء إن هذا النفي معلوم بالضرورة بل عامة ما يدعى في ذلك أنه من العلوم النظرية والعلوم النظرية لا بد أن تنتهي إلى مقدمات ضرورية وإلا لزم الدور القبلي والتسلسل فيما له مبدأ حادث وكل هذين معلوم الفساد بالضرورة متفق على فساده بين العقلاء # وقال مما يبين أن هذه القضية حق أن جميع الكتب المنزلة من السماء وجميع الأنبياء جاؤوا بما يوافقها لا بنا يخالفها وكذلك سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم يوافقون مقتضاها لا يخالفونها ولم يخالف هذه القضية الضرورية من له في الأمة لسان صدق بل أكثر أهل الكلام والفلسفة يقولون بموجبها وإنما خالفها طائفة من المتفلسفة وطائفة من المتكلمين كالمعتزلة ومن اتبعهم والذين خالفوها عقلاؤهم وعلماؤهم تناقضوا في ذلك وادعوا الضرورة في قضايا من جنسها وهي أبين منها ومن أنكر منهم ذلك أدى به الأمر إلى جحد عامة الضروريات والحسيات # يبين ذلك أن الذين قالوا إن الخالق سبحانه ليس هو جسم ولا متحيز تنازعوا بعد ذلك هل هو فوق العالم أم ليس فوق العالم فقال طوائف كثيرة هو فوق العالم بل هو فوق العرش وهو مع هذا ليس بجسم ولا متحيز وهذا يقوله طوائف من الكلابية والكرامية والأشعرية وطوائف من أتباع الأئمة من الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية وأهل الحديث والصوفية وهذا هو الذي حكاه الأشعري عن أهل الحديث والسنة وقال طوائف منهم ليس فوق العالم ولا فوق العالم شيء أصلا ولا فوق العرش شيء وهذا قول الجهمية والمعتزلة

وطوائف من متأخري الأشعرية والفلاسفة النفاة والقرامطة الباطنية أو أنه في كل مكان بذاته كما يقول ذلك طوائف من عبادهم ومتكلميهم وصوفيتهم وعامتهم ومنهم من يقول ليس هو داخلا فيه ولا خارجا عنه ولا حالا فيه وليس في مكان من الأمكنة فهؤلاء ينفون عنه الوصفين المتقابلين جميعا وهذا قول طوائف من متكلميهم ونظارهم والأول هو الغالب على عامتهم وعبادهم وأهل المعرفة والتحقيق منهم والثاني هو الغالب على نظارهم ومتكلميهم وأهل البحث منهم والقياس فيهم وكثير منهم يجمع بين القولين ففي حال نظره وبحثه يقول بسلب الوصفين المتقابلين كليهما فيقول لا هو داخل العالم ولا خارجه وفي حال تعبده وتألهه يقول بأنه في كل مكان ولا يخلو منه شيء # وهذه المقالات فسادها معلوم بالضرورة العقلية وإن كان قد تواطأ عليها جماعة كثيرة فإن الجماعة الذين يقلدون مذهبا تلقاه بعضهم عن بعض يجوز اتفاقهم على جحد الضروريات كما يجوز الاتفاق على الكذب مع المواطئة والاتفاق ولهذا يوجد في أهل المذاهب الباطلة كالنصارى والرافضة والفلاسفة من يصر على القول الذي يعلم فساده بالضرورة وإنما الممتنع ما يمتنع على أهل التواتر وهو اتفاق الجماعة العظيمة على الكذب من غير مواطأة ولا اتفاق فيمتنع عليهم جحد ما يعلم ثبوته بالاضطرار وإثبات ما يعلم نفيه بالاضطرار لأن هذا اتفاق على الكذب وأهل التواتر لا يتصور منهم الكذب فأما إذا لقنوا قولا بشبهة وحجج واعتقدوا صحته جاز أن يصروا على اعتقاده وإن كان مخالفا لضرورة العقل وإن كانوا جماعة عظيمة ولهذا يطبع الله على قلوب الكفار فلا يعرفون الحق قال الله تعالى ^ ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ^ وقال تعالى ^ فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ^ وقال تعالى ^ كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ^ وإنما تؤخذ

الضروريات من القلوب السليمة والعقول المستقيمة التي لم تمرض بما تقلدته من العقائد وتعودته من المقاصد # وقال الشيخ قالت المثبتة إنما أثبته هؤلاء المتفلسفة من موجودات ممكنة ليست أجساما ولا أعراضا قائمة بالأجسام كالعقل والنفس والهيولى والصورة التي يدعون أنها جواهر عقلية موجودة خارج الذهن ليست أجساما ولا أعرضا لأجسام فإن أئمة أهل النظر يقولون إن فسادها هذا معلوم بالضرورة كما ذكر ذلك أبو المعالي الجويني وأمثاله من أئمة النظر والكلام ومن لم يهتد لهذا كالشهرستاني والرازي والآمدي ونحوهم فهم ناظروا الفلاسفة مناظرة ضعيفة ولم يثبتوا فساد أصولهم كما بين ذلك أئمة النظر الذين هم أجل منهم وسلم هؤلاء الفلاسفة مقدمات باطلة استزلوهم بها عن أشياء من الحق بخلاف أئمة أهل النظر كالقاضي أبي بكر وأبي المعالي الجويني وأبي حامد الغزالي وأبي الحسين البصري وأبي عبدالله بن الهيصم الكرامي وأبي الوفاء علي بن عقيل ومن قبل هؤلاء مثل أبي علي الجبائي وابنه أبي هاشم وأبي الحسين الأشعري والحسن بن يحيى النوبختي ومن قبل هؤلاء كأبي عبدالله محمد بن كرام وابن كلاب وجعفر بن مبشر وجعفر بن حرب وأبي إسحاق النظام وأبي الهذيل العلاف وعمرو بن بحر الجاحظ وهشام الجواليقي وهشام بن الحكم وحسين بن محمد النجار وضرار بن عمرو الكوفي وأبي عيسى محمد بن عيسى برغوث وحفص الفرد وغير هؤلاء ممن لا يحصيهم إلا الله من أئمة أهل النظر والكلام فإن مناظرة هؤلاء للمتفلسفة خير من مناظرة أولئك

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:25 AM
# وهؤلاء وغيرهم لا يسلمون للفلاسفة إمكان وجود ممكن لا هو جسم ولا قائم بجسم بل قد صرح أئمتهم بأن بطلان القسم الثالث معلوم بالضرورة بل قد بين أبو محمد عبدالله بن سعيد بن كلاب إمام الصفاتية كأبي العباس القلانسي وأبي الحسن الأشعري وأبي عبدالله بن مجاهد وغيرهم من انحصار الموجودات في المباين والمحايث وأن قول من أثبت موجودا غير مباين ولا محايث معلوم الفساد بالضرورة مثل ما بين أولئك انحصار الممكنات في الأجسام وأعراضها وأبلغ # وطوائف من النظار قالوا ما ثم موجود إلا جسم أو قائم بجسم إذا فسر الجسم بالمعنى الاصطلاحي لا اللغوي كما هو مستقر في فطر العامة وهذا قول كثير من الفلاسفة أو أكثرهم وكذلك أيضا الأئمة الكبار كالإمام أحمد في رده على الجهمية وعبدالعزيز المكي في رده على الجهمية وعبد العزيز المكي في رده على الجهمية وغيرهما بينوا أن ما ادعاه النفاة من إثبات قسم ثالث ليس بمباين ولا محايث معلوم الفساد بصريح العقل وأن هذه من القضايا البينة التي يعلمها العقلاء بعقولهم # وإثبات لفظ الجسم ونفيه بدعة لم يتكلم به أحد من السلف والأئمة كما لم يثبتوا لفظ التحيز ولا نفوه ولا لفظ الجهة ولا نفوه ولكن أثبتوا الصفات التي جاء بها الكتاب والسنة ونفوا مماثلة المخلوقات # ومن نظر في كلام الناس في هذا الباب وجد عامة المشهورين بالعقل والعلم يصرحون بأن إثبات وجود موجود لا محايث للآخر ولا مباين ونحو ذلك معلوم بصريح العقل وضرورته

# ومما يوضح الأمر في ذلك أن النفاة ليس لهم دليل واحد اتفقوا على مقدماته بل كان كل طائفة تقدح في دليل الأخرى فالفلاسفة تقدح في دليل المعتزلة على نفي الصفات بل على نفي الجسم والتحيز ونحو ذلك لأن دليل المعتزلة مبني على أن القديم لا يكون محلا للصفات والحركات فلا يكون جسما ولا متحيزا لأن الصفات أعراض وهم يستدلون على حدوث الجسم بحدوث الأعراض والحركات وأن الجسم لا يخلو منها وما لم يخل من الحوادث فهو حادث بل الأشعري نفسه ذكر في رسالته إلى أهل الثغر أن هذا الدليل الذي استدلوا به على حدوث العالم وهو الاستدلال على حدوث الأجسام بحدوث أعراضها هو دليل محرم في شرائع الأنبياء لم يستدل به أحد من الرسل وأتباعهم وذكر في مصنف له آخر بيان عجز المعتزلة عن إقامة الدليل على نفي أنه جسم وأبو حامد الغزالي وغيره من أئمة النظر بينوا فساد طريق الفلاسفة التي نفوا بها الصفات وبينوا عجزهم عن إقامة دليل على نفي أنه جسم بل وعجزهم عن إقامة دليل على التوحيد وأنه لا يمكن نفي الجسم إلا بالطريق الأول الذي هو طريق المعتزلة الذي ذكر فيه الأشعري ما ذكر # فإذا كان كل من أذكياء النظار وفضلائهم يقدح في مقدمات دليل الفريق الآخر الذي يزعم أنه بنى عليه النفي كان في هذا دليل على أن تلك المقدمات ليست ضرورية إذ الضروريات لا يمكن القدح فيها وإن قيل إن هؤلاء قدحوا في هذه المقدمات قيل فإذا جوزتم على أئمة النفاة أن يقدحوا بالباطل في المقدمات الضرورية فا التي يستدل بها أهل الإثبات أولى وأحرى # وقد بسط في غير هذا الموضع الكلام على أدلة النفاة ومقدمات تلك الأدلة على وجه التفصيل بحيث يبين لكل ذي عقل خروج أصحابها عن سواء السبيل وأنهم قوم سفسطوا في العقليات وقرمطوا في السمعيات ما ليس معهم على نفيهم لا عقل ولا سمع ولا رأي سديد ولا شرع بل معهم شبهات يظنها من لم يتأملها

بينات ^ كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب ^ ولهذا تغلب عليهم الحيرة والارتياب والشك والاضطراب وقد صارت تلك الشبهات عندهم مقدمات مسلمة يظنونها عقليات أو برهانيات وإنما هي مسلمات لما فيها من الاشتراك والاشتباه فلا تجد لهم مقدمة إلا وفيها ألفاظ مشتبهة فيها من الإجمال والالتباس ما يضل بها من يضل من الناس وكيف تكون النتيجة المثبتة بمثل هذه المقدمات دافعة لتلك القضايا الضروريات # وهذا الذي قد نبه عليه في هذا المقام كلما أمعن الناظر فيه وفيما تكلم أهل النفي فيه ازداد بصيرة ومعرفة بما فيه فإنه لا يتصور أن يبني النفي على مقدمات ضرورية تساوى في جزم العقل بها مقدمات أهل الإثبات الجازمة لفساد نتيجتهم وهو قولهم إنه موجود لا داخل العالم ولا خارجه جزما لا يساويه فيه جزم العقل بالمقدمات التي تبنى عليها هذه النتيجة الثابتة امتنع أن يزول ذلك الجزم العقلي الضروري بنتيجة ليست مثله في الجزم # وهذا الكلام قبل النظر في تلك المقدمات المعارضة لهذا الجزم هل هي صحيحة أو فاسدة وإنما المقصود هنا أنه لا يصح للمناظرة ولا يقبل في المناظرة أن يعارض هذا الجزم المستقر في الفطرة بما يزعمه من الأدلة النظرية وهذا المقام كاف في دفعه وإن لم تحل شبهاته كما يكفي في دفع السوفسطائي أن يقال إنما تنفيه قضايا ضرورية فلا يقبل نفيها بما يذكر من الشبهة النظرية # قال أبو عبدالله الرازي # الثاني أنا إذا عرضنا على العقل وجود موجود لا يكون حالا في العالم ولا مباينا

عنه في شيء من الجهات الست وعرضنا على العقل أيضا أن الواحد نصف الاثنين وأن النفي والإثبات لا يجتمعان وجدنا العقل متوقفا في المقدمة الأولى جازما في المقدمة الثانية وهذا التفاوت معلوم بالضرورة وذلك يدل على أن العقل غير قاطع في المقدمة الأولى لا بالنفي ولا بالإثبات غاية ما في الباب أنا نجد من أنفسنا ميلا إلى القول بأن كل ما سوى العالم لا بد وأن يكون حالا فيه أو مباينا عنه بالجهة والحيز إلا أنا نقول لما رأينا أن العقل لم يجزم بهذه المقدمة مثل جزمه بأن الواحد نصف الاثنين علمنا أنه غير قاطع بأن ما سوى العالم لا بد وأن يكون حالا فيه أو مباينا عنه بالجهة بل هو مجوز لنقيضه وإذا ثبت هذا فنقول إن ذلك الظن إنما حصل بسبب أن الوهم والخيال لا يتصرفان إلا في المحسوسات فلا جرم كان من شأنهما أنهما يقضيان على كل شيء بالأحكام اللأئقة بالمحسوسات فهذا الميل إنما جاء بسبب الوهم والخيال لا بسبب العقل البتة # وقال الشيخ وأما قوله إن التقسيم إلى مباين ومحايث لا يعلم فساده كما لا يعلم فساد أن الواحد نصف الاثنين فنقول إن القضايا الضرورية ليس من شرطها أن تكون مفرداتها بينة لكل أحد بل شرطها أن تكون مفرداتها إذا تصورت جزم العقل بها وتصور الواحد نصف الاثنين بين لكل أحد فلهذا كان التصديق التابع له أبين من غيره ولهذا لم يكن هذا في العقل كبيان أن خمسة وخمسين وربعا وثمنا نصف مائة وعشرة ونصف وربع وكلاهما ضروري ونظائر هذا كثيرة ومعنى المباين والمحابين ليس بينا ابتداء إذ اللفظ فيه إجمال كما تقدم ولكن إذا بين معناه لأهل العقل جزموا بانتفاء قسم ثالث كما أن معنى القديم والمحدث والواجب والممكن والجوهر والعرض ونحو ذلك

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:26 AM
لما لم يكن بينا بنفسه لعامة العقلاء لم يجزموا بانحصار الموجود في هذين القسمين فإذا بين لهم المعنى جزموا بذلك # فإذاقيل للعقلاء موجودان قائمان بأنفسهما لا يكون هذا خارجا عن الآخر مباينا له ولا داخلا فيه ولا بعيدا ولاقريبا منه ولا بعيدا عنه ولا فوقه ولا تحته ولا عن يمينه ولا عن يساره ولا أمامه ولا وراءه ولا يتصور أن يشير أحدهما إلى الآخر ولا يذهب إليه ولا يقرب منه ولا يبعد عنه ولا يتحرك إليه ولا عنه ولا يقبل إليه ولا يعرض عنه ولا يحتجب عنه ولا يتجلى له ولا يظهر لعينه ولا يستتر عنه وأمثال هذه المعاني التي يقولها النفاة علم العقلاء بالاضطرار امتناع وجود هذين # قال أبو عبد الله الرازي # الثالث أنا إذا قلنا الموجود إما أن يكون متحيزا أو حالا في المتحيز أولا متحيزا ولا حالا في المتحيز وجدنا العقل قاطعا بصحة هذا التقسيم ولو قلنا الموجود إما أن يكون متحيزا أو حالا في المتحيز واقتصرنا على هذا القدر علمنا بالضرورة أن هذا التقسيم غير تام ولا منحصر لأنه لا يتم إلا بضم القسم الثالث وهو أن يقال وإما أن لا يكون متحيدا ولا حالا في المتحيز وإذا كان الأمر كذلك علمنا بالضرورة أن احتمال هذا القسم وهو وجود موجود لا يكون متحيزا ولا حالا في المتحيز قائم في العقول من غير مدافعة ولا منازعة وأنه لا يمكن الجزم بنفيه ولا بإثباته إلا بدليل منفصل # وقوله إذا قدر موجود ليس بمتحيز ولا في جهة يصح فيه هذا التقسيم

فيقال له ثبوته على هذا التقدير لا يقتضي ثبوته في نفس الأمر إلا أن يكون التقدير ثابتا في نفس الأمر وهذا التقسيم ينفي ثبوت هذا التقدير في نفس الأمر وإذا كان التقسيم معلوما بالاضطرار كان من لوازم ذلك انتفاء هذا التقدير فلا يقبل إثبات هذا التقدير بالنظر لأن ذلك يتضمن القدح في الضروري بالنظري وإذا لم يكن إلى إثبات هذا التقدير سبيل لم يضر فساد التقسيم بتقدير ثبوته لأن ذلك يتضمن فساد التقسيم بتقدير ثبوت ما لم يثبت ولا يمكن إثباته # وأيضا فلو قدر أن إثبات هذا التقدير ممكن كان هذا من باب المعارضة لا من باب منع شيء من المقدمات والمعارضة تحتاج إلى إقامة الدليل ابتداء وصار هذا الاعتراض بمنزلة أن يقال إذا قدر موجد ليس بقديم ولا محدث لم يصح تقسيم الموجود إلى محدث وقديم وإذا قدر موجود ليس بواجب ولا ممكن ولا قائم بغيره لم يصح تقسيم الموجود إلى الواجب والممكن والقائم بنفسه والقائم بغيره ومعلوم أن التقسيم المعلوم بالاضطرار لا يفسد بتقدير نقيضه أو ما يستلزم نقيضه وإنما يفسد التقسيم بثبوت ما يناقضه فإذا كان المناقض لا يعلم إلا بالنظر لم يصح أن يكون مناقضا فعلم أن هذا من باب معارضة الضروري بالنظري فلا يكون مقبولا ولا يكون حقا # وهذا كما قال القرمطي الباطني لا أقول هو موجود ولا معدوم ولا عالم ولا جاهل ولا قادر ولا عاجز لأن ذلك من صفات الأجسام فإن الجسم ينقسم إلى حي وميت وعالم وجاهل وقادر وعاجز وموجود ومعدوم فإذا قدرنا ما ليس بجسم لم يكن عالما ولا جاهلا ولا قادرا ولا عاجزا ولا حيا ولا ميتا كان كلام القرمطي هذا بمنزلة كلام هؤلاء الجهمية أنه لا داخل العالم ولا خارجه وقول جهم والقرامطة من جنس واحد كما نقله عن الفريقين أصحاب المقالات وقالوا إنه لا يقال هو شيء ولا ليس

بشيء فمن نفى عنه هذه المتقابلات التي لا بد للموجود من أحدهما لم يمكنه قطع القرامطة ولهذا كانت مناظرة هؤلاء للقرامطة مناظرة ضعيفة كما هو مبسوط في موضعه # قال أبو عبدالله الرازي الرابع إنا نعلم بالضرورة أن أشخاص الناس مشتركة في مفهوم الإنسانية ومتباينة بخصوصياتها وتعيناتها وما به المشاركة غير ما به الممايزة وهذا يقتضي أن يقال الإنسانية من حيث هي إنسانية مجرد عن الشكل المعين فالإنسانية من حيث هي هي معقول مجرد فقد أخرج البحث والتفتيش عن المحسوس ما هو معقول مجرد وإذا كان كذلك فكيف يستبعد في العقل أن يكون خالق المحسوسات منزها عن لواحق الحس وعلائق الخيال # قال الشيخ رحمة الله قالت المثبتة ما ذكرتموه من الحجج على إثبات موجود لا داخل العالم ولا خارجه حجج سوفطائي أما الإنسانية المشتركة بين الأناسي ونحوها من الكليات فهذه لا يقال إنها موجودة خارج الذهن لا داخل العالم ولا خارجه فإنها أمور ثابتة في الذهن والتصور وإذا قيل إنها موجودة في الخارج فلا بد أن تكون عينا قائمة بنفسها أو صفة قائمة بالعين ولا ريب أنها لا توجد في الخارج كلية مطلقة بشرط ما هو معقول بشرط الإطلاق وإنما توجد في الخارج معينة مشخصة فقول القائل إن التفتيش يخرج من المحسوس ما هو معقول إن أراد به أنه معقول ثابت في العقل فما هو ثابت في العقل ليس هو الموجود في الخارج بعينه وإن أراد أن في المحسوس الموجود في الخارج أمرا معقولا ليس هو في الذهن فهذا باطل فليس في الإنسان المعين إلا ما هو معين وهو هذا الإنسان المعين بدنه وروحه وصفاته وهذا كله أمر معين مقيد

مشخص ليس هو كليا ولا مطلقا # الوجه العاشر قوله وإذا كان كذلك فكيف يستبعد في العقل أن يكون خالق المحسوسات منزها عن لواحق الحس وعلائق الخيال # يقال له أنت الذي جعلته متخيلا لا حقيقة له في الخارج حيث جعلت وجوده من جنس وجود الأمور الذهنية التي لا توجد إلا في الذهن والخيال وهذا قول بأنه متخيل لا حقيقة له بمنزلة إلا فك المفترى والكذب المختلق فإن هذه الأمور كلها لها وجود في الذهن والخيال وليس لها حقيقة في الخارج وهذا هو التخيل المذموم وهو أن يتخيل العبد ما ليس له حقيقة موجودة وأما تخيل الأمور الموجودة مثلما يراه النائم في منامه من الرؤئيا المطابقة للخارج فهذا ليس بمذموم ولا معيب بل هو حق في بابه وأما تخيل الأمور الموجودة المحسوسة على ما هي عليه موجودة في الخارج فهذا حق باطنا وظاهرا وإنكار هذا سفطسة كإنكار المحسوسات الموجودة # الوجه الحادي عشر قوله لواحق الحس أن عنى به أن الحس لا يلحقه أي لا يدركه ولا يحيط به فلا الحس يحيط به ولا العقل فلا اختصاص للحس بذلك وإن عنى أنه لا يحس أي لا يرى فهذا ممنوع باطل وهم لا يتظاهرون بإنكار ذلك وإن كانوا في الحقيقة موافقين لمن أنكره ولولا أن هذا ليس موضعه لذكرناه # الوجه الثاني عشر أن قوله لواحق الحس وعلائق الخيال ظاهر لفظه هو ما يلحق الحس ولا يخلو أن يريد به نفي ما يلحق الحس أو المحسوس وما يتعلق بالخيال أو التخيل أو يريد به أنه لا يلحقه الحس ولا يتعلق به الخيال فإن

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:27 AM
أراد الأول وهو مقتضى اللفظ لزم في ذلك أن كلما يوصف به الحس أو المحسوس أو الخيال أو التخيل لا يوصف به ومعلوم أن ذلك يوصف بأنه موجود وثابت وحق ومعلوم ومذكور وموصوف ونحو ذلك مما لا نزاع في أن الله يوصف به وإن أراد الثاني وهو الذي أراده والله أعلم وإن كان قد قصر في دلالة اللفظ عليه كان مضمونه أنه لا يحس بحال فإن أراد به ما يستلزم أنه لا يرى ولا يسمع كلامه فهذا ممنوع وهو باطل وإن أراد به لا يكون كالمحسوسات في إدراك الحس له فيقال ولا هو كالمعلومات والمعقولات في تعلق العلم به فإن الله ليس كمثله شيء بوجه من الوجوه كما قد بيناه في غير هذا الموضع # الوجه الثالث عشر إن طوائف يفرقون بين كونه معقولا وكونه محسوسا حتى يقول النفاة منهم لا يعلم إلا بإشارة العقل وقد يقولون إنه من قسم الحقائق المعقولة دون المحسوسة ونحو ذلك فيقال هذا اللفظ فيه إجمال وإيهام فإن أرادوا أنه في الدنيا لا يعرف إلا بالقلب لا يشهد بالبصر الظاهر وغيره من الحواس فهذا حق لكن ما يعرفه القلب ويشهده القلب ويحسه القلب ونحو ذلك أعم من أن يكون معقولا محضا فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت وقد اتفق على ذلك سلف الأمة وأئمتها ولم يتنازعوا إلا في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم وحده وإن نازع في غيره بعض من لم يعرف السنة ومذهب الجماعة من بعض المتكلمة وجهال المتصوفة ونحوهم # وإن أراد أنه لا يرى في الدنيا والآخرة ولا يمكن رؤيته فهذا مذهب

الجهمية والمعتزلة له في ذلك معروف وقد ثبت بالكتاب والسنة واتفاق سلف الأمة وأئمتها بل وبصرائح العقل بطلان هذا المذهب # وإن أراد أنه من باب ما يعقله القلب من الأمور المعقولة التي لا يصح تكون محسوسة فيقال له المعقولات المحضة هي الأمور الكلية فإن الإنسان إذا أحس بباطنه أو بظاهره بعض الأمور كإحساسه بجوعه وعطشه ورضاه وغضبه وفرحه وحزنه ولذته وألمه وبما يراه ويسمعه بإذنه فتك الأمور أمور معينة موجودة فالعقل يأخذ منها أمرا مطلقا كليا فيعلم جوعا مطلقا وفرحا مطلقا وشما مطلقا وألما مطلقا ونحو ذلك فهذه الكليات معقولات محضة لأنه ليس في الخارج كليات حتى يمكن إحساسها والإحساس إنما يكون بالأمور الموجودة ولهذا قالوا إنه يعلم المعدومات قبل كونها عاما أما السمع والبصر فإنما يكون للموجود ومن قال إنه يرى وقد بسطنا الكلام في غير هذا الموضوع

وإذا كان كذلك فمن أراد هذا المعنى جعله من باب الموجودات في الأذهان لا في الأعيان وهذا حقيقة قول الجهمية الذين يقولون إنه لا يمكن رؤيته وإحساسه فإن كل موجود قائ بنفسه يمكن رؤيته بل كل موجود يمكن إحساسه إما بالرؤية وإما بغيرها فما لا يعرف بشيء في المحسوس لم يكن إلا معدوما حتى إن الصور الذهنية يمكن إحساسها من حيث وجود ذاتها ولكن هي من جهة مطابقتها للمعدومات كلية والمطابقة لها إضافية فهذه معاني ينبغي أن يفطن لها # قال أبو عبدالله الرازي الخامس أن كل ماهية فإنا إذا اعتبرناها بحدها وحقيقتها فإنا قد نعقلها حال غفلتنا عن الوضع والحيز فكيف والإنسان إذا كان مستغرق الفكر في تفهم أن حد العلم ما هو وحد الطبيعة ما هو فإنه في تلك الحالة يكون غافلا عن حقيقة الحيز والمقدار فضلا عن أن يحكم بأن تلك الحقيقة لا بد وأن تكون مختصة بمحل أو جهة وهذا يقتضي أنه يمكننا أن نعقل الماهيات حال ذهولنا عن الحيز والشكل والمقدار # السادس وهو أن الواحد منا حال ما يكون مستغرق الفكر والروية في استخراج مسألة معضلة قد يقول في نفسه إني قد حكمت بكذا أو عقلت فحال ما يقول في نفسه إني عقلت كذا وحكمت بكذا يكون عارفا بنفسه إذ لو لم يكن عارفا بنفسه لامتنع منه أن يحكم على ذاته بأنه حكم بكذا أو عرف كذا مع أنه في تلك الحالة قد يكون غافلا عن معنى الحيز والجهة وعن معنى الشكل والمقدار فضلا عن أن يعلم كون ذاته في الحيز أو كون ذاته موصوفة بالشكل والمقدار فثبت أن العلم بالشيء قد يحصل عند عدم العلم بحيزه وشكله ومقداره وذلك يفيد القطع بأن الشيء المجرد عن الوضع والجهة يصح أن يكون معقولا

# السابع إنا نبصر الأشياء إلا أن القوة الباصرة لا تبصر نفسها وكذلك الخيالية تتخيل الأشياء إلا أن هذه القوة لا يمكنها أن تتخيل نفسها فوجود القوة الباصرة يدل على أنه لا يجب أن يكون كل شيء متخيلا وذلك يفتح باب الاحتمال المذكور # قال شيخ الإسلام قلت قد تقدم الكلام على أصول هذا غير مرة من وجوه متعددة # أحدها أن القصور عن معرفة الشيء غير العلم بانتفائه والمنازع له قال إني أعلم انتفاء موجود لا داخل العالم ولا خارجه لم يقل إني قاصر أو عاجز عن معرفة وجوده # الثاني أن قصور الوهم والخيال لا يستلزم قصور العلم والعقل والحس والمنازع له يقول إن ذلك لا يعلم بعقل ولا غيره فإذا كان غيره معقولا لم يجب أن يكون هذا معقولا
فصل # ثم قال أبو عبدالله الرازي الثامن إن خصومنا لا بد لهم من الاعتراف بوجود شيء على خلاف حكم الحس والخيال لأن خصومنا في هذا الباب إما الكرامية وإما الحنابلة أما الكرامية فإنا إذا قلنا لهم لو كان الله

مشارا إليه بالحس لكان ذلك الشيء إما أن يكون منقسما فيكون مركبا وأنتم لا تقولون بذلك وإما أن يكون غير منقسم فيكون في الصغر والحقارة مثل النقطة التي لا تنقسم ومثل الجزء الذي لا يتجزأ وأنتم لا تقولون بذلك فعند هذا الكلام قالوا إنه واحد منزه عن التركيب والتأليف ومع هذا فإنه ليس بصغير ولا حقير # فقوله خصومنا في هذا الباب إما الكرمية وإما الحنابلة ليس بسديد ولا سيما وهؤلاء الحنابلة الذين وصفهم إن كان لهم وجود فهم صنف من الحنابلة الموجودين في وقته أو قبله بأرض خراسان وغيرها ليسوا من أئمة علماء الحنابلة ولا أفاضلهم فإن هذه الألفاظ التي حكاها عن الحنابلة لا نعرفها عن أحد منهم كما سنذكره # وكذلك هؤلاء الكرامية الذين حكى قولهم بعض الكرامية وإلا فكثير من الكرامية قد يخالفونه فيما حكاه عنهم بل خصومة في هذا الباب جميع الأنبياء والمرسلين وجميع أئمة الدين من الأولين جمع الأنبياء والمرسلين والتعابعين

والآخرين وجميع المؤمنين الباقين على الفطرة الصحيحة دع ما قد تنازع فيه من ذلك فإنهم لا يطلقون على الله هذا الإطلاق الذي ذكره وإن كان فيهم وفي سائر الطوائف من نص بالصفات التي يطلق عليها هو وأمثاله أنها أجزاء وأبعاض لكنهم لا يطلقون الألفاظ الموهمة المحتملة إلا إذا نص الشرع فأما ما لم يرد به الشرع فلا يطلقونه إلا إذا تبين معناه الصحيح الموافق للشرع ونفي المعنى الباطل كالفظ الأجزاء والأبعاض كما سنذكره إنشاء الله وما علمت أحدا من الحنابلة من يطلقه من غير بيان بل كتبهم مصرحة بنفي ذلك المعنى الباطل ومنهم من لا يتكلم في ذلك بنفي ولا إثبات # فلا ريب أن الكتب الموجودة بأيدي الناس تشهد بأن جميع السلف من القرون الثلاثة كانوا على خلاف ما ذكره وأن الأئمة المتبوعين عند الناس والمشايخ المقتدى بهم كانوا على خلاف ما ذكره وهذه أئمة المالكية والشافعية والحنفية وأهل الحديث والصوفية على ذلك بل أئمة الصفاتية من الكلابية

والكرامية واأشعرية على خلاف ما قاله فهذه كتب ابن كلاب إمام طائفته ثم الحارث المحاسبي ونحوه ثم أبي الحسن الأشعري وأئمة أصحابه مثل عبد الله بن مجاهد وأبي الحسن الطبري وأبي العباس القلانسي وغيره كما سيأتي إن شاء الله حكاية قوله وقول غيره والقاضي أبي بكر بن الباقلاني وأبي علي بن شاذان وغيرهم كلهم يقولون بإثبات العلو لله على العرش واستوائه عليه دون ما سواه ويضللون من يفسر ذلك بالاستيلاء والقهر ونحوه كما قد حكينا بعض أقوالهم في جواب الاستفتاء وفي جواب هذه المسائل الموردة عليه وذكرنا أن أبا الحسن الأشعري ذكر أن هذا قول جميع أهل السنة والحديث وبه يقول الرازي وهو قد حكى أيضا في كتبه ذلك عن بعض أئمة أصحابه وذكر للأشعري نفسه قولين وقد تكلمنا على ذلك فكيف يزعم أن خصومه إنما هم الكرامية والحنابلة بل لم يوافقه إلا فريق قليل من أهل القبلة # حتى حذاق الفلاسفة فإنهم من خصومه في هذا الباب كما ذكر القاضي أبو الوليد بن رشد الحفيد الفيلسوف مع فرط اعتنائه بالفلسفة وتعظيمه لها

ومعرفته بها حتى يأخذها من أصولها فيقرأ كتب أرسطو وذويه ويشرحها ويتكلم عليها ويبين خطأ من خالفهم مثل ابن سينا وذويه وصنف كتبا متعددة مثل كتاب تهافت التهافت في الرد على أبي حامد فيما رده على الفلاسفة في كتاب تهافت الفاسفة وكتاب تقرير المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة في الاتصال وغير ذلك قال في كتابه الذي سماه مناهج الأدلة على الأصولية وقد ضمن هذا الكتاب بيان الاعتقاد الذي جاءت به الشريعة ووجوب إلقائه إلى الجمهور كما جاءت به الشريعة وبيان ما يقوم عليه من ذلك البرهان للعلماء كما يقوم به ما يوجب التصديق للجمهور وذكر فيه ما يوجب على طريقته أن لا يصرح به للجمهور وذكر فيه ما يوجب من الأمور التي قام عليها البرهان على طريقة ذويه كما ذكر أنه لا يصلح في الشريعة أن يقال إن الله جسم أو ليس بجسم مع أنه يقول في الباطن أن الله ليس بجسم ومع هذا فأثبت الجهة باطنا وظاهرا وذكر أنه قول الفلاسفة فقال # فإن قيل فما تقول في صفة الجسمية هل هي من الصفات التي صرح الشرع بنفيها عن الخالق أو هي من الصفات المسكوت عنها فنقول إنه من البين من أمر الشرع أنها من الصفات المسكوت عنها وهي إلى التصريح بإثباتها في

الشرع أقرب منها إلى نفيها وذلك أن الشرع قد صرح بالوجه واليدين في غير ما آية من الكتاب العزيز وهذه الآيات قد توهم أن الجسمية هي له من الصفات التي فضل فيها الخالق المخلوق كما فضله في صفة القدرة والإرادة وغير ذاك من الصفات التي هي مشتركة بين الخالق والمخلوق إلا أنها في الخالق أتم وجودا ولهذا صار كثير من أهل الإسلام إلى أن يعتقدوا في الخالق أنه جسم لا يشبه سائر الأجسام وعلى هذا الحنابلة وكثير ممن تبعهم والواجب عندي في هذه الصفة أن يجري فيها على منهاج الشرع فلا يصرح فيها بنفي ولا إثبات ويجاب من سأل عن ذلك من الجمهور بقوله تعالى ^ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ^ وينهى عن هذا السؤال وذلك لثلاثة معان # أحدها أن إدراك هذا المعنى ليس هو قريبا من المعروف بنفسه برتبة واحدة ولا برتبتين ولا ثلاثة وأنت تتبين ذلك من الطريق التي سلكها المتكلمون في ذلك فإنهم قالوا إن الدليل على أنه ليس بجسم أنه قد تبين أن كل جسم محدث وإذا سئلوا عن الطريق التي بها يوقف على أن كل جسم محدث سلكوا في ذلك الطريق التي ذكرناها في حدوث الأعراض وأن مالا يتعرى من الحوادث حادث وقد تبين لك من قولنا أن هذه الطريقة ليست برهانية ولو كانت برهانية لما كان في طباع الغالب من الجمهور أن يصلوا إليها # وأيضا فإن ما يصفه هؤلاء القوم من أنه سبحانه له ذات وصفات زائدة على الذات يوجبون بذلك أنه جسم أكثر مما ينفون عنه الجسمية بدليل انتفاء الحدوث عنه فهذا هو السبب الأول في أنه لم يصرح الشرع بأنه ليس بجسم # وأما السبب الثاني فهو أن الجمهور يرون أن الموجود هو المتخيل والمحسوس وأن ما ليس بمتخيل ولا محسوس فهو عدم فإذا قيل لهم إن ها هنا موجودا ليس

بجسم ارتفع عنهم التخيل فصار عندهم من قبيل المعدوم ولا سيما إذا قيل إنه لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوق ولا أسفل ولهذا اعتقدت الطائفة الذين أثبتوا الجسمية في الطائفة التي تنفيها عنه سبحانه أنها مثبتة واعتقدت الذين نفوها في المثبتة أنها مكثرة # وأما السبب الثالث فهو أنه إذا صرح بنفي الجسمية عرضت في الشرع شكوك كثيرة مما يقال في المعاد وفي غير ذلك فمنها ما يعرض من ذلك في الرؤية التي جاءت بها السنة الثابتة وذلك أن الذين صرحوا بنفيها أي بنفي الجسمية فرقتان المعتزلة والأشعرية فأما المعتزلة فدعاهم 2 هذا الاعتقاد إلى أن نفوا الرؤية وأما الأشعرية فأرادوا أن يجمعوا بين الأمرين فعسر ذلك عليهم ولجئوا في الجمع إلى أقاويل سوفسطائية سنرشد إلى الوهم الذي فيها عند الكلام في الرؤية # ومنها أنه يوجب انتفاء الجهة من بادي الرأي عن الخالق سبحانه كونه ليس بجسم فترجع الشريعة متشابهة وذلك أن بعث الأنبياء ابتنى على أن الوحي نازل عليهم من السماء وعلى ذلك انبنت شريعتنا هذه أعني أن الكتاب العزيز نزل من السماء كما قال تعالى ^ إنا أنزلناه في ليلة مباركة ^ وابنبنى نزول الوحي من السماء على أن الله في السماء وكذلك كون الملائكة تنزل من السماء وتصعد إليها كما قال ^ إليه يصعد الكلم الطيب ^ وقال ^ تعرج الملائكة والروح إليه ^

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:28 AM
# وبالجملة جميع الأشياء التي تلزم القائلين بنفي الجهة على ما سنذكره بعد عند التكلم في الجهة # ومنها أنه إذا صرح بنفي الجسمية وجب التصريح بنفي الحركة فإذا صرح بنفي هذا عسر ما جاء في صفة الحشر من أن الباري يطلع على أهل المحشر وأنه الذي يلي حسابهم كما قال تعالى ^ وجاء ربك والملك صفا صفا ^ وكذلك يصعب تأويل حديث النزول المشهور وإن كان التأويل إليه أقرب منه إلى أمر الحشر مع أن ما جاء في الحشر متواتر في الشرع فيجب أن لا يصرح للجمهور بما يؤول عندهم إلى إبطال هذه الظواهر فإن تأثيرها في نفوس الجمهور إنما هو إذا حملت على ظاهرها وأما إذا أولت فإنما يؤول الأمر فيها إلى أحد أمرين إما أن يسلط التأويل على هذه وأشباه هذه من الشريعة فتتمزق الشريعة كلها وتبطل الحكمة المقصودة منها وإما أن يقال في هذه كلها إنها من المتشابهات وهذا كله إبطال للشريعة ومحو لها من النفوس من غير أن يشعر الفاعل لذلك بعظم ما جناه على الشريعة مع أنك إذا اعتبرت الدلائل التي احتج بها المتأولون لهذه الأشياء تجدها كلها غير برهانية بل الظواهر الشرعية أقنع منها أعني أن التصديق بها أكثر وأنت تتبين ذلك من قولنا في البرهان الذي بنوا عليه نفي الجسمية وكذلك في البرهان الذي بنوا عليه نفي الجهة على ما سنقوله بعد وقد يدلك على أن الشرع لم يقصد التصريح بنفي هذه الصفة للجمهور أن لمكان انتفاء هذه الصفة عن النفس أعني الجسمية لم يصرح الشرع للجمهور بما هي النفس فقال في الكتاب العزيز ^ ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ^ وذلك أنه يعسر البرهان عند الجمهور على وجود موجود قائم بذاته ليس بجسم ولو كان انتفاء هذه الصفة مما يقف عليه الجمهور لاكتفى بذلك الخليل في محاجة الكافر حين قال ^ ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت ^ الآية لأنه كان يكتفي

بأن يقول له أنت جسم والله ليس بجسم لأن كل جسم محدث كما يقول الأشعري وكذلك كان يكتفي بذلك موسى صلى الله عليه وسلم عند محاجته لفرعون في دعواه الألوهية وكذلك كان يكتفي صلى الله عليه وسلم في أمر الدجال في إرشاد المؤمنين إلى كذب ما يدعيه في الربوبية في أنه جسم والله ليس بجسم بل قال عليه السلام إن ربكم ليس بأعور فاكتفى بالدلالة على كذبه بوجود هذه الصفة الناقصة التي ينتفي عند كل أحد وجودها ببديهة العقل في الباري سبحانه فهذه كلها كما ترى بدع حادثة في الإسلام هي السبب فيما عرض فيه من الفرق التي أنبأنا المصطفى صلى الله عليه وسلم أنها ستفترق أمته إليها # فإن قال قائل فإذا لم يصرح الشرع للجمهور لا بأنه جسم ولا بأنه غير جسم فما عسى أن يحاجوا به في جواب ما هو فإن هذا السؤال طبيعي للإنسان وليس يقدر أن ينفك عنه وكذلك ليس يقنع الجمهور أن يقال لهم في موجود وقع الاعتراف به أنه لا ماهية له لأن مالا ماهية له لا ذات له # قلنا الواجب في ذلك أن يجابوا بجواب الشرع فيقال لهم إنه نور فإنه الوصف الذي وصف الله به نفسه في كتابه العزيز على جهة ما يوصف الشيء بالصفة التي هي ذاته فقال ^ الله نور السموات والأرض ^ وبهذا الوصف وصفه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت فإنه لما قيل له هل رأيت ربك قال نور أني أراه وفي حديث الإسراء أنه لما قرب صلى الله عليه وسلم من سدرة المنتهى غشي السدرة من النور ما حجب بصره عن النظر إليها أو إليه سبحانه ففي مسلم أن لله حجابا من نور لو كشف لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره وفي بعض روايات هذا الحديث سبعين حجابا من نور # وينبغي أن يعلم أن هذا المثال هو شديد المناسبة للخالق سبحانه لأنه يجتمع فيه أنه محسوس تعجز الأبصار عن إدراكه وكذلك الأوهام مع أنه ليس بجسم

والموجود عند الجمهور إنما هو المحسوس والمعدوم عندهم غير المحسوس والنور لما كان أشرف المحسوسات وجب أن يمثل به أشرف الموجودات وهنا أيضا سبب آخر موجب أن يسمى به نور وذلك أن حال وجوده في عقول العلماء الراسخين في العلم عند النظر إليه بالعقل هي حال الأبصار عند النظر إلى الشمس بل حال عيون الخفافيش وكان هذا الوصف لائقا عند الصنفين من الناس # وأيضا فإن الله تبارك وتعالى لما كان سبب الموجودات وسبب إدراكنا لها وكان النور مع الألوان هذه صفته أعني أنه سبب وجود الألوان بالفعل وسبب رؤيتنا له فالحق ما سمى الله تبارك وتعالى نفسه نورا وإذا قيل إنه نور لم يعرض شك في الرؤية التي جاءت في المعاد فقد تبين لك في هذا القول موجودا الاعتقاد الأول الذي في هذه الشريعة في هذه الصفة وما حدث في ذلك من البدعة وإنما سكت الشرع عن هذه الصفة لأنه لا يعترف بموجود في الغائب ليس بجسم إلا من أدرك ببرهان أن في المشاهد بهذه الصفة وهي النفس ولما كان الوقوف على معرفة هذا المعنى من النفس مما لا يمكن الجمهور فيهم أن يعقلوا وجود موجود ليس بجسم فلما حجبوا عن معرفة النفس علمنا أنهم حجبوا عن معرفة هذا المعنى من الباري سبحانه وتعالى # قلت وقد تبين في هذا الكلام أنه في الباطن يرى رأي الفلاسفة في النفس أنها ليست بجسم وكذلك في الباري غير أنه يمنع أن يخاطب الجمهور بهذه لأنه ممتنع في عقولهم فضرب لهم أحسن الأمثال وأقربها كما ذكره في اسم النور وهذا قول أئمة الفلاسفة في أمثال هذا من الإيمان بالله واليوم الآخر وقد بين بالحجج الواضحة أن ما يذكره المتكلمون في النفي مخالف للشريعة وهو مصيب في هذا باطنا وظاهرا وقد بين أن ما يذكره المتكلمون في نفي الجسم على الله بحجج ضعيفة وبين فسادها وذكر أن ذلك إنما يعلم إذا علم أن النفس

ليست جسما ومعلوم أن هذا الذي يشير إليه هو وأمثاله من المتفلسفة أضعف مما عابه على المتكلمين فإن المتكلمين أفسدوا حججهم هذه أعظم مما أفسدوا به حجج المتكلمين فيؤخذ من تحقيق الطائفتين بطلان حجج الفريقين على نفي الجسم مع أن دعوى الفلاسفة أن النفس ليست بجسم ولا توصف بحركة ولا سكون ولا دخول ولا خروج وأنه لا يحس إلا بالتصور لا غير يظهر بطلانه وكذلك قولهم في الملائكة وظهور بطلان قول هؤلاء أعظم من ظهور بطلان قول المتكلمين بنحو ذلك في الرب # ثم قال القول في الجهة وأما هذه الصفة فلم يزل أهل الشريعة من أول الأمر يثبتونها لله سبحانه حتى نفتها المعتزلة ثم تبعها على نفيها متأخرو الأشعرية كأبي المعالي ومن اقتدى بقوله وظواهر الشرع كلها تقتضي إثبات الجهة مثل قوله تعالى ^ الرحمن على العرش استوى ^ ومثل قوله تعالى ^ وسع كرسيه السموات والأرض ^ ومثل قوله تعالى ^ ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ^ ومثل قوله تعالى ^ يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ^ ومثل قوله تعالى ^ تعرج الملائكة والروح إليه ^ الآية ومثل قوله تعالى ^ أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور ^ إلى غير ذلك من الآيات التي إن سلط التأويل عليها عاد الشرع كله مؤولا وإن قيل فيها إنها من المتشابهات عاد الشرع كله متشابها لأن الشرائع كلها مبنية على أن الله في السماء وأن منه تنزل الملائكة بالوحي إلى النبيين وأن من السماء نزلت الكتب وإليها كان الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى قرب

من سدرة المنتهى وجميع الحكماء قد اتفقوا على أن الله والملائكة في السماء كما اتفقت جميع الشرائع على ذلك والشبهة التي قادت نفاة الجهة إلى نفيها هي أنهم اعتقدوا أن إثبات الجهة يوجب إثبات المكان وإثبات المكان يوجب إثبات الجسمية ونحن نقول إن هذا كله غير لازم فإن الجهة غير المكان وذلك أن الجهة هي إما سطوح الجسم نفسه المحيطة به وهي ستة وبهذا نقول إن هذا كله غير لازم # قال الرازي أما الكرامية فإذا قلنا لهم لو كان الله تعالى مشارا إليه بالحس لكان ذلك الشيء إما أن يكون منقسما فيكون مركبا وأنتم لا تقولون بذلك وإما أن يكون غير منقسم فيكون في الصغر والحقارة مثل النقطة التي لا تنقسم ومثل الجزء الذي لا يتجزأ وأنتم لا تقولون بذلك فعند هذا الكلام قالوا إنه واحد منزه عن التركيب والتأليف ومع هذا فإنه ليس بصغير ولا حقير ومعلوم أن هذا الذي التزموه مما لا يقبله الحس والخيال بل لا يقبله العقل أيضا لأن المشار إليه بحسب الحس أن حصل له امتداد في الجهات والأحياز كان أحد جانبيه مغايرا للجانب الثاني وذلك يوجب الانقسام في بديهة العقل وإن لم يحصل له امتداد في شيء من الجهات لا في اليمين ولا في اليسار ولا في الفوق ولا في التحت كان نقطة غير منقسمة وكان في غاية الصغر والحقارة فإذا لم يبعد عندهم التزام كونه غير قابل القسمة مع كونه عظيما غير متناه في الامتداد كان هذا جمعا بين النفي والإثبات ومدفوعا في بداية العقول # قال الشيخ رحمه الله والجواب من وجوه

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:29 AM
# أحدهما أن يقال لفظ المنقسم لفظ مجمل بحسب الاصطلاحات والمنقسم في اللغة العربية التي نزل بها القرآن هو ما فصل بعضه عن بعض كقسمة الماء وغيره بين المشتركين إلى أن قال فيختار المنازع منه جانب النفي فإن الله ليس بمنقسم وليس هو شيئين أو أشياء كل واحد منها في حيز منفصل عن حيز الآخر إلى أن قال وقد يريد الناس بلفظ المنقسم ما يمكن الناس فصل بعضه عن بعض وإن كان في ذلك فساد نهتنا عنه الشرعة كالحيوان الحي والأبنية فإن أراد بلفظ المنقسم ذلك فلا ريب أن كثيرا من الأجسام ليس منقسما بهذا الاعتبار فإن بني آدم يعجزون عن قسمته فضلا عن أن يقال إن رب العالمين يقدر العباد على قسمته وتفريقه وتمزيقه وهذا واضح وقد يراد بلفظ المنقسم ما يمكن في قدرة الله قسمته كالجبال وغيرها ومن المعلوم أنه لا يجوز أن يقال إن الله يمكن قسمته وأنه قادر على ذلك # وإن كان غير منقسم لا بالمعنى الأول ولا بالمعنى الثاني فقوله وإن لم يكن غير منقسم كان في الصغر بمنزلة الجوهر الفرد ليس بلازم حينئذ فإنما يوصف بأنه واحد في الأجسام كقوله ^ وإن كانت واحدة فلها النصف ^ ونحو ذلك جسم واحد وهو في جهة ومع ذلك ليس هو منقسما بالمعنى الأول وإن كان هذا فيما يقبل القسمة كالأشياء التي يقدر الناس على قسمتها وأن ما لا يقبل القسمة أولى بذلك وهذا ظاهر محسوس فإن أحدا لم ينازع في أن الجسم العظيم الذي لم يفصل بعضه عن بعض فيحصل في حيزين منفصلين أو لا يمكن ذلك فيه إذا وصف بأنه غير منقسم لم يلزم من ذلك أن يكون بقدر الجوهر الفرد بل قد يكون في غاية العظمة والكبر وهذا الذي قررناه من فصل بعضه عن بعض بحيث يكون كل بعض في حيزين منفصلين أو إمكان ذلك فيه فإن أحدا لم يقل إن الله منقسم بهذا الاعتبار # وإن قال أريد بالمنقسم إن ما في هذه الجهة غير ما في هذه الجهة كما يقول إن الشمس منقسمة بمعنى إن حاجبها الأيمن غير حاجبها الأيسر والفلك منقسم

بمعنى أن ناحية القطب الشمالي غير ناحية القطب الجنوبي وهذا هو الذي أراده فهذا مما تنازع الناس فيه فيقال له قولك إن كان منقسما كان مركبا وتقدم إبطاله تقدم الجواب عن هذا الذي سميته مركبا وتبين أنه لا حجة أصلا على امتناع ذلك بل بين أن إحالة ذلك تقتضي إبطال كل موجود ولولا أنه أحال على ما تقدم لما أحلنا عليه وتقدم بيان ما في لفظ التركيب والتحيز والغير والافتقار من الاحتمال وإن المعنى الذي يقصد منه بذلك يجب أن يتصف به كل موجود سواء كان واجبا أو ممكنا وإن القول بامتناع ذلك يستلزم السفسطة المحضة ويبين أن كل واحد يلزمه أن يقول بمثل هذا المعنى الذي سماه تركيبا حتى الفلاسفة وأن هذا المنازع يقول مثل ذلك في تعدد الصفات وإن ألزم الفلاسفة مثل ذلك وقول من يقول من هؤلاء ما يكون منقسما أو مركبا بهذا الاعتبار فإنه ل يكون واحدا أو لا يكون أحدا فإن الأحد الذي لا ينقسم خلاف لما جاء في كتاب الله وسنة رسوله ولغة العرب من تسمية الإنسان واحدا كقوله ^ وإن كانت واحدة ^ وقوله نحو من هذا فهو الذي يقطع الشغب والتنازع فإن هذه الشبهة هي أكبر وأكثر أصول المعطلة لصفات الرب بل المعطلة لذاته وهي عند التحقيق من أفسد الخيالات
فصل # قال الرازي وأما الحنابلة الذين التزموا الأجزاء والأبعاض

# فيقال إن أردت بهذا الكلام أنهم وصفوه بلفظ الأجزاء والأبعاض وأطلقوا ذلك عليه من غير نفي للمعنى الباطل وقالوا إنه يتجزأ أو يتبعض وينفصل بعضه عن بعض فهذا ما يعلم أحد من الحنابلة يقوله هم مصرحون وإن أردت إطلاق لفظ البعض على صفاته في الجملة فهذا ليس مشهورا عنهم لا سيما والحنابلة أكثر اتباعا لألفاظ القرآن والحديث من الكرامية ومن الأشعرية بإثبات لفظ الجسم فهذا مأثور عن الصحابة والتابعين والحنبلية وغيرهم متنازعون في إطلاق هذا اللفظ كما سنذكره إن شاء الله وليس للحنبلية في هذا اختصاص ليس لهم قول في النفي والإثبات إلا وهو وما أبلغ منه موجود في عامة الطوائف وغيرهم إذ هم لكثرة الاعتناء بالسنة والحديث والاءتمام بمن كان بالسنة أعلم وأبعد عن الأقوال المتطرفة في النفي والإثبات وإن كان في أقوال بعضهم غلط في النفي والإثبات فهو أقرب من الغلط الموجود في الطرفين في سائر الطوائف الذين هم دونهم في العلم بالسنة والاتباع # وإن أردت أنهم وصفوه بالصفات الخبرية مثل الوجه واليد وذلك يقتضي التجزئة والتبعيض أو أنهم وصوفه بما يقتضي أن يكون جسما والجسم متبعض ومتجزئ وإن لم يقولوا هو جسم فيقال له لا اختصاص للحنابلة بذلك بل هذا مذهب جماهير أهل الإسلام بل وسائر أهل الملل وسلف الأمة وأئمتها # وفي الجملة فإثبات هذه الصفات هو مذهب الصفاتية من جميع طوائف الأمة مثل الكلابية وأئمة الأشعرية وهو مذهب الكرامية ومن المعلوم أن بين إثبات الأشعرية ونحوهم له وبين إثبات الكرامية ونحوهم له فرقا وكثير منهم ينفي


ذلك ومنهم من لا ينفيه ولا يثبته ومنهم من أثبت ما جاء وهذا إمام طائفته أبي الحسن الأشعري وهو من أعلم الناس بمقالات أهل الكلام قد ذكر في غير موضع من كتبه أن هذا مذهب أهل السنة والحديث وقال إنه به يقول كما قد ذكرنا لفظه في غير هذا الموضع وهذه الكتب التي صنفها مصنفوهم كأبي الحسن التميمي وأهل بيته والقاضي أبي يعلى وأبي الوفاء ابن عقيل وأبي الحسن ابن الزاغوني وذكروا فيها ما جرت عادة المتكلمة الصفاتية بذكره كأبي سعيد ابن كلاب وأبي الحسن الأشعري وأمثالهما من إثبات الصفات ونفي التجسيم قد بينوا فيها ذلك كما بين هؤلاء ونحوهم هذه الصفات العينية الخبرية كالوجه واليدين وغيرهما # ومن أشهر مصنفيهم في ذلك أبو الحسن ابن الزاغوني قال في كتابه الإيضاح في أصول الدين
فصل # وقد وصف الباري نفسه في القرآن بقوله تعالى ^ فأينما تولوا فثم وجه الله ^

2115 وقوله ^ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ^ 5527 وأمثال ذلك في الكتاب والسنة ويراد بذلك إثبات صفة تختص باسم يزيد على قولنا ذات وذهبت المعتزلة إلى أن المراد بالوجه الذات فأما صفة زائدة على ذلك فلا ولم يذكر خلافا مع الأشعرية لأن المشهور عنهم إثبات هذه الصفة قال والدلالة على ذلك أنه قد ثبت في عرف الناس وعاداتهم في الخطاب العربي الذي أجمع عليه أهل اللغة أن تسمية الوجه في أي محل وقع في الحقيقة والمجاز يزيد على قولنا ذات وأما في الحيوان فذلك مشهور حقيقة لا يمكن دفعه ولا يسوغ فيه غير ذلك وأما في مقامات المجاز فكذلك أيضا لأنه يقال فلان وجه القوم لا يراد به ذات القوم إذ ذوات القوم غيره قطعا ويقينا ويقال هذا وجه الثوب لما هو أجوده ويقال هذا وجه الرأي أي أصحه وأقومه وأتيت بالخبر على وجهه أي على حقيقته إلى أمثال ذلك مما يقال فيه الوجه فإذا كان هذا هو المستقر في اللغة وجب حمل هذه الصفة في حق الباري تعالى على ظاهر ما وضعت له وهو الصفة الزائدة على تسمية قولنا ذات وهذا جلي واضح # قال وتمهيد هذا الكلام وتقريره أنه لا يجوز أن يقال وجه الله على ما قيل في وجه القوم أنه سيدهم والمعرب عنهم والمشار إليه دونهم لأن ذلك يقتضي بمثله في حق الله أن يقال سيد الله والمشار إليه وهذا في حقه محال ولا يجوز أن يراد به ما أريد من قولهم هذا وجه الثوب أي أحسنه وأجوده لما ذكرنا أيضا لأنه لا يجوز أن يضاف إلى ذاته ولا إلى غيره لأنه تعالى ليس موصوفا بالحسن والجودة ولا يجوز أن يراد به ما أريد بأنه وجه الرأي أنه صوابه لأنه لا يعبر بذات الله عن الصدق في الخبر والصحة في الرأي فإذا بطلت هذه الأقسام وجب أن تحمل على إثبات صفة هي الوجه التي يستحقها الحي

# قالوا إذا حملتم الأمر على هذا الظاهر وبطل أن يراد بها إلا الوجه الذي هو صفة يستحقها الحي فالوجه الذي يستحقه الحي وجه هو عضو وجارحة يشتمل على كمية تدل على الجزئية وصورة تثبت الكيفية فإن كان ظاهر الأوصاف عندكم إثبات صفة تفارق في الماهية وتقارب فيما يستحق بمثله الاشتراك في الوصف فهذا هو التشبيه بعينه وقد ثبت بالدليل الجلي إبطال قول المجسمة والمشبهة وما يؤدي إلى مثل قولهم فهو باطل # قلنا الظاهر ما كان متلقى في اللفظ على طريق المقتضى وذلك مما يتداوله أهل الخطاب بينهم حتى ينصرف مطلقه عند الخطاب إلى ذلك عند من له أدنى ذوق ومعرفة بالخطاب العربي واللغة العربية وهذا كما نقول في ألفاظ الجموع وأمثالهم إن ظاهر اللفظ يقتضي العموم والاستغراق وكما نقوله في الأمر إن ظاهره الاستدعاء من الأعلى للأدنى يقتضي الوجوب إلى أمثال ذلك مما يرجع فيه إلى الظاهر في المتعارف فإذا ثبت هذا فلا شك ولا مرية على ما بينا أن الظاهر في إثبات صفة هو إذا أضيف إلى مكان أريد به الحقيقة أو أريد بها المجاز فإنه لا ينصرف إلى وهم السامع أن المراد بها جميع الذات التي هي مقولة عليها وهذا مما لا نزاع فيه # والمقصود بهذا إبطال التأويل الذي يدعيه الخصم فإذا ثبت هذا وجب أن يكون صفة خاصة بمعنى لا يجوز أن يعبر بها عن الذات ولا وضعت لها إلا على سبيل الحقيقة ولا على سبيل المجاز # فأما قولهم إذا ثبت أنها صفة إذا نسبت إلى الحي ولم يعبر بها عن الذات وجب أن تكون عضوا وجارحة ذات كمية وكيفية فهذا لا يلزم من جهة أن ما ذكروه ثبت بالإضافة إلى الذات في حق الحيوان المحدث لا من خصيصة صفة الوجه

ولكن من جهة نسبة الوجوه إلى جملة الذات فيما يثبت للذات من الماهية المركبة بكمياتها وكيفياتها وصورها وذلك أمر أدركناه بالحس من جملة الذات فكانت الصفة مساوية للذات في موضعها بطريق أنها منها ومنتسبة إليها نسبة الجزء إلى الكل فأما الوجه المضاف إلى الباري تعالى فإنا ننسبه إليه في نفسه نسبة الذات إليه وقد ثبت أن الذات في حق الباري لا توصف بأنها جسم مركب من جملة الكمية وتتسلط عليه الكيفية ولا يعلم له ماهية فالظاهر في صفته التي هي الوجه أنها كذلك لا يوصل لها إلى ماهية ولا يوقف لها على كيفية ولا تدخلها التجزئة المأخوذة من الكمية لأن هذه إنما هي صفات الجواهر المركبة أجساما والله يتنزه عن ذلك ولو جاز لقائل أن يقول ذلك في السمع والوجه والبصر وأمثال ذلك في صفات الذات لينتقل بذلك عن ظاهر الصفة منها إلى ما سواها بمثل هذه الأحوال الثابتة في المشاهدات لكان في الحياة والعلم والقدرة أيضا كذلك فإن العلم في الشاهد عرض قائم يقدر نفيه بطريق ضرورة أو اكتساب وذلك غير لازم مثله في حق الباري لأنه مخالف للشاهد في الذاتية غير مشارك في إثبات ماهية ولا مشارك لها في كمية ولا كيفية وهذا الكلام واضح جلي # وأما قولهم إن أردتم إثبات صفة تقارب الشاهد فيما يستحق مثله الاشتراك في الوصف فهذا هو التشبيه بعينه # فنقول لهم المقاربة تقع على وجهين أحدهما مقاربة في الاستحقاق لسبب موجبه التمام والكمال وتنفي النقص الثاني مقاربة في الاستحقاق لسبب تقتضيه الحاجة ويوجبه الحس ومحال أن يراد به الثاني لأن الله تعالى قد ثبت أنه غني

غير محتاج ولا يوصف بأنه يحتاج إلى الإحساس لما في ذلك من النقص فيبقى الأول وصار هذا كإثبات الصفات الموجبة للكمال ودفع النقص # وأما قولهم إن ذلك يوجب إثبات الجوارح والأعضاء فليس بصحيح من جهة أنه يكتسب بها ما لو لا ثبوتها له لعدم الاكتساب مع كونه محتاجا إليه ولهذا سميت الحيوانات المصيودة كسباع الطير والبهائم جوارح لأنها تكتسب الصيود والباري مستغن عن الاكتساب فلا يتصور استحقاقه لتسميته جارحة مع عدم السبب الموجب للتسمية فأما تسمية الأعضاء فإنها تثبت في حق الحيوان المحدث لما تعينت له من الصفات الزائدة على تسمية الذات لأن العضو عبارة عن الجزء ولهذا نقول عضيته أي جزيته وقسمته ومنه قوله تعالى ^ الذين جعلوا القرآن عضين ^ أي قسموه فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه فإذا كان العضو إنما هو مأخوذ من هذا فالباري تعالى ليس بذي أجزاء يدخلها الجمع وتقبل التفرقة والتجزئة فامتنع أن يستحق ما يسمى عضوا فإذا ارتفع هذا بقي أنه تعالى ذاته لا تشبه الذوات مستحقة للصفات المناسبة لها في جميع ما تستحقه فإذا ورد القرآن وصحيح السنة في حقه بوصف تلقي في التسمية بالقبول ووجب إثباته له مثل ما يستحقه ولا يعدل به عن حقيقة الوصف إذ ذاته تعالى قابلة للصفات وهذا واضح بين لمن تأمله # فهذا لفظه ولفظ أمثاله من المصنفين على هذا الوجه # وقال أيضا بعد ذلك
فصل # وقد وصف الباري نفسه في القرآن باليدين بقوله تعالى ^ لما خلقت بيدي ^ 3876 وقال تعالى ^ وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا

بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ^ قال وهذه الآية تقتضي إثبات صفتين ذاتيتين سميان يدين قال وذهب المعتزلة وطائفة من الأشعرية إلى أن المراد باليدين النعتين وذهبت طائفة إلى أن المراد باليدين ها هنا القدرة قال والدلالة على كونهما ذاتيتين تزيدان على النعمة وعلى القدرة أنا نقول القرآن نزل بلغة العرب واليد المطلقة في لغة العرب وفي معارفهم وعاداتهم المراد بها إثبات صفة ذاتية للموصوف لها خصائص فيما يقصد به وهي حقيقة في ذلك كما ثبت في معارفهم الصفة التي هي القدرة والصفة التي هي العلم كذلك سائر الصفات من الوجه والسمع والبصر والحياة وغير ذلك وهذا هو الأصل في هذه الصفة وأنهم لا ينتقلون عن هذه الحقيقة إلى غيرها مما يقال على سبيل المجاز إلا بقرينة تدل على ذلك فأما مع الإطلاق فلا ولهذا يقولون لفلان عندي يد فيراد بذلك ما يصل من الإحسان بواسطة اليد وإنما فهم ذلك بإضافة اليد إلى قوله عندي ويقول ذلك وبينهما من البعد والحوائل ما لو أراد اليد الحقيقية لكان كاذبا ولهذا لو كان بحيث أن يكون عنده يده الحقيقية وهو أن يكونا متماسين في الاجتماع ويحيط بها ثوب أو على صفة يمكن إدخال يده إلى باطن ثوبه فقال حينئذ لفلان عندي يد لا يصرف القول فيه إلى يد الحقيقة لأن شاهد الحال قد قطع عمل القرينة والإطلاق في التعارف أكثر من شاهد الحال في القرب من جهة أنه يجوز أن يتجوز به للقرينة لكن على من شاهد الحال لاغية بما لا طلاقه ذلك أحق وأولى وكذلك القول في التعبير باليد عن القدرة إنما يثبت ذلك بقرينة وهو أن يقول لفلان علي يد فقوله علي قرينة تدل على أن المراد باليد القدرة وهي أيضا مع شاهد الحال لاغية على ما قدمنا في النعمة وهذا جلي واضح # ودليل آخر وهو إنا إذا تأملنا المراد بقوله تعالى ^ ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ^ 3876 امتنع فيه أن يكون المراد به النعمة والقدرة وذلك أن الله

تعالى أراد تفضيل آدم على إبليس حيث افتخر عليه إبليس بجنسه الذي هو النار وأنه بذلك أعلى من التراب والطين فرد الله عليه افتخاره وأثبت لآدم من المزية والاختصاص ما لم يثبت مثله لإبليس بقوله تعالى ^ لما خلقت بيدي ^ وفي ذلك ما يدل على أن المراد فيها الصفة التي ذكرنا من وجهين # أحدهما أن إبليس عند الخصم بما خلق به آدم من القدرة والنعمة فلولا أن آدم خالف إبليس في ذلك لما كان فيه إثبات فضيلة وهذا كلام صدر على سبيل الحاجة في إثبات الفضل فلو تساويا في السبب لما ثبتت الحجة لله تعالى على إبليس في ذلك وذلك مما لا يخفى عليه فكان يسعه أن يقول وأنا فقد خلقتني بما خلقت به آدم فأي فضيلة له علي بما ذكرته وما يؤدى إلى تعجيز الله عن حجته وإزالة المميز بين الشيئين فيما قصد التمييز به بالمخالفة بينهما قول باطل ومحال # والثاني أنه أضاف الخلق وهو فعل يده سبحانه والفعل متى أضيف إلى اليد فإنه لا يقتضي إضافة إلا إلى ما يختص بالفعل وليس إلا اليد التي ذكرنا وهذا جلي واضح # ودليل آخر نقول لا شك أن الرجوع في الكلام الوارد عن الحقيقة والظاهر المعهود إلى المجاز إنما يكون بأحد ثلاثة أشياء # أحدها أن يعترض على الحقيقة مانع يمنع من إجرائها على ظاهر الخطاب # الثاني أن تكون القرينة لها تصلح لنقلها عن حقيقتها إلى مجازها # والثالث أن يكون المحل الذي أضيفت إليه الحقيقة أو المعنى الذي أضيفت إليه الحقيقة لا يصلح لها فينتقل عنها إلى مجازها

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:30 AM
# فإن قالوا إن إثبات اليد الحقيقة التي هي صفة لله تعالى ممتنع لعارض يمنع فليس بصحيح من جهة أن الباري تعالى ذات قابلة للصفات المساوية لها في الإثبات فإن الباري تعالى في نفسه ذات ليست بجوهر ولا جسم ولا عرض ولا ماهية له تعرف وتدرك وتثبت في شاهد العقل ولا ورد ذكرها في نقل وإذا ارتفع عنه إثبات الماهية وإذا كان الكل مرتفعا والمثل بذلك ممتنعا فالنفار من قولنا يد مع هذه الحال كالنفار من قولنا ذات ومهما دفعوا به إثبات ذات مما وصفنا فهو سبيل إلى دفع يد لأنه لا فرق عندنا بينهما في الإثبات وإن عجزوا عن ذلك لثبوت الدليل القاطع للإقرار بالذات على ما هي عليه مما ذكرنا فذاك هو الطريق إلى تعجيزهم عن نفي يد هي صفة تناسب الذات فيما ثبت لها من ذلك وهذا ظاهر لازم لا محيد عنه # وإن قالوا من جهة أنه اقترن بها قرينة تدل على صلاحية نقلها عن حقيقتها إلى مجازها فذلك محال من جهات # أحدها أنا قد بينا أن إضافة الفعل إلى اليد على الإطلاق لا يكون إلا والمراد به يد الصفة وهذا توكيد لإثبات الصفة الحقيقية ومحال أن يجتمع مؤكد للحقيقة مع قرينة ناقلة عن الحقيقة # والثانية أن القرائن قد ذكرناها وهو أنه أريد باليد النعمة قال لفلان عندي يد فعندي قرينة تدل على النعمة وإذا أريد بها القدرة قال لفلان علي يد فعلي هي القرينة الدالة على القدرة وكلاهما معدومان ها هنا # والثالث أن الخصم يدعي أن الداعي إلى ذلك ما يقتضيه الشاهد من إثبات العضو والجارحة والجسمية والبعضية والكمية والكيفية الداخل على جميع ذلك فحصل مثل وشبيه وقد بينا أن ذلك محال في حقه لأن نسبة اليد إليه تعالى

كنسبة الذات إليه على ما تقرر فإذا ارتفع هذا بطل السبب المعارض للحقيقة النافي لإثباتها والموجب لإبدالها بالمجاز # وإن قالوا إن المحل الذي أضيفت إليه اليد وهو ذات الباري لا يصلح لإثبات اليد الحقيقة فهذا محال من جهة أنا قد اتفقنا على أن ذات الباري تقبل إضافة الصفات الذاتية على سبيل الحقيقة كالوجود والذات والعلم والقدرة والإرادة وغير ذلك من صفات الإثبات على ما قدمناه # وإن قالوا إن المعنى الذي أضيف إلى الصفة لا يصلح إضافة اليد الحقيقية إليه من جهة أن آدم كان جسما وإضافة الفعل باليد إليه يقتضي إثبات المماسة باليد الفاعلة وذلك محال من جهة أن يد الباري وذاته لا تقبل المماسة للأجسام وهذا قول باطل من جهة أنا إذا أثبتنا اليد التي هي صفة لله تعالى على مثل ما وصفنا انتفت المماسة والفعل مضاف إليها نطقا ونصا ثابتا بطريق مقطوع عليه فنفينا ما نفاه الإجماع وأثبتنا ما أثبته النص والنطق وجرى ذلك مجرى الذات قولا واحدا في الحكم # والثاني أن هذا إنما يلزم إذا كان الفعل وكل الأحوال لا بد له من المماسة وقد وجدنا فعلا يؤثر وجوده في محل من محل آخر ولا مماسة بينهما مع تساويهما في الجسمية وذلك كما تراه من حجر المغناطيس فإنه يؤثر في حركة الحديد وانتقاله عن محله من غير مماسة تقع بين الفاعل والمفعول والعلة في ذلك قد تكون بين الفاعل والمفعول وتستغني بذلك عن المماسة ومثل هذا ظاهر لاخفاء به فلما ثبت أنه لا سبيل إلى إثبات المماسة أثبتنا الفعل للنص عليه واستغنينا عن المماسة بواسطة

# قالوا الأصل في اليد الفاعلة أن تكون جارحة عند التعارف والإطلاق فانتقلنا عن ذلك إلى تأويلها في حق آدمي بما يصلح وهو النعمة واليد في اللغة تقال ويراد بها النعمة والمنة ولهذا يقال له عندي يد وله عندي أيادي والله تعالى له في خلق آدم عليه السلام نعمتان دين ودنيا فاقتضى ذلك تأويلها على ما ذكرناه # قلنا قد أبطلنا وجه الحاجة إلى التأويل أو الوجه الموجب اعتراض سبب مانع من إثبات الكلام على أصله وحقيقته وما يبدر إليه الفهم والتعارف في عادات أهل الخطاب ولم يوجد ذلك ها هنا ولأنه لو أراد باليد النعمة لقال لما خلقت يدي لما خلقته بنعمة فإن نعمة الدين والدنيا خلق لها # ومما يحقق هذا أن الخلق بنعم الدين لا يصلح لأن نعم الدين الإيمان والتعبد والطاعة وكل ذلك عندهم مخلوق والمخلوق لا يخلق به وكذلك نعم الدنيا هي اللذات من الشهوات وهذه كلها مخلوقة وبعضها أعراض وهذا بطريق القطع لا يجوز أن يخلق به فكان هذا التأويل من هذا الوجه الباطل # قالوا إنما أضاف ذلك إلى آدم ليوجب له تشريفا وتعظيما على إبليس ومجرد النسبة في ذلك كاف في التشريف ولهذا قال في ناقة صالح ^ ناقة الله ^ ويقال في مكة بيت الله فجعل هذا التخصيص تشريفا وإن كان ذلك لا يمنع من تساوي أنها كلها لله وكذلك البيوت ومثله ها هنا # قلنا التشريف بالنسبة إذا تجردت عن إضافة إلى صفة اقتضى مجرد التشريف فأما النسبة إذا اقترنت بذكر صفة أوجب ذلك إثبات الصفة التي لولاها ما تمت النسبة فإن قولنا خلق الله الخلق بقدرته لما نسب الفعل إلى

تعلقه بصفة الله اقتضى ذلك إثبات إحاطة بصفة هي القدرة ولا يكون مجرد النسبة واجب منها الصفة فكذلك ها هنا لما كان ذكر التخصيص مضافا إلى صفة وجب إثبات تلك الصفة وهذا لا شك فيه ولا مرية وبهذا يبعد عما ذكروه # قال وأما قوله ^ بيدي ^ قدرتي لأن اليد في اللغة عبارة عن القدرة ولهذا أنشد في ذلك % فسلمت ومالي بالأمور يدان %
# ويحقق هذا ويوضحه أن الخلق من جهة الله إنما هو مضاف إلى قدرته لا إلى يده ولهذا يستقل في إيجاد الخلق بقدرته ويستغني عن يد وآلة يفعل بها مع قدرته # قلنا قد بينا هذا فيما مضى وأبطلنا وجه الحاجة إلى التأويل به إذ الحاجة مرتفعة ولأن قدرة الله واحدة لا تدخلها التثنية والجمع وإذا امتنعت التثنية منها وضعا امتنع عنها ذلك لفظا # قالوا قد يرد لفظ التثنية والجمع والمراد به الواحد ولهذا العالم اسم توحيد والمراد به الجمع وقال تعالى ^ ألقيا في جهنم كل كفار عنيد ^ 50 24 والمراد به ألق ومثله ها هنا # قلنا إثبات القدرة واحد لله أصل ثبت بالأخبار والنقل وهو مما يعتري القصر والتخصيص فيه وحمل اليد عليه يقتضي إدخال الشك في أصل عظيم يكفر مخالف الحق فيه فكان مراعات هذا الأصل بحراسته عن مقام شك أولى من إدخال التأويل ها هنا وهذا يكفي في الإعراض عن مثل هذا التأويل # وأما قولهم العالم اسم جمع توحيد فليس كذلك بل العالم اسم لا واحد له من لفظه يقع على الواحد

# قال وأما قوله ^ ألقيا في جهنم ^ فإن ما احتجنا فيه إلى الانتقال عن لفظه لما ثبت أن المأمور واحد فصار قوله ألقيا بمعنى ألق ألق وقد بيناها هنا امتناع التأويل وإبطال سببه إن القائلين بهذه التأويلات يجوزون أن يكون المراد بالانتقال وإنما دخلوا فيها على سبيل الظن ومحال نفي صفة لله تعالى بطريق هو على هذه الصفة # ولا ريب أن المثبتين لهذه الصفات أربعة أصناف # صنف يثبتونها وينفون التجسيم والتركيب والتبعيض مطلقا كما هي طريق الكلابية والأشعرية وطائفة من الكرامية كابن الهيصم وغيره وهو قول طوائف من الحنبلية والمالكية والشافعية والحنفية كأبي الحسن التميمي وابنه أبي الفضل ورزق الله التميمي والشريف أبي علي ابن أبي موسى والقاضي أبي يعلى والشريف أبي جعفر وأبي الوفاء ابن عقيل وأبي الجسن ابن الزاغوني لا حصى كثرة يصرحون بإثبات هذه الصفات وينفي التجسيم والتركيب والتبعيض والتجزئ والانقسام ونحو ذلك وأول من عرف أنه قال هذا القول هو محمد عبدالله بن سعيد بن كلاب ثم اتبعه على ذلك خلائق لا يحصيهم إلا الله # وصنف يثبتون هذه الصفات ولا يتعرضون للتركيب والتجسيم والتبعيض ونحو ذلك من الألفاظ المبتدعة لا بنفي ولا إثبات لكن ينزهون الله عما تزه عنه نفسه ويقولون إنه ^ أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ^

ويقول من يقول منهم مأثور عن ابن عباس وغيره أنه لا يتبعض فينفصل بعضه عن بعض وهم متفقون على أنه لا يمكن تفريقه ولا تجزيه بمعنى انفصال شيء منه عن شيء وهذا القول هو الذي يؤثر عن سلف الأمة وأئمتها وعليه أئمة الفقهاء وأئمة أهل الحديث وأئمة الصوفية وأهل الاتباع المحض من الحنبلية على هذا القول يحافظون على الألفاظ المأثورة ولا يطلقون على الله نفيا وإثباتا إلا ما جاء به الأثر وما كان في معناه # وصنف ثالث يثبتون هذه الصفات ويثبتون ما ينفيه النفاة لها ويقولون هو جسم لا كالأجسام ويثبتون المعاني التي ينفيها أولئك بلفظ الجسم وهذا قول طوائف من أهل الكلام المتقدمين والمتأخرين # وصنف رابع يصفونه مع كونه جسما بما يوصف به غيره من الأجسام فهذا قول المشبهة الممثلة وهم الذين ثبت عن الأمة تبديعهم وتضليلهم # فلفظ الجسم لم يتكلم به أحد من الأئمة والسلف في حق الله لا نفيا ولا إثباتا ولا ذموا أحدا ولا مدحوه بهذا الاسم ولا ذموا مذهبا ولا مدحوه بهذا الاسم وإنما تواتر عنهم ذم الجهمية الذين ينفون هذه الصفات وذم طوائف منهم كالمشبهة وبينوا مرادهم بالمشبهة # وأما لفظ الجزء فما علمت أنه روي عن أحد من السلف نفيا ولا إثباتا ولا أنه أطلقه على الله أحد من الحنبلية ونحوهم في الإثبات كما لا أعلم أن أحدا منهم أطلق عليه لفظ الجسم في الإثبات وإن كان أهل الإثبات لهذه الصفات منهم ومن غيرهم من يثبت المعاني التي يسميها منازعوهم تجسيما وتجزئة وتبعيضا وتركيبا وتأليفا ويذكرون عنهم أنهم مجسمة بهذا الاعتبار لإثباتهم الصفات التي هي أجسام في اصطلاح المنازع

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:31 AM
# وأما لفظ البعض فقد روي فيه أثر يطلقه بعض الحنبلية وينكره بعضهم ومع هذا ففي الحنبلية طوائف تنكر ثبوت هذه الصفات الخبرية في الباطن كما ينكرها غيرهم ثم منهم من يتأولها إما إيجابا لتأويلها وإما تجويزا لتأويلها كما يفعل ذلك متأولو النفاة من مستأخري الأشعرية ونحوهم ومن ينفي مدلولها ويفوض معناها كما يفعل ذلك طوائف من هؤلاء وغيرهم ويسموا ذلك طريقة السلف كما فعل ذلك المؤسس وغيره وفيهم وفي غيرهم طوائف لا تحكم فيها بنفي ولا إثبات بل تطلق ألفاظ النصوص الواردة بها وتقف عن إثبات هذه المعاني ونفيها إما شكا وإما إعراضا عن الفكر في ذلك وقد بينا مقالات الناس منهم ومن غيرهم في هذا الموضع # والمقصود بهذا الكتاب الكلام على ما ذكره من حجج فريقي النفاة والمثبتة وقد رووا بالأسانيد الثابتة عن الصحابة والتابعين في الصمد الذي لا جوف له ولفظ بعضهم لا يخرج منه شيء كما روى ابن أبي عاصم والطبراني عن عكرمة من وجوه أنه قال الصمد الذي لا جوف له ومن رواية ابن أبي شيبة عن غندر عن شعبة عطاء عن ميسرة قال الصمت وقال مجاهد هو المصمت الذي لا جوف له وعكرمة قال الذي لا يخرج منه شيء ورواه الطبراني أيضا من حديث عبدالله بن إدريس عن شعبة وروى الطبراني قال حدثنا زكريا حدثنا القاضي حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي حدثنا أحمد الدينوري حدثنا الحكم بن ظهير عن معمر عن أبي بن كعب قال الصمد الذي لم يخرج منه شيء ولم يخرج من شيء الذي لم يلد ولم يولد وذكر عن عطاء وعن

الحسن وقتادة قالا بعد فناء خلقه وفي رواية أنه قال الحسن الدائم مع أن الحسن قال أيضا كما قال عكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير وعطية والضحاك والسدي وغير هؤلاء ورووه عن ليس بأجوف وقال الشعبي هو الذي لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب وقال أبو صالح الذي ليس له أمعاء وروى الطبراني عن أبي مسعود قال الصمد الذي ليس له أحشاء وعنه أيضا أنه السيد الذي انتهى سؤدده وهذا قول أبي وائل وهو من تفسير الوالبي عن ابن عباس وقد بسطنا هذا في غير هذا الموضع # وهذه الصفة تستلزم امتناع التفرق عليه وأن يخرج منه شيء إذ ذلك ينافي الصمدية وهو ما احتج به في أنه جسم مصمت وقد ذكره المؤسس في حجج منازعيه وأجاب عنه وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله وقد قال أبو القاسم لما روى عبارات الصمد قال وهذه الصفات كلها صفات ربنا جل جلاله ليس يخال شيء منها يعني في هو المصمت الذي لا جوف له وهو الذي لا يأكل الطعام وهو الباقي بعد فناء خلقه # الوجه الثامن عشر إن قولك عن الحنابلة وغيرهم أنهم التزموا الأجزاء والأبعاض أو ما هو في معناه اصطلاح المتكلمين أو بعضهم # أما الأول فإن لفظ الأجزاء والأبعاض إذا أريد به أنه يتجزأ أو يتبعض التبعيض والتجزئ المعروف بمعنى وقوع ذلك كما تتجزى أو تتبعض الثياب واللحم وغيرها كأبدان الحيوان وكما يتجزأ أو يتبعض الحيوان والثمار والخشب والورق ونحو ذلك وكما يتجزئ ويتبعض الحيوان بخروج المني وغيره من العضلات منه ومن ذلك يولد شبهه منه بانفصال جزء منه كمني الرجل ومني

المرأة ودمها فهذا يمتنع باتفاق المسلمين ولم يقل أحد من الحنابلة بل ولا حد من المسلمين فيما علمناه أنه يتجزئ ويتبعض بهذا المعنى وكذلك لم يقولوا إنه يمكن تجزئه وتبعضه كما يمكن تبعيض الجبال ونسفها وكما يمكن انشقاق السماء وانفطارها عند المسلمين وغيرهم ممن يؤمن بالقيامة الكبرى وإن كان ذلك غير ممكن عند من أنكر ذلك من المشركين والصابئين من الفلاسفة وغيرهم فالأجسام المخلوقة يقدر الله على أن يجزيها ويبعضها فيفرقها ويمزقها وهي في العادة ثلاثة أقسام أحدها الأجسام اللينة الرطبة التي تقبل التجزئة بسهولة والثاني الأجسام اليابسة الصلبة التي تقبل التجزئ بقوة والثالث ما لم تجر العادة بتجزيه ولكن يعلم قبوله للتجزي ولم يقل أحد من المسلمين أن الخالق سبحانه يمكن أن يتفرق وينفصل بعضه من بعض بل هو أحد صمد # والذين قالوا إنه جسم نوعان # أحدهما وهو قول علمائهم أنه جسم لا كالأجسام كما يقال ذات لا كالذوات وموصوف لا كالموصوفات وقائم بنفسه لا كالقائمات وشيء لا كالأشياء فهؤلاء يقولون هو في حقيقته ليس مماثلا بوجه من الوجوه لكن هذا إثبات أن له قدرا يتميز به كما إذا قلنا موصوف فهو إثبات حقيقة يتميز بها وهذا من لوازم كل موجود ولهذا يقولون نعني بأنه جسم أنه قائم بنفسه ونحو ذلك مع قولهم إنه ذو الأبعاد الثلاثة لأنهم يقولون لا يعقل موجود إلا هكذا ويقولون إن المشركين وأهل الكتاب لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا ربك الذي تعبد هو من ذهب هو من فضة هو من كذا فأنزل الله هذه السورة تنزيها إنه ليس من جنس شيء من الأجسام ولا من جنس شيء من الذوات ولا من جنس شيء من الموصوفات والأجسام هي الذوات وهي الموصوفات وهؤلاء يقولون إن حقيقته مخالفة سائر الحقائق فيمتنع عليه أن يجوز عليه ما يجوز عليها من عدم أو فناء أو تفرق أو تبعيض ونحو ذلك

# وأما النوع الثاني وهم الغالية الذين يحكى عنهم أنهم قالوا هو لحم وعظم ونحو ذلك فهؤلاء وإن كان قولهم فاسدا ظاهر الفساد إذ لو كان لحما وعظما كما يعقل لجاز عليه ما يجوز على اللحوم والعظام وهذا من تحصيل التمثيل الذي نفاه الله عن نفسه فإنه سبحانه وتعالى إذ قال ^ لم يكن له كفوا أحد ^ 1124 وقال إنه ^ أحد ^ وقال إنه ^ ليس كمثله شيء ^ 4511 فإنه قد دخل في ذلك ما هو أيضا معلوم بالعقل وهو أنه لا يكون من جنس شيء أو بما يقتضي أنه يجوز الإشارة إلى شيء دون شيء من الأشياء وإن كان هو أكبر مقدارا من ذلك الشيء فإن القدر الصغير من ذهب أو فضة أو نحاس هو من جنس المقدار الكبير وهذا بعينه هو الذي نزه الله نفسه عنه في هذه السورة وهو الذي سأل عنه من سأل من المشركين لما قالوا هو من ذهب هو من فضة ونحو ذلك # فمن قال بالتشبيه المتضمن هذا التجسيم فإنه يجعله من جنس غيره من الأجسام لكنه أكبر مقدارا وهذا باطل ظاهر البطلان شرعا وعقلا وهؤلاء هم المشبهة الذين ذمهم السلف وقالوا المشبه الذي يقول بصر كبصري ويد كيدي وقدم كقدمي فإن هذا التشبيه هو في الجنس وإن كان المشبه أكبر مقدارا من المشبه به إذ لا يقول أحد إلا أنه أكبر ومع ظهور بطلان قول هؤلاء لم ينقل عنهم أنهم جوزوا عليه التبعيض والتفرق لكن هذا لازم قولهم فإنهم متى جعلوه من جنس غيره جاز عليه ما يجوز على ذلك الغير إذ هذا حكم المتجانسين المتماسكين فهم إن أجازوا عليه من التبعي والتفرق ما يجوز على مثله لزمهم القول بجواز تبعيضه وتفرقه بل بجواز فنائه وعدمه وإن لم يجوزوا ذلك كانوا متناقضين وقائلين مالا حقيقة له فإنهم يقولون هو من جنسه وما هو من جنسه

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:32 AM
# وأما إن أراد بلفظ الأجزاء الأجزاء والأبعاض ما يريده المتكلمون بلفظ الجسم والتركيب وهو الذي أراده فإن الجسم كل جسم عندهم له أبعاض وأجزاء إما بالفعل على قول من يثبت الجوهر الفرد وإما بالإمكان على قول من ينفيه فيقال له هذا المعنى هو كما يريده الفلاسفة والمعتزلة بلفظ الأجزاء الصفات القائمة به ويقولون ليس فيه أجزاء حد ولا أجزاءكم وعندهم أن الأنواع مركبة من الجنس وهو جزؤها العام والفصل وهو جزؤها الخاص فإن أردت هذا المعنى فلا ريب أن الحنابلة هم من مثبتة الصفات وهم متفقون على أن له علما قدرة وحياة فهذا النزاع الموجود فيهم هو موجود في سائر الصفاتية # وأما وصفه بالحد والنهاية الذي تقول أنت أنه معنى الجسم فهم فيه كسائر أهل الإثبات على ثلاثة أقوال منهم من يثبت ذلك كما هو المنقول عن السلف والأئمة ومنهم من نفى ذلك ومنهم من لا يتعرض له بنفي ولا إثبات ونفاة ذلك منهم يثبتون له مع ذلك الصفات الخبرية لكن لا اختصاص للحنابلة بذلك كما تقدم بعضه وكما سيأتي حكاية مذاهب الأئمة والأمة في ذلك ومنهم طائفة لا تثبت الصفات الخبرية # الوجه التاسع عشر أن هذا القول الذي حكيته عن الحنابلة مع أنك لم تؤد الأمانة في نقله بل نقلته بلفظ لا يطلقونه بحيث يفهم المستمع معان لم يقصدوها ويوجب أن يعتقد في مذهب القوم ما لا يعتقدونه لم تذكر عنهم تناقضا فيه كما ذكرته عن الكرامية ولا ذكرت أنهم خالفوا لا المحسوس ولا المعقول كما ذكرته عن الكرامية ولا ذكرت أنهم أثبتوا شيئا يعلم بالحس أو بالعقل بطلانه كما ذكرته عن الكرامية ولا وصفت به قولك من مخالفة البديهة العقلية وهذا الذي ذكرته هو الواقع فإن أحدا من العقلاء لم نعلمه ادعى أن فساد هذا القول

معلوم بالضرورة العقلية كما يقولونه في قولك والقول الذي ذكرته عن الكرامية بل غايتهم أن يدعوا أنه معلوم الفساد بدقيق النظر ثم كل طائفة يثبتون فساد الطريق التي نفت بها الأخرى ذلك وهذا يبين أنه ليس عند العقلاء في ذلك دليل يبقى عليه بل ذكرت أنهم مع هذا الإثبات يقولون بأن ذات الباري لا تماثل الذوات وهذا حق لا ريب فيه # فما ذكرته هو تقرير لهذا لاقول ومدح له وليس فيه ما يكون إلزاما لك عليهم ولا ما يقتضي تناقضا فيه فإن إثبات موجود ليس مماثلا لغيره من الموجودات لا يخالف حسا ولا عقلا وهذا هو الذي تقدم ذكرنا له أن قوله لا بد من الاعتراف بوجود موجود على خلاف الحس والخيال أنه إذا أراد بذلك أنه لا يماثل المحسوسات فلا فرق في ذلك بين المحسوسات والمعقولات وغيرها فإنه لا يماثل شيئا من الأشياء المخلوقة بوجه من الوجوه سواء سميت حسيات أو متخيلات أو عقليات أو سميت جسمانيات أو روحانيات فإذن ما تثبته من نفي المماثلة لا يدل على ما قصدته من إثبات شيء على خلاف حكم الحس والخيال دون حكم العقل أو نفي التماثل لا فرق بين المدركات بجميع أنواع الإدراكات # وقد ذكرنا فيما تقدم أن نفي المماثلة بين الخالق والمخلوق مما علم بالشرع والعقل وذلك لا يقتضي إثبات ما يعلم بالبديهة انتفاؤه أو إثبات موجود لا داخل العالم ولا خارجه فهو أيضا يقتضي انتفاء مماثلة الخالق للمخلوق كما بيناه فيما تقدم إذ التماثل يقتضي أن يجوز ويجب ويمتنع لكل منهما ما يجوز ويجب ويمتنع للآخر فيلزم أن يكون الشيء الواحد خالقا مخلوقا قديما محدثا موجودا معدوما واجبا ممكنا قادرا عاجزا عالما جاهلا غنيا فقيرا حيا ميتا ولهذا كان مذهب السلف قاطبة يثبتون هذه الصفات الخبرية وينفون التمثيل وكانوا ينكرون على المشبهة الذين

يمثلون الله بخلقه وهم على الجهمية الذين ينكرون أعظم نكيرا وأشد تضليلا وتكفيرا وكلامهم في ذلك أكثر وأكبر # وأما لفظ الجسم والجوهر والمتحيز والمركب والمنقسم فلا يوجد له ذكر في كلام أحد من السلف كما لا يوجد له ذكر في الكتاب والسنة لا بنفي ولا إثبات إلا بالإنكار على الخائضين في ذلك من النفاة الذين نفوا ما جاءت به النصوص والمشبهة الذين ردوا ما نفته النصوص # كما ذكرنا أن أول من تكلم بالجسم نفيا وإثباتا هم طوائف من الشيعة والمعتزلة وهم من أهل الكلام الذين كان السلف يطعنون عليهم وهم في مثل هذا على المعتزلة أعظم إنكارا إذ المتشيعة لم يشتهر عن السلف الإنكار عليهم إلا فيما هو من توابع التشيع مثل مسائل الإمامة التي انفردوا بها عن الأمة وتوابعها بخلاف مسائل الصفات والقدر فإن طعنهم فيه على المعتزلة معروف مشهور ظاهر عند الخاص والعام وقدماء الشيعة كانوا مخالفين للمعتزلة في ذلك فأما متأخروهم من عهد بني بويه ونحوهم من أوائل المائة الرابعة ونحو ذلك فإنهم صار فيهم من يوافق المعتزلة في توحيدهم وعدلهم والمعتزلة شيوخ هؤلاء إلى ما يوجد في كلام ابن النعمان المفيد وصاحبه أبي جعفر الطوسي والملقب بالمرتضى

ونحوهم هو من كلام المعتزلة وصار حينئذ في المعتزلة من يميل إلى نوع من التشيع إما تسوية علي بالخليفتين وإما تفضيله عليهما وإما بالطعن في عثمان وإن كانت المعتزلة لم تختلف في إمامة أبي بكر وعمر وقدماء المعتزلة كعمرو بن عبيد وذويه كانوا منحرفين عن علي حتى كانوا يقولون لو شهد هو وواحد من مقاتليه شهادة لم تقبلها لأنه قد فسق أحدهما لا بعينه فهذا الذي عليه متأخرو الشيعة والمعتزلة خلاف ما عليه أئمة الطائفتين وقدماؤهم # الوجه العشرون أنك ذكرت عن الحنابلة أنهم معترفون بأن ذاته تعالى مخالفة لذوات هذه المحسوسات وهذا حق لكن تخصيصك هذه المحسوسات يشعر أن في الوجود أو في العلم ما لا تكون ذات الله مخالفة له وليس كذلك هو سبحانه ليس كمثله شيء فإن كان لفظ المحسوسات يعم سائر الموجودات فلا فرق بين قولك مخالفة لذوات هذه المحسوسات وقولك مخالفة لذوات هذه الموجودات والمعلومات وإن لم يكن عاما كانت هذه عبارة ردية وكان الواجب أن يقال مخالفة لذوات المحسوسات وكما قيل إنه ليس من المحسوسات كما يقوله الفلاسفة في العقول والنفوس الناطقة وكذلك لو قيل المخالف للجسمانيات والروحانيات على لغة العامة الذين يفرقون بين مسمى الجسم والروح إذ الجسم عندهم أخص مما هو عند المتكلمين ولهذا يفرقون بين الأجسام والأرواح وأما اصطلاح المتكلمين فلفظ الجسم عندهم يعم هذا كله # وكذلك قولك لا يساوي هذه الذوات في قبول الاجتماع والافتراق والتغير والفناء والصحة والمرض والحياة والموت كلام صحيح بل لا يساويها في شيء من الأشياء في صفات كمالها وأما صفات النقص فلا يوصف بها بحال فهو سبحانه حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم حي لا يموت لا يجوز عليه ضد العلم والقدرة

والغنى وعير ذلك من صفات كماله بل هو القدوس السلام وصفات الكمال العلم والقدرة والرحمة لا يساوي فيها شيء من صفاته شيء من صفات مخلوقاته وهذا لفظ القاضي أبي يعلى في كتابه إبطال التأويلات لأخبار الصفات مع جمعه فيه للأخبار الواردة في الصفات وإبطاله التأويلات التي ذكرها ابن فورك وغيره مثل ما ذكره الرازي في تأسيس تقديسه # قال القاضي أبو يعلى لا يجوز رد هذه الأخبار ولا التشاغل بتأويلها والواجب حملها على ظاهرها وأنها صفات لله لا تشبه سائر الموصوفين بها من الخلق ولا يعتقد التشبيه فيها لكن على ما روي عن الإمام أحمد وسائر الأئمة وذكر كلام الزهري ومكحول ومالك والثوري ووكيع والأوزاعي والليث وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وابن عيينة والفضيل ابن عياض وعبدالرحمن بن مهدي وأسود بن سالم وإسحاق

ابن راهويه وأبي عبيد وقال في كلامه يدل على إبطال التأويل أن الصحابة ومن بعدهم من التابعين حملوها على ظاهرها ولم يتعرضوا لتأويلها ولا صرفها عن ظاهرها ولو كان التأويل سائغا لكانوا إليه أسبق لما فيه من إزالة التشبيه ورفع الشبهة # الوجه الحادي والعشرون أن يقال ما ذكره أنه لو كانت ذاته مساوية لسائر الذوات في هذه الصفات لزم افتقاره إلى خالق آخر ولزم التسلسل أو لزم القول بأن الإمكان والحدوث غير محوج إلى الخالق وذلك يلزم منه نفي الصانع فهذه الحجة إن كانت في نفسها صحيحة تدل على نفي هذه النقائص فليست حجة على نفي التمثيل والتشبيه فإن هذه النقائص يجب نفيها مطلقا وأما صفات الكمال فيجب نفي التشبيه والتمثيل فيها فإن قوله لو كانت ذاته مساوية لسائر الذوات في هذه الصفات فرض في الدليل من غير حاجة إليه وتخصيص موهم في هذه الصفات لاستلزام ذلك وليس ناف فرض المساواة في غير هذه الصفات ولا يستلزم ذلك وليس الأمر كذلك بل المساواة في أي صفة تستلزم المحال والجمع بين النقيضين وأما هذه الصفات المذكورة فلا يحتاج تنزيهه عنها إلى أن ينفي مساواته لسائر الذوات في ذلك بل هذه منتفية عنه مع قطع النظر عن التشبيه والتمثيل فإن انتفاء الموت والمرض وغير ذلك عنه لم ينف لمجرد لزومه التشبيه والتمثيل

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:33 AM
# ولهذا لو قيل لو جازت عليه هذه الصفات للزم افتقاره إلى خالق آخر لأن هذه مستلزمة للعدم وجواز العدم كان دليلا صحيحا من غير أن يقال لو كانت ذاته مساوية لسائر الذوات في هذه الصفات وهذه الحجة مثل أن يقال لو كانت ذاته مساوية للذوات الجاهلة والعاجزة في العجز والجهل امتنع خلق العالم منه ونحو ذلك فذكر المساواة والمماثلة في مثل هذا الدليل غلط فاحش لأن هذه النقائص إذا ضم إليها المقدمة التي يقف الدليل عليها يجب تنزهه عن قليلها وكثيرها لوجوب اتصافه بأضدادها لما في ذلك من المماثلة لتلك الذوات بل تنزيهه عن مساواة تلك الذوات يوهم أنه لا ينزه إلا عن المساواة فيها فقط وليس الأمر كذلك # الوجه الثاني والعشرون أن يقال قولك فإنه تعالى لا يساوي هذه الذوات في قبول الاجتماع والافتراق والتغير والفناء والصحة والمرض والحياة والموت يقال لك هو لا يجوز عليه من هذه النقائص ولا ما يساوي فيه هذه الذوات ولا ما يخالفها فيه بل هو منزه عن قليل ذلك وكثيره وعن كل ما يمكن للعقل أن يقدره من هذه الأجناس وإن لم يكن مساويا للذوات في ذلك إذ مساواة الذوات لا يكون إلا فيما يوجد فيها ولفظ مساواة الشيء للشيء يشعر بمماثلته فيه بحيث يكونان سواء في ذلك فكل من هذين المعنيين لا يجوز تخصيص النفي به من غير موجب وهو قد يريد بلفظ المساواة في ذلك مطلق الاشتراك في ذلك لكن العبارة ملبسة وهو باستعمال مثل هذه العبارة في ذلك وقع خطأ كثير في المعاني كما سنذكره في باقي مسألة تماثل الأجسام أو غيرها # وأيضا فهذه الأمور ممتنعة عليه بدون وجود هذه المحسوسات ومع قطع النظر عن وجودها وإنما نفي ذلك معلوم من العلم بكونه قديما واجب الوجود

بنفسه حيا قيوما فإن ما كان قيوما واجب الوجود بنفسه لم تكن ذاته قابلة للعدم إذ الذات القابلة للعدم تقبل العدم والوجود فإن كانت ممكنة لا تقبل الوجود إن كانت ممتنعة والممكن لذاته والممتنع لذاته لا يكون واجبا لذاته وكذلك أيضا لو قبل التفرق والمرض ونحو ذلك من التغيرات والاستحالات التي هي مقدمات للعدم والفناء وأسبابه لم يكن حيا قيوما صمدا واجب الوجود بنفسه لأن هذه الأمور توجب زوال ما هو داخل في مسمى ذاته وعدم ذلك مما هو صفة له أو جزء ولو زال ذلك لم تكن ذاته واجبة الوجود بل كان من ذاته ما ليس بواجب الوجود ثم ذلك يقتضي أن لا يكون شيء منها واجب الوجود إذ لا فرق بين شيء وشيء ولهذا كان تجويز هذا عليه يستلزم تجويز العدم عليه لأن ما جاز عليه الاستحالات جاز عليه عدم صورته وفسادتها كما هو المعروف في الأجسام التي يجوز عليها التفرق والاستحالة فهذا وأمثاله مما يعلم به تقديسه وتنزهه عن هذه الأمور التي هي عدم ذاته أو عدم ما هو من ذاته ولهذا كان تنزهه عن ذلك بينا في الفطرة معروفا في العقول للعلم بأنه حق واجب الوجود بنفسه يستحيل عليه ما يناقض ذلك فتبين أن ما ذكره من المساواة وإن كان حقا فلم يذكره على الوجه المحقق ولا ذكر دليله المقرر له بل ذكر شيئا يحتاج إليه مع ما فيه من الإيهام # الوجه الثالث والعشرون أنه لو قال لو جازت عليه هذه الصفات لزم افتقاره إلى خالق آخر أو لزم أن الإمكان والحدوث غير محوج إلى الخالق لكان قد نبه على دليل نفي هذه الأمور وإن كان لم يبينه ويقرره إذ تجويز هذه الأمور إنما يستلزم الافتقار إلى الخالق وكون الإمكان أو الحدوث ليس محوج إلى الخالق إذا تبين أن بهذه الأمور يجب أن يكون محدثا وممكنا وهو

لم يبين ذلك فكيف وهو لم يقل ذلك بل علق هذا الانتفاء بمماثلته للممكنات فيه # الوجه الرابع والعشرون أنه لو بين أن هذه الأمور تستلزم الحدوث والإمكان كان هذا وحده كافيا في تنزيه الرب عنها للعلم بأنه قديم واجب الوجود وأما كون الممكن المحدث لا بد له من خالق وأن الحدوث والإمكان محوج إلى الخالق فذاك يذكر لبيان ثبوت الخالق القديم واجب الوجود ولا يذكر لبيان تنزيهه عما يستلزم عدمه فإن الكلام في تنزيهه عن ذلك إنما هو بعد أن يقرر العلم الخالق القديم الواجب الوجود فإذا تقرر ذلك بين أنه لا يجوز عليه ما ينافي ذلك لإفضائه إلى الجمع بين النقيضين لا لأن تجويز ذلك يقتضي ابتداء أنه يفتقر إلى خالق إذ الكلام إنما هو في الخالق فيقال لو جاز هذا عليه امتنع أن يكون هو الخالق القديم وكان هذا أبين في الدلالة على المقصود مما ذكره في أصل إثبات واجب الوجود # الوجه الخامس والعشرون أن نفي المماثلة واجب في صفات الكمال كالعلم والقدرة والحياة بل والوجود فيقال لو كان مماثلا لغيره في هذه الصفات فيوصف غيره بمثل ما يوصف به من الوجود وصفات كمال الوجود لزم تماثلهما وإذا تماثلا جاز على أحدهما ما يجوز على الآخر فيلزم أن يكون القديم محدثا والمحدث قديما والواجب ممكنا والممكن واجبا وأمثال ذلك فهذا ونحوه يدل على أنه ليس مثله شيء في وجوده ونفسه وصفات الكمال الثابتة لوجوده ونفسه وإذا انتفى عنه مماثلة شيء له في الوجود وصفات كمال الوجود كان هذا إثباتا لأنه ليس كمثله شيء وأنه لم يكن له كفوا أحدا وأنه لا سمي له أما أن يترك هذا كله ولا يذكر إلا تنزيهه عن صفات النقص ولا ينزه عنها إلا عن

مماثلته للمخلوقات فيها ولا يذكر دليل لزوم حدوثه وإمكانه أو لزوم اجتماع النقيضين مما هو بين معروف فهذا كما ترى فلو قيل له لكان هذا كلاما متوجها # الوجه السادس والعشرون لا نسلم أنه لو ساوى غيره في هذه الأمور لزم افتقاره إلى خالق آخر ولزم أن يكون الإمكان والحدوث غير محوج إلى الخالق فإنك لم تبين هذه الملازمة والقول الذي تنفيه لم يحتج إلى هذا الدليل وإن لم يكن بينا بنفسه لم يكن في إثبات واجب الوجود نفيه إذ الكلام في أن واجب الوجود هل هو متصف به أم لا لا في إثبات واجب الوجود ثد قد تبين بهذه الوجوه أن هذا المقام لما قال فيه ما هو حق لم يحققه لا تصويرا ولا تصديقا والكلام إذا تبين ما هو باطل وبين ما فيه حق ثم تبين ولم يقرر كان فيه ما فيه # الوجه السابع والعشرون قوله فيثبت أنه لا بد لهم من الاعتراف بأن خصوصية ذاته التي بها امتازت عن سائر الذوات مما لا يصل الوهم والخيال إلى كنهها وذلك اعتراف بثبوت أمر على خلاف ما يحكم به الوهم ويقضي به الخيال # يقال لا يخلو إما أن تكون ناقلا عنهم ما تقوله أو ملزما لهم أن يقولوا ما لم يقولوه فإن كنت ناقلا عنهم لم يحسن قولك إنه لا بد لهم من الاعتراف بذلك فإن هذا إقامة للحجة بأن عليهم الاعتراف لا نقل عنهم للاعتراف مع أن القوم في نفي هذه الآفات والنقايض ونفي التمثيل والتشبيه من أعظم الأمة قولا بذلك كما دل عليه الكتاب والسنة والحجج العقلية لا يحتجون في نفي

التمثيل بهذه الحجة الفاسدة التي لا تدل على نفي التمثيل مطلقا وإنما تدل إذا كملت على تنزهه عن بعض الآفات والنقايض المستلزمة عدمه أو لجواز عدمه فلا نقلت عنهم ما يقولونه من التنزيه ولا احتججت على التنزيه بحجة موجبة مطلقا بل ولا تدل بنفسها على شيء منه وإن كنت ملزما لهم بمقتضى هذه الحجة فالإلزام إنما يكون لمن لا يقر بمضمون الحجة والقوم من أعظم الناس قولا بموجب هذه الحجة ووجوب تنزيه الله سبحانه وتقديسه عن هذه الأمور وغيرها كما علم ذلك بالشرع والعقل ومعلوم أن المطلوب إذا كان اعتراف المنازع به من أظهر الأمور كان إثبات اعترافه بإثبات وجوب اعترافه به وإثبات الوجوب بمثل هذه الحجة فيه ما فيه مع نفي دخول اعتراف الناس لا يقتضى وجوب اعترافهم لكونهم قد ينازعون في ثبوت الوجوب # الوجه الثامن والعشرون أن هذه الحجة إنما توجب أنه لا تجوز عليه هذه الصفات المقتضية للعدم وهذا ولله الحمد متفق عليه بين المسلمين بل بين المقرين بالصانع حتى أن عليه المشبهة والمجسمة الذين يقولون إنه لحم ودم وإنه ندم حتى عض يده وجرى الدم ونحو ذلك لكن يذكر عن بعض اليهود أنه مرض حتى عادته الملائكة وهذه الحجة لا تنفي شيئا من التشبيه والتمثيل فذكرها ضائع فما توجبه هذه الحجة يكتفى به في هذا المقام وما يثبته القوم وسائر المؤمنين من التنزيه والتقديس لا يعتمد فيه على مثل هذه الحجة فلم يذكر ما يصلح لهذا المقام لا من المذهب ولا من الدليل # الوجه التاسع والعشرون إن الذي هو أبلغ من مقتضى هذه الحجة من نفي التمثيل والتشبيه يقولون به كما يقول به سلف الأمة وسائر الأئمة وليس فيه

حجة لما ادعيته فكيف في مضمون هذه الحجة وذلك أن نفي التمثيل والتشبيه لا يقتضي تجويز كونه لا داخل العالم ولا خارجه ولا إثبات ما يعلم ببديهة العقل امتناعه كما تقدم بيانه # الوجه الثلاثون أنك قلت هم أيضا معترفون بأن ذاته مخالفة لذوات هذه المحسوسات وهذا نقل صحيح ثم قررت هذا النقل بأن بحثت بالحجة التي ذكرتها أن خصوص ذاته لا يصل الوهم والخيال إلى كنهها وهذا ليس هو ذلك المنقول ولا أقمت عليه دليلا فكان هذا من الأغاليط وبه يحصل المقصود من اعترافهم بأنه لا مثل له # الوجه الحادي والثلاثون قولك فثبت أنه لا بد لهم من الاعتراف بأن خصوص ذاته التي بها امتازت عن سائر الذوات مما لا يصل الوهم والخيال إلى كنهها وذلك اعتراف بثبوت أمر على خلاف ما يحكم به الوهم ويقضي به الخيال أمر لم تنقله عنهم ولا دلت الحجة عليه حتى يقال يجب اعترافهم به كما أنها إنما دلت على امتناع العدم والآفات التي هي ملازمة العدم عليه كالمرض ونحوه وهذا حق لكن ليس في ذلك ما يقتضي أن خصوص الذات مما لايصل إليه الوهم والخيال وإن كان هذا حقا إذا فسر بمعنى صحيح فإن العلم بكونه موجودا واجب الوجود يمتنع عليه العدم وما يستلزم العدم لا يتعرض لكونه يعلم بالعقل والخيال أو الوهم والحس أو غير ذلك لا بنفي ولا إثبات أصلا فضلا عن أن يكون كنهها معلوما أو غير معلوم فأي ملازمة بين الحجة والدعوى بل لو أقمت الحجج الصحيحة الدالة على نفي التمثيل كما قررنا نحن لم يكن في ذلك تعرض لنفي معرفة كنهه ولا نفي لمعرفته بحس أو خيال أو غير ذلك فضلا عن كونك لم تذكر إلا ما يقتضي وجوب وجوده

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:36 AM
# الوجه الثاني والثلاثون أن القوم مع سائر أهل السنة يقولون إن حقيقة الباري غير معلومة للبشر ولهذا اتفقوا على ما اتفق عليه السلف من نفي المعرفة بماهيته وكيفية صفاته ثم جمهورهم يقول ما يقوله السلف من نفي المعرفة بالكيفية ويقولون لا تجري ماهيته في مقال ولا تخطر كيفيته بمثال ومنهم من يقول كما يقوله طوائف من النفاة المعتزلة وغيرهم إنه لا ماهية له فتجري في مقال ولا كيفية له فتخطر ببال فلا يحيط أحد من المخلوقين على حقيقة ذاته ولا يبلغ قدره غيره كما في الدعاء المأثور يا من لا يعلم ما هو إلا هو بل قد قال في الجنة أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر بله ما أطلعكم عليه وتصديق ذلك في كتابه حيث قال ^ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ^ 3217 فهم لا يحيطون علما بكنه عامة المخلوقات فكيف يحيطون علما بكنه الخالق تعالى وقد قال تعالى ^ ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ^ 1715 وفي الصحيح عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الخضر الذي قال الله عنه ^ فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلناه من لدنا علما ^ 1865 قال لموسى الذي كلمه الله تكليما ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من هذا البحر لما ركب في السفينة وقد وقف عليها عصفور فنقر في البحر نقرة وفي صحيح مسلم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في سجوده وروى أنه كان يقوله في قنوته أيضا اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك فإذا كان أعلم الخلق بربه لا يحصي ثناء عليه فكيف بمن هو دونه بدرجات لا يحصيها إلا الله

# وإن كان هذا الذي يقولنه ويثبتونه بالأدلة الشرعية لم تذكر أنت عليها حجة ولا نقلت فيها مذهبا فقولك لا بد من الاعتراف بأن خصوصية ذاته التي بها امتازت عن سائر الذوات مما لا يصل الوهم والخيال إلى كنهها تقصير وتفريط فإنه لا يصل إلى كنهها لا علم ولا عقل ولا معرفة ولا حس ولا وهم ولا خيال ولا نوع من أنواع الإدراكات فتخصيص الوهم والخيال بذلك يشعر بأن غير الوهم والخيال يصل إلى كنهها وأنهم يفرقون بين هذا وهذا وأنه يجب التفريق بين وصول الوهم والخيال إلى كنهها وبين وصول العلم والعقل وكل هذا غلط # الوجه الثالث والثلاثون أنه إذا لم يكن فرق في نفس إدراك كنهه بين الوهم والخيال وبين الحس وبين العلم والعقل لم يحصل شيء من مطلوبك فإن المطلوب أنه لا بد من الاعتراف بثبوت أمر على خلاف حكم الحس والخيال والذي ذكر لا فرق فيه بين الحس والخيال وبين العقل فإن هذه الأمور لا تكيف ذاته ولا يلزم من نفي اكتناه ذاته نفي معرفته بها كما لم يلزم نفي معرفته بالعلم والعقل فإن قوله لا بد لهم من الاعتراف بأن خصوص ذاته الذي امتازت به عن سائر الذوات مما لا يصل الوهم والخيال إلى كنهها وذلك اعتراف بثبوت أمر على خلاف ما يحكم به الوهم ويقضي به الخيال مع أنه لم يذكر حجة عليه لا فرق فيه بين الوهم والخيال وبين الحس والعقل والعلم فإن شيئا من ذلك لا يصل إلى كنهه وإذا كان مقصوده الفرق بين الوهم والخيال وبين العقل والعلم بهذا مع أنه لا فرق بينها من هذا الوجه ومع أن ذلك لا ينفي معرفته بذلك وإن لم يوصل ذلك إلى كنهه ظهر أن ما قاله ليس فيه تحصيل لغرضه مع ما فيه من التفريق بين الأشياء فيما اتفقت فيه # فتدبر هذا كله فإنه كلام حق يعرف كيف أضل هؤلاء لعباد الله بمتشابه

الكلام كما قال الإمام أحمد في وصفهم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويلبسون على جهال الناس بما يتكلمون به من المتشابه # الوجه الرابع والثلاثون أنه لو عارضه معارض وقال قد ثبت أنه لا فرق فيما ذكرته من نفي الوصول إلى كنهه بالعقل والوهم والخيال ثم ثبت بذلك أنه لا يجب أن لا يكون معلوما بالعقل فقد ثبت أيضا أنه لا يجب أن لا يكون معلوما بالوهم والخيال لكان هذا متوجها أكثر من كلامه # الوجه الخامس والثلاثون أن يقال الذين اتفقوا من أهل السنة وغيرهم على أن العباد لم يعرفوا كنهه في الدنيا تنازعوا في إمكان ذلك وفي حصول ذلك عند رؤيته في الأخرى وهذا يبين أن معرفة حقيقته وكنهه بالحس أولى منها بالعقل ثم الخيال والوهم يتبع الحس فهذا قد يستدل به على إمكان معرفة كنهه وحقيقته بالحس والخيال والوهم # الوجه السادس والثلاثون قوله وذلك اعتراف بثبوت أمر على خلاف ما يحكم به الوهم ويقضي به الخيال كما أنه لا يلزم من عدم وصول العلم والعقل إلى كنه الذات أن يكون على خلاف ما يقضي به العلم والعقل ويحكم به الحس كما تقدم مع أن هذه العبارة هنا ليست ظاهرة في المعنى # الوجه السابع والثلاثون أن لفظ الوهم والخيال في هذه المواضع التي ذكرتها تحتل شيئين فإن هذه الألفاظ كثيرا ما تستعمل فيما يتوهمه الإنسان ويتخيله مما لا يكون له حقيقة في الخارج مثل ما يتخيل جبل ياقوت وبحر زئبق ونحو ذلك ومثل ما يتوهم شخصا أنه عدوه ويكون وليه أو أنه وليه ويكون

عدوه وأمثال هذه الاعتقادات التي لا تكون مطابقة ترتسم في نفس الإنسان فيتخيلها ويتوهمها وتكون باطلة من جنس الكذب ولهذا إذا دفع نوع من هذه الأقوال يقال هذا خيال وهذا وهم وقد أوهم فلان كذا ومنه سميت الخيلاء والمختال مختالا لأن المختال يتخيل في نفسه من عظمته وقدره ما لا حقيقة له ^ والله لا يحب كل مختال فخور ^ 436 وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الاستعاذة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه فهمزه الوسوسة ونفخه الكبر ونفثه الشعر فإن الكبر ينفخه حتى يصير مغطى في الخيال مع أنه حقيقة كالظرف المنفوخ من غير أن يكون فيه شيء # ولكن استعمال لفظ التخيل والتوهم في هذا من جنس استعمال لفظ الاعتقاد الفاسد والظن والجهل فيما لا يكون مطابقا وإن كان جنس الاعتقاد قد يكون حقا وعلما وكثيرا ما يستعمل فيما يتخيله و يتوهمه مما يكون له حقيقة في الخارج فيكون التخيل والتوهم ولفظ التخيل والتوهم صادقا مطابقا مثل ما يتخيل الإنسان في نفسه ما أدركه بصره وغيره من الحواس يتوهم في نفسه ما علمه من الصفات إذ قد يصطلح بعض أهل الطب والفلسفة على أن التخيل للصور والتوهم للمعاني التي فيها ولفظ التخيل والتوهم يعم القسمين المطابق وغير المطابق كما يعم لفظ الخبر للخبر الصادق والكاذب ولفظ الكلام للحق والباطل ولفظ الإرادة للمحمود والمذموم ولفظ الظن والحسبان للمصيب والمخطي ولفظ الاعتقاد للحق والباطل فما يتخيله الإنسان ويتوهمه قد يكون حقا أو باطلا مثل ما يعتقده ويظنه ومنه سمي السحاب مخيلة لأنه يخال فيه المطر وفي حديث عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى مخيلة أقبل وأدبر فإذا رأى المطر جلس ومنه قول الشاعر % إذا رأيت مخيلة لمعت % وتلألأت كمواقع القطر %


# فهذا في التخيل # وأما في التوهم بلفظ التهمة وأصله وهمة يقال إذا توهم في الإنسان شيء من الريب ثم قد يكون ما اتهم به حقا وقد يكون باطلا ولها في الشريعة حكم معروف حيث يحبس فيها المجهول الحال كما في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس في التهمة ولهذا صنف الحارث المحاسبي كتابا سماه كتاب التوهم مضمونه أن يتصور الإنسان في نفسه ما أخبر الله به من أمور الآخرة وغيرها ليتذكر ذلك ويحققه في نفسه واسم الجنس إذا كان يعم نوعين أحدهما أشرف من الآخر فقد يخصون في العرف النوع الأشرف باسمه الخاص ويبقون الاسم العام مختصا بالنوع المفضول كما في لفظ الحيوان والدابة وذوي الأرحام والجائز والممكن والمباح وغير ذلك فلهذا كثيرا ما يخص بلفظ الوهم والخيال والنوع الناقص وهو الباطل الذي لا حقيقة له وأما ما كان حقا مما يتخيل فيسمونه باسمه الخاص من أنه حق وصدق ونحو ذلك ومن أنه معلوم ومعقول فإنه إذا كان حقا عقله القلب فصار معقولا كما يعقل أمثاله ويقال إنه متصور ومتذكر ونحو ذلك وهذا بخلاف لفظ العلم والعقل والإحساس فإن هذا إنما يقال على نفس الإدراك الذي هو الإدراك الصحيح ولفظ التخيل والتوهم لا يدل على نفس الإدراك وإنما يدل على نحو الاعتقاد الذي يكون مطابقا للإدراك تارة ويكون فيما تصور في النفس وتألف فيها وتنشأ فيها كما تنشأ فيها العلوم بالنظر والاستدلال وهذا الثاني يكون حقا تارة وباطلا أخرى كما أن ما يثبته الإنسان في نفسه من الاعتقادات بالنظر والاستدلال قد يكون حقا وقد يكون باطلا ومن هذا التخيل والتوهم ما يراه الإنسان في منامه فإنه ينشأ في نفسه في النوم إن لم يكن رآه بعينه في النظر

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:37 AM
# وإذا كان كذلك لم يصلح أن يجمع بين لفظ الحس وبين لفظ الوهم والخيال ويجعلهما في قرن واحد حتى يقول لا بد من الاعتراف بوجود شيء على خلاف حكم الحس والخيال فإن الإحساس هو موجب العلم الصحيح وأصله الإبصار كما قال تعالى ^ وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ^ وقال يعقوب ^ يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ^ وقال تعالى ^ فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله ^ وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما تنتج البهيمة بهمية جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء وأما الخيال والوهم فهو من نحو الاعتقاد الذي يكون حقا تارة وباطلا أخرى وقد يخص باسم الباطل فأين هذا من هذا # وإن أراد أنه لا يحس أي لا يرى فهذا باطل كما تقدم التنبيه عليه # الوجه الثامن والثلاثون أن يقال له ما تريد بلفظ الوهم والخيال أتريد به ما قد يخص هذا اللفظ به في العرف من تخيل الباطل وتوهمه فلا ريب أن كل حق في الوجود ينزه عن هذا التوهم والتخيل وكل حق فإنه على خلاف ما يقضي به هذا الوهم والخيال وكل حق فهو على خلاف هذا الوهم والخيال وما أكثر ما يسمع وصف شيء بألفاظ فيتخيلونه على صورة فإذا رأوه وجدوه بخلاف ما تخيلوه وما أكثر ما يتوهم الإنسان في إنسان شيئا فإذا رآه وجد بخلاف ما توهمه ولا ريب أن الله على خلاف ما يتخيله ويتوهمه المبطلون من الجهمية وغيرهم كما قال تعالى ^ سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ^ 37180 182 وقال ^ سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا ^ وقال ^ ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون ^ وذلك ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين ^ 2240 23 وقال ^ وتظنو 6 ن بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ^ 1133

وقال ^ ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء إلى قوله بل ظننتم أن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا ^ 4812 وقال ^ فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ^ 2187 وقال ^ إنه كان في أهله مسرورا إنه ظن أن لن يحور ^ 1414 وقال ^ إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ^ 5838 و ^ إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى ^ 5323 وقال ^ أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون ^ 4380 # ولا ريب أن الاعتقادات الفاسدة مثل اعتقاد الكفار في ربهم وما يتبعها من الإرادات هي خيالات باطلة وأوهام باطلة كما قال تعالى ^ والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ^ 2440 هذا بعد قوله ^ الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة إلى قوله نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم ^ 2425 وقال تعالى ^ أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ^ 6122 # ولا ريب أن كثيرا من الناس يتخيل ويتوهم في نفسه صورا باطلة ويعتقد أن ربه كذلك كما يعتقد في ربه اعتقادات باطلة ويعتقد أن ربه كذلك فالاعتقاد والتوهم والتخيل الباطل موجود في جانبي النفي والإثبات والباطل في

جانب النفي أكثر منه في جانب الإثبات ولهذا يوجد من الجهمية النفاة من يعتقد أن الله هو الوجود المطلق وأنه وجود الموجودات أنفسها وأنه بنفسه في كل مكان وأن وجود الموجودات كلها وجود واحد ويقولون بوحدة الوجود في الخارج وأنه عين ذلك الوجود ونحو ذلك من الاعتقادات التي يقولون إنها حصلت لهم بالكشف والمشاهدة وهي خيالات وأوهام باطلة إما أن لا يكون لها حقيقة في الخارج أو يكون لها حقيقة لكن تكون هي أمر مخلوق لا تكون هي الخالق سبحانه وكما يتخيلون ويتوهمون أنه لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوق ولا تحت ولا كذا ولا كذا مما هو عند أهل العقول السليمة خيالات باطلة وأوهام فاسدة لا تنطبق إلا على المعدوم بل على الممتنع ولهذا يوجد في هؤلاء من يعبد المخلوقات ومن يعتقد في كثير من المخلوقات أن الله أضعاف أضعاف ما يوجد في أهل الإثبات كما قد رأينا وسمعنا من ذلك ما لا يسع هذا المكان ذكر عشره فلهذا هم أعظم الناس اختيالا وكيدا حيث يختال أحدهم في نفسه أنه الله ويعظمون فرعون في قوله ^ أنا ربكم الأعلى ^ 7914 ^ مالكم من إله غيري ^ 2828 ونحو ذلك من الاختيال الباطل الذي هو أفسد اختيال وأعظم فرية على الله تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا # وأما إن أراد أنه على خلاف ما يصدق به ويعتقده ويظنه ويتوهمه ويتخيله ويقوله ويصفه وينعته الأنبياء والمؤمنون به فهذا باطل فإن اعتقاد هؤلاء فيه اعتقاد مطابق حي وإن سمي ظنا ونحوه كما قال تعالى ^ واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم ^ وقال تعالى ^ فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤا كتابيه إني ظننت أني ملاق

حسابيه ^ وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يقول الله أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيرا وفي صحيح مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يموتن أحد منكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى فمن ظن وتوهم في به أنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير كان هذا الظن والتوهم حقا وإن كان الواجب تيقن ذلك بخلاف من ظن وحسب أنه لا يسمع سره ونجواه كما قال تعالى ^ أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون ^ 4380 وقال ^ وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ^ 186140 # بل لفظ الرؤية وإن كان في الأصل مطابقا فقد لا يكون مطابقا كما في قوله ^ أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ^ 358 وقال ^ يرونهم مثليهم رأي العين ^ 313 # وقد يكون التوهم والتخيل مطابقا من وجه دون وجه فهو حق في مرتبته وإن لم يكن مماثلا للحقيقة الخارجة مثل ما يراه الناس في منامهم وقد يرى في اليقظة من جنس ما يراه في منامه فإنه يرى صورا وأفعالا ويسمع أقوالا وتلك أمثال مضروبة لحقائق خارجية كما رأى يوسف سجود الكواكب والشمس والقمر له فلا ريب أن هذا تمثله وتصوره في نفسه وكانت حقيقته سجود أبويه وأخوته كما قال ^ يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا ^ 12100 وكذلك رؤيا الملك التي عبرها يوسف حيث رأى السنبل بل والبقر فتلك رآها متخيلة متمثلة في نفسه وكانت حقيقتها وتأويلها من الخصب والجدب فهذا التمثل والتخيل حق وصدق في مرتبته بمعنى أن له تأويلا صحيحا يكون مناسبا له ومشابها له من بعض الوجوه فإن تأويل الرؤيا مبناها على القياس والاعتبار والمشابهة والمناسبة ولكن من اعتقد أن ما تمثل في نفسه وتخيل من الرؤيا هو مماثل لنفس الموجود في الخارج وأن تلك الأمور هي بعينها

رآها فهو مبطل مثل من يعتقد أن نفس الشمس التي في السماء والقمر والكواكب انفصلت عن أماكنها وسجدت ليوسف وأن بقرا موجودة في الخارج سبعا سمانا أكلت سبعا عجافا فهذا باطل # وإذا كان كذلك فالإنسان قد يرى ربه في المنام ويخاطبه فهذا حق في الرؤيا ولا يجوز أن يعتقد أن الله في نفسه مثل ما رأى في المنام فإن سائر ما يرى في المنام لا يجب أن يكون مماثلا ولكن لا بد أن تكون الصورة التي رآه فيها مناسبة ومشابهة لاعتقاده في ربه فإن كان إيمانه واعتقاده مطابقا أتي من الصور وسمع من الكلام ما يناسب ذلك وإلا كان بالعكس قال بعض المشايخ إذا رأى العبد ربه في صورة كانت تلك الصورة حجابا بينه وبين الله وما زال الصالحون وغيرهم يرون ربهم في المنام ويخاطبهم وما أظن عاقلا ينكر ذلك فإن وجود هذا مما لا يمكن دفعه إذ الرؤيا تقع للإنسان بغير اختياره وهذه مسألة معروفة وقد ذكرها العلماء من أصحابنا وغيرهم في أصول الدين وحكوا عن طائفة من المعتزلة وغيرهم إنكار رؤية الله والنقل بذلك متواتر عمن رأى ربه في المنام ولكن لعلهم قالوا لا يجوز أن يعتقد أنه رأى ربه في المنام فيكونون قد جعلوا مثل هذا من أضغاث الأحلام ويكونون من فرط سلبهم ونفيهم نفوا أن تكون رؤية الله في المنام رؤية صحيحة كسائر ما يرى في المنام فهذا مما يقوله المتجهمة وهو باطل مخالف لما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها بل ولما اتفق عليه عامة عقلاء بني آدم وليس في رؤية الله في المنام نقص ولا عيب يتعلق به سبحانه وتعالى وإنما ذلك بحسب حال الرائي وصحة إيمانه وفساده واستقامة حاله وانحرافه وقول من يقول ما خطر بالبال أو دار في الخيال فالله بخلافه ونحو

ذلك إذا حمل على مثل هذا كان محملا صحيحا فلا نعتقد أن ما تخيله الإنسان في منامه أو يقظته من الصور أن الله في نفسه مثل ذلك فإنه ليس هو في نفسه مثل ذلك بل نفس الجن والملائكة لا يتصورها الإنسان ويتخيلها على حقيقتها # بل هي على خلاف ما يتخيله ويتصوره في منامه ويقظته وإن كان ما رآه مناسبا مشابها لها فالله تعالى أجل وأعظم # وهؤلاء النفاة من الجهمية والمعتزلة والفلاسفة ونحوهم يزعمون أن الرسل فيما أخبروا به من صفات الرب خيلوا ومثلوا حتى أخرجوا المعقول في مثال المحسوس وكذلك يقول هؤلاء المفلسفة إن ما أخبرت به الرسل من أمر المعاد أمثال مضروبة لتفهيم المعاد العقلي واللذة والألم العقليين ويقول الفارابي وأمثاله إن خاصة الأنبياء جودة التخيل والتخييل والكلام على هؤلاء وبيان خطئهم وضلالهم في هذا التخيل والتوهم الذي هو غير مطابق له موضع غير هذا ومن أكثر أسباب غلطهم بناؤهم على أن المعقول الموجود يكون له وجوده في الخارج وهم إذا تدبروا ذلك علموا أن المعقولات التي هي أمور كلية إنما وجودها في الأذهان لا في الأعيان وإن الخارج لا يكون فيه شيء مما هو معقول مجرد وهو الأمور الكلية إلا أن يراد بالمعقول في قولهم مثلوا المعقول في صورة المحسوس ما يحسه الإنسان بنفسه دون جسده فهذا في الحقيقة محسوس موجود لكن بالحس الباطن والوجد الباطن ليس معقولا محضا ولا في تمثل أن الإنسان يحس جوعه وشبعه ولذته وألمه أنه ينتقل حكمه من الباطن إلى الظاهر كما ينتقل حكم الحس بالظاهر إلى الباطن وإذا قدر وجود النفس بغير بدن فهو يحس بما يجده من لذة وألم وذلك أمر محسوس لها وبجنس أسباب ذلك لا يكون لها معقولا مجردا كليا فإن

ذاك إنما ثبوته في مجرد العلم والاعتقاد ولا بد له من أفراد موجودة في الخارج وإلا لم يكن حقا ومن المعلوم أن هذا الظان أن النفس تلذذ بهذه الأمور دون إدراك الحقائق الخارجية من أفسد الظن وهو كقول من يقول إن النفس تتلذذ بتمثل المحسوس والمشتهى دون المباشرة لحقيقته الخارجة فقولهم يمثل المعقول في صورة المحسوس كلام لا حقيقة له لكن لو قال يمثل الغائب في صورة الشاهد ويمثل الغيب في صورة الشهادة كان هذا حقا فإن الإنسان إنما يعلم ما يشهده ويحس به بالقياس والتمثيل لما شاهده لكن هذا لا يقتضي أن تكون الأمور الغائبة المتمثلة ليست في أنفسها مما يحس بل يعقل عقلا مجردا فإن هذا لا يقوله من يفهم ما يقوله # قال شيخ الإسلام أبو العباس تقي الدين ابن تيمية قدس الله روحه في كتاب بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية # الوجه الثالث والستون أن يقال إن الصحابة والتابعين وسائر سلف الأمة وأئمتها وأئمة أهل الحديث والفقهاء والصوفية والمتكلمة الصفاتية من الكلابية والكرامية والأشعرية وغيرهم من طوائف المتكلمين من المرجئة والشيعة وغيرهم في إثبات هذه الصفات الخبرية وبقية الصفاتية النفاة

لها في الصفات التي يسمونها الصفات العقلية كالحياة والعلم والقدرة لكن من هؤلاء الصفاتية من يجعل تلك الصفات الخبرية صفات معنوية أيضا قائمة بالموصوف مثل هذه وإنما يفرق بينهما لافتراق الطريق التي به علمت فتلك علمت مع الخبر الصادق بالعقل وهذه لم تعرف إلا بالخبر وأما السلف والأئمة وأهل الحديث وأئمة الفقهاء والصوفية وطوائف من أهل الكلام فلا يقولون إن هذه من جنس تلك لا يسمونها أيضا صفات خبرية لأن من الصفات المعنوية ما لا يعلم إلا بالخبر أيضا فليس هذا مميزا لها عندهم ومنهم من يقول هذه معلومة بالعقل أيضا # وعلى القولين سواء كانت صفات عينية ومعنوية فيقال من المعلوم أن الموجودات في حقنا إما أجسام كالوجه واليد وإما أعراض كالعلم والقدرة فإذا كان أهل الإثبات متفقين على أن العلم والقدرة ثابت لله على خلاف ما هو ثبات للمخلوق وإن لم يكن في ذلك نفيا لحقيقته ولا تمثيلا له بالمخلوق فكذلك إذا قالوا في هذه الصفات إنا نثبتها على خلاف ما هو ثابت للخلق أو لا فرق بين ثبوت ما هو عرض فينا مع كونه غير مماثل للأعراض وبين ما هو جسم فينا مع كونه غير مماثل للأجسام بل يقال من المعلوم المتفق عليه بين المسلمين أن الله حي عالم قادر مع كونه ليس مثل الأحياء العالمين القادرين بل لا خلاف بين أهل الأثبات أنه موجود مع كونه ليس مثل سائر الموجودات بل العقل الصريح يقتضي وجود موجود واجب قديم ويقتضي بأنه ليس مماثلا للموجود المحدث الممكن وإلا للزم أن يجوز على الواجب ما يجوز على المحدث فبأوائل العقل يعلم أن من الموجود وجودا واجبا وأنه ليس مثل الموجود الممكن فالذي يثبتونه في جميع الصفات المعلومة هو من جنس ما يثبتونه في الذات وذلك أمر

بين بأدنى تأمل معلوم بالعقل الصريح فليس المحكي عنهم في ذلك إلا ما اتفق العقلاء على نظيره وما هو ثابت معلوم بصريح العقل وإن كان بقية الطوائف بينهم نزاع في ذلك قيل له والحنابلة أيضا بينهم نزاع فمنهم من ينفي هذه الصفات ويوجب تأويل النصوص ومنهم من يجوز التأويل ولا يوجبه ومنهم من يفوض معنى النصوص مع نفي ومنهم من لا يحكم فيها بنفي ولا إثبات وهذه المقالات هي الممكنة الموجودة في غيرهم # وأما قوله إنهم يصرحون بأنا نثبت هذا المعنى لله على خلاف ما هو ثابت للخلق فلا ريب إنما يثبتونه وإلا لزم التمثيل والتشبيه المنفي بالعقل والشرع لكنهم لا يقولون نثبت معنى الجوارح والأعضاء ولكن نثبت المعاني التي دل عليها الكتاب والسنة والإجماع # قوله فأثبتوا لله وجها بخلاف وجوه الخلق وبدا بخلاف أيدي الخلق ومعلوم أن اليد والوجه بالمعنى الذي ذكروه مما لا يقبله الوهم والخيال فإذا عقل إثبات ذلك على خلاف الوهم والخيال فأي استبعاد في القول بأنه تعالى موجود وليس بداخل العالم ولا خارج العالم وإن كان الوهم والخيال قاصرين عن إدراك هذا الموجود # يقال له أكثر ما في هذا أنهم أثبتوا ما لا يعلمون حقيقته لقيام الأدلة الشرعية عليه وهذا لا محذور فيه كما أثبتوا ما أخبر به من الجنة والنار وما فيهما والملائكة وصفاتها وهم لم يعلموا حقيقة ذلك فهم عن معرفة حقيقة الخالق أبعد وأما إثبات ما ليس بداخل العالم ولا خارجه فإنه ممتنع في الفطرة البديهية والفرق

واضح بين عدم العلم وبين العلم بالعدم فأين إثبات شيء يعلم على سبيل الجملة ولا تعلم حقيقته على التفصيل من إثبات شيء يعلم بالبديهية انتفاؤه بل لو علم انتفاؤه بالنظر لم يجز إثباته فكيف إذا علم بالبديهة ولم يرد بثبوته خبر ولا نقل ثبوته عن أحد من السلف والأئمة وأما ما أثبتوه فلم يعلم انتفاؤه لا ببديهة ولا بنظر باتفاق عقلاء الطوائف # والرازي من أقول الناس بذلك صرح في غير موضع من كتبه كالمحصل والتفسير وغيرهما بأنه لا يجوز نفي ما لا يعلم ثبوته من الصفات وأن الظاهريين من أصحابه ينفون ما لم يقم دليل على ثبوته ورد ذلك بأن ما لم يقم دليل بثبوته وعدمه لا يجوز نفيه ولا إثباته وصرح بأن هذه الصفات الخبرية كالوجه واليد الذي أثبتها الأشعري وغيره من أصحابه إنما لم يثبتها لعدم دليل ثبوتها لا لدليل عدمها وزعم أن أدلة الشرع لا تثبتها فلا يجوز إثباتها وأما ثبوت صفات في نفس الأمر لم نعلمها فإنه لا ينفي ذلك ويخطئ من ينفيه وهؤلاء يدعون ثبوت صفاته في نفس الأمر ثم إذا قال أحدهم إنا لا نعلم كيفيتها أو لا نعلم كنهها وحقيقتها كان هذا كقوله في الذات ولو قال أقلهم علما إنا لا نعلم معناها لم يكن عدمه علمه بالمعنى مانعا من ثبوته في نفس الأمر فأين عدم العلم بالشيء إلى العلم بعدمه وهذا الذي ذكره عن ظاهريي أصحابه وإن كان قول أبي المعالي الجويني وغيره وقد نقل الإجماع فيه وهو مما يقوله أبو الوفاء ابن عقيل ونحوه فالصواب هو الذي ذكر أبو عبدالله الرازي وهو الذي عليه المحققون وهو أحد قولي ابن عقيل بل هو آخر قوليه كما هو في الكفاية

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:38 AM
فصل # عجيب يخفى على كثير من الأصوليين وذلك أنه لا يجوز الإغراق في الإثبات مجاوزة لما أثبته الشرع ودل عليه كذلك لا يجوز الإغراق في النفي ولا الإقدام على نفي شيء عن الله إلا بدليل لأن النفي أيضا لا يؤمن معه إزالة ما وجب له سبحانه فالنفي يحتاج إلى دليل كما أن الإثبات يحتاج إلى دليل كما أن إثبات ما لا يجب له كفر فنفي ما جوز عليه خطأ وفسق ومثال ذلك أن يغرق هؤلاء الخطباء والقصاص في نفي النقائص ثم يدرجون فيها ما وردت به السنن ويقولون ليس بفوق ولا تحت ولا يدرك ولا يعلم ولا يعرف ولا ولا فربما ساقوا في نفيهم نفي صفة وردت بها السنن # قلت وهذا هو الصواب عند السلف والأئمة وجماهير المسلمين أنه لا يجوز النفي إلا بدليل كالإثبات فكيف ينفى بلا دليل ما دل عليه دليل إما قطعي وإما ظاهري بل كيف يقال ما لم يقم دليل قطعي على ثبوته من الصفات يجب نفيه أو يجب القطع بنفيه ثم يقال في القطعي إنه ليس بقطعي فهذه المقدمات الفاسدة هي وسائل الجهل والتعطيل وتكذيب المرسلين وإنما اعتمد على ذلك أبو المعالي لما خالف أئمته في إثبات صفة اليد وغيرها فقال في الإرشاد
فصل # ذهب أئمتنا إلى أن اليدين والعينين والوجه صفات ثابتة للرب والسبيل إلى إثباتها السمع دون قضية العقل والذي يصح عندنا حمل اليدين على القدرة وحمل العينين على البصر وحمل الوجه على الوجود قال صاحبه أبو القاسم النيسابوري

الأنصاري شارح الإرشاد شيخ أبي عبدالله الشهرستاني صاحب الملل والنحل ونهاية الإقدام وغيرهما هذا ما قاله الإمام واعلم أن مذهب شيخنا أبي الحسن أن اليدين صفتان ثابتتان زائدتان على وجود الإله سبحانه ونحوه قال عبدالله بن سعيد ومال القاضي أبو بكر في الهداية إلى هذا المذهب # قلت هو قول القاضي في جميع كتبه كالتمهيد والإبانة وغيرهما # قال أبو القاسم النيسابوري وفي كلام الأستاذ أبي إسحاق ما يدل على أن التثنية في اليدين ترجع إلى اللفظ لا إلى الصفة وهو مذهب أبي العباس القلانسي قال الأستاذ أما العينان فعبارة عن البصر وكان في العقل ما يدل عليه وأما اليد والوجه فقد اختلف أصحابنا في الطريق إليهما قال قائلون قد كان في العقل ما يدل على ثبوت صفتين يقع بإحداهما الاصطفاء بالخلق وبالأخرى الاختيار بالتقريب في التكليم والإفهام لكن لم يكن في العقل دليل على تسميته فورد الشرع ببيانها يسمى الصفة التي يقع بها الاصطفاء بالخلق يدا والصفة التي يقع التقريب في التكليم وجها وقالوا لما صح في العقل التفضيل في الخلق والفعل بالمباشرة والإكرام والتقريب بالإقبال وجب إثبات صفة له سبحانه يصح بها ما قلناه من غير مباشرة ولا محاذاة فورد الشرع بتسمية إحداهما يدا والأخرى وجها ومن سلك هذه الطريقة قال لم يكن في العقل جواز ورود السمع بأكثر منه وما زاد عليه من جهة الإخبار فطريقة الآحاد التي لا توجب العلم ولا يجوز

بمثلها إثبات صفة القديم وإن ثبت منها شيء بطريق يوجب العلم كان متأولا على الفعل # قال وقال آخرون طريق إثباتها السمع المحض ولم يكن للعقول فيه تأثير فإذا قيل لهم لو جاز ورود السمع بإثبات صفات لا يدل العقل عليها لم يأمن أن يكون لله صفات لم يرد الشرع بها ولا صارت معلومة ووجب على القائل بذلك جواز ورود السمع بصفات الإنسان أجمع لله تعالى إذا لم تكن واحدة منها شبيهة بصفته كان جوابهم أن يقولوا لما أخبر الله المؤمنين بصفاته الكاملة له حكم لهم بالإيمان بكماله عند المعرفة بها لم يجز أن يكون له صفة أخرى لا طريق إلى معرفتها لاستحالة أن يكون المؤمن مؤمنا يستحق المدح إذا لم يكن عارفا بالله معنى وبصفاته أجمع فلما وصفهم بالإيمان عند معرفتهم لما ورد من الشرع ثبت أن لا صفة أكثر مما بين العقل إليه بالعقل والشرع قال الأستاذ أبو إسحاق والتعويل على الجواب الأول فإن فيه الكشف عن المعنى # قال أبو المعالي فمن أثبت هذه الصفات السمعية وصار إلى أنها زائدة على ما دلت عليه دلالات العقول استدل بقوله تعالى ^ ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ^ وذكر أنهم قرروا ذلك بتخصيص آدم بالخلق وبأنه ثنى اللفظ وكلاهما يمنع من حمله على القدرة وتكلم على ذلك إلى أن قال والذي يحقق ما قلناه أن الذي ذكره شيخنا أبو الحسن الأشعري القاضي ليس يوصل إلى القطع بإثبات صفتين زائدتين على ما عداهما من الصفات ونحن وإن لم ننكر في قضية العقل صفة سمعية لا يدل مقتضى العقل عليها وإنما يتوصل إليها سمعا فبشرط أن يكون السمع مقطوعا به وليس فيما استدل به الأصحاب قطع والظواهر المحتملة لا توجب العلم وأجمع المسلمون على منع تقدير صفة مجتهد فيها لله عز وجل لا يتوصل إلى القطع فيها بعقل أو سمع وليس في اليدين على ما قاله شيخنا نص لا يحتمل التأويل

ولا إجماع عقلية فيجب تنزيل ذلك على ما قلناه يعني القدرة والظاهر من لفظ يدين حملهما على جارحتين فإن استحال حملهما على ذلك ومنع من حملهما على القدرة أو النعمة أو الملك فالقول بأنها محمولة على صفتين قديمتين لله زائدتين على ما عداهما من الصفات تحكم محض # قال أبو المعالي وأما العينان والوجه فقد اختلف جواب شيخنا أبي الحسن في ذلك فقال مرة هما صفتان على نحو ما قال في اليدين وقال مرة العينان محمولتان على البصر وهذا أظهر قوليه وعليه حمل الأعين في قوله ^ تجري بأعيننا ^ 1454 أي تجري السفينة بمرأى منا وقيل بحفظنا وحمل الوجه على وجود الباري واستدل على ذلك بقوله تعالى ^ ويبقى وجه ربك ^ 2754 والباقي بعد فناء الحق هو الله قال أبو المعالي وهذا هو الصحيح من جوابيه عندنا وإنما اختلف جوابه من حيث كان التعليق بالظاهر في اليدين أظهر # قال أبو القاسم النيسابوري وقول أبي الحسن في أن الوجه صفة زائدة على الوجود أظهر وقوله في العينين أن المراد بذلك البصر أظهر # قال أبو المعالي ومن سوغ من أصحابنا إثبات الصفات بظواهر هذه الآيات ألزمه بثبوت كلامه أن يجعل الاستواء والنزور والجنب من الصفات تمسكا بالظاهر وإن لم يبعد تأويلها فيما يتفق عليه لم يبعد أيضا طريق التأويل فيما ذكرناه قال أبو القاسم هذا ما قاله الإمام # وقد رأيت في بعض كتب الأستاذ أبي إسحاق قال ومما ثبت من الصفات بالشرع الاستواء على العرش والمجيء يوم القيامة بقوله ^ الرحمن على العرش

استوى ^ وقوله ^ وجاء ربك والملك صفا صفا ^ 2289 ومما ثبت بالأخبار الصحيحة النزول إلى السماء الدنيا كل ليلة وقوله أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء ومن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا الحديث قال وأجمع أهل النقل على قبول هذين الخبرين وما هذا وصفه كان موجبا للعمل ومقبولا في مسائل القطع هذا ما ذكره الأستاذ في هذا الكتاب # قال أبو القاسم لا يظن بالأستاذ أبي إسحاق أنه اعتقد أن النزول والمجيء والإتيان من صفات ذات الإله سبحانه فإنه سبحانه لا يوصف بهذه الأوصاف في أزله ويستحيل قيام حادث بذاته فما حكيناه عنه أنه قال ومما يثبت في الصفات بالسمع كذا وكذا فيحتمل أنه أراد بذلك صفات الأفعال ويحتمل أنه أراد به الصفات الخبرية التي لا بيان لها أكثر مما ورد به الخبر # قال وقال الأستاذ أبو بكر يعني ابن فورك من أصحابنا من قال الاستواء وصف خبري لا مجال للعقل فيه وكذلك الفوقية والواجب أن يتوقف في ذلك أن يرد بمعناه خبر قال وهذا مذهب أئمة أهل السلف وقد روي عن أم سلمة أنها قالت الاستواء ثابت بلا كيف وهذا قول مالك بن أنس والأوزاعي وغيرهما من الأئمة وحكى شيخنا أبو الحسن قولين لأصحابنا في الاستواء أحدهما من صفات الذات والثاني أنه من صفات الأفعال فمن صار إلى أنه من صفات الذات اختلفوا فيه فصار الأكثرون منهم إلى أن الاستواء على العرش هو العلو عليه من جهة القهر والغلبة والانفراد بنعوت الجلال وهذا المعنى وإن كان مدركا بالعقل ولكن تسميته بالاستواء مستقاة من الخبر قال أبو الحسن من قال الاستواء صفة للذات

فإنه سمى الله به حين خلق العرش لأجل أن الاستواء يقتضي إليه يستوي عليه ولم يكن في الأزل غير الله فلم تكن تسميته به قال وقال بعض المتأخرين من أصحابنا ويمكن أن يقال لم يزل كانت له صفة الاستواء مطلقا بمعنى أنه على صفة يصح بها الاستواء على العرش إذا خلق كما يقول لم يزل الله قادرا وإن كان تعلق القدرة بالأحداث يختص بحال الحدوث وصار آخرون إلى أن الاستواء صفة خبرية يتوقف في معناها إلى أن يرد خبر ببيانها # قلت ما نقله من لفظ الأشعري فمعروف وما فسره # قال وقال الإمام يعني أبا المعالي وكنا على الإضراب عن الكلام وعلى الظواهر فإذا عرض فنشير إلى جمل منها في الكتاب والسنة وقد صرح بالاسترواح إليها المجسمة وأصحاب الظواهر قال وأجمع المسلمون على منع تقدير صفة مجتهد فيها لله عز وجل لا يتوصل فيها إلى قطع بعقل أو سمع قال وأجمع المحققون على أن الظواهر يصح تخصيصها أو تركها بما لا يقطع به من أخبار الآحاد والأقيسة وما يترك مما لا يقطع به كيف يقطع به # قلت هذا الإجماع الذي ذكره أبو المعالي مرتين هو الذي ذكره أبو عبدالله الرازي وغيره عن الظاهريين من أصحابه وبين أنه فاسد والذي قاله الرازي

هو الذي عليه جماهير الناس من المتقدمين والمتأخرين قد صرح أئمة السلف بذلك وأن ما لم يعلم ثبوته ولا انتفاؤه من الصفات لا ننفيه ولا نثبته والإجماع الذي ذكره أبو المعالي لا أصل له بل لم يقل ما ادعى فيه الإجماع أحد من أئمة المسلمين لا من الفقهاء ولا أهل الحديث ولا السلف وإنما قال هذا ابتداء من قاله من المعتزلة واتبعهم على ذلك طائفة ممن احتذى حذوهم في الكلام من الأشعرية وغيرهم وذلك لأن من أصلهم أنهم يقولون إنهم عرفوا الله حق معرفته وعرفوا حقيقة ذاته فعلموا ما يوصف به نفيا وإثباتا فلو جوزوا أن يكون له صفة لا يعلمون نفيها ولا إثباتها بطل هذا الأصل وهذا الأصل قد خالفهم فيه أبو المعالي كما خالفهم فيه أئمته وضرار بن عمر وهم مخالفون فيه لسلف الأمة وأئمتها وسائر أئمة العلم والدين وقد حكينا ذلك في غير هذا الموضع وأن أبا المعالي قال لا شك في ثبوت وجوده سبحانه فأما الموجود من غير اختصاص بصفة تميزه عن غيره فمحال قال ولكن ليس تتطرق إليها العقول ولا هي علم هجمي ولا علم مبحوث عنه غير أنا لا نقول إن حقيقة الإله لا يصح العلم بها فإنه سبحانه يعلم حقيقة نفسه وليس للمقدور الممكن من مزايا العقول عندنا موقف ينتهى إليه ولا يمتنع في قضية العقل مزية لو وجدت لاقتضت العلم بحقيقة الإله # وقد تقدم أن هذا قول أئمة أصحابه كالقاضي وغيره وهذا تصريح منه بأن لله صفة تميزه عن غيره لا تعلم بالعقول لا بضرورة ولا نظر وصرح بإمكان علمنا بها إذا أعطينا مزية نعلمها بها وقد حكى هو عن الأستاذ أبي إسحاق أنه قال حقيقة الإله صفة مائية اقتضت له التنزه عن مناسبة الحدثان وذكر عن القاضي أبي بكر أنه ذكر مذهب ضرار أن لله مائة لا يعلمها في وقتنا إلا هو

وأن القاضي قال لا بعد عندي فيما قاله ضرار فإن الرب يخالف خلقه بأخص صفاته فيعلم على الجملة اختصاص الرب سبحانه بصفة يخالف بها خلقه ولا سبيل إلى صرف الأخص إلى الوجود والقدم ولا شك في امتناع صرفها إلى الصفات الحقيقية وأن القاضي تردد في أن الذين يرون الله سبحانه في الدار الآخرة هل يعلمون تلك الصفة التي يسميها أخص وصفه وسماها ضرار مائية وذكر عن طائفة من الكرامية أنهم أثبتوا لله مائية وكيفية # فقد يقال إذا كان أبو المعالي قد أوجب ثبوت صفة لله يمتنع علمنا بها الآن كيف يصح أن يقال علمنا جميع ما يثبت له وينفي عنه من الصفات وإذا كان قول طوائف يثبوت صفات له لا تعلم وتجويز ذلك كيف يحكى إجماع المسلمين على خلاف ذلك هذا تناقض منه في كتبه وقد يقال لم يتناقض لأن الذي نفاه بالإجماع تقدير صفة مجتهد فيها لا يتوصل إلى القطع فيها بعقل أو سمع وهو هنا قاطع بما أثبته لا مجوز له فلا تناقض # وقد يقال بل إذا وجب إثبات حقيقة لا تعرف لم يمتنع أن يكون لتلك الحقيقة صفة لا تعرف فالجزم بنفي ذلك مع الجزم بثبوت تلك الحقيقة تناقض وسواء كان تناقضا أو لم يكن ولو لم يتناقض فبطلان هذا الإجماع الذي ادعاه ظاهر لكل من له من العلم أدنى نظر وإنما هو كثير الاستغراق في كلام المعتزلة وأتباعهم قليل المعرفة والعناية بكلام السلف والأئمة وسائر طوائف الإسلام من أهل الفقه والحديث والتصوف وفرق المتكلمين أيضا فحكى الإجماع كما يحكى أمثال هذه الإجماعات الباطلة أمثال هؤلاء المتكلمين ولو كان الأمر كما ادعاه فدعواه أن دلالة القرآن والأخبار على ذلك ليست قطعية يخالفه

في هذه الدعوى أئمة السلف وأهل الحديث والفقه والتصوف وطوائف من أهل الكلام من أصحابه وغيرهم فإن عندهم دلالة النصوص على ذلك قطعية وأما الأخبار فمذهب أكثر أصحابه أنها إذا تلقيت بالقبول أفادت العلم كما تقدم ذكرهم لذلك عن الأستاذ أبي إسحاق وهذا الذي ذكره أبو بكر ابن فورك هو معنى ما ذكره الأشعري في كتبه عن أهل السنة والحديث وذكر أنه قوله وأن الإيمان بموجب هذه الأخبار واجب وإذا كان يمكن أن يكون له صفات لا تعلم بمجرد العقل وكان كثير من المثبتين لهذه الصفات الخبرية من أئمته ومن الحنبلية وغيرهم يثبتون ما لا يعلمون معناها ومالا يعلمون حقيقته ولم يثبتوا ما يعلمون انتفاء ظهر ما تقدم من الجواب من الفرق بين ما يعلم امتناعه وهو وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه وبين ما لا تعلم حقيقته كهذه الصفات عند هؤلاء # الرابع والستون أن ما أثبتوه من الصفات جاء به الكتاب والسنة واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها وقد يقول طوائف أن العقل أيضا يوجب ثبوت أصل هذه الصفات وإن لم يثبتها مفصلة كما أنه في العلو يعلم علوه لكن لا يعلم وما نفوه من كون الخالق ليس داخل العالم ولاخارجه جاء فيه الأثبات الكتاب والسنة واتفق عليه سلف الأئمة وأئمتها مع حكم العقل الصريح به فهم في كلا الموضعين آمنوا بالله وكتبه ورسله وأقروا ما شهدت به الفطرة وما علمه العقل الصريح وأقروا بموجب السمع والعقل ولم يكونوا من أصحاب النار الذين يقولون ^ لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ^ 1067 فأين هذا ممن خالف صريح العقل بإثبات موجود لا داخل العالم ولا خارجه وخالف مع ذلك الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها ونفى مع ذلك

الصفات التي أثبتتها النصوص المتواترة والإجماع السلفي وعلم فساد نقيضها بالعقل الصريح أيضا بأن الله لا مثل له وأن حقيقته مخالفة لحقيقة العالم كما أنه قد يحصل العلم بأنه ليس مماثلا للخلق بل مخالف له قبل العلم بأنه مباين للعالم محتاز عنه منفرد فإن باب الكيف غير باب الكم وباب الصفة غير باب القدر وإذا كانت المباينة بالقدر والجهة تعلم بدون هذه علم أنها أيضا ثابتة وإن كانت تلك أيضا ثابتة وأنه مباين للخلق بالوجهين جميعا بل المباينة بالجهة والقدر أكمل فإنها تكون لما يقوم بنفسه كما تكون لما يقوم بغيره لأن عدم قيامه بنفسه يمنع أن يكون له قدر وحيز وجهة على سبيل الاستقلال ومن هنا تبينا # الوجه الثالث والثلاثون وهو أن من المعلوم أن مباينة الله لخلقه أعظم من مباينة بعض الخلق بعضا سواء في ذلك مباينة الأجسام بعضها لبعض والأعراض بعضها لبعض ومباينة الأجسام والأعراض ثم الأجسام والأعراض تتباين مع تماثلها بأحيازها وجهاتها المستلزمة لتباين أعيانها وتباين مع اختلافها أيضا بتباين أحيازها وجهاتها مع اختلافها كالجسمين المختلفين والعرضين المختلفين في محلين وأدنى ما تتباين به الاختلاف في الحقيقة والصفة دون الحيز كالعرضين المختلفين في محل واحد فلو لم يباين الباري لخلقه إلا بمجرد الاختلاف في الحقيقة والصفة دون الجهة والحيز والقدر لكانت مباينته لخلقه من جنس مباينة العرض لعرض آخر حال في محله أو مباينة الجسم للعرض الحال في محله وهذا يقتضي أن مباينته للعالم من جنس تباين الشيئين اللذين هما في حيز واحد ومحل واحد فلا تكون هذه المباينة تنفي أن يكون هو والعالم في محل واحد بل إذا كان

العالم قائما بنفسه وكانت مباينته له من هذا الجنس كانت مباينته للعالم مباينة للجسم الذي قام به ويكون العالم كالجسم وهو معه كالعرض وذلك يستلزم أن تكون مباينته للعالم مباينة المفتقر إلى العالم وإلى محل يحله لا سيما والقائم بنفسه مستغن عن الحال فيه وهذا من أبطل الباطل وأعظم الكفر فإن الله تعالى غني عن العالمين كما تقدم # ومن هنا جعله كثير من الجهمية حالا في كل مكان وربما جعلوه نفس الوجود القائم بالذوات نفس أو جعلوه الموجود المطلق أو نفس الموجودات وهذا كله مع أنه من أبطل الباطل وهو تعطيل للصانع ففيه من إثبات فقره وحاجته إلى العالم ما يجب تنزيه الله عنه وهؤلاء زعموا أنهم نزهوه عن الحيز والجهة لئلا يكون مفتقرا إلى غيره فأحوجه بهذا التنزيه إلى كل شيء وصرحوا بهذه الحاجة كما ذكرناه في غير هذا الموضع فسبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ^ وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرص وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ^ 1988 95 ومع هذا فهؤلاء أقرب إلى الإثبات وإلى العلم من إثبات مباينة لا تعقل بحال وهو مباينة من قال لا داخل العالم ولا خارجه فإن هذه ليست كشيء من المباينات المعروفة التي أدناها مباينة العرض للجسم أو للعرض بحقيقته فإن ذاك يقتضي أن يكون أحدهما في الآخر أو يكونان كلاهما في محل واحد وإذا كان هؤلاء النفاة لم يثبتوا له مباينة تعقل وتعرف بين موجودين علم أنه في موجب قولهم معدوما كما اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن ذلك حقيقة قول هؤلاء الجهمية الذين يقولون إنه ليس فوق العرش أنهم جعلوه معدوما ووصفوه بصفة المعدوم

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:40 AM
# يدل على ذلك أن هذا الرازي جعل مباينته لخلقه من جنس مباينته للحيز ولا يجب أن يكون موجودا كما تقدم فعلم أنهم أثبتوا للعالم من جنس مباينة الموجود للمعدوم ومن جنس مباينة المعدوم للمعدوم والعالم موجود لا ريب فيه فيكونون قد جعلوه بمنزلة المعدوم وهذا حقيقة قولهم وإن كانوا قد لا يعلمون ذلك فإن هذا حال الضالين # الوجه الرابع والثلاثون أن يقال هب أنهم أثبتوا له مباينة تعقل لبعض الموجودات فالواجب أن تكون مباينته للخلق أعظم من مباينة كل لكل فيجب أن يثبت له من المباينة أعظم من مباينة العرض للعرض ولمحله ومباينة الجوهر للجوهر وكذلك يقتضي أن يثبت له المباينة بالصفة التي تسمى المباينة بالحقيقة أو بالكيفية أو المباينة بالقدر التي تسمى المباينة بالجهة أو الكمية فإن تكون مباينته بهذين أعظم مما يعلم مباينة المخلوق المخلوق إذ ليس كمثله شيء مما يوصف به وأما إثبات بعض المباينات دون بعضها فهذا يقتضي مماثلة المخلوق وإنما يكون شبهه ببعض المخلوقات أعظم من شبه بعضها ببعض وذلك ممتنع يوضح ذلك # الوجه الخامس والثلاثون وهو أن المباينة تقتضي المخالفة في الحقيقة وهو ضد المماثلة وحيث كانت المباينة فإنها تستلزم
فصل قول المؤسس وأمثاله معلوم أن الوجه واليد بالمعنى الذي ذكروه مما لا يقبله الوهم والخيال # إن عنى بذلك ما يعرفه من مسمى ذلك لم ينازع فيما يدعيه وإن ادعى ذلك يبين هذا

# الوجه الثامن والستون وهو أن يقال له لا نسلم إن ذلك مما لا يقبله الوهم والخيال والدليل على ذلك أن القرآن والحديث سمعه الصحابة والتابعون وتابعوهم من القرون الثلاثة وفي غيرها من الأعصار في جميع أمصار المسلمين وهو يتلى ليلا ونهارا والمؤمن يسلم أن ظاهر ذلك هي هذه الصفات ومن المعلوم أن أحدا من السلف والأئمة لم يتقدموا إلى من يستمع القرآن والحديث بأن يصرف قلبه وفكره عن تدبر ذلك وفهمه وتصوره ولا أمره أن يعتقد أن هذا المعنى منه ليس بمراد وإنما المراد بعض المعاني التي يعينها المتأولون أو المراد معنى آخر لا يعرف جملة ولا تفصيلا ولا يميز بينه وبين غيره ولا يقال اكتفوا في ذلك بسماع قوله ^ ليس كمثله شيء ^ وقوله ^ هل تعلم له سميا ^ وقوله ^ لم يكن له كفوا أحدا ^ لأنه يقال الذي دلت عليه هذه النصوص هو الذي حكى عن أهل الأثبات التصريح بأن الثابت لله هو على خلاف ما يثبت للمخلوق فإن هذه المخالفة هي عدم المماثلة والنصوص تدل على ذلك فإذا كان ما دل عليه النصوص هو الذي حكاه عن أهل الإثبات فلو كان ذلك مردودا أو غير ممكن القبول في التوهم والتخيل مع أن ذلك غالب أو لازم لبني آدم لوجب أن يظهر إنكار ذلك ودفعه من عموم الخلق وجهورهم # الوجه التاسع والستون وهو قوله معلوم أن اليد والوجه بالمعنى الذي ذكروه مما لايقبله الوهم والخيال أما أن يريد به المعنى الذي يذكره المتكلمة الصفاتية الذين يقولون هذه صفات معنوية كما هو قول الأشعري والقلانسي وطوائف من الكرامية وغيرهم وهو قول طوائف من الحنبلية وغيرهم وأما أن يريد بمعنى أنها أعيان قائمة بأنفسها

# فإن أراد به المعنى الأول فليس هو الذي حكاه عن الحنبلية فإنه قال وأما الحنابلة الذين التزموا الأجزاء والأبعاض فهم أيضا معترفون بأن ذاته مخالفة لسائر الذوات إلى أن قال وأيضا فعمدة مذهب الحنابلة أنهم متى تمسكوا بآية أو خبر يوهم ظاهره شيئا من الأعضاء والجوارح صرحوا بأنا نثبت هذا المعنى لله على خلاف ما هو ثابت للخلق فأثبتوا لله وجها بخلاف وجوه الخلق ويدا بخلاف أيدي الخلق ومعلوم أن اليد والوجه بالمعنى الذي ذكروه عما لا يقبله الوهم والخيال فإذا كان هذا قوله فمعلوم أن هذا القول الذي حكاه هو قول من يثبت هذه بالمعنى الذي سماه هو أجزاء وأبعاضا فتكون هذه صفات قائمة بنفسها كما هي قائمة بفسها في الشاهد كما أن العلم والقدرة قائم بغيره في الغائب والشاهد لكن لا تقبل التفريق والانفصال كما أن علمه وقدرته لا تقبل الزوال عن ذاته وإن كان المخلوق يمكن مفارقة ما هو قائم به وما هو منه يمكن مفارقة بعض ذلك بعضا فجوزا ذلك على المخلوق لا يقتضي جوازه على الخالق وقد علم أن الخالق ليس مماثلا للمخلوق وأن هذه الصفات وإن كانت أعيانا فليست لحما ولا عصبا ولا دما ولا نحو ذلك ولا هي من جنس شيء من المخلوقات # فإذا كان هذا القول الذي ذكر تنفي الحنابلة وإن هذا هو الظاهر فلو كان هذا مما لا يقبله الوهم والخيال لوجب نفرة من سمع القرآن والحديث عن ذلك من الكفار والمؤمنين ولوجب أن يكون المشركون يقدحون فيه بأنه جاء بما تنكره الفطرة ولوجب أن المؤمنين عوامهم وخواصهم يكون عندهم يفي ذلك شبهة وإشكالا حتى يسألوا عن ذلك كما وقعت الشبهة عند من سمع ذلك واعتقد نفي هذا المعنى إذ يرى ذلك متناقضا ولوجب أن علماء السلف وأئمة الأمة يتكلمون بما ينفي هذا المرض ويزيل هذه الشبهة ويكون ذلك من أعظم الطاعات بل من

أكبر الواجبات فلما لم يمكن شيء من ذلك علم أن هذا الذي ذكرته عنهم ليس هو مما ينكره الوهم والخيال # ألا ترى أن ما نقوله من أنه ليس بداخل العالم ولا خارجه متى صرحت به لجمهور الناس تلقوه بالرد والإنكار ولهذا كان الحذاق من أهل هذا القول يتواصون بكتمانه وإخفائه وكان السلف والأئمة في ذلك يفصحون به في المجالس العامة والخاصة وهكذا الأمر فيما قبل شريعتنا فإن التوراة فيها من هذا الباب نحو ما في القرآن وكان موسى عليه السلام يبلغ ذلك لبني إسرائيل تبليغا عاما والأنبياء بعده ولم يكن بنو إسرائيل ينكرون ذلك ولا كان الأنبياء يأمروهم بترك ما فهموه من ذلك فلو كان الوهم والخيال يرد ذلك للعامة لكان يجب أن يكثر في العامة من يرد ذلك وهمه وخياله وإن كان في الخاصة فكذلك فلما لم يوجد في العامة ولا الخاصة من رد ذلك لكونه لا يمكنه أن يتصور خياله ووهمه علم بطلان ما ذكره إذ الذين ينفون ذلك يزعمون أن القياس دل على نفيه # الوجه السبعون أن جميع الناس من المثبتة والنفاة متفقون على أن هذه المعاني التي حكيناها عن خصمك هي التي تظهر للجمهور ويفهمونها من هذه النصوص من غير إنكار منهم لها ولا قصور في خيالهم ووهمهم عنها والنفاة المعتقدون انتفاء هذه الصفاة العينية لم يعتقدوا انتفاءها لكونها مردودة في التخيل والتوهم ولكن اعتقدوا أن العين التي تكون كذلك هو جسم واعتقدوا أن الباري ليس بجسم فنفوا ذلك # ومعلوم أن كون الباري ليس جسما ليس هو مما تعرفه الفطرة بالبديهة

ولا بمقدمات قريبة من الفطرة ولا بمقدمات بينة في الفطرة بل مقدمات فيها خفاء وطول وليست مقدمات بينة ولا متفقا على قبولها بين العقلاء بل كل طائفة من العقلاء تبين أن من المقدمات التي نفت بها خصومها ذلك ما هو فاسد معلوم الفساد بالضرورة عند التأمل وترك التقليد وطوائف كثيرون من أهل الكلام يقدحون في ذلك كله ويقولون بل قامت القواطع العقلية على نقيض هذا المطلوب وأن الموجود القائم بنفسه لا يكون إلا جسما وما لا يكون جسما لا يكون معدوما ومن المعلوم أن هذا أقرب إلى الفطرة والعقول من الأول # وإن قال النفاة إن هذا حكم الخيال والوهم فقد اتفقوا على أن الوهم والخيال يثبت الصانع على قول مثبتة الجسم لا على قول نفاته فإذا كان الوهم والخيال يثبته كذلك بإقرار النفاة فكيف تكون هذه الصفات منفية عنه في حكم الوهم والخيال هذا خلاف ما اتفق عليه النفاة والمثبتة بل على هذا التقدير يكون الوهم والخيال مقرا بما قاله أهل الإثبات في الذات والصفات دون ما قاله النفاة وهذا أمر بين لا يتنازع فيه عاقلان # الوجه الحادي والسبعون أن هذا الذي حكيته عن هؤلاء الذين قلت إنهم التزموا الأجزاء والأبعاض غايته أنهم يثبتون ما هو الموصوف الذي تسميه جسما وأنهم لا يجوزون عليه ما يجوز على الأجسام من الفناء والآفات ومضمو ذلك أنه جسم يمتنع عليه أن يوصف بما توصف به سائر الأجسام بل هو مختلف عنها في الحقيقة وكذلك ما ذكرته من أنهم يصرحون متى تمسكوا بآية أو خبر يوهم ظاهره شيئا من الأعضاء والجوارح بأنا نثبت هذا المعنى لله على خلاف ما هو ثابت للخلق فأثبتوا لله وجها بخلاف وجوه الخلق ويدا بخلاف أيدي الخلق فهذا الذي ذكرته غايته أنهم يثبتون

وجها ويدان مخالفا لوجوه الخلق وأيديهم كما يقال جسم لا كالأجسام ومن أوضح المعلومات أن إثبات هذا ليس مما لا يقبله الوهم والخيال بل الوهم والخيال من أعظم الأشياء قبولا لمثل هذا كما تقدم تقريره غير مرة فإن الوهم والخيال يتصور أنواعا من الأجسام كل جسم موصوف بضد صفات الآخر وكل جسم يجوز عليه أو يمتنع ما لا يجوز على الآخر أو لا يمتنع فيتصور الأجسام الموجودة ويقدر ما ليس بموجود وما يستحيل وجوده فكيف يقال إنه لا يقبل هذا # يوضح هذا # الوجه الثاني والسبعون وهو أنه إذا وصف له الملائكة وغيرهم بالوجه واليد ونحو ذلك مع أنه قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه على صورته التي خلق عليها مرتين رآه مرة وله ست مائة جناح منها جناحان قد سد بهما الأفق وروي أنه حمل قرى قوم لوط على ريشة من جناحه ونحو ذلك من الصفات العظيمة التي توصف بها الملائكة فإن الوهم والخيال يقبل ذلك مع علمه بأن حقيقتهم ليست مثل حقيقة بني آدم وأنهم ليسوا لحما ودما وعصبا ونحو ذلك من الأجسام الكائنة الفاسدة نعم قد يكون الضعيف الخيال منهم يكل خياله عن مثل ذلك كما يكل حسه عن رؤية الشعاع وعن سماع الصوت القوي ونحو ذلك ولهذا قال علي رضي الله عنه حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتحبون أن يكذب الله ورسوله وقال ابن مسعود ما من رجل يحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم ولهذا سأل بعضهم زر بن حبيش عن حديث ابن مسعود في صفة جبريل وأن له ست مائة جناح فلم يحدثه به خوفا أن لا يحتمله عقله فيكذب به فهذا وأمثاله كثير موجود في بني آدم تضعف قوى إدراكهم عن إدراك الشيء العظيم الجليل

لا كون الوهم والخيال لا يقبل جنس ذلك ولكن لأجل ما فيه من العظمة التي لم يعتد تصور مثلها # ومن هذا الباب عجز الخلق عن رؤية الرب في الدنيا لامتناع رؤيه لعجزهم في هذه الحياة فأما أن يكون بنو آدم ينكرون بوهمهم وخيالهم في جسم مخلوق أن يكون مخالفا لغيره وأنه يمتنع تماثلهما فليس الأمر كذلك فكيف ينكرون بوهمهم وخيالهم أن يكون الخالق غير مماثل للمخلوق مع كون الوهم والخيال لا يتصور موجودا إلا جسما أو قائما بجسم # الوجه الثالث والسبعون أن الأجسام بينها قدر مشترك وهو جنس المقدار كما يقولون ما يمكن فرض الأبعاد الثلاثة فيه وبينها قدر مميز وهو حقيقة كل واحد وخصوص ذاته التي امتاز بها عن غيره كما يعلم أن الجبل والبحر مشتركان في أصل القدر مع العلم بأن حقيقة الحجر ليست حقيقة الماء وإذا كان كذلك فالحس لم يدرك مقدارا مجردا ولا صورة مجردة ولم يحس قط إلا جسما مهيئا له قدر يخصه وصفة تخصه والخيال إذا تخيل المحسوسات وهو مع هذا يمكنه تجريد المقدار عن الصفة فيشكل في نفسه قدرا معينا أو مطلقا غير مختص بصفة من الصفات وهو تقدير الأبعاد في النفس وإذا وصف له الملك فإنه يتخيل صورة مطلقة وأن لها وجها ويدا تناسبها في غير أن يتخيل حقيقتها فإن تخيل نسبة الصفة المخصوصة إلى الموصوف المخصوص أقرب إلى ما أحسه من تخيل قدر مطلق والتخيل يتبع الحس فكلما كان أقرب إلى الحس كان تخيله أيسر عليه # وهذا ونحوه ما يبين أن تصوير الخيال لما حكاه عن منازعيه من أيسر الأمور بل لو قال إن التخيل لا يتصور إلا ما يكون هكذا لا يتصور

وصفة بنقيض ذلك لكان هذا القول أقرب بل هذا القول الذي اتفق عليه العقلاء من أهل الإثبات والنفي اتفقوا على أن الوهم والخيال لا يتصور موجودا إلا متحيزا أو قائما وهو الجسم وصفاته ثم المثبتة قالوا وهذا حق معلوم أيضا بالأدلة العقلية والشرعية بل بالضرورة وقالت النفاة إنه قد يعلم بنوع من دقيق النظر أن هذا باطل فالفريقان اتفقوا على أن الوهم والخيال يقبل قول المثبتة الذين ذكرت أنهم يصفونه بالأجزاء والأبعاض وتسميهم المجسمة فهو يقبل مذهبهم لا نقيضه في الذات
فصل # التخيل والوهم الصحيح لا يتصور الموجود معدوما فعلم أن إنكاره الفطرة لذلك ورد التخيل والوهم له لما فيه من الأمور العدمية كالتناقض الذي فيه لا لعظمته في الوجود والذي يوضح هذا أن كثيرا من الخطباء والقصاص إذا أخذوا يصفون الرب ويعظمونه بهذه الصفات السلبية أخذت العامة الذين لا يفهمون حقيقة ما يقولون وإنما يستشعرون من حيث الجملة أن هذا تعظيم للرب يسبحونه ويمجدونه فلولا أنهم تخيلوا وتوهموا أن هذا السلب متضمن لوجود عظيم كبير وإلا لم يكونوا كذلك فعلم أنهم لم ينكروه لما فيه من الأمور الوجودية بل هم يتخيلون الموجود العظيم في الجملة ولكن إذا فهموا حقيقة هذه الألفاظ وما تشتمل عليه من الأمور العدمية أنكروه حينئذ وردته فطرتهم وذلك لأن السلب والعدم ليس فيه مدح أصلا ولا تعظيم فعلم أنه تعظيم فيها عند من توهمها # ولهذا لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعون يعظمون الرب بشيء من ذلك ولا يوجد في كتاب الله ولا في سنة رسوله ولا في آثار الأنبياء وسلف الأمة وأئمتها شيء من ذلك بل أعظم ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم في تعظيم الرب وتمجيده

يوم قرأ على المنبر ^ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه ^ 6739 كما روى ذلك أبو هريرة وعبدالله بن عمر والحديث في الصحيحين والآية دلت على عظم قدر الرب الذي يقبض الأرض ويطوي السموات بيمينه وهذا وصف لأمور وجودية تقتضي عظمة القدرة بخلاف السلوب المحضة ففي حديث ابن عمر الذي في الصحيح قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يأخذ الجبار سمواته وأرضه بيديه وقبض كفيه أو قال يديه فجعل يقبضهما ويبسطهما ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ويميل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه وشماله حتى نظرت إلى المنبر من أسفل شيء حتى إني لا أقول أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن حديث عمر بن حمزة قال قال سالم أخبرني عبدالله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوي الله السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ثم يطوي الأرضين ثم يأخذهن وفي الصحيحين عن سعيد عن ابن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السموات بيمينه ثم قال أنا الملك أين ملوك الأرض وروى أبو الشيخ وغيره عن ابن عباس قال ما السموات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم وفي لفظ إنها لتغيب في يده حتى لا يرى طرفاها # الوجه السادس والسبعون قوله فأثبتوا لله وجها بخلاف وجوه الخلق وبدأ بخلاف أيدي الخلق ومعلوم أن الوجه واليد بالمعنى الذي ذكروه مما لا يقبله الوهم والخيال

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:40 AM
# يقال له لا نسلم أن هذا غير مقبول كما يقبل أشباهه وتوابعه بل قبول وجوه وأيد لا تكون من جنس وجوه المخلوقين وأيديهم من جنس قبول ذات لا تكون من جنس ذوات المخلوقين وسمع وبصر وعلم وصفة لا تكون من جنس سمعهم وأبصارهم وعلومهم وإراداتهم شيئا فإن الذات عين قائمة بنفسها وهذه صفات لها ومنها وكل في ذلك ليس من جنس الأعيان المخلوقة وصفاتها التي هي لها ومنها وإن كان اللفظ متواطئا فيهما وقول القائل إن الوهم والخيال لا يقبل ذلك في الوجه كقول غيره إن الوهم لا يقبل ذلك في العلم وهو قول نفاة الصفات وهو كقول القائل إن الوهم والخيال لا يقبل ذلك في الذوات مطلقا عند كل من أثبت الذوات # وليس له أن يقول فمقصودي أننا متفقون على الإقرار بما لا يقبله الوهم والخيال فإن هذا باطل من وجوه # أحدها أنه لا فرق بين العقل والاعتقاد والعلم والوهم والخيال والظن من هذا الباب # الثاني إن مورد النزاع قد قيل إنه معلوم بالفطرة انتفاؤه عقلا وموقع الإجماع ليس كذلك # الثالث إن موقع النزاع معلوم الانتفاء بالوهم والخيال وموقع الإجماع إنما يقال فيه إن الوهم عاجز عنه كما بين ذلك # الرابع أن إثبات صفات لا تعلم كيفيتها لذات لا تعلم كيفيتها ليس ممتنعا في العقل ولا في الوهم والخيال إنما الممتنع ثبوت ذات قائمة بنفسها لا داخل العالم ولا خارجه

# الخامس أنه إذا عرض على الفطرة وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه نفت ذلك وأنكرته وقضت بعدمه وإذا عرض عليها يد ليست جسما كأيدي المخلوقين وعلم ليس عرضا كعلم المخلوقين لم يقض بعدم فهمه ومعرفته أو بعلمه من وجه دون وجه ولهذا تنفر الفطرة عن الأول مالا تنفر عن الثاني # وتحرير الأمر أن يقال # الوجه السابع والسبعون أن لفظ الجسم والعرض والمتحيز ونحو ذلك ألفاظ اصطلاحية وقد قدمنا غير مرة أن السلف والأئمة لم يتكلموا في ذلك حق الله لا بنفي ولا بإثبات بل بدعوا أهل الكلام بذلك وذموهم غاية الذم والمتكلمون بذلك من النفاة أشهر ولم يذم أحد من السلف أحدا بأنه مجسم ولا ذم المجسمة وإنما ذموا الجهمية النفاة لذلك وغيره وذموا أيضا المشبهة الذين يقولون صفاته كصفات المخلوقين ومن أسباب ذمهم للفظ الجسم والعرض ونحو ذلك ما في هذه الألفاظ من الاشتباه ولبس الحق كما قال الإمام أحمد يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويلبسون على جهال الناس بما يشبهون عليهم # وإنما النزاع المحقق أن السلف والأئمة آمنوا بأن الله موصوف بما وصف به نفسه وصفه به رسوله من أن له علما وقدرة وسمعا وبصرا ويدين ووجها وغير ذلك والجهمية أنكرت ذلك من المعتزلة وغيرهم # ثم المتكلمون من أهل الإثبات لما ناظروا المعتزلة تنازعوا في الألفاظ الاصطلاحية فقال قوم العلم والقدرة ونحوهما لا تكون إلا عرضا وصفة حيث كان فعلم الله وقدرته عرض وقالوا أيضا إن اليد والوجه لا تكون إلا جسما فيد الله ووجهه كذلك والموصوف بهذه الصفاة لا يكون إلا جسما

فالله تعالى جسم لا كالأجسام قالوا وهذا مما لا يمكن النزاع فيه إذا فهم المعنى المراد بذلك لكن أي محذور في ذلك وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قول أحد من سلف الأمة وأئمتها أنه ليس بجسم وأن صفاته ليست أجساما وأعراضا فنفي المعاني الثابتة بالشرع والعقل بنفي ألفاظ لم ينف معناها شرع ولا عقل جهل وضلال # قالوا وكذلك فالعقل ينفي ذلك بما دل على حدوث الجسم والعرض القائم به قالوا لأنه لم يدل العقل على حدوث كل موصوف قائم بنفسه وهو الجسم وكل صفة قائمة به وهو العرض والدليل المذكور على ذلك دليل فاسد وهو أصل علم الكلام الذي اتفق السلف والأئمة على ذمه وبطلانه وسيأتي الكلام على هذا الدليل في موضعه قالوا فلا معنى لإنكار ما هو الحق الثابت بالشرع والعقل لاستلزام ذلك بطلان حجة مبتدعة أنكرها السلف والأئمة لأجل دعوى من ادعى من أهلها أنها أصل الدين الذي لا يعلم الدين إلا به فإنما هو أصل الدين الذي ابتدعوه كما قال تعالى ^ أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ^ 4142 ليست أصلا لدين الله ورسوله بل أصل هذا الدين هو ما بينه الله ورسوله من الأدلة كما هو مبين في موضعه إذ من الممتنع أن يبعث الله رسولا يدعو الخلق إليه ولا يبين لهم الرسول أصل الدين الذي أمرهم به وهذا مبسوط في غير هذا الموضع وعلى هذا التقدير فلا يكون فيما أثبته هؤلاء ما يخالف الوهم والخيال فتنقطع مادة التزامه بالكلية

# وقال قوم بل نقول ما وصف الله به من العلم والقدرة تسمى صفة ومعنى ولا نسميه عرضا لأن العرض هو ما يعرض ويزول وصفات الله لازمة بخلاف صفة المخلوق فإنها عارضة والتزموا لذلك وغيره أن صفة المخلوقات وهي الأعراض لا يبقى شيء منها زمانين ثم أئمة هؤلاء قالوا وكذلك ما وصف الله به نفسه من الوجه واليد نقول إنه من جنس العلم والقدرة والإكرام بل ما وصف الله به نفسه من الوجه واليد هو مما يوصف من الله ويوصف الله به ولا نسميه جسما لأنها تسمية مبتدعة وموهمة معنى باطلا ولا نقول ذلك من جنس العلم والقدرة ونحوهما بل نقول كما يعلم الفرق في صفاتنا بين العلم والقدرة وبين الوجه واليد ونحوهما فإن الحقائق لا تختلف شاهدا ولا غائبا كما يفرق في حقنا بين العلم والقدرة والسمع والبصر فلكل صفة من هذه خاصة ليست للأخرى كذلك هذه العقيدة في حق الله وإن قيل إن ذلك يقتضي التكثر والتعدد وكذلك نفرق بين الوجه واليد والعين وبين العلم والقدرة ونحو ذلك وإن قيل هذا يقتضي التجسيم والتركيب والتأليف ونحو ذلك فسيأتي الكلام المفصل في هذا في موضعه إن شاء الله لكن علمنا أن ذاته ليست مثل ذوات المخلوقين وعلمنا أن هذه الصفات جميعها ما يفهم أنه عين يقوم بغيره وما يفهم منه أنه معنى قائم بغيره نعلم أن جميع صفات الرب ليست كصفات المخلوقين فإن الشرع والعقل قد نفى المماثلة والشرع والعقل يثبتان أصل الصفات كما يثبتان الذات فإن إثبات ذات لا تقوم بنفسها ممتنع في العقل وإثبات قائم بنفسه يمتنع وصفة بهذه الصفات ممتنع في العقل بل العقل يوجب أن الذات القائمة بنفسها لا تكون إلا بمثل هذه الصفات وعلى قول هؤلاء فلم يثبت شيء على خلاف حكم الوهم والخيال


فصل # قال أبو عبدالله الرازي # التاسع أن أهل التشبيه قالوا إن العالم والباري موجودان وكل موجودين فأما أن يكون أحدهما حالا في الآخر أو مباينا عنه قالوا والقول بوجوب هذا الحصر معلوم بالضرورة قالوا والقول بالحلول محال فتعين كونه مباينا للعالم بالجهة فبهذا الطريق احتجوا بكونه تعالى مختصا بالحيز والجهة وأهل الدهر قالوا العالم والباري موجودان وكل موجودين فأما أن يكون وجودهما معا أو يكون أحدهما قبل الآخر ومحال أن يكون العالم والباري معا وإلا لزم إما قدم العالم أو حدوث الباري وهما محالان فثبت أن الباري قبل العالم ثم قالوا والعلم الضروري حاصل بأن هذه القبلية لا تكون إلا بالزمان والمدة وإذا ثبت هذا فتقدم الباري على العالم إن كان بمدة متناهية لزم حدوث الباري وإن كان بمدة لا أول لها لزوم كون المدة قديمة فأنتجوا بهذا الطريق قدم المدة والزمان # فنقول حاصل هذا الكلام أن المشبهة زعمت أن مباينة الباري تعالى عن العالم لا يعقل حصولها إلا بالجهة وأنتجوا منه كون الإله في جهة وزعمت الدهرية أن تقدم الباري على العالم لا يعقل حصوله إلا بالزمان وأنتجوا منه قدم المدة وإذا ثبت هذا فنقول حكم الخيال إما أن يكون مقبولا في حق الله تعالى أو غير مقبول فإن كان مقبولا فالمشبهة يلزم عليهم مذهب الدهرية وهو أن يكون الباري متقدما على العالم بمدة غير متناهية ويلزمهم القول بكون الزمان أزليا

والمشبهة لا يقولون بذلك والدهرية يلزم عليهم مذهب المشبهة وهو مباينة الباري عن العالم بالجهة والمكان فيلزمهم القول بكون الباري مكانيا وهم لا يقولون به فصار هذا التناقض وارد على الفريقين # وأما إن قلنا إن حكم الوهم والخيال غير مقبول البتة في ذات الله تعالى وفي صفاته فحينئذ نقول قول المشبهة إن كل موجودين فلا بد وأن يكون أحدهما حالا في الآخر أو مباينا عنه بالجهة قول خيالي باطل وقول الدهري إن تقدم الباري على العالم لا بد وأن يكون بالمدة والزمان قول خيالي باطل وذلك هو قول أصحابنا أهل التوحيد والتنزيه الذين عزلوا حكم الوهم والخيال في ذات الله تعالى وصفاته وذلك هو المنهج القويم والصراط المستقيم # قلت والكلام على هذا من وجوه # أحدها أن تسمية هؤلاء أهل التشبيه مما ينازعونه فيه وذلك أن القوم متفقون على إنكار التشبيه وذم المشبهة الذين يشبهون الله تعالى بخلقه ويجعلون الخالق من جنس شيء من المخلوقات وهذا منتف عندهم كما أقر به هذا الرجل # ومعلوم أن كل من نفى شيئا من الصفات سمى المثبت لها مشبها فمن نفى الأسماء من املاحدة الفلاسفة والقرامطة وغيرهم يجعل من سمى الله تعالى عليما وقديرا وحيا ونحو ذلك مشبها وكذلك من نفى الأحكام يسمى من يقول إن الله يعلم ويقدر ويسمع ويبصر مشبها ومن نفى الصفات من الجهمية والمعتزلة وغيرهم يسمون من يقول إن لله علما وقدرة وأن القرآن كلام الله غير مخلوق وأن الله تعالى يرى في الآخرة مشبها وهم من أكثر الطوائف لهجا بهذا الاسم وذم

أصحابه ولهذا كان السلف إذا رأوا الرجل يكثر من ذم المشبهة عرفوا أنه جهمي معطل لعلمهم بأن هذا الاسم قد أدخلت الجهمية فيه كل من آمن بأسماء الله تعالى وصفاته ومن نفى علو الله على عرشه يسمى المثبت لذلك مشبها ومن نفى الصفات الخبرية والعينية يجعل من أثبتها مشبها وإذا كان هذا اللفظ فيه عموم وخصوص بحسب اعتقاد المتكلمين به واصطلاحهم وقد علم أن الرازي وأشباهه تسميهم المعتزلة وغيرهم مشبهة فإن كان ينفي عن نفسه هذا الاسم بما يقوله من التنزيه فكذلك حال غيره سواء مع أن هذا الاسم ليس له ذم بلفظه في الكتاب والسنة # وقد صنف أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى المازني مصنفا سماه تنزيه أئمة الشريعة عن الألقاب الشنيعة ذكر فيه من كلام السلف والأئمة في هذا الباب كلاما كثيرا لا يحضرني الساعة قال أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب السنة حكى إسماعيل بن زرارة قال سمعت أبا زرعة الرازي يقول المعطلة النافية الذين ينكرون صفات الله التي وصف بها نفسه في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ويكذبون بالأخبار الصحيحة التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصفات ويتأولونها بآرائهم المنكوسة على موافقة ما اعتقدوا من الضلالة وينسبون رواتها إلى لتشبيه فمن نسب الواصفين ربهم تبارك وتعالى بما وصف به نفسه في كتابه

وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من غير تمثيل ولا تشبيه فهو معطل ناف ويستدل عليهم بنسبتهم إياهم إلى التشبيه أنهم معطلة نافية كذلك كان أهل العلم يقولون منهم عبدالله بن المبارك ووكيع بن الجراح وذكره أيضا أبو القاسم التيمي في كتابة الحجة في بيان المحجة # وقال شيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل بن عبدالرحمن الصابوني في اعتقاده المشهور وعلامة أهل البدع شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي صلى الله عليه وسلم واحتقارهم لهم وتسميتهم إياهم حشوية وجهلة وظاهرية ومشبهة اعتقادا منهم في أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها بمعزل من العلم وأن العلم ما يلقيه الشيطان إليهم من نتائج عقولهم الفاسدة ووساوس صدورهم المظلمة وهواجس قلوبهم الخالية عن الخير العاطلة وحججهم بل شبههم الداحضة الباطلة بل أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ^ ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء ^ 1822 # فلو قال الرازي بدل المشبهة مثبتة الصفات الخبرية والعينية الذاتية أو مثبتة العلو أو جهة العلو لكان في ذلك من العدل ما ليس في هذا الاسم

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:42 AM
# وأيضا فإنه قد صرح في أجل كتبه وهو نهاية العقول أن المجسمة القائلين بالجهة وغيرها ليسوا مشبهة وكذلك رد على من كفرهم لكونهم مشبهة فتبين ن التشبيه إن كان المراد به إثبات مثل لله عز وجل فهم لا يقولون بذلك وإن كان المراد إثبات وصف مشترك فهذا لازم لجميع الناس وهذا قول أئمته في المجسمة # قال أبو المعالي باب نفي المثل والتشبيه عن الله من صفات نفس القديم تعالى مخالفة للحوادث فالرب سبحانه وتعالى لا يشبه شيئا من الحوادث ولا يشبهه شيء منها والكلام في هذا الباب من أعظم أركان الدين فقد غلت طائفة في النفي فعطلت وغلت طائفة بالإثبات فشبهت وألحدت فأما الغلاة في النفي فقالوا الإشراك في صفة من صفات الإثبات يوجب الاشتباه وقالوا على هذا القديم سبحانه لا يوصف بالوجود بل يقال ليس بمعدوم فكذلك لا يوصف بأنه حي عالم بل يقال ليس بعاجز ولا جاهل ولا ميت وهذا مذهب الفلاسفة والباطنية وأما الغلاة في الإثبات فاعتقدوا ما يلزمهم القول بمماثلة القديم سبحانه الحوادث فإنهم أثبتوا له الصورة والجوارح والاختصاص بالجهات والتركيب والأقدار والنهايات ومن غلاتهم من يثبت للقديم تعالى عن قولهم اللحم والدم والهيئة ويقولون بقدم الأرواح وصاروا إلى أنها من ذات القديم سبحانه وإنها تحل الأشخاص # فإن قال قائل ما معنى التشبيه قلنا قد يطلق التشبيه والمراد منه اعتقاد المشابهة ويطلق والمراد منه الإخبار عن تشابه المتشابهين ويطلق ويراد به إثبات فعل على مثال فعل فإن قيل فهل تسمون غلاة المجسمة مشبهة قلنا

قال أبو الحسن في بعض كتبه نسميهم مشبهة وإن لم يصرحوا بلفظ التشبيه بل أبوه وامتنعوا منه فإن الأمة مجمعة على أن من أثبت لله الجوارح والأعضاء والصورة واللحم والدم والتأليف فقد شبه ربه بخلقه فلا ينفعه بعد ذلك نفي سمة التشبيه عن نفسه بالقول بأنه جسم وشخص بلا كيف أو أنه على صورة الإنسان بلا كيف # وقال في بعض كتبه المشبهة من يعترف بالتشبيه ويلتزمه وأما من ينكره فلا نسميه مشبها إذ حقيقة المثلين المشتبهان في جميع صفات النفس وليس كلما يلزم صاحب مذهب نظرا يجوز وصفه ابتداءا # فإن قيل هل تكفرون الغلاة منهم قلنا القول في التكفير سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى وبالجملة كل من شبهه فيما يطلقه من القول أو يعتقده بظاهر من الكتاب والسنة ولم يرد على ما ورد التعبد به ولا يفسره بما يوهم السامع تشبيها مع اعتقاد التقديس والتنزيه عن سمات الحدث فالأمر فيه قريب # هذا كله كلام أبي المعالي وأصحابه فقد ذكر في تسمية غلاة المجسمة مشبهة قولين لأبي الحسن والمنصور عندهم هو القول الثاني وإن لازم المذهب ليس بمذهب فأما المجسمة غير الغلاة فلا يسمون مشبهة على القولين ومعلوم أن القائلين بالعلو على العرش بل بالجهة ليسوا بذلك من الغلاة بلا نزاع سواء صرحوا بأنه جسم غير مركب أو قالوا بالتركيب أو نفوهما جميعا إذ القول بأن الله تعالى نفسه فوق العالم هو قول الصفاتية من الكلابية والكرامية وأئمة الأشعرية مع جميع طوائف المسلمين فيمتنع إطلاق اسم المشبهة على هؤلاء وإنما يطلقه عليهم الجهمية من المعتزلة ونحوهم وغلاة المجسمة عنده الذين ذكر

فيهم قولين هم الذين يثبتون مع التجسيم صورة الإنسان أو يثبتون له اللحم والدم كما ذكره # ومع هذا كله فالأسماء التي تعلق بها الشريعة المدح والذم والحب والبغض والموالات والمعادات والطاعة والمعصية والبر والفجور والعدالة والفسق والإيمان والكفر هي الأسماء الموجودة في الكتاب والسنة وإجماع الأمة فأما سوى ذلك من الأسماء فإنما تذكر للتعريف كأسماء الشعوب والقبائل فلا يجوز تعليق الأحكام الشرعية بها بل ذلك كله من فعل أهل الأهواء والتفرق والاختلاف الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كحال من يعلق الموالات والمعاداة بأسماء القبائل أو البلدان أو المذاهب المتبوعة في الإسلام كالحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية والمشايخ ونحوهم # وإذا كان كذلك فاسم المشبهة ليس له ذكر يذم في الكتاب والسنة ولا كلام أحد من الصحابة والتابعين ولكن تكلم طائفة من السلف مثل عبدالرحمن بن مهدي ويزيد بن هارون وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ونعيم بن حماد وغيرهم بذم المشبهة وبينوا المشبهة الذين ذموهم أنهم الذين يمثلون صفات الله بصفات خلقه فكان ذمهم لما في قولهم من مخالفة الكتاب والسنة إذ دخلوا في التمثيل إذ لفظ التشبيه فيه إجمال واشتراك وإيهام بخلاف لفظ التمثيل الذي ذل عليه القرآن ونفى موجبه عن الله عز وجل # الوجه الثاني أن هذه الحجة يحتج بها طوائف من متكلميهم من الكرامية وغيرهم وإلا فجمهورهم لا يحتاجون إلى قياس شمولي في هذا الباب

بل عندهم أن علو الله على العرش معلوم بالفطرة الضرورية وقد تواطأت عليه الآثار النبوية واتفق عليه خير البرية ويقولون نفي ذلك تعطيل للصانع معلوم بالضرورة العقلية فلو فرض أن هذا القياس عارضه ما أبطله لم يبطل ما علموه بالفطرة الضرورية من أن الله فوق خلقه وأنه يمتنع كونه لا داخل العالم ولا خارجه ولا يلزم من كون العبد مضطرا إلى العلم بحكم الشيء المعين أن يجعل نقيض ذلك قضية عامة كلية فإن العلم بالمعين الموجود يلزمه نفي النقيض وذلك شيء غير العلم بنفي المطلق الكلي وطوائف من أهل الفطرة الصحيحة والأثبات للشريعة يعلمون أن الله تعالى فوق العالم ولا يخطر بقلوبهم تقدير وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه حتى ينفوه إذ الأقوال المنافية للإيمان لا يجب أن تخطر لكل مؤمن لكن لما حدث من ابتدع هذا النفي تكلم المسلمون في رده تارة ببيان أن الله تعالى فوق خلقه من غير تعرض لغيره وتارة ببيان استحالة نقيض ذلك وتارة ببيان استحالة وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه ومن علم أن الله عز وجل فوق العالم نفى أن يكون لا داخل العالم ولا خارجه وأما هل يمكن وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه فقد يخطر بقلبه وقد لا يخطر # الوجه الثالث أن هذه الحجة المذكورة ليست نظير ما ذكره من حجة الدهرية وذلك أن هؤلاء قالوا الخالق والمخلوق موجودان فكل موجودين فإما أن يكون أحدهما حالا في الآخر أو بائنا عنه وكذلك إذا قيل إما أن يكون أحدهما داخلا في الآخر أو خارجا منه وكذلك إذا قيل إما أن يكون أحدهما متصلا بالآخر مقارنا له أو منفصلا عنه بائنا منه ثم قالوا وليس هو فيه فوجب أن يكون خارجا منه وهذا مقصودهم فنظيره أن يقال الباري والعالم موجودان وكل موجودين فإما أن يكون وجودهما معا وهما متقارنان وإما

أن يكون أحدهما قبل الآخر وليس مع العالم مقارنا له فوجب أن يكون متقدما عليه وهذا حق فهذا تمام الموازنة والمعادلة بين الحجتين # فالأولى دلت أن الباري تعالى خارج عن العالم ليس فيه وهذه دلت على أن الباري سابق للعالم لم يقارنه العالم وكذلك قال سبحانه ^ هو الأول والآخر والظاهر والباطن ^ 6057 وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء والباري سبحانه وتعالى فوق العالم فوقية حقيقية ليست فوقية الرتبة كما أن التقدم على الشيء قد يقال إنه بمجرد الرتبة كما يكون بالمكان مثل تقدم العالم على الجاهل وتقدم الإمام على المأموم فتقدم الله على العالم ليس بمجرد ذلك بل هو قبله حقيقة فكذلك العلو على العالم قد يقال إنه يكون بمجرد الرتبة كما يقال العالم فوق الجاهل وعلو الله على العالم ليس بمجرد ذلك بل هو عال عليه علوا حقيقيا وهو العلو المعروف والتقدم المعروف فهذا هو الذي يدل عليه ما ذكره من الموازنة والمقابلة وكلاهما حق يقولون به فعلم أن الحجة عليه لا له # الوجه الرابع أن هذه المعارضة قد أخذها الرازي ممن احتج بها قبله كأبي المعالي وذويه فإنهم ذكروها في مسألة حدوث العالم وذكروها في مسألة الجهة لما أورد عليهم كل واحدة من الطائفتين ما عارضهم به من القضيتين الفطريتين فظنوا أنهم بهذا الإلزام يخلصون من معارضة الطائفتين ويجعلون ذلك دليلا على أنها من حكم الوهم ومع هذا لم يخلصوا بذلك من معارضة الطائفتين بل ادعوا ما يخالف العقل الصريح وكان ذلك مما سلط

عليهم الفلاسفة الدهرية رأوا احتجاجهم بهذه الحجة الضعيفة وكان ذلك مما سلط عليهم المسلمون المثبتون وهذا كما ذكره الإمام أحمد في مناظرة جهم للسمنية # فهكذا أجاب أهل الكلام الذين تكلموا في مناظرة الكفار وأهل الأهواء في المذاهب والحجج بما ليس موافقا للشريعة وما ينكره العقل الصريح فصاروا كمن جاهد الكفار جهادا ظلمهم به وخرج فيه عن الشريعة وظلم فيه المؤمنين جميعا حتى كان مضرة ذلك الجهاد على المسلمين وعلى أنفسهم وعلى عدوهم أكثر من منفعته وقد بسطنا الكلام في أمثال هذا في غير هذا الموضع # ثم غاية ذلك أنه جواب إلزامي لا علمي وهو لا ينفع لا للناظر ولا للمناظر وذلك أن المثبت إذا قال لهم كل موجودين فإما أن يكون أحدهما حالا في الآخر أو بائنا عنه كان من المعروف بنفسه أن هذا حكم الفطرة الإنسانية الموجودة لبني آدم وهذه الفطرة الضرورية لا تندفع بمعارضة ولا جدل فإذا قالوا هذا من حكم الوهم الباطل وبمنزلة قول الدهرية من الفلاسفة وغيرهم كل موجودين فإما أن كون أحدهما متقدما على الآخر أو مقارنا قيل له هب أن الأمر كذلك فهذا الذي مثلت به هو حق أيضا تقبله الفطرة وتحكم به فإذا قال هذا من حجة الدهرية القائلين بقدم العالم فإذا صححناه لزمنا القول بقدم العالم وهو باطل وما استلزم الباطل فهو باطل قيل له هذه القضية معلومة بينة بنفسها فطرية ضرورية وأما كونها مستلزمة للقبول بقدم العالم فهذا ليس بين

ولا معلوم بل أنت تقوله وقد يكون هذا من ضعف جوابك عن دعوى التلازم فلما عجزت عن الجواب سلمت التلازم # الوجه الخامس أن يقول هب أنا نفرض تلازمهما فالعلم بهذه القضية التي ألزمتموني نفيها لأنفي معها الأولى التي إثباتها أبين في العقول من كون العالم الذي هو عندكم جميع الأجسام وصفاتها محدث ليس شيء منها بقديم فالاحتجاج على بطلان هذه المقدمة ببطلان هذا اللازم الذي هو أخفى منها عكس الواجب بل إن صح هذا التلازم كان بعض قول الفلاسفة أصح من قولكم يا معشر المناظرين لهم والله تعالى لم يأمرنا أن ندفع الأقوال الباطلة من أقوال الكفار وغيرها بالأقوال الباطلة بل أمرنا أن نكون قوامين بالقسط شهداء لله وأن لا نقول على الله إلا الحق ولا نقفوا ما ليس لنا به علم قال الله تعالى ^ قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد ^ وقال تعالى ^ وإذا قلتم فاعدلوا ^ وقال تعالى ^ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ^ وقال تعالى ^ قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون ^ وقال تعالى ^ ولا تقف ما ليس لك به علم ^ وقال تعالى ^ ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا على الله إلا الحق ^ وقال تعالى ^ يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق ^ وقال تعالى ^ ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم ^ وقال تعالى ^ إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ^ وقال تعالى ^ وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ^ وقال تعالى ^ وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ^ وقال تعالى ^ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ^

وليس من الأحسن أن يدفع الباطل بالباطل أو أن نرد ما علمناه بالفطرة والضرورة لظننا أن المبطل يدفع به الحق وقال تعالى ^ ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم ^ فذم الله من جادل في الحق بعد ما تبين ومن حاج فيما ليس له به علم ومن أبين الحق ما كان معلوما بالفطرة فكيف يجوز أن يجادل أحد فيه فيدفعه وإن كان هذا مشتبها على أحد كان ما ليس له به علم وليس لأحد أن يحاج فيما ليس له به علم وهذا أصل عظيم ومن أعظم ما ذم به السلف والأئمة أهل الكلام والجدل وإن جادلوا الكفار وأهل البدع أنهم يجادلون بالباطل في الحجج وفي الأحكام فتدبر هذا واحترس منه فإنه من توقاه الله تخلصت له السنة من البدعة والحق من الباطل والحجج الصحيحة من الفاسدة ونجا من ضلال المتفلسفين وحيرة المتكلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم # الوجه السادس إن كل واحدة من الطائفتين تقول لهم إذا عارضهم بمذهب الآخرين ما يبطل هذه المعارضة فيقول المثبت للعلو من المسلمين وسائر أهل الملل والفلاسفة الصابئين والمشركين وغيرهم أنا أعلم بفطرتي أن الموجود إما أن يكون محايثا لغيره أو مباينا له وقولك إن هذا مثل قول الفيلسوف الدهري الموجودان إما أن يكون أحدهما مع الآخر أو قبله هو أيضا معلوم لي وقولك إن هذا يستلزم تقدم العالم أنا لا أجزم بهذه الملازمة نفيا ولا إثباتا # وقد يقول أيضا أنا لا أنظر في هذه المعارضة وسواء جزمت بثبوت الملازمة أو انتفائها أو لم أجزم بشيء فأقول لا يخلو إما أن يكون ما ذكرته مستلزما للقول بقدم جسم من الأجسام أو لا يكون فإن لم يكن مستلزما بطلت المعارضة وإن كان مستلزما لقدم جسم من الأجسام فليس علمي بحدوث الأجسام الذي

تسميه حدوث العالم أبين عندي من العلم بهذه القضية إذ هذه المقدمة ضرورية فطرية وتلك تحتاج إلى مقدمات طويلة خفية وفيها نزاع كثير # ولا أيضا دلالة الكتاب والسنة على حدوث جميع الأجسام بأظهر من دلالة الكتاب والسنة على أن الله تعالى فوق العالم بل القرآن مملوء بما يدل على أن الله تعالى فوق العالم وهو دال على أن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ولكن هو يذكر مع ذلك أنه استوى على العرش والذي نطق به القرآن في جميع الآيات لا يمكن أن يستدل به على أن جميع الأجسام محدثة إلا بتوسط مقدمات مستنبطة بأن يبين أن هذا المذكور في القرآن هو الأجسام وأن لا جسم إلا ما أخبر بخلقه وأما دلالة القرآن على العلو فلا تحتاج إلى مقدمات مستنبطة فإذا كان العلم بأن الله تعالى فوق العالم أبين في الفطرة والشرعة من كون الأجسام كلها محدثة لم يجب علي أن أترك ذلك المعلوم البين في الفطرة خوفا أن يلزمني إنكار هذا الذي ليس هو مثله في ذلك وهذا الجواب بين ظاهر # وملخصه أن هذه الملازمة التي ذكرها وهو أن هذا يستلزم أن يقال هذا مثل حجة الفلاسفة المستلزمة قدم الزمان إما أن تكون حقا في نفس الأمر أو باطلا فإن كانت باطلا بطلت المعارضة وإن كانت حقا لزم إما ثبوت اللازم وإما انتفاء الملزوم لا يلزم انتفاء الملزوم عينا وإذا كان كذلك فليس العلم بانتفاء اللازم بأظهر من العلم بثبوت الملزوم بل ثبوت الملزوم أبين في الشرع والعقل فلا يجوز على هذا التقدير انتفاء اللازم فلا تصح المعارضة وهكذا يقول الفيلسوف وذلك يظهر # بالوجه السابع وهو أن الفيلسوف يقول وعلمي بأن الموجودين إما أن يكون أحدهما مع الآخر أو قبله علم بديهي فطري وأما قولك إن هذا مثل قول المجسم

الموجودان إما أن يكون أحدهما محايثا للآخر أو بائنا عنه أقول لا يخلو إما أن تكون هذه المماثلة حقا أو باطلا فإن كانت باطلا لم يرد علي وإن كانت حقا وجب علي التزام المماثلة وذلك يقتضي أن أقول بثبوت النقيضين جميعا أو انتفائهما جميعا لا يقتضي أن أثبت الزمانية وأنفي المكانية فإذا كنت قد فرقت بينهما بإثبات هذه ونفي الأخرى أكون مخطئا في هذا التفريق لم يتعين خطأي في المكانية حتى أنفيها وأسوي الأخرى بها في النفي بل إذا سويت بينهما في الإثبات يلزمني أن أقول إن واجب الوجود مباين للعالم وإذا سويت بينهما في النفي وسلم أن ذلك يبطل دلالة هذه الحجة على قدم العالم كان غاية ما يلزمني إما بطلان القول بقدم العالم وإما بطلان دليل معين يدل على قدمه ولا ريب أن قدم العالم أو صحة هذه الحجة أخفى وأبعد عن المعلوم من كون واجب الوجود تعالى فوق العالم فإن الإقرار بهذا ثابت في الفطرة وقد تواتر عن الأنبياء والرسل القول به فإذا كان على أحد التقديرين أخالف المعلوم بفطرتي من العلوم الضرورية فأنفي كل واحد من القضيتين وأخالف الأنبياء والمرسلين وعلى الآخر إنما أخالف الحجج الدالة على قدم العالم وأبطل هذه الحجة المعينة كانت مخالفة هذه أولى في عقل كل عاقل وهذا لكلام في غاية الإنصاف والبيان # فعلم أن ما ذكروه من المعارضة لم يندفع به واحدة من الطائفتين لا في المناظرة ولا في نظر الإنسان بينه وبين ربه تعالى ولكن أوهموا هؤلاء بهؤلاء وهؤلاء بهؤلاء والتزموا مخالفة الفطرة الضرورية العقلية التي اتفق عليها العقلاء في كل من الإيهامين مع ما في ذلك من مخالفة الكتب والرسل ببعض ما قالوه في كل واحدة من المسألتين مسألة حدوث الأجسام ومسألة علو الله تعالى على خلقه

هذا كله إذا لم يكن في الفلاسفة من يقول بالجهة ولا في المسلمين من يقول بقدم بعض الأجسام فكيف والمثبت للجهة يقول ما يقال في # الوجه الثامن وهو أن يقول غاية ما ألزمتني به من حجة الدهرية أن يقال بقدم بعض الأجسام إذ القول بقدم الأجسام جميعها لم يقل به عاقل والقول بخلق السموات والأرض لم تدل هذه الحجة على نفيه وإنما دلت إن دلت على قدم ما هو جسم أو مستلزم لجسم وهذا مما يمكنني التزامه فإنه من المعلوم أن طوائف كثيرة من المسلمين وسائر أهل الملل لا يقولون بحدوث كل جسم إذ الجسم عندهم هو القائم بنفسه أو الموجود أو الموصوف فالقول بحدوث ذلك يستلزم القول بحدوث كل موجود وموصوف وقائم بنفسه وذلك يستلزم بأن الله تعالى محدث # وهؤلاء يقولون لمناظريهم نحن نبين أن القول بحدوث كل ما يدخل في المعنى الذي تسمونه جسما يستلزم حدث الباري تعالى ونبين أن قولكم أن الله تعالى ليس بجسم يستلزم حدوث الباري أكثر مما تبينون أن القول بثبوته يستلزم حدوث الباري كما سنبين أن نفي الجهة يستلزم القول بعدم الباري وهذا أمر قد بين في غير هذا الموضع وبين أنما ذكره النفاة من حدوث كل جسم حجة باطلة مبتدعة حتى ذكر أبو الحسن الأشعري أن هذه الحجة مخالفة لحجج الأنبياء والرسل وأتباعهم وأنها محرمة عندهم # وإذا كان كذلك فتقول لهم مثبتة الجهة إذا كان تصحيح هاتين المقدمتين الفطريتين يستلزم مع كون الباري تعالى فوق العالم مباينا له أن يكون

من الأجسام ما هو قديم أمكنني التزام ذلك على قول طوائف من أهل الكلام بل على قول كثير منهم ولم أكن في ذلك موافقا للدهرية الذين يقولون إن الأفلاك قديمة أزلية حتى يقال هذا مخالف للكتاب والسنة أو هذا كفر بل الذي نطق به الكتاب والسنة واتفق عليه المسلمون من خلق المخلوقات وحدوث المحدثات أقول به وأما كون الباري جسما أو ليس بجسم حتى يقال الأجسام كلها محدثة فمن المعلوم أن الكتاب والسنة والإجماع لم تنطق بأن الأجسام كلها محدثة وأن الله ليس بجسم ولا قال ذلك إمام من أئمة المسلمين فليس في تركي لهذا القول خروج عن الفطرة ولا عن الشريعة بخلاف قولي بأن الله تعالى ليس فوق العالم وأنه موجود لا داخل العالم ولا خارجه فإن فيه من مخالفة الفطرة والشرعة ما هو بين لكل أحد وهو قول لم يقله إمام من أئمة المسلمين بل قالوا نقيضه فكيف التزم خلاف المعقول الفطري وخلاف الكتاب والسنة والإجماع القديم خوفا أن أقول قولا لم أخالف فيه كتابا ولا سنة ولا إجماعا ولا معقولا فطريا # بل يقول في الوجه التاسع هذه المعارضة تؤكد مذهبي وتقوية وتكون حجة ثانية لي على صحة قولي فإن احتججت علي بأن الله تعالى مباين للعالم بأن الموجودين إما أن يكون أحدهما مباينا للآخر أو محايثا له فقلتم هذا معارض بقول الفيلسوف إن الموجودين إما أن يكون أحدهما متقدما على العالم أو مقارنا له وذلك يستلزم القول بقدم الزمان المستلزم للقول بقدم بعض الأجسام فأقول إذا كانت هذه الحجة التي عارضتموني بها مستلزمة لكون بعض الأجسام قديمة من غير أن تعين جسما أمكن أن يكون ذلك الذي يعنونه بأنه الجسم القديم هو الله سبحانه وتعالى كما يقوله المثبتون وأن ذلك هو ملازم لقولنا إنه موصوف وقائم بنفسه ونحو ذلك فتكون هذه الحجة التي عارضتم بها دليلا على أن الله

تعالى جسم بالمعنى الذي ذكرتموه الذي تقول إنه ملازم لكونه موصوفا وقائما بنفسه وإن نازعتم في الملازمة وذلك يدل على صحة الحجة الأولى بالاتفاق فإن الجسم وما يقوم به إما أن يكون مباينا لغيره وإما أن يكون محايثا له أو حالا فيه وهذا متفق عليه فإنكم لا تنازعون في أن الجسم أو ما يقوم به إما مباينا لغيره أو محايثا له وإذا كان موجب الحجة التي ألزمتموني إياها يلزمني أن أقول هو جسم وذلك يستلزم أن يكون مباينا للعالم كان هذا الذي ألزمتموني به حجة ثانية على أنه مباين للعالم فأردتم معارضة كل حجة بالأخرى ليكون ما قلتموه من تناقض الحجتين نافيا لكونه مباينا للعالم ولكون كل جسم محدثا فتبين أن الحجتين متعاونتان متصادقتان وأن كل واحدة منهما تدل على أنه تعالى مباين للعالم # ويقول في الوجه العاشر إذا كانت إحدى هاتين المقدمتين الضرورتين تستلزم أنه مباين للعالم والأخرى تستلزم أنه جسم فقد ثبت بموجب هاتين المقدمتين صحة قول القائلين بالجهة وقول القائلين بأنه جسم وكونه جسما يستلزم القول بالجهة كما توافقون عليه وقول القائلين بالجهة يستلزم أيضا القول بالجسم كما تقولون أنتم وأكثر العقلاء خلاف ما يقوله قدماء أصحابكم إن نفي الجسم مستلزم لنفي الجهة والعلو على العرش وأن ثبوت العلو على العرش يستلزم ثبوت الجسم فإذا تكون كل واحدة من هاتين المقدمتين الفطريتين دليل على كل واحد من هذين المطلوبين وكل من المطلوبين دليلا على الآخر فصار على كل واحد من هذين المطلوبين أربع حجج وهي مبنية على مقدمات فطرية فقد بين هذا أن ما ذكرتموه معارضة للنفاة لتبطلوا به حجتهم هو من أعظم الحجج على صحة قولهم

# وكذلك أيضا قول الفيلسوف في # الوجه الحادي عشر وهو أن يقول هذا الذي عارضتموني به في مسألة الزمان أكثر ما يوجب علي أن أقول بالجهة والقول بالجهة هو قول أئمة الفلاسفة كما ذكرناه فيما مضى عن القاضي أبي الوليد ابن رشد الفيلسوف الذي هو من أتبع الناس لأقوال آرسطو وذويه وأنه قال القول في الجهة وأما هذه الصفة فلم يزل أهل الشريعة من أول الأمر يثبتونها لله سبحانه وتعالى حتى نفتها المعتزلة ثم تبعهم على نفيها متأخرو الأشعرية كأبي المعالي ومن اقتدى بقوله قال وظواهر الشرع كلها تقتضي إثبات الجهة مثل قوله ^ الرحمن على العرش استوى ^ ومثل قوله ^ وسع كرسيه السموات والأرض ^ ومثل قوله ^ ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ^ ومثل قوله ^ يدبر الأمر من السماء إلى لأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة ^ ومثل قوله ^ تعرج الملائكة والروح إليه ^ ومثل قوله ^ أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور ^ إلى غير ذلك من الآيات التي إن سلط التأويل عليها عاد الشرع كله مؤولا متشابها لأن الشرائع كلها مبنية على أن الله تعالى في السماء وأن منها تنزل الملائكة بالوحي إلى النبيين وأن من السماء نزلت الكتب وإليها كان الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى قرب من سدرة المنتهى قال وجميع الحكماء قد اتفقوا على أن الله تعالى والملائكة في السماء كما اتفقت جميع الشرائع على ذلك والشبهة التي قادت نفاة الجهة إلى نفيها هو أنهم اعتقدوا أن إثبات الجهة يوجب إثبات المكان وإثبات المكان يوجب إثبات الجسمية # وقد تقدم ذكرنا لبقية كلامه بألفاظه وأنه قرر أن ما فوق العالم

وهو الجهة ليس مكانا على اصطلاح الفلاسفة إذ المكان عند آرسطو هو السطح الباطن من الجسم الحاوي الملاقي للسطح الظاهر من الجسم المحوي إلى أن قال وقد قيل في الآراء السالفة القديمة والشرائع الغابرة إن ذلك الموضع هو مسكن الروحانيين يريدون الله والملائكة إلى أن قال فقد ظهر من هذا أن إثبات الجهة واجب بالشرع والعقل وأنه الذي جاء به الشرع وابتنى عليه فإن إبطال هذه القاعدة إبطال للشرائع فقد حكى اتفاق الحكماء على إثبات الجهة قال وجميع الحكماء قد اتفقوا على أن الله تعالى والملائكة في السماء وأن مما قيل في الآراء السالفة والشرائع الغابرة إن ذلك الموضع يعني ما فوق العالم هو مسكن الروحانيين يريدون الله تعالى والملائكة وتصريحهم في هذا بلفظ المسكن يشبه ما ذكره الأشعري أن المسلمين جميعا إذا نابتهم نائبة يقولون يا ساكن العرش # فقد ظهر بهذا أنما ذكره من التناقض على المجسمة والفلاسفة لا يرد على واحدة منهما بل يمكنهم نفي هذا التناقض
فصل # لفظ الظرف فيه اشتراك غلط بسببه أقوام فإن الظرف في اللغة قد يعنى به الجسم الذي يوعى فيه غيره فيظن إذا استعملت هذه الأدوات في حق الله تعالى أنه محل المخلوقات تكون في جوفه وأنها محل له يكون في جوفها وهذا مما يعلم قطعا أن هذه الأدوات لم تدل على ذلك في حق الله تعالى البتة بل النحاة سموا الألفاظ التي يعبر بها العرب عن المعاني التي هي أعم من ذلك بالظروف حتى يدخل في ذلك ما لا يحيط بالمظروف وأنواع متعددة وقد قال تعالى ^ ولو ترى إذ وقفوا على ربهم ^ وقال تعالى ^ ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم ^ وقال تعالى ^ إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون ^ وقال تعالى ^ فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل

والنهار وهم لا يسأمون ^ وقال تعالى ^ في مقعد صدق عند مليك مقتدر ^ وقال تعالى ^ وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ^ وقال تعالى ^ وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم ^ وقال تعالى ^ ألر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ^ وقال تعالى ^ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ^ وقال تعالى ^ إن الله عنده علم الساعة ^ # ولفظ مع من الظروف وقد أضيف اسم الله إليه فيما شاء الله من المواضع وإضافته إلى الظرف أبلغ من إضافة الظرف إليه قال تعالى ^ يخافون ربهم من فوقهم ^ وقال ^ إليه يصعد الكلم الطيب ^ وقال ^ تعرج الملائكة والروح إليه ^ # وحق لمن يكون هذا وأمثاله كلامه إذا أراد الله رحمته أن يتوب منه كما قال أبو المعالي عند الموت لقد خضت البحر الخضم وخليت أهل الإسلام وعلومهم ودخلت في الذي نهوني عنه والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لابن الجويني وها أنا أموت على عقيدة أمي وروي على عقيدة عجائز نيسابور ولهذا يقول مثل هؤلاء عليكم بدين العجائز فإن تلك العقيدة الفطرية التي للعجائز خير من هذه الأباطيل التي هي من شعب الكفر والنفاق وهم يجعلونها من باب التحقيق والتدقيق
فصل # أبو عبدالله الرازي فيه تجهم قوي ولهذا يوحد ميله إلى الدهرية أكثر من ميله إلى السلفية الذين يقولون إنه فوق العرش وربما كان يوالي أولئك أكثر من هؤلاء ويعادي هؤلاء أكثر من أولئك مع اتفاق المسلمين على أن الدهرية كفار وأن المثبتة للعلو فيهم من خيار المسلمين من لا يحصيه إلا الله تعالى وقد صنف على مذهب الدهرية المشركين والصابئين كتبا حتى قد صنف في السحر

وعبادة الأصنام وهو الجبت والطاغوت وإن كان قد أسلم من هذا الشرك وتاب من هذه الأمور فهذه الموالاة والمعادات لعلها في تلك الأوقات ومن كان بتلك الأحوال فهو قبل الإسلام والتوبة ومن فعل هذا كان له نصيب من قوله تعالى ^ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا إلى قوله ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ^ إلى آخر الآيات # يقرر ذلك أنه احتج في مقدمة هذا العلم الشريف بكلام آرسطو معلم المشائين من الدهرية ولم يكن عنده من أثارة الأنبياء والمرسلين ما يقدمه على كلام الدهرية واحتج أيضا بما نقله عن أبي معشر البلخي والمنجم وهو من أتباع الصابئين بل كان تارة من المشركين عباد الشمس والقمر وعبد القمر مدة كما أخبر بذلك عن نفسه وصنفها صنف في ذلك وجواب الدهرية أنه قبل العالم وما فيه من الزمان وقولهم والعلم الضروري حاصل بأن هذه القبلية لا تكون إلا بالزمان والمدة

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:43 AM
فصل # تنازع المسلمون في تسمية الله بالدهر ففي الصحيح عن أبي هريرة قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لا يسب أحدكم الدهر فإن الله هو الدهر ولا يقولن أحدكم للعنب الكرم فإن الكرم الرجل المسلم وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله عز وجل يسب ابن آدم الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار وفي رواية أخرى يؤذيني ابن آدم يقول يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما هذه ألفاظ مسلم # قال القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات اعلم أن أبا بكر الخلال قال أخبرني بشر بن موسى الأسدي قال سألت أبا عبدالله أحمد بن حنبل عن الدهر فلم يجبني فيه بشيء قال القاضي وظاهر هذا أن أحمد توقف عن الأخذ بظاهر الحديث وقال حنبل سمعت هارون الحمال يقول لأبي عبدالله كنا عند سفيان بن عيينة بمكة فحدثنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تسبوا الدهر فقام فتح بن سهل فقال يا أبا محمد نقول يا دهر ارزقنا فسمعت سفيان

يقول خذوه فإنه جهمي وهرب فقال أبو عبدالله القوم يردون الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نؤمن بها ولا نرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله قال القاضي وظاهر هذا أنه أخذ بظاهر الحديث ويحتمل أن يكون قوله ونحن نؤمن بها راجع إلى أخبار الصفات في الجملة ولم يرجع إلى هذا الحديث خاصة # قال وقد ذكر شيخنا أبو عبدالله رحمه الله يعني ابن حامد هذا الحديث في كتابه وقال لا يجوز أن يسمى الله دهرا والأمر على ما قاله لأنه قد روي في بعض ألفاظ الحديث ما يمنع من حمله على ظاهره هذا ولم يرد في غيره من أخبار الصفات ما دل على صرفه عن ظاهره فلهذا أوجب حملها على ظاهرها وذلك أنه روي فيه أنه يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار وفي لفظ آخر لي الليل والنهار أجدده وأبليه وأذهب بملوك وآتي بملوك فتبين أن الدهر هو الليل والنهار خلق له وبيده وأنه يجدده ويبليه فامتنع أن يكون إلا له وأصل هذا الخبر أنه ورد على سبب وهو أن الجاهلية كانت تقول أصابني الدهر في مالي بكذا ونالتني قوارع الدهر ومصائبه فيضيفون كل حادث يحدث بما هو جار بقضاء الله وقدره وخلقه وتقديره من مرض أو صحة أو غنى أو فقد أو حياة أو موت إلى الدهر ويقولون لعن الله هذا الدهر والزمان ولذلك قال قائلهم % أمن المنون وريبه تتوجع % والدهر ليس بمعتب من يجزع %
# وقال تعالى ^ نتربص به ريب المنون ^ أي ريب الدهر وحوادثه وقال سبحانه وتعالى ^ وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ^ فأخبر عنهم بما كانوا عليه من نسبة أقدار الله وأفعاله إلى الدهر فقال النبي صلى الله عليه وسلم

لا تسبوا الدهر أي إذا أصابتكم المصائب لا تنسبوها إليه فإن الله هو الذي أصابكم بها لا الدهر وأنكم إذا سببتم الدهر وفاعل ذلك ليس هو الدهر # وقال أبو بكر الخلال سألت إبراهيم الحربي عن قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإن الله هو الدهر وعن لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر قال كانت الجاهلية تقول الدهر هو الليل والنهار يقولون الليل والنهار فعل بنا كذا فقال الله تعالى أنا أفعل ليس الدهر قال القاضي فقد بين إبراهيم الحربي أن الخبر ليس على ظاهره وأنه ورد على سبب وذكر أبو عبيد نحو ما ذكرنا فقال لا ينبغي لأحد من أهل الإسلام أن يجهل وجهه وذلك أن أهل التعطيل يحتجون به على المسلمين واحتج به بعضهم فقال ألا تراه يقول فإن الله هو الدهر قال وتأويله أن العرب كان شأنها أن تذم الدهر وتسبه عند المصائب التي تنزل بهم من موت أو هرم أو تلف فيقولون أصابتهم قوارع الدهر وأبادهم الدهر وأتى عليهم الدهر فيجعلونه الذي يفعل ذلك فيذمونه عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الذي فعل بكم هذه الأشياء أو يصيبكم بهذه المصائب فإنكم إذا سببتم فاعلها فإنما يقع السب على الله تعالى وهو الفاعل لها لا الدهر


فصل # القول بأن الله تعالى ليس فوق العرش أول من ابتدعه في الإسلام الجعد بن درهم والجهم بن صفوان وشيعتهما وهم عند الأمة من شرار أهل الأهواء وقد أطلق السلف من القول بتكفيرهم ما لم طلقوه بتكفير أحد وقالوا نحكي كلام اليهود والنصارى ولا نحكي كلام الجهمية وقالوا اتفق المسلمون واليهود والنصارى على أن الله تعالى فوق العرش وقالت الجهمية ليس فوق العرش وليس هذا قول أئمة متكلمة الصفاتية لا أبي محمد عبدالله بن سعيد بن كلاب ولا أبي العباس القلانسي ونحوهما ولا قول أبي الحسن الأشعري وأبي الحسن علي بن مهدي الطبري والقاضي أبي بكر الباقلاني وغيرهم من أئمة الأشعرية الذين تزعم أنهم أصحابك وإن قيل هؤلاء

متناقضون في أقوالهم لم يكن نفي قول الأثبات الذين صرحوا به عنهم لقولهم بما يناقضه بأولى من نفي القول النافي عنهم لقولهم ما يناقضه لا سيما إذا كان المعروف عنهم أن الأثبات آخر القولين وإذا كان أبو المعالي والشهرستاني وطوائف غيرهما قد خالفوه من أئمة أصحابهم وقدمائهم في الأثبات لم يجز أن يجعل قولهم هو قول أولئك بل نقل لمذهب إمامه أنا قد ذكرنا بنقل العدول الأئمة أن أبا المعالي تحير في هذه المسألة في حياته ورجع إلى دين أهل الفطرة كالعجائز عند مماته وكذلك الرازي أيضا حيرته وتوبته معروفة وكذلك أئمة هؤلاء # ثم يقال هب أنه قول هؤلاء أفهؤلاء ومن وافقوه من المعتزلة هم أهل التوحيد والتنزيه دون سائر النبيين والمرسلين والصحابة والتابعين وسائر أئمة الفقهاء والصوفية والمحدثين وأصناف المتكلمين الذين لم يوافقوا هؤلاء في هذا السلب بل يصرحون بنقيضه أو بما يستلزم وكلامهم في ذلك ملء العالم مع موافقتهم للكتب المنزلة من السماء وللفطرة الضرورية التي عليها عموم الدهماء والمقاييس العقلية السليمة عن المراء وقد ذكر هذا الإمام لأتباعه أبو عبدالله الرازي في كتابه أقسام اللذات لما ذكر اللذة العقلية وأنها العلم وأن أعرف العلوم العلم بالله لكنه العلم بالذات والصفات والأفعال وعلى كل واحدة من ذلك عقدة هل الوجود هو الماهية أم قدر زائد وهل الصفات زائدة على الذات أم لا وهل الفعل مقارن أو محدث ثم قال ومن الذي وصل إلى هذا الباب أو ذاق من هذا الشراب

% نهاية إقدام العقول عقال % وأكثر سعي العالمين ضلال % % وأرواحنا في وحشة من جسومنا % وحاصل دنيانا أذى ووبال % % ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا % سوى أن جمعنا فيه قيل وقال %
# لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفى عليلا ولا تروي غليلا ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن إقرأ في الاثبات ^ الرحمن على العرش استوى ^ ^ إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ^ واقرأ في النفي ^ ليس كمثله شيء ^ ^ ولا يحيطون به علما ^ ثم قال ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي ومثل هذا كثير عن هؤلاء أئمة هذه المقالة النافية يعترفون بعدم العلم بها ويرجعون إلى ما عليه أهل الفطرة وما عليه أهل الظاهر الحشوية عندهم فكيف يكونون هم أهل التوحيد والتنزيه مع هذا الريب والشك والحيرة والتمويه # الوجه السادس والثلاثون أن يقال له دعواكم الرد على الدهرية بمثل جحد هذه المقدمة وأمثالها مما تبين فيها أنكم جحدتم العلوم الفطرية أوقعكم في أمورا أربعة # أحدها اتفاق سلف الأمة وأئمتها على ذمكم وذم كلامكم # الثاني نفور أهل الإيمان عن طريقكم وما قذف الله تعالى في قلوبهم من البغض لذلك وهم شهداء الله تعالى في الأرض # الثالث طمع الفلاسفة الدهرية فيكم أهل جدل وكلام لا أهل علم وبرهان حتى ارتد خلق كثير منكم إليهم بل أن ابن الراوندي

الذي يقال إنه من شيوخ الأشعري صنف كتابه المسمى بكتاب التاج في قدم العالم موافقة للدهرية وهؤلاء المدعون للتحقيق منكم كصاحب الفصوص وابن سبعين وأمثالهما يؤول بهم الأمر إلى أن يقتصروا على قول الدهرية الذين يثبتون واجب الوجود ويفرقون بين الواجب والممكن بل يجعلون وجوده وجود الممكنات ولا يجعلون له وجودا خارجا عن وجود الأرض والسموات ويصرح من يصرح من فضلائهم بأن قولهم هو قول فرعون وأنهم على قول فرعون فيأتون بقول الدهرية المتضمن لإنكار الصانع وهو شر المقالات ويدعون أن هذا هو التحقيق والعرفان وسببه أنكم سلكتم بهم في طريقة النفي والتعطيل التي لا تثبت للصانع وجودا مباينا للمخلوق وهذه يضطر سالكها إلى أن لا يقول بموجود وراء العالم وهو محض قول الدهرية فكيف تتبرؤون منهم وقولكم يؤول إليهم تصريحا أو لزوما # الرابع أن يقال له أنت معترف بعجزك عن مقاومة الدهرية وأنت في أكبر كتبك المطالب العالمية ذكرت أدلة الفريقين القائلين بحدوث العالم وقدمه وضربت هذه بهذه ولم ترجح شيئا بل ذكرت أن الكتب الإلهية والأدلة السمعية لم تبين هذه المسألة وفي أجل كتبك الكلامية لم تحتج على حدوثه بحجة ظنية فضلا عن علمية وادعيت أن ذلك لا يتم إلا بمقدمة تذكر في سائر كتبك أنها معلومة الفساد بالضرورة وهو ترجيح أحد طرفي الممكن

بلا مرجح فمن تكون هذه حاله كيف يدعي أنه وأصحابه أهل التوحيد والتنزيه دون المثبتين والفلاسفة # وسبب ذلك أنهم أدخلوا في مسألة حدوث العالم حقا وباطلا وطلبوا إثباتهما معا فلم ينهض دليل صحيح بإثبات باطل مع حق وطمع فيهم خصمهم لما رآه من ذلك وإن كان كلام خصومهم فيها أيضا فاسدا متناقضا فالطائفتان فيها ضالتان وذلك أن هذا وأصحابه سلكوا طريق المعتزلة التي التزموا حدوث الموصوفات بحدوث صفاتها والتزموا على ذلك امتناع اتصاف الرب بصفة ولزمهم على ذلك وإن لم يلتزموه حدوث كل قائم بنفسه بل حدوث كل موجود فكان ما ذكروه من الحجة متضمنا حدوث الموجودات كلها ومعلوم أن الدليل على ذلك لا يكون حقا وقابلوا بها من زعم أن من المخلوقات ما هو قديم كالعناصر والسموات وقابلوا باطلا بباطل ثم إنهم اضطربوا في العلم بحدوث الصفات وحدوث موصوفاتها اضطرابا ذكرناه في غير هذا الموضع ثم جاء هؤلاء فوافقوهم في المعنى دون العبارة وزعموا أن الموصوف الذي سموا صفته عرضا يستدل على حدوثه بحدوث صفته وزعموا أن شيئا من صفات المخلوقات لا يبقى زمانين وأن القابل لصفة لا يخلو منها ومن ضدها وقود مقالتهم يوجب مثل تلك المقالة مع ما التزموه في مواضع من المكابرات وإن كانوا في مواضع اعترفوا بالحق الذي أنكره أولئك # ومن تدبر عامة بدع الجهمية ونحوهم وجدها ناشئة عن مباحث هذه الدعوى والحجة # ولهذا كان السلف والأئمة يذمون كلامهم في الجواهر والأعراض وبناءهم علم الدين على ما ذكروه من هذه المقدمات وقد بسطنا الكلام في هذا في غير

هذا الموضع قال الإمام أبو المظفر السمعاني والأصل الذي يؤسسه المتكلمون والأصل الذي يجعلونه قاعدة علومهم مسألة العرض والجوهر وإثباتهما وأنهم قالوا إن الأشياء لا تخلو من ثلاثة أوجه إما أن تكون جسما أو عرضا أو جوهرا فالجسم ما اجتمع من الافتراق والجوهر ما احتمل الأعراض والعرض مالا يقوم بنفسه وإنما يقوم بغيره وجعلوا الروح من الأعراض وردوا أخبار النبي صلى الله عليه وسلم التي لا توافق نظرهم وعقولهم ولهذا قال بعض السلف إن أهل الكلام أعداء الدين لأن اعتمادهم على حدسهم وظنونهم وما يؤدي إليه نظرهم وفكرهم ثم يعرضون عليه الأحاديث فما وافقه قبلوه وما خالفه ردوه وأما أهل السنة سلمهم الله تعالى فإنهم يتمسكون بما نطق به الكتاب ووردت به السنة ويحتجون له بالحجج الواضحة على حسب ما أذن فيه الشرع وورد به السمع وذكر تمام الكلام # والمقصود أن هذا وأمثاله وإن كان في هذا المقام يتجوه بمخالفة الدهرية وليس الرد على الدهرية معلوما من طريقهم بل طريقهم هم والدهرية فيها متقابلون يقولون هؤلاء الحق تارة والباطل أخرى وكذلك أولئك وليس أذكياؤهم على بصيرة فيها وسبب ذلك ما يجحدونه من الحق المعلوم وما يدعونه من الدعاوى الباطلة والمشتملة على حق وباطل وإلا فلو كانت الحجج حقا محضا لم ينكرها أحد من السلف والأئمة ولا كان للمخالفين طريق صحيح إلى هدمها # الوجه السابع والثلاثون إن تسميتك أصحابك أهل التوحد والتنزيه هو مما اتبعتم فيه المعتزلة نفاة الصفات فإنهم فسروا التوحيد بتفسير لم يدل عليه الكتاب والسنة ولا قاله أحد من سلف الأمة وأئمتها كما سيأتي الكلام عليه إن شاء الله

تعالى وادعوا أن من أثبت الصفات لم يكن موحدا لأن الواحد عندهم الذي لا يعقل فيه ما تميز منه شيء عن شيء أصلا وثبوت الصفات يقتضي الكثرة والذي جعلوه واحدا لا ينطبق إلا على معدوم ممتنع كما سيأتي بيان # ومن المعلوم أن التوحيد الذي بعث الله به رسوله وأنزل به كتابه هو ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع مثل عبادة الله وحده لا شريك له فمن عب غيره كان مشركا ولم يكن موحدا وإن أقر أنه خالق كل شيء كما قال تعالى ^ وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ^ وقال تعالى ^ ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ^ وقال تعالى ^ قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون ^ وقال تعالى ^ وإلهكم إله واحد ^ وقال تعالى ^ وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد ^ وأمثال هذه الآيات # وأما تفسير التوحيد بما يستلزم نفي الصفات أو نفي علوه على العرش بل بما يستلزم نفي ما هو أعم من ذلك فهو شيء ابتدعته الجهمية لم ينطق به كتاب ولا سنة ولا إمام وكذلك جعل التشبيه ضد التوحيد وتفسير التشبيه بما فيه إثبات الصفات هو أيضا باطل فإن التوحيد نقيضه الإشراك بالله تعالى والتمثيل له بخلقه وإن كان ينافي التوحيد فليس المراد بذلك ما يسمونه هم تشبيها فإنهم يسمون المعاني بأسماء سموها هم وآباؤها ما أنزل الله بها من سلطان فمن بنى على ذلك الحمد والذم ومن علق الحمد والذم بأسماء ليست مما أنزل الله بها سلطانا بين فيه ما يحمده وما يذمه فقد ابتدع من الدين ما لم يأذن به الله تعالى وليس هذا موضع بسط

هذا وتبيينه إذ كل من كان إلى التعطيل أقرب وعن القرآن والإسلام أبعد كان أحق بهذا المعنى الذي تسميه التوحيد والتنزيه # فإن المعتزلة أحق منهم بهذا لأنهم أحق بنفي الصفات والكثرة وأحق بنفي الأمور التي يجعلون إثباتها تشبيها والفلاسفة أحق من المعتزلة بهذا وأهل وحدة الوجود أحق بهذا من الفلاسفة ولهذا يدعون من التوحيد والتحقيق والعرفان بحسب هذا الوضع والاصطلاح الذي ابتدعوه مالا يمكن هؤلاء رده إلا بنقض الأصول المبتدعة التي وافقوهم عليها ومن المعلوم أن الوجود المطلق ليس شيئا له وجود في الخارج مطلقا حتى يوصف بوحدة ولا كثرة وإنما حقيقة قولهم قول أهل التعطيل الذين هم شرار الدهرية فظهر أن توحيدهم هذا وتنزيههم هذا دهليز التعطيل والزندقة وأن من كان أعظم تعطيلا وإلحادا كان أحق بتوحيدهم وتنزيههم هذا وهذا بخلاف ما كان من أهل الإثبات المقرين بالتوحيد والتنزيه الذي جاءت به الرسل عليهم السلام ونزلت به الكتب التوحيد العلمي القولي كالتوحيد الذي دلت عليه السورة التي هي صفة الرحمن وهي تعدل ثلث القرآن والتوحيد العملي الإرادي الذي دلت عليه السورة التي هي براءة من الشرك وهما سورتا الإخلاص فإن هؤلاء الموحدين كلما حققوا هذا التوحيد بعدوا عن أهل الشرك والتعطيل وتبرؤوا منهم كما قال إمامهم إبراهيم لقومه ^ إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين ^ وقال ^ أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ^ وقال ^ يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ^ وقال تعالى ^ قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ^

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:44 AM
# الوجه الثامن والثلاثون قوله أهل التوحيد والتنزيه الذين عزلوا حكم الوهم والخيال في ذات الله تعالى وصفاته يقال له قد تقدم الكلام على هذا اللفظ المجمل غير مرة # ثم يقال له لا ريب أن الله تعالى أنزل كتابه بيانا للناس وهدى وشفاءا وقال تعالى فيه ^ وأنزلنا إليك الكتاب تبيانا لكل شيء ^ وقال ^ ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء ^ وقال ^ إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ^ وقال ^ فمن ابتع هداي فلا يضل ولا يشقى ^ وقال ^ اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء ^ وقال تعالى ^ وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ^ وقال ^ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا ^ وقال ^ فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل عه أولئك هم المفلحون ^ وقال ^ قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ^ وقالت الجن ^ إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ^ وقص الله تعالى ذلك عنهم على سبيل التصديق لهم في ذلك والثناء عليهم بهذا القول وكذلك قولهم ^ يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ^ وأمثال هذا كثير # وقد بين الله تعالى ما يتقي من القول فيه والظن فقال تعالى ^ قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون ^ وقال عن الشيطان

^ إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله مالا تعلمون ^ وقال تعالى ^ لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق ^ وقال ^ ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم ^ وقال ^ يجادلونك في الحق بعدما تبين ^ فذم من يقول مالا يعلم ومن يقو غير الحق ومن يجادل فيما لا يعلم ومن يجادل في غير الحق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم القضاة ثلاثة قاضيان في النار وقاض في الجنة رجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار ورجل علم الحق وقضى بخلافه فهو في النار وقال تعالى في موضع آخر ^ ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ^ وقال ^ ما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ^ وقال تعالى ^ ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ^ # ومن المعلوم أن العلم له طرق ومدارك وقوى باطنة وظاهرة في الإنسان فإنه يحس الأشياء ويشهدها ثم يتخيلها ويتوهمها ويضبطها بعقله ويقيس ما غاب على ما شهد والذي يناله الإنسان بهذه الأسباب قد يكون علما وقد يكون ظنا لا يعلمه وما يقوله ويعتقده ويحسه ويتخيله قد يكون حقا وقد يكون باطلا فالله سبحانه وتعالى لم يفرق بين إدراك وإدراك ولا بين سبب وسبب ولا بين القوى الباطنة والظاهرة فجعل بعض ذلك مقبولا وبعضه مردودا بل جعل المردود هو قول غير الحق والقول بلا علم مطلقا # فلو كان بعض جناس الإدراك وطرقه باطلا مطلقا في حق الله تعالى أو كان حكمه غير مقبول كان رد ذلك مطلقا واجبا والمنع من قبوله مطلقا متعينا إن لم يعلم بجهة أخرى كما قال في الخبر ^ إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ^ وقال في الاعتبار والقياس الصحيح ^ إن الله يأمر بالعدل ^ ^ وإذا قلتم فاعدلوا ^ ^ كونوا

قوامين لله شهداء بالقسط ^ ^ ليقوم الناس بالقسط ^ فلما كان من المخبرين من لا يقبل خبره إذا انفرد أمر بالتثبت في خبره ولما كان القياس والاعتبار يحصل فيه الظلم والبغي بتسوية الشيء بما ليس مثله في الشرع والعقل أمر بالعدل والقسط وقال تعالى ^ وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ^ فبين تعالى أن سبب الاختلاف هو البغي الذي هو خلاف العدل فالشبهة الفاسدة من هذا النمط وهي من أسباب الاختلاف بعد بيان الكتاب والسنة للحق المعلوم كما قال تعالى ^ ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ^ # فلو كان في الإحساس الباطن والظاهر ما يرد حكمه مطلقا حتى يوافقه إحساس آخر لكان ذلك أيضا مردودا وليبين ذلك كما بين نظيره فإن الحاجة إلى ذلك في أصل الأيمان أعظم من الحاجة إلى ما هو دون ذلك بدرجات كثيرة فلما كان المحرم هو اتباع الظن وما تهوى الأنفس والقول في الدين بلا علم أو قول غير الحق نهى عن ذلك ولم يفرق بين إحساس ظاهر أو باطن ولا بين حس وعقل فلم يكن لأحد أن يفرق بين ما جمع الله تعالى بينه ويجمع بين ما فرق الله تعالى بينه بل يتبع كتاب الله تعالى على وجهه والله أعلم # والذي دل عليه الكتاب أن طرق الحس والخيال والعقل وغير ذلك متى لم يكن عالما بموجبها لم يكن له أن يقول على الله وليس له أن يقول عليه إلا الحق وليس له أن يقفو ما ليس له به علم لا في حق الله ولا في حق غيره فإما تخصيص الإحساس بالباطن بمنعه عن تصور الأمور الإلهية بحسه فهو خلاف ما دل عليه القرآن من تسوية هذا بسائر أنواع الإحساس في المنع وأن القول بموجبها جميعها

إذا كان باطلا حرم في حق الله تعالى وحق باده وإن كان حقا لم ينه عنه في شيء من ذلك # يؤكد ذلك أن حكم الوهم والخيال غالب على الآدميين في الأمور الإلهية بل وغيرها فلو كان ذلك كله باطلا لكان نفي ذلك من أعظم الواجبات في الشريعة ولكان أدنى الأحوال أن يقول الشارع من جنس ما يقوله بعض النفاة ما تخيلته فالله بخلافه لا سيما مع كثرة ما ذكره لهم من الصفات # الوجه التاسع والثلاثون قولك الذين عزلوا حكم الوهم والخيال في ذات الله تعالى وصفاته يقال له ليس الأمر كذلك بل هم يستدلون على منازعيهم في إثبات الصفات لله وما يتبع ذلك بما هو من جنس هذه الحجج وأضعف منها سواء سميت ذلك من حكم العقل أو من حكم الوهم والخيال فإن الاعتبار بالمعاني لا بالألفاظ لا سيما وقد جرت عادة هؤلاء المتكلمين أنهم يسمون بدعواهم منازعيهم بالأسماء المذمومة ويسمون أنفسهم بالأسماء المحمودة فإن كانوا مشتركين في جهة الحمد والذم ويقول أحدهم قال أهل الحق وقال أهل التوحيد ونحو ذلك حتى قد يدعون الإيمان أو ولاية الله تعالى لأنفسهم خاصة كما يفعل ذلك الرافضة والمعتزلة وطوائف من غلاة الصوفية وهؤلاء فيهم شبه من أهل الكتاب الذين قالوا ^ لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ^ وقالوا إن الدار الآخرة خالصة لهم عند الله يوم القيامة والذين ادعوا أنهم أبناء الله وأحباؤه ويسمى أحدهم من أثبت لله صفة مشبها ومجسما مع كونه قد أثبت نظيرها أو أبلغ منها ويسمى النافي معطلا ويكون قد نفى نظير ما نفاه ذلك

# الوجه السابع والثلاثون أن يقال أصل الجهل والضلال والزندقة والنفاق والإلحاد والكفر والتعطيل في هذا الباب هو ما اشتركت فيه الدهرية والجهمية من التكذيب والنفي والجحود لصفات الله تعالى بلا برهان أصلا بل البراهين إذا أعطوها حقها أوجبت ثبوت الصفات وهم مع اشتراكهم في هذا الأصل الفاسد افترقوا حينئذ في المناظرة والمخاصمة كل قوم معهم من الباطل نصيب # وذلك أن مبدأ حدوث هذا في الإسلام هو مناظرة الجهمية للدهرية كما ذكر الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مناظرة جهم للسمنية وهم من الدهرية حيث أنكروا الصانع وإن كان غيرهم من فلاسفة الهند كالبراهمة لا ينكره بل يقول العالم محدث فعله فاعل مختار كما يحكي عنهم المتكلمون وكذلك مناظرة المعتزلة وغيرهم لغير هؤلاء من فلاسفة الروم والفرس وغيرهم من أنواع الدهرية وكذلك مناظرة بعضهم بعضا في تقرير الإسلام عليهم وإحداثهم في الحجج التي سموها أصول الدين ما ظنوا أن دين الإسلام ينبني عليها وذلك هو أصل علم الكلام الذي اتفق السلف والأئمة على ذمه وذم أصحابه وتجهيلهم فإن كلام السلف والأئمة في ذم الجهمية والمتكلمين لا يحصيه إلا الله تعالى وأصل ذلك أنهم طلبوا أن يقرروا ما لا ريب فيه عند المسلمين من أن الله تعالى خلق السموات والأرض وأن العالم له صانع خالق خلقه ويردوا على من يزعم أن ذلك قديم إما واجب بنفسه وإما معلول علة واجبة بنفسها # فإن الدهرية لهم قولان في ذلك ولعل أكثر المتكلمين إذا ذكروا قول الدهرية لا يذكرون أن الدهرية إلا من ينكر الصانع فيقولون الدهرية وهم الذين يقولون بقدم العالم وإنكار الصانع وعندهم كل من آمن بالصانع فإنه يقول بحدوث العالم وهذا كما قاله طوائف من المتكلمين كالقاضي أبي بكر ابن الباقلاني قال في مسائل التكفير

# وجملة الخلاف على ضربين خلاف مع الخارجين عن الملة المنكرين لكلمة التوحيد وإثبات النبوة أعني نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وخلاف مع أهل القبلة المنتسبين إلى الملة فأما الخلاف مع الخارجين عن الملة فعلى ثلاثة أضرب خلاف مع المنكرين للصانع والقائلين بقدم العالم وخلاف مع القائلين بحدوث العالم المثبتين للصانع المنكرين للنبوات أصلا كالبراهمة وخلاف مع القائلين ببعض النبوات المنكرين لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم فجعل ثبوت الصانع وحدوث العالم قولا وإنكار الصانع وقدم العالم قولا ولم يذكر قولا ثالثا بإثبات الصانع وقدم العالم لأن ذلك كالمتنافي عند جمهور المتكلمين فلا يجعل قولا قائما بنفسه # وأما الرازي وأمثاله فيذكروا الدهرية أعم من هذا بحيث أدخلوا فيهم هذا القسم الذي هو قول المشائين أر سطو وذويه وقول غيرهم فقال في كتاب نهاية العقول المسألة الرابعة في تفصيل الكفار قال الكافر إما أن يكون معترفا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم اولا يكون فإن لم يكن فإما أن يكونوا معترفين بشيء من النبوات وهم اليهود والنصارى وغيرهم وإما أن لا يعترفوا بذلك وهم إما أن يكونوا مثبتين للفاعل المختار وهم البراهمة وأما أن لا يثبتوه وهم الدهرية على اختلاف أصنافهم وكذلك قال غير هذا مثل ابن الهيصم وأمثاله قالوا قالت الدهرية من منكري الصانع ومثبتيه أن العالم على هيئة ما تراه عليه قد كان لم يزل إلا أن من أثبت الصانع منهم زعم أنه مصنوع لم يتأخر في الوجود عن صانعه وإليه ذهب أرسطو طاليس ومن قال بقوله وقال أهل التوحيد بل هو مصنوع محدث لم يكن ثم كان # ولا ريب إنكار الصانع بالكلية قول السمنية الذين ناظرهم الجهم بن صفوان وغيرهم من الدهرية وكطوائف غير هؤلاء من الأمم المتقدمة وأما الدهرية اليونان أتباع أرسطو وذويه ونحوهم فهم مع كونهم دهرية يقرون بأن العالم معلول

علة واجبة بنفسها ولهذا نفق قول هؤلاء على طوائف كثيرة وصاروا في ه زنادقة منافقين وادعوا علم الباطن الذي اختصوا بمعرفته وزعموا أن ما أظهرته الشرائع لمنفعة الجمهور ونحو ذلك مما ليس هذا موضعه # والمقصود هنا أن أولئك المتكلمين لما راموا إثبات وجود الصانع وخلق العالم سلكوا الطريقة التي ابتدعوها من الاستدلال على حدوث الموصوفات بحدوث صفاتها أو بحدوث صفاتها وأفعالها وسموا ذلك أجساما أو جواهر وسموا صفاتها وأفعالها أعراضا وبنوا الحجة على مقدمتين # إحداهما أن الموصوفات لا تخلو عن أعراض حادثة من صفات وأفعال تعتقب عليها # والثانية أن ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث # فاحتاجوا في تقرير المقدمة الأولى إلى ثبوت الأعراض أو بعضها وحدوثها أو حدوث بعضها وأن الأجسام لا تخلو منها أو من بعضها فتارة يستدلون بما شهدوه من الاجتماع والافتراق وتارة يقولون إنه لازم لها من الحركة والسكون وهذه الأقسام الأربعة هي الأكوان عندهم وهذه حجة الصفاتية يحتجون بالأكوان ويقولون إن الله تعالى لا يوصف بها وآخرون فيهم لا يحتجون إلا بجواز الاجتماع والافتراق دون الحركة والسكون حتى يستقيم له أن يصف الرب بذلك ويقول إن هذا هو الذي لا تخلو الجواهر منه وهو مبني على الجوهر الفرد وتارة يدعى بعضهم حدوث جميع الأعراض زعما منه أن العرض لا يبقى زمانين ويدعون مع ذلك بأن كل جسم فلن يخلو

عما يمكن قبوله من الأعراض أو عن ضد ونشأ بينهم في هذا من المقالات والنزاع ما يطول ذكره # وأما المقدمة الثانية فكانت في بادئ الرأي أظهر ولهذا كثير منهم يأخذها مسلمة فإن ما لا يخلو عن الحادث فهو مقارنه ومجامعه لا يتقدم عليه وإذا قدر شيئان متقارنان لا يتقدم أحدهما الآخر وأحدهما حادث كان الآخر حادثا # لكن في اللفظ إجمال فإن هذا القائل ما لا يخلو عن الحوادث أو ما لا يسبق الحوادث فهو حادث أو ما تعتقب عليه الحوادث فهو حادث ونحو ذلك له معنيان # أحدهما ما لا يخلو عن حوادث معينة لها ابتداء فلا ريب أن ما تقدم على ماله ابتداء فله ابتداء # والثاني أن ما لا يخلو عن جنس الحوادث بحيث لم يزل قائما به ما يكون فعلا له كالحركة التي تحدث شيئا بعد شيء فهذا لا يعلم أنه حادث إن لم يعلم أن ذلك الجنس لا يكون قديما بل يمنع حوادث لا أول لها وهذه مقدمة مشكلة بل كلام المتكلمين والفلاسفة فيما يتناهى وفيما لا يتناهى فيه من الاضطراب ما ليس هذا موضعه فاحتاجوا أن يستدلوا على هذه بأدلة التزموا طردها فنشأ عن ذلك مذاهب أخر كنفي التناهي في المستقبل حتى قال طوائف منهم الجهم بوجوب فناء العالم لوجوب تناهيه أولا وآخرا فقال بفناء الجنة والنار وقال أبو الهذيل بوجوب فناء الحركات إلى مقالات # وإن كان طوائف من المصنفين في الكلام لا يتعرضون لهذه المقدمة بل يرون أن قولهم مالا يخلو عن الحوادث فهو حادث يكفي في العلم بحدوث

ما التزمته الحوادث وهؤلاء يقولون إن قولنا حوادث وقولنا لا أول لها مناقضة ظاهرة في اللفظ والمعنى وإن لفظ كونها حوادث يوجب أن يكون لها أول وهذه طريقة القاضي أبي بكر والقاضي أبي يعلى وغيرهما وقولهم هذا يشبه قولهم إن نفي حدوث العالم هو قول نفاة الصانع ولأجل ما في هذه القضية من الاشتباه خفي عليهم هذا الموضع الذي لا بد من معرفته وبهذه الطريقة نفوا يقوم به فعل من الأفعال فنفوا أن الرب استوى على العرش بعد أن لم يكن مستويا كما نطق به القرآن في قوله تعالى ^ خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ^ ^ وكان عرشه على الماء ^ فخص الاستواء بكونه بعد خلق السموات والأرض كما خصه بأنه على العرش وهذا التخصيص المكاني والزماني كتخصيص النزول وغيره إذ أبطلوا بهذه الطريقة أن يكون على العرش مطلقا وإن كان كثير ممن يسلك هذه الطريقة يجوز عليه الأفعال الحادثة فلا يمنع حدوث الاستواء كما كان كثير ممن ينفي ذلك يقول باستوائه على العرش مع نفي قيام الفعل به كما سيأتي مأخذ الناس في هذا # وإنما الغرض هنا التنبيه على هذه الطريقة فقال نفاة الصفاة من المعتزلة ونحوهم والصفاتية المنكرون للأفعال كالكلابية والأشعرية ومن وافقهم من الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم كالقاضي أبي يعلى وأبي الوفاء وابن عقيل وأبي الحسن بن الزاغوني وغيرهم والقاضي أبي بكر بن الباقلاني وأبي إسحاق الأسفرائيني وأبي بكر ابن فورك وغيرهم قالوا الجسم محدث والدلالة على حدوثه أنا وجدنا هذه الأجسام تتغير عليها الأحوال والصفات فتكون تارة متحركة وتارة ساكنة وتارة حية وتارة ميتة وكذلك سائر الصفات التي تتجدد عليها فلا يخلو الجسم من أن يكون انتقل من حال قدم إلى حال قدم أو من حال حدث إلى حال حدث أو من حال قدم إلى حال حدث أو من حال

حدث إلى حال قدم فيستحيل أن يكون متنقلا من حال قدم إلى حال قدم لأنه لو كان كذلك استحال خروجه عن تلك الحال لأن كل حكم حصل عليه الجسم فيما لم يزل وجب وجوده دائما كوجوب وجوده فلما لم يصح خروج القديم عن وجوده الأزلي لأن وجوده ثابت فيما لم يزل كذلك لا يصح خروجه عن كل حكم كان عليه فيما لم يزل وفي العلم بأنه ينتقل من المكان الذي فيه ويخرج عنه دليل على أنه لم يكن في ذلك المكان فيما لم يزل لأن كل مكان يشار إليه وكل حال يشار إليه يصح خروجه عنهما وإذا جاز خروجه عنهما ثبت أنه لم يكن حاصلا في ذلك المكان ولا على تلك الصفة فيما لم يزل وإن كانت الحالة الأولى لم تكن حالة قدم فالحالة التي تجددت بعد أن لم تكن أولى وأحرى أن لا تكون حالة قدم فثبت بذلك أن الجسم لم يكن موجودا فيما لم يزل إذ لو كان موجودا فيما لم يزل لكان لا بد أن يكون في مكان أو ما يقدر تقدير المكان ولو كان كذلك لاستحال خروجه عن تلك المحاذاة لما ذكرناه وإلا نودي إلى حدثه وصح بذلك ما قلناه فهذا نظم حجة القاضي أبي بكر والقاضي أبي يعلى وغيرهما وهي حجة مبنية على وجوب الكون للجسم ووجوب حدوثه وامتناع حوادث لا أول لها وهذه حجة أكثرهم # ومضمونها أن الجسم القديم لا بد له من مكان فإن كان قديما امتنع خروجه عنه وإن كان حادثا لزم قيام الحادث به وتعاقب الحوادث عليه وهي حجة الرازي وغيره في حدوث العالم
فصل # النصوص قد أخبرت والعقول قد دلت على ثبوت صفات الله متنوعات له من العلم والقدرة والحب والبغض والسمع والبصر فإذا كان مع ذلك قد لزم

القول بأفعال تقوم بذاته كما تقوله طوائف من أهل الفلسفة والكلام مع جماهير أهل الحديث والفقه والتصوف وسلف الأمة وأن الأفعال متعلقة بمشيئته وقدرته وقد علم ما دلت عليه النصوص مع أن في العقول تنبيه عليه من قوله ^ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه ^ فإنه إذا كان جملة السموات مقبوضة بيمينه وقد قال ابن عباس ما السموات السبع والأرضون السبع وما فيهما وما بينهما في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم وقد علم بالعقل أنه يجب أن يكون أعظم بكل وجه من مخلوقاته ومبتدعاته إذ كل ما فيها من وجود وكمال فهو من أثر قدرته ومشيئته فهو أعظم وأكبر وإذا كان كذلك كانت أفعاله التي يفعلها بذاته تناسب ذاته وكانت أعظم وأجل من أن يدرك عقول البشر قدرها وإذا كان من المعلوم أن حدوث هذه المتكونات من استحالة العناصر والمولدات أعظم نسبة إلى الفلك من الخردلة إلى الإنسان العظيم إذ في الإنسان من قدر الخردل أكثر مما في الفلك من قدر العناصر والمولدات فنسبة الأفلاك وما فيها إلى الرب تعالى دون نسبة حوادثها المتكونة إلى الفلك فإذا جاز أن تكون هذه محدثة بحركة مشهودة حادثة في الفلك فحدوث الفلك وما فيه لفعل يفعله الرب أولى بالجواز وأبعد عن الامتناع وله المثل الأعلى هذا مع أن هذه المحدثات إنما هي منسوبة عندهم إلى فيض العقل الفعال مع إعداد حركات جميع الأفلاك للقوابل وحينئذ فتكون نسبة المحدثات إلى ذلك نسبة كثرة أعظم من نسبة الخردلة إلى الإنسان بكثير ولهذا يظهر ذلك للعباد في المعاد إذا قبض الجبار الأرض بيده وطوى السموات بيمينه ثم هزهن وقال أنا الملك أين ملوك الأرض أين الجبارون أين المتكبرون # وإنما يعظم على الجهال من المتفلسفة وأمثالهم وأشباههم تقدير حدوث العالم

وتغيره لأنهم لم يقدروا الله حق قدره وكان ينبغي كلما شهدوه على عظم العالم وقدره يدلهم على قدر مبدعه لكن لما ضل من ضل منهم لم يثبت لخالقه ومبدعه إلا وجودا مطلقا لا ينطبق إلا على العدم وإن أثبت له نوعا من الخصائص الكلية فهي أيضا لا تمنع أنه إنما يطابق العدم ولهذا كان هؤلاء من الدهرية المعطلة نظيرا للصفاتية الذين لا يثبتون حقيقة الذات المباينة للعالم فإن حقيقة قولهم يعود إلى قول معطلة الصفات أيضا # وإذا كان الأمر كذلك فيقال لمن يلتزم منهم نفي الصانع ويقول أنا أقول إنه قديم واجب بنفسه لئلا يلزمني هذا المحذور الذي ذكرتموه في صدوره عن فاعل قديم كما قد يقول بعض الصفاتية إذا ضاقت عليهم الحجج في مسألة العرش والقرآن والرؤية وغيرها نحن نلتزم قول المعتزلة بنفي الصفات مطلقا فإنه يقال لهذا الدهري إذا كنت تجوز في عقلك وجود هذه الأفلاك قديمة أزلية واجبة الوجود أو حادثة بذاتها فإنها إذا لم تكن مفعولة لغيرها فإما أن تكون قديمة بنفسها أو حادثة بنفسها فإذا جوزت ذلك بلا زمان ولا مكان ولا من مادة ولا عن خالق لأن في إثبات الخالق صدور عن فاعل قديم أو حدوثها عنه بلا زمان ولا مكان ولا من مادة وهذا خلاف ما يشهد من صدور الأجسام عن غيرها أو حدوثها فإن تجويز وجوبها بنفسها وقدمها أو حدوثها بنفسها بلا فاعل أبعد عن المشهود والمحسوس والمعقول من صدورها عن فاعل بلا مادة ولا مكان ولا زمان فإن المشهودات صادرة في مكان وزمان ومن مادة وعن فاعل في الجملة وإن سميتموه طبيعة أو قوى فلكية أو غير ذلك فإنكم لا يمكنكم إنكار الأسباب الحادثة المحسوسة فإذا جوزتم وجود ذلك في غير زمان ولا مكان ولا من مادة ولا بفاعل كان ذلك أبعد عن المحسوس والمعقول مما فررتم منه وإذا قلتم ذلك قديم واجب الوجود

بنفسه كان ما يلزمكم في هذا من المحذورات أعظم بكثير مما يلزمكم من الاعتراف بصانع لها قديم واجب الوجود فإنكم مهما أوردتموه في ثبوته حينئذ من كونه يستلزم أن يكون محلا للصفات والأفعال ونحو ذلك فإن ذلك يلزمكم أعظم منه إذا قلتم بأن الأفلاك قديمة واجبة الوجود بنفسها وإن قدر أن قائلا يقول إنها حدثت بأنفسها فهذا أعظم إحالة وهذا مما نبغي التفطن له فكل ما يقوله الدهرية من نفاة الصانع ومن مثبتيه من الشبهة النافية لوجوده أو لفعله فإنه يلزمهم أعظم منه على قولهم بأن القديم واجب الوجود بنفسه مستغن عن صانع وقولهم بأنه معلول عن علة موجبة فتدبر هذا # وأصل ذلك أن الله ليس كمثله شيء لا في نفسه ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا مفعولاته فإذا رام الإنسان أن ينفي شيئا مما يستحقه لعدم نظيره في الشاهد كان ما يثبته بدون الذي نفاه أبعد عن المشهود مثل أن يثبت الصفات بلا حقيقة الذات أو الذات بلا صفات أو يثبتهما بدون فعل يقوم بنفسه أو يثبت ذلك لازما لذاته أو يقول إن هذا المحسوس هو القديم الواجب الوجود بنفسه أو يقول حدث بنفسه فكل هذه المقالات النافية يلزم كل قول منها من المعارضات أعظم مما أورده هو على أقوال المثبتين فلا خلاص عنها بحال إذ الوجود مشهود محسوس ولا يخلو إما أن يكون قديما واجبا بنفسه أو محدثا بإحداث غيره وممكنا ومفتقرا إلى واجب بنفسه وإذا كان لا بد من الاعتراف بالوجود القديم الواجب وكان من نفي الرب الصانع الخالق السموات والأرض لشبهة يذكرها يلزمه مع هذا هي وما هو أعظم منها علم أن كل ما يذكره النفاة من الشبهة النافية للرب أو صفاته أو أفعاله حجج باطلة متناقضة إذ كان يلزم من صحتها نفي الوجود بالكلية وما استلزم نفي الوجود بالكلية علم أنه باطل

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:45 AM
# وهذا المقصود هنا وهو أن كل ما يحتج به في إثبات قدم العالم بل وفي نفي الصفات يلزم صاحبه أعظم مما فر منه حتى يؤول به الأمر إلى أن ينكر الوجود بالكلية أو يعترف ببطلان قوله وببطلان كل ما يدل على قوله وهذا موجود في عامة الدين مما أمر الله به من اعتقاد أو قول أو قصد وعمل ومن ترك شيئا من ذلك إلى غيره خوفا ترك كان في الذي فر إليه أعظم من ذلك المخوف وإن كان رغبة فيما فر إليه كان ما فاته أعظم مما حصل له بل يعاقبون بأعظم من ذلك وقد قال تعالى ^ ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ^ فأخبر أن المشركين لا يأتون بقياس وأقيستهم من الباطل إلا أتى الله بما هو الحق بكلام وقياس أحسن تفسيرا بحيث يكون بيانه ودلالته للمطلوب أبين وأوضح وأجلى وأقرب إلى الأمور البديهية الجليلة فهذا في جانب الحق # وأما في عقوبة المبطل فإن المبطلين رئيسهم من الجن إبليس وأعظم رؤسائهم في الإنس فرعون وإبليس ترك طاعة الله تعالى وعبادته في السجود لآدم حذرا من نقص مرتبته بفضل آدم عليه فأداه ذلك إلى أن رضي بأن صار بأخس المراتب وباع آخرته بدنيا غيره كأخس القوادين فإنه يهلك نفسه في إغواء بني آدم بتحسين شهوات الغي لهم يتلذذون بالشهوات التي لا يلتذ هو بها ثم إنهم قد يتوبون فيغفر لهم وهو قد خسر وهلك من غير فائدة مع أنه ليس بين كونه تابعا لهؤلاء في إرادتهم الخسيسة وكونه تابعا لربه فيما أراد به من السجود لآدم نسبة في الشرف والرفعة كما في الحديث الذي رواه الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قال الشيطان وعزتك لأغوين بني آدم ما دامت أرواحهم في أجسامهم فقال وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لأغفرن لهم ما استغفروني # وهكذا فرعون استكبر أن يعبد رب السموات والأرض خوفا من سقوط رياسته ثم رضي لنفسه أن يعبد آلهة له قد صنعها هو وهكذا تجد كل أهل

المقالات الباطلة وأهل الأعمال الفاسدة وإبليس إمام هؤلاء كلهم فإنه اتبع قياسه الفاسد المخالف للنص واتبع هواه في استكباره عن طاعة ربه تعالى # فكل من اتبع الظن وما تهوى الأنفس وترك اتباع الهدى ودين الحق الذي بينه الله تعالى وأمر به في كتبه وعلى ألسن رسله وفطر عليه عباده وضرب له الأمثال المشهودة والمسموعة فهو متبع لإبليس في هذا له نصيب من قوله ^ لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ^ كما قال محمد بن سيرين أول من قاس إبليس وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقايس ولهذا جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم في نعت القرآن من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله وق قال تعالى لما أهبط آدم ^ فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ^ فأخبر أن من اتبع هداه الذي جاء من عنده فإنه لا يضل ولا يشقى كما قال ^ ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون إلى قوله أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ^ فإنه الهدى ضد الضلالة والفلاح ضد الشقاء وقد قال من قال من السلف ^ المفلحون ^ الذين أدركوا ما طلبوا ونجوا من ما منه هربوا # ولهذا أمرنا أن نقول في كل صلاة ^ اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ^ فإن المغضوب عليهم هم أهل الشقاء والضالون أهل الضلال وهم الذين اتبعوا هداه فلم يضلوا ولم يشقوا بل أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون وقال أيضا ^ إن المجرمين في ضلال وسعر ^ والسعر من أعظم الشقاء وهذا باب واسع

# وإنما القصود هنا التنبيه على هذا الأصل وهو أن من أعرض عن هدى الله علما وعملا فإنه لا يحصل له مطلوب ولا ينجو من مرهوب بل يلحقه من المرهوب أعظم مما فر منه ويفوته من المطلوب أعظم مما رغب فيه وأما المتبعون لهداه فإنهم على هدى من ربهم وهم المفلحون الذين أدركوا المطلوب ونجوا من المرهوب # وهذا الذي شهد الله تعالى به في كتابه وكفى به شهيدا قد يري العباد آياته في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق فتتفق عليه الأدلة المسموعة والمشهودة هي أصل العلوم الضرورية والنظرية والقياسية التي ينتحلها أهل النظر وأهل الذوق فتكون الأدلة الحسية والضرورية والقياسية موافقة للأدلة السمعية من الكتاب والسنة وإجماع المؤمنين والمخالفون لهذا مخالفون لهذا وإن ادعوا في الأول من الأقيسة العقلية وفي الثاني من التأويلات السمعية ما إذا تأمله اللبيب وجد مآلهم في تلك الأقيسة العقلية إلى السفسطة التي هي جحود الحقائق الموجودة بالتمويه والتلبيس ومآلهم في تلك التأويلات إلى القرمطة التي هي تحريف الكلم عن مواضعه وإفساد الشرع واللغة والعقل بالتمويه والتلبيس وهذا أيضا سفسطة في الشرعيات وسمي قرمطة لأن القرامطة هم أشهر الناس بادعاء علم الباطن المخالف للظاهر ودعوى التأويلات الباطنة المخالفة للظاهر المعلوم المعقول من الكتاب والسنة والله يهدينا وسائر أخواننا المؤمنين لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم # ولما كان مآل هؤلاء إلى السفسطة التي هي جحود الحقائق وجحود الخالق وكان لا بد لهم من النفاق كان لتنبيه من نبه من الأئمة كمالك وأحمد وأبي يوسف

وغيرهم على أن كلام هؤلاء جهل وأن مآله إلى الزندقة كقول أحمد علماء الكلام زنادقة وقول أبي يوسف ويروى عن مالك من طلب العلم بالكلام تزندق ومن طلب المال بالكيمياء أفلس ومن طلب غريب الحديث كذب وقول الشافعي ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح # ولما كان الرد إلى ما جاءت به الرسل يؤول بأصحابه إلى الهدى والصلاح قال تعالى ^ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ^ # ثم قال هذا الفيلسوف وهذا كله مع أن هذه الآراء في العالم ليست على ظاهر الشرع فإن ظاهر الشرع إذا تصفح ظهر من الآيات الواردة في الأنباء عن إيجاد العالم أن صورته محدثة بالحقيقة وأن نفس الوجود والزمان مستمر من الطرفين أعني غير منقطع وذلك أن قوله تعالى ^ وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ^ يقتضي بظاهره أن وجودا قبل هذا الوجود وهو العرش والماء وزمانا قبل هذا الزمان أعني المقترن بصورة هذا الوجود الذي هو عدد حركة الفلك وقوله تعالى ^ يوم تبدل الأرض غير الأرض ^ يقتضي أيضا بظاهره أن وجودا ثانيا بعد هذا الوجود وقوله تعالى ^ ثم استوى إلى السماء وهي دخان ^ يقتضي بظاهره أن السموات خلقت من شيء فالمتكلمون ليسوا في قولهم أيضا في العالم على ظاهر الشرع بل يتأولوه بأنه ليس في الشرع أن الله كان موجودا مع العدم المحض ولا يوجد هذا فيه أيضا أبدا فكيف يتصور في تأويل المتكلمين في هذه الآيات أن الإجماع انعقد عليه والظاهر الذي قلناه في الشرع في وجود العالم قد قال فيه فرقة من الحكماء

# قلت لم يقل أحد من سلف الأمة ولا أئمتها إن هذه السموات والأرض خلقنا وحدثنا من غير أن يتقدمها مخلوق وهذا وإن كان يظنه طائفة من أهل الكلام أو يستدلون عليه فهذا قول باطل فإن الله قد أخبر أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء وفي صحيح البخاري عن عمران بن حصين أن أهل اليمن سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أول هذا الأمر فقال كان الله ولم يكن شيء غيره وفي رواية في البخاري ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض وفي رواية ثم كتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء وقد بسطنا هذا فيما سيأتي لما احتج المؤسس بحديث عمران هذا وذكر المخلوقات التي أخبر بابتدائها القرآن وإعادتها وما يتعلق بذلك # وكذلك لم يقل أحد من سلف الأمة وأئمتها أن السموات والأرض لم تخلقا من مادة بل المتواتر عنهم أنهما خلقتا من مادة وفي مدة كما دل عليه القرآن قال الله تعالى ^ أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض أتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سموات في يومين ^ وقال تعالى ^ هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم ^ # وهذا الذي يذكره كثير من أهل الكلام الجهمة ونحوهم في الابتداء نظير ما يذكرونه في الانتهاء من أنه تفنى أجسام العالم حتى الجنة والنار

أو الحركات أو ينكرون وجود النفس وأن لها نعيما وعذابا ويقولون إن ذلك إنما هو للبدن بلا نفس ويزعمون أن الروح عرض من أعراض البدن ونحو ذلك من المقالات التي خالفوا فيها الكتاب والسنة إذ كانوا فيها هم والفلاسفة على طرفي نقيض وهذا الذي ابتدعه المتكلمون باطل باتفاق سلف الأمة وأئمتها # لكن يقال لهؤلاء الفلاسفة لا ريب أنكم أنتم وهؤلاء كلاكما مخالفون لما نطقت به الكتب الإلهية كما أنكم مخالفون لصرائح المعقولات ومن وافق ظالما في ظلمه كان جزاؤه أن يقال له ^ ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشركون ^ وأنت قد اعترفت أن الأخبار الإلهية ناطقة بأن صورة العالم أي صورة السموات والأرض محدثة وأما قولك إن ظاهر الشرع أن نفس الوجود والزمان مستمر من الطرفين فليس في القرآن ما يدل ظاهره على أن وجودا غير وجود الله أو زمانا موجودا خارجا عنه هو مقارن لوجوده وما ذكرته إنما يدل على أن العرش كان قبل السموات وهذا حق لكن ليس فيه أن وجود العرش أزلي وقد جاء ذكر خلقه في الأحاديث كحديث أبي رزين الآتي ذكره مع ما في القرآن من أنه رب العرش وأمثال ذلك وكذلك ما فيه من ذكر زمان قبل هذا الزمن المتعلق بحركة الفلك لا يدل على أن ذلك قديم أزلي مقارن لوجود الله تعالى وكذلك ما فيه من ذكر مادة لخلق السموات والأرض لا يقتضي أن تلك المادة قديمة أزلية هذا مع ما في القرآن من أنه ^ خالق كل شيء ^ في غير موضع و ^ رب كل شيء ^ ولفظ الخلق ينافي ما يذكرونه من لزوم العالم له كلزوم الصفة للموصوف # وحديث أبي رزين رواه أحمد والترمذي وغيره قال الترمذي في كتاب التفسير في تفسير سورة هود لأجل قوله تعالى ^ هو الذي خلق السموات

والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ^ ثنا أحمد بن منيع قال ثنا يزيد بن هرون أنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس عن عمه أبي رزين قال قلت يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه قال كان في عماء ما تحته هو وما فوقه هواء ثم خلق عرشه على الماء قال أحمد بن منيع قال يزيد بن هارون العماء أي ليس معه شيء فهذا الحديث فيه بيان أنه خلق العرش المخلوق قبل السموات والأرض وأما قوله في عماء فعلى ما ذكره يزيد بن هارون ورواه عنه أحمد بن منيع وقرره الترمذي في أن معناه ليس معه شيء فيكون فيه دلالة على أن الله تعالى كان وليس معه شيء وسيأتي الكلام على ذلك إنشاء الله تعالى # ثم لو دل على وجود موجود على قول من يفسر العماء بالسحاب الرقيق لم يكن في ذلك دليل على قول الدهرية بقدم ما ادعوا قدمه ولا بأن مادة السموات والأرض ليستا مبتدعتين وذلك أن الله سبحانه وتعالى أخبر في كتابه بابتداء الخلق الذي يعيده كما قال ^ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده ^ وأخبر بخلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام في غير موضع وجاءت بذلك الأحاديث الكثيرة وأخبر أيضا أنه يغير هذه المخلوقات في مثل قوله ^ يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات ^ وقوله تعالى ^ وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ^ ^ يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين ^ ومن المعلوم أنه لم يتعقب الإعادة عدمه كما لم يتقدم ابتداء خلق السموات والأرض العدم المطلق وفي قوله تعالى ^ إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت ^ وقوله ^ إذا السماء انفطرت ^ وقوله ^ إن عذاب ربك لواقع ماله من دافع ^ وقوله ^ يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا ^ وقال ^ فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان ^ وقال تعالى ^ يوم تكون السماء كالمهل وتكون

الجبال كالعهن وقال تعالى ^ ويم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا ^ وقال تعالى ^ فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ^ فأخبر في هذه الآيات أن الخلق الذي ابتدأه وخلقه في ستة أيام يعيده ويقيم القيامة وقد أخبر أنه خلقه من مادة وفي مدة وأنه إذا أعاده لم يعدمه بل يحيله إلى مادة أخرى وفي مدة # وأما العرش فلم يكن داخلا فيما خلقه في الأيام الستة ولا فيما يشقه ويفطره بل الأحاديث المشهورة دلت على ما دل عليه القرآن من بقاء العرش وقد ثبت في الصحيح أن جنة عدن سقفها عرش الرحمن قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنه أعلا الجنة وأوسط الجنة وسقفها عرش الرحمن وقال تعالى لما أخبر بالقيامة ^ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه ^ وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السموات بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض وفي الصحيحين أيضا عن ابن عمر واللفظ لمسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوي الله السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون وفي الصحيحين أيضا عن عبدالله بن مسعود قال جاء جبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد أو يا أبا القاسم إن الله يمسك السموات يوم القيامة على إصبع والأرضين على إصبع والجبال والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع وسائر الخلق على إصبع ثم يهزهن ويقول أنا الملك أنا الملك فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا مما قال وتصديقا له ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم

^ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ^ وفي الصحيحين أيضا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفأها الجبار بيده كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل الجنة قال فأتى رجل من اليهود فقال بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة قال بلى قال تكون الأرض خبزة واحدة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلينا ثم ضحك حتى بدت نواجذه فقال ألا أخبرك بإدامهم قال بلى قال إدامهم باللام ونون قالوا ما هذا قال ثور ونون يأكل من زائدة كبدها سبعون ألفا وفي الصحيحين عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس بها علم لأحد وفي الصحيحين عن عائشة قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى ^ يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات ^ فأين يكون الناس يومئذ يا رسول الله فقال على الصراط # ثم إنه سبحانه وتعالى لما أخبر بقبضة الأرض وطيه للسموات بيمينه ذكر نفخ الصور وصعق من في السموات والأرض إلا من شاء الله ثم ذكر النفخة الثانية التي يقومون بها وذكر أنه تشرق الأرض بنور ربها وأنه يوضع الكتاب ويجاء بالنبيين والشهداء وأنه توفى كل نفس ما عملت وذكر سوق الكفار إلى النار وذكر سوق المؤمنين إلى الجنة إلى قوله تعالى ^ وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوؤ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين ^

# ولم يكن العرش داخلا فيما يقبض ويطوى ويبدل ويغير كما قال في الآية ^ وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ^ # ثم أخبر ببقاء الجنة والنار بقاءا مطلقا ولم يخبرنا بتفصيل ما سيكون بعد ذلك بل إنما وقع التفصيل إلى قيام القيامة واستقرار الفريقين في الجنة والنار وذكر ما فيهما من الثواب والعقاب وقد أجمل من ذلك مالا نعلمه على التفصيل كقوله تعالى ^ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءا بما كانوا يعملون ^ وقوله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فكان الذي أخبرنا به مفصلا مالنا حاجة ومنفعة بمعرفته مفصلا وما سوى ذلك فوقع الخبر به مجملا إذ يمتنع أن نعلم كلما كان وسيكون مفصلا وهذا كما أنه أمرنا أن نؤمن بالملائكة والأنبياء والكتب عموما وقد فصل لنا من أخبار الأنبياء وأمر كتبهم وقصصهم وأمر الملائكة ما فصله والثاني أجمله كما قال ^ منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك ^ وقال تعالى ^ ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية وأعتدنا للظالمين عذابا أليما وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا وكلا ضربنا له الأمثال وكلا تبرنا تتبيرا ^ وأمثال هذا # فلما وقع التفصيل في خلق السموات والأرض وما بينهما وفي القيامة التي تستحيل فيها السموات والأرض وما بينهما لم يكن العرش داخلا في ذلك بل أخبر

ببقائه بعد تغيير السموات والأرض كما أخبر بكونه قبل خلق السموات والأرض خبرا مطلقا وأخبر في غير موضع أنه ربه وصاحبه تمييزا له من السموات والأرض كقوله ^ قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون الله قل أفلا تتقون ^ وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم وقال عن أهل سبأ ^ ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبأ في السموات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم ^ وذكر نفسه بأنه ذو العرش في غير موضع كقوله تعالى ^ وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد ^ وقوله تعالى ^ قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا ^ وقوله ^ رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده ^ فهذا كله يبين أن العرش له شأن آخر # كما أن الروح خصه من بين الملائكة في مثل قوله ^ تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ^ وفي قوله ^ يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ^ وفي قوله تعالى ^ تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام ^ مع العلم أن ذلك جميعه مخلوق لله مملوك له وأنه رب ذلك كله وهم عباده # وليس فيما سكت عن الأخبار بتفصيله ما ينافي ما علم مجملا وما أخبر به مفصلا كما ذكر البخاري عن سليمان التيمي أنه قال لو قيل لي أين الله لقلت في السماء فلو قيل لي أين كان قبل أن يخلق السماء لقلت على عرشه على الماء فلو قيل لي أين كان قبل ذلك لقلت لا أدري قال البخاري وذلك لقوله تعالى ^ ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ^ يعني بما بين

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:46 AM
# فأما قول الدهرية بأن السموات لم تزل على ما هي عليه ولا تزال فهذا تكذيب صريح وكفر بين بما في القرآن وما اتفق عليه أهل الإيمان وعلموه بالاضطرار أن الرسل أخبروا به وكذلك قول الجهمية أو من يقول منهم إن السموات والأرض خلقتا من غير مادة ولا في مدة وأنهما يفنيان أو يعدمان أو أن الجنة تفنى أيضا كل ذلك مخالف لنصوص القرآن ولهذا كفر السلف هؤلاء وإن كان كفر الأولين أظهر وأبين لكن لم تكن الدهرية تتظاهر بقوله في زمن السلف كما تظاهرت الجهمية بذلك وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في ذلك عند احتجاج المؤسس على نفي العلو بقوله ^ هو الأول والآخر ^ كما احتج بها الجهمية قبله # والطريق إلى معرفة ما جاء به الرسول أن تعرف ألفاظه الصحيحة وما فسرها به الذين تلقوا عنه اللفظ والمعنى ولغتهم التي كانوا يتخاطبون بها وما حدث من العبارات وتغير من الاصطلاحات # ولفظ العالم ليس في لقرآن ولا يوجد في كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولا كلام أحد من الصحابة والتابعين وإنما الموجود لفظ العالمين وفيه عموم كقوله ^ رب العالمين ^ وقد يقال فيه خصوص كقوله ^ وفضلناهم على العالمين ^ وقوله ^ واصطفاك على نساء العالمين ^ وقوله تعالى ^ ما سبقكم بها من أحد من العالمين ^ عند من يجعل ذلك المراد به الآدميون أو أهل عصرهم # وكذلك لفظ الخلق هو معرف باللام ففيه عموم وقد ينصرف إلى المعهود الذي هو أخص من جملة المخلوقات كقوله في حديث خلق آدم فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن وفي الحديث المتقدم ذلك وكذلك قوله في حديث الخلق وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل والله سبحانه وتعالى أعلم

# والمقصود هنا التنبيه على فساد حجج الدهرية المعطلة للصانع تعالى وتناقضها ومشاركة الجهمية لهم في بعض أصولهم الفاسدة مع حجج الدهرية المثبتة له أيضا # وقد تقدم ما ذكره أبو المعالي من أن شبه الدهرية لحصرها أربعة أقسام # أحدها تعرضهم للقدح في الدليل الذي ذكره أبو المعالي دليل المعتزلة ومن اتبعهم من المتكلمين الذي استدلوا له على حدوث الأجسام دليل الأعراض ونحن قد ذكرنا في غير هذا الموضع كلام أئمة المسلمين في هذه الطريقة تحريما وكراهة وإبطالا # قال والقسم الثاني يتعلق بالتعرض لنفي الصانع ولهم في ذلك طريقان # أحدهما أن إثبات قائم بنفسه يتقدس عن الجهات المحاذيات غير معقول # والثاني يتعلق بالتعديل والتجويز والحكم بأن الحكم لا يفعل الفعل إلا لغرض والغرض ماله الضر والنفع وذلك يستحيل على القديم # قلت هاتان أيضا كلامهم فيهما مع المعتزلة في الأصل فإنهم جهمية أثبتوه بالصفات السلبية وهم أيضا قدرية ثم انتقلت هذه الحجة إلى المرجئة فجاوبوهم في المقدمة الثانية ببعض جواب المعتزلة وأجابوهم في الصفات بجواب يقال إنه متناقض # قال أبو المعالي والقسم الثالث على الاستشهادات بالشاهد على الغائب من غير رعاية وجه في الجمع بينهما # قال والقسم الرابع من كلامهم يشتمل على ضروب من التمويهات

# قلت قد نبهنا على القسم الثالث والمقصود هنا القسم الثاني فإنه الذي ذكروا فيه نفي الصانع وهو أعظم كلامهم والحجة العظمى التي عول عليها ابن الراوندي المصنف كتاب التاج في قدم العالم ومحمد بن زكريا المتطبب فيما صنفه في ذلك حيث قال بالقدماء الخمسة والاحتجاج بها على قدم العالم تارة مع الإقرار بالعلة الموجبة وتارة مع عدم ذلك # فأما الأول فقالوا لو كان العالم محدثا لكان محدثه فاعلا مختارا وهو محال لوجهين # أحدهما أن ذلك الاختيار إما أن كون لغرض أو لا يكون فإن كان لغرض فهو باطل لأمرين # أحدهما أنه يجب أن يكون ذلك الغرض أولى به من عدمه وإلا لم يكن غرضا وإذا كان وجوده أولى به كان مستكملا بخلق العالم وهو محال # فإن قيل هو فعله لا لغرض يعود إليه بل لغرض يعود إلى غيره وهو الإحسان إلى الغير وهذا يدفع المحذور # قيل الإحسان إلى الغير إما أن يكون بالنسبة إلى ذاته أولى من تركه وإما أن لا يكون فإن كان مساويا لم يكن غرضا وإن لم يكن مساويا عاد المحذور # الثاني إن من فعل لغرض غيره كان الفاعل دون المفعول كالخادم والمخدوم ومن الممتنع أن يكون غير الله أشرف منه فيمتنع أن يفعل لغرض غيره

# وإن قيل إنه فعل العالم لا لغرض كان عابثا والعبث على الحكيم محال ولأنه يكون ترجيحا لأحد طرفي الممكن على الآخر من غير مرجح وهو محال # الوجه الثاني أنه لو فعله بالاختيار فإما أن يجوز منه فعل القبيح أو لا يجوز وإن شئت قلت فإما أن يجوز عليه فعل كل شيء وإما أن يكون متنزها عن بعض الأفعال فإن قيل إنه يجوز أن يصدر منه فعل القبيح لم يؤمن منه تصديق المتنبئين الكذابين بالمعجزات ولم يؤمن أيضا الخبر المخالف لمخبره فإن الكذب وتصديق الكاذب قبيح وتجويز ذلك يبطل النبوات وأخبار المعاد وهذا تبطل بهما الملل # وإن قيل إنه لا يفعل القبيح وهذا قبيح # الثاني أن العالم مملوء طافح بالشرور والآفات وأنواع الألم والعقوبات والقول بالغرض باطل وإذا بطل القسمان بطل القول بالفاعل المختار # وأما الاحتجاج بها على نفي الصانع مطلقا فأن يقال إن كان موجبا بذاته لزم قدم المفعولات وهو خلاف المحسوس لأن الموجب لفعل المحدث الذي هو علة تامة إن كان موجودا في الأزل لزم قدم المحدثات وإن لم يكن موجودا فصدوره بعد أن لم يكن يحتاج إلى سبب حادث والقول فيه كالقول في غيره من الحوادث فيمتنع حدوث محدث عن موجب بذاته وإن كان فاعلا باختياره عادت الحجة المتقدمة

# وهذه الحجة لما كان أصلها هو البحث عن حكمة الإرادة ولم فعل ما فعل وهي مسألة القدر ظهر بها ما كان السلف يقولونه إن الكلام في القدر هو أبو جاد الزندقة وعلم بذلك حكمة نهيه صلى الله عليه وسلم لما رآهم يتنازعون في القدر عن مثل ما هلك به الأمم قال لهم بهذا هلكت الأمم قبلكم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض وعن هذا نشأ مذهب المجوس والقدرية مجوس هذه الأمة حيث خاضوا في التعديل والتجويز بما هو من فروع هذه الحجة كما أن التجهم فروع تلك الحجة # ثم إن الدهرية ظنوا أنهم بالقول بقدم العالم ينجون من هذه الشبهات وكان الذي وقعوا فيه شرا مما وقعت فيه المجوس والقدرية ولهذا كان المشركون والصابئون القائلون بقدم العالم ومن معهم من الفلاسفة شرا من المجوس ومن معهم من القدرية المعتزلة وغيرهم # والمقصود بيان هذا يقال لهم لا ريب في هذا الوجود المشهود المستلزم لوجود الموجود القديم الواجب فإن نفس الوجود يستلزم موجودا قديما واجبا بنفسه إذ كل موجود فإما أن يكون واجبا قديما أو يكون محدثا أو ممكنا

والمحدث لا بد له من محدث والممكن لا بد له من واجب وهذا مما لا ينازع فيه أحد من بني آدم وإنما الدهرية تقول هذا العالم قديم واجب بنفسه أو يقولون هو معلول علة قديمة واجبة بنفسها فيقال لهؤلاء إن قلتم إن هذا العالم واجب الوجود بنفسه قديم لزمكم هذه المحالات وأضعافها فإنه يقال لكم لأي سبب تحرك الفلك الأعلا وغيره من الأفلاك ولم حصلت هذه الاستحالات فإن هذه أمور حادثة بعد أن لم تكن وهي ممكنة قطعا فالمحدث لها سواء كان الفلك أو غيره الذي قد قدر أنه قديم واجب الوجود بنفسه إن أحدثها لغرض لزم أن يكون مستكملا بها والتقدير أنه قديم واجب الوجود بنفسه فقد لزمكم أن يكون القديم الواجب الوجود بنفسه مستكملا بغيره وهذا هو المحال الذي فررتم منه فقد وقعتم فيه مع ما في ذلك من المحالات اللازمة على هذا التقدير مثل امتناع كون الفلك الأعلا هو المحدث لجميع الحركات وغير ذلك حتى لو قدر في كل فلك متحرك أنه قديم واجب الوجود بنفسه كان هذا السؤال قائما فيه وفي حركاته الحادثة بعد أن لم تكن وكذلك إن قالوا تحرك لأجل العناية بالسافلات أن يكون الأعلا خادما للأدنى وأن تكون هذه الغاية أعلا من الفاعل الذي هو أشرف منها وهو متناقض # وإن فرض أن قائلا يقول أو يخطر له إن الفلك ليس بقديم واجب بنفسه ولا معلول علة قديمة بل يقول حدث بنفسه بعد أن لم يكن وهذا لا نعلم به قائلا وقد ذكر أرباب المقالات أنهم لم يعلموا به قائلا لكن هو مما يخطر بالقلب ويوسوس به الشيطان

# فيقال هذا الوجود المشهود إما أن يكون موجودا بنفسه وإما أن لا يكون وإذا كان موجودا بنفسه فإما أن يكون قديما وهو القسم الذي تقدم بيان تناقض أصحابه وإما أن يكون محدثا بنفسه فيقال هذا القول أظهر فسادا وتناقضا فإنه من المعلوم ابالفطرة البديهية أن المحدث بد أن لم يكن لا يتصور أن يحدث عن غير محدث ولا ن يحدث نفسه فلا يكون الشيء صانعا لنفسه ولا مصنوعا لنفسه ولا يكون أيضا على غائية لنفسه كما قد بسطنا هذا في غير هذا الموضع قال تعالى ^ أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ^ قالوا من غير خالق خلقهم قال جبير بن مطعم لما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية في صلاة المغرب أحسست بفؤادي قد انصدع وقد تكلمنا على هذه الآية في غير هذا الموضع بين سبحانه باستفهام الإنكار الذي يتضمن أن الأمر المنكر من العلوم المستقرة الملازمة للمخاطب التي ينكر على من جحدها لأنه سفسط بجحد العلوم البديهية الفطرية الضرورية فإنه من المعلوم أن ما حدث لا يكون من غير محدث أحدثه ولا يكون هو حدث بنفسه فقال ^ أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ^ وهذا يستلزم الجمع بين النقيضين وغيره من المحالات # وإن كانت إحالته في العقل من أظهر العلوم الضروريات فإن كونه فاعلا لنفسه يقتضي أن يكون وجوده قبلها وكونها مفعولة يقتضي أن يكون وجوده بعد نفسه فيجب أن تكون نفسه موجودة معدومة في آن واحد # والمقصود هنا بيان تناقض حججهم وأن الذي يقولونه فيه من المحذور أعظم مما فروا منه # فيقال إذا قدر أنه حدث بنفسه بلا محدث بل عن العدم المحض فمعلوم أن هذا مع كونه معلوم الفساد بالضرورة من أبعد الأشياء عن الأمور الموجودة

المحسوسة وعن القياس العقلي فمن جوز أن يكون هذا الوجود صدر عن عدم محض فصدروه عن علة موجبة لا تستلزم وجود المعلول أقرب إلى العقل وأبعد عن المحذور وهو الذي فروا منه لأن أكثر ما في هذا أنه تكون العلة التامة قد تخلف عنها معلولها أو وجد المعلول عن علة ليست تامة ومن المعلوم أن صدوره لا عن شيء أعظم امتناعا وفسادا من صدوره عن علة ليست تامة ومن المعلوم أن وجود العلة التامة بلا معلول أقل فسادا وامتناعا من وجود المحدث لا من علة أصلا فإن المعلول إما محدث وإما قديم ومعلوم بالعقل أن حاجة المعلول المحدث إلى العلة أظهر من حاجة المعلول القديم ووجود المعلول بلا علة أبعد في العقل من وجود العلة بلا معلول فإذا جوزتم صدور المحدث بلا علة ولا محدث كان تجويز وجود العلة التامة مع تأخر معلولها أقرب في العقل وأبعد عن المحال # وكذلك أيضا إذا جوزتم صدوره عن العدم فصدوره عن فاعل مستكمل بفعله أو فاعل يفعل لا لغرض أقرب في العقل وأبعد عن المحال مما جوزتموه فإن هذا غايته أن يكون أحدثه فاعل ناقص أو عابث وبكل حال فهذا أقل امتناعا من أن يكون حدث لا عن شيء # وبالجملة فافتقار المحدث إلى المحدث من أبده العلوم وأوضح المعارف وهذا لم ينازع فيه أحد من العقلاء وأي قول قيل كان أقرب إلى العقل وأبعد عن المحال من هذا فإذا قرر هذا القول ظهر أن المحال الذي فيه أعظم من المحال الذي يلزم غيره ولهذا لم نكثر تقرير هذا القول وإنما تكلمنا على ما قال به قائلون وهم الدهرية القائلون بقدم العالم إما واجبا بنفسه وإما واجبا بعلته فهؤلاء إذا ظهر تناقض قولهم كان تناقض ذلك القول أظهر وقد ذكرنا بعض تناقضهم

# ويقال لهم أيضا هذه الكمالات الحاصلة للفلك بإحداث ما يحدثه من الحركات إن كانت مقدورة له في الأزل فلم أخرها وإن كانت غير مقدورة له فقد أثبتموه عاجزا عن غير ما فعل من الأحداث فإذا أقررتم بخلق الفلك لم يلزمكم في إثباته أكثر من هذا وهو أن يكون مستكملا بما يحدثه من الأفعال وأن لا يكون وجود تلك الأفعال في الأزل ممكنا وغاية ما يلتزمونه من قيام أفعال حادثة بذاته أو من كونه جسما أو غير ذلك فإن هذا كله لازم لكم إذا قلتم بأن الفلك قديم واجب الوجود فإذا كان كل محذور يلزمكم على تقدير إثبات الصانع يلزمكم أيضا على تقدير نفي الصانع كان القول بنفيه باطلا قطعا وكانت هذه الحجة فاسدة وهذا هو المقصود هنا # وأما بيان أن هذه الحوادث الموجودة في العالم يمتنع أن يكون الفلك مستقلا بهذا فذاك له مقام آخر إذ الغرض هنا بيان تناقضهم مع أن ذلك ظاهر بين والعقلاء المعروفون متفقون على أن الحوادث التي تحدث لا يستقل بها الفلك ويمتنع أن يكون في المخلوقات ما يستقل بأحداث محدث منفصل عنه فهذا له مقام آخر وهو دليل مستقل عظيم القدر على ثبوت الصانع تعالى # وهكذا الإلزام على التقدير الثاني وهو أن يقال هذه الحركات لغير غرض فيقال فيلزمكم بموجب كلامكم أن يكون الموجود القديم الواجب الوجود يفعل أفعالا دائمة مستمرة لغير غرض وقد قلتم إنه عبث والعبث على الحكيم محال فمهما كان جوابكم عن ذلك في هذا أمكن أن تجيبوا أنفسكم به إذا كان القديم الواجب الوجود هو صانع الفلك مع كون المحذور حينئذ أقل عندكم فلم عدلتم عن القول الأخف إلى القول الأقبح ولله المثل الأعلى فنزهتموه إذا كان

موجودا قديما صانعا عن أن يستكمل بفعله أو يكون عابثا فيه فجعلتموه معدوما وأي موجود فرض كان خيرا من المعدوم فعدلتم عن أن تصفوه بنوع نقص فوصفتموه بما يجمع كل نقص ثم وصفتم غيره بصفات الكمال التي هي وجوب الوجود والقدم مع وصفكم له بتلك النقائص فاجتماع هذه النقائص مع هذه الكمالات لازم لكم ولم تستفيدوا إلا كمال التعطيل والجحود بلا حجة أصلا # وقد ظهر فساد حجتهم وتناقضهم فيها من وجوه # أحدها أن الذي نفوه به يلزمهم مثله فيما أثبتوه من موجود قديم واجب وهو الفلك المشهود # الثاني أنهم قصدوا تنزيهه عن تجدد كمال له بفعله أو عن عبث فجعلوه أعظم نقصا من المستكمل العابث ومن المعلوم أنه إذا قدر فاعل يستكمل بفعله كان خيرا من المعدوم فإن الفلك أو غير الفلك إذا قدر ذلك فيه لم يشك عاقل أنه خير من المعدوم فكان نفيهم له الذي فروا إليه شرا من نفي بعض الأمور التي ظنوها كمالا فتدبر هذا أيضا وكذلك إذا قدر موجود كامل يفعل فعلا لغير غرض له وقيل إنه عابث فهو أكمل من العدم الذي ليس بشيء أصلا فإن الفاعل لغير غرض بمنزلة الساكن الذي لا يفعل وهذا يقال فيه إنه جامد ويقال في ذلك إنه عابث والجامد والعابث خير من العدم المحض لا سيما إذا كان متصفا بسائر صفات الكمال # الثالث ما تركب من هذين الوجهين وهو أنهم مع التزام المحالات التي زعموا أنهم فروا منها ومع التزام ما هو شر مما فروا منه لم يستفيدوا بذلك إلا جحود الصانع تعالى وتقدس رب العالمين الذي هو أصل كل باطل

وكفر وكذب وتناقض وشر في الوجود كما أن الإيمان به أصل كل حق وهدى وصدق واستقامة وخير في الوجود # وهكذا يقال لهم في فعل القبائح وعدم فعلها من وجوه # أحدها أن هذا لازم لكم فيما تصفونه بأنه واجب لذاته قديم وهذا لا بد منه على كل تقدير ولا مندوحة عنه # الثاني أن يقال تجويز تصديق الكاذب أو الكذب أكثر ما يقال فيه إنه يستلزم بطلان الرسالة والخبر عن الثواب والعقاب وهذا المحذور أخف بكثير من محذور نفي الصانع فهل يسوغ في العقل أن نجحد الصانع وخلقه للعالم لأن ثبوت ذلك يستلزم بطلان النبوة والوعد والوعيد فإنه يقال لذلك وأنت إذا نفيته بطلت النبوة والوعد والوعيد أيضا وبطل أضعاف هذا من أمور الديانات فبتقدير أن يكون هذا لازما على التقديرين لا يجوز أن يحتج به على نفي أحدهما مع كثرة المحاذير على هذا التقدير بل غاية ما يقال إذا قدر أنه لازم فليس بمحذور ومعلوم أن الإقرار بالصانع تعالى مع الكفر بالرسل والمعاد أقل كفرا من جحود الصانع كما أن الإقرار مستكمل أو عابث أقل كفرا من جحوده فالتزام زيادة الحجة والتعطيل بلا حجة من أبطل الباطل # وهكذا ما احتجوا به على جحود فعل القبيح كتكليف المحال ووجود الشرور فإنه يقال فيه هذان الوجهان # أحدهما لزوم ذلك أيضا مع ما يصفونه بالقدم ووجوب الوجود # الثاني أن ذلك إنما يستلزم نقصا وذلك أهون من العدم فإذا كانت الحجة إنما تستلزم في الوجود لم جز أن يلتزم عدمه بلا حجة بل إذا كان إثبات الوجود الناقص لا بد منه على كل تقدير

# ومثل من احتج على بطلان الخالق بأن ذلك يستلزم بطلان النبوة والمعاد مثل من بلغه أن الله تعالى بعث رسولا وأن قوما كذبوه فتأذى بذلك فجاء إليه فقتله وقال إنما قتلته لئلا يتأذى بالتكذيب وهؤلاء أعدموا الخالق لئلا تكذب رسله على زعمهم # وكذلك مثل من أراد أن ينصر ملكا له مملكة عظيمة ولكن بعض رعيته عصوه فعمد إلى ذلك الملك فقتله أو عزله عن الملك بالكلية وقال إنما فعلت ذلك إجلالا لقدره لئلا يعصيه بعض رعيته # ويحكى عن بعض الحمقاء أنه رأى ذبابا وقع على وجه مخدومه فأخذ المداس فضرب به وجه مخدومه ليطير عنه الذباب # ومثل من كان له ميراث من أبيه غصب بعض الناس شيئا منه فقصد بعض الحكام أو بعض الشهود دفع الشر عن ذلك الوارث ودفع تضرره بالغصب فأثبت أنه ليس ابنه وأنه لا يستحق شيئا من الميراث وقال إنه بهذا الطريق امتنع أن يكون مغصوبا وزال تضرره بالغصب # أو رجل كان له عقار عظيم من مساكن وبساتين وغيرها وله منافع عظيمة وحقوق كثيرة قد غصبه بعض الناس بعضها وهو متألم لذلك فقام قوم من الحكام والشهود والأعوان ليزيلوا عنه فسعوا في أخذ ذلك العقار منه بالكلية وإخراجه من ملكه ويده بلا فائدة حصلت له أصلا وقالوا هذا العقار إذا كان له فلا بد له من أن يؤخذ منه هذا الجزء اليسير فيتألم فأعدموه إياه كله بلا فائدة حصلت له # ومثل من قال أنا لا أصلي لأني إذا صليت أقصر في ذكر الله وعبادته وطاعته التي ينبغي أن أفعلها في الصلاة فأنا أترك الصلاة بالكلية خوفا من ترك بعض واجباتها

# وكذلك من قال لا أزكي أصلا لأني إذا زكيت فقد يأخذ زكاة بعض مالي من لا يستحقها فيحرم المستحقين لها فأنا أحرم المستحقين جميع الزكاة لئلا يحرموا بعضها بالمزاحمة # ومثل من ارتكب الفواحش المحرمة وترك النكاح الحلال قال لأني إذا نكحت المرأة فقد أطؤها وهي حائض أو في الدبر فأستحل الفواحش من التلوط وغيره حذرا من هذا الذنب # أو من أخذ يسرق أموال الناس خوفا من تجارة أو صناعة يكون ظلمه فيها أقل من ظلم السرقة # أو من أقام ببلاد الحرب معاونا لهم على قتال المسلمين خوفا من أن يهاجر إلى بلاد المسلمين فيقصر بجهاد أهل الحرب والأمثال في هذا كثيرة جدا # ومن العجب أن المتكلمين المناظرين لهؤلاء وأمثالهم من أهل الكفر إذا أوردوا سؤالا من جنس هذا السؤال أن يدخلوا معهم في جوابه وحله وقد لا يكون المجيب متمكنا من ذلك علما وبيانا ولا ينقطع بذلك الخصم ولا يهتدي لنقص قوي إدراكه أو سوء قصده أو لا حتياج تحقيق ذلك إلى مقدمات متعددة وزمان طويل وتقرير لتلك المقدمات بجواب ما ترد بها من ممانعة ومعارضة فيتركوا أن يبدؤوهم من أول الأمر ببيان فساد هذه الحجة وبيان تناقضهم وأن قائلها يلزمه إذا قال بها أعظم مما أنكره فإذا تبين له فسادها وللمتكلمين معه حصل دفع هذا الشر وبطلان هذا القول وهذه الحجة وهو المقصود في هذا المقام ثم بيان الحق وتكميله مقام آخر # ومثل ذلك مثال من قدم العدو بلاده فأخذ يبني ويغرس ويعمر ما ينتفع به لنفسه ويدفع به عدوه قبل دفع العدو عن بلاده فجعل كلما عمر شيئا خربه العدو

وهو غير متمكن من العمارة الثانية فإذا كان قادرا من أول الأمر على دفع العدو كان ذلك أولى وإن حصل له في ذلك نوع مشقة فهي أخف من كل مشقة يلتزمها مع بقاء العدو ببلاده والحجج الباطلة هي عدو الحق فهي عدو في قلب الناظر بنفسه لطلب الحق وقلبه كبلاده وهي أيضا عدو له مع المناظر الذي يناظره وسواء كان معاونا أو مغالبا ولهذا ناظر إبراهيم الخليل بمثل هذه المناظرة المتضمنة قياس الأولى وإلزام الخصم على قوله أعظم مما ألزمه هو على قول خصمه كما قال ^ وكيف أخاف ما أرشكتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ^ قال تعالى ^ وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء ^ قال زيد بن أسلم وغيره بالعلم فالعلم بحسن المحاجة مما يرفع الله تعالى به الدرجات وكذلك قال تعالى فيما أمر أن يخاطب به أهل الكتاب ^ قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل ^
فصل # يجب على من أراد أن يعرف الله تعالى المعرفة التامة أن يفحص عن منافع جميع الموجودات وأما دلالة الاختراع فيدخل فيها وجود الحيوان كله ووجود النبات ووجود السموات وهذه الطريقة تنبني على أصلين موجودين بالقوة في جميع فطر الناس

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:46 AM
# أحدهما أن هذه الموجودات مخترعة وهذا معروف بنفسه في الحيوان والنبات كما قال تعالى ^ إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ^ الآية فإنا نرى أجساما جمادية ثم تحدث فيها الحياة فنعلم قطعا أن ها هنا موجدا للحياة ومنعما بها وهو الله تبارك وتعالى وأما السموات فنعلم من قبل حركاتها التي لا تفتر أنها مأمورة بالعناية بما ها هنا ومسخرة لنا والمسخر المأمور مخترع من قبل غيره ضرورة # وأما الأصل الثاني فهو أن كل مخترع فله مخترع فيتضح من هذين الأصلين أن للموجود فاعلا مخترعا ل وفي هذا الجنس دلائل كثيرة على عدد المخترعات # وكذلك كان واجبا على من أراد معرفة الله تعالى حق معرفته أن يعرف جواهر الأشياء ليقف على الاختراع الحقيقي في جميع الموجودات لأن من لم يعرف حقيقة الشيء لم يعرف حقيقة الاختراع ولهذا أشار تعالى وتقدس بقوله ^ أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء ^ وكذلك أيضا من يتتبع معنى الحكمة في موجود موجود عن معرفة السبب الذي من أجله خلق الغاية المقصودة به كان وقوفه على دليل العناية أتم فهذان الدليلان هما دليلا الشرع # وأما أن الآيات المنبهة على الأدلة المفضية إلى وجود الصانع سبحانه في الكتاب العزيز هي مختصرة في هذين الجنسين من الدلالة فهذا بين لمن تأمل الآيات الواردة في الكتاب العزيز إذا تصفحت وجدت على ثلاث أنواع # إما آيات تتضمن التنبيه على دلالة العناية # وإما آيات تتضمن التنبيه على دلالة الاختراع

# وإما آيات تجمع الأمرين من الدلالة جميعا # فأما الآيات التي تتضمن دلالة العناية فقط فمثل قوله تعالى ^ ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا إلى قوله وجنات ألفافا ^ ومثل قوله تعالى ^ تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا إلى قوله تعالى أو أراد شكورا ^ ومثل قوله تعالى ^ فلينظر الإنسان إلى طعامه ^ ومثل هذا في القرآن كثير ^ # وأما الآيات التي تضمنت دلالة الاختراع فقط فمثل قوله تعالى ^ فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق ^ ومثل قوله تعالى ^ أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ^ الآية ومثل قوله تعالى ^ يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ^ ومن هذا قوله حكاية عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم ^ إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ^ إلى غير ذلك من الآيات التي لا تحصى # فأما الآيات التي تجمع الدلالتين فهي كثيرة أيضا بل هي الأكثر مثل قوله تعالى ^ يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون إلى قوله تعالى فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ^ فإن قوله ^ الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ^ تنبيه على دلالة الاختراع وقوله ^ الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء ^ تنبيه على دلالة العناية ومثل قوله تعالى ^ وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون ^ وقوله ^ ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ^ وأكثر الآيات الواردة في هذا المعنى يوجد فيها النوعان من الدلالة

# فهذه الدلالة هي الصراط المستقيم الذي دعا الله تعالى الناس منه إلى معرفة وجوده ونبههم على ذلك بما جعل في فطرهم من إدراك هذا المعنى وإلى هذه الفطرة الأولى المغروزة في طباع البشر الإشارة بقوله تعالى ^ وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم إلى قوله تعالى بلى شهدنا ^ ولهذا قد يجب على من كان وكده طاعة الله في الإيمان به وامتثال ما جاء به رسله أن يسلك هذه الطريقة حتى يكون من العلماء الذين يشهدون لله بالربوبية مع شهادته لنفسه وشهادة ملائكته له كما قال تبارك وتعالى ^ شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ^ ودلالة الموجودات من هاتين الجهتين هو التسبيح المشار إليه بقوله تعالى ^ وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ^ # فقد بان من هذا أن الأدلة على وجود الصانع تعالى منحصرة في هذين الجنسين دلالة العناية ودلالة الاختراع وأن هاتين الطريقتين هما بأعيانهما طريقة الخواص وأعني بالخواص العلماء وإنما الاختلاف بين المعرفتين في التفصيل أعني أن الجمهور يقتصرون في معرفة العناية والاختراع على ما هو مدرك بالمعرفة الأولى المبنية على علم الحس وأما العلماء فيزيدون إلى ما يذكرون من هذه الأشياء بالحس ما يدركون بالبرهان أعني من العناية والاختراع حتى لقد قال بعض العلماء إن الذي أدرك العلماء من معرفة منافع أعضاء الإنسان والحيوان هو قريب ألف منفعة وإذا كان هذا هكذا فهذه الطريقة هي الطريقة الشرعية والطبيعية وهي التي جاءت بها الرسل ونزلت بها الكتب والعلماء ليسوا يفضلون الجمهور في هذين الاستدلالين من قبل الكثرة فقط بل

ومن قبل التعمق في معرفة الشيء الواحد نفسه فإن مثال الجمهور في النظر إلى الموجودات مثالهم في النظر إلى المصنوعات التي ليس عندهم علم بصنعتها فإنهم إنما يعرفون من أمرها أنها مصنوعات فقط وأن لها صانعا موجودا ومثال العلماء في ذلك مثال من نظر إلى المصنوعات التي عنده علم ببعض صنعتها وبوجه الحكمة فيها ولا شك أن من حاله من العلماء بالمصنوعات هذه الحال فهو أعلم بالصانع من جهة ما هو صانع من الذي لا يعرف من تلك المصنوعات إلا أنها مصنوعة فقط وأما مثال الدهرية في هذا الذين جحدوا الصانع سبحانه وتعالى فمثال من أحس مصنوعات فلم يعترف أنها مصنوعات بل نسب ما رأى فيها من الصنعة إلى الاتفاق والأمر الذي يحدث من ذاته # قلت ذكره لهذين النوعين كلام صحيح حسن في الجملة وإن كان في ضمنه مواضع قصر فيها مثلما ذكره في دلالة حركة الفلك وتفسير الآية وتسبيح المخلوقات واستدلال إبراهيم ودليل الأحداث والاختراع يدل على ربوبية الله تعالى ودليل الحكمة والعناية والرحمة يدل على رحمته وقد فتح الله كتابه العزيز بقوله ^ الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ^ وهذا أجود من طريق المتكلمين طريقة الأعراض وإن كان لم يستقص الكلام في دلالة ثبوت الصانع تعالى ولم يفصل إحداث الجواهر وغير ذلك # مع أن طرق معرفة الصانع بالفطرة والضرورة وبالنظر والاستدلال بنفس الذوات وبصفاته باب واسع ليس هذا موضعه وكثير من يرغب عن طريقة الأعراض يذكر ما في خلق الإنسان أو ما في خلق ما يشهد حدوثه من هذين النوعين من

الحدوث الدال على المحدث والحكمة الدالة على قصد الصانع ورحمته ونعمته بما يدل عليه # وقد ذكرنا ما ذكره الخطابي من كراهة طريقة الأعراض وأنها بدعة محظورة وقد قال في أوائل كتابه شعار الدين القول فيما يجب من معرفة الله سبحانه وتعالى أول ما يجب على من يلزمه الخطاب أن يعلم أن للعالم بأسره صانعا وأنه هو الواحد لا شريك له وقد جرى كثير من عوام المسلمين في هذا على عادة النشوء وحكم الولادة فكان إيمانهم إيمان تلقين وتربية وذلك أنهم يولدون في دار الإسلام ويتربون في حجور المسلمين وينشأون في بلادهم فيتلقنون كلمة التوحيد من الآباء والأمهات ويسمعون الأذان من المؤذنين ويتلون القرآن من الأئمة في الصلوات ومن المعلمين في المكاتب فيستحكم حب الدين في قلوبهم ويعتقدون حسنه وصحته تقليدا فينتفعون به ويقتصرون عليه ودين الإسلام إذا كان موثوقا بصحته مشهودا له بالفضل على كل دين سواه فقد يجب على كل متدين به أن يكون مصلدا اعتقاده إياه عن نظر واستدلال ليكون العلم به أصح والوثيقة به أشد وقد نصب الله تعالى الأدلة وأزاح بها العلة ووسع من وجوهها وكثر من عددها فهي على اختلاف مراتبها في الوضوح والغموض معروضة للاستدلال بها والاستشهاد بمواضعها فلا أحد يعقل من آحاد الناس إلا وله في جليها مستدل وفي واضحها مستشهد وإن كان نزل فهمه عن دقيقها ولطيفها فالواجب على كل من الناس أن يبذل وسعه فيه ويبلغ جهده في دركه فإن الله تعالى يقول ^ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ^

# فمن أوضح الدلالة على معرفة الله سبحانه وتعالى على أن للخلق صانعا ومدبرا أن الإنسان إذا فكر في نفسه رآها مدبرة وعلى أحوال شتى مصرفة كان نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ولحما فيعلم أنه لا ينقل نفسه من حال النقص إلى حال الكمال لأنه لا يقدر أن يحدث في الحال الأفضل التي هي حال كمال عقله وبلوغ أشده عضوا من الأعضاء ولا يمكنه أن يزيد في جوارحه جارحة فيدله ذلك على أنه في وقت نقصه وأوان ضعفه عن فعل ذلك أعجز وقد يرى نفسه شابا ثم كهلا ثم شيخا وهو لم ينقل نفسه من حال الشباب والقوة إلى حال الشيخوخة والهرم ولا اختاره لنفسه ولا في وسعه أن يزايل حال المشيب ويراجع قوة الشباب فيعلم بذلك أنه ليس هو الذي فعل هذه الأفعال بنفسه وأن له صانعا صنعه وناقلا نقله من حال إلى حال ولولا ذلك لم تتبدل أحواله بلا ناقل ولا مدبر # فإن قيل إن النطفة قديمة وفيها قوة قابلة للاغتذاء فإذا وقعت في الرحم والطبائع معتدلة قبلت بالقوة التي فيها الاغتذاء والتربية حتى تستوي جارحة ويتم بها خلقه # قيل لو كانت النطفة قديمة كما زعمتم لم يجز عليها الانقلاب والتغيير لأن التغيير والانقلاب من سمات الحدث فبطل أن يكون المنقلب المتصرف قديما # فأما ما ادعوه من قبول النطفة بما فيها من القوة الاغتذاء والتربية فإن ذلك لا ينكر إذا صح العلم به في طريق العادات ولكن الذي ننكره من ذلك أن يكون هذا الفعل للنطفة بذاتها من غير مدبر دبرها لذلك ولو كان هذا جائزا من غير مدبر حكيم عالم قدير يعلم كيف يدبر النطفة ويقلبها أطوارا

ويسوي منها السمع لما يصلح له ويضعه في موضعه والبصر في مكانه الذي يليق به في البدن وكذلك تعليق اليدين العاملتين في موضعهما والرجلين الحاملتين في أخص المواضع بهما ووضع كل شيء من القلب والكبد والطحال وسائر الأجسام في الموضع الذي هو أملك به وأشكل لما أعد له من الفعل لجاز أن يرتفع الماء من إليه ويختلط بالطين ويقع الطين في قالب اللبن وينطبع به ثم يزحف إلى موضع البناء فيرتفع بعضه على بعض فينتضد حتى يكون بناء رفيعا محكما مشيدا من غير بان ولا رافع ساق على ساق بل ينطبع الماء والتراب بنفسهما لا بشيء سواهما فإن لم يكن هذا جائزا لأنه ليس من طبع الماء أن يكون منهما ما وصفت فكذلك غير جائز تركيب الإنسان وتصويره وتخطيطه على ما عليه الإنسان من جنس الصورة وعجيب التركيب بنفس النطفة وطبعها ويجاز على هذا بطبع الخشب وجودة سفينة اجتمعت أجزاؤها واعتدلت وتماسكت وداخل بعضها بعضا وقربت من الساحل معها دقلها وآلاتها يعبر من يريد العبور من سوال سق ثم تعود بنفسها إلى مركزها ومرساها كذلك ويجاز بطبع الماء والنار والتربة أن يوجد حمام في أسفله نار وفي بيوته ماء على غاية الاعتدال في الحرارة والرطوبة من غير بان بناه ومسخن سخنه ومدبر دبره فإن لم يجز شيء مما ذكرناه فليكن مثل ذلك ما ادعوه من النطفة واجتماع خلق الإنسان منها من غير مدبر حكيم دبره وأحكمه # فهذا الدليل يتضمن أن المحدث لا بد له من محدث وأن ما فيه من الحكمة لا بد له من قاصد حكيم

# ثم ذكر دليلين في العالم أحدهما حدوث ما يحدث لاختلاف الحركات الطبيعية الدالة على أنه بإرادة كما قد نبهنا أن الإرادة هي أصل جميع الحركات الثاني ما في العالم من الحكمة فقال # دليل ثان أنا رأينا أشياء متضادة من شأنها التباين والتنافر والتفاسد مجموعة في بدن الإنسان وأبدان سائر الحيوان وهي الحرارة والبرودة فعلمنا أن جامعا جمعها وقهرها على اجتماع وأقامها بلطفه ولولا ذلك لتنافرت وتفاسدت ولو جاز أن تجتمع المتضادات المتنافرات وتتقاوم من غير جامع يجمعها لجاز أن يجتمع الماء والنار ويتقاوما من ذاتهما من غير جامع يجمعهما ومقيم يقيمهما وهذا محال لا يتوهم فتعين إنما كان اجتماعهما بجامع قهرهما على الاجتماع والالتئام # دليل ثالث أنك إذا تأملت هيئة العالم يبصرك واعتبرتها بفكرك وجدته كالبيت المبني المعد فيه جميع ما يحتاج إليه ساكنه من آلة وعتاد فالسماء مرفوعة كالسقف والأرض ممدودة كالبساط والنجوم منضودة كالمصابيح والجواهر مخزونة كالذخائر وضروب النبات مهيئة للمطاعم والملابس والمشارب وصنوف الحيوان مسخرة للمراكب مستعملة في المرافق والإنسان كالمملك البيت المخول ما فيه وفي هذا كله دلالة واضحة على أن العالم مخلوق بتدبير وتقدير ونظام وأن له صانعا حكيما تام القدرة بالغ الحكمة وقد نبه كتاب الله عز وجل على هذا النوع من الاستدلال فقال تعالى ^ وفي أنفسكم أفلا تبصرون ^ إشارة إلى أثارة الصنعة الموجودة في الإنسان من يدين يبطش بهما ورجلين يمشي بهما وعين مبصرة وأذن يسمع ولسان يتكلم به وأضراس تحدث له عند غناه عن الرضاع وحاجته إلى الغذاء ومعدة أعدت لطبخ الغذاء وكبد يسلك إليها صفوه وعروق ومعابر ينفذ منها إلى الأطراف وأمعاء يرسب إليها ثفل الغذاء ويبرز عن أسفل البدن

# وقال عز وجل ^ أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ^ الآية هذا من قريب ما يستدركه العاقل من وجوه الأدله من غير كثير استقصاء في فعل ومعاناة بدقيق فكر وذلك أنه خطاب للعرب ومن سنة العربي أن يركب راحلته فيسير عليها فيما قرب من الأرض باغيا حاجته وفيما يعد عنها ضاغنا في السفر في الحال يكثر في بلادهم فإذا خلا بالمكان لم ير إلا سماءا فوقه وأرضا تحته وجبلا عن يمينه وجبلا عن شماله ومطية هو راكبها فإذا تأمل هذه الأشياء استبان فيها أثر الصنعة ولطف الحكمة مما جمع الله من المرافق فيها أن صانعها لطيف خبير عالم قدير حكيم عليم وقد قيل إن الإبل خصت بالذكر من بين سائر الحيوان وذلك أن الأنعام ضروبها أربعة حلوبة وركوبة وأكولة وحمولة والإبل تجمع هذه الخلال كلها # وقال سبحانه وتعالى ^ إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ^ فذكر خلق السموات بما فيها من الشمس والقمر والنجوم وسيرها في أفلاكها الذي يختلف الليل والنهار به ويتبين زيادتهما ونقصانهما ودخول أحدهما على الآخر وأخذ بعضها من بعض فيكون بها انقسام فصول السنة وتعاقب الحر والبرد الذين بأحدهما لقاح الشجر وبالآخر نضج الثمار وذكر الله الأرض التي هي مسكن الحيوان والدواب وفيها قرار البحار التي تجمع المياه التي تحمل السفن والفلك وذكر الريح التي تنشئ السحاب وتجريها إلى حيث أذن لها أن تمطر فيحيي بها البلاد والزرع والأنعام وبها يجري الفلك والسفن في البحار فتصلح بهذه الأمور معايش الناس وتكثر بها منافعهم وباجتماع هذه الأمور ومعاونة بعضها

بعضا يتم صلاح أمر العالم وينتظم وفي ذلك دليل على أن صانع العالم قادر حكيم عالم خبير ووقع ذكر هذه الأمور عقب قوله تعالى ^ وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ^ ليدل بها على صدق الخبر عما قد يدلنا به من وحدانيته سبحانه وذكر رحمته ورأفته بخلقه وطرق الاستدلال كثيرة لكنا أخبرنا منها في الكتاب ما هو أقرب إلى الأفهام وذكر تمام الكلام الذي كتبناه في موضعه # واستدلال الناس من جميع الطوائف بما يشهدونه في العالم من الحكمة والنعمة والبرهنة على حكمة ارب ورحمته وإرادته النعمة والإحسان إلى عباده وعنايته كثيرة جدا # وإنما المقصود هنا أن الفلاسفة يصرحون بذلك وهم من أكثر الناس نظرا في حكم الموجودات وقد اعترفوا بما تقدم من أن هذه الموافقة تعلم ضرورة أنها من قبل فاعل قاصد لذلك مريد إذ ليس يمكن أن تكون هذه الموافقة بالاتفاق فعلم أن نفيهم بعد ذلك كونه فاعلا مختارا تناقض منهم # وأيضا فلو لم يتناقضوا لكانت هذه الدلالة مع دلالة الاختصاص كلاهما يدل على الإرادة الاختصاص يدل على إرادة في نفس المفعول وهذا يدل على الإرادة للمفعول ولحكمته فهذه ثلاث طرق # وقد اعتذر ابن سينا ونحوه من المتفلسفة عن هذا فقال في الإشارات بعد أن ذكر حججه على نفي الفعل بالقصد والاختيار إشارة لا تجد إن طلبت مخلصا إلا أن تقول إن تمثل النظام الكلي في العلم السابق مع ترتيبه الواجب اللائق يفيض منه ذلك النظام على ترتيبه وتفاصيله معقولا فيضانه وهذا هو العناية وهذه جملة تهتدى سبيل تفاصيلها

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:47 AM
# وهذا الكلام أبعد ممن يقول بتخصيص العالم بوقت دون وقت وصفة دون صفة إنما كان لأن العلم القديم تعلق به ذلك الوجه كما قال ذلك طوائف من المتكلمين من الأشعرية وغيرهم كما سيأتي بيانه مثل أن هؤلاء جعلوا العلم مخصصا لما أريد وهؤلاء المتفلسفة جعلوا العلم مخصصا لما لم يرد عندهم والكلام على هذا من وجوه # أحدها أن يقال لا نسلم أن هذا مخلصا ولا أنه واقع ولا ممكن كيف نعلم أنه لا مخلص غيره وهم لم يذكروا حجة على ذلك ولا يمكنهم أن يقيموا عليه حجة أصلا # الوجه الثاني أن يقال العلم أبدا تابع للمعلوم مطابق له ثم قد يكون سببا في وجود المعلوم كالعلم بما يفعله العالم مثلما ذكره من علم الرب تعالى بالنظام الكلي وقد لا يكون سببا كالعلم بالأمور التي لا تكون بفعل الإنسان ولا بقصده ثم من الناس من المتفلسفة ونحوهم من يجعل العلم مطلقا صفة فعليةأو يجعله هو وحده الموجب المعلوم وهو غلط كما سنبينه ومنهم من المتكلمين وغيرهم من يجعله أبدا صفة انفعالية للمعلوم لا يكسبه صفة ولا يكتسب عنه صفة ويقول فيه وفي القول ليس لمتعلقهما منها صفة ثبوتية وهذا وإن كان أقرب إلى الصواب من القول الأول ففيه تقصير بل الصواب أنه يجتمع في جنسه الأمران إذ الأولون يسلمون أنه عالم بنفسه وهذا ليس مؤثرا في المعلوم والآخرون يقولون الإرادة مشروطة بالعلم وهذا اعتراف بتوقف المفعول عليه لكن المقصود الكلام في العلم الذي له تأثير في المعلوم وهو العلم العملي فنقول # من الأمور المعلومة بالفطرة البديهية الضرورية أن الإنسان إذا عمل عملا بإرادته يجد من نفسه أنه يكون شاعرا بما يريد أن يفعله وأنه مع الشعور لا بد أن يكون

مريدا ولا بد مع هذين أن يكون قادرا عليه ويجد من نفسه أن إحساسه وشعوره يقتضي إرادة الفعل ومحبته وأن له شعورا بما يفعله لأجله وشعورا بالحب والإرادة التي في نفسه لذلك المطلوب وشعورا بالفعل الذي يتوصل به إليه فهذه أربع حقائق مراد مطلوب بالفعل وإرادة في النفس له وفعل موصل إليه وإرادة لذلك الفعل كالطعام مثلا والشعور يتعلق بهذه الأربعة فإنه إذا أخبر بالطعام وهو جائع أحس من نفسه بشهوته ومحبته فأراد أكله ومقصوده بذلك وجود لذة الأكل ودفع ألم الجوع وهو يفرق بين نفس الأعيان واللذة بها وبين إرادة ذلك ثم يريد الأكل الموصل إلى المطلوب ويفعل هذا الفعل وهكذا في شهوة النكاح وهكذا في جميع الأفعال من العبادات وغيرها والعلم سابق للإرادة والعمل في ذلك كله فإنه مثلا يعرف الله تعالى وثوابه وعقابه فيصير في قلبه محبة له أو لثوابه الملائم له فالله تعالى هو مقصوده ومعبوده وهو يريد التنعم بما يحصل له من النعيم المتعلق بذاته تعالى كالنظر إليه ومن مخلوقاته مثل موجودات الجنة فكلاهما مقصود له وقصد هذا مستلزم هذا كتلازم قصد الأعيان المطعومة وقصد لذة الأكل ثم يريد الأعمال الموصلة إلى ذلك ويعملها ومن المعلوم أن نفس العلم بالمعلومات لا يغني عن إرادة ذلك والقدرة عليه فمن ادعى أن مجرد العلم كاف في حصول المعلومات كان مكابرا مباهتا فإنه في المشاهد منتف قطعا وأما في الغائب فغايته أن يعلمه بنوع شيء قياس الشمول أو التمثيل
فصل # ذكر ابن سينا فقال تنبيه أتعلم ما الملك الملك الحق هو الغني الحق مطلقا ولا يستغني عنه شيء ومن شيء وله ذات كل شيء لأنه منه أو ما منه ذاته فكل شيء غيره فهو مملوك وليس له إلى شيء فقر

# قال الرازي الغرض منه ذكر ماهية الملك ويعتبر فيها أمران أحدهما سلبي وهو أن يكون غنيا مطلقا عن كل ما عداه وثانيهما إضافي وهو أن يفتقر إليه كل ما عداه بواسطة أو بغير واسطة # قلت هذه الجملة متفق عليها بين المسلمين وغيرهم من أهل الملل بل المشركون من العرب وغيرهم يقرون بها كما قال تعالى وتقدس ^ قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون الله قل أفلا تتقون قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون الله قل فأنى تسحرون ^ والأكثرون يقرأون الآخرتين ^ سيقولون لله ^ كما اتفقوا على أن جواب الأول ^ سيقولون لله ^ وهو جواب مطابق لمعنى اللفظ لأن معنى قوله ^ قل من رب السموات السبع ^ ^ ومن بيده ملكوت كل شيء ^ أي لمن ذلك فكان الجواب بقوله ^ سيقولون لله ^ هذا بيان لأن المشركين يقرون بأن ملكوت كل شيء لله وذلك مبالغة في الملك فإن ^ الملكوت ^ أبلغ من لفظ الملك وما ذكروه من ذلك يتضمن غناه عن كل شيء وفقر كل شيء إليه فهو حق لكنه يتضمن أكمل من ذلك من العلم والقدرة والتدبير على وفق المشيئة والإرادة وغير ذلك من المعاني التي تبين أن هؤلاء الفلاسفة لا يجعلونه ملكا حقا وكيف يكون ملكا عندهم من لا يقدر على إحداث شيء ولا دفع شيء ولا له تصرف لا بنفسه ولا في غيره بوجه من الوجوه بل هو بمنزلة المقيد بحبل معلق به من لا يقدر على دفعه عن نفسه وما يثبتونه من غناه وافتقاره ما سواه إليه يتناقضون فيها فإنهم يصفونه بما يمتنع معه أن يكون غنيا وأن يكون إليه شيء ما فقير لكن ليس المقصود

هنا كشف أسرار أقاويلهم وإنما المقصود التنبيه على فساد حججهم التي خالفوا بها أهل الملل في هذا ونحوه وأنهم يتكلمون بجهل بسيط أو مركب # فيقال إن كان المقصود إن الله يستحق أن يسمى ملكا حقا لثبوت هذا المعنى فلا ريب أنه قد سمى نفسه ملكا حقا ولا ريب أن هذه المعاني داخلة في ضمن هذا الاسم وأكثر منها في صفات الكمال الثبوتية وتنزيهه عن النقائص لكن في هذا ما يدل على أنه ليس له إرادة وقصد إلا أن يحتج على ذلك بأن لفظ الغني ينفي ذلك أو أن ذلك يقتضي فقرا إلى الغير وقد تقدم الكلام على ذلك وتبين أن ذلك مع أنه لا فقر فيه إلى غيره فالذي يذكرونه يستلزم من المحاذير أعظم مما فروا منه من وجوه بل سلب ذلك هو الذي يقتضي أن يكون فقيرا بل معدوما بل ممتنعا لذاته كما هو مقرر في موضعه
فصل # ثم قال ابن سينا في تقرير نفي الإرادة والحكمة المقصودة تنبيه أتعرف ما الجود الجود هو إفادة ما ينبغي لا لغرض فلعل من يهب السكين لمن لا ينبغي له ليس بجواد ولعل من يهب ليستعيض معامل فليس بجواد وليس العوض كله عينا بل وغيره حتى الثناء والمدح والتخلص من المذمة والتوصل إلى أن يكون على الأحسن أو على ما ينبغي فمن جاد للشرف أو ليحمد أو ليحسن به ما يفعل فهو مستعيض غير جواد فالجواد الحق هو الذي يفيض منه الفوائد لا لشوق منه وطلب قصدي لشيء يعود إليه واعلم أن الذي يفعل شيئا لو لم يفعله لقبح به أو لم يحسن منه فهو بما يفيده من فعله متخلص

# وقال أبو عبدالله الرازي في تفسير ذلك الغرض منه بيان ماهية الجود وحده أنه إفادة ما ينبغي لا لغرض وهذا فيه قيود ثلاثة # أحدها الإفادة فإن من لا يفيد شيئا لا يكون جوادا # وثانيها أن يكون المفاد مما ينبغي إفادته فإن من يهب السكين لمن لا ينبغي له ليس بجواد # قال واعلم أن لفظة ينبغي لفظة مجملة فإنه يراد بها تارة الحسن العقلي كما يقال العلم مما ينبغي والجهل مما لا ينبغي لكن الحكماء لا يقولون بالحسن والقبح العقليين وقد يراد بهما الإذن الشرعي كما يقال النكاح مما ينبغي والسفاح مما لا ينبغي أي النكاح مأذون فيه شرعا والسفاح ممنوع منه شرعا وهذا التفسير أيضا لا يليق بالحكماء وليس لهذه اللفظة معنى ملخص سوى هذين المعنيين فظهر الإجمال من هذه اللفظة # وثالثها أن لا تكون الإفادة لعوض فإن من يهب ليستعيض معامل سواء كان العوض عينا أو ثناءا أو مدحا أو تخلصا عن الذم أو أن يكون فاعلا للأليق والأحسن ثم أنه لما مهد هذه القاعدة قال فالجواد الحق إلى آخره ومعناه ظاهر # قال ولقائل أن يقول القصد إلى إيصال الفائدة إلى الغير لو لم يكن معتبرا في الجواد لوجب أن يقال الحجارة إذا سقطت من السقف ووقعت على رأس عدو إنسان ومات ذلك العدو أن تكون تلك الحجارة جوادا مطلقا لأنه حصل منها ما ينفي العوض فإن التزم كون الحجر جوادا مطلقا وقال هذا هو الجود وإن كان شنيعا في المشهور فنقول له الذي عولت عليه أيضا ليس

حجة برهانية بل كلاما إقناعيا خطابيا فإن غاية كلامك أن كل ما غرضه في الإفادة أن كون فاعلا للأولى كان غرضه من الإفادة تخليص نفسه من الذم فهذا ضعيف لأنه يقال إن عنيت بقولك إنه يخلص نفسه من الذم لأن غرضه من فعله أن لا يصير مستحقا للذم مع علمه أنه لو لم يفعله لا يستحق الذم فلم قلت إن ذلك محال وهل هذا الا الزام للشيء على نفسه وإن عنيت به معنى آخر فبينه لنتكلم عليه فصح أن الحجة التي ذكروها لا تصير على السبك والنظر والحق لكنها حجة إقناعية وإذا كان كذلك كانت الحجة التي ذكرناها تصلح معارضة لها # قلت هذه الحجة من جنس التي قبلها في اسم الغني وأفسد منها ويظهر ذلك بوجوه # أحدها أن يقال هذه الحجة مبنية على مقدمتين # إحداهما أن الحق مسمى بأنه جواد # والثانية أن تفسير الجواد هو ما ذكرته ولم تذكر على واحدة من المقدمتين حجة أصلا لا بينة ولا شبهة فكان ما ذكرته مجرد دعوى لبست بها على الناس كما لبست بقولك انه غني وإن الغني هو من يكون كذا ولم تذكر على واحدة من المقدمتين حجة لكن هناك ادعيت أن ثبوت الإرادة مستلزم للفقر إلى غيره وقد ثبت أنه واجب الوجود فلا يكون مفتقرا إلى غيره وهذه الحجة وإن كان قد تبين فسادها فلم تذكر في اسم الجواد حجة نظيرها بل كان هذا دعوى مجردة إذ لا يمكن أن يقول واجب الوجود يجب أن يكون جوادا كمال قال يجب أن يكون غنيا

# الثاني أن يقال لا ريب أن الله عند أهل الملل كريم جواد ماجد محسن عظيم المن قديم المعروف وأن له الأسماء الحسنى التي يثنى عليه فيها بإحسانه إلى خلقه لكن وإن كانت هذه الحجة مبنية على تسليمهم ذلك فليست حجة عقلية بل جدلية وهذا ليس بفلسفة # الثالث أن يقال هم إذا سموه بهذه الأسماء الحسنى سموه بها بالمعنى الذي يفسرونه به بالذي لا ينافي إرادته ورحمته بل عندهم نفس الرحمة التي نفيتها أنت لنفيك الإرادة أو إرادة الإحسان إلى عباده هي عندهم تدل على الإحسان والجود بلا نزاع بينهم لكن طائفة من نفاة الصفات يجعلون الرحمة هي نفس الإحسان وإن وافقهم على ذلك بعض الصفاتية حتى بعض أصحاب أحمد رحمه الله وطائفة كبيرة من الصفاتية يقولون الرحمة تعود إلى إرادة الإحسان وهذا قد يقوله بعض أصحاب أحمد والذي عليه أئمة الصفاتية وجمهورهم أن الرحمة صفة لله ليست هي الإرادة كما قال إن السمع والبصر ليس نفس العلم # والمقصود أنك احتججت بموافقتهم لك على إطلاق الاسم فإن كنت تحتج بالموافقة على معناه لم يكن لك حجة لأنهم متفقون على أن معنى هذا الاسم عندهم لا ينفي ما تنفيه أنت في إرادته وغير ذلك وإن كنت تحتج بمجرد الموافقة على اللفظ مع التنازع في معناه فهذه حجة فاسدة جدا لأنهم أطلقوا الاسم بمعان فادعيت أنت أنه كان ينبغي أن يريدوا بهذا الاسم معان أخر وهذا من جنس أن يقال كان ينبغي أن يعنوا بلفظ الإحسان كذا وبلفظ الحركة وبلفظ الفعل كذاونحوذلك من المعاني التي لم يريدوها بذلك اللفظ وحاصله أنه اعتراض على اللغة بأنه كان يجب أن يعنى بألفاظها من المعاني أمورا أخر ولا ريب أن هذا اعتراض فاسد على اللغة فضلا أن يكون حجة في المعاني العقلية الإلهية

# الرابع أن يقال هب أنه سلم لك أن اللفظ كان ينبغي أن يستعمل في المعاني التي ذكرتها لكن هم إذا لم يستعملوها إلا في المعاني التي قصدوها لم يكونوا موافقين لك على ما ادعيته من المعنى وإن قصروا في العبارة فيكون ما أثبته من المعنى أثبته بلا حجة علمية ولا جدلية بل مجرد الدعوى وهذا بين واضح ولله تعالى الحمد # الخامس أنه لو احتج على هذا بدليل سمعي مثل أن يثبت بالنص أنه جواد لم يفسره بهذا المعنى لم يصح ذلك أيضا لهذين الوجهين أحدهما أن الأدلة التي يذكرها ليست سمعية شرعية وهو يعترف بذلك فلا يقبل منه أن يذكر دليلا سمعيا ويدعي أنه عقلي مع أن هذا الاسم ليس في القرآن وإن جاء في بعض الأحاديث الثاني أن المرجع في ثبوت هذه الأسماء عن الشارع وفي بيان معناها إلى من نقل عنه القرآن والحديث لفظه ومعناه وهم العلماء الذين هم ورثة الأنبياء الذين تلقوا الإيمان والقرآن والحديث بعضهم عن بعض حتى يصل إليه أو أخذ ذلك هو بلغته التي كان يخاطب بها ولا ريب أن الفلاسفة من أبعد الناس عن ذلك ولو ادعوا نقلا عن المرسلين اللفظ ولمعناه من غير رجوع في ذلك إلى أهل العلم بأثارة المرسلين لم يكن ذلك مقبولا باتفاق العقلاء ثم كيف يصح أن يحتج محتج بمثل هذه الدلالة الضعيفة على نفي إرادة الله تعالى والقرآن مملوء من إثبات إرادته ومشيئته ورحمته وحكمته ولو قدر أنه يتناول ذلك كان من المعلوم بالاضطرار لكل أحد أن ما ذكره ليس فيه ظهور يحتاج إلى تأويل بل هو أبعد من ذلك فكيف يتأول النصوص والظواهر لأجل ذلك وإنما غاية المتأول أن يدعي معارضة المعقولات للسمعيات ونحن قد بينا أن هذه الحجة ليست من المعقول قبل بل هي مع كونها سمعية لفظية فهي دعوى مجردة بل كاذبة كما سنبينه

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:48 AM
# الوجه السادس أن يقال له هذا الحد الذي ذكرته في الجود حين قلت إن من جاد ليشرف وليحمد وليحسن به ما يفعل فهو مستعيض غير جواد فهذا التفسير عمن نقلته ومن ذكره من أهل التفسير للنصوص أو من أهل اللغة العربية بل من سائر لغات الأمم وإن كان ذلك لا ينفعه إن لم يبين معنى هذا اللفظ العربي في لغة العرب ومن المعلوم أن هذا لم يقله أحد من أهل العلم بالنصوص الشرعية واللغة العربية فصار ذلك افتراءا على النصوص واللغة # الوجه السابع أن يقال اسم الجواد يقال على كثير من المخلوقين مع انتفاء هذه المعاني عنهم فلو كان هذا المعنى داخلا في هذه الاسم لم يصح إطلاقه على مخلوق إلا مجازا أو بطريق الاشتراك وكلاهما مع كونه خلاف الأصل إنما يكون إذا ثبت استعمال اللفظ في المعنى مجردا فكيف وأصل الاستعمال منتف # الوجه الثامن أن يقال المعروف في الشرع واللغة والعقل أن الذي يفعل أو يفيد ما ينبغي لا لمقصود أصلا عابث وإن كان لا لمقصود يعود إلى نفسه فهو سفيه أو جاهل وكلاهما مذموم في الشرع والعقل بل يستحق في الشرع أن يحجر عليه وهو من أسو المبذرين حالا فإن من المبذرين من يبذل المال لأغراض محرمة وإن كان فيها ما هو مقصود له فأما من يبذل ما ينبغي لا لمقصود أصلا فهذا إن كان موجودا فهو مذموم واسم الجود في الشرع واللغة والعقل اسم مدح فيستحيل أن يفسر بما لا يكون عند الناس إلا مذموما # بل يقال في الوجه التاسع هذا المسمى لا يعرف وجوده أصلا فليس في الموجودات ما يفيد وينفع لا لمقصود أصلا حتى الحركات الطبيعية لحركتها منتهى ومستقر هو منتهى ميلها ويسمى ميلها إرادة وقد جعلوهم عشقا لذاك الكمال وإذا

كان هذا المسمى معدوما والاسم معروفا في الشرع واللغة لأعيان موجودة امتنع أن يكون مسماه ما ذكره # بل يقال في الوجه العاشر إن ما ذكره ممتنع لذاته ولهذا هم يسلمون أنه ليس في الموجودات ما هو كذلك إلا ما يذكرونه في واجب الوجود وهم متناقضون في ذلك فيصرحون تارة أنه يفعل لقصد منه للغاية ورحمة منه وتارة يقولون ليس له إرادة ولا قصد وإن كانوا متناقضين في ذلك تبين أن أحدا من العقلاء لم يستقر قوله على إثبات موجود بهذه الصفة التي سموها جودا # الوجه الحادي عشر أن يقال الجود إفادة ما ينبغي لا لغرض هو كلام مجمل يحتمل الحق والباطل بل الظاهر منه للناس هو الحق الذي لم يرده فإنه يقال لك العوض المعروف في الشرع واللغة والعرف والعقل هو ما يبذله أحد المتعاوضين للآخر في مقابلة ما بذله الآخر له كثمن المبيع وأجرة الأجير وثواب الهدية ومكافأة النعمة ونحو ذلك فلا ريب أن من أعطى غيره ليعطيه ذلك الغير عوضها فهذا مستعيض وليس بجواد ولهذا يفرق الفقهاء بين عقود المعاوضات والتبرعات بنحو هذا الفرق ولهذا قال المخلصون ^ إنما نطعمكم لوج الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ^ فأخبروا أنهم لا يريدون من المنعم عليهم لا جزاء ولا شكورا ولم يقولوا لا نريد ذلك من أحد لا من الله ولا من غيره فإن هذا إما ممتنع وإما سفاهة ولهذا كان المحققون للإخلاص لا يطلبون من المحسن إليه لا دعاءا ولا ثناءا ولا غير ذلك فإنه إرادة جزاء منه فإن الدعاء نوع من الجزاء على الإحسان والإساءة كما جاء في الحديث من أسدى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه به فادعوا له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه وقال الشاعر

% ارفع صغيرك لا يجزيك ضعفه % يوما فتدركه العواقب قد نمى % % يجزيك أو يثني عليك وإن من % ثنى عليك بما فعلت فقد جزى %
# وأيضا كانوا إذا كافأهم المعطي بدعاء وغيره قابلوه بمثل ذلك ليبقى أجرهم على الله تعالى ولا يكونوا قد اعتاضوا عنه كما كانت عائشة رضي الله عنها إذا أرسلت إلى قوم بهدية تقول للمرسل اسمع ما يدعون به لنا حتى ندعو لهم مثل ما دعوا لنا ويبقى أجرنا على الله تعالى فهذا أو نحوه غاية ما يقدر من الجود المعروف فأما جود أهل الجاهلية ونحوهم ممن يقصد به الثناء عليه ولو بعد موته فذاك دون هذا # وأيضا فإن الإنسان قد يحب بنفسه فعل الخير والإحسان ويتلذذ بذلك لا لغرض بل يتلذذ بالإحسان إلى الغير كما يتلذذ الإنسان بلذاته المعروفة وأشد وإن لم يصل إليه نفع لذته بالإحسان كما أن النفوس الخبيثة قد تلتذ بالإساءة والعدوان وإن لم يحصل لها بذلك منفعة ولا دفع مضرة فهذا أيضا موجود وصاحبه من أهل الإحسان والجود فأما أن يكون في الوجود من يفعل فيه ولا لمعنى في غيره فهذا لا حقيقة له أصلا وقد علم أن أهل الشرع واللغة وسائر العقلاء الذين يقولون الجود إفادة ما ينبغي لا لعوض أصلا إنما يريدون به عوضا يكون في مقابلة العطية إما من المعطي أو ممن يقوم مقامه كمن يبذل لغيره مالا ليعتق عبده أو يخلع امرأته أو يفك أسيره # وبالجملة فالعوض الذي ينافي الجود يشترط فيه أمران أحدهما أن يقصده

4 المعطى والثاني أن يقصده من المعطى وممن يقوم مقامه فأما من طلب العوض من الله تعالى أو أحسن للتذاذه هو بالإحسان فهذا لا ينافي الجود باتفاق العقلاء بل لو طلب الثناء من عباده ونحوهم لم يمتنع أن يسميه الناس جوادا كما سموا حاتما جوادا وغيره من أهل الجاهلية بالجود وإن كانوا قد يقصدون البسمعة والثناء في الخلق # الوجه الثاني عشر قوله ولعل من وهب ليستعيض معامل وليس بجواد وهذا فيه من الإجمال ما تقدم فإن معنى العوض الذي يمنع الجود في الشرع واللغة والعرف وعقول جميع الآدميين أخص من العوض الذي ادعاه بقوله وليس العوض كله عينا بل وغيره من الثناء والمدح والتخلص من الذم والتوصل إلى أن يكون علىالأحسن وعلى ما ينبغي فيقال له لا نسلم أن من أعطى لينال حمد الله وثناءه عليه أو التخلص من ذم الله تعالى لا يكون جوادا بل هذا جواد باتفاق الأنبياء والمرسلين وجميع عباد الله المؤمنين وسائر أهل السموات وأهل الأرضين وكذلك من وهب ليكون ذلك أقرب إلى الله تعالى وأحسن له عنده وأعلا لدرجته أو ليكون عند الله على ما يبنغي فلا نسلم أن هذا ليس بجواد وكذلك أهل كل لغة سواء كانوا مسلمين أو كفارا بل من وهب لينال ما هو عندهم أحسن وأعلى ولينال الحمد والثناء من الجناب الأعلى لشيء يليق به عندهم أن يطلب منه الحمد والثناء فهو جواد عندهم فقوله من جاد ليشرف أو ليحمد أو ليحسن ما يفعل فهو مستعيض غير جواد ليس بمسلم ولا دليل عليه # بل يقال في الوجه الثالث عشر هذا جواد باتفاق العقلاء من جميع الأمم وهذا هو الجود قال تعالى ^ إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها ^ وقال ^ وما يفعلوا من خير فلن يكفروه ^ وقال ^ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا

5 يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ^ وقال ^ إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ^ وقال ^ ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل ^ وقال ^ مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء ^ وقال ^ وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ^ ويروى عن علي أو غيره أنه قال ما أحسنت إلى أحد وما أسأت إلى أحد إنما أحسنت إلى نفسي وأسأت إلى نفسي وعمل ذلك لأجل الله تعالى نهاية المطلوب قال كل من الرسل ^ ما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ^ وقال ^ وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى ^ # الوجه الرابع عشر أن هذا الاسم بعينه لم يجئ في أسماء الله تعالى التي في القرآن ولا في الأحاديث المشهورة في الصحيحين وإن كان قد جاء بمعناه أسماء أخر كالكريم والاكرم والوهاب وما يستلزم هذا المعنى كالرحمن الرحيم والرب وغير ذلك لكن هذا الاسم جاء ذكره في الحديث حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الله وقد رواه مسلم لكن هذا الاسم جاء في رواية الترمذي وابن ماجة فيه يقول الله تعالى يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان منهم مسألته ما نقص ذلك من ملكي إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر غمسة واحدة وذلك أني جواد ماجد عطائي كلام وعذابي كلام إنما أمري إذا أردت شيئا أن أقول له كن فيكون وروى هناد بن السري عن أبي معاوية عن حجاج عن سليمان

6 ابن سحيم عن طلحة بن عبدالله بن كريز قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله جواد يحب الجود وقال أهل العلم الجواد في كلام العرب معناه الكثير العطاء يقال منه جاد الرجل يجود جودا فهو جواد قال أبو عمرو بن العلاء الجواد الكريم تقول العرب فرس جواد إذا كان غزير الجري ومطر جواد إذا كان غزيرا قال عنترة % جادت عليها كل عين ثرة % فتركن كل حديقة كالدرهم %
# وجاء في الحديث في وصفه المطر الذي استسقاه الرسول صلى الله عليه وسلم فما جاء أحد من جميع النواحي إلا أخبر بجود وفي حديث أبي هريرة الذي في صحيح مسلم في الثلاثة الذين يقضى الله عليهم يوم القيامة أولا ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال ما تركت من سبيل تحب أن أنفق فيها إلا أنفقت فيها قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه في النار فهذا الحديث الصحيح يدل على أن قولهم جواد مثل قولهم كريم كما قال أبو عمرو فقد ثبت فيه بالنص وقول أهل اللغة إن المخلوق يسمى جوادا وإن كان إنما يفعل لمصلحة له وإنما يفعل بإرادته # الوجه الخامس عشر أن تسمية الرب سبحانه وتعالى جوادا وإن كان قد قيل هو بمعنى كونه كريما فالاسم الكريم يتناول معاني الجود فإن فيه معنى الشرف والسؤدد ومعنى الحلم وفيه معنى الإحسان

7 # ومن تأمل مقالات أهل الفلسفة والكلام ومن يضاهيهم في هذا الأصل وجدهم عامتهم مضطربين فيه كل منهم وإن أثبت نوعا من الحق واعتصم به فقد كذب بنوع آخر من الحق فتناقض وأكثر عقول الناس تبحث دون تأمل هذا إذ أحدهم يرى نفسه إما أن يقول حقا ويقول ما ينقضه أو يقول حقا ويكذب بحق آخر وتناقض القولين باطل والتكذيب بالحق باطل والحق الصريح لا يرى قلبه يستطيع معرفته كما لا يستطيع أن يحدق بصر عينه في نور الشمس بل كما لا يستطيع الخفاش أن يرى ضوء الشمس وقد قال تعالى ^ فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ^ # والمقصود هنا بيان تناقض الدهرية وفساد حجتهم
فصل # المشهور بين أهل السنة والجماعة أنه لا يقال في صفات الله عز وجل كيف ولا في أفعاله لم وقد ذكرنا في غير هذا الموضع أن السلف والأئمة نفوا علمنا الآن بكيفيته كقول مالك رحمه الله الاستواء معلوم والكيف مجهول لم ينفوا أن يكون في نفس الأمر له حقيقة يعلمها هو وتكلمنا على إمكان العلم بها عند رؤيته في الآخرة أو غير ذلك لكن كثيرا من الجهمية من المعتزلة وغيرهم ينفون أن يكون له ماهية وحقيقة وراء ما علموه وكذلك إذا قلنا لا يقال في أفعاله لم فإنما نفينا السؤال بلم وذلك ينفي علم السؤال بالحكمة الغائية المقصودة بالفعل التي تصلح أن تكون جواب لم وهي المقرونة باللام في قول المجيب لكذا وهي التي تنصب على المفعول له إذا حذفت اللام بأن تكون العلة مصدرا فعلا لفاعل الفعل المعلل ومقارنة له في الزمان كما تقول فعلت هذا ابتغاء وجه الله ونحو ذلك لكن اللام تقرن بها نفس

8 الحكمة المقصودة قصدها فيقال فعلت هذا لله ولابتغاء وجه الله وأما مع حذف اللام فلا يكون المنصوب إلا ما يقوم بالفاعل من الباعث له كالإرادة والكراهة وما يستلزم ذلك كما يقال قعد عن الحرب جبنا لأن الجبن يتضمن البغض والكراهة وكما يقال % واغفر عوراء الكريم ادخاره % واعرض عن ذم اللئيم تكرما %
# فإن ادخاره يتضمن قصد الانتفاع به والتكرم يتضمن صون النفس عن التأذي بشتمه # لكن قولهم لا يقال في أفعاله لم لا ينفي ثبوت الحكمة التي تكون مقصودة له في نفس الأمر ولا كونه مريدا لها قاصدا وإن كان ذلك ينفيه من ينفيه من نفاة التعليل ومثبتيه ولهذا قال بعض علماء السلف إن الله علم علما علمه العباد وعلم علما لم يعلمه العباد وإن القدر من العلم الذي لم يعلمه العباد ورووا في قصة سؤال موسى العرش وعيسى للرب أو تعظيم أنه لو أراد أن يطاع لأطيع وقد أمر أن يطاع وهو مع ذلك يعصى ومضمون السؤال لو أردت هذا لكان واقعا لأنك قادر عليه فما شئت كان وما لم تشأ لم يكن ثم قد أمرت به والأمر يستلزم محبته وطلبه فهلا كان المحبوب المطلوب قد أريد وقوعه فأوحى الله تعالى إليهم أن هذا سري فلا تسألوني عن سري وأن المسيح قال للحواريين القدر سر الله فلا تكلفوه # والمقصود التنبيه على أن العقول تعجز عن إدراك كنه الغاية المقصودة بالأفعال كما تعجز عن إدراك حقيقة الفاعل ولكن نفي الشيء غير نفي العلم به

9 ونفي هذه الحكمة المقصودة لظن أن ثبوتها يستلزم قيام الحوادث المستلزمة حدوثه به واستكماله بغيره المقتضي حاجته ونحو ذلك هو نظير صفاته الثابتة بالفطرة والشرع والعقل لظن أن ثبوتها يستلزم حدوثه أو يستلزم افتقاره إلى غيره فما توهمه النفاة المكذبون من المتفلسفة والمتكلمين من أن ثبوت الأفعال أو حكمها يستلزم حدوا وحاجة هو من جنس واحد وكل منهم يلزمه فيما أثبته أعظم مما فر منه هو لم يثبت إلا هذا الموجود المحسوس بلا صانع أصلا بل كلما كان أقل إثباتا كانت المحذورات فيما يثبته أعظم وأعظم لأن الإثبات إذا قل قلت صفات الكمال وكان ما يلزمه من النقائص وما يتوهم أنه مستلزم للحوادث والفقر أعظم وأعظم فيلزمه اجتماع هذه الأمور مع نقيضها من القدم والوجوب # فليتدبر المؤمن العلم بهذا الأصل الجامع العظيم فإنه من أعظم ما يهدي به الله تعالى إلى الصراط المستقيم # ثم قالوا في جواب ما ذكروه من إبطال الغرض قوله في الوجه الثاني في إبطال هذا القسم إن كل من فعل فعلا لغرض فهو أحسن من ذلك الغرض # قلنا القضايا المبنية على الشرف والخسة قضايا غير علمية بل خطابية فلا يمكن بناء القواعد العلمية عليها على أننا ننقض هذه القضية بالراعي فإنه ليس أخس من الغنم وبالنبي فلأن أمته ليسوا بأشرف منه فهكذا هنا # وهذا جواب ضعيف وقد تعلمه من ابن سينا فإنه هو القائل في الشفاء إن القضايا المبنية على الشرف والخسة قضايا خطابية وليس الأمر كذلك فإنه من المعلوم ببديهة العقول أن الشيء إذا لم يقصد به إلا أن يكون وسيلة

0 وطريقا إلى غيره فالذي هو المقصود بذاته يجب أن يكون أكمل في الوجود من الذي ليس يراد منه إلا أن يكون وسيلة إلى غيره والمعني بالشرف كمال الوجود وبالخسة نقص الوجود وهذا أمر معقول بل على مثل ذلك تبنى عامة البراهين الصحيحة بل معرفة الفطرة بمثل هذه القضية أبين عندها من كثير من القضايا البديهية لأنه يجتمع فيها العلم والحب فتبقى معلومة بالعقل موجودة مذوقة بوجد القلب وذوقه وإحساسه فتكون من القضايا العقلية المحسوسة بالحس الباطن وإلا فهل يقول عاقل إن الموجود الذي يكون وجوده أكمل من غيره لا يقصد به إلا أن يكون وسيلة إلى الموجود الذي هو دونه وأنقص منه # وأما ما ذكره من التمثيل بالنبي والراعي فيقال منشأ الغلط في مثل هذا هو اشتباه المقصود بالقصد الأول بالمقصود بالقصد الثاني وذلك أن الراعي ليس مقصوده الأول برعاية الغنم مجرد نفعها بدون غرض يحصل له هو من ذلك بل إنما يقصد أولا ما كان مصلحة له ونفعا وكمالا إما تحصيل الأجرة وهو المال الذي ينتفع به ويقضي به حاجاته أو يتشرف وإما رحمة للغنم وإحسانا إليها ليدفع عن نفسه الألم الحاصل لنفسه إذا كان الحيوان محتاجا متألما وهو لا يزيل ألمه أو لتحصل له العافية والرحمة من هذا الألم ويحصل له تنعم وفرح وسرور بالإحسان إليها أو أن تكون به أو لصديقه أو لقريبه فيقصد برعايته ما يحصل له له من المنفعة والفرح والسرور وزوال الضرر بمثل ذلك وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم فإنه بالإحسان إلى الأمة إنما يقصد ما يناله من التقرب إلى الله تعالى وعبادته والإحسان إلى عباده من أنواع المطالب والمقاصد التي هي أشرف وأعظم من فعله بهم فمطلوبه ومقصوده أعظم من العباد الذين ينفعهم فأما أن تكون الغاية المقصودة له بذاتها هي مجرد نفعهم من غير مقصود آخر يكون أشرف من هذا فهذا إنما يقوله جاهل شديد الجهل بالمقاصد والنيات

1 # وقد أجاب طائفة ثالثة من أهل الكلام من الكرامية وغيرهم كابن الهيصم في كتابه المسمى بجمل الكلام وكالقاضي أبي يعلى الصغير في كتابه المصنف في أصول الدين عن سؤال الحكمة بجواب خير من جواب هذين كما أن هؤلاء أيضا قالوا في سبب الحوادث خيرا من قول هذين وإن كان الجميع مقصرين في الأمرين جميعا وقالوا العلة فيه استدعاء الحمد والتعظيم من عبيده وذلك أن الحكمة تستحسن استدعاء الحمد من مستحقه واستدعاء التعظيم ممن هو أهله كما أنه يسحسن طلب المحامد من عدمها ألا ترى أنه من عدم المعاني التي يستحق عليها الحمد والتعظيم كيف يحسن في الحكمة أن يبذل الوسع في طلبها ولذلك حسن منا طلب العلوم ومكارم الأخلاق فأما الله تعالى فقد كان كامل العلم والقدرة والجود والكرم فخلق العالم وأسكنه أهل التمييز يستدعي بذلك حمدهم له وتعظيمهم إياهه وعلى ذلك يخلد من يخلده منهم في الجنة أبد الآبدين قال الله تعالى ^ له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون ^ # قالوا والدليل على أن وجه حكمة الله في خلق هذا العالم أن يدل على صفاته التي توجب تعظيمه وأن يستدعي الحمد له أن هذا الوجه من القصد حسن مقبول عند كل عاقل وليست المنافع كذلك من قبل أن المتقدمين والمتأخرين قد اختلفوا في المنافع هل هي حاصلة في أنفسها أم لا وذلك يدل على أن المنفعة ليست صريح الحكمة والحسن لاشتباه ذلك على من عرفها وثبت أن صريح الحكمة والحسن استدعاء الحمد والتعظيم من مستحقها إذ كان هذا الوجه في تشبيه على ذي عقل

2 # قالوا وقد قال الله تعالى جل جلاله فيما وصف أهل الجنة ^ وله الحمد في الأولى والآخرة ^ وقال ^ وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ^ وإذ قد جعل حمدهم إياه آخر ما يحشرهم إليه بكلية هذا التدبير ثبت أنه الغرض من خلق الكل وقال الله تعالى ^ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ^ يعني ليعبده منهم البعض فتكون عبادتهم وتعظيمهم إياه عوضا عن جملة ما خلق ممن عبده وممن لم يعبده وذلك أن من لم يعبد صار سببا لعبادة من عبد ولذلك صح أن تكون عبادة من عبد غرضا من كلية هذا التدبير # قالوا وفي تكليف من علم أنه لا يطيع لم يكن غرضه من تكليفه إياه أن يتأدى إلى حسن حال يخصه في عاقبة أمره بل أخر تكليفه ذلك إلى غرض صحيح وليس يجب أن يكون غرضه في تكليف كل واحد من المكلفين ما يعود إلى حسن حال يخصه وما ينتفع به فيعاقبة أمره بل الذي يجب أن يكون غرضه من ذلك أمر هو صحيح في الحكمة كما أنه خلق الجماد ولم يكن غرضه من خلقه أن يتأدى به خلقه إلى منفعة تخصه في نفسه وإنما خلقه لغرض آخر وذلك أنه أظهر بتكليف من هلك ضربا من تدبيره واستدعى بذلك محامد من علم أنهم يعتبرون به ونفع بتكليفه غيره ممن علم أنهم ينتفعون بذلك وهو إنما هلك بسوء اختياره فكان تكليفه حسن إلا أن أمره له بالإيمان والطاعة والشيء الذي كلف فعله حسن لأنه كلفه أن يؤمن ويطيع والذي عرض له أيضا حسن لأنه عرض لنعيم الجنة فأما الغرض من تكليفه فلم يكن حسن حال يخصه في عاقبته إذ قد علم أنه يهلك بسوء اختياره وإنما كان الغرض منه صلاح ضرب من التدبير علمه فيه ولولا ذلك لم يكن ليكلفه # قلت وليس المقصود هنا بيان ما يجب أن يقال في حكمة الله تعالى ومشيئته ورحمته وما يستحقه من الصفات والأفعال إذ لكل مقام مقال

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:48 AM
3 # ولكن الغرض بيان ممانعة الجهمية والدهرية وعجز كل طائفة عن تصحيح قولها لاشتراك الطائفتين في جحد أصول فطرية ضرورية جاءت الرسل بكمالها وتمامها وشهدت بها الأقيسة الصحيحة وأن الجهمية عاجزون عن الجواب عن شبه الدهرية على أصولهم وأن الدهرية عن الجواب عن حجج الجهمية على أصول أنفسهم أعجز وأن حجة كل واحدة من الطائفتين باطلة على أصل نفسه كما هي باطلة على أصل خصمه فإذا كانت حججهم باطلة على الأصلين وجوابهم عن حجج خصومهم باطل على الأصلين كما أن ذلك أيضا باطل على الأصول الصحيحة ظهر مع بطلان أصولهم عظم تناقضهم من كل وجه # وقد تقدم أن هذه الحجة حجة الحكمة والغرض للفعل احتج بها الدهرية وذكرنا أنهم يعارضون بها على كل قول يقولونه فتبين أن الذي يلزمهم أعظم مما فروا منه # ونقول قد تبين أنهم معترفون بما هو مشهود معلوم من ظهور الحكمة التي في العالم التي يسمونها العناية والفلاسفة من أعلم الناس بهذا وأكثر الناس كلاما فيما يوجد في المخلوقات من المنافع والمقاصد والحكم الموافقة للإنسان وغيره وما يوجد من هذه الحكمة في بدن الإنسان وغيره سواء كانوا ناظرين في العلم الطبيعي وفروعه أو علم الهيئة ونحوه من الرياضي أو العلم الإلهي وأجل القوم الإلهيون وقد تقدم ما ذكر في اعترافهم بأن هذه الموافقة ضرورة من قبل فاعل قاصد لذلك مريد ولا ريب أن الاعتراف بهذا ضروري كالاعتراف بأن المحدث لا بد له من محدث والممكن لا بد له من مرجح فكما أن هناك مقدمتين إحداهما أن هنا حوادث مشهودة والحادث لا بد له من محدث والأولى حسية والثانية عقلية بديهية ضرورية وكذلك أن ها هنا ممكنات والممكن لا بد له من مرجح واجب فكذلك ها هنا مقدمتان

4 إحداهما أن هنا حكما أو منافع مطلوبة والثانية أنه لا بد لذلك من فاعل قاصد مريد وهما مقدمتان ضروريتان الأولى حسية والثانية عقلية فإن الإحساس بالانتفاع كالإحساس بالحدوث وإن كان في تفاصيل ذلك ما يعلم بالقياس أو الخبر ثم هذه الحكم قد يعلم حدوثها وقد يعلم إمكانها كالأسباب # وأيضا فإنه يقال هذا الموجود المحسوس يستلزم الواجب القديم فإن كل موجود إما قديم واجب بنفسه وإما ممكن أو محدث والممكن والمحدث يستلزم القديم الواجب فثبت الموجود الواجب القديم فكذلك يقال هذه المقاصد المحسوسة تستلزم وجود موجود مقصود لنفسه لأن هذه المقصودات إما أن تكون مقصودة لنفسها أو لغيرها والمقصود لغيره يستلزم وجود المقصود لنفسه فثبت أنه لا بدمن مقصود لنفسه علىالتقديرين كما ثبت أنه لا بد من موجود لنفسه على التقديرين ثم هذا يدل على وجود المريد الفاعل لهذه الموجودات لغيرها ولنفسها # وإذا تقرر هذا تبين تناقض الفلاسفة وفساد مذهبهم في حجة الحكمة والغرض وحجة السبب الحادث وهما جماع الكلام وذلك أنهم لما قالوا في حجة الفرض إذا أحدثه كان فاعلا بالاختيار وذلك محال لما تقدم من الوجهين أحدهما أن ذلك يستلزم إما استكماله بغيره وإما العبث ولما في ذلك من المحذور على تقدير جواز القبائح عليه وعدم جوازها فيقال لهم أنتم معترفون بالاختيار كما تقدم التصريح عنكم بأن هذه الحكم ضرورة من قبل فاعل قاصد لذلك مريد له وهذا موجود في عامة كتب الفلاسفة وأعظمهم قدرا هم الإلهيون المشاؤون وهم أعظم الناس تصريحا بذلك وكذلك الطبائعيون حتى محمد بن زكريا الرازي وأمثاله

5 # ثم يقال ثبوت القصد والاختيار كثبوت الواجب القديم كما تقدم بيانه فقد ثبت بالعلوم الضرورية وبالمقاييس البرهانية وبالاتفاق وجود الفاعل القاصد لهذه الحكم المريد لها كما يثبت ذلك وجود الموجود القديم الواجب بنفسه وحينئذ فالقدح في ثبوت الفاعل المختار كالقدح في ثبوت الموجود القديم الواجب بنفسه وهذا إنما يمكن بإنكار وجود هذه الموجودات المحسوسة وهذا في غاية البيان والإحكام والإتقان ويقال لهم حينئذ فهذا القصد والإرادة يستلزم ما ذكرتموه سواء بسواء فما كان جوابكم عن ذلك فهو جواب لمن قال بحدوث العالم سواء # وأما في مسألة السبب الحادث إذاثبت أنه فاعل بالقصد والإرادة وأن له عناية بالمفعولات لزمكم كلما ألزمتموه لغيركم فإن ابن رشد الحفيد قال في إلزامه للمتكلمين وأيضا فإن الإرادة التي تتقدم المراد وتتعلق به بوقت مخصوص لا بد أن يحدث فيها في وقت إيجاد المراد عزم علىالايجاد لم يكن قبل ذلك الوقت لأنه إن لم يكن في المريد في وقت الفعل حالة زائدة على ما كانت عليه في الوقت الذي اقتضت الإرادة عدم الفعل لم يكن وجود ذلك الفعل في ذلك الوقت أولى من عدمه فيما تقدم # فيقال لهم حينئذ يجب أن يتجدد له عزم في وقت حدوث هذه الحوادث وحكمها وحينئذ فالقول في حدوث ذلك العزم كالقول فيما طلبتموه من السبب الحادث للعالم # وأيضا فقد قلتم إذا كانت الإرادة قديمة لزم قدم المراد فلو كانت له إرادة قديمة لزم قدم الحوادث

6 # وفي الجملة فأنتم بين أمرين إما أن تنكروا القصد والإرادة وقد تبين أن ذلك كإنكار الموجود الواجب نقلا عنكم وإلزاما لكم وإما أن تقروا بالقصد والإرادة فيبطل جميع ما بنيتموه على إنكار ذلك وجميع ما يخالفون به أهل الملل إنما هو مبني على إنكار ذلك وإلا فمتى وقع الاعتراف بأن صانع العالم فاعل مختار انهارت هذه الفلسفة كما ينهار ما أسس ^ على شفا جرف هار ^ فلا ريب أن هذه الآية إشارة واعتبار لمثل حالهم فإنهم بنوا مذاهب تتخذها القلوب عقائد ومقاصد مقابلة لما جاء به المرسلون ^ كالذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم ^ # ومما يوضح ذلك أن القاضي أبا الوليد الفيلسوف ابن رشد قال في كتاب مناهج الأدلة في الرد على الأصولية وأما الإرادة فظاهر اتصافه بها إذ كان من شرط صدور الشيء عن الفاعل العالم أن يكون مريدا له وكذلك من شرطه أن يكون قادرا فأما أن يقال إنه مريد للأمور المحدثة بإرادة قديمة فبدعة وشيء لا يعلمه العلماء ولا يقنع الجمهور أعني الذين بلغوا رتبة الجدل بل ينبغي أن يقال إنه مريد لكون الشيء في وقت كونه وغير مريد لكونه

7 في غير وقت كونه كما قال تعالى ^ إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ^ فإنه ليس عند الجمهور كما قلنا شيء يضطرهم إلى أن يقولوا هو مريد للمحدثات بإرادة قديمة إلا ما توهمه المتكلمون من أن الذي تقوم به الحوادث حادث # قلت وهذا الكلام كالصريح في تجويز قيام الحوادث بالرب وبالجملة فهو لازم لهم وهو يبطل القول بقدم الأفلاك ويبين فساد كثير مما اعترض به هذا الفيلسوف على حجج المتكلمين فإنه إنما أطمعه فيمن رد عليهم نفيهم لهذا الأصل وقد تقدم أنه ما من طائفة من الطوائف وإن نفت هذا الأصل إلا وهي تلتزم به في مواضع أخر وإن القول به لازم لجميع الطوائف وذلك أن الفيلسوف قال بعد أن اعترض على حجة الأعراض الي للمتكلمين بما بعضه حق وبعضه باطل والحق منه لا يمنع من القول بحدوث هذه المخلوقات ثم قال وأما الطريقة الثانية فهي الطريقة التي استنبطها أبو المعالي في رسالته المعروفة بالنظامية ومبناها على مقدمتين
إحداهما أن العالم بجميع ما فيه جائز أن يكون على مقابل وما هو عليه حتى يكون من الجائز مثلا أن يكون أصغر مما هو وأكبر مما هو أو بشكل آخر غير الشكل الذي عليه أو عدد أجسامه غير العدد الذي هو عليه أو تكون حركة كل متحرك منها إلى جهة ضد الجهة التي يتحرك إليها حتى يمكن في الحجر أن يتحرك إلى فوق وفي النار إلى أسفل وفي الحركة الشرقية أن تكون غربية وفي الغربية أن تكون شرقية # والمقدمة الثانية أن الجائز محدث وله محدث أي فاعل محدث صيره بأحد الجائزين أولى منه بالآخر فأما المقدمة الأولى فهي خطابية في بادئ الرأي وهي

8 إما في بعض أجزاء العالم فظاهر كذبها بنفسه مثل كون الإنسان موجودا على خلقة غير هذه الخلقة التي هو عليها وفي بعض الأمر فيه مشكوك مثل كون الحركة الشرقية غربية والغربية شرقية إذ كان ذلك ليس معروفا بنفسه إذ كان يمكن أن يكون لذلك علة غير بينة الوجود بنفسها أن تكون من العلل الخفية على الإنسان ويشبه أن يكون ما يعرض للإنسان في أول الأمر عند النظر في هذه الأشياء شبيها بما يعرض لمن ينظر في أجزاء المصنوعات من غير أن يكون من أهل تلك الصنائع وذلك أن الذي هذا شأنه قد يسبق إلى ظنه أن كل ما في تلك المصنوعات أو جلها ممكن أن يكون بخلاف ما هو عليه ويوجد عن ذلك المصنوع ذلك الفعل بعينه الذي صنع من أجله أعني غايته فلا يكون في ذلك المصنوع عند هذا موضع حكمة وأما الصانع والذي يشارك الصانع في شيء من علم ذلك فقد يرى أن الأمر بضد ذلك وأنه ليس في المصنوع إلا شيء واجب ضروري أو ليكون به المصنوع أتم وأفضل إن لم يكن ضروريا فيه وهذا هو معنى الصناعة والظاهر أن المخلوقات شبيهة في هذا المعنى بالمصنوع فسبحان الخلاق العظيم # فهذه المقدمة من جهة أنها خطابية قد تصلح لإقناع الجميع ومن جهة أنها كاذبة ومبطلة لحكمة الصانع فليست تصلح لهم وإنما صارت مبطلة للحكمة لأن الحكمة ليست شيئا أكبر من معرفة أسباب الشيء وإذ لم يكن للشيء أسباب ضرورية تقتضي وجوده على الصفة التي هو بها ذلك النوع موجود فليس ههنا معرفة يختص بها الحكيم الخالق دون غيره كما أنه لو لم يكن هنا أسباب ضرورية في وجود الأمور المصنوعة لم يكن هنالك صناعة أصلا ولا حكمة تنسب إلى الصانع دون من ليس بصانع وأي حكمة كانت تكون في الإنسان لو كانت جميع أفعاله وأعماله يمكن أن تتأتى بأي عضو اتفق أو بغير عضو حتى

9 يكون الإبصار مثلا يتأتى بالأذن كما يتأتى بالعين والشم يتأتى بالعين كما يتأتى بالأنف وهذا كله إبطال للحكمة وإبطال للمعنى الذي سمى به نفسه حكيما تعالى وتقدست أسماؤه عن ذلك # الوجه الثالث أن يقال له ما ذكرته من الأمور الضرورية في الأسباب إنما يجيء في حق من لم يخلقها دون من خلقها ومن هنا وقع الغلط حيث قسمتم أفعال الله بأفعالنا حتى عجزتموه عن غير ما خلقه وذلك أن الواحد منا إذا أراد أمرا من أكل وشرب ولباس وسفر وغير ذلك فإن لم يحصل الأسباب التي بها جعل الله وجود المطلوب لم يحصل والأسباب خارجة عن قدرته وإنما يمكنه تأليف ما يؤلفه أو نقله من موضع إلى موضع وأمثال ذلك من الأفعال دون إبداع الأعيان وأما الله سبحانه وتعالى وإن كان قد جعل بعض الاشياء سببا كما جعل الأكل مثلا سببا للشبع وخلق الطعام يغذي الإنسان فهو الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسنا ومما لا نعلم وإذا كان هو الخالق للجميع فيمتنع أن يكون مضطرا إلى شيء من دون ذلك فإنه إذا قيل البصر لا يمكن إلا بالعين والسمع لا يمكن إلا بالأذن ونحو ذلك من الأسباب فيقال هو الذي جعل هذه الماهيات وأبدعها وجعل لها هذه الصفات التي يتوصل بها إلى هذه المقاصد وقد كان من الممكن أنه إذا غير هذا التخليق أن يحصل إما فوق تلك الحكمة وإما ما هو دونها وإما ما يشاركها في الجنس دون النوع وإن كان نفس الحكمةالحاصلة فهذا لا يحصل إلا بمثله ألا ترى أن أهل الجنة يكونون في أبدانهم وقواهم أعظم مما هم في الدنيا مع كون هذه الحكم هناك أكمل وأبلغ وهب أن المنازع لا يصدق مثل ذلك فمن المشهود أن أبصار الناس وأسماعهم

0 وسائر قواهم تختلف في القوة والضعف فتكون المنافع الحاصلة لهم متفاوتة مع العلم الضروري بأن الذي له لو جعل لهذا والذي لهذا لو جعل لهذا لكان يفوت التعيين وذلك لا يبطل أصل الحكمة وهكذا البلاد تختلف فيما خلق فيها من الاقوات والأنهار والمساكن فيختلف لذلك وجه الانتفاع مع أن أصل المقصود حاصل في الجميع وقد يحول الله ما ببض البلاد إلى بعض مع أن نظام العالم قائم والتحويل من حال إلى حال موجود في العالم فلو كان ما يوجد من الصفات والمقادير لغاية بمعنى أن وجود تلك الغاية ضروري أي لا يمكن عدمه إلا لزم منه فساد عام لم يكن الأمر كذلك # الوجه الرابع أن يقال قولك هذا ضروري الوجود في الأسباب والحكم ماذا تعني به أتعني به أنه واجب بنفسه بمعنى أنه يمتنع عدمه أم تعني به أنه إذا عدم عدمت الحكمة التي وجد لأجلها أما الأول فباطل قطعا وهو لم يرده وأما الثاني فيقال لك هب أنه يلزم من عدمه تلك الحكمة المعينة فتلك الحكمة المعينة ليست واجبة بنفسها بل هي أيضا جائزة فالقول بكونها مخصوصة بالإرادة دون غيرها من الحكم لا بد له من تخصيص وهو الإرادة بل تلك الحكمة لا تكون حكمة إلا أن تكون مقصودة وأنت تقول ذلك وتحتج به فصار ما جعلته ضروريا يدل على الإرادة المخصصة بطريق الأولى # الوجه الخامس أن يقال هذه الامور المستحيلة من حال إلى حال فحركاتها واستحالاتها إما أن تكون واجبة لذاتها وإما أن لا تكون واجبة لذاتها بل إنما صارت كذلك بفاعل غيرها فإن قدر الأولى قيل فإن جاز فيما هو واجب بنفسه أن يتحرك حركة استحالة فيكون تارة عالما وتارة جاهلا

1 وتارة شبعان وتارة جائعا وتارة صحيحا وتارة مريضا كما يقول نحو ذلك القائلون بوحدة الوجود كصاحب الفصوص وأمثاله ويدعون أن الكمال المطلق أن يكون واجب الوجود منعوتا بكل نعت سواء كان محمودا شرعا وعرفا وعقلا أو مذموما شرعا وعرفا وعقلا وأنه هو المتلذذ بكل ما في الوجود من الألم وأنه هو الذي يتجدد له العلم بعد أن لم يكن عالما وينشدون % وكل كلام في الوجود كلامه % سواء علينا نثره ونظامه %
# وينشدون % وما أنت غي الكون بل أنت عينه % ويفهم هذا السر من هو ذائق %
# وأمثال ذلك من كلامهم المعروف نثرا ونظما ويدعون أن هذا هو التحقيق الذي آمن إليه هرامس الدهور الأولية والمعرفة التي رامت إفادتها الهداية النبوية وإن كان لهم في تفصيل هذا المذهب اضطراب قد بيناه في غير هذا الموضع # فيقال إذا قدرنا هذه الموجودات المشهودة واجبة الوجود بنفسها أو هي الموجود الواجب بنفسه أو وجودها عين وجود واجب الوجود لم يمكن حينئذ أن يقال في واجب الوجود إنه لا يفعل بعد أن لم يكن فعل لأن ذلك يقتضي تجدد أمر ما وحدوث أمر منه ممتنع ولا أن يقال ذلك يقتضي ثبوت الصفات له أو تجزيه أو حلول الحوادث به نحو ذلك وذلك ممتنع فإنه من يجوز أن يكون واجب الوجود هو الموجود المستحيل من حال إلى حال وأنه تارة يكون

2 نطفة ثم علقة ثم مضغة وتارة حبا ثم شجرا ثم تمرا وتارة حيا ثم ميتا لم يبق عنده شيء يمتنع على واجب الوجود إذ هو واصف له بكل صفات واقعة في الموجودات التي هي عند الناس مخلوقة ممكنة ومن جوز أن يوصف بكل ما يوصف به كل مخلوق وممكن بطل حينئذ أن يكون علة قديمة لا يجوز عليها التغير والاستحالة ونحو ذلك مما يصف به المشاؤون واجب الوجود # وهذا القول وإن كان فاسدا من وجوه كثيرة فالمقصود هنا أن ندرجه في ضمن التقسيم وذلك أن الموجود الواجب بذاته أدنى خصائصه امتناع العدم عليه وهؤلاء يجعلون ما وجد وعدم من واجب الوجود لذاته وأصل كلامهم ظنهم أن الوجود المطلق له وجود في الخارج فقالوا بوحدة الوجود أي الوجود الواحد ولم يعلموا أن الوجود المطلق لا وجود له في الخارج وإنما الموجود في الخارج موجودات أو موجودان كل منهما متعين متميز عن الآخر وليس أحدهما هو الآخر بعينه ولا نفس وجود هذا هو نفس وجود هذا بل الذهن يأخذ وجودا مطلقا مشتركا فيه فإذا قال بوحدة هذا الوجود فإنما قال بوحدة هذا الوجود الذهني المطلق ومن قال الوجود زائد على الماهية قد يقول بأن وجود الماهيات من جنس واحد وهو قول فاسد لكنه لا يقول نفس وجود هذا هو نفس وجود هذا بعينه فإن هذا مخالف للحس ولصريح العقل ولهذا يقول كبير هؤلاء الاتحادية في وقته التلمساني ثبت عندنا بالكشف ما يناقض صريح العقل وذلك أن الذي ينكشف لهم أنهم متوجهون بقلوبهم توجها لا يعرفون به الرب البائن عن خلقه حتى يقصدوه فيشهدون الوجود المطلق المشترك بين الموجودات وإن لم يوجد في الخارج لكن القلوب تجده وتأخذه مطلقا وفي كل معين منه حصة وهذا الوجود المطلق

3 الساري في الكائنات وإن كان موجودا فيها على وجه التعيين والتخصيص وهو الذي يقال له الكلي الطبيعي فذاك من أثر وجود الله تعالى ومن مخلوقاته ومصنوعاته فيظنون الوجود المخلوق هو الوجود الخالق # وهم يشبهون من بعض الوجوه من رأى شعاع الشمس الذي على الأرض والحيطان والجبال فظنه نفس الشمس التي في السماء مع أن هذا الشعاع منفصل عن الشمس ومع أنه قائم بأجسام غيرها والمخلوقات وإن كان لها وجود وتحقق فهو مخلوق لله بائن منه وغايته إذا قدر أن الوجود زائد على الماهيات أن يكون الوجود في الموجودات كالشعاع في الأجسام المقابلة للشمس فصار هذا الضلال ناشئا من نقص العلم والإيمان بالرب المباين للمخلوقات ومن شهود القلب لما وجد عنه من الوجود الساري في الكائنات فظن هذا هذا # وقوي ضلالهم ما سمعوه من كلام المتفلسفة ومن وافقهم أن واجب الوجود هو الوجود المطلق وأنه لا داخل العالم ولا خارجه ونحو ذلك من مقالات الجهمية فلم يشهدوا ما يكون كذلك إلا وجود الكائنات بعينه ولهذا يقولون بقول الباطنية القرامطة وغالية الفلاسفة فيقولون هو من حيث ذاته لا اسم له ولا صفة ولا يتميز ويقولون شهود الذات ما فيه خطاب ولا لذة فيه ونحو ذلك لأنهم إنما يتكلمون على ما شهدوه من الموجود المطلق الذي لا يوجد في الخارج مطلقا وليس له حقيقة تميزه حتى يكون لها اسم أو صفة أو خطاب # والمقصود هنا أنه لا بد من الاعتراف بوجود قديم واجب فمن جعل ذلك هذه الموجودات المحسوسة لم يكن عنده وصف يجب تنزيه الرب عنه أصلا من الأمور الممكنة في الوجود وحينئذ فلا يمكن هذا أن ينكر مذهبا من المذاهب فلا يقول حدوث العالم عن واجب الوجود ممتنع لأنه يستلزم تغيره ويفتقر إلى سبب حادث فإن قوله فيه من الإحالة أعظم من هذا

4 # وأما إذا قيل بأن هنا موجودا قديما واجبا غير هذه الأمور الحادثة المستحيلة في الجملة فمن المعلوم أن ما سوى الوجود الواجب بنفسه ليس هو موجود واجب الوجود بنفسه فثبت بهذا أن في الوجود شيئين أحدهما موجود واجب الوجود بنفسه والثاني موجود لا يجب وجوده بل يكون موجودا تارة ومعدوما أخرى فهذا الموجود إذا وجد لم يكن أن يقال إنه واجب الوجود بنفسه بل هو واجب الوجود بغيره وهب أن الشاك يشك في بعض الأمور التي لم يعلم عدمها واستحالتها هل هي واجبة بنفسها أم لا أما التي لم يعلم أنها تعدم وتستحيل فلا يشكفي أنها ليس بواجبة بنفسها بل بغيرها ما دامت موجودة وهي واجبة العدم إذا عدمت أيضا وليس لها من ذاتها لا وجوب الوجود ولا وجوب العدم لكن ليس لها من ذاتها إلا العدم وفرق بين أن تكون معدومة وعدنها من ذاتها وبين أن تكون واجبة العدم بذاتها فإن هذه صفة الممتنع إذ العدم ليس بشيء وإذا ثبت أن في الموجودات ما هو ممكن وجائز حصل المقصود فإن تخصيص هذا بالوجود دون العدم لا بد له من موجب فاعل ثم إذا كانت ذاته قابلة للعدم فصفاته ومقاديره بطريق الأولى فتخصيصه بصفة وقدر وزمان ومكان لا بد له من مخصص بإرادته ومشيئته وهذا هو مطلوب أبي المعالي وغيره من أهل النظر واعلم في هذا المقام # وأما الذي جرأه عليهم فإن هؤلاء المتكلمين الذين لا يقولون برعاية الحكمة في أفعال الله تعالى كأبي الحسن الأشعري وأصحابه ومن وافقهم من الفقهاء من أصحاب أحمد رحمه الله وغيرهم كالقاضي أبي يعلى وأبي الوفاء ابن عقيل وأبي الحسن بن الزاغوني ونحوهم ممن يوافقهم على هذا وعلى نفي التحسين والتقبيح العقليين نطلقا مع أن أكثر الذين يوافقونهم من هؤلاء وغيرهم يتناقضون فيثبتون الحكمة في أكثر ما يتكلمون فيه من مسائل الخلق والأمر وجمهور الفقهاء يقولون بذلك ويصرح بالتحسين والتقبيح العقليين طوائف

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:50 AM
5 من الفقهاء كأكثر أصحاب أبي حنيفة وقد ينقلونه عنه وكثير من أصحاب مالك والشافعي وأحمد كأبي الحسن التميم وأبي الخطاب وكأبي نصر السجزي وأبي القاسم سعد بن علي الزنجاني وطوائف كثيرة من أهل الحديث والفقه والكلام # والمقصود هنا أن أبا المعالي وهؤلاء يقولون إن القديم خلق العالم بعد أن لم يكن خالقا لا لعلة وغرض ولا لداعوباعث وخاطر يعتريه لأن ذلك زعموا مقصور على اجتلاب المنافع ودفع المضار وذلك مستحيل في صفته ومناظرتهم في هذا الباب مع الدهرية الطبيعية ومع القدرية الإرادية وقول كلا الفريقين فيه من الباطل أكثر مما يلزم هؤلاء نفاة الحكمة وإن الذي في قول الدهرية الطبيعية أكثر # وقال أبو المعالي وهؤلاء نفاة التعليل معنى قولنا إنه حكيم في أفعاله أنه مصيب في ذلك ومحكم لها لأنه مالك الأعيان فيتصرف تصرف مالك الأعيان في ملكه من غير اعتراض وقد يراد بالحكمة العلم في المعنى بكونه حكيما في فعله أنه خلقه على الوجه الذي أراده وعلمه وحكم به ثم لم يكن علمه وإرادته علة لفعله ولا موجبا له لقدم هذه الصفات وحدوث متعلقها ففسروا حكمته بمعنى أنه يفعل ما يشاء بلا ذمأو بمعنى أنه عالم ولا ريب أن هذا خلاف ما عليه الناس في معنى الحكمة والحكيم فإنهم لا يجعلون الحكمة كون الحكيم له أن يفعل ما يشاء وإن كان الله تعالى له أن يفعل ما يشاء لكن الحكمة فعله بعض الأشياء دون بعض لاشتمال المفعول على ما يصلح أن يكون مرادا للحكيم

6 وتفسيرها بمعنى العلم بالمفعولات أبعد ومع هذا فقول أبي المعالي وأمثاله في الفقه وأصوله يخالف هذا الأصل بخلاف غيره من المتكلمين الذين لم يبرعوا في الفقه كبراعة أبي المعالي فإنه يقول بالعلل المناسبة للأحكام التي تفسر بالباعث والداعي وإثباتها ينافي هذا الأصل # ثم قال أبو المعالي ونحن لا ننكر أن يكون الله تعالى خلق من نفعه بخلقه ومن ضره بخلقه والذي ننكره من الغرض وننفيه عن القديم سبحانه قيام حادث بذاته كالإرادة والداعية والحاجة والمعتزلة يوافقونا على استحالة قيام الحوادث بذاته غير أنهم أثبتوا للقديم سبحانه أوصافا متجددة وأحوالا من الإرادات التي يحدثها لا في محل والمحذور من قيام الحوادث بذات الباري تعالى تجدد الأوصاف عليه وقد التزموه # قال أبو المعالي فإن قال قائل القديم إنما خلق العالم إظهارا لقدرته وإظهارا لحجج وآيات يستدل بها على الهيتة ويعرف سبحانه وتعالى بنعوته وجلاله وصفاته ويعبد ويعظم ويستحق على عبادته وتعظيمه الثواب الجزيل ويستوجب المعرض عنها العذاب الأليم وهذا منصوص عليه في الكتاب العزيز في آي كثيرة لا تحصى من ذلك قوله تعالى ^ وخلق الله السموات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت ^ وقال تعالى ^ وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ^ وقوله تعالى عن المؤمنين القائلين ^ ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ^ وقال تعالى ^ الله الذي خلق سبع السموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ^ قال وهذا نص صريح في أنه إنما خلق هذه الأشياء ليعرف بها ويعبد فقال في الجواب اللام

في قوله ^ خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا ^ ليست اللام لام علة وإنما هي لام صيرورة وتكون غاية أي ليعلم من في المعلوم أنه يعلم وليجزى على ذلك ويعرض ويعاند من في المعلوم أنه يعاند و ^ ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ^ # قلت لام الصيرورة إما أن تكون لمن لا يريد الغاية وذلك إنما يكون لجهل الفاعل بالغاية كقوله ^ فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا ^ وإما لعجزه عن دفعها وإن كان كارها لها كقول القائل لدوا للموت وابنوا للخراب وللموت ما تلد الوالدة فأما العالم بالعاقبة القادر على وجودها ومنعها فلا يتصور أن تكون العاقبة إلا وهو عالم بها قادر عليها والموجود الذي يحدثه الله وهو عالم به قادر عليه لا يكون إلا وهو مريد له بل أبو المعالي وسائر المسلمين يسلمون أنه لا يكون شيء إلا بمشيئته فيكون مريدا للغاية ومريد الغاية التي للفعل لا يكون اللام في حقه لام صيرورة إذ لام الصيرورة إنما يكون في حق من لا يريد فلو قال إرادته لهذه الغايات كإرادته للأفعال التي هي سببها لكان أمثل مع أن هذا الكلام لا يدفع الحجة من الآية فإن القرآن يشهد بأن الله خلق المخلوقات لحكمة لكن ليس هذا موضع تحقيق ذلك وإزالة الشبهة العارضة فيه # قال الحفيد وأما القضية الثانية وهي قول القائل إن الجائز محدث فهي مقدمة غير بينة بنفسها وقد اختلف فيها العلماء فأجاز أفلاطون أن يكون شيء جائزا أزليا ومنعه أرسطا طاليس وهو مطلب عويص ولن

تتبين حقيقته إلا لأهل صناعة البرهان وهم العلماء الذين خصهم الله تعالى بعلمه وقرن شهادتهم في الكتاب العزيز بشهادته وشهادة ملائكته # قلت قد قدم فيما مضى أن أفلاطون وشيعته يقولون إن الزمان متناه وأنهم يقولون العالم محدث أزلي لكون الزمان متناهيا عندهم في الماضي وأن أرسطو وفرقته يقولون الزمان غير متناه في الماضي كما لا يتناهى في المستقبل ولا يسمون العالم محدثا وهذا يقتضي أن الأزلي في هذا الكلام المراد به الأبدي الذي لا آخر له وإلا تناقض الكلام وأفلاطون شيعته يقولون هو محدث جائز لكنه يكون مع ذلك أبديا والجائز يمكن أن يكون أبديا وأما آرسطو فيقول ما كان محدثا عن عدم فلا بد له من آخر فالجائز لا يكون أبديا وهذا الذي قاله آرسطو هو الذي تقدم قول الحفيد له إن كل محدث فهو فاسد ضرورة فهذا قول معلم طائفته آرسطو وهو أيضا قول طائفة ممن يقول بحدوث العالم كالجهم بن صفوان ومن يقول بوجوب فناء الحوادث وأما الذي حكاه عن أفلاطون فهو قول أهل الملل إن الله يخلق شيئا للبقاء ويخلق شيئا للفناء كما يشاء وهو ومع هذا فالذي ينقلونه عن آرسطو أن النفوس الناطقة عنده محدثة فتكون جائزة وهي مع هذا أبدية باقية فهذا يناقض ما أصله # فهذا القدر الذي تبين يدل على أن ما حكاه عن هذين الفيلسوفين أو أصحابهما اتفاق منهم على أن ما كان جائزا فهو محدث فإذا كان قد ثبت أن العالم جائز ثبت أنه محدث ولهذا منع هو كونه جائزا وغلط ابن سينا في قوله إنه جائز بنفسه مع موافقته له على قدمه

# فأما الذي فهمه من كلامهم في هذا المقام واعترض به وهو أن يقول عن أفلاطون إن الجائز يكون أزليا وأن آرسطو يقول الجائز لا يكون أزليا فهذا لا يناسب ما تقدم فإنه إذا كان قول أفلاطون إن العالم لم يتقدمه زمان وعنده أن الزمان متناه في الماضي ثبت أنه ليس بأزلي فأي حقيقة لقوله الجائز لا يكون أزليا وكذلك آرسطو لو كان يقول إن الجائز لا يكون أزليا أي قديما لامتنع أن يكون عنده شيء من الممكن بذاته عنده أزليا وهو خلاف قوله فهذا النقل وقع فيه غلط إما لفظ الجائز وإما لفظ الأزلي # ثم يقال له يا سبحان الله من الذي جعل هذه الطائفة من اليونان وأتباعهم هم العلماء دون سائر الأمم وأتباع الأنبياء الذي لا يختلف من له عقل ودين أنهم أعلم منهم وأي برهان عندهم يتبين بها هذه الحقيقة وقد ذكرت أن نفس أهل صناعة البرهان تنازعوا فيها فلو كان ذلك منكشفا بصناعتهم لم يتنازع أئمة الصناعة فيها # ثم يقال ومن الذي خص هؤلاء بكونهم أهل البرهان مع أن غاية ما يقولونه في العلم الإلهي لا يصلح أن يكون من الأقيسة الخطابية والجدلية فضلا عن البرهانية # ثم يقال وكيف يستحسن عاقل أن يجعل المتكلمين على عجزهم وبجرهم أهل جدل وهؤلاء أهل برهان مع أن بين تحقيق المتكلمين للعلم الإلهي بالأقيسة العقلية وبين تحقيقهم تفاوت يعرفه كل عاقل منصف والقوم لم يتميزوا بالعلم الإلهي ولا نبل أحد باتباعهم فيه بل الأمم متفقة على ضلالهم فيه إلا من قلدهم # ولكن يؤثر عنهم من الكلام في الأمور الطبيعية والرياضية ما شاع ذكرهم بسببه ولولا ذلك لما كان لهم ذكر عند الأمم كيف يستجيز مسلم أن يقول

إن العلماء الذين أثنى الله عليهم في كتابه هم أهل المنطق مع علمه بأن أئمة الصحابة والتابعين وتابعيهم كانوا مرادين من هذا الخطاب قطعا بل هم أفضل من أريد به بعد الأنبياء وقد ماتوا قبل أن تعرب كتب اليونان بالكلية وإن أراد بذلك البرهان العقلي الذي لا يختص بإصلاح اليونان فلا اختصاص لهؤلاء بل الصحابة والتابعون أحذق منهم في المعقولات التي ينتفع بها في الإلهية بما لا نسبة بينهما # ثم العلماء الذين أثنى الله عليهم هم الذين شهدوا أنه لا إله إلا هو ومن المعلوم لكل من عرف أحوال الأمم أن أهل الملل أحق بهذا التوحيد من الصابئة الذين هم أجل من الفلاسفة ومن المشركين الذين منهم فلاسفة كثيرون بل كانت اليونان منهم والمسلمون وعلماؤهم بهذه الشهادة من الأولين والآخرين بل يقال لك نحن لا نعلم أن هؤلاء القوم كانوا يشهدون بهذه الوحدانية فإن الذي في الكتب المنقولة عنهم من التوحيد إنما مضمونه نفي الصفات كما تقوله الجهمية ومعلوم أن هذا ليس الشهادة بأنه لا إله إلا الله بل قد علم النبي صلى الله عليه وسلم أمته هذا التوحيد والقرآن مملوء منه ولم يقل لهم كلمة واحدة تتضمن نفي الصفات ولا قال ذلك أحد من الصحابة والتابعين وأئمة الدين مع العلم الضروري بأنهم كانوا أعلم بمعاني القرآن منا وإن ادعى مدع تقدمه في الفلسفة عليهم فلا يمكنه أن يدعى تقدمه في معرفة ما أريد به القرآن عليهم وهم الذين تعلموا من الرسول لفظه ومعناه وهم الذين أدوا ذلك إلى من يعدهم قال أبو عبدالرحمن السلمي حدثنا الذين كانوا يقرؤوننا القرآن عثمان بن عفان و

عبدالله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل قالوا فتعلمنا القرآن والعلم والعمل # وليس معه ما يعتمد عليه أن هؤلاء كانوا يشهدون أن لا إله إلا الله بل لو قيل كانوا مشركين لكان أقرب فإنه من المشهور في أخبار اليونان أهل مقدونية وغيرها أنهم كانوا مشركين كانوا يعبدون الأصنام والكواكب وهؤلاء الفلاسفة يسمون الكواكب الآلهة الصغرى والأرباب وفي كتاب سقراط والنواميس لأفلاطون وغيرهما من ذلك أمور كثيرة وقد ذكر هذا الرجل عنهم أن أكثرهم انتهى نظرهم إلى الفلك فلم يثبتوا وراءه موجودا ومعلوم أن الذي أثبتوه من واجب الوجود هو أدعى شيء إلى عبادة الكواكب والأصنام فكيف يكون هؤلاء هم أهل العلم بشهادة أن لا إله إلا الله بل إذا قيل إن هؤلاء وأمثالهم أصل كل شرك وأنهم سوس الملل وأعداء الرسل لكان هذا الكلام أقرب إلى الحق من شهادته لهم بما ذكره # قلت ومقتضى ما ذكره هو وذكره عن هؤلاء الفلاسفة أن ما ثبت فيه أنه ممكن جائز وجب أن يكون محدثا وأن القديم لا يكون إلا واجبا فمتى ثبت أنه جائز ثبت أنه محدث وقد تقدم التنبيه على ذلك # قال الحفيد وأما أبو المعالي فإنه رام أن يبين هذه المقدمة بمقدمات أحدها أن الجائز لا بد له من مخصص يجعله بأحد الوصفين الجائزين أولى منه بالثاني والثاني أن هذا المخصص لا يكون إلا مريدا والثالث أن الموجود عن الإرادة هو حادث

# قلت وكذلك قررها الرازي أيضا فهذه المقدمات الثلاث مع أن نزاع الحفيد والفلاسف في تينك المقدمتين لا يضر فإنا قد بينا أنهم موافقون على أن الخالق مريد قاصد كما تبين في إثباتهم العناية وإن تناقضوا بنفي الإرادة هنا لم يفدهم لإقرارهم بذلك ولأنا قد بيننا أن الأدلة الدالة على ذلك يقينية ضرورية وأن نفي ذلك كنفي واجب الوجود ولكن أبو المعالي والرازي ونحوهما إنما احتاجوا إلى هذه الطريقة لأنهم لا يثبتون الحكمة الغائية وإنما يثبتون الإرادة المخصصة وقد قدمنا أن كونه مختارا يبين بما دل على الإرادة المخصصة لمفعول دون مفعول وبما دل على ما في المفعولات من الحكمة المقصودة وبالأمرين جميعا لكن هؤلاء الفلاسفة سلكوا إحدى الطريقتين وتناقضوا في منازعتهم في الأخرى والأشعرية سلكوا إحدى الطريقتين ونازعوا في الأخرى والتناقض لازم لهم أيضا والمقصود من الطريقتين واحد وهو كونه قاصدا مريدا مختارا وهذه الطريقة التي سلكها أبو المعالي والرازي وغيرهما صحيحة أيضا توجب العلم اليقني بكونه مريدا مختارا # قال الحفيد ثم بين يعني أبو المعالي أن الجائز يكون عن الإرادة أي عن فاعل مريد من قبل أن كل فعل فإما أن كون عن الطبيعة وإما عن الإرادة والطبيعة ليس يكون عنها أحد هذين الجائزين المتماثلين أعني لا تفعل المماثل دون مماثله بل تفعلهما مثال ذلك السقمونيا ليست تجذب الصفراء التي في الجانب الأيمن في البدن دون التي في الأيسر فأما الإرادة فهي التي تختص بالشيء دون مماثله ثم أضاف هذه إلى أن العالم مماثل كونه في الموضع الذي خلق فيه في الجو الذي خلق فيه يريد الخلاء لكونه في غير ذلك الموضع من ذلك الخلاء فأنتج عن ذلك أن العالم خلق عن الإرادة والمقدمة القائلة إن الإرادة هي التي تخص أحد المتماثلين صحيحة والقائلة إن العالم في خلاء يحيط به كاذبة أو غير بينة بنفسها

ويلزم أيضا عن وضعه هذا الخلاء أمر شنيع عندهم وهو أن يكون قديما لأنه إذا كان محدثا احتاج إلى خلاء # قلت قد سلم المقصود بهذه المقدمة وهو أن الإرادة هي التي تخص أحد المتماثلين صحيحة وأما اعتراضه على العالم فذاك متعلق بالمقدمة الأولى # وينبغي أن يعلم أن الذي سلط هؤلاء الدهرية على الجهمية شيئان أحدهما ابتداعهم لدلائل ومسائل في أصول الدين تخالف الكتاب والسنة ويخالفون بها المعقولات الصحيحة التي ينسر بها خصومهم أو غيرهم والثاني مشاركتهم لهم في العقليات الفاسدة من المذاهب والأقيسة ومشاركتهم لهم في تحريف الكلم عن مواضعه فإنهم لما شاركوهم فيه بعد تأويل نصوص الصفات بالتأويلات المخالفة لما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها كان هذا حجة لهم في تأويل نصوص المعاد وغيرها كما احتج به هذا الفيلسوف وكما يذكره أبو عبدالله الرازي ومن قبله حتى أن الدهرية قالوا لهم القول في آيات المعاد كالقول في آيات الصفات فكان من حجتهم عليهم وضموا ذلك إلى ما قد يطلقونه من أن الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين فقالوا له أنت تقول الظواهر لا تفيد القطع أيضا والآيات المتشابهات في القرآن الدالة على المشيئة والقدر ليست أقل ولا أضعف دلالة من الآيات الدالة على المعاد الجسماني ثم إنكم تجوزون تأويل تلك الآيات فلم لا تجوزون تأويل الآيات الواردة ها هنا فقال نحن لم نتمسك بآية معينة ولا بحديث معين ولكن نعلم باضطرار إجماع الأنبياء من أولهم إلى آخرهم على إثبات المعاد البدني ولم يقل أحد إنه علم من دينهم بالضرورة التشبيه والقدر فظهر الفرق # فالينظر العاقل في هذا الجواب حيث قال لهم هؤلاء المتكلمون نحن نعلم الأخبار بمعاد الأبدان أن الرسل أخبرت به بالضرورة فلم يجعلوا مستند العلم

بذلك دلالة القرآن والحديث والإجماع عليه لأنهم عارضوهم بمثل ذلك وبأبلغ منه في أمر الصفات والقدر فعدلوا إلى ما ذكروه من أنا نعلم بالاضطرار أخبارهم بالمعاد الجسماني فإن هذا الذي قالوه صحيح وحجة صحيحة على إثبات المعاد البدني لكن قصروا في عدم الاحتجاج على ذلك في القرآن وبالأخبار وإجماع السلف # وأيضا فأهل الإثبات من سلف الأمة وأئمتها يقولون للطائفتين نحن نعلم أيضا إخبارهم بما أخبروا به من الصفات والقدر بالضرورة وقول بعضهم إنه لم يقل أحد أن هذا معلوم بالضرورة في دينهم ليس كذلك بل أهل الحديث وغيرهم يعلمون ذلك من دينهم ضرورة وكلا الطائفتين مخالف للفطرة العقلية ومخالف لما نعلم نحن بالضرورة من دين الرسول ومخالف للأقيسة العقلية البرهانية والنصوص الإلهية القرآنية والإيمانية # فإن قال المتكلمون من الجهمية وغيرهم فمن خالف ما علم بالضرورة من الدين فهو كافر قيل لهم لهذا السلف والأئمة مطبقون على تكفير الجهمية حين كان ظهور مخالفتهم للرسول مشهورا معلوما بالاضطرار لعموم المسلمين حتى قيل العلم بالإيمان فيما بعد وصار يشتبه بعض ذلك على كثير ممن ليس بزنديق # ويقال لهم قول أهل الأثبات لكم هو لكم أنتم للدهرية في معاد الأبدان ودعواكم تعارض الأدلة في ذلك أو خفاء ذلك كدعوى الدهرية ذلك فإن أبا عبدالله الرازي قال في كتابه الكبير نهاية العقول في مسألة التكفير لما حد الكفر بحد أبي حامد الغزالي وهو تكذيب الرسول في شيء مما جاء به

قال ونعني بالتكذيب إما نفس التكذيب أو ما علم من الدين ضرورة دلالته على التكذيب فلو ورد على هذا أن صاحب التأويل إما أن لا يجعل من المكذبين بل يجعل المكذوب من يرد قوله صلى الله عليه وسلم من غير تأويل وأما أن يجعل من المكذبين فإن كان الأول لزمنا أن لا يكون الفلاسفة في قولهم بقدم العالم وإنكارهم علمه تعالى بالجزئيات وإنكار الحشر والنشر كفارا لأنهم يجعلون للنصوص الواردة في هذه المسألة تأويلات ليست بأبعد من تأويلاتكم للنصوص في التشبيه لأنهم يحملون النصوص الواردة في خلقه تعالى العالم على تأثيره في العالم واحتياج العالم في وجوده إليه ويحملون النصوص الواردة في علمه بالجزئيات على أنه تعالى يعلم كل الكليات على وجه كلي ويحملون النصوص الواردة في الحشر والنشر على أحوال النفس الناطقة في سعادتها وشقاوتها بعد المفارقة قالوا إذا جاز لكم حمل الآيات والأخبار المحتملة للتشبيه فلم لا يجوز مثلها في الحشر والنشر على أمور روحانية بصرفها عن ظواهرها 2 التي هي أمور حسمانية فثبت أن لو أردنا بالتكذيب رد النصوص لا على وجه التأويل لزمنا أن لا نجعل الفلاسفة من المكذبين وإن لم يكونوا من المكذبين وجب أن لا يكونوا كفرة لأن العكس واجب في الحد فإما أن جعلنا كصاحب التأويل من المكذبين فمعلوم أنه ليس كل متأول مكذب وإلا لزم إجراء كل الأخبار والآيات على ظواهرها وذلك يوجب التشبيه والقدر والمذاهب المتناقضة وكل ذلك باطل بل يجب أن تجعل التأويلات غير موجبة للتكذيب وبعضها موجب وعند ذلك لا نعلم حقيقة التكذيب إلا عند الضابط الذي به يصير التأويل تكذيبا وما لم يذكروا ذلك كان التأويل غير مقيد # وقال في الجواب عن هذا إنا نعلم بالضرورة إجماع الأمة على أن دينه عليه السلام هو القول بحدوث العالم وإثبات العلم بالجزئيات وإثبات الحشر والنشر

وإن إنكار هذه الأشياء مخالف لدينه ثم علمنا بالضرورة أنه عليه السلام كان يحكم أن كل ما خالف دينه فهو كفر فعلمنا بهاتين المقدمتين حكمه عليه السلام بكون هذه الأشياء كفرا فمن اعتقدها كان مكذبا له عليه السلام فكان كافرا ومثل هذه الطريقة لم توجد في التشبيه والقدر لأن الأمة غير مجمعة على أن القول بهما مخالف لدينه عليه السلام فالحاصل أنا لا نكفرهم لأجل مخالفتهم للظواهر بل للإجماع على الوجه المذكور ومثله غير حاصل في الاختلاف الحاصل بين الأمة فلا يلزمنا تكفير الداخلين في الأمة هذا كلام أبي عبدالله الرازي # وقد ادعى طائفة من الفلاسفة في مسألة المبدأ والمعاد نظير ما ادعاه هو في مسائل الصفات والقدر كما ذكر ذلك هذا الحفيد الذي تقدم نقل كلامه لما ذكر هذا أيضا في كتابه الذي زعم أنه جمع فيه بين الشريعة والفلسفة لما ذكر ما سيأتي حكايته عنه حيث بين تقارب الطائفتين ومخالفتهما جميعا لظاهر الشرع إلى قوله قلت يتصور في تأويل المتكلمين في هذه الآيات أن الإجماع انعقد عليه والظاهر الذي قلناه من الشرع في وجود العالم قد قال به فرقة من الحكماء قال ويشبه أن يكون المختلفون في تأويل هذه المسائل العويصة إما مصيون مأجورون وإما مخطئون معذورون فإن التصديق بالشيء من قبيل التوليد القائم بالنفس هو شيء اضطراري لا اختياري أعني أنه ليس لنا أن نقوم أو لا نقوم وإذا كان من شرط التكليف الاختيار فالمصدق بالخطأ من قبل شبهة عرضت إذا كان من أهل العلم معذور ولذلك قال عليه السلام إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر وأي حاكم أعظم من الذي حكم على الوجود أنه كذا وليس بكذا وهؤلاء الحكام هم العلماء

الذين خصهم الله تعالى بالتأويل وهذا الخطأ المصفوح عنه في الشرع إنما هو الخطأ الذي يقع من العلماء إذا نظروا في الأشياء العويصة الذي كلفهم الشرع النظر فيها وأما الخطأ الذي يقع من غير هذا الصنف في الناس فهو آثم مخطئ وسواء كان الخطأ في الأمور النظرية أو العملية فكما أن الحاكم الجاهل بالسنة إذا أخطأ في الحكم لم يكن معذورا كذلك الحاكم على الموجودات إذا لم توجد فيه شروط الحكم فليس بمعذور بل هو إما آثم وإما كافر وإذا كان يشترط في الحاكم في الحلال والحرام أن يجتمع له أسباب الاجتهاد وهو معرفة الأصول ومعرفة الاستنباط من تلك الأصول بالقياس بالحري أن يشترط ذلك في الحاكم على الموجودات أعني أن يعرف الأوائل العقلية ووجه استنباطه منها # وبالجملة فالخطأ في الشرع على ضربين إما خطأ يعذر فيه من هو من أهل النظر في ذلك الشيء الذي وقع فيه الخطأ كما يعذر الطبيب الماهر إذا أخطأ في الحكم ولا يعذر فيه من ليس من أهل ذلك الشأن وإما خطأ ليس يعذر فيه أحد من الناس بل إن وقع في مبادئ الشريعة فهو كفر وإن وقع في ما بعد المبادئ فهو بدعة وهذا الخطأ يكون في الأشياء التي يفضي جميع أصناف طرق الدلائل إلى معرفتها فتكون معرفة ذلك الشيء بهذه الجهة ممكنة للجميع وهذا هو مثل الإقرار بالله تبارك وتعالى وبالنبوات والسعادة الأخروية والشقاء الأخروي وذلك أن هذه الأصول الثلاثة تؤدي إليها أصناف الأدلة الثلاثة التي لا يعرى أحد من الناس من وقوع التصديق له من قبلها بالذي كلف معرفته أعني الدلائل الخطابية والجدلية والبرهانية فالجاحد لأمثال هذه الأشياء إذا كانت أصلا من أصول الشرع كافر معاند بلسانه دون قلبه أو بغفلته عن التعرض إلى معرفة دليلها

لأنه إن كان من أهل البرهان فقد جعل له سبيل إلى التصديق بها بالبرهان وإن كان من أهل الجدل فبالجدل وإن كان من أهل الموعظة فبالموعظة ولهذا قال عليه السلام أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويؤمنوا بي يريد بأي طريق اتفق لهم الإيمان من الطرق # قلت وهذا الكلام فيه أشياء جيدة وفيه تفاصيل غير صحيحة لكن هذا ليس موضع الكلام عليه # ثم قال وأما الأشياء التي لخفائها لا تعلم عندهم إلا بالبرهان فقد يعف الله فيها لعباده والذين لا سبيل لهم إلى البرهان إما من قبل فطرهم وإما قبل عادتهم وإما من قبل عدمهم أسباب التعلم فإنه ضرب لهم أمثالها وأشباهها ودعاهم إلى التصديق بتلك الأمثال إذا كانت تلك الأمثال ممكن أن يقع التصديق بها بالأدلة المشتركة للجميع أعني الجدلية والخطابية وهذا هو السبب في أن يقسم الشرع إلى ظاهر وباطن فإن الظاهر هو تلك الأمثال المضروبة لتلك المعاني والباطن هو تلك المعاني التي لا تتجلى إلا لأهل البرهان وهذه هي أصناف تلك الموجودات الأربعة والخمسة التي ذكرها أبو حامد في كتاب الثغرية # قلت هذا الكلام من أصول النفاق نفاق الدهرية ويظهر بطلانه من وجوه # أحدها قوله وأما الأشياء التي لخفائها لا تعلم إلا بالبرهان إلى آخره يقال له قولك لا تعلم إلا بالبرهان أي لا يمكن تصورها إلا بالبرهان أو لا يمكن التصديق بها عقلا إلا بالبرهان أما الأول فباطل فإن التصور سابق على التصديق

فلو كان لا يمكن تصورها إلا بعد قيام البرهان على ثبوتها والبرهان لا يمكن أن يقوم على التصديق إلا بعد التصور لزم الدور وهو قد ذكر في غير هذا الموضع أن تصور الشيء يكون إما بنفسه وإما بمثاله وليس هذا من البرهان وإذا كان تصورها ممكن بدون البرهان فالرسول خبره يوجب التصديق وليس هو ملزم لأن يقوم برهان خاص على كل ما يخبر به فإذا كان تصورها ممكن بلا برهان وخبره وحده كاف في التصديق لم يحتج إلى ما سماه برهانا # الثاني أن يقال له إذا قدر أن التصديق بها لا يمكن إلا بالبرهان فإما أن يكون الرسول أخبر بها للخاصة مقرونا بالبرهان أو بلا برهان أو لم يخبر بها ومعلوم أن هذه البراهين التي تثبت بها الفلاسفة تجرد النفس ونعيمها وعذابها والعقول والنفوس لم تأت بها الرسل فإما أن كونوا تركوا الإخبار بها أو أخبروا بها بدون ما ادعاه من البرهان وعلى التقديرين يظهر أن الرسول لم يسلك ما ادعاه فإنه يزعم أن الرسول علمها الخاصة دون العامة # الثالث أن يقال ليس فيما يذكره الفلاسفة ما يبعد فهمه على عامة الناس بأكثر من فهم ما دل عليه ظاهر الشرع وإن كانوا مقصرين عن فهم الأدلة ألا ترى أن المتكلمين يصرحون بما يقولونه للعامة وإن كانت أدلتهم كثيرة أما أن تكون أغمض من أدلة الفلاسفة وإنما هي مسائل معدودة مسألة واجب الوجود وفعله والنفس وسعادتها وشقاوتها والعقول والنفوس وما يتبع ذلك فأي شيء في هذا مما لا يمكن التصريح منه به للعامة لو كان حقا فعلم أن ترك التصريح به إنما هو لما اشتمل عليه من الباطل المخالف للفطرة والشرعة والحق الذي صرحت به الشريعة # الرابع أن يقال إن الله قد أجمل في كتابه وعلى لسان رسوله ما لا يمكن النفوس معرفة تفصيله مثل قوله تعالى ^ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ^

ومثله قوله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر # الخامس أن يقال النقص الذي ذكرته هو إما من قبل نقص الفطرة وأما من قبل سوء العادة وإما من قبل عدم أسباب التعلم فيقال لك أما النقص فنقص بني آدم ليس له حد فمن الناس من ينقص عن فهم ما يفهمه جمهور الناس ومن المعلوم أن نهاية ما عند الفلاسفة يفهمه أوسط المتفقهة في مدة قريبة والشريعة قد جاءت بما هو أبعد عن الفطر الناقصة من هذا وأما العادة والتعليم فالرسول هو المعلم الأعظم الذي علمهم الكتاب والحكمة وقد نقلهم عن كل عادة سيئة إلى أحسن العادات والسير والشرائع فإن كان التصريح بهذه الأمور مشروطا بالعلم التام والعادة الصالحة فلا أكمل من هذا المعلم ولا في السير التي عودها فهل لاعلمها وبينها إذا كان الأمر كذلك # السادس أن يقال هب أن العامة لا يمكنهم فهمها فهل لا بينها للخاصة ومن المعلوم بالاضطرار أن الشريعة ليس فيها دلالة على ما يقوله الدهرية والجهمية من الأمور السلبية في الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب # السابع أن يقال فإذا صرح فيها بنقيض ما هو الحق وإن قلت إنه أمثال والحق المطلوب لم يبينه لا للعامة ولا للخاصة ألا يكون هذا تلبيسا وإضلالا # الثامن أن يقال قولكم الأشياء التي لخفائها لا تعلم إلا بالبرهان وأن الباطن هو تلك المعاني التي لا تتجلى إلا لأهل البرهان كلام من أبطل القول وذلك أن هذه الأمور قد فسرتها بما تتأول من صفات الله وصفات المعاد حتى

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:51 AM
ذكرت آية الاستواء والنزول ونعيم الجنة والنار وغيرهما من ذلك فيقال لهم التأويلات التي يدعون أنها باطن هذه الألفاظ معان ظاهرة معلومة للخاص والعام مثل تأويلات الاستواء بالقدرة أو بالرتبة فكل أحد من الناس يتصور أن الله قادر على المخلوقات قاهر لها أعظم مما يتصور استواءه عليها فلأي ضرورة يعبر عن المعنى الظاهر الواضح بلفظ يكون تصور ظاهره أخفى من تصور ذلك المعنى وهذا بين قاطع لمن تدبره وإن كانت الوجوه كلها كذلك # ثم قال الحفيد وإذا اتفق كما قلنا أن يعلم الشيء بنفسه بالطرق الثلاث لم يحتج أن يضرب له مثال وكان على ظاهره لا يتطرق إليه تأويل وهذا النحو من الظاهر إن كان في الأصول فالمتأول له كافر مثل من يعتقد ألا سعادة أخروية ها هنا ولا شقاء وأنه إنما قصد بهذا القول أن يسلم الناس بعضهم من بعض في أبدانهم وحواسهم وأنها خيلة وأنه لا غاية للإنسان إلا وجوده المحسوس فقط وإذا تقرر لك هذا فقد ظهر لك في قولنا إن ها هنا ظاهرا من الشرع لا يجوز تأويله فإن كان تأويله في المبادئ فهو كفر وإن كان فيما بعد المبادئ فهو بدعة وها هنا أيضا ظاهر يجب على أهل البرهان تأويله وحملهم إياه على ظاهره كفر وتأويل غير أهل البرهان له وإخراجه عن ظاهره كفر في حقهم أو بدعة ومن هذا الصنف آية الاستواء وحديث النزول ولذلك قال عليه السلام في السوداء إذ أخبرته أن الله تعالى في السماء أعتقها فإنها مؤمنة إذ كانت ليست من أهل البرهان والسبب في ذلك أن هذا الصنف من الناس الذين لا يقع لهم التصديق إلا من قبل التخيل أعني أنهم لا يصدقون بالشيء إلا من جهة ما يتخيلونه يعسر وقوع التصديق لهم بموجود ليس منسوبا إلى شيء متخيل ويدخل أيضا على من لا يفهم من هذه النسبة إلا المكان وهم الذين شذوا عن

رتبة الصنف الأول قليلا في النظر اعتقاد الجسمية ولذلك كان الجواب لهؤلاء في أمثال هذه أنها من المتشابهات وأن الوقف في قوله تعالى ^ وما يعلم تأويله إلا الله ^ وأهل البرهان مع أنهم مجمعون في هذا الصنف أنه من المتأول فإنهم يختلفون في تأويله # قلت الذين سماهم أهل البرهان هنا هم من عناه من الجهمية والدهرية وقد تناقض في هذا الكلام فإنه قد تقدم ما ذكره في كتاب مناهج الأدلة في الرد على الأصولية ولفظه وجميع الحكماء قد اتفقوا على أن الله تعالى والملائكة في السماء كما اتفقت جميع الشرائع على ذلك وما ذكره من أن ذلك من الآراء السالفة القديمة والشرائع الغابرة أن العلو مسكن للروحانيين يريدون الله والملائكة وقوله قد ظهر لك من هذا أن إثبات الجهة واجب بالشرع والعقل وقد تقدم حكاية قوله فإذا كان هذا هكذا فكيف يكون أهل البرهان متفقين على تأويل ذلك وأن يكون قول الجارية أنه في السماء مما يجب على أهل البرهان تأويله # ثم يقال له هل كان الصحابة والتابعون وأئمة المسلمين من أهل البرهان الحق أم لا فإن قلت لم يكونوا من أهله ولكن المتأخرين وفي الصابئين قبلنا من كان من أهله فهذا خلاف المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن السابقين الأولين كانوا أعظم علما وإيمانا من هؤلاء وإن قلت كانوا من أهل البرهان فمن المعلوم بالاضطرار أنهم لم يئولوه كما تأوله هؤلاء المتأخرون بل هم متفقون على أن الله تعالى فوق العرش كما ذكرت أنت إجماع الأنبياء والحكماء على ذلك وكلهم في تحريم تأويل ذلك أعظم من أن يذكر هنا فكيف يكون واجبا

وأيضا فالمتأولون لهذا ليس فيهم من تحمده أنت فإن تأويل ذلك أما أن يكون عن معتزلي أو أشعري أخذ عنه أو من يجري مجراهم وهؤلاء عندك أهل جدل لا أهل برهان وأنت دائما تصفهم بمخالفة الشرع والعقل # وإن قلت نحن أهل برهان وهم المتفلسفة المنتسبون إلى الإسلام فهذا أكذب الدعاوي وذلك أنه لا ريب عند من عرف المقالات وأربابها أن الذي صار به المتكلمون مذمومين هو ما شاركوا به هؤلاء المتفلسفة من القياس الفاسد والتأويل الحائد وأن أحسن حال المتفلسف أن يكون مثل هؤلاء فإذا كان هؤلاء قد اتفقت الأئمة والأمة وعقلاؤهم متفقون أيضا على أنهم فيما قالوه من خلاف مذهب السلف ليسوا أهل برهان بل أهل هذيان كيف بأصحابك الذين اعترف أساطينهم بأنه ليس لهم في العلم الإلهي يقين والمتكلمون لا يقرون على أنفسهم بمثل هذا بل يقولون إن مطالبهم تأولوها بالأدلة العقلية وبسط هذا الكلام له موضع آخر ليس هذا موضعه وليس يلزم من كون الرجل ذا برهان في الهندسة والحساب أن يكون ذا برهان في الطب مع أن كلاهما صناعة حسية وكثيرا ما يحذق الرجل فيهما ومن المعلوم أن العلم بهذه الأمور أبعد عن الطب والحساب من بعد أحدهما عن الآخر # ثم يقال له هب أن تلك الجارية ليست من أهل البرهان فما الموجب لأن يخاطبها الرسول بخطاب الظاهر من غير حاجة إليه فقد كان يمكنه تعرف إيمانها بأن يقول من ربك ومن إلهك ومن تعبدين فتقول الله تعالى فلما يعدل عن لفظ ظاهره وباطنه حق إلى لفظ ظاهره باطل ثم يكلفها مع ذلك تصديق

الباطل ويحرم عليها وعلى غيرها اعتقاد نقيض الباطل فهل فهذا فعل عاقل فضلا عن أن يكون هذا فعل الرسل أم من فعل الكاذبين في خبرهم الموجبين للتصديق بالكذب ثم الله ورسوله يخاطب الخلق بخطاب واحد يخبر به عن نفسه وقد فرض على طوائف أن يعتقدوا ظاهره وإن لم يعتقدوه كفروا وعلى آخرين أن يعتقدوا نقيض ما اعتقده هؤلاء وإن اعتقدوه كفروا ثم مع هذا كله لا يبين من هؤلاء ولا من هؤلاء ولا يبين ما هو مرده به الذي خالف ظاهره بل يدع الناس في الاختلاف والاضطراب وهذا الفيلسوف ادعى أن الاختلاف نما نشأ من جهة كون العلماء فتحوا التأويلات للعامة فأضلوا العامة بذلك حيث فرقوهم ثم هو قد جعل الرسول نفسه أضل الخاصة وأوقع بينهم التفرق والاختلاف حيث عنى بهذا الخطاب باطنا فرضه عليهم ولم يبينه لهم فإن الذنب الذي شنعه على أهل الكلام نسب الأنبياء إلى أعظم منه وقد قال تعالى للرسل ^ أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ^ وقال ^ وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ^ وقال ^ إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ^ وقال ^ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم ^ إلى قوله تعالى ^ ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ^ وقال ^ وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ^ وعلى ما زعمه هؤلاء يكونون قد تفرقوا واختلفوا من قبل أن يأتيهم العلم أو تأتيهم البينة لأنهم زعموا أن في الكتاب ظاهرا يجب على أهل البرهان تأويله وأن الذي يعلمونه هو التأويل الذي قال الله تعالى فيه ^ وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ^ ثم يقول وأهل البرهان مع أنهم مجمعون في هذا الصنف أنه من المتأول فقد يختلفون في تأويله وذلك بحسب مرتبة كل واحد في معرفة البرهان فإذا لم يبين لهم الرسول مراده فما جاءهم العلم ولا البينة فيكونون معذورين في التفرق والاختلاف كما زعم هؤلاء المنافقون

# ثم يقال له البرهان يفضي إلى إحالة الظاهر مثلا أم إلى تعيين المراد أما الأول فهم متفقون عليه وأما تعيين المراد فليس مستفادا من مجرد القياس الذي تسميه البرهان إنما يعرف من حيث مراد المتكلم فكيف يكون اختلافهم في التأويل بحسب مرتبة كل واحد في معرفة البرهان والبرهان إنما ينفي الظاهر فقط لا يبين ما هو المراد والرد على هؤلاء يطول فليس هذا موضع استقصائه # وإنما الغرض التنبيه على أن هؤلاء الدهرية سلطوا على الجهمية بمثل هذا حتى آل الأمر إلى الكفر بحقيقة الإيمان بالله وباليوم الآخر وجعلوا ذلك هو البرهان والتحقيق الذي يكون للخاصة الراسخين في العلم حتى حرفوا الكلم عن مواضعه وألحدوا في أسماء الله تعالى وآياته وجعلوا أئمة الكفر والنفاق هم أئمة الهدى ورؤوس العلماء وورثة الأنبياء مع أنهم في القياس الذي سموه البرهان إنما أتوا فيه بمقاييس سوفسطائية من شر المقاييس السوفسطائية فآل أمرهم إلى السفسطة في العقليات والقرمطة في الشرعيات وهذه حال القرامطة الباطنية الذين عظمهم وسلك سبيلهم هذا الفيلسوف ولهذا كان ابن سينا وأمثاله منهم وكان أبوه من دعاة القرامطة المصريين ولذلك اشتغلت بالفلسفة # ثم قال وها هنا صنف ثالث من الشرع متردد بين هذين الصنفين يقع فيه شك فيلحقه قوم ممن يتعاطى النظر بالظاهر الذي لا يجوز تأويله ويلحقه آخرون بالباطن الذي لا يجوز حمله على الظاهر للعلماء لغرابة هذا الصنف واشتباهه والمخطئ في هذ معذور أعني من العلماء # فإن قيل فإذا تردد أن الشرع في هذا على ثلاث مراتب فمن أي هذه الثلاث مراتب هو عندكم ما جاء في صفات المعاد وأحواله فنقول إن هذه المسألة الأمر فيها أنها من الصنف المختلف فيه وذلك أننا نرى قوما ممن ينسبون أنفسهم

إلى البرهان يقولون إن الواجب حملها على ظاهرها إذ كان ليس فيها برهان يؤدي إلى استحالة الظاهر فيها وهذه طريقة الأشعرية وقوم آخرون أيضا ممن يتعاطى البرهان يتأولونها وهؤلاء يختلفون في تأويلها اختلافا كثيرا وفي هذا الصنف أبو حامد معدود وكثير من المتصوفة ومنهم من يجمع فيها تأويلين كما يفعل ذلك أبو حامد في بعض كتبه ويشبه أن يكون المخطئ في هذه المسألة من العلماء معذور والمصيب مشكور أو مأجور وذلك إذا اعترف بالوجود وتأول فيها نحوا من أنحاء التأويل أعني في صفة المعاد لا في وجوده إذا كان التأويل لا يؤدي إلى نفي الوجود وإنما كان جحد الوجود في هذه كفرا لأنه في أصل من أصول الشريعة وهو مما يقع التصديق به بالطرق الثلاث المشتركة للأحمر والأسود وأما من كان من غير أهل العلم فالواجب عليه حملها على الظاهر وتأويلها في حقه كفر لأنه يؤدي إلى الكفر وكذلك ما نرى أن من كان من الناس فرضه الإيمان بالظاهر فالتأويل في حقه كفر لأنه يؤدي للكفر والداعي إلى الكفر كافر ولهذا يجب أن لا تثبت هذه التأويلات إلا في كتب البراهين لأنها إذا كانت في كتب البراهين لم يصل إليها إلا من هو من أهل البرهان أما إذا أثبت في غير كتب البرهان واستعمل فيها الطرق الشعرية والخطبية والجدلية كما يصنعه أبو حامد فخطأ على الشرع وعلى الحكمة وإن كان الرجل إنما قصد خيرا وذلك أنه رأى أن يكثر أهل العلم بذلك ولكن كثر بذلك أهل الفساد ليس بدون كثرة أهل العلم وتطرق بذلك قوم إلى ثلب الحكمة وقوم إلى ثلب الشريعة وقوم إلى الجمع بينهما ويشبه أن يكون هذا هو أحد مقاصده بكتبه والدليل على أنه رام بذلك تنبيه الفكر أنه لم يلتزم مذهبا من المذاهب في كتبه هو مع الأشعرية أشعري ومع الصوفية صوفي ومع الفلاسفة فيلسوف كما قيل % يوم يمان إذا لاقيت ذا يمن % وإن لقيت معديا فعدناني %


# والذي يجب على أئمة المسلمين أن ينهوا عن كتبه التي تتضمن العلم إلا لمن كان من أهل العلم كما يجب عليهم أن ينهوا عن كتب البرهان من كان ليس أهلا لها # قلت أما عده أبو حامد ممن لا يقر بمعاد الأبدان فهو وإن كان قد قال في بعض كتبه ما نسبه لأجله إلى ذلك فالذي لا ريب فيه أنه لم يستمر على ذلك بل رجع عنه قطعا وجزم بما عليه المسلمون في القيامة العامة كما أخبر به الكتاب # وأما ذكره أن هذا قول كثير من المتصوفة فلا ريب أن في المتصوفة والمتفقهة وغيرهما من هو صديق ومن هو زنديق فإن انتحال الخيلة والقول ظاهرا ليس بأعظم من انتحال الإسلام وإن كان في نفس ادعاء الإسلام على عهد النبي وفي سائر الأعصار منافقون كثيرون فهؤلاء موجودون في جميع الأصناف من المنتسبين إلى العلم وإلى العبادة وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة طعمها طيب وريحها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة طعمها طيب ولا ريح لها ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن مثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها # فأما شيوخ الصوفية المشهورون عند الأمة الذين لهم في الأمة لسان صدق مثل أبي القاسم الجنيد وسهل بن عبدالله التستري وعمرو بن عثمان

المكي وأبي العباس ابن عطاء بل مثل أبي طالب المكي وأبي عبدالرحمن السلمي وأمثال هؤلاء فحاشا لله أن يكونوا من أهل هذا المذهب بل هم من أبعد الطوائف عن مذهب الجهمية في سلب الصفات فكيف يكونون في مذهب الدهرية المنكرين لانفطار السموات والأرض وانشقاقهما نعم يوجد مثل ذلك في المتكلمين بكلام الفقهاء من أهل الفلسفة والكلام وغيرهم وهذا الرجل قد ذكر أصناف الأمة في الأمور الهية الذين سماهم حشوية والأشعرية والمعتزلة والباطنية وذكر الصنف الرابع الباطنية ولم يتعقبهم بكلام إلا ما ذكره من مذهب الصوفية أنهم يلتمسون العلم بطريقة إماتة الشهوات فإن كان قد جعل هؤلاء هم الباطنية فهذا خطأ عظيم وإن كان يوجد فيهم من يقول بقول الباطنية كما يوجد مثل ذلك في المتكلمين والفقهاء ولعل شبههم في ذلك مع ما حكاه عنهم في أمر المعاد أنهم يقولون علم الباطن وينتسبون إلى علم الباطن ولكن هذا اللفظ فيه إجمال وإيهام فالصوفية العارفون الذين لهم في الأمة لسان صدق إذا قالوا علم الباطن وعلوم الباطن ونحو ذلك فهم لا يريدون بذلك ما يناقض الظاهر بل هم متفقون على أن من ادعا باطنا من الحقيقة يناقض ظاهر الشريعة فهو زنديق وإنما يقصدون بذلك عمل باطن الإنسان الذي هو قلبه بالأعمال الباطنة كالمعرفة والمحبة والصبر والشكر والتوكل والرضا ونحو ذلك ما هو كله تحقيق كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى

# ومما يبين تناقض الفريقين لاشتراكهما في النفي والتعطيل أن كل حجة يحتج بها أحدهما على الآخر تنقض مذهبه أيضا كما تنقض مذهب خصمه ولهذا عمدة كلامهم بيان كل طائفة تناقض الأخرى وإن كانت هي أيضا متناقضة كما نبهنا عليه غير مرة # ويوضح ذلك ما ذكره هذا القاضي أبو الوليد ابن رشد الحفيد في كتابه الذي سماه مناهج الأدلة في الرد على لأصولية هذا بعد أن قال في خطبته أما بعد فإن كنا قد بينا في أول هذا الكتاب مطابقة الحكمة للشرع وأمر الشريعة بها وقلنا هناك إن الشريعة ظاهر ومئول وأن الظاهر فيها هو فرض الجمهور وأن المئول هو فرض العلماء وأما الجمهور ففرضهم فيه حمله على ظاهره وترك تأويله # قلت قد جعل فرض الجمهور اعتقاد الباطل الذي هو خلاف الحق إذا كان الحق خلاف ظاهره وقد فرض عليهم حمله على ظاهره قال وأما الجمهور ففرضهم فيه حمله على ظاهره وترك تأويله وأنه لا يحل للعلماء أن يفصحوا بتأويله للجمهور كما قال علي رضي الله عنه حدثوا الناس بما يفهمون أتريدون أن يكذب الله ورسوله قلت حرف لفظ حديث علي ومعناه فإن عليا قال كما ذكره البخاري في صحيحه من رواية معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل عن علي قال حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتحبون أن يكذب الله ورسوله وهذا يدل على نقيض مطلوبه لأنه قال أتحبون أن يكذب الله ورسوله فعلم أن الأحاديث التي قالها الله ورسوله أحاديث لا يطيق كل أحد حملها فإذا سمعها من لا يطيق ذلك كذب الله ورسوله وهذا إنما يكون

في ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم وتكلم به لا في خلاف ما قاله ولا في تأويل ما قال خلاف ظاهره فإن ذكر ذلك لا يوجب أن المستمع يكذب الله ورسوله بل يكذب المتأول المخالف لما قال الله ورسوله نعم نفس ذلك التأويل المخالف لقوله يكون تكذيبا لله ورسوله إما في الظاهر وإما في الباطن والظاهر فلو أريد ذلك لكان يقول أتريدون أن تكذبوا الله ورسوله أو أن تظهروا تكذيب الله ورسوله فإن المكذب من قال ما يخالف قول الله ورسوله إما ظاهرا واما ظاهرا وباطنا وعلي إنما خاف تكذيب المستمع لله ورسوله وهذا لا يكون لمجرد تأويل المتأولين فإن المؤمن لا يكذب الله ورسوله لقول مخالف لتأويل يخالف ذلك بل يرد ذلك عليه # فإن قال هذه التأويلات الباطنة قد ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم للخاصة # قيل هذا من الإفك المفترى الذي اتفق أهل العلم بالإسلام على أنه كذب وقد ثبت عن علي رضي الله عنه في الصحيح من غير وجه لما سأله من ظن أن عنده من الرسول علما اختص به فبين لهم علي رضي الله عنه أنه لم يخصه بشيء # قال الحفيد فقد رأيت أن أفحص في هذا الكتاب عن الظاهر من العقائد التي قصد الشرع حمل الجمهور عليها ونتحرى في ذلك كله مقصد الشارع صلى الله عليه وسلم بحسب الجهد والاستطاعة فإن الناس قد اضطربوا في هذا المعنى كل الاضطراب في هذه الشريعة حتى حدثت فرق ضالة وأصناف مختلفة كل واحد منهم يرى أنه على الشريعة الأولى وأن من خالفه إما مبتدع وإما كافر مباح

الدم والمال وهذا كله عدول عن مقصد الشارع وسببه ما عرض لهم من الضلال عن فهم مقصد الشريعة وأشهر هذه الطوائف في زماننا هذا أربعة الطائفة التي تسمى الأشعرية وهم الذين يرى أكثر الناس اليوم أنهم أهل السنة والتي تسمى المعتزلة والطائفة التي تسمى بالباطنية والطائفة التي تسمى بالحشوية وكل هذه الطوائف قد اعتقدت في الله اعتقادات مختلفة وحرفت كثيرا من ألفاظ الشرع عن ظاهرها إلى تأويلات نزلوها على تلك الاعتقادات وزعموا أنها الشريعة الأولى الذي قصد بالحمل عليها جميع الناس وأن من زاغ عنها فهو إما كافر وإما مبتدع وإذا تؤمل جميعها وتؤمل مقصد الشارع ظهر أنها كلها أقاويل محدثة وتأويلات مبتدعة وأنا أذكر من ذلك ما يجري مجرى العقائد الواجبة في الشرع التي لا يتم الإيمان إلا بها وأتحرى في ذلك كله مقصد الشارع صلى الله عليه وسلم دون ما جعل أصلا في الشرع وعقيدة من عقائده من قبل التأويل الذي ليس بصحيح وأبدأ من ذلك بتعريف ما قصد في الشرع أن يعتقد الجمهور في الله تبارك وتعالى والطرق التي سلك بهم في ذلك وذلك في الكتاب العزيز ونبتدي من ذلك معرفة الطريق التي تفضي إلى وجود الصانع إذ كانت أول معرفة يجب أن يعلمها المكلف وقبل ذلك فينبغي أن نذكر إذا تلك الفرق المشهورة في ذلك فنقول # أما الفرقة التي تدعى بالحشوية فإنهم قالوا إن طريق معرفة وجود الله تعالى هو السمع لا العقل أعني أن الإيمان بوجود الذي كلف الناس التصديق به يكفي فيه السمع أن يتلقى من صاحب الشرع كما يتلقى منه أحوال العبادة وغير ذلك مما لا مدخل للعقل فيه وهذه الفرقة الظاهر من أمرها أنها مقصرة عن مقصود الشرع في الطريق التي نصبها للجميع مفضية إلى معرفة وجود الله تعالى وتقدس ودعاهم من قبلها إلى الإقرار به وذلك أنه يظهر من غير ما آية من

كتاب الله تعالى أنه دعا الناس فيها إلى التصديق بوجود الباري سبحانه وتعالى بأدلة عقلية منصوص عليها فيها مثل قوله تعالى ^ يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم ^ الآية ومثل قوله تعالى ^ أفي الله شك فاطر السموات والأرض ^ إلى غير ذلك من الآيات الواردة في هذا المعنى وليس لقائل أن يقول إنه لو كان ذلك واجبا على كل من آمن بالله تعالى أعني أن لا يصح إيمانه من قبل وقوعه عن هذه الأدلة لكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدعو أحدا إلى الإسلام إلا عرض عليه هذه الأدلة فإن العرب كلها كانت تعترف بوجود الباري سبحانه وتعالى وذلك قال تعالى ^ ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ^ ولا يمتنع أن يوجد من الناس من يبلغ به فدامة الطبع وبلادة القريحة ألا يفهم شيئا من الأدلة الشرعية التي نصبها الشارع صلى الله عليه وسلم للجمهور وهذا فهو أقل الوجود وإذا وجد ففرضه الإيمان بالله من جهة السماع فهذه حال الحشوية مع ظاهر الشرع # ثم قال وأما الأشعرية فرأوا أن التصديق بوجود الله تعالى لا يكون إلا بالعقل لكن سلكوا في ذلك طرقا ليست هي الطرق الشرعية وساق الكلام كما ذكرنا عنه أولا # قلت مسمى الحشوية في لغة الناطقين به ليس اسما لطائفة معينة لها رئيس قال مقالة فاتبعته كالجهمية والكلابية والأشعرية ولا اسما لقول معين من قاله كان كذلك والطائفة إنما تتميز بذكر قولها أو بذكر رئيسها ولهذا كان المؤمنون متميزون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فالقول الذي يدعون إليه هو كتاب الله والإمام الذي يوجبون اتباعه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم

وعلى هذا بني الإيمان وبذلك وجب الموالاة والمعاداة كما قال تعالى ^ إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا إلى قوله فإن حزب الله هم الغالبون ^ وقال تعالى ^ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ^ وأمثال ذلك وقال تعالى ^ وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ^ وكذلك ذكر ذلك في البقرة والمائدة ولقمان فذكر أن الكفار لا يستجيبون لذلك وكذلك ذكر عن المنافقين فقال ^ ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ^ فأخبر عن الكافرين والمنافقين أنهم يعرضون عن الاستجابة للكتاب والرسول فعلم أن المؤمنين ليسوا كذلك بل هم كما قال الله تعالى ^ إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا ^ وقال ^ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ^ وبذلك أمرهم حيث قال ^ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإذا تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ^ وبذلك حكم بين أهل الأرض كما قال تعالى ^ كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ^ وشواهد هذا الأصل كثيرة

والناس منذ بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم ثلاثة أصناف إما كافر معلن وإما منافق مستتر وإما مؤمن موافق ظاهرا و باطنا كما ذكر الله تعالى هذه الأصناف الثلاثة في أول سورة البقرة وحينئذ فالواجب أن يكون الرجل مع المؤمنين باطنا وظاهرا وكل قول أو عمل تنازع الناس فيه رده إلى الكتاب والسنة ولا يجوز وضع طائفة بعينها يوالي من والته ويعادي من عادته لا أخص من المؤمنين لو كانت أسماؤهم للتعريف المحض كالمالكية والشافعية والحنبلية أو غير ذلك ولا أعم من ذلك مما يدخل فيه المسلم والكافر كجنس النظر والعقل أو العبادة المطلقة ونحو ذلك ولا يجوز تعليق الحب والبغض والموالاة والمعاداة إلا بالأسماء الشرعية وأما أسماء التعريف كالأنساب والقبائل فيجوز أن يعرف بها ما دلت عليه ثم ينظر في موافقته للشرع ومخالفته له # وإذا كان كذلك فأول من عرف أنه تكلم في الإسلام بهذا اللفظ عمرو ابن عبيد رئيس المعتزلة فقيههم وعابدهم فإنه ذكر له عن ابن عمر شيء يخالف قوله فقال كان ابن عمر حشويا نسبه إلى الحشو وهم العامة والجمهور وكذلك تسميهم الفلاسفة كما سماهم بذلك صاحب هذا الكتاب والمعتزلة ونحوهم يسمونهم الحشوية والمعتزلة تعني بذلك كل من قال بالصفات وأثبت القدر وأخذ ذلك عنها متأخروا الرافضة فسموهم الجمهور بهذا الاسم وأخذ ذلك عنهم القرامطة الباطنية فسموا بذلك كل من اعتقد صحة ظاهر الشريعة فمن قال عندهم بوجوب الصلوات الخمس والزكاة المفروضة وصوم رمضان وحج البيت وتحريم الفواحش والمظالم والشرك ونحو ذلك سموه حشويا كما رأينا ذلك

مذكورا في مصنفاتهم والفلاسفة تسمي من أقر بالمعاد الجسمي والنعيم الحسي حشويا وأخذوا ذلك عن المعتزلة تلامذتهم من الأشعرية فسموا من أقر بما ينكرونه من الصفات ومن يذم ما دخلوا فيه من بدع أهل الكلام والجهمية والإرجاء حشويا ومنهم أخذ ذلك هذا المصنف # ومما يبين ذلك أن القول الذي حكاه عنهم لا يعرف في الإسلام عالم معروف قال به ولا طائفة معروفة قالت به ولكن قد يقول بعض العوام قولا لا يفصح بمعناه وحجته يظن به مستمعه أنه يعتقد ذلك والتحقيق أن هذا النقل إنما نقلته المعتزلة ومن وافقهم عليه كهذا الرجل بطريق اللزوم لا أنهم سمعوه منهم أو وجدوه مأثورا عنهم وذلك أنهم يسمعون أهل الإيمان من أهل الحديث والسنة والجماعة والفقهاء والصوفية يقولون الكتاب والسنة وإذا تنازعوا في مسألة من موارد النزاع بين الأمة في مسائل الصفات أو القدر أو نحو ذلك قالوا بيننا وبينكم الكتاب والسنة فإذا قال لهم ذلك المنازع بيننا وبينكم العقل قالوا نحن ما نحكم إلا الكتاب والسنة ونحو هذا الكلام الذي هو حقيقة أهل الإيمان وشعار أهل السنة والجماعة وحلية أهل الحديث والفقه والتصوف الشرعي قالوا بموجب رأيهم يلزم من هذا أن تكون معرفة الله تعالى لا تحصل إلا بخبر الشارع إذا لم يكن للعقل مجال في إثبات المعرفة وهذا جهل منهم وقول بلا علم فإن أحدا من هؤلاء لم يقل إن الله تعالى لا يعرف إلا بمجرد خبر الشارع الخبر المجرد فإن هذا لا يقوله عاقل فإن تصديق المخبر قبل المعرفة بصدقه في قوله إنه رسول الله بدون المعرفة بأنه رسول ممتنع ومعرفة أنه رسول الله ممن لا يعرف أن الله موجود ممتنع فنقل مثل هذا القول عن طائفة توجد في الأمة أو عن

عالم معروف في الأمة من الكذب البين وهو من جنس وضع الملاحدة للأحاديث المتناقضة على المحدثين ليشنوهم بذلك عند الجهال لكن من عموم المؤمنين أهل الحديث وغيرهم من لا يحسن أن يجيب عما يورد عليه من الشبه ومن لا يحسن البيان عما انعقد في نفسه من البرهان واستقر عنده من الإيمان ولكن هذا لا يبيح أن ينقل عنه البهتان كيف وشعارهم الدعاء إلى الكتاب والسنة والقرآن مملوء من طريق تعريف الله تعالى لعباده بالأدلة الواضحة المعقول والأمثال المضروبة التي هي القياسات العقلية # ونحن قد بينا في غير هذا الموضع أن القرآن بين فيه أصول الدين في المسائل والدلائل على غاية الأحكام ونهاية التمام وأن خلاصة ما يذكره أهل الكلام والفلسفة إنما هو بعض ما بينه القرآن والحديث مع سلامة ذلك عما في كلامهم من التناقض والاختلاف واشتماله على ما تقصر عنه نهاية عقولهم ومالا يطمعون أن يكون من مدلولهم وبينا أن تعريف الشارع ودلالة الشرع ليس بمجرد الإخبار كما يظنه من يظن ذلك من أهل الكلام والفلسفة فإن مثل هذا الظن بالشارع هو الذي أوجب أن يلمزوا المؤمنين بما هم به أولى وأحرى ^ والذين يلمزون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ^ وهذا حال الكفار والمنافقين الذين قال الله تعالى فيهم ^ وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن ^ وقال ^ إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين ^

فإن الله سبحانه وتعالى ضمن كتابه العزيز فيما أخبر به عن نفسه وأسمائه وصفاته من الأدلة والآيات والأقيسة التي هي الأمثال المضروبات ما بين ثبوت المخبر بالعقل الصريح كما يخاطب أولي الألباب والنهى والحجر ومن يعقل ويسمع بل قد ضمن كتابه من الأدلة العقلية في أمر المعاد ما هو بين لعامة العباد بل ضمن كتابه العزيز من الأدلة العقلية على ثبوت الأمر والنهي والوعد والوعيد ما نبه عليه في غير هذا الموضع كقوله تعالى ^ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط ^ فكيف يكون أهل الكتاب والسنة والإيمان يقولون إن الله تعالى إنما يعرف وجوده بمجرد خبر الشارع المجرد # وأما ما قد يقولونه من أن العقل لا مجال له في ذلك أو ينهون عن الكلام أو عن ما سمي معقولات ونظرا ونحو ذلك فهذا له وجوه صحيحة ثابتة بالكتاب والسنة بل وبالعقل أيضا وبعضهم قد لا يفرق بين ما يدخل في ذلك من حق وباطل وبعضهم قد يقصر عن الحق الذي يدل عليه الكتاب والسنة كما ذكره هذا الرجل ولا ريب أن التقصير ظاهر على أكثر المنتسبين إلى الكتاب والسنة من جهة عدم معرفتهم بما دل عليه الكتاب والسنة ولوازم ذلك # فيقال من الوجوه الصحيحة إنما نطق به الكتاب وبينه أو ثبت بالسنة الصحيحة أو اتفق عليه السلف الصالح فليس لأحد أن يعارضه معقولا ونظرا أو كلاما وبرهانا وقياسا عقليا أصلا بل كل ما يعارض ذلك فقد علم أنه باطل علما كليا عاما وأما تفصيل العلم ببطلان ذلك فلا يجب على كل أحد

بل يعلمه بعض الناس دون بعض وأهل السنة الذين هم أهلها يردون ما عارض النص والإجماع من هذه وأن زخرفت بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان قال تعالى ^ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ^ فأعداء النبيين دائما يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا # وكذلك من الوجوه الصحيحة أن موارد النزاع لا تفصل بين المؤمنين إلا بالكتاب والسنة وأن كان أحد المتنازعين يعرف ما يقوله بعقله وذلك أن قوى العقول متفاوتة مختلفة وكثيرا ما يشتبه المجهول بالمعقول فلا يمكن أن يفصل بين المتنازعين قول شخص معين ولا معقوله وإنما يفصل بينهم الكتاب المنزل من السماء والرسول المبعوث المعصوم فيما بلغه عن الله تعالى ولهذا يوجد من خرج عن الاعتصام بالكتاب والسنة من الطوائف فإنهم يفترقون ويختلفون ^ ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ^ وأهل الرحمة هم أهل الإيمان والقرآن # ومن الوجوه الصحيحة أن معرفة الله بأسمائه وصفاته على وجه التفصيل لا تعلم إلا من جهة الرسول عليه الصلاة والسلام إما بخبره واما بخبره وتنبيهه ودلالته على الأدلة العقلية ولهذا يقولون لا نصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى ^ سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ^ # ثم ذكر ابن رشد الكلام على الطريق التي عزاها إلى الأشعرية وأبو الحسن الأشعري قد بين في رسالته إلى أهل الثغر بيان الأبواب أن هذه الطريق مبتدعة وأنها ليست هي طريقة الأنبياء وأتباعهم بل هي محرمة عندهم

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:52 AM
كما سنذكر ذلك عنه وكذلك ذكر غير واحد عن متقدمي أصحابه ومتأخريهم حتى أبو عبدالله الرازي بين أن معرفة الله تعالى ليست منحصرة في هذه الطريق التي حكاها عن الأشعرية وبين غلط أبي المعالي في قوله اعلم أن أول ما يجب على البالغ العاقل القصد إلى النظر الصحيح المفضي إلى العلم بحدوث العالم وبين أن العلم بحدوث العالم يمكن أن يعلم بالسمع فضلا عن أن لا يكون طريقا إلى إثبات الصانع إلا العلم بحدوثه بالطريق الذي ذكره وأن يكون القصد إلى النظر في هذه الطريق وكذلك الغزالي قبله بين حصول المعرفة بدون هذه الطريق # وبالجملة فإنه وإن كان أبو المعالي ونحوه يوجبون هذه الطريقة فكثير من أئمة الأشعرية أو أكثرهم يخالفونه في ذلك ولا يوجبونها بل إما أن يحرموها أو يكرهوها أو يبيحوها وغيرها ويصرحون بأن معرفة الله تعالى لا تتوقف على هذه الطريقة ولا يجب سلوكها # ثم هم قسمان قسم يوسقها ويسوق غيرها ويعدها طريقا من الطرق فعلى هذا إذا فسدت لم يضرهم والقسم الثاني يذمونها ويعيبونها ويعيبون سلوكها وينهون عنها إما نهي تنزيه وإما نهي تحريم كما ذكره أبو الحسن الأشعري في رسالته كما سنذكره عنه كما ذكر ذلك طوائف ممن لا يبطل تلك الطريقة كأبي سليمان الخطابي ونحوه # قال الشيخ أبو سليمان الخطابي في كتاب شعار الدين أما بعد فإن أخا من إخواني سألني بيان ما يجب على المسلمين علمه ولا يسعهم جهله من أمر الدين وشرح أصوله في التوحيد وصفات الباري تعالى والكلام في القضاء والقدر والمشيئة والدلالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبيان إعجاز القرآن والقول في ترتيب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وما يتصل به من الكلام

وطلب إلي أن أورد في كل شيء منها أوضح ما أعرفه من الدلالة وأقربها من الفهم ينتفع به من لا يرضى بالتقليد في ما يعتقده من أصول الدين وكان مع ذلك ممن لا يحب النظر في الكلام ولا يجرد القول على مذهب المتكلمين وذكر تمام الكلام وذكر عدة أصول من الاستدلال بخلق الإنسان والاستدلال بتركيب المتضادات وتأليفها والاستدلال بما في الوجود من الحكمة الغائية الذي يسميه ابن رشد دليل العناية الدال على الإرادة والرحمة والعناية الدالة على الصانع إلى أن قال # وطرق الاستدلال كثيرة إلا أنا أخترنا منها في الكتاب ما هو أقرب إلى الأفهام وأشبه بمذاهب السلف والعلماء وقد أنزل الله تعالى كتابه على رسوله صلى الله عليه وسلم وحاج به قومه وهم عرب ليسوا بفلاسفة ولا متكلمين وإنما خاصمهم بما يفهمه ألوا العقول الصحيحة ويستدركه ذووا الطباع السليمة وتشهد له المعارف وتجري به العادات القائمة فما قامت الحجة عليهم كان من الاستدلال على إثبات الصانع وحدوث العالم قال وقد أبى متكلمو زماننا هذا إلا الاستدلال بالأعراض وتعلقها بالجواهر وانقلابها فيها وزعموا أنه لا دلالة أقوى من ذلك ولا أصح منه ونحن إن كنا لا ننكر الاستدلال بهذا النوع من الدلالة فإن الذي أختاره ونؤثره هو ما قدمنا ذكره لأنه أدلة اعتبار وطريق السلف من علماء أمتنا وإنما سلك المتكلمون في الاستدلال بالأعراض مذهب الفلاسفة وأخذوه عنهم وفي الأعراض اختلاف كثير فمن الناس من ينكرها ولا يثبتها رأسا ومنهم من لا يفرق بينها وبين الجواهر في أنها قائمة بأنفسها كالجواهر والاستدلال لا يصح بها إلا بعد استبراء هذه الشبهة وطريقنا الذي سلكناه بريء من هذه الآفات سليم من هذه الريب

# قال ولقد سلك بعض مشائخنا في هذا طريقة الاستدلال بمقدمات النبوة ومعجزات الرسالة لأن دلائلها مأخوذة من طريق الحس لمن شاهدها ومن طريق استفاضة الخبر لمن غاب عنها فلما ثبتت النبوة صارت أصلا في وجوب قبول ما دعا إليه صلى الله عليه وسلم وهذا النوع مقنع في الاستدلال لمن لا يتسع فهمه لاستدراك وجوه سائر الأدلة ولم يتبين تعلق الأدلة بمدلولاتها ولن يكلف الله نفسا إلا وسعها # قلت هذه الطريق يستدل صاحبها بالنبوة على حدوث العالم لأن معرفة الصانع تعلم بدون ذلك إما بالأدلة الأخر وإما بالفطرة وصدق الرسول مبني على مقدمات ضرورية أو نظرية قريبة من الضرورية ثم يستدل بقوله على حدوث العالم فالخطابي في هذه الطريق ذكرأن طريقة الأعراض غير منكرة عنده ولكنه كرهها ورغب عنها إلى ما ذكر أنه طريق السلف لأنها بدعة ولأن فيها آفات # وقد قال في رسالته في الغنية عن الكلام وأهله كلاما أسد من هذا وبين أنها محرمة كما ذكره الأشعري في رسالته إلى أهل الثغر فقال الخطابي في هذه الرسالة عصمنا الله تعالى وإياك من الأهواء المضلة والآراء المغوية والفتن المحيرة ورزقنا وإياك الثبات على السنة والتمسك بها ولزوم الطريقة المستقيمة التي درج عليها السلف وانتهجها بعدهم صالح الخلف وجنبنا وإياك مداحض البدع وبنيات طرقها العادلة عن نهج الحق وسوى الواضحة وأعاذنا وإياك من حيرة الجهل وتعاطي الباطل والقول بما ليس لنا به علم والدخول فيما لا يعنينا والتكلف لما قد كفينا الخوض فيه ونهينا عنه ونفعنا وإياك بما علمنا وجعله سببا لنجاتنا ولا جعله وبالا علينا برحمته وقفت على

مقالتك وما وصفته من أمر ناحيتك وظهور ما ظهر بها من مقالات أهل الكلام وخوض الخائضين فيها وميل بعض منتحلي السنة إليها واغترارهم بها واعتذارهم في ذلك بأن للكلام وقاية السنة وجنة لها يذب به عنها ويذاد بسلاحه عن حريمها وفهمت ما ذكرت من ضيق صدرك بمجالستهم وتعذر الأمر عليك في مفارقتهم لأن توقفك بين أن تسلم لهم ما يدعونه من ذلك فتقبله وبين أن تقابلهم على ما يزعمونه فترده وتنكره وكلا الأمرين يصعب عليك أما القبول فلأن الدين يمنعك منه ودلائل الكتاب والسنة تحول بينك وبينه وأما الرد والمقابلة فلأنهم يطلبونك بأدلة العقول ويأخذونك بقوانين الجدل ولا يقنعون منك بظواهر الأمور وسألتني أن أمدك بما يحضرني في نصرة الحق من علم وبيان وفي رد مقالة أولئك من حجة وبرهان وأن أسلك في ذلك طريقة لا يمكنهم ردها ولا يسوغ لهم من جهة المعقول إنكارها فرأيت إسعافك به لازما في حق الدين وواجب النصيحة لجماعة المسلمين وأنا أسأل الله تعالى أن يوفق لما ضمنت لك وأن يعصم من الزلل فيه # اعلم يا أخي أن هذه الفتنة قد عمت اليوم وشملت فشاعت في البلاد واستفاضت ولا يكاد يسلم من وهج غبارها إلا من عصمه الله وذلك مصداق لقول الرسول صلى الله عليه وسلم إن الدين بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء فنحن اليوم في ذلك الزمان وبين أهله فلا تنكر ما تشاهده منه وسل الله العافية من البلاء واحمده على ما وهبه لك من السلامة

# ثم إني تدبرت هذا الشأن فوجدت عظم السبب فيه أن الشيطان صار بلطيف حيلته سول لكل من أحس من نفسه بفضل ذكاء وذهن بوهمه أنه إن رضي في علمه ومذهبه بظاهر من السنة واقتصر على واضح بيان فيها كان أسوة العامة وعد واحدا من الجمهور والكافة فجرهم بذلك إلى التنطع في النظر والتبدع في مخالفة السنة والأثر ليبينوا عن طريق الدهماء ويتميزوا في الرتبة عن من هو دونهم في الفهم والذكاء واختدعهم بهذه المقدمة حتى أزلهم عن واضح المحجة وأورطهم في شبهات تعلقوا بزخارفها وتاهوا في حقائقها ولم يخلصوا فيها إلى شفاء نفس ولا قبلوها بيقين ولما رأوا كتاب الله تعالى ينطق بخلاف ما انتحلوه ويشهد عليهم بباطل ما اعتقدوه ضربوا بعض آياته ببعض فتأولوها على ما سنح لهم في عقولهم واستوى عندهم على ما وضعوه من أصولهم ونصبوا العداوة لأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولغته المأثورة عنه وردوها على وجوهها وأساؤا في نقلها القالة فوجهوا إليهم الظنون ورموهم بالفرية ونسبوهم إلى ضعف السنة وسوء المعرفة بمعاني ما يروونه من الحديث والجهل بتأويله ولو سلكوا سبيل القصد ووقفوا عندما انتهى بهم التوقيف لوجدوا برد اليقين وروح القلوب ولكثرت البركة وتضاعف النماء وانشرحت الصدور ولأضاءت فيها مصباح النور ^ والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ^ # واعلم أن الأئمة الماضين والسلف المتقدمين لم يتركوا هذا النمط من الكلام وهذا النوع من النظر عجزا عنه ولا انقطاعا دونه وقد كانوا ذوا عقول وافرة وأفهام ثاقبة وكان في زمانهم هذه الشبهة والآراء وهذه النحل والأهواء وإنما تركوا هذه الطريقة وأضربوا عنها لما تخفوه من فتنتها وحذروه من سوء مغبتها وقد كانوا على بينة من أمرهم وعلى بصيرة من دينهم لما هداهم الله به من توفيقهم وشرح به صدورهم من نور معرفته ورأوا أن

فيما عندهم من علم الكتاب وحكمته وتوقيف السنة وبيانها غنى ومندوحة عما سواهما وأن الحجة قد وقعت بهما والعلة أزيحت بمكانهما فلما تأخر الزمان بأهله وفترت عزائمهم في طلب حقائق علوم الكتاب والسنة وقلت عنايتهم بها واعترضهم الملحدون بشبههم والمتحذلقون بجدلهم حسبوا أنهم إن لم يردوهم عن أنفسهم بهذا النمط من الكلام ويدافعوهم بهذا النوع من الجدل لم يقووا ولم يظهروا في الحجاج عليهم فكان ذلك ضلة في الرأي وعيبا فيه وخدعة من الشيطان والله المستعان # فإن قال هؤلاء فإنكم قد أنكرتم الكلام ومنعتم استعمال أدلة العقول فما الذي تعتمدون في صحة أصول دينكم ومن أي طريق تتوصلون إلى معرفة حقائقها وقد علمتم أن الكتاب لم يعلم حقه والنبي لم يثبت صدقه إلا بأدلة العقول وأنتم قد نفيتموها # قلنا إنا لا ننكر أدلة العقول والتوصل بها إلى المعارف ولكن لا نذهب في استعمالها إلى الطريقة التي سلكتموها في الاستدلال بالأعراض وتعلقها بالجواهر وانقلابها فيها على حدوث العالم واتباع الصانع ونرغب عنها إلى ما هو أوضح بيانا وابين برهانا وإنما هو شيء أخذتموه عن الفلاسفة وإنما سلكت الفلاسفة هذه الطريقة لأنهم لا يثبتون النبوات ولا يرون لها حقيقة فكان أقوى شيء عندهم في الدلالة على إثبات هذه الأمور ما تعلقوا به من الاستدلال بهذه الأشياء فأما مثبتو النبوات فقد أغناهم الله تعالى عن ذلك وكفاهم كلفة المؤونة في ركوب هذه الطريقة المتعوجة التي لا يؤمن الغيب على راكبها والابتداع والانقطاع على سالكها # وبيان ما ذهب إليه السلف من أئمة المسلمين رحمة الله عليهم أجمعين والاستدلال على معرفة الصانع سبحانه وتعالى وإثبات توحيده وصفاته

وسائر ما ادعى أهل الكلام أنه لا يتوصل إليه إلا من الوجه الذي يزعمونه هو أن الله سبحانه وتعالى لما أراد إكرام من هداه لمعرفته بعث رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا وقال له ^ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ^ وقال صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع وفي مقامات له شتى وبحضرته عامة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ألا هل بلغت فكان ما أنزل الله تعالى وأمر بتبليغه هو كمال الدين وتمامه لقوله ^ اليوم أكملت لكم دينكم ^ فلم يترك صلى الله عليه وسلم شيئا من أمور الدين وقواعده وأصوله وشرائعه وفصوله إلا بينه وبلغه على كماله وتمامه ولم يؤخر بيانه عن وقت الحاجة إليه إذ لا خلاف بين فرق الأمة أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز بحال فمعلوم أن أمر التوحيد وإثبات الصانع لا تبرح فيهما الحاجة داعية أبدا في كل وقت وزمان ولو أخر فيها البيان لكان قد كلفهم مالا سبيل لهم إليه وإذا كان على ما قلت وقد علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدعهم من هذه الأمور إلى الاستدلال بالأعراض وتعلقها بالجواهر وانقلابها إذ لا يمكن أحدا من الناس أن يروي في ذلك عنه ولا عن أحد من الصحابة من هذا النمط حرف واحد فما فوقه لا من طريق تواتر ولا آحاد علم أنهم قد ذهبوا خلاف مذاهب هؤلاء وسلكوا غير طريقتهم # قلت وهذا الكلام يشبه ما ذكره أبو الحسن الأشعري في رسالته ومضمون ذلك أن هذه الطريقة محدثة مبتدعة مستغنى عنها منهي عن سلوكها لذلك وليس فيه بيان أنها باطلة ولكون أمثال هؤلاء لا يعتقدون بطلانها في الباطن وإن نهوا عن سلوكها وقع منهم أقوال مبنية على بعض مقدماتها وإن خالفت النصوص والمعقول والذي عليه حذاق الأئمة والعلماء أنها طريقة باطلة كما يقول ذلك طوائف من أهل الكلام والفلاسفة وهذا الحفيد وإن بين

بطلانها لكن طريقته في الباطن أبطل من هذه وإن سماها طريقة البرهان ولهذا لما فرغ من الرد على الأشعرية في هذه الطريقة وذكر طريقة ثانية لأبي المعالي وهي أن العالم جائز والجائز لا بد له من مخصص تكلم عليها بما ليس هذا موضعه # إلى أن قال فقد تبين لك من هذا كله أن الطرق المشهورة للأشعرية في السلوك إلى معرفة وجود الباري ليست طرقا نظرية يقينية ولا طرقا شرعية يقينية وذلك ظاهر لمن تأمل أجناس الأدلة المنبهة في الكتاب العزيز على هذا المعنى أعني معرفة وجود الصانع وذلك أن الطرق الشرعية إذا تؤملت وجدت في الأكثر قد جمعت وصفين أحدهما أن تكون يقينية والثانية أن تكون بسيطة غير مركبة أعني قليلة المقدمات فتكون نتائجها قريبة من المقدمات الأول # قال وأما الصوفية فطرقهم في النظر ليست طرقا نظرية أعني مركبة من مقدمات وأقيسة وإنما يزعمون أن المعرفة بالله وبغيره من الموجودات شيء يلقى في النفس عند تجردها من العوارض الشهوانية وإقبالها بالفكرة على المطلوب ويحتجون لتصحيح هذا بظواهر من الشرع كثيرة مثل قوله تعالى ^ واتقوا الله ويعلمكم الله ^ ومثل قوله تعالى ^ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ^ ومثل قوله تعالى ^ إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ^ إلى أشباه ذلك كثيرة يظن أنها عاضدة لهذا المعنى ونحن نقول إن هذه الطريقة وان سلمنا وجودها ليست عامة للناس بما هم ناس ولو كانت هذه الطريقة هي المقصودة بالناس لبطلت طريقة النظر ولكان وجودها بالناس عبثا

والقرآن كله إنما هو دعاء إلى النظر والاعتبار وتنبيه على طرق النظر نعم لسنا ننكر أن تكون إماتة الشهوات شرطا في صحة النظر مثل ما تكون الصحة شرطا في ذلك لاأن إماتة الشهوات هي التي تفيد بذاتها وإن كانت شرطا فيها كما أن الصحة شرط في التعلم وإن كانت ليست مفيدة له ومن هذه الجهة دعا الشرع إلى هذه الطريقة وحث عليها في جملتها حثا أعني على العمل لا أنها كافية بنفسها كما ظن القوم بل أن كانت نافعة في النظرية فعلى الوجه الذي قلنا وهذا بين عند من أنصف واعتبر الأمر بنفسه # قال وأما المعتزلة فإنه لم يصل إلينا في هذه الجزيرة من كتبهم شيء نقف منه على طرقهم التي سلكوها في هذا المعنى ويشبه أن تكون طرقهم من جنس طرق الأشعرية # قال فإن قيل فإذا قد تبين أن هذه الطرق كلها ليست واحدة منها هي الطريقة الشرعية التي دعا الشرع منها جميع الناس على اختلاف فطرهم إلى الإقرار بوجود الباري سبحانه وتعلى فما هي الطريقة الشرعية التي نبه الكتاب العزيز عليها واعتمدتها الصحابة رضوان الله عليهم قلنا الطريق التي نبه الكتاب العزيز عليها ودعا الكل من بابها إذا استقرىء الكتاب العزيز وجدت تنحصر في جنسين أحدهما طريق الوقوف على العناية بالإنسان وخلق جميع الموجودات من أجلها ولنسم هذا دليل العناية والطريقة الثانية ما يظهر من اختراع جواهر الأشياء الموجودات مثل اختراع الحياة في الجماد والإدراكات الحسية والعقل والنسم هذا دليل الاختراع ثم تكلم على شرح كل واحد من الطريقين # قلت أما المعتزلة فطريقتهم هي طريقة الأعراض هم أهل هذه الطريقة وأشهر الطوائف بها وعنهم تلقاها من المعتزلة وبمثل هذه الطريقة ولوازمها

كثر ذم السلف والأئمة في ما ذموه من الكلام ومن الجهمية فإنهم من أشهر الطوائف بهذا الكلام المبني على هذه الطريقة طريقة الأعراض والجواهر ومذهب الجهمية الذي هو نفي الصفات إذ البدع المضافة إلى الأشعرية هي تعلما من أصولهم وبذلك نعتهم من نعتهم من أهل الحديث والفقهاء والصوفية والفلاسفة أيضا كما ذكره أبو نصر في رسالته إلى أهل زبيد قال ولقد حكى لي محمد بن عبدالله المالكي المغربي وكان فقيها صالحا عن الشيخ أبي سعيد البيرقي وهو من شيوخ فقهاء المالكيين ببرقة عن أستاذه خلف المعلم وكان من فقهاء المالكية أنه قال الأشعري أقام أربعين سنة على الاعتزال ثم أظهر التوبة فرجع عن الفروع وثبت على الأصول قال أبو نصر وهذا كلام خبير بمذهب الأشعري وعودته # قلت وسبب هذا مقدمات هذه الحجة ونحوها حيث لم يبطلها وأبو الحسن الأشعري يذكر أن المعتزلة مع الفلاسفة كذلك كما ذكره في كتاب المقالات فقال الحمد لله الذي نظرنا خطأ المخطئين وعمى العمين وحيرة الحائرين الذين نفوا صفات رب العالمين وقالوا إن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه لا صفات له وأنه لا علم له ولا قدرة ولا حياة له ولا سمع له ولا بصر له عزة له ولا جلالة له ولا عظمة له ولا كبرياء له وكذلك قالوا في سائر صفات الله تعالى التي وصف بها نفسه قال وهذا قول أخذوه عن إخوانهم من المتفلسفة الذين يزعمون أن للعالم صانعا لم يزل ليس بعالم ولا قادر ولا سميع ولا بصير ولا قديم وعبروا عنه بأن قالوا عين لم تزل ولم يزيدوا على ذلك غير أن هؤلاء الذين وصفنا قولهم من المعتزلة في الصفات لم يستطيعوا أن يظهروا من ذلك ما كانت الفلاسفة تظهره فأظهروا معناه بنفيهم أن يكون للباري علم وقدرة وحياة وسمع وبصر ولولا الخوف لأظهروا ما كانت الفلاسفة تظهره من ذلك ولأفصحوا به غير أن خوف السيف يمنعهم من إظهار ذلك وقد أفصح بذلك رجل يعرف بابن الأيادي

كان ينتحل قولهم فزعم أن الباري تعالى عالم قادر سميع بصير في المجاز لا في الحقيقة ومنهم رجل يعرف بعباد بن سليمان يزعم أن الباري ليس بعالم قادر سميع بصير حليم خليل في حقيقة القياس وكذلك ذكره في الإبانة # وأما الفرقة الرابعة وهي الباطنية فلم يذكر لهم مقالة بعضها يرد وذلك لأنه منهم فإنه يرى أن ظواهر الشريعة في وصف الله تعالى واليوم الآخر له باطن يخالف ظاهره وأن فرض الجمهور اعتقاد ظاهره ومن تأوله فقد كفر وفرض الذين سماهم أهل البرهان اعتقاد باطنه ووجوب تأويله ومن لم يتأوله فقد كفر لكن قد ذكر عن الصوفية أنهم يزعمون أن المعرفة بالله وبغيره من الموجودات شيء يلقى في النفس عند تجردها عن العوارض الشهوانية ولم يرض هذه الطريقة بل ذكر أن إماتة الشهوات شرط في صحة النظر لا أنها تفيد المعرفة بذاتها وقد ذكر مثل هذا عن طائفة من الصوفية أنهم يرون في المعاد رأي الفلاسفة المشائين فتكون الصوفية معدودين عنده من الباطنية وإن كان اسم الباطنية يتناولهم عنده ويتناول الفلاسفة المشائين # وحقيقة الأمر أن اسم الباطنية قد يقال في كلام الناس على صنفين أحدهما من يقول إن للكتاب والسنة باطنا يخالف ظاهرها فهؤلاء هم المشهورون عند الناس باسم الباطنية من القرامطة وسائر أنواع الملاحدة وهم الذين عناهم هذا الفيلسوف # وهؤلاء في الأصل قسمان قسم يرون ذلك في الأعمال الظاهرة حتى في الصلاة والصوم والحج والزكاة وتحريم المحرمات من الفواحش والظلم والشرك ونحو ذلك فيرون أن الخطاب المبين لوجوب هذه الواجبات

وتحريم المحرمات ليس هو على ظاهره المعروف عند الجمهور ولكن لذلك أسرار وبواطن يعرفونها كما يقولون الصلاة معرفة أسرارنا والصوم كتمان أسرارنا والحج الزيارة إلى شيوخنا المقدسين فهؤلاء زنادقة منافقون باتفاق سلف أئمة الإسلام ولا يخفى نفاقهم على من له بالإسلام أدنى معرفة ثم خواصهم لا يقولون برفع هذه الظواهر عن الجمهور بل يقولون برفعها عن الخاصة كما يقولون في الأمور العملية فإن من دفع أن يكون الخطاب العلمي مرادا به هذه الأعمال فهو للخطاب العملي أعظم دفعا وهذا الصنف يقع في القرامطة المظهرين للرفض ويقع في زنادقة الصوفية من الاتحادية الحلولية ويقع في غالية المتكلمة لكن هؤلاء قد يدعون تخصيص الخطاب العام الموجب للصلاة والزكاة والصيام والحج وإن كان ذلك كذبا معلوما بالاضطرار من دين الإسلام أنه باطل لا يدعون رفع حكم الخطاب مطلقا وأما عقلاء هذه الطائفة الباطنية مثل ابن رشد هذا وأمثاله فإنهم يقولون بالباطن المخالف للظاهر في العلميات وأما العمليات فيقرونها على ظاهرها وهذا قول عقلاء الفلاسفة المنتسبين إلى الإسلام مع أنهم في التزام الأعمال الشرعية مضطربون لما في قلوبهم من المرض والنفاق وتارة يرون سقوطها عنهم أو عن بعضهم دون العامة وابن سينا كان مضطربا في ذلك لكن له عهد قد التزم فيه موافقة الشريعة وهم في الجملة يرون موافقة الشريعة العملية أولى من مخالفتها وليس هذا موضع تفصيل مقالات الناس ولا يكاد تفصيل الباطل ينضبط # وأما القسم الثاني فالذين يتكلمون في الأمور الباطنة من الأعمال والعلوم لكن مع قولهم إنها توافق الظاهر ومع اتفاقهم على أن من ادعى باطنا يخالف الظاهر فهو منافق زنديق فهؤلاء هم المشهورون بالتصوف عند الأمة وهم في ما يتكلمون فيه من الأعمال الباطنة وعلم الباطن يستدلون على ذلك بالأدلة

الشرعية من الكتاب والسنة كما يستدل بذلك على الأعمال الظاهرة وذلك في علم الدين والإسلام كما للإنسان بدن وقلب وهؤلاء من أعظم الناس إنكارا على من يخالف الظاهر ممن فيه نوع تجهم دع الباطنية الدهرية وهم أشد إيمانا بما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم باطنا وظاهرا من غيرهم وأشد تعظيما للأعمال الظاهرة مع الباطنة من غيرهم # ولكن يوجد فيهم من جنس ما يوجد في بقية الطوائف من البدعة والنفاق مثل من قد يرى الاستغناء بالعمل الباطن عن الظاهر ومن يدعي أن للقرآن باطنا يخالف ظاهره ونحو ذلك من صنوف المنافقين والزنادقة فهؤلاء بالنسبة إلى الصوفية الذين هم مشائخ الطريقة الذين لهم في الأمة لسان صدق بالنسبة إلى المنافقين الزنلدقة ومن متكلمي الفلسفة ونحوهم موجودين في الفقهاء بالنسبة إلى الفقهاء الأئمة الذين لهم في الأمة لسان صدق فكما أن أولئك الأئمة الفقهاء برءاء من بدع أهل الكلام فضلا عن بدع الفلاسفة من الباطنية ونحوهم فكذلك المشائخ الصوفية برآء من بدع أهل التصوف فضلا عن من دخل فيهم من المتفلسفة وغيرهم فهذا أصل عظيم ينبغي معرفته # واعتبر ذلك بما ثبت مقبولا من أئمة المشائخ كالفضيل بن عياض وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرحي والسري السقطي والجنيد بن محمد وسهل ابن عبدالله التستري وعمرة وبن عثمان المكي وخلائق قبل هؤلاء من الصحابة

والتابعين ومن بعدهم من الذين ذكرهم أبو نعيم الأصبهاني في كتاب حلية الأولياء وذكرهم أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه صفوة الصفوة من المتقدمين والمتأخرين # فإن المصنفات في أخبار الزهاد ثلاثة أقسام # قسم جرد النقل لأخبار القرون المفضلة من الصحابة والتابعين ونحوهم كما ذكر ذلك الإمام أحمد رحمه الله في كتابه المشهور في الزهد فإنه صنفه على الأسماء وذكر فيه زهد الأنبياء والصحابة والتابعين وإن كان آخرون من المصنفين في الزهد كعبدالله بن المبارك وهناد بن السري صنفوا ذلك على الأبواب # وقسم ذكروا أخبار الزهاد المتأخرين من حين حدث اسم التصوف كما فعل أبو عبدالرحمن السلمي في كتابه في طبقات الصوفية وكما فعل أبو القاسم القشيري في رسالته وابن خميس في مناقب الأبرار ونحو هؤلاء

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:52 AM
# وقسم ذكروا المتقدمين والمتأخرين كما فعل الحافظ أبو نعيم الأصبهاني وأبو الفرج ابن الجوزي وغيرهما # وهؤلاء المشائخ الموجودون في هذه الكتب ليس فيهم من هو معروف بإعتقاد مذهب الباطنية المخالف للظاهر بل لهم من الكلام في نقيض ذلك بل في رد البدع الصغار وحفظ الشريعة باطنا وظاهرا من الكلام والقوة في ذلك والموالاة عليه والمعاداة عليه مالا يوجد كثير منه للكثير من أئمة الفقهاء وحذاق الشيوخ أكثر عناية بالرد على الجهمية من كثير من حذاق الفقهاء لا سيما الكاملين في التصوف منهم وهم أهل الحديث كما كانوا يوصون الإنسان أن يكتب الحديث وإن تصوف فإن هؤلاء من أعظم الناس رعاية لما جاءت به الشريعة من الأقوال والأعمال ومحافظة على ما دل عليه ظاهرها مع تحقيق باطنها فيجمعون بين الظاهر والباطن # وأما ما حكاه عنهم حيث قال وأما الصوفية فطرقهم في النظر ليست طريقة نظرية أعني من مقدمات وأقيسة وإنما يزعمون المعرفة بالله وبغيره من الموجودات بشيء يلقي في النفس عند تجريدها من العوارض الشهوانية وإقبالها بالقلوب على المطلوب # فيقال هذه الأشياء إنما أخذها هذا من كلام أبي حامد فإنه كثيرا ما يذكر في كتبه أن الطريق إلى المعرفة هي هذا وهو يذكر ذلك في الكتب التي يذكر فيها المشائخ الصوفية كالإحياء وغيره ويذكر بعض ما في

النصوص والآثار وكلام المشائخ الصوفية من الدلالة على تأثير العمل الصالح في حصول العلم فظن هذا وأمثاله أن هذا مذهب الصوفية كما حكاه وليس الأمر على ما قالوه بل مشائخ الصوفية الذين لهم في الأمة لسان صدق متفقون على وجوب تعلم العلم الشرعي وتدبر كتاب الله والنظر فيما ذكره فيه من الآيات والأمثال المضروبة ومتفقون أيضا على النظر والاعتبار بما في المخلوقات من الآيات بل هم أعظم تجردا لكثير من النظر والاعتبار في الآيات المسموعة والآيات المشهودة من كثير من أهل الكلام والفقه وحالهم في ذلك أشهر عند من يعرفه من أن يحتاج إلى بسط # وأما أنهم يقولون إن مجرد ترك الشهوات والتجرد المحض يوجب معرفة ما جاءت به الرسل من غير نظر في ذلك وتدبر فهذا ليس طريق القوم الذين لهم في الأمة لسان صدق ولهذا وصيتهم بالعلم الشرعي والمحافظة عليه في الأصول الخبرية وفي الأعمال أعظم من أن يذكر هنا نعم فيهم ممن قد تجرد لبعض العبادات كالذكر ويوصون بذلك في الابتداء ليصفى به القلب ويثبت على الإسمان وينقطع عن الالتفاف إلى غير الله فليس ذلك مجرد ترك الشهوات بل نفس الذكر لله تعالى والاستحضار هو الذي يرقي النفس ويصلح القلب وينوره ويقويه ويثبته وإنما ترك الشهوات معين على ذلك أو شرط فيه لا أنها هي كل الطريق إذ الأمور العدمية لا تحصل بنفسها أمورا وجودية ولكن قد تكون شرطا في الأمور الوجودية # وأيضا فهم وغيرهم من أهل الكلام والفقه والحديث يقولون إن المعارف التي يزعم النظار أنها لا تحصل إلا بالقياس قد تحصل بالفطرة البديهية الضرورية عند ترك النفس هواها وتوجهها إلى طلب الحق وهذا والله أعلم هو أصل المعنى الذي قال عنهم لأجله ما قال ولكن هذا ليس كلام الصوفية وحدهم بل حذاق

المتكلمين يوافقونهم على هذا حتى أبو عبدالله الرازي ونحوه فإنه قال في مسألة وجوب النظر لما ذكر أن المعرفة لا تحصل إلا بالنظر فطالب المعارض بالدليل فقال من جهة نفسه الطريق إلى تحصيل العلم بالأشياء إما الحس أو الخبر أو النظر والأولان لا يكونان طريقين فتعين النظر وقال من جهة المعترض لا نسلم أن طريق تحصيل هذه المعارف هذه الطرق الثلاث فما الدليل عليه ثم إنا نبين ها هنا طريقا آخر وهو تصفية النفس عن العلائق الجسدانية والهيئات البدنية فإنها متى خلت عن هذه الأمور حصلت لها عقائد يقينية وهذا هو طريق الصوفية وأصحاب الرياضة فإنهم جازمون بما هم عليه من العقائد في المعارف الإلهية وأما أصحاب النظر فقل ما يحصل لهم مثل هذا الجزم وإذا كان كذلك فالرياضة إن لم تتعين طريقا إلى معرفة الله تعالى فلا أقل من أن تكون من جملة الطرق المفيدة لمعرفة الله فإذا كان كذلك بطل ما ذكرتموه من الحجة وقال في جواب هذا قوله لم لا يجوز أن تكون التصفية طريقا إلى اكتساب المعارف قلنا العقائد الحاصلة عن التصفية إما أن تكون ضرورية فلا يخلو إما أن تكون تلك العقائد بحال يلزم من زوالها شيء من العلوم النظرية أو لا يلزم فان لزم فتلك العلوم إنما حصلت مرتبة على تلك العلوم الضرورية ولا معنى للعلم النظري إلا ذلك وإن لم يلزم فتلك العقائد ليست إلا عقائد تقليدية ولا عبرة حينئذ بذلك فإن أمثال تلك العقائد قد تحصل لأصحاب الرياضة من المبطلين نحو اليهود والنصارى والدهرية # قلت وقد رأيت بخط القاضي أبي البيان أحمد بن محمد بن خلف المقدسي حكاية مضمونها أن الشيخ أحمد الخيوقي المعروف بالكبدي أخبره أنه دخل

عليه إمامان من أئمة الكلام أحدهما أبو عبدالله الرازي والآخر من شيوخ المعتزلة الذين بتلك البلاد بلاد خراسان وخوارزم فقالا لي قال يا شيخ بلغنا أنك تعلم علم اليقين فقلت لهم نعم فقالا كيف تعلم علم اليقين ونحن نتناظر من وقت كذا إلى كذا كلما أقام دليلا أظنه قال على صحة الإسلام أفسدته وكلما أقمت دليلا أفسده وقمنا ولم يقدر واحد منا يقيم دليلا على الآخر فقال فقلت ما أدري ما تقولان أنا أعلم علم اليقين فقالا فصف لنا علم اليقين قال فقلت هو واردات ترد على النفوس تعجز النفوس عن ردها وهذا الجواب مناسب لما يعلمانه من حد العلم الضروري فإن العلم الضروري هو الذي يلزم نفس المخلوق لزوما لا يمكنه الانفكاك عنه فبين أن اليقين الذي يحصل لنا أمر نضطر إليه يرد على قلوبنا لا نقدر على دفعه قال فقالا له كيف الطريق إلى هذه الواردات فدلهما على طريقة وهي الإعراض عن الشواغل الدنيوية والإقبال على ما يؤمر به من العبادات والزهد قال فقال الرازي أنا لا يمكنني هذا فإن لي تعلقات كثيرة وأما المعتزلي فقال أنا محتاج إلى هذه الواردات فقد أحرقت الشبهات قلبي فأخبره الشيخ بما يعمله من الذكر والخلوة فتعبد مدة فلما خرج من الخلوة قال يا سيدي والله ما الحق إلا ما يقوله هؤلاء المشبهة هذا معنى الحكاية أو نحو ذلك وذلك أن المعتزلة يسمون من أثبت الصفات مشبها وكان يعتقد النفي لا يرى أن الخالق يتوجه إليه القلب إلى جهة فوق ولا نحو ذلك فلما خلا قلبه من تلك العقائد والأهواء التي هي ^ الظن وما تهوى الأنفس ^ حصل له بالفطرة علوم ضرورية توافق قول المثبتة # ومع هذا فالمشائخ الصوفية العارفون متفقون على أن ما يحصل بالزهد والعبادة والرياضة والتصفية والخلوة وغير ذلك من المعارف متى خالف الكتاب والسنة أو خالف العقل الصريح فهو باطل ومن زعم من المنتسبين إليهم أنهم يجدون

في الكشف ما يناقض صريح العقل أو أن أحدهم يرد عليه أمر يخالف الكتاب والسنة بحيث يكون خارجا عن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وأمره أو أنه يحصل له علم مفصل بجميع ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم وأمر به فهو عندهم ضال مبطل بل زنديق منافق لا يجوزون قط طريقا يستغنى به عن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يخبر به الرسول ويأمر به فضلا عن أن يسوغ له مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم في أمره وخبره وقد بسطنا هذا في غير هذا الموضع ولو جاز ذلك لأحد لكان مثل الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يكن محتاجا إلى متابعته في خبره وأمره وهذه حال الذين ^ إذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله ^ وقال تعالى ^ أيطمع كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ^ # ولكن هؤلاء الضالون المنافقون منهم المسوغون للاستغناء عن الرسول بكشفهم أو مشاهدتهم أو لمخالفته بخاصة انفردوا بها عن جميع المؤمنين هم في ذلك بمنزلة كثير من أهل الكلام الظانين أنهم يصلون بالأدلة العقلية إلى ما يستغنون به عن الرسول وأنهم يدركون بمقاييسهم العقلية نقيض ما أخبر به الرسول وهذه الزندقة والنفاق في الطائفتين هي من حال المتفلسفة والباطنية ونحو هذه الأصناف المعروفين بالنفاق # وأما قوله ومن هذه الجهة دعا الشرع إلى هذه الطريقة وحث عليها في جملة ما حث أعني على العمل لا أنها كافية بنفسها كما ظن القوم بل إن كانت نافعة في النظرية فعلى الوجه الذي قلنا

# فيقال الشارع لم يأمر بالأعمال لمجرد كونها معينة للنظر على حصول العلم بل هذا إنما يظنه هؤلاء المتفلسفة ونحوهم من المبطلين الذين يظنون أن غاية الكمال الإنساني المطلوب هو أن يكون الإنسان عالما وهذا في الجهل كما قد بسطناه في غير هذا الموضع بل مقدمهم الجهم بن صفوان لما ادعى أن المعرفة في القلوب تنفع وإن لم يكن معها عمل أطلق غير واحد من الأئمة كوكيع بن الجراح وغيره تكفير من يقول ذلك فكيف بمن يقول إنها المقصودة فقط وما سواها وسيلة هذا لعمري لو كان مقصودهم المعرفة التي دلت عليها الرسل فكيف وهم يعنون بالمعرفة عقائد أكثرها باطلة مناقضة للشرع والعقل بل كل واحد من علم القلب وعمله الذي أصله محبة القلب هو أمر مأمور به مقصود للشارع فالعلم بمنزلة السبب والأصل يوجب المحبة والإرادة وطلب المحبوب المعبود ثم كلما ازداد العبد معرفة ازداد محبة وكلما ازداد محبة ازداد عبادة والمطلوب المقصود الذي هو الغاية هو الله سبحانه وأن يكون العبد عابدا له قال تعالى ^ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ^ وليست عبادته مجرد الأعمال البدنية بل أصل العبادة معرفته وكمال محبته وكمال تعظيمه وهذه الأمور تصحبه في الدار الآخرة فكل من النظر والعمل مأمور به مقصود للشارع وكل منهما معين للآخر وشرط في حصول المقصود بالآخر فإن الناظر مع سوء قصده وهواه لا يحصل له المطلوب لا من العلم ولا من العمل والعابد مع فساد نظره لا يحصل له المقصود لا من العلم ولا من العمل بل كلاهما واجب لنفسه وشرط للآخر فلا بد من سلوك الطريقين معا ليس ذلك في وقت واحد ولا بد أن يكون ذلك جميعه موافقا لما أخبر به الرسول ولما أمر به فإذا حصل هذا وهذا كان العبد من الذين هم على هدى من ربهم الذين هم

المفلحون وإلا كان من المغضوب عليهم أو الضالين مثل من اقتصر على النظر دون العمل أو على العمل دون النظر أو جمعهما وأعرض عن كون نظره وعمله على الوجه المشروع المأمور به فكيف بمن كان له نظر مجرد غير شرعي كحال كثير من المتفلسفة والمتصوفة فهذا هذا والله أعلم # ولا ريب أن من أشهر مشائخ الصوفية وأعظمهم عندهم وعند العامة في عصر أبي المعالي الجويني هو شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري وأحوالهم سعد بن علي الزنجاني وأمثالهما فالينظر ما ذكر هؤلاء في مصنفاتهم ولهذا كانت هذه الحجة التي جعلها المتكلمون الجهمية الدين وهي حجة الأعراض مستلزمة في الحقيقة لحدوث الرب وتعطيله سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا وكان في المعتزلة أخذها من أخذها من الأشعرية وكان بينها وبين مذهب الدهرية من الملازمة ما تؤل إليه كما نبهنا عليه تكلم الناس بذلك حتى قال شيخ الإسلام أبو إسماعيل عبدالله بن محمد الأنصاري في كتابه المشهور في ذم الكلام وأهله ولما نظر المبرزون من علماء الأمة وأهل الفهم من أهل السنة طوايا كلام الجهمية وما ادعته من أمور الفلاسفة ولم يقف فيها

إلا على التعطيل البحت وإن قطب مذهبهم ومنتهى عقدتهم ما صرحت به رؤوس الزنادقة قبلهم إن الفلك دوار والسماء خالية وأن قولهم إنه تعالى في كل موضع وفي كل شيء ما استثنوا جوف كلب ولا جوف خنزير ولا حشا فرارا من الإثبات وذهابا عن التحقيق فإن قولهم سميع بلا سمع بصير بلا بصر عليم بلا علم قادر بلا قدرة إله بلا نفس ولا شخص ولا صورة ثم قالوا لا صورة له ثم قالوا لا شيء فإنه لو كان شيئا لا أشبه الأشياء حاولوا حول مقال رؤوس الزنادقة القدماء إذ قالوا الباري لا صفة ولا لا صفة خفوا على قلوب ضعفى المسلمين وأهل الغفلة وقلة الفهم منهم إذ كان ظاهر تعلقهم القرآن وإن كان اعتصاما به من السيف واجتنابا به منهم وإذ هم يوردون التوحيد ويخادعون المسلمين ويحملون الطيالسة فافتضحوا بمعايبهم وصاحوا بسوء ضمائرهم ونادوا على خبايا نكتهم فيا طول ما لقوا في أيامهم من سيوف الخلفاء وألسن العلماء وهجران الدهماء فقد شحنت كتاب تكفير الجهمية من مقالات علماء المسلمين فيهم ودأب الخلفاء فيهم ودق عامة أهل السنة عليهم وإجماع المسلمين على إخراجهم من الملة فعلت عليهم الوحشة وطالت عليهم الذلة وأعيتهم الحيلة إلا أن يظهروا الخلاف لأوليهم والرد عليهم ويصبغوا كلامهم صبغا تكون ألوح للأفهام وأنجع في العوام من أساس أوليهم تحدوا بذلك المساغ ليتخلصوا من خزي الشناعة فجاءت بمخاريق ترائا للعين بغير ما في الحشايا ينظر الناظر الفهم في جذرها فيرى مخ الفلسفة يكسى لحاء السنة وعقد الجهمية تنحل ألقاب الحكمة

يردون على اليهود قولهم ^ يد الله مغلولة ^ فينكرون الغل وينكرون اليد فيكونون أسوء حالا من اليهود لأن الله تعالى أثبت الصفة ونفى النعت واليهود أثبتت الصفة والنعت وهؤلاء نفوا الصفة كما نفوا النعت # ويردون على النصارى في مقالهم في عيسى وأمه فيقولون لا يكون في المخلوق إلا المخلوق فيبطلون القرآن فلا يخفى على ذوي الألباب أن كلام أولهم وكلام آخرهم كخيط السبحانة فاسمعوا الآن يا ذوي الألباب وانظروا ما فضل هؤلاء على أولئك قالوا قبح الله مقالتهم أن الله موجود بكل مكان وهؤلاء يقولون ليس هو في مكان ولا يوصف بأين وقد قال المبلغ عن الله لجارية معاوية ابن الحكم رضي الله عنه أين الله وقالوا هو من فوق كما هو من تحت لا يدرى أين هو ولا يوصف بمكان وليس هو في السماء وليس هو في الأرض وأنكروا الجهة والحيز وقال أولئك ليس له كلام إنما خلق كلاما وهؤلاء يقولون تكلم مرة فهو متكلم به منذ تكلم لم ينقطع الكلام ولا يوجد كلامه في موضع ليس هو به ثم يقولون ليس هو في مكان # ثم قالوا ليس له صوت ولا حرف وقالوا هذا ثاج وورق وهذا صوف وخشب وهذا إنما قصد به النفس وأريد به النفس وهذا صوت القاري أما ترى منه حسا وغير حس وهذا لفظه أو ما نراه مجازا به حتى قال رأس رؤوسهم أو يكون قرانا من لبد وقال آخر من خشب فراوغوا فقالوا هذا حكاية عبر بها عن القرآن والله تعالى تكلم مرة ولا يتكلم بعد ذلك ثم قالوا غير مخلوق

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:53 AM
ومن قال مخلوق كافر وهذا من فخوخهم يصطادون به قلوب عوام أهل السنة وإنما اعتقادهم القرآن غير موجود لفظية الجهمية الذكور بمرة والأشعرية الإناث بعشرة مرات # وأولئك قالوا لا صفة وهؤلاء يقولون وجه يقال وجه النهار ووجه الأمر ووجه الحديث وعين لعين المتاع وسمع كأذن الجدار وبصر كما يقال جداراهما يتراءيان ويد ليد المنة والعطية والأصابع كما يقال خراسان هي أصبعي الأمير والقدمين كقولهم جعلت الخصومة تحت قدمي والقبضة كما قيل فلان في قبضتي أنا مالك أمره وقال الكرسي القلم والعرش الملك والضحك الرضا والاستواء الاستيلاء والنزول القرب والهرولة مثله فشبهوا من وجه وأنكروا من وجه وخالفوا السلف وتعدوا الظاهر وردوا الأصل ولم يثبتوا شيئا ولم يبقوا موجودا # ولم يفرقوا بين التفسير والعبارة بالألسنة فقالوا لا نفسرها نجريها عربية كما وردت وقد تأولوا تلك التأويلات الخبيثة أرادوا بهذه المخرقة أن يكون عوام المسلمين أبعد عيابا عنها وأعيا ذهابا منها ليكونوا أوحش عند ذكرها وأشمش عند سماعها وكذبوا بل التفسير أن يقال وجه ثم لا يقال كيف وليس كيف في هذا الباب من مقال المسلمين فأما العبارة فقد قال الله ^ وقالت اليهود يد الله مغلولة ^ وإنما قالوها بالعبرانية وكان يكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبا بالعربية فيها أسماء الله وصفاته فيعبر بالألسنة عنها ويكتب إليه بالسريانية فيعبره له زيد بن ثابت رضي الله عنه بالعربية والله تعالى يدعي بكل لسان باسمه فيجيب ويحلف بها فيلزم وينشد فيجاز ويوصف فيعرف

# ثم قالوا ليس ذات الرسول بحجة وقالوا ما هو بعد ما مات بمبلغ فلا تلزم به الحجة فسقط من أقاويلهم على ثلاثة أشياء أنه ليس في السماء رب ولا في الروضة رسول ولا في الأرض كتاب كما سمعت يحيى بن عمار رحمه الله يحكم به عليهم وإن كانوا موهوها ووروا عنها أو استوحشوا من تصريحها فإن حقائقها لازمة لهم وأبطلوا التقليد فكفروا آباءهم وأمهاتهم وأزواجهم وعوام المسلمين وأوجبوا النظر في الكلام واضطروا إليه الدين بزعمهم فكفروا السلف وسموا الأثبات تشبيها فعابوا القرآن وضللوا الرسول صلى الله عليه وسلم فلا تكاد ترى منهم رجلا ورعا ولا للشريعة معظما ولا للقرآن محترما ولا للحديث موقرا سلبوا التقوى ورقة القلب وبركة التعبد ووقار الخشوع واستفضلوا الرسول بالنظر فلا هو طالب ثاره ولا متتبع أخباره ولا متأصل عن سنته ولا هو راغب في أسوته يتقلد مرتبة العلم وما عرف حديثا واحدا تراه يهزأ بالدين ويضرب له الأمثال ويلعب بأهل السنة ويخرجهم أصلا من العلم لا تنفذلهم عن بطانة إلا خانتك ولا عن عقيدة إلا رابتك لبسوا ظلة الهوى وسلبوا هيبة الهدى فتنبو عنهم الأعين وتشمئز منهم القلوب # وقد ذكر قبل ذلك باب تعظيم من سن سنة سيئة أو دعا إليها وذكر الأحاديث في هذا الباب ثم ذكر حديثا رواه من حديث عثمان بن سعيد حدثنا يحيى بن الحماني حدثنا ابن المبارك عن حيوة بن شريح حدثني أبو صخر حميد بن زياد أن نافعا أخبره عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سيكون في أمتى مسخ وذلك في قدرية وزندقية قال فلم يكن بد أن

يكون ما قال هو كائن كائنا فلم يظهر شيء من ذلك حتى قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه ظلما وهي إحدى مصيبتي هذه الأمة اللتين لا ثالث لهما توازنهما التي ثانيتها فتنة الدجال بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي في الحديث أنه من نجا من ثلاث موتي وقتل خليفة مضطهد بغير حق والدجال فلما قتل ذو النورين كرم الله وجهه ورضي عنه بين ظهراني المسلمين في الشهر الحرام وفي حرم الرسول عليه السلام بأعين المسلمين وانشقت العصا وتفرقت الجماعة تشامست الأعين وتجادلت الأنفس واختلفت الآراء وتباعدت القلوب وساءت الظنون واشتعلت الريب واستقرت التهم وجدت كل فتنة فرصتها فلفضت غصتها واشتغل الرعآء وأسلم النشا وتزاحف أئمة الهدى رغبة في زهرة الدنيا فأخذت الغواة أزمة الضلالة فتهوشت لها قلوب أهل الغفلة ممن أظهر في المسلمين من زيغ الدين الكلام في التوحيد تكلفا وهي الزندقة الأولى وهي ثلاث قواعد نجم بعضها على إثر بعض الأولى منها القول بالقدر وهي فتنة البصرة ثم نصب السلف وهي فتنة الكوفة ثم إنكار الكلام لله وهي فتنة المشرق # وأما فتنة القدر فأول من تكلم بها معبد الجهني رجل من البصرة وكان عنده حظ من العلم يقال له معبد بن خالد ويقال معبد بن عبدالله ابن عويمر مات بعد الهزيمة وكان يومئذ مع الأشعث وأصابته جراحة وهو أول من تكلم بالقدر وهو الذي تبرأ منه عبدالله بن عمر بن الخطاب فتكلم عليه عمرو بن عبيد وجادل به غيلان وغيلان هو ابن أبي غيلان

أبو مروان من موالي عثمان بن عفان وكان عنده حظ من العلم تكلم به أمام عبدالملك بن مروان واستتابه عمر بن عبدالعزيز ثم ظهر منه تكذيب التوبة وصلب على باب الشام بأخزى حالة لقيها بشر قصته قد تقصيتها في كتاب تكفير الجهمية # وأما عمرو بن عبيد وهو عمرو بن عبيد بن كيسان بن ثابت مولى بني تيم البصري مات سنة ثلاث وأربعين ومائة ومات في طريق مكة فإنه أول من بسط لسانه وأصبح رأسه ونظم له كلاما ونصبه إماما ودعا إليه ودل عليه فصار مذهبا يسلك وهو امام الكلام وداعية الزندقة الأول ورأس المعتزلة سمي به لاعتزال حلقة الحسن البصري وهو الذي لعنه إمام أهل الأثر مالك بن أنس الأصبحي وإمام أهل الرأي النعمان بن ثابت الكوفي أبو حنيفة وحذر منه إمام أهل المشرق عبدالله بن المبارك الحنظلي وقد قدمنا أسانيد تلك الأقوال فسلط الله عليه وعلى من استتبع واخترع سيفا من سيوف الإسلام وهو أبو بكر أيوب بن أبي تميمة السختياني واسم أبيه كيسان من أهل البصرة فهتك أستاره وأظهر عواره ووسمه باللعنة وألحق به بلاء تلك الفتنة وهو الذي يقول قتيبة بن سعيد إذا رأيت الرجل من أهل البصرة يحب أيوب فاعلم أنه على الطريق وقال رجل لأحمد بن حنبل من السني قال من أين أنت قال من أهل البصرة قال أتحب أيوب السختياني قال نعم قال سني قلت هذه قصة أهل البصرة # وأما قصة غيلان فظهرت بليته بالشام وافتتن بها ثور بن يزيد ومكحول الفقيه وجماعة من أهل العلم بتلك الناحية فسلط الله عز وجل عليهم ريحانة أهل الشام أبا عمرو عبدالرحمن بن عمر بن محمد الأوزاعي فلحظهم

بالصغار ووضعهم من المقدار وبسط عليهم لسانا أعطي بيانا وظن عليهم ببشارة الوجه وطلاقة اللقاء حتى ذل به الأعزة في سبيل الضلالة وعز به الأذلة في سبيل السنة بحمد الله رب العالمين ومنه # وأما فتنة نصب السلف فإن الكوفة دارها التي خرجتها ثم طار في الآفاق شررها واستطار فيها ضررها وإنما هاجتها أحلام فيها ضيق وأشربتها قلوب فيها حمق ولها عروق خفية السلامة للقلوب في ترك إظهار بعضها وأربابها أحمق خلق الله تعالى عرضت تساوي بين علي بن أبي طالب وبين أبي بكر وعمر ثم أخذت تفضله عليهما ثم جعلت توليه عليهما وتخاصمهما له وتظلمهما وتوليه حقهما بالقياس العقلي ترفعه ببنت الرسول صلى الله عليه وسلم وسبت الكهول رضي الله عنهما ثم جاءت تعذله بالمصطفى صلى الله عليه وسلم وتشركه في وحي السماء ثم خطاب جبريل في نزوله فخلت الأمة من النبوة وأحوجتها إلى علي رضي الله عنه ثم ادعت الألوهية ثم ادعتها لولده قال الإمام الشعبي لو كانوا دوابا لكانوا حمرا ولو كانوا طيرا لكانوا رخما فاستظهرت بهؤلاء الغالية أرباب القلوب المريضة فتظاهرت على نصب السلف الصالح الذين هم الناقلون وفيهم قانون الدين وديوان الملة فترى أمثلهم طريقة وأصوبهم وثيقة من يتستر بفضائل علي رضي الله عنه ويربأ به عن منزله الذي أنزله الله تعالى من الشرف ثم روى من طريق أبي العباس بن عقدة حدثني عبدالله بن أحمد بن حنبل قال قرأت على أبي حدثنا أبو الحباب عن عبدالأعلى هو ابن عامر الثعلبي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لا تصلح الصلاة إلا على النبي صلى الله عليه وسلم فلما تعاون أولئك الغواة بتك الضلالة وتعاونت عليها قيض الله لها إماما جعله حساما وهو أبو محمد عبدالله بن إدريس الأودي فصرح

بقدحهم ودفع في نحرهم فنادى على خباياهم وأودى عن خفاياهم فلم تكابد الأمة من شؤم شيء ما كابدت من شؤم تلك الفتنة لم يكد قلب مسلم يسلم شوب منها إلا من رحم ربك فعصم # وأما فتنة إنكار الكلام لله عز وجل فأول من بدعها جعد بن درهم فلما ظهر جعد قال الزهري وهو أستاذ أئمة الإسلام حينئذ ليس الجعدي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورواه بإسناده من طريق ابن أبي حاتم فأخذ منه جهم بن صفوان هذا الكلام فبسطه وطراه ودعا إليه فصار به مذهبا لم يزل هو يدعو إليه الرجال وامرأته زهرة تدعو إليه النساء حتى استهويا خلقا من خلق الله كثيرا فأما الجعد فكان جذري الأصل فيما أخبرنا وأسنده عن قتيبة بن سعيد ولكن جهم بسط ذلك المذهب وتكلم فيه وهو صاحب ذلك المذهب الخبيث وكانوا حذروه فيما أخبرناه وأسند ذلك من طريق ابن أبي حاتم إلى مقاتل بن حيان قال دخلت على عمر بن عبدالعزيز فقال من أين أنت قلت من أهل بلخ قال كم بينك وبين النهر قلت كذا فرسخا قال هل ظهر من وراء النهر رجل يقال له جهم قلت لا قال سيظهر من وراء النهر رجل يقال له جهم يهلك خلقا من هذه الأمة يدخله الله وإياهم النار مع الداخلين فأما الجعد بن درهم فضحى به خالد بن عبدالله القسري على رؤوس الخلائق وماله يومئذ نكير وذلك سنة نيف وعشرين ومائة وأما الجهم وكان بمرو فكتب هشام بن عبدالملك إلى واليه على خراسان نصر بن سيار يأمره بقتله فكتب إلى سلم بن أحوز وكان على مرو فضرب عنقه بين نظارة أهل العلم وهم يحمدون ذلك فهذه قصة فتنة أهل المشرق بها بسطت ومهدت ثم سارت في البلاد فقام

لها ابن أبي داود وبشر بن غياث فملآ الدنيا محنة والقلوب فتنة دهرا طويلا فسلط الله تعالى عليهم علما من أعلام الدين أوتي صبرا في قوة اليقين أبا عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني فشد المئزر وأبى الفتنة وجاد بالدنيا وظن بالدين وأعرض عن الغضاضة على طيب العيش ولم يبال في الله حقه الأقران ونسي قلة الأعوان حتى هد ما شدوا وقد ما مدوا # فأما قول الطائفة التي قالت بالقدر فأرادت منازعته في الربوبية أو وقعت فيها فضاهت المجوس الأولى فهم الزنادقة التي كانت تشوش على الأولين دينهم ولعنهم الله تعالى على لسان سبعين نبيا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا آخرهم # وأما الذين قالوا في السلف الصالح بالقول السيء فأرادت القدح في الناقل لأن القدح في الناقل إبطال للمنقول فأرادوا إبطال الشرع الذي نقلوا وإنما تعلقوا بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه تسلحا وروى عن أبي ربيع الزهراني قال كان من هؤلاء الجهمية عندنا رجل كان يظهر من ذاته الترفض وانتحال حب علي رضي الله عنه فقال له رجل ممن يخالطه ويعرف مذهبه قد علمت أنكم لا ترجعون إلى دين الإسلام ولا تعتقدونه فما الذي حدا بكم على الترفض وحب علي قال إذا أصدقك إن أظهرنا الذي نعتقده رمينا بالكفر والزندقة وقد وجدنا أقواما ينتحلون حب علي ويظهرونه ويقعون بمن شاوا فنسبوا بذلك إلى الرفض والتشيع ويقعون ما شاوا ويقولون ما شاوا وقد حبس الخليفة رجلا في الزندقة فدخل عليه رجل فقال له قد كنا نعرفك بسبب الصحابة والرفض

فما خرج بك إلى الزندقة فقال ما بلغماي أو ما جنى علي أبو بكر وعمر لولا بغض صاحبهما قال وقد صدق ما رأيت من رجل يزن بشيء من الرفض إلا كانت تخرج من فيه أشياء لا تشبه كلام المسلمين # وأما الذين قالوا بإنكار كلام الله عز وجل فأرادوا إبطال الكل لأن الله تعالى إذا لم يكن على زعمهم الكاذب متكلما بطل الوحي وارتفع مر والنهي وذهبت الملة عن أن تكون سمعت فلا يكون جبريل عليه السلام سمع ما بلغ ولا الرسول صلى الله عليه وسلم أخذها بعد فيبطل التكلم والسمع والتقليد وتبقى العقول الذي به قاموا وهذا قول عثمان بن سعيد أن جهما إنما بنى زندقته على نفي الكلام لله عز وجل فهذه القواعد الثلاث أبنية الزندقة الأولى وهم الزنادقة الذكور كما سمعت يحيى بن عمار يقوله وروى بإسناده عن زر بن صالح السدوسي قال قلت لجهم بن صفوان هل نطق الرب قال لا قلت فينطق قال لا قلت فمن يقول ^ لمن الملك اليوم ^ ومن يرد عليه ^ لله الواحد القهار ^ فقال لا أدري زادوا في القرآن ونقصوا # ثم قال باب في كلام الأشعري وذكر ما قدمناه عنه وذكر قبل هذا قال سمعت عدنان بن عبدة النميري يقول سمعت أبا عمر البسطامي كان أبو الحسن الأشعري أولا ينتحل الاعتزال ثم رجع فتكلم عليهم وإنما مذهبه التعطيل إلا أنه رجع من التصريح إلى التمويه وقال سمعت أحمد بن أبي نصر يقول رأينا محمد بن الحسين السلمي يلعن الكلابية قال وسمعت عبدالرحمن بن محمد بن الحسن يقول وجدت أبا حامد الإسفرائيني وأبا الطيب الصعلوكي

وأبا بكر القفال المروزي وأبا منصور الحاكم على الإنكار على الكلام وأهله قال وسمعت عبدالواحد بن ياسين المؤدب أبا جعفر يقول رأيت بابين قلعا من مدرسة أبي الطيب بأمره في شيء شائن حضر أبا بكر بن فورك
فصل # وأصل هؤلاء المتكلمين من الجهمية المعتزلة ومن وافقهم الذي بنوا عليه هذا هو مسألة الجوهر الفرد فإنهم ظنوا أن القول بإثبات الصانع وبأنه خلق السموات والأرض وبأنه يقيم القيامة ويبعث الناس من القبور لا يتم إلا بإثبات الجوهر الفرد فجعلوه أصلا للإيمان بالله واليوم الآخر أما جمهور المعتزلة ومن وافقهم كأبي المعالي وذويه فيجعلون الإيمان بالله تعالى لا يحصل إلا بذلك وكذلك الإيمان باليوم الآخر إذ كانوا يقولون لا يعرف ذلك إلا بمعرفة حدوث العالم ولا يعرف حدوثه إلا بطريقة الأعراض وطريقة الأعراض مبنية على أن الأجسام لا تخلو منها وهذا لم يمكنهم أن يثبتوه إلا بالأكوان التي هي الاجتماع والافتراق والحركة والسكون فعلى هذه الطريقة اعتمد أولوهم وآخروهم حتى القائلين بأن الجواهر لا تخلو عن كل جنس من أجناس الأعراض وعن جميع أضداده إن كان له أضداد وإن كان له ضد واحد لم يخل الجوهر عن أحد الضدين وإن قدر عرض لا جنس له لم يخل الجوهر عن قبول واحد من جنسه إذا لم يمنع مانع من قبوله فإن هذا أبلغ الأقوال وهو قول الأشعري ومن وافقه كالقاضي أبي بكر والقاضي أبي يعلى وأبي المعالي الجويني وأبي الحسن بن الزاغوني وغيرهم فإنه لم يمكنهم أن

يثبتوا أن الجسم لا يخلو من الأعراض إلا بالأكوان ثم عند التحقيق لم يمكنهم أن يثبتوا ذلك إلا بالاجتماع والافتراق فإن منهم من يقول السكون أمر عدمي ومنهم من يقول الكون الذي هو الحركة والسكون إنما يلزم إذا كان الجسم في مكان فأما إذا لم يكن في مكان فيجوز خلوه عن الحركة والسكون كما يقوله طوائف كالذين قالوا ذلك من الكرامية فآل الأمر بهذه الطريقة إلى الاجتماع والافتراق وعلى ذلك اعتمد أبو المعالي ومعلوم أن قبول الاجتماع والافتراق لم يمكنهم حتى يثبتوا أن الجسم يقبل الاجتماع والافتراق وذلك مبني على أنه مركب من الأجزاء التي هي الجواهر المنفردة فصار الإقرار بالصانع مبنيا عند هؤلاء المتكلمين على إثبات الجوهر الفرد # ثم الذين ذكروا أن لهم طريقا إلى إثبات الصانع غير هذه كأبي عبدالله الرازي وغيره وهو الذي عليه أبو الحسن الأشعري وغيره من الحذاق قال من قال من هؤلاء إن إثبات المعاد موقوف على ثبوت الجوهر الفرد وهذا قول أبي عبدالله الرازي وغيره وهو مخلص من جعله الأصل في الإيمان بالله فجعله هو الأصل في الإيمان بالمعاد مع كونه يجعله أصلا في نفي الصفات التي ينكرها كما سيأتي بيانه قال في أكبر كتبه الكلامية الذي سماه نهاية العقول في الأصل السابع عشر # اعلم أن معظم الكلام في المعاد إنما يكون مع الفلاسفة

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:54 AM
ولهم أصول يفرعون شبههم عليها فيجب علينا إيراد تلك الأصول أولا ثم الخوض بعدها في المقصود فلا جرم رتبنا الكلام في هذا الأصل على أقسام ثلاثة القسم الأول في المقدمات وفيه ثمان مسائل المسألة الأولى في الجزء الذي لا يتجزأ لا شك في أن الأجسام التي شاهدناها قابلة للانقسامات والانقسامات التي يمكن

حصولها فيها إما أن تكون متناهية أولا تكون فيخرج من هذا القسم أقسام أربعة أولها أن تكون الانقسامات حاصلة وتكون متناهية وثانيها أن تكون حاصلة وتكون غير متناهية وثالثها ألا تكون حاصلة ولكن ما يمكن حصوله منها تكون متناهية ورابعها أن تكون حاصلة ولكن ما يمكن حصوله منها تكون غير متناهية والأول مذهب جمهور المتكلمين والثاني هو مذهب النظام والثالث هو مذهب بعض المتأخرين والرابع هو مذهب الفلاسفة فتخلص من هذا أن الخلاف بيننا وبين الفلاسفة في هذه المسألة يقع في مقامين أحدهما أن الجسم مع كونه قابلا للانقسام هل يعقل أن يكون واحدا ثانيهما أنه بتقدير أن يكون واحدا هل يعقل أن يكون قابلا للانقسامات غير المتناهية # وأعجب من هذا أنهم يجعلون إثبات الجوهر الفرد دين المسلمين حتى يعد منكره خارجا عن الدين كما قال أبو المعالي وذووه اتفق المسلمون على أن الأجسام تتناهى في تجزيها وانقسامها حتى تصير أفرادا وكل جزء لا يتجزأ ولا ينقسم وليس له طرف واحد وجزء شائع ولا يتميز وإلى هذا صار المتعمقون في الهندسة وعبروا عن الجزء النقطة فقالوا النقطة شيء لا ينقسم وصار الأكثرون من الفلاسفة إلى أن الأجسام لا تتناهى في تجزيها وانقسامها وإلى هذا صار النظام من أهل الملة ثم اعترفوا بأنه تنتهي قسمتها بالفعل ولا تنتهي قسمتها بالقوة ويعنون بالقوة صلاحية الجزء للانقسام # والعجب أنهم اتفقوا على أن الأجرام متناهية الحدود والأقطار منقطعة الأطراف والأكتاف وكذلك على كل جملة ذات مساحة فإن لها غايات ومنقطعات بالجهات ثم قضوا بأنها تنقسم أجزاء بلا نهاية والجملة المحدودة كيف تنقسم أجزاءا لا تتناهى ولا يحاط بها

# قلت والكلام في ذلك من وجهين # أحدهما أنا نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن الرسول والصحابة والتابعين وأئمة المسلمين لم يبنوا شيئا من أمر الدين على ثبوت الجوهر الفرد ولا انتفائه وليس المراد بذلك أنهم لم ينطقوا بهذا اللفظ فإنه قد تجدد بعدهم ألفاظ اصطلاحية يعبر بها عما دل عليه كلامهم في الجملة وذلك بمنزلة تنوع اللغات وتركيب الألفاظ المفردات وإنما المقصود أن المعنى الذي يقصده المثبتة والنفاة بلفظ الجوهر الفرد لم يبن عليها أحد من سلف الأمة وأئمتها مسألة واحدة من مسائل الدين ولا ربطوا بذلك حكما علميا ولا عمليا فدعوى المدعى انبناء أصل الإيمان بالله واليوم الآخر على ذلك يضاهي دعوى المدعي أنما بينوه من الإيمان بالله واليوم الآخر ليس هو على ما بينوه بل إما أنهم ما كانوا يعلمون الحق أو يجوزوا الكذب في هذا الباب لمصلحة الجمهور كما يقول نحو ذلك من يقوله من المنافقين من المتفلسفة والقرامطة ونحوهم من الباطنية فإنهم إذا أثبتوا من أصول الدين ما يعلم بالاضطرار أنه ليس من أصول الدين لزم قطعا تغيير الدين وتبديله وبهذا زاد أهل هذا الفن في الدين ونقصوا منه علما وعملا وإذا كان كذلك لم يكن الخوض في هذه المسألة مما يبنى الدين عليه بل مسألة من مسائل الأمور الطبيعية كالقول في غيرها من أحكام الأجسام الكلية # وأيضا فإنه أطبق أئمة الإسلام على ذم من بنى دينه على الكلام في الجواهر والأعراض ثم هؤلاء الذين ادعوا توقف الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر على ثبوته قد شكوا فيه وقد نفوه في آخر عمرهم كإمام المتأخرين من المعتزلة أبي الحسين البصري وإمام المتأخرين من الأشعرية أبي المعالي الجويني وإمام المتأخرين من الفلاسفة والمتكلمين أبي عبدالله الرازي فإنه في كتابه بعد أن بين توقف المعاد على ثبوته وذكر ذلك غير مرة في أثناء مناظرته للفلاسفة قال في المسألة

لما أورد حجج نفاة الجوهر الفرد فقال وأما المعارضات التي ذكروها واعلم أنا نميل إلى التوقف في هذه المسألة بسبب تعارض الأدلة فإن إمام الحرمين صرح في كتاب التلخيص في أصول الفقه أن هذه المسألة من محارات العقول وأبو الحسين البصري هو أحذق المعتزلة توقف فيها فنحن أيضا نختار التوقف فأي ضلال في الدين وخذلان له أعظم من مثل هذا # الوجه الثاني دعواهم أن هذا قول المسلمين أو قول جمهور متكلمي المسلمين ومن المعلوم أن هذا إنما قاله أبو الهذيل العلاف ومن اتبعه من متكلمي المعتزلة والذين أخذوا ذلك عنهم # وقد نفى الجوهر الفرد من أئمة المتكلمين من ليسوا دون من أثبته بل الأئمة فيهم أكثر من الأئمة في أولئك فنفاه حسين النجار وأصحابه كأبي عيسى برغوث ونحوه وضرار بن عمرو وأصحابه كحفص الفرد ونحوه ونفاه أيضا هشام بن الحكم وأتباعه وهو المقابل لأبي الهذيل فإنهما متقابلان في النفي والإثبات ونفته الكلابية أبو محمد عبدالله بن سعيد بن كلاب وذووه ونفاه أيضا طائفة من الكرامية كمحمد بن صابر ونفاه ابن الراوندي وليس نفي هؤلاء موافقة منهم لا للفلاسفة ولا للنظام بل قول النظام ظاهر الفساد وكذلك قول الفلاسفة أيضا وأكثر هؤلاء الذين ذكرناهم من النجارية والضرارية

والكلابية والكرامية وغيرهم لا يقولون في ذلك بقول النظام والفلاسفة ولا يقولون بإثباته وذلك أن دعوى الفلاسفة قبول الأجسام والحركات والأزمنة للانقسام إلى غير نهاية باطل كما ذكره المثبتون وكذلك قول مثبتيه باطل بما ذكره نفاته من أنه لا بد من انقسامه حتى إن أبا المعالي وغيره اعترفوا بأنه غير محسوس ومن تدبر أدلة الفلاسفة القائلين بما لا يتناهى من الانقسام القائلين بوجود الجزء الذي لا يقبل الانقسام وجد أدلة كل واحدة من الطائفتين تبطل الأخرى # والتحقيق أن كلا المذهبين باطل والصواب ما قاله من قاله من الطائفة الثالثة المخالفة للطائفتين أن الأجسام إذا تصغرت أجزاؤها فإنها تستحيل كما هو موجود في أجزاء الماء إذا تصغر فإنه يستحيل هواء أو ترابا فلا يبقى موجود ممتنع عن القسمة كما يقوله المثبتون له فإن هذا باطل بما ذكره النفاة من أنه لا بد أن يتميز جانب له عن جانب ولا يكون قابلا للقسمة إلى غير نهاية فإن هذا أبطل من الأول بل يقبل القسمة إلى حد ثم يستحيل إذا كان صغيرا وليس استحالة الأجسام في صغرها محدودا بحد واحد بل قد يستحيل الصغير وله قدر يقبل نوعا من القسمة وغيره لا يستحيل حتى يكون أصغر منه وبالجملة فليس في شيء منها قبول القسمة إلى غير نهاية بل هذا إنما يكون في لمقدرات الذهنية فأما وجود مالا يتناهى بين حدين متناهيين فمكابرة وسواء كان بالفعل أو بالقوة ووجود موجود لا يتميز جانب له عن جانب مكابرة بل الأجسام تستحيل مع قبول الانقسام فلا يقبل شيء منها انقساما لا يتناهى كما أنها إذا كثرت وعظمت تنتهي إلى حد تقف عنده ولا تذهب إلى أبعاد لا تتناهى # ولكن بنى هذه الطائفة المشهورة من المتكلمين على مسمى هذا الاسم الهائل الذي هو الجوهر الفرد عندهم وهو عند التحقيق مالا يمكن أحد أن يحضر بجنسه باتفاقهم

وعند المحققين لامس له وما أشبهه بالمعصوم المعلوم الذي ابتدعته القرامطة والمنتظر المعصوم الذي ابتدعته الرافضة والغوث الذي ابتدعته جهال الصوفية هو نظير ما يعظم هنا بل هؤلاء الفلاسفة المشائين وأتباعهم في الجوهر المجرد وهو ما يدعونه في النفوس والعقول من أنها شيء لا داخل العالم ولا خارجه ولا متحرك ولا ساكن ولا متصل بغيره ولا منفصل عنه وأمثال هذه الترهات فقول هؤلاء في إثبات هذا الجوهر المجرد كقول أولئك في الجوهر الفرد ثم إن هؤلاء وهؤلاء يدعون أن هذا هو حقيقة الإنسان هؤلاء يدعون أنه هذا الجوهر المجرد وهؤلاء يقولون إنه جوهر واحد منفرد أو جواهر كل منها يقوم به حياة وعلم وقدرة أو تقوم الأعراض المشروطة بالحياة ببعضها وثبت الحكم للجملة وعلى هذه المقالات يثبتون المعاد
فصل # ثم قال الرازي العاشر أن معرفة أفعال الله تعالى وصفاته أقرب إلى العقول من معرفة ذات الله تعالى ثم المشبهة وافقونا على أن معرفة أفعال الله تعالى وصفاته على خلاف حكم الحس والخيال

# يقال له إن أردت أن أفعال الله تعالى وصفاته تثبت بلا مثال فهذا حق فإن الله تعالى ^ ليس كمثله شيء ^ لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله كما قال تعالى ^ ليس كمثله شيء ^ وقال تعالى ^ فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون ^ وذلك أنا لا نعلم الشيء إلا أن ندركه نفسه أو ندرك ما قد يكون مماثلا له أو مشابها له من بعض الوجوه والله يعلم الأشياء كلها ونحن لا نعلم فليس لنا أن نضرب له الأمثال بلا علم # وإن أراد به أن يثبت ما يعلم بالحس أو العقل عدمه فهذا باطل وقد تقدم هذا في أول هذه المقدمة وبينا الفرق بينما يعلم عدمه وبين ما يعلم عدم مثاله كما بينا الفرق بينما يعلم عدمه وبينما لا يعلم وجوده أو كيفيته وهذا الأصل ينبغي استبصاره واستذكاره فإنه بسبب الاشتباه فيه يقع من لبس الحق بالباطل ما الله به عليم # وأيضا فإنه لا اختصاص للحس والخيال بكونهما يثبت على خلاف حكمهما فإنه إن أراد أنها تنافي ما علم بالحس والخيال تنافي معرفة أفعاله لأن الحس والخيال يدرك عدم ذلك فهذا باطل ولو أراد أنه يثبت من أفعاله مالا يعلم نظيره أو مالا يحيط العلم بحقيقته بحس ولا خيال فيقال وماله لا يعلم نظيره بعقل ولا علم ولا قياس فلا فرق بين ثبوتها بهذا الاعتبار على خلاف حكم الحس والخيال أو على خلاف حكم العلم والعقل وهذا الكلام أيضا كلام نافع في هذه المواضع # وليس لأحد أن يفرق بينهما بأن العلم والعقل يدرك من أفعاله مالا يدركه الحس والخيال لوجهين

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:54 AM
# أحدهما أنه لا فرق في هذا بين أفعال الله تعالى وصفاته وبين سائر الأشياء فإن الإنسان إذا أحس أمرا أو تخيله حصل له من العلم والعقل بسبب ذلك ما لم يدركه الحس والخيال كما يعقل الأمور العامة الكلية عند إحساس بعض أفرادها بالقياس والاعتبار ولا يجوز أن يقال في جميع المعقولات إنها ثبت على خلاف حكم الحس والخيال وإن أراد أحد بهذا اللفظ هذا المعنى لم يضر ذلك إذ يكون التقدير أن الإنسان ينال بعقله من العلم مالا يناله بحسه وهذا لا نزاع فيه لكن لا يقتضي ذلك تنافي المحسوس والمعقول بل ذلك يوجب تصادقهما وموافقتهما # الوجه الثاني إن الحس يمكنه إدراك كل موجود فما من شيء من الإدراك إلا ويمكن معرفته بالإحساس الباطن أو الظاهر كما قد نبهنا على ذلك فيما تقدم من هذه الأجوبة بل هذا المنازع وأصحابه قالوا من ذلك ما هو من أبلغ الأمور في مسألة الرؤية وغيرها حيث يجوزون رؤية كل موجود بل يجوزون تعلق الحواس الخمس من السمع والبصر والشم والذوق واللمس بكل موجود فلم يبق عندهم في الموجودات ما يمتنع أن يكون محسوسا فلا يصح أن يقال إنه يدرك بالعقل والعلم ما يمتنع إدراكه بالحس إلا إذا قيد الامتناع بأن يقال مالا يمكننا إحساسه في هذه الحال أو ما تعجز قدرتنا عن إحساسه ونحو ذلك وإلا فإحساسه ممكن والله تعالى قادر عليه ويفعل من ذلك ما يشاء كما يشاء ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم # ثم قال أبو عبدالله الرازي أما تقرير هذا المعنى في أفعال الله تعالى فذاك من وجوه # أحدها أن الذي شاهدناه هو تغير الصفات مثل انقلاب الماء والتراب نباتا وانقلاب النبات جزء بدن حيوان فأما حدوث الذوات ابتداء من غير سبق مادة

وطينة فهذا شيء ما شاهدناه البتة ولا يقضي بجوازه وهمنا وخيالنا مع أنا سلمنا أنه هو المحدث للذوات ابتداء من غير سبق مادة وطنية # قلت الكلام على هذا من وجوه # أحدها قوله لم نشاهد إلا تغير الصفات ليس هذا مخاطبة باللغة المعروفة والاصطلاح المشهور بل هذا يفهم قصدا فاسدا لا يقوله أحد وذلك أن الصفة في الاصطلاح المشهور هي عرض يقوم بجوهر قائم بنفسه كقيام اللون والطعم والريح بالجسم فإذا قال القائل لم نشاهد إلا تغير الصفات كان مقتضاه أن الجواهر والأجسام لا تتبدل ولا تستحيل ولا تنقلب وإنما تتغير أعراضها القائمة بها مثل تغير الشمس والقمر والنجوم بحركاتها ومعلوم أن هذا باطل بل نفس الجواهر التي هي أعيان قائمة بنفسها تنقلب وتتبدل وتستحيل كما ذكره من انقلاب الماء والتراب نباتا فلم يكن التغير في مجرد أعراض الماء والتراب وإنما ذلك مثل أن ينقل من موضع إلى موضع أو يجمع ويفرق أو يسخن ويبرد ونحو ذلك فأما إذا صار الماء والتراب نباتا فقد انقلبت الحقيقة وتبدلت وكذلك إذا صار المني حيوانا والبيضة طيرا وكذلك إذا صار النبات المأكول دما ثم عظما ولحما وعروقا ونحو ذلك فلا يقال في مثل هذا لم نشهد إلا تغير الصفة بل شهدنا تبدل الحقيقة وتغير الأعيان القائمة بنفسها التي هي جواهر بمعنى استحالتها وانتقالها من حقيقة في ذاتها وقدرها ووضعها وسائر الأمور # لكن لم نشهد تكون شيء إلا من شيء فهذا حق كما أخبر الله تعالى به في كتابه العزيز كما قال ^ خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار ^ وقال ^ ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه

نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ^ وقال تعالى ^ وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة ^ وقال ^ وهو الذي يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون ^ وقال ^ والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا ^ وقال تعالى ^ هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ^ وقال تعالى ^ والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها ^ وقال تعالى ^ والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ونزلنا من السماء ماءا مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج ^ وهذا في كتاب الله تعالى كثير يبين خلق الأشياء بعضها من بعض وببعض وفي بعض # ويقررنا أنا نرى ذلك ونشهده كقوله تعالى ^ أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون إلى قوله تعالى أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين ^ وقال تعالى ^ يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من إلى قوله تعالى مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ^ وقال تعالى ^ أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت ^ الآيات وقال إبراهيم عليه السلام ^ رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك الآية

# الوجه الثاني قوله فأما حدوث الذوات ابتداءا من غير سبق مادة ولا طينة فهذا شيء ما شاهدناه البتة # ليست هذه المخلوقات من الماء والطين مثل الصور التي يصورها بنو آدم من المواد مع أن الذات باقية كتصوير الخاتم والدرهم ونحو ذلك من الفضة وتصوير السرير والباب ونحو ذلك من الخشب وتصوير الثوب من الغزل فإن هذه المواضع لم تحدث فيها الذوات وإنما تغيرت صفة الذات وأما الحيوانات والنباتات المشهودة فنفس هذه الذوات شهدنا حدوثها وخلقها لكن خلقت من شيء آخر ليس هو من جنسها ولا من حقيقتها وهذا من أبدع الأمور وأعظمها فلم يكن ما منه خلقت هذه الأمور وإن سماها بعض الناس مادة مثل المواد المعروفة تكون بعينها باقية في الصور وتكون من جنس الصور وإذا كان كذلك فقد شهدنا إبداع هذه الحقائق الموجودة وصفاتها بعد أن لم تكن موجودة كما قال تعالى ^ أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ^ غاية ما في هذا الباب أنا شهدنا خلقها من شيء ليس هو من جنسها ولا من حقيقتها وشهدنا أنها تخلق من أوضع الأشياء وأحقرها وأبعدها عن صفات الكمال كخلق الإنسان من تراب كما قال الشاعر % الذي حارت البرية فيه % حيوان مستحكم من جماد %
# وهذا الذي شهدنا من أبلغ الإبداع أنه يخلق من الشيء مالا يكون مجانسا له ولا يكون الأصل مشتملا على ما في الفرع من الصفات فهذه الأمور المخلوقة التي لم تكن موجودة في أصلها ولا كامنة فيه هي مبدعة بعد العدم لا منقولة من وصف إلى وصف ولو كانت منقولة فنفس الصفات القائمة بها مبدعة بعد

العدم فقد شهدنا إبداع الجواهر والأعراض بعد عدمها وهذا كاف في ذلك إذ لا يجب أن نشهد إبداع كل جوهر وعرض بعد العدم بل إذا شهدنا إبداع ما شاء الله من الجواهر والأعراض بعد عدمها كان ذلك محسوسا لنا ثم عقلنا بطريق الاعتبار والقياس ما لم نشهده وهكذا علمنا بجميع الأشياء نحس بعض أفرادها ونقيس ما غاب على ما شهدناه وإلا فلا يمكن أن يعلم الشخص بإحساسه كل شيء # فظهر بذلك أن طريق علمنا بأفعال الله حسا وعقلا مثل طريق علمنا بجميع الأمور وظهر أنما غاب عنا من أفعال الله وعلمناه بعقلنا ليس على خلاف ما أحسسناه وتخيلناه بل هو من جنسه ومشابه له فضلا عن أن يكون مباينا له # ونحن قد بينا فيما تقدم الفرق بينما يعلم عدمه وامتناعه بحس أو عقل وبين مالا يعلم له نظير بحس أو عقل فالأول لا يجوز أن يكون موجودا بخلاف الثاني فإنه يجوز أن يكون موجودا وهذا ينفعنا في ذات الله فإنه ^ ليس كمثله شيء ^ وأما أفعاله ومخلوقاته ففي الذي أشهدناه عبرة لما لم نشهده والغائب من جنس الشاهد وذلك لأن المماثلة ثابتة في المفعولات كما قال تعالى ^ ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ^ فلو لم يكن الغائب من أفعاله تعالى نظيرا للشاهد لم يجز رده ولا يقال إنه على خلاف حكم العقل فالحس والخيال كما في ذاته تعالى فكيف إذا كان الغائب نظير الشاهد حيث أشهدنا إبداع الجواهر وصفاتها بعد عدمها يا سبحان الله أيما أبلغ في عقل الإنسان إبداع الإنسان بعد عدمه أم إبداع طينته التي خلق منها بعد عدمها فإذا كان قد شهد هذا الجوهر العظيم الموصوف بصفات الكمال بعد عدمه أفليس ذلك أعظم من

إبداع تراب أو ماء بعد عدمه والله سبحانه وتعالى لما خلق السموات والأرض خلق آدم آخر المخلوقات كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة ومن خلق آخر المخلوقات لم يمكنه أن يشهد خلق نفسه ولا ما خلق قبله كما قال تعالى ^ ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم ^ وله فيما شهده في المخلوقات عبرة فيما لم يشهده # الوجه الثالث قوله أما حدوث الذوات ابتداءا فهذا شيء ما شاهدناه البتة ولا يقضي بجوازه وهمنا ولا خيالنا # فيقال له قولك لا يقضي بجوازه وهمنا ولا خيالنا أتريد أن وهمنا وخيالنا يحيل ذلك ويمنعه أو تريد أنه لا يعلم جوازه وأيما أردت فعنه جوابان # أحدهما أن لا نسلم أن وهمنا وخيالنا يحيل ذلك ويمنعه لوجهين أحدهما أن الوهم والخيال لا يمنع كل ما لم يعلم نظيره وإن قيل إنه لا يدركه إلا أن يريد الوهم والخيال الفاسد فهذا لا نزاع فيه الثاني إن الوهم والخيال قد أدرك نظير هذا كما قدمناه من تخيل ما أحسه من إبداع الجواهر وأعراضها بعد عدمها # الجواب الثاني عن التقدير الأول أنا لو سلمنا أن وهمنا وخيالنا يحيل ذلك فليس محذورا إذا علمنا جوازه بعقلنا أو حسنا فإن أحدا لم يقل إن كل ما أحاله مجرد التوهم والتخيل يكون ممتنعا وإنما قيل ما أحالته الفطرة الإنسانية والبديهة والفرق بينهما ما تقدم # وأما الجوابان على التقدير الثاني وهو أن الوهم والخيال لا يعلمان جواز ذلك فأحدهما أن لا نسلم أن الوهم والخيال لا يعلم جواز ذلك فإن الإنسان

قد يتخيل ما أحسه بحواسه من الموجودات بعد عدمها وهو يؤلف بتخيل من ذلك ما لم يتخيله كما هو عادة التخيل فيتخيل نظير ذلك وما يركبه من ذلك مما ليس له نظير كما يتخيل جبل ياقوت وبحر زئبق فيتخيل من المخلوقات ما ليس له نظير ويتخيل الإبداع الذي ليس نظير فكيف بما له نظير الثاني أنا لو سلمنا أن الوهم والخيال لا يعلم جواز ذلك لم يضر ولو لم يعلم جواز نظيره أو وجوده بحس أو عقل فكيف إذا علم ذلك فإن المدفوع ما علم بالفطرة امتناعه لا ما عجز مجرد الوهم عن معرفته # الوجه الرابع قوله مع أنا سلمنا أنه تعالى هو المحدث للذوات ابتداءا من غير سبق مادة وطنية # يقال له هذا الذي تذكره إنما ينفعك أن لو كان ما علمناه بالفطرة يدفع ما سلمناه فكيف إذا لم يدفعه ما علمناه لا بضرورة بل لا يدفعه ضرورة ولا نظر بل كيف إذا كان ما شهدناه نظيرا له ومشابها بل كيف إذا كان الذي شهدناه أبلغ من الذي سلمناه فإن الذوات التي ابتدعت ابتداءا إنما هي ذوات بسيطة كالماء ونحوه ومن المعلوم أن إبداع هذا الإنسان المركب بما فيه من الأعضاء المختلفة ومنافعها وقواها والأخلاط المختلفة ومقاديرها وصفاتها من أشياء بسيطة أعظم في الاقتدار وأبلغ في الحكمة من إبداع شيء بسيط لا من شيء لأن هذه المركبات كلها كائنة بعد عدم وتأليفها وتركيبها كذلك وما فيها من الجواهر والتأليف والصفات الكائن بعد العدم أبلغ مما في تلك البسائط وهذا كما أن ما شهدنا من الخلق الأول أبلغ مما أخبرنا به من الخلق الثاني في المعاد كما قال تعالى ^ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ^ وقال ^ ضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي

أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ^ ونظائره في القرآن فإذا كان مستقرا في الفطرة العقلية أن ابتداء الخلق أعظم من إعادته فمستقر فيها أن إبداع المركبات وتركيبها وصفاتها بعد العدم أبلغ من إبداع البسائط المفردات لكن المركب لا بد أن يكون مسبوقا # قال الرازي وثانيها أنا لا نعقل حدوث شيء وتكوينه إلا في زمان مخصوص ثم حكمنا بأن الزمان حدث لا في زمان البتة # فيقال لو قال لم نتوهم أو لم نتخيل أ لم نحس لكان مناسبا للفظ دعواه حيث ادعى أن معرفة أفعال الله على خلاف الحس والخيال ولم يدع أنها على خلاف المعقول فإن ذلك سد عليه طريق الإقرار بها ويوجب جحودها حيث لا يثبت ما يخالف المعقول إلا أن يفسر المخالف للمعقول بعدم النظير وحينئذ فلا فرق بين مخالفة المعقول والمحسوس في أن ذلك لا يكون مانعا في وجود ما يخالف المحسوس والمعقول وهو لا يتم غرضه إلا أن يبين الفرق بينهما بثبوت ما يحيله الحس دون العقل كما قدمناه # وتلخيص النكتة أن يقال إذا لم تعقل حدوث شيء إلا في زمان وأثبتت ما لم تعقله فهل هذا حجة لك في إثبات ما تعلم بعقلك امتناعه أم لا فإن كان هذا حجة لك في إثبات ما يعلم العقل امتناعه لم يكن له بعد هذا أن يحيل وجود شيء بعقله بل يجوز الممتنعات المعلوم امتناعها بالعقل ضرورة ونظرا وهذا لا يقوله عاقل وإن قال ليس هذا حجة في إثبات ما يعلم بالعقل امتناعه لم يكن ذلك نافعا لك في محل النزاع لأن المنازع يدعي أنه يعلم امتناع ما أثبتته بفطرته وهذا لم يدل على إحالة ما عيلم امتناعه بالعقل كما سلمته ولا بالحس لأنك لم تذكره

# ثم يقال كوننا لم نشهد حدوث شيء إلا في زمان بمنزلة كوننا لم نشهد حدوث شيء إلا في مكان ثم كما أن هذا يقتضي افتقار كل مكان إلى مكان فكذلك ذاك يقتضي افتقار كل زمان إلى زمان وأكثر ما في ذلك عدم النظير فيما شهدناه ومجرد عدم النظير لا يكون حجة على نفي الشيء المعلوم بحس أو عقل فلم يقل أحد من العقلاء إن الشيء الذي يعلم ثبوته لا يجوز الإقرار به حتى يكون له مثل ونظير مطابق له وهذا كما أنا لم نشهد شيئا إلا له خالق ثم لا يجب أن يكون للخالق خالق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يزال الناس يسألونكم حتى يقولوا هذا وقد أخرجاه في الصحيحين عن عروة عن أبي هريرة ورواه أبو داود في الرد على الجهمية من سننه ورواه النسائي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله وهو أيضا فيها عن عروة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي أحدكم الشيطان فيقول من خلق كذا من خلق كذا حتى يقول من خلق ربك فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته ورواه مسلم من حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يزال الناس يسألونكم عن العلم حتى يقولوا هذا الله خلقنا فمن خلق الله قال وهو آخذ بيد رجل يعني قد سأله فقال صدق الله ورسوله قد سألني اثنان وهذا الثالث أو قال سألني واحد وهذا الثاني وراه أيضا أبو داود والنسائي من طريق آخر وفيه فإذا قالوا ذلك فقولوا الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ثم يتفل عن يساره ثلاثا # ويقال له الزمان الذي رأينا الأشياء تحدث فيه هو مقدار حركة الشمس والقمر أو ما يشبه ذلك إذ لم نشهد زمانا غير مقدار الحركة أو ما يقرب من ذلك

لتنوع عبارات الناس في تفسير الزمان وإذا كان الزمان من جملة الأعراض مفتقرا إلى الحركة والمتحرك إذا كان له وجود في الخارج فمعلوم أنا شهدنا حدوث سبب الزمان الموجب له المتقدم عليه بالذات وهو الحركات والحركة والزمان متقاربان في الوجود والحركة متقدمة على الزمان بالذات وإذا كان كل منهما مقارن للآخر لا ينفك عنه فليس القول باحتياج الحركة التي هي الحدوث والانتقال إلى الزمان بأولى من القول باحتياج الزمان إلى الحركة والحدوث بل هذا الثاني أقرب لأن افتقار المعلول إلى العلة والمشروط إلى الشرط والمسبب إلى السبب أظهر من الأول # يوضح ذلك أن الزمان قد يراد به الليل والنهار كما يراد بالمكان السموات والأرض وهذا هو الذي يعنيه طوائف منهم الرازي في كتابه هذا كما ذكر ذلك حيث قال الحجة الحادية عشرة قوله ^ قل لمن ما في السموات والأرض قل لله ^ قال وهذا مشعر بأن المكان وكل ما فيه ملك لله تعالى وقوله تعالى ^ وله ما سكن في الليل والنهار ^ وذلك يدل على أن الزمان وكل ما فيه ملك لله تعالى ومجموع الآيتين يدلان على أن المكان والمكانيات والزمان والزمانيات كلها ملك لله تعالى وذلك يدل على تنزيهه عن المكان والزمان قال وهذا الوجه ذكره أبو مسلم الأصفهاني في تفسيره واعلم أن في تقديم ذكر المكان على ذكر الزمان سرا لطيفا وحكمة عالية يشير إلى أنه سببه ما تقدم # قلت وإذا كان المراد بالمكان والمكانيات السموات والأرض وما فيهما وبالزمان والزمانيات الليل والنهار وما سكن فيهما فمن المعلوم أن الله سبحانه وتعالى

^ خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ^ وقد قال تعالى ^ إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ^ ونحو ذلك في القرآن ومعلوم أن النهار تابع للشمس وأما الليل فسواء كان عدم النور أو كان وجودا عرضيا كما يقوله قوم أو أجسام سود كما يقوله بعضهم فالله جاعل ذلك كله وهو سبحانه وتعالى كما قال عبدالله بن مسعود إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار نور السموات من نور وجهه وقد جاء في قوله تعالى ^ ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ^ إن أهل الجنة يعرفون مقدار البكرة والعشي بأنوار تظهر من جهة العرش فيكون بعض الأوقات عندهم أعظم نورا من بعض إذ ليس عندهم ظلمة وهذه الأنوار المخلوقة كلها خلقها الله تعالى # فقول القائل بعد هذا لم نعقل حدوث شيء إلا في زمان مخصوص ثم حكمنا بأن الزمان حدث لا في زمان مثل أن يقال أنا لم أعقل حدوث شيء وتكوينه إلا في ليل أو نهار ثم حكمنا بأن الليل والنهار حدثا لا في ليل ولا نهار ولم نعقل شيئا إلا في السموات والأرض ثم عقلنا حدوث السموات والأرض لا في سموات وأرض ومعلوم أن هذا الكلام من أفسد الكلام في الحس والعقل فإن الإنسان كما يشهد حدوث الأشياء لا في ليل ونهار فهو يشهد أيضا حدوث الليل والنهار في غير ليل ولا نهار # وقد يراد بالزمان مجرد التقدير بالحوادث كما يقال هذا قبل هذا بكذا وكذا وهذا بعد هذا بكذا وكذا فيكون المراد به تقدير ما بين الحوادث بحوادث أخر وهذا التقدير من جنس العدد للمعدودات فإنه بالعدد يظهر وبزيادة أحد المعدودين على الآخر ونقصانه عنه ومساواته له ثم مع ذلك فليس العدد للمعدودات

أمرا موجودا في الخارج قائم بنفسه أو عرض قائم فيها وإنما هو من باب الفصل والتمييز بين بعضها وبعضها وهي ممتازة ومنفصلة بذواتها وأعيانها لا بشيء غير ذلك والعدد لها كالحيز لها كما سنذكره إن شاء الله تعالى وكذلك الوقت لها ولهذا يفرق بين الوقت والعدد كما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن ذكر الله مأمور به في كل حال ليس له وقت ولا عدد أي ليس له وقت مخصوص ولا عدد مخصوص كالصلاة وغيرها # وهذا موضع تغلط فيه الأذهان حيث يشتبه عليها ما يأخذه الذهن من الحقائق الموجودة في الخارج بنفس الحقاق الموجودة في الخارج كما يشتبه على بعض الناس الصور الذهنية الكلية المطلقة أنها توجد في الخارج حتى يظن أنها بعينها موجودة في الخارج فالعلم بالحقائق وبعددها وزمانها ومكانها كله متقارب ولا ريب أن الحقائق موجودة في نفسها متميز بعضها عن بعض بنفسها بما فيها من الصفات القائمة بها وما يتبع ذلك من حيزها ووقتها وعددها وليست هذه الأمور جواهر وأعراضا منفصلة عن تلك الحقائق بل هي تارة لسبب بينها وبين غيرها إنما يعقل باعتبار الغيرين ولهذا يكثر تنازع الناس في مثل هذه الأمور هل هي أمور وجودية أو عدمية وبكل حال فقول القائل إن كل وقت يفتقر إلى وقت وكل حيز إلى حيز بمنزلة قوله كل عدد يفتقر إلى عدد وقوله كل حقيقة قائمة بنفسها تفتقر إلى حقيقة قائمة بنفسها # ومما يوضح ذلك أن يقال له أيضا قول القائل ثم حكمنا بأن الزمان حدث لا في زمان أضعف من قول القائل حكمنا بأن الحركة حدثت بلا حركة فإن الزمان هو مفتقر إلى الحركة دون زمان آخر والحركة هي سبب الزمان وإن كانت مقارنة له وليست مفتقرة إلى حركة أخرى فالتعجب من حدوث حركة بلا حركة وهي سبب الزمان وأعني عن الزمان

من الزمان عنها أقرب إلى الصواب من تعجب المتعجب من حدوث زمان في غير زمان وإذا كان التعجب من عدم افتقار كل حركة إلى حركة نوعا من السخف والهذيان فالتعجب من عدم افتقار كل زمان إلى زمان أبلغ منه في السخف والهذيان كما يتعجب من عدم افتقار كل فاعل إلى فاعل وهذا السؤال من آخر ما يورده ويسأل عنه الشيطان لعلمه بأنه آخر مراتب الباطل والهذيان # قال وثالثها أنا لا نعلم فاعلا يفعل بعد ما لم يكن فاعلا إلا لتغير حالة وتبدل صفة ثم إنا اعترفنا بأنه تعالى خلق العالم من غير شيء من ذلك # يقال هذه الوجوه التي أوردها هنا هي من حجج الدهرية إما القائلين بقدم العالم وإما المنكرين للصانع حيث يحتجون بها على امتناع إبداع كل شيء بعد العدم ويوجبون قدم مادة وكذلك يوجبون قدم مدة وكذلك يقولون يمتنع حدوث الفعل بدون حدوث قدرة ولا إرادة ولا علم ولا غير ذلك من أسباب الفعل وهذه حجج الدهرية المتفلسفة المشائين المنتسبين إلى معلمهم الأول آرسطو وإن كان من معظميه من يزعم أنه لم يكن قائلا بقدم العالم ولكن تكلم بكلام مجمل في ذلك كما زعمه بعض الفلاسفة اليهود فيما جمعه وألفه بين فلسفته وبين الملة التي بعث الله بها الرسل فالمقصود هنا أن نعرف أصل هذا الكلام ونعلم أن هذا الرازي وإن أورده هنا من جهة أصحابه المسلمين الموافقين على حدوث العالم في احتجاجهم على إخوان لهم مسلمين في مسائل الصفات فإن هذه الحجج هو دائما يذكرها في معارضة حجج المسلمين وسائر أهل الملك على نفي قدم العالم فتارة يظهر منه التحير وتكافؤ

الأدلة وتقابل الطائفتين بمنزلة المنافق المذبذب الذي لا هو مع هؤلاء ولا مع هؤلاء وتارة ينصر المسلمين بما يصلح من الجدل ويكثر مما لا يصلح وتارة يؤيد أقوال أولئك المشركين الصابئين المبدلين تأييد عاجز عنهم أو معاون لهم أو معترض عليهم بحق أو باطل # ونحن في هذا المقام الذي غرضه أن يقرر ثبوت ما يعلم امتناعه بالبديهة ويزعم أن هذا من حكم الحس والخيال المردود واحتجاجه بما ذكره من أفعال الله تعالى نجيب عنه بأن نبين أنا شهدنا من أفعال الله تعالى ما هو نظير ما لم نشهده أو أبلغ منه وأن ما تعجب منه هو مثل ما شهدناه أو دونه وبأن نبين أنه إذا أثبت من أفعال الله تعالى ما لم نشهد نظيره فلا محذور في ذلك فإن ثبوت مالا يعلم له نظير ليس بمحذور في حس ولا عقل وبأن نبين أن الحس والعقل في ذلك سواء فلا يثبت مالا يعلم بها عدمه ويثبت مالم يعلم بها نظيره وقد ذكرنا ذلك في المادة والمدة # ونصوص المسلمين وسائر أهل الملل ومعارضتهم لهؤلاء الدهرية كثيرة حسنة لكن ليس هذا موضعها # وكذلك ما ذكره في الفاعل وهي حجة ابن سينا أفضل متأخري هؤلاء الدهرية فإنها هي التي اعتمدها حيث زعم أن الذات الواحدة لا يصدر عنها شيء بعد أن لم يكن صادرا إلا بحدوث أمر من الأمور والكلام في ذلك الأمر كالكلام في الأول فيمتنع الحدوث فيجب القدم ثم ذكر في كيفية صدور العالم بصدور العقل ثم العقل والنفس والفلك من الكلام لا يرتضيه أسخف الناس عقلا ولا يستحسن أحد أن يستعمله إلا في المضاحك والهزليات دون ما هو من أعظم الإلهيات وذكروا هم ما اختص به العالم من المقادير

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:55 AM
والصفات غير ذلك وما الموجب لتخصيصه بذلك دون غيرها إلى غير ذلك مما ليس هذا موضعه إذ الغرض جواب ما ذكره الرازي وهو من نمط الذي قبله أيضا لوجوه # أحدها أن غاية ما يذكره إثبات فاعل ليس له نظير وثبوت فعل ليس له نظير وهذا لا نزاع فيه وليس ذلك ممتنعا لا في حس ولا خيال ولا عقل حتى يكون نظيرا لمورد النزاع وكون ذلك على خلاف حكم الحس والخيال هو مثل كونه على خلاف حكم العقل والقياس # الوجه الثاني أن الانتهاء إلى فاعل لا فاعل له مما يعلم بالفطرة والضرورة العقلية كما يعلم بالفطرة والضرورة العقلية امتناع حدوث فعل بلا فاعل وكما قالوه في امتناع موجود لا داخل العالم ولا خارجه فإذا كان هذا مما يعلم بالضرورة الفطرية كيف يجعل معارضا أيضا لما يعلم بالضرورة الفطرية فالفطرة الضرورية تعلم امتناع أن يكون لكل فاعل فاعلا وامتناع أن يكون الفعل بلا فاعل وأن يكون الفاعل لا داخل المفعول القائم بنفسه ولا خارجه وإذا كان كذلك فتمثيل الفاعل الذي لا فاعل له بالفاعل له فاعل ممتنع أيضا في الفطرة الضرورية # الوجه الثالث أن قوله لم نشهد فاعلا بعد أن لم يكن فاعلا إلا لتغير حال وتبدل صفة إن أراد به استحالته من حال إلى حال بحيث أن ذاته تستحيل فليس الأمر كذلك فإن الشمس والقمر والكواكب ^ كل في فلك يسبحون ^ ومع هذا لم يتغير حالها ولم تتبدل صفاتها

وإن عنى به أن نفس الحركة هو تغير وتبدل كما يقوله من يقوله من المتكلمين كان المعنى لم نشهد فاعلا إلا متحركا ومتحولا إما حركة روحانية وإما حركة جسمانية فقوله بعد ذلك ثم إنا اعترفنا بأنه تعالى وتقدس خالق العالم من غير شيء من ذلك مما ينازعه فيه خصومه هنا وغير خصومه فإن المتكلمين يسمون هذه مسألة حلول الحوادث بذاته وقد علم أن مذهب الكرامية القول بها وهم خصومه في هذه المسألة وقد ذكر في أعظم كتبه نهاية العقول أنه ليس في هذه المسألة دليل عقلي على النفي فلا يمكنه أن يقيم عليهم فيها دليلا عقليا وغاية ما اعتصم فيها بما ادعاه من الإجماع على أن سبحانه وتعالى غير موصوف بالنقائص وإن الحادث إن كان صفة كمال فقد كان قبل ذلك ناقصا وإن لم يكن صفة كمال فالإجماع منعقد على أنه تعالى لا يوصف بغير صفة الكمال وقد تكلمنا على ما ذكر في غير هذا الموضع وإذا لم يكن في ذلك دليل عقلي لم يصح أن يكون ذلك معارضا لما يقول المنازع إنه معلوم بالفطرة الضرورية # ومن أعجب العجب قوله عن المشبهة وهم عنده الكرامية والحنابلة أنهم وافقوه على ما ادعاه من أن معرفة أفعال الله تعالى وصفاته على خلاف الحس والخيال ثم يحتج على ذلك بأنه فعل بعد أن لم يكن فاعلا من غير حدوث شيء بذاته وهو يعلم أن القول بحلول الحوادث في ذاته تعالى وتقدس هو شعار الكرامية وأنهم متفقون على ذلك وهذا مثل أن يقال عن المعتزلة وقد وافقونا على أن الله تعالى يحدث أفعال العباد بغير فعل منهم ثم إن القول بذلك هو مذهب أكثر أهل الحديث بل قول أئمة أهل الحديث وهو الذي نقلوه عن سلف

الأمة وأئمتها وكثير من الفقهاء والصوفية أو أكثرهم وفيهم من الطوائف الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية من لا يحصي عدده إلا الله تعالى وقد ذكره هو في غير موضع من كتبه أن القول بحلول الحوادث يلزم كل الطوائف حتى المعتزلة والفلاسفة وذكر ذلك عن أبي البركات البغدادي صاحب المعتبر وهو من أعظم الفلاسفة المتأخرين قدرا وأنه قال إن ألوهيته لهذا العالم لا تتم إلا بذلك فكيف يحكى الاتفاق على خلاف ذلك # فإن قال قائل الفاعل منا وإن حدثت فيه حركة فالمحدث لها غيره وخالق العالم لا محدث لفعله إلا هو فهذا هو الفرق # قيل هذا حق كما أن ذاتنا محدثة أحدثها غيرنا وهو سبحانه قديم واجب الوجود رب كل شيء ومليكه هو الخالق وما سواه مخلوق ولهذا كان السؤال عن من خلق الله منتهى مسائل الشيطان التي يظل بها الإنسان مع ظهور فسادها بالبرهان والرازي لم يستدل بكونه فاعلا لما لا يفعله من غير محرك من خارج وإنما استدل بكونه فاعلا من غير فعل في نفسه وهذا هو الذي ينازعونه فيه وهو لو استدل بالأول لم يصح لأنها هي مسألة وجود الصانع نفسه وهو في هذا المقام مقصوده أن يبين أن أفعاله على خلاف حكم الحس والخيال ليس مقصوده أن نفسه على خلاف الحس والخيال # قال الرازي ورابعها أنا لا نعقل فاعلا يفعل إلا لجلب منفعة أو دفع مضرة ثم اعترفنا بأنه تعالى وتقدس خالق العالم بغير شيء من هذا

# والكلام عليه من نمط الذي قبله وإن كان هذا السؤال هو ببحوث القدرية والمعتزلة أخص كما أن الذي قبله ببحوث الفلاسفة والدهرية أخص وذلك من وجوه # أحدها أن غاية هذا ثبوت مالا نظير له وليس ذلك ممتنعا كما تقدم ولا فرق في ذلك بين حكم الحس والخيال وحكم العقل كما تقدم غير مرة # الثاني أنه هو خالق كل شيء ومن أجلب لنفسه منفعة من غيره أو دفع عن نفسه مضرة من غيره كان محتاجا إلى ذلك وهذه حال الفقر إلى غيره فما دل على أنه رب العالمين دل على غناه عن غيره وبذلك أخبر عن نفسه كما قال يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني وتمام الكلام كما بيناه قبل # الوجه الثالث أن يقال ما تعني بقولك إنا لا نعقل فاعلا يفعل فعلا إلا لجلب منفعة أو دفع مضرة ثم اعترفنا بأنه تعالى خالق العالم لغير شيء من هذا أتريد أنه سبحانه منزه عن نعوت المخلوقين الناقصين المحتاجين إلى غيرهم في اجتلاب منافعهم ودفع مضارهم كما يوجد أن الحي من الإنسان وغيره يطلب ما ينفعه ويلائمه من غيره ويدفع ما يخلف عليه من الضرر من نفسه ومن غيره فهذا حق فإنه سبحانه وتعالى غني عن العالمين لا يحتاج إليهم بل هو الأحد الصمد الحي القيوم وهو سبحانه لا يخاف ضرر شيء لا من نفسه ولا من غيره بل العباد عاجزون عن أن يلحقوا به ضررا أو نفعا قال تعالى في الحديث الصحيح الذي رواه رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني

# أو تريد أنه سبحانه وتعالى لا يحب فعله ويرضاه ويفرح به فإن أردت هذا لم يسلم لا ذلك فإن الكتاب والسنة واتفاق سلف الأمة قد دل على وصفه بالمحبة والرضا والفرح # أو تريد أنه لا يحدث له من هذه الأمور ما لم يكن قبل ذلك فهذا هو الوجه الأول وقد تقدم الكلام عليه # ثم قال الرازي وأما تقرير ذلك في الصفات فذلك من وجوه أحدها أنا لا نعقل ذاتا تكون عالمة بمعلومات لا نهاية لها على التفصيل دفعة واحدة وأنا إذا جربنا أنفسنا وجدناها متى اشتغلت باستحضار معلوم معين امتنع عليها في تلك الحالة استحضار معلوم آخر ثم إنا مع ذلك نعتقد أنه تعالى وتقدس عالم بما لا نهاية له من المعلومات على التفصيل من غير أن يحصل فيه اشتباه والتباس فكان كونه تعالى عالما بجميع المعلومات أمرا على خلاف مقتضى الوهم والخيال # والكلام على هذا من وجوه # أحدها أن هذا الكلام أن علم الله ليس من جنس علومنا ولا مماثلا له وأنا لا نستطيع أن نعلم كعلم الله تعالى وهذا من أوضح الأمور وأبينها عند الخاصة والعامة فإن أحدا من الخلق كما لا يظن أن ذاته كذات الله تعالى لا يظن أن علمه كعلم الله تعالى ومن المعلوم لكل أحد أن الله أكبر وأعظم مما يعلمونه ويقولونه فيه فكذلك علمه وقدرته وسائر صفاته أكبر وأعظم من أن يعلم كنه علمه أو يوصف ولم يقل أحد من البشر أن علم الله تعالى مثل علمنا

ولا توهم أحد ذلك ولا تخيله فأي شيء في هذا مما هو على خلاف مقتضى الوهم والخيال غاية ما فيه أنه ليس مثلما نتوهمه ونتخيله من نفوسنا وهذا لا ريب فيه # وهذا يظهر بالوجه الثاني وهو أن الله سبحانه ليس مثلما نعلمه ونعقله ونحسه من نفوسنا فضلا عن أن يكون مثلما نتخيله ونتوهمه من نفوسنا فلا اختصاص للوهم والخيال بذلك وإذا كان الله سبحانه ليس مثلما نحسه ونعلمه ونعقله ونتخيله فينا ولم يكن في ذلك ما يقتضي أن يكون منافيا لما نعلمه لم يجب أن يكون منافيا لما نحسه # ويتقرر هذا بالوجه الثالث وهو أن العلم بامتناع موجود لا داخل العالم ولا خارجه علم فطري ضروري ليس هو من خصائص الوهم والخيال وأما ما ذكره من إحاطة علم الله تعالى فليس عندنا اعتقاد ينفي ذلك بحال # الوجه الرابع إن كلما وصف الله به علم الله ليس عندنا اعتقاد ينفي ذلك لا محسوس ولا متوهم ولا متخيل ولا معقول إلا أن يكون من الاعتقادات الباطلة التي لم تعلم بضرورة ولا نظر ولا ريب أن ذات الله وصفاته على خلاف الاعتقادات الباطلة التي يظن أنها معقولة أو محسوسة أو متخيلة ولكن لا فرق في ذلك بينما يظن أنه معقول ومعلوم وما يظن أنه محسوس ومتخيل # الوجه الخامس أن قوى بني آدم في العلم متفاوتة تفاوتا لا ينضبط طرفاه أعظم من تفاوتهم في قوى الأبدان ولبعضهم من القوة على استحضار معلومات في وقت واحد ما ليس لبعض وليس لذلك حد معلوم للناس يعتقدون أن أحدا من البشر لا يمكن أن يكون أقوى في ذلك بل ^ فوق كل ذي علم عليم ^

حتى ينتهي ذلك إلى الله تعالى كما قال السلف وإذا كان بنو آدم متفاوتين في العلم والقدرة ولم يكن عجز أحدهم ما يقدر عليه الآخر من العلوم والأعمال مانعا من اعتقاده ذلك لغيره مع كونه مجانسا له مساويا في الحقيقة فلأن لا يكون عجز أحدهم عما يوصف الله تعالى به من العلم مانعا من اعتقاد وجوب ذلك في ربه عز وجل بطريق الأولى والأخرى ولا يكون ذلك معتقدا ما يخالف محسوسه ولا معقوله # الوجه السادس أنه إذا كان الآدمي يعلم من اقتدار غيره على استحضار العلوم المفصلة في زمن واحد مالا يقدر هو عليه كان ذلك دليلا عنده على أن رب العالمين أولى بأن يكون موصوفا بالعلم بمعلومات مفصلة لا يقدر العبد عليها # الوجه السابع أن العبد يعلم أن ربه يدبر أمر السموات والأرض في آن واحد لا يشغله شأنه عن شأن ومعلوم أن التدبير يحتاج إلى قدر زائد عن العلم من القدرة والمشيئة والحكمة مع أن العبد يعلم عجز نفسه عن نظيره من نحو ذلك فأن يكون معتقدا بأن ربه بكل شيء عليم وإن كان عاجزا عن ذلك بطريق الأولى والأحرى # وبالجملة فهذا الوجه من الوجوه التي ذكرها في تقريره هذه المقدمة وكذلك ما ذكره في قدرة الله تعالى وفي سمعه وفي بصره بعد هذا كما سنذكره # قال الرازي وثانيها أنا نرى كل من فعل فعلا فلا بد له من آلة وأداة فإن الأفعال الشاقة تكون سببا للكلال والمشقة لذلك الفاعل ثم إنا نعتقد

أنه سبحانه وتعالى يدبر من العرش إلى ما تحت الثرى مع أنه منزه عن المشقة واللغوب والكلال # يقال له لا ريب أن الله تعالى يقول في كتابه العزيز ^ وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما ^ أي لا يكرثه ولا يثقل عليه وقال في الكتاب ^ ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب ^ واللغوب الإعياء وإنما يستريح من إعياء ومنه قول أبي قتادة في حديث حمار الوحش فسعى القوم حتى لغبوا وقال أهل الجنة ^ الحمد لله الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ^ وهذا مما لا يتنازع فيه المسلمون # وإذا كان كذلك فالكلام على ما ذكرته من وجوه # أحدها أن هذا بيان قدرة الله تعالى كاملة تامة لا نقص فيها ليست مثل قدرة العبادة كما ذكرنا في العلم وهذا حق ولم يقل أحد إن هذا مخالف لا للمحسوس ولا للمعقول وإنما هو مخالف لمقدار صفاتنا # الثاني أن هذا نسبة هذا أن المعلوم والمعقول والمحسوس والمتخيل نسبة واحدة فقولك إن ثبوت هذا على خلاف حكم الوهم والخيال كقول القائل إنه ثابت على خلاف حكم العقل والعلم # الثالث إن هذا معناه أن الله ليس مثلنا ولا صفاته كمقدار صفاتنا وقد مضى أن انتفاء مثل الشيء لا يوجب انتفاءه فكيف إذا كان إنما نفى مماثلته لنا فقط

وإن كان الله تعالى ليس كمثله شيء وقد قدمنا أنه إن عنى ثبوته على خلاف الحس والخيال عدم النظير فهو حق لكن نفي موجود لا داخل العالم ولا خارجه معلوم بالفطرة البديهية لا بالقياس ولا بعدم النظير # الرابع أن هذه القدرة ليس عندنا اعتقاد بنفيها لا محسوس ولا معقول بخلاف وجود موجود لا داخل ولا خارجه فإن عندنا من العلوم الضرورية والنظرية ما ينفي ذلك # الخامس أن قوى بني آدم في الفعل مختلفة فإذا كان عجز أحدهم عما يقدر عليه الآخر ليس مانعا من اعتقاد ثبوت تلك القدرة مع اشتراكهم في الجنس فأن لا يكون عجز أحدهم مانعا من الإيمان بقدرة خالقه أولى وأحرى # السادس أنه إذا كان أحدهم يعلم من قدرة غيره على العمل ما ليس هو عنده ولا يكون ذلك ممتنعا لا في حسه ولا في خياله ولا في عقله فأن يعلم من قدرة خالقه ما ليس هو عنده أولى وأحرى # قال الرازي وثالثها أنا نعتقد أنه يسمع أصوات الخلق من العرش إلى ما تحت الثرى ويرى الصغير والكبير فوق أطباق السموات العلى وتحت الأرضين السفلى ومعلوم أن الوهم البشري والخيال الإنساني قاصران عن الاعتراف بهذا الموجود مع أنا نعتقد أنه تعالى كذلك # يقال له لا ريب أنه سبحانه وتعالى كما قالت عائشة رضي الله عنها في الحديث الصحيح سبحان الذي وسع سمعه الأصوات لقد كانت المجادلة تناجي رسول

الله صلى الله عليه وسلم في جانب البيت وإنه ليخفى علي بعض كلامها فأنزل الله تعالى ^ قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ^ وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال اجتمع عند البيت ثقفيان وقرشي أو قرشيان وثقفي فتحدثوا بينهم بحديث فقال أحدهم أترون الله يسمع ما تقول فقال الآخر يسمع أن أعلنا ولا يسمع إن أسررنا فقال الثالث إن سمع منه شيئا فإنه يسمع كله فأنزل الله تعالى ^ وما كنتم تستترون أن يشهد عليك سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين ^ # لكن الكلام في سعة سمعه وبصره سبحانه وتعالى كالكلام في سعة علمه وقدرته سواء وليس فيما ذكره إلا أن ذلك ليس مثل سمعنا وبصرنا وثبوت مثل هذا مما لا ينازع فيه عاقل ولا ينفيه حس ولا عقل ولا تخيل بل ثبوت مالا نظير له في الخلق لا ينفيه الحس والعقل فكيف بما ليس له نظير مساو أيضا فالعقل والحس والخيال والوهم بالنسبة إلى هذا سواء # فقوله ومعلوم أن الوهم البشري والخيال الإنساني قاصران عن الاعتراف بهذا الموجود بمنزلة قول القائل إن العقل البشري والعلم الإنساني قاصران عن الاعتراف بهذا الموجود وهو لا يقول إن الله ثابت على خلاف حكم العقل والعلم فيلزمه في الحس والوهم والخيال مثل ذلك # وأيضا فقوله على خلاف ذلك إن أراد به أن الوهم والخيال يعجز عن إدراك ذلك لم يضر فإن العجز عن إدراك الشيء من بعض الوجوه لا ينفي القدرة على معرفته من وجه آخر وإن أراد أن الوهم والخيال يدرك ما ينافي ذلك لم يصح ذلك فليس في وهمنا وخيالنا الصحيح ما ينافي ذلك وإن فرض اعتقاد فاسد

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:55 AM
ينافي ذلك فهو كالاعتقاد الذي يظن صاحبه أنه معقول أو معلوم وقد قدمنا أن لفظ الوهم والخيال يقال على الباطل تارة وعلى المطابق أخرى فالمطابق لا ينافي ذلك والباطل لا نزاع فيه # وأيضا فاعتقاد امتناع موجود لا داخل العالم ولا خارجه ثابت بالضرورة الفطرية والمتوهم المتخيل لا يكون ثابتا بالفطرة الضرورية كما تقدم # قال الرازي فثبت أن الوهم والخيال قاصران عن معرفة الله سبحانه وتعالى وصفاته ومع ذلك فإنا نثبت الأفعال والصفات على مخالفة الوهم والخيال وقد ثبت أن معرفة كنه الذات أعلى وأجل وأغمض من معرفة الصفات فلما عزلنا الوهم والخيال في معرفة الصفات والأفعال فلأن نعزلهما من معرفة الذات أولى وأحرى # فهذه الدلائل العشرة دالة على أن كونه سبحانه وتعالى منزه عن الحيز والجهة ليس أمرا يدفعه صريح العقل وذلك هو تمام المطلوب وبالله التوفيق # قلت قد تقدم الكلام على أصول هذا غير مرة من وجوه متعددة # أحدها أن القصور عن معرفة الشيء غير العلم بانتفائه والمنازع له قال إني أعلم انتفاء موجود لا داخل العالم ولا خارجه لم يقل إني قاصر أو عاجز عن معرفة وجوده # الثاني أن قصور الوهم والخيال لا يستلزم قصور العلم والعقل والحس والمنازع له يقول إن ذلك لا يعلم بعقل ولا غيره فإذا كان غيره معقولا لم يجب أن يكون هذا معقولا

# الثالث أن المنازع له قال أنا أعلم بالفطرة الإنسانية التامة امتناع هذا الموجود لا يقول إن ذلك نعتقده بوهمنا وخيالنا دون علمنا وعقلنا # الرابع أن جميع ما ذكره إنما يدل على ثبوت مالا نظير له لا يدل على ما نعتقد انتفاءه والأول مسلم ومورد النزاع من الثاني # الخامس أن الوهم والخيال المطابق والعلم والعقل والإحساس فيما ذكره سواء كما تقدم بيانه ثم إنه لم يعزل العلم والعقل في معرفة الله تعالى فلا يعزل الحس الصحيح وأما الفاسد فهو معزول وإن قيل إنه معقول ومعلوم كما يعزل ما يذكره الجهمية وغيرهم من أهل الإلحاد من العقليات التي يسمونها عقليات وهي جهليات # السادس أن المنازع له قد يسلم أن يعزل الوهم والخيال في معرفة أفعال الله تعالى وصفاته وذاته لكن لم يعزل الفطرة الإنسانية والمعارف الضرورية ومسألتنا من هذا الباب ولم يذكر حجة واحدة تنفي كون ذلك معلوما بالضرورة ولا يقبل الاحتجاج على خلاف ما يعرف بالضرورة # السابع أنه إنما أثبت أن أفعال الله تعالى وصفاته ليست مماثلة لأفعالنا وصفاتنا وذلك لا يقتضي كونها ثابتة على خلاف الوهم والخيال فإن الوهم والخيال لا ينفي ما لم يكن مثاله موجودا فيه بل غاية ما ذكره انتفاء المثل في الوجود والوهم والخيال لا ينفي مالا مثل له بل الوهم والخيال من أعظم الأشياء إثباتا لما لا نظير له في ما يقدره ويصوره من الأمور التي تكون موجودة فيه وليس لها نظير في الخارج

# وأما قوله فهذه الدلائل العشرة دالة على أن كونه منزها عن الحيز والجهة ليس أمرا يدفعه صريح العقل وذلك تمام المطلوب # فقد تبين بأدنى نظر أنه ليس فيها وجه واحد يبين إمكان وجود ذلك لا الإمكان الذهني ولا الخارجي أعني لم يثبت أن العقل يعلم إثبات ذلك ولا أنه لا يعلم امتناعه ولو لم يكن عندنا اعتقاد ينفي إمكان ذلك بضرورة أو نظر فكيف إذا كان اعتقاد امتناع ذلك معلوما بالنظر فكيف إذا كان معلوما بالضرورة وقد تقدم أن ما أعتقد امتناعه بالضرورة وأراد الرجل أن يبين أنه غير ممتنع بالضرورة ولا بالنظر بل هو ممكن في الذهن فلا بد أن يبين أنما يعلم امتناعه بالضرورة والنظر ليس هو الذي لا يعلم امتناعه في الذهن ليبقى الإمكان الذهني مع أن الإمكان الذهني لا يستلزم الإمكان الخارجي كما تقدم
فصل # ثم إن المنازعين له إذا كانوا يقولون نعلم بالضرورة امتناع ذلك وقالوا إنما يقوله النفاة إنه الحق الذي يجب وصف واجب الوجود به فإنه ممتنع وجوده معلوم امتناعه بضرورة العقل بل يقولون إنا نعلم بضرورة العقل أن رب العالمين فوق العالم فنحن نعلم بضرورة العقل وجوب ما ادعى امتناعه بالنظر وامتناع ما ادعى إمكانه بالنظر وقد يقولون نحن نعلم بالفطرة والضرورة أن الموجود الذي ليس هو صفة لغيره أو أن واجب الوجود لا يكون

إلا قائما بنفسه يمتنع غيره أن يكون بحيث هو وأنه ليس خيالا وشبحا في النفس بل هو شيء موجود له التحقق والثبوت الذي يعلم بالقلوب أنه تحقق وثبوت وإن سماه المنازع تحيزا وتجسيما ونحو ذلك وتعلم بالضرورة والفطرة أنما لا يكون كذلك لا يكون إلا معدوما كما نعلم بالضرورة والفطرة أنه ما من موجودين حيين عالمين قادرين بل ما من موجودين إلا وهما مشتركان في مسمى الوجود والثبوت وأن تميز أحدهما عن الآخر بخاصيته التي تخصه سواء كان واجبا أو لم يكن وما به الاشتراك ليس هو ما به الامتياز ولا مستلزما له وإلا كان أحدهما هو الآخر إذا كان المشترك مستلزما للميز فإنه إذا لم يكن أحدهما مختصا بما يميزه بل حيث تحقق المشترك تحقق المميز والمشترك ثابت لهما فإذا كان المميز ثابت لهما لم يكن لأحدهما تميز يخصه فلا يكون أحدهما غير الآخرة إذ لا بد في المعينين من أن يمتاز أحدهما عن الآخر بما يخصه وإذا كان كل منهما موصوفا بقدر مشترك والقدر المشترك أن يكون لأحدهما شبه ما بالآخر ولو من بعض الوجوه امتنع أن يكون في الوجود موجود لا يشارك الموجودات في شيء من الأمور الوجودية ولا يشابهها في شيء من ذلك ولهذا كان السلف والأئمة يقولون إن العقلاء يعلمون بعقلهم انتفاء ذلك كما قال الإمام أحمد رحمه الله في رده على الجهمية لما ذكر عنهم ما وصفوه من السلوب وأنهم قالوا كلما خطر على قلبك أنه شيء تعرفه فهو على خلافه وهذا معنى قول المؤسس وذويه إنه على خلاف الحس والخيال أو العقل وقد تقدم ذكر ذلك قال فقلنا هو شيء قالوا هو شيء لا كالأشياء فقلنا إن الشيء الذي لا كالأشياء قد عرف أهل العقل أنه لا شيء فعند ذلك تبين للناس أنهم لا يثبتون شيئا ولكنهم يدفعون عن أنفسهم الشنعة بما يقرون به في العلانية فإذا قيل لهم من تعبدون قالوا نعبد من يدبر أمر هذا الخلق فقلنا فهذا الذي يدبر أمر هذا الخلق هو مجهول

لا يعرف بصفة قالوا نعم فقلنا قد عرف المسلمون بأنكم لا تثبتون شيئا إنما تدفعون عن أنفسكم الشنعة بما تظهرون فذكر أولا أنما يقال إنه شيء ثم يقال إنه لا كالأشياء أي لا يشابهها بوجه من الوجوه بل يخالفها من كل وجه فهذا قد عرف أهل العقل أنه لا شيء لأن العلم بذلك عام في أهل العقل ولما ذكر ثانيا من يعبدون قالوا نعبد المدبر لهذا الخلق فهذا إخبار عن المعبود الذي تجب عبادته في الدين فلما قالوا هو مجهول لا يعرف بصفة قد علم المسلمون أنكم لا تثبتون شيئا لأن المسلمين يوجبون عبادة الله تعالى فذكر أولا عن عموم أهل العقل أنهم لا يثبتون شيئا وذكر ثانيا عن أهل الدين أنهم لا يعبدون شيئا ذكر في كل مقام ما يناسبه وذلك لأن المجهول لا يعرف فلا يقصد ولا يعبد ومن لا يعرف بصفة تميزه عن غيره لم يكن معلوما فلا يكون معبودا فهنا ذكر أن لا بد من صفة تميزه عن غيره والنفاة يقولون هذا تجسيم وذكر أولا أنه يمتنع أن لا يكون بينه وبين شيء من الموجودات قدر مشترك ولا شبه بوجه من الوجوه والنفاة يقولون هذا تشبيه فهم بما عنوه بلفظ التشبيه والتجسيم أوجبوا أن يكون الموصوف بنفي ذلك على المعنى الذي قصدوه معدوما بل واجب العدم ممتنع الوجود وإن كان اللفظ يحتمل نفي معان باطلة مثل نفي كونه مشابها للمخلوقات مماثلا لها من بعض الوجوه فإن نفي هذا واجب وكذلك نفي كونه يقبل التفريق والتفكيك فلا يكون صمدا أحدا هو أيضا واجب فتكلموا أيضا باللفظ المجمل المتشابه الذي يحتمل الحق والباطل ولكن قصدوا به ما هو باطل وإن قصدوا به ما هو أيضا حق أوهموا الناس أنهم لم يقصدوا به إلا نفي ما هو باطل كما قال أحمد رحمه الله يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويوهمون جهال الناس بما يشبهون عليهم


فصل # ويقول المنازعون نحن نعلم بالنظر العقلي والاستدلال كما علمنا بالفطرة الضرورية امتناع وجود ما أثبته المنازع من أنه لا داخل العالم ولا خارجه ونعلم انتفاء ذلك وثبوت هذه بالكتاب والسنة والإجماع وبالنقل المتواتر عن الأنبياء المتقدمين وباتفاق أهل الفطر السليمة من جميع العقلاء فصاروا يقولون إن كل واحد من ثبوت ما يقوله ونفي ما يقوله الجاحد المخالف يعلم بالفطرة والضرورة والبديهة والذوق والوجد ويعلم بالفطرة والأدلة العقلية يعلم بالأدلة الشرعية الكتاب والسنة والإجماع ويعلم بالنقل المتواتر عن الأنبياء ويعلم باتفاق العقلاء ذوي الفطر السليمة # وإذا استدلوا بالنظر والقياس والمعقول والبراهين التي يحتج بنظيرها مخالفوهم بل بالبراهين التي هي أصح من ذلك وهي حق في أنفسها قرروا ذلك من وجوه # أحدها وفيه قاعدة جليلة جامعة وهو أن يقال لا ريب أن قياس الغائب على الشاهد يكون تارة حقا وتارة باطلا وهو متفق عليه بين العقلاء فإنهم متفقون على أن الإنسان ليس له أن يجعل كلما لم يحسه مماثلا لما أحسه إذ من الموجودات أمور كثيرة لم يحسها ولم يحس ما يماثلها من كل وجه بل من الأمور الغائبة عن حسه مالا يعلمه أو ما يعلمه بالخبر بحسب ما يمكن تعريفه به كما أن منها ما يعلمه بالقياس والاعتبار على ما شاهده وهذا هو المعقول كما أن الأول هو المسموع والمحسوس ابتداءا هو ما يحسه بظاهره أو باطنه وهذا بين # القسم الثاني وهو أنهم متفقون على أن من الأمور الغائبة عن حسه ما يعلمه بالقياس والاعتبار على ما يشهده كما يعلم ما يغيب عنه من أفراد الآدميين

والبهائم والحبوب والثمار وأفراد الأطعمة والأشربة واللباس ونحو ذلك فإنما يسميه الفقهاء ونحوهم جنسا واحدا أو هو ماله اسم جامع يجمع أنواعا يميز بينها بالصفات كالحنطة والثمر والإنسان والفرس وهو الذي يسميه المنطقيون النوع وما هو أخص من ذلك وإن كان قد يسمى أيضا جنسا أو صنفا أو نوعا كالعربي والعبري والفارسي والرومي وكالتمر البرني والمعقلي ونحو ذلك لا ريب أن الإنسان لم يحس جميع أعيانه وأفراده وإنما يعلم غائبها بالقياس على شاهدها فهذا أصل متفق عليه بين العقلاء # ومن حكى من أهل الكلام أن من الأمم أمة لا تقر بشيء من المعقولات وإنما تقر بما أحسته ويذكرون ذلك عن البراهمة السمنية فلا ريب أن هذا النقل وقع فيه غلط من هؤلاء وتغليط من أولئك وقد ذكر الإمام أحمد رحمه الله أصل هذا النقل لما ذكر مبدأ حدوث الجهمية في هذه الملة فقال وكان مما بلغنا من أمر الجهم عدو الله أنه كان من أهل خراسان من الترمذ وكان صاحب خصومات وكلام وكان أكثر كلامه في الله تعالى فلقي ناسا من المشركين يقال لهم السمنية فعرفوا الجهم فقالوا له نكلمك فإن ظهرت حجتنا عليك دخلت في ديننا وإن ظهرت حجتك علينا دخلنا في دينك فكان مما كلموا به الجهم أن قالوا له ألست تزعم أنه لك إلاها قال الجهم نعم فقالوا له هل رأيت إلهك قال لا قالوا فهل سمعت كلامه قال لا قالوا فشممت له رائحة قال لا قالوا فوجدت له حسا قال لا قالوا فوجدت له مجسا قال لا قالوا فما يدريك أنه إله فتحير الجهم فلم يدر من يعبد أربعين يوما ثم إنه استدرك حجة مثل حجة الزنادقة من النصارى وذلك أن زنادقة النصارى يزعمون أن الروح التي في عيسى صلى الله على نبينا وعليه هي من روح الله تعالى ومن ذات الله تعالى فإذا أراد أن يحدث أمرا دخل في بعض خلقه فتكلم على لسان

فيأمر بما يشاء وينهى عما شاء وهو روح غائب عن الأبصار فاستدرك الجهم حجة مثل هذه الحجة فقال للسمني أسلت تزعم أن فيك روحا قال نعم قال فهل رأيت روحك قال لا قال سمعت كلامه قال لا قال فوجدت له حسا أو مجسا قال لا قال فكذلك الله لا يرى له وجه ولا يسمع له صوت ولا تشم له رائحة وهو غائب عن الأبصار ولا يكون في مكان دون مكان ووجد ثلاث آيات في القرآن من المتشابه قوله ^ ليس كمثله شيء ^ ^ وهو الله في السموات وفي الأرض ^ و ^ لا تدركه الأبصار ^ فبنى أصل كلامه كله على هؤلاء الآيات وتأول القرآن على غير تأويله وكذب بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وزعم أن من وصف من الله شيئا مما وصف به نفسه أو حدث عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كافرا وكان من المشبهة فأضل بشرا كثيرا # فقد ذكر بأن السمنية طالبوه بأن يكون إلاهه معروفا ببعض حواسه الخمس وأن مالا يعرفه هو بشيء من حواسه الخمس فإنه لا يعلمه وهذا يقتضي أنما لا يحسه الإنسان بشيء من حواسه الخمس فإنه لا يعرفه وهذا تغليظ منهم وظن أنهم يقولون إن مذهبهم أن الإنسان لا يعرف شيئا إلا ما يحسه ببعض حواسه الخمس ثم إن الجهم أجابهم بدعوى وجود موجود لا يمكن إحساسه أيضا فقطعهم مع غلطه في المناظرة ومغالطتهم أيضا ولو كانوا هم لا يقرون إلا بما أحسه أحدهم لم يكونوا قد انقطعوا بمثل هذه المناظرة لأن غايتها إثبات وجود موجود غير محسوس فيقاس الرب عليه فلو لم يكونوا يقرون بشيء من القياس العقلي لما سمعوا مثل هذا الكلام ولا أمكن مخاطبتهم به كما لا يمكن أن يحتج بقول الأنبياء على من كذبهم

# ولا يقال هو أقام الحجة عليهم ببيان وجود موجود غير محسوس ثم قاس عليه لأنه يقال لو كان من أصلهم أنهم لا يقبلون القياس في المحسوس لكانوا لا يقبلونه فيما لزمهم القول به من غير المحسوس وكانوا يقولون هذا يعلم وجوده كما ذكرت فمن أين يجب علينا أن نعترف بنظيره إذا كان من أصلهم أن الشيء لا يعرف حكمه من جهة النظير # بل الذي يقال إن القوم كانوا يقولون لا يكون شيء موجودا إلا أن يمكن إحساسه فلا يصدق الإنسان بوجود مالا يمكن معرفته بشيء من الحواس لا يقولون الإنسان المعين لا يعلم إلا ما أحسه هو بل ينكر ما أخبره جميع الناس من الأمور التي تماثل ما أحسه وينكر أيضا وجود نظير ما أحسه أو لا يمكنه الاعتراف بذلك فإن هذا لا يتصور أن تقوله طائفة مدنية وقد ذكر هذا المتكلمون فقالوا إن الطائفة التي تبلغ مبلغ التواتر لا يتفقون على إنكار ما يعرف بالضرورة كما ذكر المؤسس في هذا الكتاب إن الطائفة العظيمة من العقلاء لا يجتمعون على إنكار الضروريات فلا ينقلهم ذلك السلب العام عن طائفة من العقلاء ولا يبين به أن طوائف العقلاء يقعوا في شيء من هذا السلب وكلا الأمرين باطل بل التحقيق أن العقلاء لا يتفقون على إنكار العلوم الضرورية من غير تواطئ واتفاق كما لا يتفقون على الكذب من غير تواطئ ولا اتفاق وذلك أن الله تعالى خلق الإنسان يعلم الأمور الضرورية بغير اختياره كم يجهل بعضها وخلقه بفطرته يخبر بما يعلمه إلا لمعارض يغيره عن فطرته وكذلك خلقه بفطرته يريد العدل والمصلحة إلا لمعارض فهو وإن كان ^ ظلوما جهولا ^ فذاك في كثير من الأمور أما أن تكون

أمة من الأمم تجهل كل شيء أو تكذب في كل شيء أو تظلم في كل شيء فهذا لا يتفق أبدا فإن اجتماع بني آدم في الدنيا وهو الاجتماع الفطري الطبيعي الذي لا يعيشون بدونه لا يتصور مع هذا الإنكار وذلك أنهم لا بد أن يقروا بأن لأحدهم أبا وأخا ونحو ذلك ومن المعلوم أنه لم يعرف بحسه إحبال أبيه لأمه ولا ولادة أمه له وكذلك لم يحس ولادة أهله وأهل مدينته مع أنه لا بد لهم من اعتراف أن هذه أم فلان وهذا ابنها وإنما يشهد الولادة في العادة بعض النساء وكذلك لا بد أن يعرف أن آباءهم وأمهاتهم مولودون وأن أجدادهم ماتوا وأن الناس يموتون في الجملة ولم يحس كل منهم موت من غاب عنه ولا أن أحدهم يستعين بالآخر لجلب منفعة ودفع مضرة مباينة فيصلح له طعاما وشرابا أو لباسا ويحصل ذلك بأنواع الصناعات والمعاوضات الذي لم يشهد بحسه تفاصيل ذلك بل يستفيده من إخبار المباشرين له وكذلك ما يكون في قريته ومدينته من أحوال أهلها وصناعتهم وأحوالهم التي تتعلق مصلحته بها لا يعرف كل منهم كل شيء في ذلك بالمشاهدة بل بعضهم يشهد ذلك ويخبر غيره حتى يخبر بعضهم بعضا بالمدائن القريبة منهم وأحوالها ولا يخفى على سليم العقل أن الطعام الذي يأكله واللباس الذي يلبسه قد أوتي به إليه من مكان لم يشهده وصنع بأساب متنوعة لم يشهد عامتها وكذلك لا بد لكل مة من رئيس مطاع وكبير منهم لا يشهدونه وأكثرهم لا يشهدون تفاصيل أحواله التي تتعلق مصالحهم بها وإنما يتسامعون بها ولهذا جاءت الشريعة بقبول شهادة الاستفاضة في هذا وأمثاله كالموت والنسب باتفاق الفقهاء وإن كان لهم فيما يقبل فيه غير ذلك أقوال مختلفة # ففي الجملة قبول الأخبار المستفيضة والمتواترة ونحو ذلك فيما يحس جنسه هو من الأمور الفطرية الضرورية لبني آدم كما أن الأكل والشرب والنكاح

لهم كذلك فمن قال إن أمة من الأمم عاشت بدون هذه العلوم والأقوال كمن قال إنها عاشت بدون هذه الحياة وهذه الأفعال # ولكن اشتبه النوع بالشخص فلما كان قولهم إنما لا يعرف بجنس الحواس لم يعترف به اشتبه ذلك بأن كل من لا يعرف هذا الجنس المعين لم يعترف به وبين القولين بون عظيم جدا فإن هذا الثاني في غاية الجحد والتكذيب ولهذا اشتد إنكار الناس كلهم لهذا القول وجعل هؤلاء المتكلمين هذا أحد أنواع السفسطة # ولكن غلطهم في تفصيل السفسطة كغلطهم في جملتها فإنهم ذكروا أن من الناس من ينكر جملة العلوم ويجحدها ومنهم من يشك ويقول لا أدري ويسمونهم المتجاهلة واللاأدرية ومنهم من يقول إن الحقائق تتبع العقائد ثم قالوا منهم من يعترف بالحسيات فقط ومنهم من يضم إلى ذلك المتواترات ويقولون إن رئيس هؤلاء شخص يقال له سفسطاء نسبوا إليه كما نسبت المانوية والجهمية إلى رئيسهم وهذا غلط فإن أمة من الأمم لا يتصور أن تنكر ذلك ولا يتصور أن عاقلا يصر على إنكار ذلك ولكن قد يعرض للعقل نوع من الفساد كما يعرض للحس فينكر المنكر لذلك ما دام به ذلك المرض والآفة العارضة لعقله أو حسه أما أن يكون ذلك مقالة ومذهبا يقولها طائفة عقلاء يعيشون بين بني آدم فهذا لا يتصور ولكن وقع اشتباه في هذا النقل فإن هذه الكلمة هي كلمة معربة وأصلها باليونانية سوفسقيا أي حكمة مموهة فإن سوفيا باليونانية هي الحكمة ولهذا يقولون فيلسوف أي محب الحكمة # وهم قسموا الحكمة القياسية إلى خمس أنواع برهانية وخطابية وجدلية وشعرية ومموهة ومفلطية فهذه المموهة المغلطية هي التي تشبه

الحق وتوهم أنها حق باطلة قطعا لا يجوز أن يظن صدقها ولا أن تتأثر النفس عنها فإن الشعرية قد تتأثر النفس عنها كما يتأثر الإنسان عن أقوال الشعر التي فيها من المدح والذم ما يجزم عقله بكذبه لكن لما فيها من التخيل والتشبيه يؤثر في النفس وإن علم أنها ليست مطابقة وأما هذه المموهة فهي تشبه الحق البرهاني ونحوه مما ينبغي قبوله وهي في الحقيقة باطلة يجب ردها ولكن موهت كما يموه الحق بالباطل فسموها سوفسقيا أي حكمة مموهة # ثم إنه لما عربت الكتب اليونانية في حدود المأة الثانية وقبل ذلك وبعد ذلك وأخذها أهل الكلام وتصرفوا فيها من أنواع الباطل في الأمور الإلهية ما ضل به كثير منهم وفيها من أمور الطب والحساب مالا يضر كونه في ذلك وصار الناس فيها أشتاتا قوم يقبلونها وقوم يحلون ما فيها وقوم يعرضون ما فيها على أصولهم وقواعدهم فيقبلون ما وافق ذلك دون ما خالفه وقوم يعرضونها على ما جاءت به الرسل من الكتاب والحكمة وحصل بسبب تعريبها أنواع من الفساد والاضطراب مضموما إلى ما حصل من التقصير والتفريط في معرفة ما جاءت به الرسل من الكتاب والحكمة حتى صار ما مدح من الكتاب والسنة من مسمى الحكمة يظن كثير من الناس أنه حكمة هذه الأمة أو نحوها من الأمم كالهند وغيرهم ولم يعلموا أن اسم الحكمة مثل اسم العلم والعقل والمعرفة والدين والحق والباطل والخير والصدق والمحبة ونحو ذلك من الأسماء التي اتفق بنو آدم على استحسان مسمياتها ومدحها وإنما تنازعوا في تحقيق مناطها وتغيير مسمياتها فإن كل أمة من أهل الكتب وغير أهل الكتب تسمي بهذه الأسماء ما هو عندها كذلك من القول والعمل وإن كانت في كثير من ذلك أو أكثره إن تتبع ^ إلا الظن

وما تهوى الأنفس ^ ولهذا قال تعالى وتقدس ^ كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ^ فإنما يفصل النزاع بين الآدميين كتاب منزل من السماء ولهذا أمر الله تعالى المؤمنين عند تنازعهم بالرد إليه كما قال تعالى وتقدس ^ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ^ وهذا ونحوه مبسوط في غير هذا الموضع # وإنما المقصود هنا أن الناقلين للمقالات وأهل الجدل صاروا يعيرون باللفظة المعربة من سوفسقيا وهي سوفسطا عن هذا المعنى الذي يتضمن إنكار الحق وتمويهه بالباطل وظن من ظن أن هذا قول ومذهب عام لطائفة في كل حق وليس الأمر كذلك وإنما هو عارض لبني آدم في كثير من أمورهم فكل من جحد حقا معلوما وموه ذلك بباطل فهو مسفسط في هذا الموضع وإن كان مقرا بأمور أخرى وهو معاند سوفسطائي إذا علم ما أنكره قال تعالى وتقدس ^ وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ^ فهؤلاء سفسطائيون في هذا الجحود وإن كانوا مقرين بأمور أخرى وقال تعالى وتقدس ^ فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ^ ولهذا كان جمهور من كذب بالحق الذي بعث به رسله من ذوي التميز هم من الجاحدين المعاندين وهم من شر السوفسطائين # فهكذا ما ذكروه عن السمنية إنما كان أصل قولهم أن الموجود لا بد أن يمكن أن يكون محسوسا بإحدى الحواس لا أنه لا بد لمن أقر به أن يحس به

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:56 AM
# وهذا الأصل الذي قالوه عليه أهل الأثبات فإن أهل السنة والجماعة المقرين بأن الله تعالى يرى متفقون على أن مالا يمكن معرفته بشيء من الحواس فإنما يكون معدوما لا موجودا # فكان حق الجهم أن يقول لهم إن أردتم أني لا بد أن أحس بإلاهي فلا يجب عندكم أن ينكر الإنسان ما لم يحسه هو وإن أردتم أنه لا بد أن يمكن أن يحس به فإلاهي يمكن أن يرى وأن يسمع كلامه وإن أردتم أنه لا بد أن يكون قد عرفه بالحس بعض الآدميين فهذا مع أنه غير واجب فقد سمع كلامه من سمعه من الرسل وهو أحد الحواس وقد رواه بعضهم أيضا عند كثير من أهل الأثبات وكان يقول لهم أتريدون أنه لا بد أن يحسه هذا الحس الظاهر أم يكفي إحساس الباطن إياه وشهوده إياه الأول منقوض بأحوالنا الباطنية الجسمانية والنفسانية وأما الثاني فمسلم وقد شهدته بعض القلوب # فعدل عن ذلك وادعى وجود موجود لا يمكن إحساسه وهو الروح وهذا هو قول المتفلسفة المشائين فيها وحجته هذه من جنس حجة أبي عبدالله الرازي لما ادعى جواز وجود موجود لا يمكن إحساسه ولا يكون داخل العالم ولا خارجه واحتج على ذلك بقول هؤلاء المتفلسفة ومن وافقهم في العقول والنفوس ويقول بقولهم وقول من وافقهم من متكلمي المسلمين في النفس الناطقة فجهم أول هؤلاء ومقدمهم الأول ولهذا ألزمته هذه الحجة أن يصف الرب تعالى وتقدس من الحلول والاتحاد بنحو مما قالته النصارى في المسيح لكن أولئك خصوه

بالمسيح والجهمية تطلقه في الموجودات فقولهم في كل مكان نظير قول النصارى إنه حال في المسيح # إذا تبين ذلك فنقول المتكلمون والفلاسفة كلهم على اختلاف مقالاتهم هم في قياس الغائب على الشاهد مضطر بين كل منهم يستعمله فيما يثبته ويرد على منازعه ما استعمله في ذلك وإن كان قد استعمل هو في موضع آخر ما هو دونه وسبب ذلك أنهم لم يمشوا على صراط مستقيم بل صار قبوله ورده هو بحسب القول لا بحسب ما يستحقه القياس العقلي كما تجدهم أيضا في النصوص النبوية كل منهم يقبل منها ما وافق قوله ويرد منها ما خالف قوله وإن كان المردود من الأخبار المقبولة باتفاق أهل العلم بالحديث والذي قبله من الأحاديث المكذوبة باتفاق أهل العلم والحديث فحالهم في الأقيسة العقلية كحالهم في النصوص السمعية لهم في ذلك من التناقض والاضطراب مالا يحصيه إلا رب الأرباب # وأما السلف والأئمة فكانوا في ذلك من العدل والاستقامة وموافقة المعقول الصريح والمنقول الصحيح بحال آخر فالعصمة وإن كانت شاملة لجماعتهم فآحادهم مع ذلك لا يجترؤون في مخالفة النصوص المشهورة والمعقولات المعروفة على ما يجترئ عليه هؤلاء المسفسطون وكانوا يستعملون القياس العقلي على النحو الذي ورد به القرآن في الأمثال التي ضربها الله تعالى للناس فإن الله ضرب للناس في القرآن من كل مثل وبين بالأقيسة العقلية المقبولة بالعقل الصريح من المطالب الآلهية والمقاصد الربانية مالا تصل إليه آراء هؤلاء المتكلمين في

المسائل والوسائل في الأحكام والدلائل كما قد تكلمنا على ذلك في غير موضع # والله تعالى له المثل الأعلى فلا يجوز أن يقاس على غيره قياس تمثيل يستوي فيه الأصل والفرع ولا يقاس مع غيره قياس شمول تستوي أفراده في حكمه فإن الله سبحانه ليس مثلا لغيره ولا مساويا له أصلا بل مثل هذا القياس هو ضرب الأمثال لله وهو من الشرك والعدل بالله وجعل الند لله وجعل غيره له كفوا وسميا وهم مع هذا كثير والبراءة من التشبيه والذم له وهم في مثل هذه المقاييس داخلون في حقيقة التمثيل والتشبيه والعدل بالله وجعل غيره له كفوا وندا وسميا كما فعلوا في مسائل الصفات والقدر وغير ذلك ولهذا ذكر الوزير أبو المظفر ابن هبيرة في كتاب الإيضاح في شرح الصحاح أن أهل السنة يحكون أن النطق بإثبات الصفات وأحاديثها يشتمل على كلمات متداولات بين الخالق وخلقه وتحرجوا من أن يقولوا مشتركة لأن الله تعالى لا شريك له بل لله المثل الأعلى وذلك هو قياس الأولى والأحرى فكلما ثبت للمخلوق من صفات الكمال فالخالق أحق به وأولى وأحرى به منه لأنه أكمل منه ولأنه هو الذي أعطاه ذلك الكمال فالخالق أحق به وأولى وأحرى به منه لأنه أكمل منه ولأنه هو الذي أعطاه ذلك الكمال فالمعطي الكمال لغيره أولى وأحرى أن يكون هو موصوفا به إذ ليس أعطى وأنه سلب نفسه ما يستحقه وجعله لغيره فإن ذلك لا يمكن بل وهب

له من إحسانه وعطائه ما وهبه من ذلك كالحياة والعلم والقدرة وكذلك ما كان منتفيا عن المخلوق لكونه نقصا وعيبا فالخالق هو أحق بأن ينزه عن ذلك وقد بسطت هذه القاعدة في غير هذا الموضع # وعلى هذا فجميع الأمور الوجودية المحضة يكون الرب أحق بها لأن وجوده أكمل ولأنه هو الواهب لها فهو أحق باتصافه بها وجميع الأمور العدمية المحضة يكون الرب أحق بالتنزيه عنها لأنه عن العدم أبعد من سائر الموجودات ولأن العدم ممتنع لذاته على ذاته وذاته بذاته تنافي العدم وما كان فيه وجود وعدم كان أحق بما فيه من الوجود وأبعد عما فيه من العدم فهذا أصل ينبغي معرفته فإذا أثبت له صفات الكمال من الحياة والعلم والقدرة والكلام والسمع والبصر وغير ذلك بهذه الطريق القياسية العقلية التي لله فيها المثل الأعلى كان ذلك اعتبارا صحيحا وكذلك إذا نفي عنه الشريك والولد والعجز والجهل ونحو ذلك بمثل هذه الطريق ولهذا كان الإمام أحمد وغيره من الأئمة يستعملون مثل هذه الطريق في الأقيسة العقلية التي ناظروا بها الجهمية # وإذا كان كذلك فمن المعلوم أن كون الموجود قائما بنفسه أو موصوفا أو أن له من الحقيقة والصفة والقدرة ما استحق به ألا يكون بحيث غيره وأن لا يكون معدوما بل ما أوجب أن يكون قائما بنفسه مباينا لغيره وأمثال ذلك هو من الأمور الوجودية باعتبار الغائب فيها بالشاهد صار على هذا الصراط المستقيم فكل ما كان أقرب إلى الوجود كان إليه أقرب وكلما كان أقرب إلى المعدوم فهو عنه أبعد # الوجه الثاني أن يقال من المعلوم أن لفظ الوجود هو في أصل اللغة مصدر وجدت الشيء أجده وجودا ومنه قوله تعالى ^ فلم تجدوا ماءا ^

وقوله ^ حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده ^ وقوله ^ ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ^ وأمثال ذلك فالموجود هو الذي يحده الواجد فنسبة الموجود إلى الوجود كنسبة المعلوم إلى العلم والمذكور إلى الذكر والمحس المحسوس إلى الحس والمشهود والمرئي إلى الرؤية وهذا الاسم إنما يستحقه من يكون موجودا لواجد يجده لكن هم في مثل هذا قد يقولون مشهود ومرئي وموجود ونحو ذلك لما يكون بحيث يشهده الشاهد ويراه الرائي ويجده الواجد وإن تكلموا بذلك في الوقت الذي لا يكون فيه يشهده ويراه ويجده غيره وقد لا يقولون هذا إلا في الوقت الذي يشهده الشاهد ويراه الرائي ويجده الوجد وكثيرا ما يقصدون به المعنى الأول فيطلقون الموجود على ما هو كائن ثابت لكونه بحيث يجده الواجد # وكذلك لفظ الوجود يريدون بها تارة المصدر الذي هو الأصل فيها ويريدون بها تارة المفعول أي الموجود كما في لفظ الخلق ونحوه وكذلك لفظ الفعل فإنهم يقولون وجد هذا وهذا صيغة فعل مبني للمفعول فقد يريدون بذلك أنه وجده واجد وقد يريدون بذلك أنه كان وحصل حتى صار بحيث يجده الواجد ثم لما صار هذا المعنى هو الغالب في قصدهم صار لفظ الموجود عندهم والوجود يراد به الثبوت والكون والحصول من غير أن يستشعر فيه وجود واجد له لا بالفعل ولا بالاستحقاق فهذه ثلاث معان لكن غروب هذا المعنى عن الذهن إنما كان لما لم يقصد الناطق إلا نفس الكون والثبوت وإن كان المعنى الآخر لازم له # وحينئذ فنقول اتفاق الناس على استعمال هذا اللفظ في هذا المعنى دليل على تلازمها فكما أن كل ما وجده واجد فله حصول في نفسه فكما له حصول في نفسه فإنه بحيث يجده الواجد ولا يجوز أن يسمى بالموجود ما يكون حيث لا يجده الواجد لأن هذا سلب لمعنى اللفظ الذي به صح إطلاقه على هذا المسمى

كما أن اسم الحي والعالم والقادر لما أطلقوه على المسمى باعتبار كونه عالما وحيا وقادرا لم يجز أن تخرج هذه المعاني من هذه الأسماء ولهذا كثيرا ممن أطلق هذا الاسم على الله تعالى لا يريد به إلا ما فيه من معنى الإضافة مثل قول الداعي يا مقصود يا موجود وقول المذكر والداعي يا من يجيب من قصده أو من طلب الله صادقا وجده وعلى هذا دل قوله ^ حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده ^ فإنما دل على هذا المعنى بلفظ الفعل الماضي وهو قوله ^ ووجد الله عنده ^ لكنه عداه إلى مفعولين وإذا كان كذلك علم أنه يجب أن يكون بحيث يجده القاصد والطالب ويجده الواجدون وهذا بعينه هو أنه بحيث يحسونه فإن وجود الشيء وإحساسه متلازمان بل هو هو لا يستعمل لفظ موجود ووجدته فيما لا يحس ولا يمكن الإحساس به البتة # وهذا معنى احتجاج المثبتة بهذا كما قال القاضي أبو يعلى حيث قال في قوله الآخر أثبت الجهة بعد أن كان ينفيها ولأن من نفى الجهة من المعتزلة والأشعرية يقولون ليس هو في جهة ولا خارج منها وقائل هذا بمثابة من قال إثبات موجود مع وجود غيره لا يكون أحدهما قبل وجود الآخر ولا بعده قال ولأن العوام لا يفرقون بين قول القائل طلبته فلم أجده في موضع ما وبين قوله طلبته فإذا هو معدوم فبينوا أن المستقر في فطر الناس أن قولهم طلبته فلم أجده في موضع ما هو يدل على أنهم لم يحسوه في أين من الأيون هذا بمنزلة قولهم فإذا هو معدوم لأن ضد المعدوم هو ما يكون حيث يجده الواجد وقولنا بحيث يجده الواجد هو إشارة إلى الأين الذي يوجد فيه فمالا أين له ولا حيث يمتنع أن يجده الواجد وما امتنع لأن يجده الواجد لم يكن موجودا

بل كان معدوما كما بين أن نفي الأين والحيث ونحوهما من الظروف من جميع الوجوه كنفي المقارنة بالقبل والبعد والمع ومعلوم أن هذا لا ينطبق إلا على المعدوم فكذلك الآخر # والذي يحقق هذا أنك لست تجد أحدا من أهل الفطر السليمة مع ذكائه ونظره وجودة تصوره إلا إذا بينت له حقيقة قول السالبة قال هذا لا شيء ولهذا كثر كلام الناس فيهم بالخبر عنهم بأنهم معطلون وأنهم أعدموه وأمثال ذلك وقد استقرئت أنا في طوائف من الآدميين فوجدت فطرهم كلهم على هذا # الوجه الثالث أن يقولوا نحن نعلم بالضرورة العقلية أن الموجود إما أن يكون موصوفا وإما أن يكون صفة أو نعلم أن القائم بنفسه لا يكون إلا موصوفا وهذا متفق عليه بين الصفاتية ومن نازع في ذلك قيل له أنت توافقنا على ما هو معلوم بالفطرة من أن الموجود القائم بنفسه لا بد أن يوصف أي يخبر عنه بما هو مختص به متميز به عن غيره إذ الموجود في الخارج لا يكون مرسلا مطلقا لا يتميز بشيء بل فساد هذا معلوم بالضرورة باتفاق العقلاء المتفقين على أن الكلي لا يكون في الخارج كليا مطلقا بل لا يكون إلا مخصوصا معينا وإذا كان كذلك فلا يعني بالموصوف إلا ما يوصف سواء قيل إن الصفة ذاتية أو معنوية كقولنا الموجود إما قائم بنفسه وإما قائم بغيره وكذلك نعلم أن الموجود إما جسم وإما عرض وإما متحيز وإما قائم بمتحيز لمن كان يفهم معاني هذه العبارات الاصطلاحية فإن من فهم هذا وهذا وهذا وتصوره تصورا تاما حصل له حينئذ العلم البديهي والضروري الفطري فإن العلم البديهي يعنون به ما كان تصور طرفيه كافيا في التصديق به فعدم التصديق به كثيرا ما يكون لعدم التصور الصحيح للطرفين

وهذه العبارات المجملة قد لا يتصور أكثر الناس من إذا هل الاصطلاح بها فإذا تصوروا معناها ومعنى الموصوف والقائم بنفسه كان علمهم بهذا كعلمهم بهذا كل ذلك فطري ولذلك اتفق على ذلك محققو المثبتة ومحققو النفاة أما النفاة العقلاء من المتفلسفة والقرامطة وأهل الوحدة وأمثال هؤلاء فقد علموا أنهم مضطرون إلى أن يقولوا هو الوجود المطلق وهو لا يتعين ولا يتخصص ولا كذا ولا كذا لعلمهم بأنه متى كانت له حقيقة معينة في الخارج وخاصة تميزها لزم أن يكون جسما متحيزا داخل العالم أو خارجه وهم قد يسلمون نفي ذلك فصاروا دائرين بين المعنى الذي سموه تجسيما وبين هذا النفي والتعطيل فذهبوا إلى هذا لكنهم ظنوا إمكان وجود ما أثبتوه في الخارج وجميع العقلاء يعلمون بالفطرة الضرورية استحالة وجود مطلق في الخارج ويعلمون أن المطلق بشرط الإطلاق وجوده في الأذهان لا في الأعيان وهؤلاء أيضا يعلمون ذلك إذا تدبروه ورجعوا إلى ما معهم من العلوم الفطرية الصحيحة العقلية # ولهذا لما خاطبت بهذا غير واحد من أفاضل أهل الوحدة الكبار وثبت هذا لهم تبين الأمر وعلموا من أين دخل الداخل على من كان عندهم أئمة العالم في التحقيق والعرفان ومن كان حاذقا في هذه الأمور منهم يقول ثبت عندنا في الكشف ما يناقض صرائح العقول ولذلك عبر هذا بالكشف والذوق والمشاهدة وهذا لا يحصل إلا بالرياضة والمجاهدة والخلوة ونحو ذلك من الطرق العبادية الزهدية الصوفية # وقلت لبعض أكابرهم لما خاطبني في هذا وكان مهتما في ذلك وطلب مني أن لا أخاطبه بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وقال أنا لا أقول إنها خبر

والخبر محتمل لكن أمور أخرى وكنت علمت من حاله ما علمت معه ضعف تلك الأدلة في نفسه وكان مخاطبته بالأمور العقلية أيسر عليه وأبين له وإن كان ذلك مما بينه كتاب الله تعالى الذي ضرب للناس فيه من كل مثل وجعله حاكما بين الناس فيما اختلفوا فيه وأخبر المؤمنين عند التنازع ^ في ظلمات ^ و ^ في قول مختلف يؤفك عنه من أفك ^ وقال ^ فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ^ كما قال تعالى ^ أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها ^ ونحو ذلك مما يبين أن القول المختلف باطل وذم من لا يعقل مثل ذلك ويعمى عن الحق المعقول فقلت له لا نزاع في أنه قد يحصل من العلم بالكشف والمشاهدة مالا يحصل بمجرد العقل سواء كان للأنبياء فقط أو للأنبياء والأولياء أو لهم ولغيرهم لكن يجب الفرق بين ما يقصر العقل عن دركه وما يعلم العقل استحالته بين مالا يعلم العقل ثبوته وبين ما يعلم العقل انتفاءه بين محارات العقول ومحالات العقول فإن الرسل صلوات الله عليهم وسلامه قد يخبرون بمحارات العقول وهو ما تعجز العقول عن معرفته ولا يخبرون بمحالات العقول وهو ما يعلم العقل استحالته قلت وهذا بين واضح فلو قال قائل إنه يعلم بالكشف والذوق والمشاهدة أو بالأخبار عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو غير ذلك أن الواحد ليس نصف الاثنين وأن الواجب لذاته يكون ممتنعا لذاته وأن المخلوق يماثل الخالق في الحقيقة وأن الوجود كله ممكن الوجود ليس في الوجود وجود واجب ولا وجود قديم ونحو ذلك من القضايا التي يعلم العقل وجوبها وامتناعها وإمكانها فمن ادعى أنه يعلم بالكشف والبصر أو بالسماع والخير عن الأنبياء عليهم السلام ما ينافي هذا كانت هذه الدعوى باطلة فلما بينت له ذلك اعترف بهذا الأصل وبه يتبين زيف هؤلاء فلما تقرر

هذا ثبت له أن العقل الصريح يمنع أن يكون في الخارج وجود كلي مطلق بشرط الإطلاق وأن الكليات بشرط إطلاقها أو عمومها إنما وجودها في الأذهان لا في الخارج وكان عارفا بهذه العلوم وبينت له ما تستلزم أقوالهم الكثيرة من الجمع بين المتناقضات التي هي معلوم استحالتها ببداية العقول وما كان كذلك فإذا ادعى أنه عرفه كشفا وشهودا أو ذوقا علم أنه خيالات فاسدة وأذواق فاسدة وذلك أنه لا بد من أحد الأمرين إما أن يكون قد شهد ما وجوده في الأذهان فاعتقد وجوده في الأعيان كما يقع لكثير من الناس ومعلوم أن شهود الشيء غير العلم بكونه في النفس أو الخارج وهؤلاء قد يحصل لهم مجرد الشهود من غير تمييز بين الموجود في النفس أو الخارج وكثيرا ما يضلهم الشيطان بتخيلات لا حقيقة لها في الخارج وإما أن يكون قد شهد ما وجوده في الخارج فظن أنه الخالق وإنما هو مخلوق ليس هو الخالق فكل شهود وذوق وكشف يدعى فيه أن المشهود بالقلب هو الله وذلك مما يناقض المعلوم بصريح العقل ويخالف الكتاب والسنة والإجماع فإنه يكون المشهود به إما في الذهن وإما في الخارج ولكن ليس هو الله ولا هو ما يقال هو وجوده ولا ذاته وبسط الكلام في هذا له موضع آخر # فإن المؤسس وأمثاله وإن كانوا هم وهؤلاء يشتركون في إنكار الأصل وهو إنكار حقيقة وجود الله ومباينته لخلقه الذي يستلزم إنكاره هذه المقالات المتناقضة وفي الإقرار يثبتون ما يخالف ذلك من الأمور الممتنعة لكن هو وأمثاله لا يقولون بهذا ويسلمون أنه ليس وجودا مطلقا بل له حقيقة تختص به يمتاز بها عن من سواه

# ولكن المقصود بيان أنه هو وأمثاله كما يعلمون بصريح العقل بطلان قول هؤلاء النفاة فالمثبتة يعلمون بصريح العقل امتناع أن يكون موجودا معينا مخصوصا قائما بنفسه ويكون مع ذلك لا داخل العالم ولا خارجه وأنه في اصطلاحهم لا جسم ولا عرض ولا جسم ولا متحيز كما يعلمون أنه يمتنع أن يقال إنه لا قائم بنفسه ولا قائم بغيره فإنك إذا استفسرتهم عن معنى التحيز ومعنى الجسم فسروه بما يعلم أنه الموصوف بأنه القائم بنفسه ولهذا لا يعقل أحد ما هو قائم بنفسه إلا ما يقولون هو متحيز وجسم فدعوى المدعين وجود موجود ليس بمتحيز ولا جسم ولا قائم بمتحيز أو جسم مثل دعواهم وجود موجود ليس قائما بنفسه ولا قائما بغيره # وهذا يتبين بالوجه الرابع وهو أن يقال هم لا ينازعون أن الموجود إما قائم بنفسه وإما قائم بغيره والله سبحانه وتعالى قائم بنفسه وإن نازعوا في وصف غيره بأنه قائم بنفسه لتنازعهم في أن القائم بنفسه هل يراد به الموجود المستغني عن المحل أو المستغني عن المحل والمخصص والمكان وغير ذلك لكن المقصود هنا أنه لا يعقل ما هو قائم بنفسه بمعنى أنه غير حال في محل إلا ما هو مختص بما يقولون إنه جهة وإن كان حقيقته أمرا عدميا وما تصح عليه المحاذاة على اصطلاحهم وما هو في اصطلاحهم جسم ومتحيز هو المعدوم في صرائح العقول ومن قيل له هل تعقل شيئا قائما بنفسه ليس في محل وهو مع هذا ليس بجسم ولا جوهر ولا متحيز ومع هذا إنه لا يجوز أن يكون فوق غيره ولا تحته ولا عن يمينه ولا عن يساره ولا أمامه ولا وراءه وأنه لا يكون مجامعا له ولا مفارقا له ولا قريبا منه ولا بعيدا عنه ولا متصلا به ولا منفصلا عنه ولا مماسا له ولا محايثا له وأنه لا يشار إليه بأنه هنا أو هناك ولا يشار إلى شيء منه دون شيء ولا يرى منه شيء دون شيء ونحو

ذلك من الأوصاف السلبية التي يجب أن يوصف بها ما يقال إنه ليس بجسم ولا متحيز لقال حاكما بصريح عقله هذه صفة المعدوم لا الموجود كما سمعنا ورأينا إنه يقول ذلك عامة من يذكر له ذلك من أهل العقول الصحيحة الذكية وكما يجده العاقل في نفسه إذا تأمل هذا القول وأعرض عما تلقنه من الاعتقادات السلبية وما اعتقده من يعظمها ويعظم قائلها واعتقاده أنهم حرروا هذه المعقولات فإن هذه العقائد التقليدية هي التي تصد القلوب عما فطرت عليه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه # ثم إن هذه المقالات السلبية لم يقل شيئا منها إمام من أئمة المسلمين ولا نطق بها كتاب ولا سنة والطوائف المتكلمون قد أنكرها من حذاقهم من لا يحصيه إلا الله # فإن قيل الاستغناء عن المحل وصف سلبي فإذا كان القيام بالنفس وصفا سلبيا لم يدل على معنى ثبوتي وهو كونه متحيزا أو جسما # قال له منازعه أولا هذا منقوض بوصف الأجسام والجواهر بأنها قائمة بنفسها غنية عن المحل فإن هذا السلب يستلزم هذا الثبوت # وقالوا ثانيا نحن لم نجعل نفي السلب هو الثبوت وإنما قلت الشيء الموجود المحكوم عليه المخبر عنه بهذا السلب هو الذي يعلم القلب أنه محكوم عليه مخبر عنه بهذا الثبوت ونعلم أن لا يكون هذا السلب عن أمر موجود إلا مع هذا الثبوت # وقالوا ثالثا المستلزم لهذا الثبوت هو الأمر الوجودي المسلوب عنه المحل فهذا الأمر الوجودي هو الذي سموه المتحيز والجسم

وقالوا رابعا وهو الوجه الخامس إن القائم بنفسه لا يقوم بالقائم بنفسه ولا يكونان في حيز واحد بل كل منهما يمتنع أن يكون بحيث هو الآخر وهذا معنى قول المتكلمين إن الأجسام لا تتداخل ولما ذكروا عن النظام أنها تتداخل قالوا هذا قريب من جحد الضرورة ومن قال تتداخل لم يرد المعنى الذي يعلم بالضرورة بطلانه ولكن النظام جعل أعراض الجسم غير الحركة أجساما كاللون والطعم والريح وهذه متداخلة في محل واحد وهذا لا نزاع فيه وإنما النزاع في تسميته أجساما فأما الجسم القائم بنفسه فلم يقل أحد أنه يداخل مثله بل إذا تحلل في تضاعيف غيره زاد ذلك الغير في نفس حجمه وإذا كان القائمان بأنفسهما لا يكون أحدهما بحيث الآخر وإن كان القيام بالنفس عبارة عن عدم المحل فمعلوم أن كل واحد منهما له حيث يخصه وهو حيزه أو له قدر يخصه وجسم يخصه ونحو ذلك من العبارات وذلك مانع من المحايثة والمداخلة وإلا فإذا قدر أن كلا من الصفتين عدمي فالأمور العدمية لا تكون مانعة من الأمور الوجودية # والمتكلمون قد ذكروا تعليق منع كون الجسم بحيث الجسم الآخر فقال المعتزلة وطائفة من الصفاتية المانع منه التحيز والموجب لهذا الامتناع التحيز وعلى هذا فيجب نفي الحكم لانتفاء علته فما لا يكون متحيزا لا يكون مانعا من ذلك ما ذكرناه وقال بعضهم الموجب لذلك تضاد كونهما وعلى هذا فما لا يكون لا يضاد غيره والأكوان إنما تكون للأجسام باتفاقهم وهو ظاهر وقال بعضهم الاستحالة والامتناع لا يعلل أي هي ثابتة للذات وعلى هذا فالمعلوم إن ذلك ثابت للذوات المتحيزة فما لا يكون متحيزا لا تعقل فيه هذه

الاستحالة وعلى كل تقدير فيجب أن يكون ما ليس بمتحيز إذا كان قائما بنفسه أن لا يكون مانعا لغيره أن يداخله وهذا باطل قطعا وإذا كانت القلوب تعلم بالضرورة أن القائم بنفسه مانع لغيره من المداخلة وهذا الحكم مختص بالمتحيز علم أنها لا تعلم قائما بنفسه إلا المتحيز # الوجه السادس أن يقال ما علم به أن الموجود الممكن والمحدث لا يكون إلا جسما أو عرضا أو لا يكون إلا جوهرا أو جسما أو عرضا أو لا يكون إلا متحيزا أو قائما بمتحيز أو لا يكون إلا موصوفا أو لا يكون إلا قائما بنفسه أو بغيره يعلم به أن الموجود لا يكون إلا كذلك فإن الفطرة العقلية التي حكمت بذلك لم تفرق فيه بين موجود وموجود ولكن لما اعتقدت أن الموجود الواجب القديم يمتنع فيه هذا أخرجته من التقسيم لا لأن الفطرة السليمة والعقل الصريح مما يخرج ذلك ونحن لم نتكلم فيما دل على نفي ذلك عن الباري فإن هذا من باب المعارض وسنتكلم عليه وإنما المقصود هنا بيان أن ما به يعلم هذا التقسيم في الممكن والمحدث هو بعينه يعلم به التقسيم في الموجود مطلقا والمعتزلة ومن اتبعهم الذين يخرجون القديم من هذا التقسيم مما اعتقدوه لما اعتقدوه وهذا قول طائفة من الفلاسفة لا جميعهم وكذلك ذاك قول طائفة من المتكلمين لا جميعهم وكما أن قول هؤلاء الفلاسفة لم يكن مانعا للمتكلمين ومن وافقهم من الفلاسفة من هذا التقسيم فكذلك قول هؤلاء المتكلمين ليس مانعا لمن خالفوه من جماهير الناس وأهل الكلام والفلسفة من هذا التقسيم # ولهذا قال أئمة المتكلمين من الجهمية والمعتزلة والنجارية والضرارية ومن أخذ ذلك عنهم من متكلمي الصفاتية كالأستاذ أبي المعالي إمام الحرمين وأمثاله في

تقسيم الموجودات الموجود إما أن كون له أول وإما أن يكون بلا أول والذي له أول هو الحادث وهذه قسمة بديهية مستندة إلى إثبات ونفي الحوادث إلى المحل وهذه القسمة أيضا تستند إلى نفي وإثبات قال ولو قيل هذه القسمة قسمة الموجودات لم يكن بعيدا غير أن الوجود الأول لا بدو له ولا نهاية لوجوده وكذلك أيضا لا نهاية لذاته ولا نهاية لصفاته وجودا وحكما فكذلك لا يتطرق إلى ذات القديم ولا إلى صفاته الأوهام ولا تجول فيه الأفكار # قلت وهذا لا يمنع من التقسيم فإن وصفه بالنهاية وعدمها فيه ما هو معروف في موضعه وهو لا يريد بسلبها أن ذاته لا تتناهى إنما يريد أنها بحيث لا يقال فيها هي متناهية أو ليست متناهية فهي عنده لا تقبل أحدا من الوصفين كما لا تقبل الوصف بالمحايثة والمباينة والدخول والخروج ونحو ذلك والخلو عن هذين الوصفين فرع إمكان ذلك أو ثبوته فلا يجعل دليلا على ما يقتضي وجوده إذ الشيء لا يكون دليلا على نفسه إذا كان مطلوبا بالدليل فكيف تكون دعوى الإمكان والثبوت دليلا على وجود الشيء قبل العلم بوجوده # وأيضا فقوله لا تتطرق إليه الأوهام ولا تجول فيه الأفكار إن أراد به لا تحيط به ولا تدركه فهذا حق وإن أراد به لا تثبته ولا تقر به فهذا باطل # وأيضا فعدم التناهي وعدم تطرق الأوهام والأفكار لا يمنع صحة التقسيم كما إذا قلنا الموجود إما قديم وإما حادث والموجود إما قائم بنفسه وإما قائم بغيره وإما خالق وإما مخلوق وقد قال أولا في أقسام الموجودات تنقسم قسمين موجود لا افتتاح لوجوده وهذا القديم سبحانه وصفاته وموجود

لوجوده افتتاح وهو الحادث قال وهذه قسمة بديهية مستندة إلى إثبات ونفي لأن الموجود إما أن يكون له أول وإما أن لا يكون له أول فإذا كان قد أدخله في تقسيم الموجود إلى قديم ومحدث فكذلك يجب أن يدخله في قسمة الموجود إلى مستقل ومفتقر بل هذا التقسيم أبين وأوضح والعقلاء متفقون عليه فإنه لا نزاع بينهم أن الباري سبحانه هو موجود مستقل غير مفتقر كما أنهم متفقون على أنه قديم غير محدث لكن العلم باستقلاله وقيامه بنفسه هو أولى به وأبين وأسبق في القلب من كونه قديما كما أن العلم بوجوده أولى به من العلم بوجوب وجوده إذ لو لم يكن مستقلا بنفسه غنيا عن المحل امتنع أن يكون واجبا بخلاف العكس فإن ما لم يكن قديما وحده أو لم يكن واجبا بنفسه يمتنع أن يكون مستقلا أو موجودا فصار هذا مع هذا كالذات والصفات # وأيضا فإذا كان الموجود الأزلي لا بدو له ولا نهاية لوجوده وذلك لا يمنع من دخوله في تقسيم الموجود إلى قديم وحادث فكذلك كونه لا نهاية لذاته وضعا إن صح ذلك لا يكون مانعا من دخوله في التقسيم إلى مستقل ومفتقر # ومما يبين ذلك أن التقسيم الأول بالنسبة إلى الدهر والزمان كالتقسيم الثاني بالنسبة إلى الحيز والمكان فإن الحادث بالنسبة إلى الدهر والزمان كالمفتقر إلى محل بالنسبة إلى الحيز والمكان والقديم لا تحصره الأزمنة كالمستقبل الذي لا تحويه الأمكنة # ثم قال هؤلاء المحدث الذي يستغني عن المحل هو الجوهر في اصطلاح المتكلمين والمفتقر إلى المحل هو العرض ويشمل القسمين اسم العالم ثم إن طائفة من متكلمة المعتزلة لما أثبتوا أعراضا لا في محل كالإرادة

والكراهة والفناء اتفق سائر العقلاء على أن هذا خروج عن المعقول لكونه أثبت مالا يقوم بنفسه لا في محل فكذلك من أثبت قائما بنفسه ليس مباينا لغيره فإن علم العقل باستحالة عرض لا في محل كعلمه باستحالة قائم بنفسه ليس بمباين أو ليس بجسم كما أن الأول فيه جمع بين المتناقضين في الحس والخيال والعقل كذلك في الثاني جمع بين المتناقضين في الحس والخيال والعقل # ثم قالوا فإن قيل هل في المقدور حدوث ما يخرج عن القسمين # قلنا إنما يوصف الرب سبحانه وتعالى بالاقتدار على الممكنات وليس ذلك من الممكنات فإن الذي يحصره ويضبطه الذكر حسا أو حكما على هذا الحكم قسمان أحدهما موجود وهو جرم متحيز لو اتصل بمثله اتصل به على طريق المجاورة لا بالمداخلة والحقيقية بل ينحاز أحدهما عن الآخر ويختص عنه بجهة ويصير أحد جهاته ولو نظر الناظر إليهما أدركهما شيئين متجاورين لكل واحد منهما حظ من المساحة وما هذا وصفه قد يسمى قائما بنفسه لاستغنائه عن محل يقوم به فيكون صفة له ومعنى تحيزه شغله الحيز وأنه إذا وجد في فراغ أخرجه عن كونه فراغا وما هذا وصفه يسمى جوهرا وأما القسم الثاني وهو الذي لو قدر شيئان منه لا يمتنع حصولهما في محل واحد وحيث واحد ولا يتصور ازدحامهما فيه # ومن تأمل ما ذكرنا من القسمين وأنصف علم استحالة تقدير قسم ثالث خارج عن القسمين وهذا الكلام يتناول الموجود مطلقا ويقال فيه مطلقا ما قاله في المحدث فإن قوله الذي يضبطه الذكر حسا أو حكما يعم ذلك في الموجود لا يفرق في ذلك بين كونه قديما أو محدثا بل ضبط الذكر حسا

أو حكما لهذين القسمين هو للموجود مطلقا من غير تقييد بحدوث أو قدم ويبين ذلك أن الذكر يضبط هذين القسمين قبل علمه بانقسام الموجود إلى محدث وقديم وقبل علمه باستحالة وصف القديم بأحدهما أو بهما أو جواز ذلك عليه # وبالجملة فحكم الفطرة إن كان مقبولا في هذا التقسيم فهو مقبول مطلقا وإن لم يكن مقبولا فليس مقبولا مطلقا إذ الفطرة لا تفرق ولهذا كان يقول غير واحد من الفضلاء العالمين بالفلسفة والشريعة ما ثم إلا مذهب المثبتة أو الفلاسفة وما بينهما متناقض وثبت أن الفلاسفة أكثر تناقضا # الوجه السابع أن ما به يعلم أنه لا بد لكل موجود في الخارج من صفة وخاصة ينفصل بها ويتميز بها عما سواه يعلم أنه لا بد لكل موجود من حد ومقدار ينفصل به عما سواه إذ كل موجود فلا بد له من صفة تخصه وقدر يخصه وليس المراد بالحد هنا الحد النوعي فإن ذلك هو القول الدال على المحدود وهو كلي لا يمنع تصور معناه من وقوع الشركة فيه وإذا أريد بالحد نفس المحدود وحقيقته فليس في الخارج محدود كلي بشرط كونه كليا بل يقال حقيقة هذا تشبه حقيقة هذا فالحدود على هذا تتشابه وتتماثل إذا عني بها حقيقة الموجودات الخارجية ولا بد لكل موجود من هذه الحدود والحقائق كما ذكرنا وتقدير موجود قائم بنفسه ليس له صفة ولا قدر هو الذي يراد بالكيفية والكمية كتقدير موجود ليس قائما بنفسه ولا بغيره وهو الذي يراد بالعرض والجوهر ولهذا كان السلف والأئمة يقولون إن الكيف غير معقول وغير معلوم ويقولون إن لله عز وجل حدا لا يعلمه إلا هو فهم دائما ينفون علم العباد بكيفية الرب وكيفية صفاته وبحده وحد صفاته لا ينفون ثبوت ذلك في نفسه بل ينفون علمنا به

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:57 AM
# يبين هذا أن الذي قاله أئمة أهل الكلام في الصفة يقال مثله في القدر قال الأستاذ أبو المعالي ذهب قدماء المعتزلة إلى أن حقيقة الإله قدمه وذلك أخص وصفة وقال بعضهم حقيقته وجوب وجوده وقال أبو هاشم أخص وصف الإله به حال هو عليها يوجب كونه حيا عالما قادرا قال فهذا قول جهم لا بيان له قال وأما أصحابنا فقال بعضهم حقيقته تقدسه عن مناسبة الحوادث في جهات الاتصالات وقال بعضهم حقيقته غناه وقال بعضهم حقيقته قيامه بنفسه بلا نهاية قال وهذه العبارات تشير إلى نفي الحاجة وقال الأستاذ يعني أبا إسحاق حقيقة الإله صفة تامة اقتضت له التنزه عن مناسبة الحدثان قال أبو المعالي وهذا أيضا فيه إيهام لأنه يلقى من صفة النفي إثبات قال وحكى القاضي أبو جعفر السمناني عن القاضي أبي بكر حقيقة الإله لا سبيل إلى إدراكها هذا الأوان قال وسنعود إلى هذا في كتاب الإدراكات قال وكان شيخنا أبو القاسم القشيري يقول هو الظاهر بآياته الباطن فلا سبيل إلى درك حقيقته وقال الأستاذ أبو المعالي لا شك في ثبوت وجوده سبحانه وتعالى فأما الموجود المرسل من غير اختصاص بصفة تميزه عن غيره فمحال لكن ليس يتطرق إليها العقول ولا هي علم هجمي ولا علم مبحوث عنه إنا لا نقول إن حقيقة الإله لا يصح العلم بها فإنه سبحانه وتعالى يعلم حقيقة نفسه وليس للمقدور الممكن من مزايا العقول عندنا موقف ينتهي إليه ولا يمتنع في قضية العقل مزية لو وجدت لاقتضت العلم بحقيقة الإله

# قلت المقصود هنا أنه بين امتناع أن يكون وجوده مرسلا وهو المطلق من غير اختصاص بصفة تميزه عن غيره وأنه يعلم تلك الحقيقة وجوز أن يعلمها العباد # وأما الذي أحال عليه في كتاب الإدراكات فإنه قال في باب الرؤية
فصل # قال ضرار بن عمرو إن الباري يستحيل أن يدرك بالحواس الخمس ولكن يجوز أن يخلق الله تعالى لأهل الثواب حاسة سادسة تخالف الحواس الخمس فيدركونه بها ثم قال هذا الرجل لله عز وجل مائية لا يعلمها في وقتنا إلا هو ثم تردد فقال مرة لا يصح أن يعلم مائية الرب تعالى في الدنيا والعقبى غيره وقال مرة بل يعلمها من يدرك الرب تعالى ويراه وهو سبحانه رأى نفسه عالم بمائيته ونحن إذا رأيناه علمنا مائيته قال القاضي أبو بكر الخلسة قد تطلق والمراد بها الإدراك يقال أحس فلان إذا أدركه وقد يراد بها الجارحة فإن أراد ضرار بالحاسة الجارحة والبينة المخالفة لبقية الحواس شاهدا فقد سبق الرد على من قال الإدراك مفتقر إلى بينة وإن زعم أن الإدراك هو الذي أثبته خارج من قبيل الإدراكات إلا أنه مخالف لها مخالفة متعلقه متعلق الإدراكات فهذا صحيح ولكنه أخطأ في تسميته سادسا وإن هو أومى فيما ذهب إليه إلى اختلاف الإدراكات فتخرج الإدراكات شاهدا عن الخمس والخمسين قال القاضي فلو قال قائل فما مذهب الرجل قلنا مذهبه إثبات الرؤية بشرط بينة سادسة وصرف الحاسة إلى البينة والتأليف دون الإدراك # قلت الحاسة يراد بها الإدراك ويراد بها القوة التي في العضو والسادس يجوز أن يراد به البينة والتأليف ويجوز أن يراد به القوة

ويجوز أن يراد به الإدراك أي يخلق جنسا من الرؤية مخالفا للجنس الموجود في الدنيا وهذا من جنس قول هؤلاء الذين يقولون يرى لا في جهة وليس المقصود هنا ذلك # قال وأما المائية التي أثبتها فقد صار إلى إثباتها بعض الكرامية ولم يسلكوا في ذلك مسلك ضرار فإنه من نفاة الصفات وإن عنى بها صفة نفسه وحالا فهو مذهب أبي هاشم فإنه صار إلى أنه سبحانه وتعالى في ذاته على صفة وحالة وهي أخص وصفه وبها يخالف خلقه وهذا تصريح بمذهب ضرار وإنما اختلفا في العبارة فإن أبا هاشم سماها خاصة وسماها ضرار مائية وقد رددنا على أبي هاشم مذهبه في إثبات الأحوال وقال القاضي أبو بكر لا بعد عندي فيما قاله ضرار فإن الرب سبحانه وتعالى يخالف خلقه بأخص صفاته فيعلم على الجملة اختصاص الرب بصفة يخالف بها خلقه ولا سبيل إلى صرف الأخص إلى الوجود والعدم ولا شك في امتناع صرفها إلى الصفات المعنوية فهذا أقصى ما يقال في ذلك قال وقد تردد القاضي في أن الذين يرون الله في الدار الآخرة هل يعلمون تلك الصفة التي يسميها أخص وصفه وسماها ضرار مائية أم لا فمرة قال يعلمونها ومرة قال لا يعملها أحد إلا الله تعالى قال وقد قدمنا من مذهب الأستاذ أبي إسحاق أنه أوجب لله صفة توجب التقديس عن الأحياز والجهات والانفراد بنعوت الجلال فإنا نعلم أنه ليس من قبيل ما نشاهده من الجواهر والأعراض وأنه مما لا يتصور في الأوهام ولسنا نعني بقولنا ليس في العالم ولا خارج العالم نفي وجوده تعالى كما نسبتنا إلى ذلك المجسمة وإنما نعني به إثبات وجود غير محدود بوجه ومن أثبت لله حدا ونهاية من وجه فيلزمه إثبات النهاية من سائر الجهات فإن قول القائل إنه في العالم أو خارج العالم يقتضي حدا ونهاية يصح لأجلهما عليه الدخول

في العالم أو الخروج منه وقال بعض المتكلمين أخص وصفه وجوب وجوده وقال بعض أصحابنا أخص وصفه قيامه بنفسه مع انتفاء النهاية والحجمية وهذا معنى قول الأستاذ ولم ينقل عن شيخنا أبي الحسن رحمه الله تعالى في ذلك شيء غير أنه قال إنما ينفرد الرب سبحانه عن الأغيار بالآلهية وهي قدرته على الاختراع واستحقاقه لنعوت الجلال وذكر الأستاذ أبو بكر في كتاب الانتصار عن بعض الأصحاب أنه قال لله سبحانه وتعالى مائية ثم فسرها بصفاته التي تفرد بها عن المخلوقات من العلم المحيط والقدرة الكاملة والإرادة النافذة وغير ذلك من تقدسه عن سمات الحدث ومن الكرامية من أثبت لله كيفية ومائية فإن عنوا بالمائية ما أشار أليه القاضي والأستاذ وما أراهم يريدون ذلك فيبقى بيننا وبينهم الاختلاف في الاسم فنحن نقول المائية تقتضي الجنس والكيفية تقتضي الكمية والشكل ويتعالى الله عن ذلك فإنه ليس نوعا لجنس ولا جنسا لنوع بل هو الأحد الصمد # قلت ليس هذا موضع بسط الكلام على هذا فإن قوله المائية تقتضي الجنس إنما يعني أن يكون له ما يجانسه أي يماثله في حقيقته وليس الأمر كذلك فإن من أثبت له مائية وهي الحقيقة التي تخصه ويمتاز بها عن غيره لم يلزمه أن تكون تلك المائية من جنس المائيات كما أن الذين يطلقون عليه اسم الذات لا يلزمهم أن تكون ذاته من جنس سائر الذوات وإن فسر ذلك بثبوت قدر ما يتفقان فيه فهذا لا بد منه على كل تقدير ولفظ الجنس فيه عدة اصطلاحات فإن فسر بما يوجب مثلا لله فهو منتف عنه وإن فسر بالحد اللغوي الذي هو مدلول الأسماء المتواطأة والمشككة كما في اسم الحي والعليم والقدير ونحو ذلك من الأسماء فهذا لا بد منه باتفاق أهل الأثبات والنزاع في ذلك معروف عن الملاحدة ومن ضاهاهم ونفي ذلك تعطيل محض

# وأما قوله الكيفية تقتضي الكمية والشكل فإنه إن أراد أنها تستلزم ذلك فمعلوم أن الذين أثبتوا الكيفية إنما أرادوا الصفات التي تخصه كما تقدم وإذا كان هذا مستلزما للكمية فهو الذي يذكره المنازعون أنه ما من موصوف بصفة الأولة قدر يخصه وأكثر أهل الحديث والسنة من أصحاب الإمام أحمد رحمه الله وغيرهم لا ينفون ثبوت الكيفية في نفس الأمر بل يقولون لا نعلم الكيفية ويقولون لا تجري ماهيته في مقال ولا تخطر كيفيته ببال بل كما قال الشريف أبو علي ابن أبي موسى وأبو الفرج المقدسي وغيرهما وهو موافق لقول السلف رضي الله عنهم والأئمة كما قالوا لا يعلم كيف هو إلا هو كما قال مالك الاستواء معلوم والكيف مجهول وأمثال هذا كثير في كلامهم ومنهم من ينفي ذلك ويقول لا ماهية له فتجري في مقال ولا كيف فيخطر ببال وهذا قول ابن عقيل وغيره وهذا موافق لقول نفاة الصفات # فقد تبين أن الأقوال في وجود الحق على مراتب فمن قال إنه وجود مطلق فقوله باطل بالبديهة ومن قال إنه يتميز بصفات سلبية مثل امتناع عدمه ونحو ذلك فهو نظيره بل هو هو ومن قال يتميز ببعض الصفات المعنوية كعلمه وقدرته قيل له وإن اختص بذلك لكن لا بد من ذات موصوفة بتلك الصفة وأن تكون الذات لها حقيقة في نفسها يتميز بها عن سائر الحقائق وإن القول الرابع وهو أن له حقيقة يختص بها هو الصواب ومعلوم أن الموجود ينظر في نفسه وفي صفته وفي قدره وإن كان اسم الصفة يتناول قدره ويستلزم ذاته أيضا # فإذا علم بصريح العقل أنه لا بد له من وجود خاص أو حقيقة يتميز بها ولا بد له من صفات تختص به لا يشركه فيها أحد فيقال وكذلك قدره

فإن الموجود لا يتصور أن يكون موجودا إلا بذلك ودعوى وجود موجود بدون ذلك دعوى تخالف البديهة والضرورة العقلية وكذلك حكموا على من نفى ذلك بالتعطيل لأنه لازم قوله وإن كان لا يعلم لزومه # والتحقيق أنه جمع في قوله بين الإقرار بما يستلزم وجوده والإقرار بما يستلزم عدمه فهو مقر به من وجه منكر له من وجه متناقض من حيث لا يشعر ولهذا يقول المشايخ العارفون إن هؤلاء المنكرين لا تتنور قلوبهم ولا يفتح عليها ولا ينالون زينة أولياء الله تعالى الكاملين لما عندهم من الجحود والإنكار المانع لهم من حقيقة معرفة الله تعالى ومحبته والقرب منه فإنهم التزموا التكذيب بالحق الذي تقربهم معرفته وقصده إلى الله تعالى ففاتهم من معرفة الله وقصده والتقرب إليه بقلوبهم ما به ينالون ولايته التي نعت بها أولياءه المتقين العاملين وإن كانوا قالوا من ذلك بحسب ما عندهم من الإيمان والتقوى # الوجه الثامن إنه قد ثبت بالسنة المتواترة وباتفاق سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة أهل الإسلام الذين ائتموا بهم في دينهم أن الله سبحانه وتعالى يرى في الدار الآخرة بالأبصار عيانا وقد دل على ذلك القرآن في مواضع كما ذلك مذكور في مواضعه والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة متواترة في الصحاح والسنن والمساند وقد اعتنى بجمعها أئمة مثل الدارقطني في كتاب الرؤية وأبي نعيم الأصبهاني وأبي بكر الآجري وطوائف كثيرون وفي الصحيحين نحو عشرة أحاديث فيها أن رؤية الأبصار ليست ممتنعة

# والجهمية الذين يدخلون في هذا الاسم عند السلف كالمعتزلة والنجارية والفلاسفة ينكرون الرؤية ويقولن لأن ذلك يستلزم أن يكون بجهة من الرائي وأن يكون جسما متحيزا وذلك منتف عندهم ومسألة الرؤية كانت من أكبر المسائل الفارقة بين السنة المثبتة وبين الجهمية حتى كان علماء أهل الحديث والسنة يصنفون الكتب في الأثبات ويقولون كتاب الرؤية والرد على الجهمية وكذلك الأحاديث التي تنكرها الجهمية من أحاديث الرؤية وما يتبعها ويعدون من أنكر الرؤية معطلا # قال الخلال في كتاب السنة أخبرني حنبل قال سمعت أبا عبدالله يقول وأدركنا الناس وما ينكرون من هذه الأحاديث شيئا أحاديث الرؤية وكانوا يحدثون بها على الجملة يمرونها على حالها غير منكرين لذلك ولا مرتابين قال وسمعت أبا عبدالله يقول القوم يرجعون إلى التعطيل في قولهم ينكرون الرؤية قال وسمعت أبا عبدالله يقول قالت الجهمية إن الله لا يرى في الآخرة ونحن نقول إن الله يرى لقول الله تعالى ^ وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ^ وقال تعالى لموسى ^ فإن استقر مكانه فسوف تراني ^ فأخبر الله تعالى أنه يرى وقال النبي صلى الله عليه وسلم إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر رواه جرير وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال كلكم يخلو به ربه إن الله يضع كنفه على عبده فيسأله ماذا عملت هذه أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تروى صحيحة عن الله تعالى أنه يرى في الآخرة أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مدفوعة والقرآن شاهد أن الله يرى في القيامة وقول إبراهيم لأبيه ^ يا أبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ^ فثبت أن الله يسمع

ويبصر وقال الله تعالى ^ يعلم السر وأخفى ^ وقال ^ إنني معكما أسمع وأرى ^ وقال أبو عبدالله فمن دفع كتاب الله ورده والأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واخترع مقالة من نفسه وتأول رأيه فقد خسر خسرانا مبينا وسمعت أبا عبدالله يقول من قال إن الله لا يرى في الآخرة فقد كفر وكذب بالقرآن ورد على الله أمره يستتاب فإن تاب وإلا قتل وروى عن يعقوب بن بختان أنه سمع أبا عبدالله يقول صارت حجتهم كفرا صراحا يقولون إن الله تبارك وتعالى لا يرى في الآخرة وسمعته يقول كفرهم ضروب وعن حنبل سمعت أبا عبدالله يقول إن الله لا يرى في الدنيا ويرى في الآخرة فثبت في القرآن وفي السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين # وقال الإمام أبو سعيد عثمان بن سعيد في نقضه على الجهمي المريسي العنيد فيما افترى على الله تعالى في التوحيد ثم انتدب المريسي الضال لرد ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرؤية في قوله عليه السلام إنكم سترون ربكم يوم القيامة لا تضامون في رؤيته كما لا تضامون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر فأقر الجاهل بالحديث وصححه وثبت روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم تلطف لرده وإبطاله بأقبح تأويل وأسمج تفسير ولو قد رد الحديث أصلا كان أعذر له من تفاسيره هذه المقلوبة التي لا يوافقه عليها أحد من أهل العلم ولا من أهل العربية فادعى الجاهل أن تفسير قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم سترون ربكم لا تضامون في رؤيته تعلمون أن لكم ربا لا تشكون فيه كما لا تشكون في القمر أنه قمر لا على أن أبصار المؤمنين تدركه جهرة يوم القيامة لأنه نفى ذلك عن نفسه بقوله ^ لا تدركه الأبصار ^ قال وليس على معنى المشبهة فقوله ^ ترون ربكم ^ تعلمون أن لكم ربا لا تعتريكم فيه الشكوك والريب ألا ترون أن الأعمى يجوز أن يقال ما أبصره أي ما أعلمه وهو لا يبصر شيئا ويجوز أن يقول الرجل نظرت في المسألة

وليس للمسألة جسم ينظر إليه فقوله نظرت فيها رأيت فيها فتوهمت المشبهة الرؤية جهرة وليس ذلك من جهة العيان # فيقال لك أيها المريسي أقررت بالحديث وثبته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الحديث بحلقك لما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرن التفسير بالحديث فأوضحه ولخصه فجمعهما جميعا إسناد واحد حتى لم يدع لمتأول فيه مقالا فأخبر أمته بروية العيان نصا كما توهم هؤلاء الذين سميتهم بجهلك مشبهة فالتفسير فيه مأثور مع الحديث وأنت تفسره بخلاف ما فسره الرسول صلى الله عليه وسلم من غير أثر تأثره عمن هو أعلم منك فأي شقي من الأشقياء وأي غوي من الأغوياء يترك تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم المقرون بحديثه المقبول عند العلماء الذي يصدقه ناطق الكتاب ثم يقبل تفسيرك المحال الذي لا تأثره إلا عن من هو أجهل منك وأضل # أليس قد أقررت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ترون ربكم لا تضامون فيه كما لا تضامون في رؤية الشمس والقمر يعني معاينة قلت وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه لا تشكون يوم القيامة في ربوبيته وهذا التفسير مع ما فيه من معاندة الرسول محال باطل خارج عن المعقول لأن الشك في ربوبية الله زائل عن المؤمن والكافر يوم القيامة وكل مؤمن وكافر يعلم يومئذ أنه ربهم لا يعتريهم في ذلك شك فيقبل الله ذلك من المؤمن ولا يقبله من الكافرين ولايعذرهم يومئذ بمعرفتهم ويقينهم به فما فضل المؤمن على الكافر يوم القيامة عندك في معرفة الرب إذ مؤمنهم وكافرهم لا يعتريه في ربوبيته شك # أو ما علمت أيها المريسي أنه من مات ولم يعرف قبل موته أن الله ربه في حياته حتى يعرفه بعد مماته فإنه يموت كافرا ومصيره النار أبدا ولن ينفعه الإيمان يوم القيامة يرى من آياته إن لم يكن آمن به من قبل فما موضع بشرى رسول الله

صلى الله عليه وسلم للمؤمنين برؤية ربهم يوم القيامة إذ كل مؤمن وكافر في الرؤية يومئذ سواء عندك إذ كل لا يعتريه فيه شك ولا ريبة # أولم تسمع أيها المريسي قول الله تعالى ^ ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ^ ^ ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا ^ فقد أخبر تعالى عن الكفار أنهم به يومئذ موقنون فكيف المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين سألوه هل نرى ربنا تعالى قد علموا قبل أن سألوه أن الله ربهم لا يعتريهم في ذلك شك ولا ريب أو لم تسمع ما قال الله تعالى ^ يوم تأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ^ يقال في تفسيره إنها طلوع الشمس من مغربها فإذا لم ينفع الرجل إيمانه عند الآيات في الدنيا فكيف ينفعه يوم القيامة فيستحق به النظر إلى الله تعالى فاعقل أيها المريسي ما يجلب عليك كلامك من الحجج الآخذة بحلقك # وأما إدخالك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حقق من رؤية الرب تعالى يوم القيامة فإنما يدخل على من عليه نزل وقد عرف ما أراد الله تعالى به وعقل فأوضحه تفسيرا وعبرة تعبيرا ففسر الأمرين جميعا تفسيرا شافيا كافيا سأله أبو ذر هل رأيت ربك يعني في الدنيا قال نور أنى أراه حدثنا الحوضي وغيره عن يزيد بن إبراهيم عن قتادة عن عبدالله بن سفيان عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا معنى قوله ^ لا تدركه الأبصار ^ في الحياة الدنيا فحين سئل عن رؤيته في المعاد قال نعم جهرة كما ترى الشمس والقمر ليلة البدر ففسر رسول الله صلى الله عليه وسلم المعنيين على خلاف ما ادعيت

# والعجب من جهلك بظاهر لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ تتوهم في رؤية الله جهرة أنها كرؤية الشمس والقمر ثم تدعي أنه من توهم من سميتهم بجهلك مشبهة فرسول الله صلى الله عليه وسلم في دعواك أول المشبهة إذ شبه رؤيته برؤية الشمس والقمر كما شبهه هؤلاء المشبهون في دعواك # وأما أغلوطتك التي غلطت بها جهال أصحابك في رؤية الله تعالى يوم القيامة فقلت ألا ترى أن قوم موسى حين قالوا ^ أرنا الله جهرة ^ أخذتهم الصاعقة وقالوا ^ لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة ^ وقالوا ^ أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا ^ فادعيت أن الله تعالى أنكر عليهم ذلك وعابهم بسؤالهم الرؤية # فيقال لهذا المريسي تقرأ كتاب الله وقلبك غافل عما يتلى عليك فيه ألا ترى أن أصحاب موسى سألوا موسى رؤية الله في الدنيا إلحافا فقالوا ^ لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ^ ولم يقولوا حتى نرى الله في الآخرة ولكن في الدنيا ^ فأخذتهم الصاعقة ^ لظلمهم وسؤالهم ما حظره على أهل الدنيا ولو قد سألوه رؤيته في الآخرة كما سأل أصحاب محمد محمدا صلى الله عليه وسلم لم تصبهم تلك الصاعقة ولم يقل لهم إلا ما قال محمد صلى الله عليه وسلم لأصحابه إذ سألوه هل نرى ربنا يوم القيامة فقال نعم لا تضارون في رؤيته فلم يعبهم الله تعالى ولا رسوله بسؤالهم عن ذلك بل حسنه لهم وبشرهم بشرى جميلة كما رويت أيها المريسي عنه وقد بشرهم الله تعالى بها قبله في كتابه فقال عز من قائل ^ وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ^ وقال للكفار ^ كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ^

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:58 AM
# إلى أن قال وقد فسرنا أمر الرؤية وروينا ما جاء فيها من الآثار في الكتاب الأول الذي أمليناه في الجهمية وروينا منها صدرا في صدر هذا الكتاب أيضا فالتمسوها هناك واعرضوا ألفاظها على قلوبكم وعقولكم تنكشف لكم عورة كلام هذا المريسي وتأويله ودحوض حجته إن شاء الله تعالى # وهو في الكتاب الأول الذي أحال عليه ذكر في ذلك عدة من الأحاديث والآثار مثل حديث جرير وأبي هريرة وأبي سعيد المشهورين الطويلين وهذه في الصحيحين ومثل حديث صهيب في قوله تعالى ^ للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ^ وحديث أبي موسى وجابر في الورود وهذه في صحيح مسلم ومثل ابن عمر في الدجال واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت وهذه الألفاظ في الصحيح وذكر حديث أبي بكر الصديق المرفوع وحديث عبادة في الدجال وحديث ابن الحسين عن بعض الصحابة وحديث ابن عباس وحديث أنس في يوم المزيد وحديث عمار بن ياسر الذي فيه أسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك وحديثا عن ابن عمر في النظر وهذه الأحاديث في السنن والمساند وذكر الآثار عن الصديق وحذيفة وأبي موسى وابن أبي ليلى والضحاك وعامر بن سعد في تفسير الزيادة أنها النظر إلى وجه الله تعالى وذكر قول أبي موسى فكيف بكم إذا رأيتم الله جهرة وذكر أيضا النظر إليه عن عمار وأنس والضحاك وعكرمة وكعب وعمر بن عبدالعزيز والذي تركه من ذلك أكثر مما رواه # ثم قال أبو سعيد فهذه أحاديث كلها وأكثر منها قد رويت في الرؤية على تصديقها والإيمان بها أدركت أهل الفقه من مشائخنا ولم يزل المسلمون

قديما وحديثا يروونها ويؤمنون بها لا يستنكرونها وينكرونها ومن أنكرها من أهل الزيغ نسبوه إلى الضلال بل كان من أكبر رجائهم وأجزل سؤالهم الله تبارك وتعالى في أنفسهم النظر إلى وجه الله الكريم خالقهم يوم القيامة حتى ما يعدلون به شيئا من نعيم الجنة قال وقد كلمت بعض أولئك المعطلة وذكر كلاما طويلا في تقرير الرؤية والجواب عن شبه النفاة إلى أن قال # وقال بعضهم إنا لا نقبل هذه الآثار قلت أجل ولا كتاب الله تعالى تقبلون أراكم إن لم تقبلوها أتشكون أنها مروية عن السلف مأثورة عنهم مستفيضة فيهم يتوارثونها عن أعلام الناس وفقهائهم قرنا بعد قرن قالوا نعم قلنا فحسبنا بإقراركم بها عليكم حجة لدعوانا أنها مشهورة مروية تداولها العلماء والفقهاء فما تواتر عنهم مثلها حجة لدعواكم التي كذبتها الآثار كلها فلا تقدرون أن تأتوا فيها بخبر ولا أثر وقد علمتم إن شاء الله تعالى أنه لا يستدرك سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأحكامهم وقضاياهم إلا هذه الآثار والأسانيد على ما فيها من الاختلاف وهي السبب إلى ذلك والنهج الذي درج عليه المسلمون وكانت إمامهم في دينهم بعد كتاب الله تعالى منها يقتبسون العلم وبها يقضون وبها يفتون وعليها يعتمدون وبها يتزينون يورثها الأول منهم الآخر ويبلغها الشاهد منهم الغائب احتجاجا واحتسابا في أدائها إلى من لم يسمعها يسمونها السنن والآثار والفقه والعلم ويضربون في طلبها شرق الأرض وغربها يحلون بها حلال الله تعالى ويحرمون بها حرامه ويميزون بها بين الحق والباطل والسنن والبدع ويستدلون بها على تفسير القرآن ومعانيه وأحكامه ويعرفون بها ضلالة من ضل عن الهدى فمن رغب عنها فإنما يرغب عن آثار السلف وهديهم ويريد مخالفتهم ليتخذ دينه هواه وليتأول كلام الله برأيه خلاف ما عنى

الله به فإن كنتم من المؤمنين وعلى منهاج أسلافهم فاقتبسوا العلم من أثرهم واقتبسوا الهدى في سبيلهم وارضوا بهذه الآثار إماما كما رضي بها القوم لأنفسهم إماما فلعمري ما أنتم أعلم بكتاب الله منهم ولا مثلهم ولا يمكن الاقتداء بهم إلا باتباع هذه الآثار على ما تروى فمن لم يقبلها فإنه يريد أن يتبع غير سبيل المؤمنين وقال الله ^ ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ^ # فقال قائل منهم لا بل نقول بالمعقول قلنا هنا ضللتم عن سواء السبيل ووقعتم في تيه لا مخرج لكم منه لأن المعقول ليس لشيء واحد موصوف بحدود عند جميع الناس فيقتصر عليه ولو كان كذلك لكان راحة للناس ولقلنا به ولم نعد ولكن الله تبارك وتعالى قال ^ كل حزب بما لديهم فرحون ^ فوجدنا المعقول عند كل حزب ما هم عليه والمجهول عندهم ما خالفهم فوجدنا فرقكم معشر الجهمية في المعقول مختلفين كل فرقة منكم تدعي أن المعقول عندها ما تدعو إليه والمجهول ما خالفها فحين رأينا المعقول اختلف منا ومنكم ومن جميع أهل الأهواء ولم نقف له على حد بين في كل شيء رأينا أرشد الوجوه وأهداها أن ترد المعقولات كلها إلى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى المعقول عند أصحابه المستفيض بين أظهرهم لأن الوحي كان ينزل بين أظهرهم فكانوا أعلم بتأويله منا ومنكم وكانوا مؤتلفين في أصول الدين لم يتفرقوا فيه ولم تظهر فيهم البدع والأهواء الجائزة عن الطريق فالمعقول عندنا ما وافق هديهم والمجهول ما خالفهم ولا سبيل إلى معرفة هديهم وطريقهم إلا هذه الآثار وقد انسلختم منها وانتفيتم منها بزعكمم فأنى تهتدون

# قلت كلام السلف والأئمة كثير في مسألة الرؤية وتقرير وجودها بالسمع وتقرير جوازها بالعقل وتقرير أن نفي جوازها مستلزم للتعطيل وقد نبه السلف ومتكلمة الصفاتية على ما هو معلوم بالمعقول أنه من قال إنه لا يمكن رؤيته فقد لزمه أن يعطله ويجعله معدوما لأنه إذا كان موجودا جازت رؤيته # ثم للناس هنا طريقان أحدهما وهي طريقة أبي محمد ابن كلاب وغيره كأبي الحسن ابن الزاغوني أن كل ما هو قائم بنفسه فإنه تجوز رؤيته ولم يلتزم ذلك في سائر الأعراض والصفات والثانية وهي طريقة أبي الحسن الأشعري ومن اتبعه وقد سلكها القاضي أبو يعلى وغيره أن كل موجود تصح رؤيته سواء كان قائما بنفسه أو قائما بغيره وقد قرروا ذلك بطرق منها ما هو غير بين ويرد عليه أسولة والتزموا لأجل ذلك لوازم يظهر فسادها وقد بينا في غير هذا الموضع كيف تقرر الطريقة العقلية في ذلك على وجه يفيد المقصود ولكن نشير هنا إشارة فنقول # معلوم أن الرؤية تعلق بالموجود دون المعدوم ومعلوم أنها أمر وجودي محض لا يسيطر فيها أمر عدمي كالذوق الذي يتضمن استحالة شيء من المذوق وكالأكل والشرب الذي يتضمن استحالة المأكول والمشروب ودخوله في مواضع من الآكل والشارب وذلك لا يكون إلا عن استحالة وخلق وإذا كانت أمرا وجوديا محضا ولا تتعلق إلا بموجود فالمصحح لها الفارق بين ما يمكن رؤيته ومالا يمكن رؤيته إما أن يكون وجودا محضا أو متضمنا أمرا عدميا والثاني باطل لأن العدم لا يكون له تأثير في الوجود المحض فلا يكون سببا له ولا يكون أيضا شرطا أو جزءا من السبب إلا أن يتضمن وجودا فيكون ذلك الوجود هو المؤثر في الوجود ويكون ذلك العدم دليلا عليه ومستلزما له ونحو ذلك وهذا من الأمور البينة عند التأمل

# ومن قال من العلماء إن العدم يكون علة للأمر الثبوتي أو جزء علة أو شرط علة فإنما يقولون ذلك في قياس الدلالة ونحوه مما يستدل فيه بالوصف على الحكم لا يقول أحد إن نفس العدم هو المقتضى للوجود ولا يقول إن الوصف المركب من وجود وعدم هما جميعا مقتضيان للوجود المحض وشروط العلة هي من جملة أجزاء العلة التامة # وإذا كان المقتضي لجواز الرؤية والمصحح للرؤية والفارق بينما تجوز رؤيته وبينما لا تجوز إما أن يكون وجودا محضا فلا حاجة بنا إلى تعيينه سواء قيل هو مطلق الوجود أو القيام بالنفس أو بالعين بشرط المقابلة والمحاذاة أو غير ذلك مما يقال إنه مع وجوده تصح الرؤية ومع عدمه تمتنع لكن المقصود أنه أمور وجودية # وإذا كان كذلك فقد علم أن الله تعالى هو أحق بالوجود وكماله من كل موجود إذ وجوده هو الوجود الواجب ووجود كل ما سواه هو من وجوده وله وله الكلام التام في جميع الأمور الوجودية المحضة فإنها هي الصفات التي بها يكون كمال الوجود وحينئذ فيكون الله وله المثل الأعلى أحق بأن تجوز رؤيته لكمال وجوده ولكن لم نره في الدنيا لعجزنا عن ذلك وضعفنا كما لا نستطيع التحديق في شعاع الشمس بل كما لا تطيق الخفاش أن تراها لا لامتناع رؤيتها بل ضعف بصره وعجزه كما قد لا يستطاع سماع الأصوات العظيمة جدا لا لكونها لا تسمع بل لضعف السامع وعجزه ولهذا يحصل لكثير من الناس عند سماع الأصوات العظيمة ورؤية الأشياء الجليلة ضعف أو رجفان أو نحو ذلك مما سببه ضعفه عن الرؤية والسماع لا لكون

ذلك الأمر مما تمتنع رؤيته وسماعه ولهذا وردت الأخبار في قصة موسى عليه الصلاة و السلام وغيره بأن الناس إنما لا يرون الله في الدنيا للضعف والعجز والله سبحانه وتعالى قادر على أن يقويهم على ما عجزوا عنه وتمام بسط هذا وتقريره له في موضع آخر # وأنما المقصود أن نقول إذا ثبتت رؤيته فمعلوم في بداية العقول أن المرئي القائم بنفسه لا يكون إلا بجهة من الرائي وهذه الرؤية التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال ترون ربكم كما ترون الشمس والقمر فأخبر أن رؤيته كرؤية الشمس والقمر وهما أعظم المرئيات ظهورا في الدنيا وإنما يراهم الناس فوقهم بجهة منهم بل من المعلوم أن رؤية مالا يكون داخل العالم ولا خارجه ممتنع في بداية العقول وهذا مما اتفق عليه عامة عقلاء بني آدم من السلف والأئمة وأهل الحديث والفقه والتصوف وجماهير أهل الكلام المثبتة والنافية والفلاسفة وإنما خالف فيه فريق من أصحاب الأشعري ومن وافقهم من الفقهاء كما قد يوافقهم القاضي أبو يعلى في المعتمد هو وغيره ويقولون ما قاله أولئك في الرؤية إنه يرى لا في جهة ويلتزمون ما اتفق أهل العقول على أنه من الممتنع في بداية العقول بل يقولون إن المعلوم ببداية العقول أنه لا يرى إلا ما هو متحيز أو قائم بمتحيز ومن ادعى رؤية ما ليس بمتحيز ولا قائما بمتحيز فقد خرج عن ضرورات العقول باتفاق عقلاء بني آدم من جميع الطوائف إلا هذا الفريق الذي اتفق الناس على تناقضهم فإن موافقيهم من الجهمية الفلاسفة والمعتزلة ونحوهم على إمكان وجود موجود ليس بمتحيز ولا حال فيه وعلى إمكان معرفة ذلك بالعقل وإن كانوا عند جمهور العقلاء مخالفين لضرورة العقل فإنهم لا يوافقونهم على أن من كان كذلك فإنه يرى بل هؤلاء يوافقون جمهور العقلاء في أن مالا يكون متحيزا ولا حالا في متحيز

لا يمكن رؤيته حتى إن أئمة أصحاب الأشعري المتأخرين كأبي حامد وابن الخطيب وغيرهما لما تأملوا ذلك عادوا في الرؤية إلى قول المعتزلة أو قريب منه وفسروها بزيادة العلم كما يفسرها بذلك الجهمية والمعتزلة وغيرهم وهذا في الحقيقة تعطيل للرؤية الثابتة بالنصوص والإجماع المعلوم جوازها بدلائل المعقول بل المعلوم بدلائل العقول امتناع وجود موجود قائم بنفسه لا يمكن تعلقها به لكن هؤلاء المثبتة الذين وافقوا عامة المؤمنين على إمكان رؤيته وانفردوا عن الجماعة بأنه يرى لا فوق الرائي ولا عن يمينه ولا عن شماله ولا في شيء من جهاته هم قد وافقوا أولئك الجهمية في وجود موجود يكون كذلك فموافقتهم لهؤلاء في إمكان وجود موجود بهذا الوصف أبعد عن الشرع والعقل من قولهم يمكن رؤية هذا الموجود ولهذا تنكر الفطر وجوده أعظم مما تنكر رؤيته بتقدير وجوده كما قد ذكرنا أن قولهم هو فوق العرش وليس بجسم أقرب من قولهم لا داخل العالم ولا خارجه # وهذا أيضا مما عظم فيه إنكار المدعين للجمع بين الشريعة والفلسفة كالقاضي أبي الوليد ابن رشد الحفيد فإنه قال في كتابه الذي سماه مناهج الأدلة في الرد على الأصولية وقال ما ذكرناه عنه قبل هذا في مسائل الجسم ومسألة الجهة وزعم ما ذكرناه عنه إلى قوله ولذلك اضطررنا نحن أيضا إلى وضع قول في موافقة الحكمة للشريعة قال وإذا تبين هذا فلنرجع إلى حيث كنا فنقول إن الذي بقي علينا من هذا الخبر ومن المسائل المشهورة هي مسألة الرؤية فإنه قد يظن أن هذه المسألة هي بوجه ما داخلة في هذا الجزء المتقدم لقوله تعالى ^ لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ^

ولذلك أنكرها المعتزلة وردت الآثار الواردة في الشرع بذلك مع كثرتها وشهرتها فشنع الأمر عليهم وسبب وقوع هذه الشبهة في الشرع أن المعتزلة لما اعتقدوا انتفاء الجسمية عنه سبحانه وتعالى واعتقدوا وجوب التصريح بها لجميع المكلفين ووجب عندهم إذا انتفت الجسمية أن تنتفي الجهة وإذا انتفت الجهة انتفت الرؤية إذ كل مرئي في جهة من الرائي فاضطروا لهذا المعنى لرد الشرع المنقول واعتلوا للأحاديث بأنها أخبار آحاد وأخبار الآحاد لا توجب العلم مع أن ظاهر القرآن معارض لها أعني قوله تعالى ^ لا تدركه الأبصار ^ # وأما الأشعرية فراموا الجمع بين الاعتقادين أعني بين انتفاء الجسمية وبين جواز الرؤية لما ليس بجسم بالحس فعسر ذلك عليهم ولجؤوا في ذلك إلى حجج سوفسطائية مموهة أعني الحجج التي توهم أنها حجج وهي كاذبة وذلك أنه يشبه أن يكون في الحجج ما يوجد في الناس أعني أنه كما يوجد في الناس الفاضل التام الفضيلة فيوجد فيهم من هو دون ذلك في الفضل ويوجد فيهم من يوهم أنه فاضل وليس بفاضل وهو المرائي وكذلك الأمر في الحجج أعني أن منها ما هو في غاية اليقين ومنها ما هو دون اليقين ومنها حجة مرائية وهي التي توهم أنها يقين وهي كاذبة والأقاويل التي سلكها الأشعرية في هذه المسألة منها أقاويل في دفع دليل المعتزلة ومنها أقاويل لهم في إثبات جواز الرؤية لما ليس بجسم وأنه ليس يعرض من فرضها محال # فأما ما عاندوا به قول المعتزلة أن كل مرئي فهو في جهة من الرائي فمنهم من قال إن هذا إنما هو حكم الشاهد لا حكم الغائب وإن هذا الموضوع ليس هو من المواضع التي يجب فيها نقل حكم الشاهد إلى الغائب وأنه جائز أن يرى الإنسان ما ليس في جهة إذا كان جائزا أن يرى الإنسان بالقوة المبصرة نفسها دون عين

وهؤلاء اختلط عليهم إدراك العقل مع إدراك البصر فإن العقل هو الذي يدرك ما ليس في جهة أعني في مكان وأما إدراك البصر فظاهر من أمره أن من شرطه أن يكون المرئي منه في جهة ولا في كل جهة فقط بل في جهة ما مخصوصة ولذلك ليس تتأتى الرؤية بأي وضع اتفق أن يكون البصر من المرئي بل بأوضاع محدودة وشروط محدودة أيضا وهي ثلاثة أشياء حضور الضوء والجسم الشفاف المتوسط بين البصر والمبصر وكون المبصر ذا ألوان ضرورة والرد لهذه الأمور المعروفة بنفسها في الإبصار هو رد للأوائل المعلومة بالطبع للجميع وإبطال لجميع معلوم المناظرة والهندسة # وقد قال القوم أعني الأشعرية إن أحد المواضع التي يجب أن ينقل فيها حكم الشاهد إلى الغائب هو الشرط مثل حكمنا أن كل عالم حي لكون الحياة تظهر من الشاهد شرطا في وجود العلم وإن كان ذلك قلنا لهم وكذلك تظهر في الشاهد أن هذه الأشياء هي شروط في الرؤية فألحقوا الغائب فيها بالشاهد على أصلكم # وقد رام أبو حامد في كتابه المعروف بالمقاصد أن يعاند هذه المقدمة أعني كل مرئي في جهة من الرائي بأن الإنسان يبصر ذاته في المرآة وأن ذاته ليست منه في جهة غير جهة مقابلة وذلك أنه لما كان يبصر ذاته وكانت ذاته ليست تحل في المرآة التي في الجهة المقابلة فهو يبصر ذاته في غير جهة وهذه مغالطة فإن الذي يبصر هو خيال ذاته والخيال منه هو في جهة إذ كان الخيال في المرآة والمرآة في جهة # وأما حجتهم التي أتوا بها في إمكان رؤية ما ليس بجسم فإن المشهور عنهم في ذلك حجتان إحداهما وهي أشهر عندهم ما يقولونه من أن الشيء

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:58 AM
لا يخلو أن يرى من جهة ما هو متلون أو من جهة أنه جسم أو من جهة أنه لون أو من جهة أنه موجود وربما عددوا جهات أخر غير هذه الموجودة ثم يقولون وباطل أن يرى من قبل أنه جسم إذ لو كان ذلك كذلك لما رؤي اللون وباطل أن يرى لمكان أنه لون إذ لو كان كذلك لما رؤي الجسم وإذا بطلت جميع هذه الأقسام التي تتوهم في هذا الباب فلم يبق أن يرى الشيء إلا من قبل أنه موجود والمغالطة في هذا القول بينة فإن المرئي منه ما هو مرئي بذاته ومنه ما هو مرئي لذاته وهذه هي حال اللون والجسم فإن اللون مرئي بذاته والجسم مرئي من قبل اللون ولذلك لما لم يكن له لون لم يبصر ولو كان الشيء إنما يرى من حيث هو موجود فقط لوجب أن تبصر الأصوات وسائر المحسوسات الخمس فكان يكون البصر والسمع وسائر الحواس الخمس حاسة واحدة وهذه كلها خلاف ما يعقل # وقد اضطر المتكلمون لمكان هذه المسألة وما أشبهها إلى أن يسلموا أن الألوان ممكنة أن تسمع والأصوات ممكنة أن ترى وهذا كله خروج عن الطبع وعن ما يمكن أن يعقله الإنسان فإنه في الظاهر أن حاسة البصر غير حاسة السمع وأن محوس هذه غير محوس تلك وأن آلة هذه غير آلة تلك وأنه ليس ممكن أن ينقلب البصر سمعا كما ليس يمكن أن يعود اللون صوتا والذين يقولون إن الصوت يمكن أن يبصر في وقت ما فقد يجب أن يسألوا فيقال لهم ما هو البصر فلا بد أن يقولوا هو قوة تدرك بها المرئيات الألوان وغيرها ثم يقال لهم ما هو السمع فلا بد أن يقولوا هو قوة تدرك بها الأصوات فإذا وضعوا هذا قيل لهم فهل البصر عند إدراكه هو بصر فقط أو سمع فقط فإن قالوا هو سمع فقط فقد سلموا أنه لا يدرك الألوان وإن قالوا إنه بصر فقط فليس يدرك الأصوات وإذا لم يكن بصرا فقط لأنه يدرك الأصوات ولا سمعا فقد لأنه يدرك الألوان

فهو بصر وسمع معا وعلى هذا فتكون الأشياء كلها شيئا واحدا حتى المتضادات وهذا شيء فيما أحسبه يسلمه المتكلمون من أهل ملتنا أو يلزمهم تسليمه يعني هؤلاء الأشعرية وهو رأي سوفسطائي لأقوام قدماء مشهورين بالسفسطة # وأما الطريقة الثانية التي سلكها المتكلمون في جواز الرؤية فهي الطريقة التي اختارها أبو المعالي في كتابه المعروف بالإرشاد وتلخيصها أن الحواس إنما تدرك ذوات الأشياء وما تنفصل به الموجودات بعضها من بعض فهو أحوال ليست بذوات فالحواس لا تدركها وإنما تدرك الذوات والذات هي نفس الموجود المشترك لجميع الموجودات فإذا الحواس إنما تدرك الشيء من حيث هو موجود وهذا كله في غاية الفساد ومن أبين ما يظهر به فساد هذا القول أنه لو كان البصر إنما يدرك الأشياء لما أمكنه أن يفرق بين الأبيض والأسود لأن الأشياء لا تفترق بالشيء الذي تشترك فيه وإلا لكان بالجملة لا يمكن في الحواس لا في البصر أن يدرك فصول الألوان ولا في السمع أن يدرك فصول الأصوات ولا في الطعم أن يدرك فصول المطعومات وللزم أن تكون مدارك المحسوسات بالحس واحدا فلا يكون فرق بين مدرك البصر وهذا كله في غاية الخروج عما يعقله الإنسان وإنما تدرك الحواس ذوات الأشياء المشار إليها لمحسوساتها الخاصة بها فوجه المغالطة في هذا هو أن ما يدرك ذاتيا أخذ أنه مدرك بذاته ولولا النشأ على هذه الأقاويل وعلى التعظيم للقائلين بها أمكن أن يكون فيها شيء من الإقناع ولا وقع بها التصديق لأحد سليم الفطرة # والسبب في مثل هذه الحيرة الواقعة في الشريعة حتى ألجأت القائمين بنصرتها في زعمهم إلى مثل هذه الأقاويل الهجينة التي هي ضحكه من عنى بتمييز أصناف

الأقاويل أدنى عناية هو التصريح في الشرع بما لم يأذن الله ورسوله به وهو التصريح بنفي الجسمية للجمهور وذلك أن من العسير أن يجتمع في اعتقاد واحد أن ها هنا موجودا ليس بجسم وأنه مرئي بالأبصار لأن مدارك الحواس هي في الأجسام أو أجسام ولذلك رأى قوم أن هذه الرؤية هي مزيد علم في ذلك الوقت وهذا أيضا لا يليق الإفصاح به للجمهور وأنه لما كان العقل من الجمهور لا ينفك من التخيل بل ما لا يتخيلون هو عندهم عدم وكان تخيل ما ليس بجسم لا يمكن والتصديق بوجود ما ليس بمتخيل غير ممكن عندهم عدل الشرع عن التصريح لهم بهذا المعنى فوصف لهم نفسه سبحانه وتعالى بأوصاف تقرب من قوة التخيل مثل ما وصفه به من السمع والبصر والوجه وغير ذلك مع تعريفهم أنه لا يجانسه شيء من الموجودات المتخيلة ولا يشبهه ولو كان القصد تعريف الجمهور أنه ليس بجسم لما صرح لهم بشيء من هذا بل لما كان أرفع الموجودات المتخيلة هو النور ضرب المثال به إذ كان النور هو أشهر الموجودات عند الحس والتخيل وبهذا النحو من التصور أمكن أن يفهموا المعاني الموجودة في المعاد أعني تلك المعاني مثلت لهم بأمور متخيلة محسوسة فإذا متى أخذ الشرع في أوصاف الله تعالى على ظاهره لم تعرض فيه هذه الشبهة ولا غيرها لأنه إذا قيل له نور وأنه له حجابا من نور كما جاء في القرآن والسنن الثابتة ثم قيل إن المؤمنين يرونه في الدار الآخرة كما ترى الشمس لم يعرض في هذا شك ولا شبهة في حق الجمهور ولا حق العلماء وذلك أنه قد تبرهن عند العلماء أن تلك الحال مزيد علم لكن متى صرح به للجمهور بطلت عندهم الشريعة كلها أو كفروا المصرح لهم بها فمن خرج عن منهاج الشريعة في هذه الأشياء فقد ضل عن سواء السبيل

# وأنت إذا تأملت الشرع وجدته مع أنه قد ضرب للجمهور في هذه المعاني المثالات التي لم يمكن تصورهم إياها دونها فقد نبه العلماء على أن تلك المعاني نفسها التي ضرب مثالاتها للجمهور فيجب أن يوقف عند حد الشرع في نحو التعليم الذي خص به صنفا صنفا من الناس وألا يختلط التعليمان كلاهما فتفسد الحكمة الشرعية النبوية ولذلك قال عليه السلام إنا معشر الانبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم وأن نخاطبهم على قدر عقولهم ومن جعل الناس شرعا واحدا في التعليم فهو كمن جعلهم شرعا واحدا في عمل من الأعمال وهذا كله خلاف المحسوس والمعقول # وقد تبين لك من هذا أن الرؤية معنى ظاهر وأنه ليس يعرض فيه شبهه إذا أخذ الشرع على ظاهره في حق الله تبارك وتعالى أعني إذا لم يصرح فيه بنفي الجسمية ولا بإثباتها # قلت قد عرف أن هذا الرجل يرى رأي الفلاسفة وإنما أخبرت به الرسل في الإيمان بالله واليوم الآخر أكثره أمثال مضروبة وهذا من أفسد الآراء وهو قول حذاق المنافقين الزنادقة وإن كانوا لا يعلمون أن ذلك نفاقا وزندقة بل يحسبونه كمال التحقيق والمعرفة كما يحسب ذلك هؤلاء المتفلسفة وليس هذا الموضع موضع بيان ذلك # وإنما المقصود أنه مع كونه في الباطن يرى رأي الفلاسفة والمعتزلة في الرؤية وأنها مزيد علم ما يرى نحوا منه طائفة من متأخري الأشعرية فقد علم أنه لا يمكن إثبات الرؤية التي أخبر بها الشارع مع نفي ما يقولون إنه الجسم بل إثباتها مستلزم لما يقولون إنه الجسم والجهة فقد تبين أنه من جمع بين هذين فإنه مكابر للمعقول والمحسوس وهذا مما قد بينه بالدليل فيقبل منه

# وأما زعمه أنها في الباطن مزيد علم فهو لم يذكر على ذلك حجة وقد بين فيما تقدم أنه لا صحة له على أصل ذلك وهو نفي كونه جسما إلا إثبات أن النفس الناطقة ليست بجسم وبين فساد ما احتج به المتكلمون على أنه ليس بجسم بحجج واضحة ومعلوم أن الأصل الذي بنى عليه هو هذا النفي وهي مسألة النفس أضعف بكثير وأن جمهور العقلاء يضحكون مما يقوله هؤلاء في النفس من الصفات السلبية أكثر مما يضحكون ممن يثبت رؤية مرئي ليس هو في اصطلاحهم بجسم ولا في جهة كما قد بيناه في غير هذا الموضع # وأما دعواه ودعوى غيره من الجهمية من المعتزلة ونحوهم أن الرؤية التي أخبر بها الرسول مزيد علم فمن سمع النصوص علم بالاضطرار أن الرسول إنما أخبر برؤية المعاينة # وأيضا فإن أدلة المعقول الصريحة تجوز هذه الرؤية وإن لم يسلك في ذلك ما ذكروه من المسالك الضعيفة فإن تلك المسالك إنما ضعفت لأن أصحابها أثبتوا رؤية ما ليس في جهة ولا هو متحيز ولا حال في متحيز فاحتاجوا لذلك أن يحذفوا من الرؤية الشروط التي لا تتم الرؤية بدونها لاعتقادهم امتناع تلك الشروط في حق الله تعالى فأما إذا قيل إن الرؤية المعروفة يصح تعلقها بكل قائم بنفسه وإن شرط فيها أن يكون المرئي بجهة من الرائي وأن يكون متحيزا وقائما بمتحيز كانت الأدلة العقلية على إمكان هذه الرؤية مالا يمكن العقلاء أن يتنازعوا في جوازها وإنما ينفيها من نفاها لظنه أن الله تعالى ليس فوق العالم وأنه على اصطلاحهم ليس بجسم ولا متحيز ولا حال في المتحيز ونحو ذلك من الصفات السلبية التي ابتدعوها مع مخالفتها لصحيح المنقول وصريح المعقول

# والمقصود أن المنازعين للمؤسس يقولون له نحن نثبت بالكتاب والسنة والإجماع ونثبت بالأدلة العقلية الصريحة إمكان رؤية الرب نثبت بالضرورة وبالنظر أن الرؤية لا تتعلق إلا بما يكون في اصطلاحهم في جهة وإلا بما يكون متحيزا أو حالا في المتحيز وإذا ثبت أن الرؤية لا تتعلق إلا بمتحيز أو حال في المتحيز مع أن المصحح لها هو الوجود وكماله ثبت أنه ليس في الموجودات مالا يكون متحيزا ولا حالا في المتحيز بل ثبت امتناع وجود ذلك وهذا يبقي هذه الصفة في النفس وفي الملائكة وفي الرب سبحانه وتعالى كما تقدم من الوجوه وكما ذكروه من الضرورة العقلية # الوجه التاسع أن يقال قد ثبت بالفطرة التي اتفق عليها أهل الفطر السليمة وبالنقول المتواترة عن المرسلين من الأخبار وما نطقت به كتب الله واتفق عليه المؤمنون بالرسل قبل حدوث البدع أن الله تعالى عز وجل فوق العالم وثبت أيضا بالكتاب والسنة والإجماع أنه استوى على العرش فالعلو على العالم معروف بالفطرة والمعقول وبالشرعة والمنقول وأما الاستواء فإنما علم بالسمع المنقول وأكثر أهل الكلام والفلسفة من النفاة والمثبتة يقولون هذا لا يمكن إلا أن يكون جسما متحيزا فيكون التحيز من لوازم علوه على العرش كما قد يقول ذلك أهل الفطر السليمة إذا بين لهم معنى الكلام وهذا يقتضي المعقول والمنقول يستلزم ذلك وهذه المقدمة الثانية قد قررها المؤسس ومتأخرو أصحابه في غير موضع والأولى قد قررها عامة الناس من المثبتين للصفات وسائر أهل الفطر السليمة حتى أئمة أصحابه وإذا ثبت هذا في واجب الوجود امتنع أن يكون غيره من النفس وغيرها موصوفا بهذا السلوب لأن أحدا

لم يقل ذلك من العقلاء ولأن الفطرة والشرعة يقضي ذلك فيها أيضا فإنهم يعلمون بهذه الطرق أن جميع هذه الأمور داخلة في العالم وجزء منه يمتنع أن تكون لا داخلة فيه ولا خارجة منه
فصل # ثم قال الرازي ولنختم هذا الباب بما روي عن أرسطا ليس أنه كتب في أول كتابه في الإلهيات من أراد أن يشرع في المعارف الإلهية فليستحدث لنفسه فطرة أخرى # قال أبو عبدالله الرازي وهذا الكلام موافق للوحي والنبوة فإنه ذكر مراتب تكوين الجسد في قوله تعالى ^ ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ^ فلما آل الأمر إلى تعلق الروح بالبدن قال ^ ثم أنشأناه خلقا آخر ^ وذلك كالتنبيه على أن كيفية تعلق الروح ليس مثل انقلاب النطفة من حال إلى حال بل هذا نوع آخر مخالف لتلك الأنواع المتقدمة فلهذا السبب قال ^ ثم أنشأناه خلقا آخر ^ فكذلك الإنسان إذا تأمل في أحوال الأجرام السفلية والعلوية وتأمل في صفاتها فذلك له قانون فإذا أراد أن ينتقل منها إلى معرفة الربوبية وجب أن يستحدث لنفسه فطرة أخرى وعقلا آخر بخلاف العقل الذي به اهتدى إلىمعرفة الجسمانيات وهذا آخر الكلام في هذه المقدمة # قلت والكلام على هذا من وجوه # أحدها أن هذا الكلام هو وما ذكره من الحجة أشبه بكلام أهل الجهل والضلال ومن لا يدري ما يخرج منه من المقال من كلام أهل العقل

والعلم والبيان وهو أشبه بكلام جهال القصاص والمغالطين من كلام العلماء المجادلين بالحق وما أحسن ما قال الإمام أحمد رحمه الله في بشر المريسي إمام الجهمية قال كان صاحب خطب لم يكن صاحب حجج بل هذا الكلام دون كلام أهل الخطب والحجج # الثاني أن يقال له ألم يكن في أثارة الأنبياء والمرسلين ما يستغنى به في أعظم المطالب وأشرف المعارف عن ما يروى عن معلم المبدلة من الضالين الذين انتقلوا عن الحنيفية الثابتة بالعقل والدين وهو رأس هؤلاء الدهرية ثم هذا الكلام لم تعلم أنه ثابت عنه وإنما قلت بما يروى عنه فهو منقطع هؤلاء الصابئة المبدلين # الثالث أنه لو نقل واحد في هذا الباب شيئا من الإسرائيليات عن المتقدمين لم تقم به حجة إن لم يكن ذلك ثابتا بنقل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عنهم وأما يذكره لنا أهل الكتابين ومن أسلم منهم عن الأنبياء المتقدمين فليس لنا تصديقه ولا تكذيبه إن لم يكن فيما علمناه ما يدل على صدقه أو كذبه كما في صحيح البخاري عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا ^ آمنا بالله وما أنزل إلينا ^ الآية وفي سنن أبي داود عن ابن أبي تميلة الأنصاري عن أبيه أنه بينما هو جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده رجل من اليهود مر بجنازة فقال يا محمد هل تتكلم هذه الجنازة فقال النبي صلى الله عليه وسلم الله أعلم قال اليهودي إنها تتكلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم

وقولوا آمنا بالله ورسله فإن كان باطلا لم تصدقوه وإن كان حقا لم تكذبوه وروى البخاري أيضا عن الزهري عن عبدالله بن عبدالله بن عتبة أن ابن عباس قال كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل على رسوله أحدث الكتب عهدا بالرحمن تقرؤونه محضا لم يشب وقد أخبركم ربكم أن أهل الكتاب بدلوا كلام الله وغيروه وكتبوا بأيديهم وقالوا هو ^ من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ^ ألا نهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم لا والله ما رأينا أحدا منهم يسألكم عن الذي أنزل عليكم وروى البخاري أيضا عن الزهري أخبرني حميد بن عبدالرحمن سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة وذكر كعب الأحبار فقال إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب وإن كنا مع ذلك لنبلوا عليه الكذب # فإذا كان أهل الكتاب الذي أنزله الله تعالى والذي وجب علينا أن نؤمن بما فيه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم و ^ قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم ^ الآية وقال قولوا آمنا بالله ورسله إذا رووا لنا شيئا من ذلك لم نصدقه إن لم نعلم من غير ذلك أنهم صادقون وهم يقرؤون ذلك بلسان الأنبياء ثم يترجمون لنا بالعربية # فهؤلاء الذين قرؤوا كتب الصابئة من الفلاسفة وغيرهم بلغتهم اليونانية وغيرها ثم ترجموها بالعربية كيف نقبل ذلك منهم والمنقول عنهم ليسوا أنبياء ولا ممن يصدقون لو شافهونا إذ كان من علماء أهل الكتابين لم يقبل ما يقولونه فكيف وهم من الصابئة المتكلمين في العلم الإلهي بما يخالف ما جاءت به الرسل عليهم السلام وهم أشد تبديلا وتغييرا من أهل الكتابين بشيء كثير فكيف في كلام مرسل لم يوجد في كتبهم وإنما نقل عنهم مطلقا

محمد الغماري
03 Apr 2010, 02:59 AM
# الوجه الرابع أن جميع العقلاء الذين خبروا كلام آرسطو وذويه في العلم الإلهي علموا أنهم من أقل الناس نصيبا في معرفة العلم الإلهي وأكثر الناس اضطرابا وضلالا فإن كلامه وكلام ذويه في الحساب والعدد ونحوه من الرياضيات مثل كلام بقية الناس والغلط في ذلك قليل نادر وكلامهم في الطبيعيات دون ذلك غالبه جيد وفيه باطل وأما كلامهم في الإلهيات ففي غاية الاضطراب مع قلته فهو لحم جمل غث على رأس جبل وعر لا سهل فيرتقي ولا سمين فينتقل هو قليل كثير الضلال عظيم المشقة يعرفه كل من له نظر صحيح في العلوم الإلهية فكيف يستدل بكلام مثل هؤلاء في العلم الإلهي وحالهم هذه الحال # وهذا المصنف هو القائل لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي غليلا ولا تروي عليلا ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن هذا بمنزلة أن يستدل الرجل في مسائل الحلول والتثليث بكلام بطرس صاحب الرسائل التي عند النصارى وهو ممن غير دين المسيح وبدله وقد اعترف أساطين الفلسفة بأن العلم الإلهي لا سبيل لهم إلا العلم واليقين فيه وإنما يؤخذ فيه بالأولى والأخلق الأحرى وممن ذكر ذلك عنهم صاحب هذا الكتاب أبو عبدالله الرازي الذي سماه المطالب العالية فإذا كانوا معترفين بأنه ليس عندهم علم ولا يقين في العلم الإلهي كيف يستدل بكلامهم فيه # الوجه الخامس يقال له لم تقبل هذه الوصية التي نقلتها عن الذي ائتممت به من أئمة الضلال وذلك أنه قال من أراد أن يشرع في المعارف الإلهية فليستحدث لنفسه فطرة أخرى وهذا يناسب ترتيب تعاليمه حيث ينقل أتباعه

من درجة إلى درجة كما ينقلهم من المنطق والرياضي إلى الطبيعي ثم إلى الإلهي الذي لهم فجعل ذلك معلقا على إرادة الشرع في المعارف الإلهية وأنت جعلت ما تذكره من النظر في هذا الباب اعتقادا واجبا على جميع المسلمين خاصتهم وعامتهم بل كفرت في الكتاب من خالفك فلو تركت الناس على ما هم عليه إلا من أراد أن يشرع في معارفك لكنت متابعا لهذا الإمام المضل لكنك ابتدأت بخطاب ذلك الملوك والعامة وغيرهم ممن لم يرد الشروع في معارفك الإلهية # الوجه السادس أن يقال ما معنى قوله فليستحدث لنفسه فطرة أخرى والفطرة هي الخلقة التي فطر الله عباده عليها أتريد أن يبدل خلقته وما فيها من قوى الإدراك والحركة وهذا غير مقدور للبشر فإن الله تعالى فطر عباده على ذلك أم تريد أن يترك ما فطر عليه من المعارف والعلوم ويستحدث لنفسه معارف تخالف ذلك وهذا هو الذي يصلح أن يريده فهذا أمر بتبديل فطرة الله تعالى التي فطر عليها عباده وهي طريقة المبتدعة المبدلين لفطرة الله تعالى وشرعته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه أو يشركانه فأهل الكتاب المنزل بدلوا وحرفوا من كتاب الله تعالى ما به بدلوه وحرفوه وهم مع الصابئين والمشركين القائمين بالنظر العقلي بدلوا من فطرة الله التي فطر الله عباده عليها وغيروا منها ما غيروه # ولهذا قيل إن آرسطو هذا بدل طريقة الصابئة الذين كانوا قبله والذين كانوا مؤمنين بالله واليوم الآخر الذين أثنى عليهم القرآن فهذا الكلام المنقول عنه يوافق ذلك وهؤلاء المحرفة المبدلة في هذه الأمة من الجهمية وغيرهم اتبعوا سنن من كان قبلهم من اليهود والنصارى وفارس والروم فغيروا فطرة الله تعالى وبدلوا كتاب الله والله سبحانه وتعالى خلق عباده على الفطرة التي فطرهم عليها وبعث إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه فصلاح العباد وقوامهم بالفطرة المكملة بالشريعة

المنزلة وهؤلاء بدلوا وغيروا فطرة الله وشرعته خلقه وأمره وأفسدوا اعتقادات الناس وإراداتهم إدراكاتهم وحركاتهم قولهم وعملهم من هذا وهذا كما بدل الذين ظلموا من بني إسرائيل القول الذي أمروا به والعمل الذي أمروا به ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قيل لهم ^ ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة ^ فدخلوا الباب يزحفون على أستاههم وقالوا حبة في شعرة # وقد ذكرنا في غير هذا الموضع أن مبدأ التجهم في هذه الأمة كان أصله من المشركين ومبدلة الصابئين من الهند واليونان وكان من مبدلة أهل الكتاب من اليهود وأن الجعد بن دهم ثم الجهم بن صفوان ومن اتبعهما أخذوا ذلك عنهم # وأنه بعد ذلك أواخر المائة الثانية وقبلها وبعدها اجتلبت كتب اليونان وغيرهم من الروم من بلاد النصارى وعربت وانتشر مذهب مبدلة الصابئة مثل آرسطو وذويه ظهر في ذلك الزمان الخرمية وهم أول القرامطة الباطنية الذين كانوا في الباطن يأخذون بعض دين الصابئين المبدلين وبعض دين المجوس كما أخذوا عن هؤلاء كلامهم في العقل والنفس وأخذوا عن هؤلاء كلامهم في النور والظلمة وكسوا ذلك عبارات وتصرفوا فيه وأخرجوه إلى المسلمين وكان من القرامطة الباطنية في الإسلام ما كان وهم كانوا يميلون كثيرا إلى طريقة الصابئة المبدلين وفي زمنهم صنفت رسائل إخوان الصفا وذكر ابن سينا أن أباه كان من أهل دعوتهم من أهل دعوة المصريين منهم وكانوا إذ ذاك قد ملكوا مصر وغلبوا عليها قال ابن سينا وبسبب ذلك اشتغلت في الفلسفة لكونهم كانوا يرونها وظهر في غير هؤلاء من التجهم ما ظهر وظهر بذلك تصديق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب

لدخلتموه قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مأخذ القرون شبرا بشبر وذراعا بذراع فقيل يا رسول الله كفارس والروم قال فمن الناس إلا أولئك # ومعلوم أن أهل الكتاب أقرب إلى المسلمين من المجوس والصابئين والمشركين فكان أول ما ظهر من البدع فيه شبه من اليهود والنصارى والنبوة كل ما ظهر نورها انطفت البدع وهي في أول الأمر كانت أعظم ظهورا فكان إنما يظهر من البدع ما كان أخف من غيره كما ظهر في أواخر عصر الخلفاء الراشدين بدعة الخوارج والتشيع ثم في أواخر عصر الصحابة ظهرت القدرية والمرجئة ثم بعد انقراض أكابر التابعين ظهرت الجهمية ثم لما عربت كتب الفرس والروم ظهر التشبه بفارس والروم وكتب الهند انتقلت بتوسط الفرس إلى المسلمين وكتب اليونان انتقلت بتوسط الروم إلى المسلمين فظهرت الملاحدة الباطنية الذين ركبوا مذهبهم من قول المجوس واليونان مع ما أظهروه من التشيع وكانت قرامطة البحرين أعظم تعطيلا وكفرا كفرهم من جنس كفر فرعون بل شر منه # الوجه السابع أن يقال هذه الوصية مخالفة لما بعث الله تعالى به رسله وأن يقروهم على فطرتهم التي فطروا عليها وبذلك جاءتهم الرسل لم يأمروهم باستحداث فطرة غير الفطرة التي فطروا عليها ولا بتغيير تلك الفطرة كما أمرهم هؤلاء المبدلون لفطرة الله تعالى وكتبه والله سبحانه وتعالى قد فطر عباده على الإقرار به وعبادته وحده قال تعالى ^ فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله


التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون ^ وهؤلاء الصابئة المبدلون ومن بدل دينه من اليهود والنصارى وسائر المشركين هم ^ من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون ^ هم من الذين اختلفوا من بعد ما كانوا أمة واحدة كما قال تعالى ^ كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم ^ # ولهذا يوجد في هؤلاء الصابئة المتفلسفة وغيرهم من الاختلاف والافتراق في أصول الدين أعظم مما يوجد بين اليهود والنصارى لأن أهل الكتاب أقرب إلى الهدى من الصابئين فمبتدعتهم دون مبتدعة الصابئين والتفرق والاختلاف في الصابئين أكثر ولهذا فيهم من عبادة الأصنام والكواكب والشرك مالا يوجد منه في أهل الكتابين وإن كان قد وجد فيهم من الشرك ما وجد فهو في أولك أعظم وهؤلاء وأمثالهم هم الذين بدلوا وغيروا ما فطر الله تعالى عليه عباده وأرسل به رسله وصار فيهم من الاستكبار وطلب العلو ودعوى التحقيق في العلوم والمعارف وعلو الهمة في الأعمال ما هم في الحقيقة متصفون عنده كما قال تعالى فيهم ^ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه ^ وقال تعالى وتقدس ^ فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا

به يستهزئون فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ^ وقال تعالى ^ وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون ^ # وبالجملة فهؤلاء وأشباههم أعداء الرسل وسوس الملل وخطاب القرآن لهم كثير جدا فإنهم أئمة لأتباعهم وهم من السادة والكبراء الذين قال الله تعالى في أتباعهم ^ إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا أنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا ^ وكان فرعون موسى من أكابر ملوك هؤلاء وقد ذكر الله تعالى في قصته في القرآن ما فيه عبرة وكذلك مشركو قريش الذين كفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم أولا كان فيهم الشبه بهؤلاء أن يكونوا أئمة من كفر بعدهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الناس تبع لقريش في هذا الشأن مؤمنهم تبع لمؤمنهم وكافرهم تبع لكافرهم # وكان في أئمة الكفر الوحيد الذي قال الله تعالى ^ ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا إلى قوله تعالى إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ^ فاستعمل نظر أهل المنطق من التفكير الذي يطلب به الحد الأوسط ثم التقدير الذي هو القياس الذي ينتقل فيه من الحد الأوسط إلى المطلوب وكذب بكون القرآن كلام الله تعالى وجعله كلام البشر وهذا في الحقيقة قول هؤلاء المتفلسفة كما قد بيناه في غير هذا الكتاب

# فأمر الأمة بقبول وصية أمثال هؤلاء دون أن يذكر في ذلك ما أوصى الله تعالى به عباده وما وصت به رسله والوصية متضمنة تبديل فطرة الله تعالى بفطرة أخرى من أعظم تبديل الفطرة في العلوم والأعمال وذلك من تبديل دين الله
فصل # قال أبو عبدالله الرازي المقدمة الثانية اعلم أنه ليس كل موجود يجب أن يكون له نظير وشبيه وأنه ليس يلزم من نفي النظير والشبيه نفي ذلك الشي واحتج عليه بثلاث حجج ثم قال فظهر فساد قول من يقول لا يمكن أن نعقل وجود موجود لا يكون متصلا بالعالم ولا منفصلا عنه إلا إذا وجدنا له نظيرا فإن عندنا الموصوف بهذه الصفة ليس إلا الله وبينا أنه لا يلزم من عدم النظير والشبيه عدم الشيء فثبت أن هذا الكلام ساقط بالكلية # قلت نفي النظير والمثل والكفئ والسمي ونحو ذلك عن الله سبحانه وتعالى متفق عليه بين المسلمين الذين يؤمنون بالقرآن وقد بينا فيما تقدم بالدلائل القاطعة الشرعية والعقلية أنه يمتنع أن يكون لله مثل بوجه من الوجوه وبينا أن التماثل بينه وبين خلقه ممتنع لذاته وأنه يستلزم كون الشي الواحد موجودا معدوما قديما محدثا خالقا مخلوقا ممكنا والحجج الثلاثة التي ذكرها الرازي في هذا المطلوب ضعيفة كما سنبينه إن شاء الله وإن كانت

هذه المقدمة في نفسها حقا إذا فسرت بما يوافق الكتاب والسنة والعقل الصريح فإن هذا الرجل ربما يقول الحق ولكن تكون الحجج التي يقيمها عليه ضعيفة وكثيرا ما يقول ما ليس بحق وكثيرا ما يتناقض وهو في هذه المقدمة لم يثبت نفي الشبيه والنظير عن الله تعالى ولكن أراد أن يثبت أنه لا يجب أن يكون لكل موجود نظير وشبيه فأثبت سلب هذا العموم لم يثبت نفي النظير عن الله تعالى ومتى ثبت نفي المثل عن الله تعالى ثبت سلب هذا العموم لانتقاض هذه القضية العامة الكلية ولا يلزم من ثبوت نقيض هذه القضية وسلبها ثبوت نفي المثل عن الله فإنه إذا لم يجب أن يكون لكل موجود نظير لم يلزم من ذلك عدم وجود النظير لكل موجود إذ نفي الوجوب لا ينفي الوجود ولو ثبت أن في الموجودات مالا نظير له بل ما يجب نفي النظير عنه لم يثبت بمجرد هذا الإبهام أنه الله إلا بدليل آخر فكيف إذا لم يثبت إلا مجرد عدم وجوب النظير لكل موجود # وإذا عرف مضمون هذه المقدمة فإن ما استفاد بها قوله فثبت فساد قول من يقول إنه لا يمكننا أن نعقل وجود موجود لا يكون متصلا بالعالم ولا منفصلا عنه إلا إذا وجدنا له نظيرا # وإذا كان هذا هو الذي استفاده بهذه المقدمة فينبغي أن يعلم أن هذا الكلام لا يقوله من يجزم بقول ولا يقوله أحد من أهل الأقوال المعتبرة وما أعلم أحدا يقوله ممن يذكر له قول لكن لعله قد قاله بعض الجهال بالمذاهب والدلائل وأهل الريب والشك في ذلك وذلك أن المنازعين له عندهم يعلم بضرورة العقل ونظره امتناع وجود موجود لا داخل ولا خارجه وإذا كان هذا ممتنعا عندهم لم يجز أن يكون لهذا الممتنع نظير ولم يجز أن يقول عاقل إن هذا الممتنع لا أعقله إلا إذا كان له نظير فإن هذا يكون تعليقا لعقله على وجود نظيره ويكون

عاقلا له إذا كان له نظير ومتى جوز وجود نظيره لم يكن هو في نفسه ممتنعا عنده والقائل لهذا إن كان يعتقد امتناعه لم يجز أن يكون له في نفسه وجود فضلا عن أن يجوز وجود نظير له وان كان يعتقد إمكانه لم يحتج عقله إلى وجود نظير لكن قد يقول هذا من لا يعلم امتناعه ولا إمكانه ويقول أنا لا أعقل شيئا إلا بشيء له نظير فهذه المقدمة تبطل هذا القول لو كان أقام حجة صحيحة عليها # وتحقيق الأمر أن لفظ النظير إن أراد به هذا القائل أني لا أعقل شيئا إن لم يكن له نظير من كل وجه فهذا لا ينفعه فإنه سلم أن الله تعالى ليس له نظير من كل وجه وإن قال إن لم يكن له نظير من بعض الوجوه يعنى أن يكون بينه وبين غيره مشابهة في شيء فالرازي لم يقم دليلا على إفساد هذا بل قد سلم في كتبه أن هذا في كتبه أن هذا يقول كل أحد قال في كتابه نهاية العقول وهو أجل ما صنفه في الكلام في المسألة الثالثة في أن مخالف الحق من أهل الصلاة هل يكفر أولا قال قال أبو الحسن الأشعرى في أول كتاب مقالات الاسلاميين اختلف المسلمون بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم في أشياء ضلل بعضهم بعضا فصاروا فرقا متباينين إلا أن الإسلام يجمعهم ويعمهم قال فهذا مذهبه وعليه أكثر الأصحاب ومن الأصحاب من كفر المخالفين قال فأما الفقهاء فقد نقل عن الشافعي رحمه الله أنه قال لا أرد شهادة كل أهل الأهواء والأقوال إلا الخطابية فانهم يعتقدون حل الكذب وأما أبو حنيفة فقد حكى الحاكم صاحب المختصر في كتاب المنتقى عن أبي حنيفة أنه لم يكفر

أحدا من أهل القبلة وحكى الرازى عن الكرخي وغيره مثل ذلك قال وأما المعتزلة فالذين كانوا قبل أبو الحسين تحامقوا وكفروا أصحابنا في إثبات الصفات وخلق الأعمال قال وأما المشبهة فقد كفرهم مخالفوهم من أصحابنا ومن المعتزلة وكان الاستاذ أبو اسحق يقول أكفر من يكفرني فكل مخالف يكفرنا نكفره وإلا فلا قال والذي نختاره أنا لا نكفر أحدا من أهل القبلة وهذا الذي اختاره آخرا خلاف ما ذكره في تأسيسه ومحصلة من تكفير المجسمة ومن غيرهم # والمقصود هنا أنه ذكر حجج من كفر المشبهة وتكلم عليها فقال وأما تكفير المشبهة فقد كفرهم أصحابنا والمعتزلة من وجوه إلى أن قال ورابعها أن الأمة مجمعة على أن المشبه كافر ثم المشبه لا يخلو إما أن يكون هو أن يذهب الى كون الله تعالى وتقدس مشبها لخلقه من كل الوجوه أوليس والأول باطل لأن أحدا من العقلاء لم يذهب الى ذلك ولا يجوز أن يجمعوا على تكفير من لا وجود له بل المشبه الذي يثبت الاله على صفة يشبهه فيها بخلقه والمجسم كذلك لأنه إذا اثبت جسما مخصوصا غير معين فإنه يشتبه عليه بالأجسام المحدثة فثيت أن المجسم مشبه وكل مشبه كافر بالإجماع فالمجسم كافر # ثم قال في الجواب عن هذا قوله المجسم مشبه والمشبه كافر قلنا إن عنيتهم بالمشبه من يكون قائلا بكون الله تعالى وتقدس شبيها بخلقه من كل الوجوه

فلا شك في كفره لكن المجسمة لا يقولون بذلك فلا يلزم من قولهم بالتجسيم قولهم بذلك ألا ترى أن الشمس والقمر والنمل والبق أجسام ولا يلزم من اعترافنا باشتراكهما في الجسمية كوننا مشبهين للشمس والقمر بالنمل والبق # قال وإن عنيتم بالمشبه من يقول بكون الله تعالى شبيها بخلقه من بعض الوجوه فهذا لا يقتضي الكفر لأن المسلمين اتفقوا على أن الله موجود وشيء وعالم وقادر والحيوانات أيضا كذلك وذلك لا يوجب الكفر وإن عنيتم بالمشبه من يقول الإله جسم مختص بالمكان فلا نسلم انعقاد الإجماع على تكفير من يقول بذلك بل هو دعوى الإجماع في محل النزاع فلا يلتفت إليه # قلت هذا الكلام منه تسليم لأن كون الله شبيها بخلقه من لعض الوجوه متفق عليه بين المسلمين لاتفاقها على أن الله تعالى موجود وشيء وعالم وقادر وعلى هذا فما من موجود إلا وله شبيه من بعض الوجوه لاشتراكها في الوجود والشبه فقوله بعد هذا لا يجب أن يكون لكل موجود نظير وشبيه إن عنى به شبيها به من كل وجه فقد ذكر أن أحدا من العقلاء لم يذهب الى ذلك وإن عنى به شبيها من بعض الوجوه فقد ذكر أن هذا محل وفاق بين المسلمين وإن أراد نوعا من التشبيه فهو لم يذكره في هذه المقدمة ولم يوضح سبيلا # ومن العجب أنه ذكر في نهايته على لسان منازعيه إجماع المسلمين على تكفير المشبهة وأنه ليس هو الذي يذهب إلى كون الله تعالى وتقدس شبيها بخلقه من كل الوجوه فإن هذا لم يذهب إليه عاقل فتعين أن يكون هو الذي أثب الإله على صفة شبهه معها بخلقه ثم ذكر هو إجماع المسلمين على كون الله شبيها

بخلقه من بعض الوجوه فالذي ذكر أولئك إجماع المسلمين على تكفير قائله ذكر هو إجماع المسلمين على القول به # وهذا الذي قرره في نهاية العقول في علم الأصول الذي صنفه بعد هذا الكتاب وقرر في أوله أن علم أصول الدين أجل العلوم وأشرفها وأعلاها وأنهاها قال ثم إن جماعة من الأفاضل الذين لا يوجد أمثالهم إلا على تباين الأعصار ونوادر الأدوار لما طال اقتراحهم لدي وكثر إلحاحهم علي في تصنيف كتاب في أصول الدين يشتمل على نهايات الأفكار العقلية وغايات المباحث العلمية صنفت هذا الكتاب بتوفيق الله تعالى على نحو ملتمسهم وأوردت فيه من الدقائق والحقائق ما لا يكاد يوجد في شيء من كتب الأولين والآخرين والسابقين واللاحقين من الموافقين والمخالفين وإن كتابي يتميز على سائر الكتب المصنفة في هذا المعنى بثلاثة أمور أحدها الاستقصاء في الأسولة والأجوبة والتعمق في بحار المشكلات على وجه ربما يكون انتفاع صاحب كل مذهب بكتابي هذا أكثر من انتفاعه بالكتب التي صنفها أصحاب ذلك المذهب فإني أوردت من كل كلام زبدته ومن كل بحث نقاوته حتى أني إذا لم أجد لأصحاب ذلك المذهب كلاما بعول عليه ويلتفت إليه في نصرة مذهبهم وتقرير مقالتهم استنبطت من نفسي أيضا ما يمكن أن يقال في تقرير ذلك المذهب وتحرير ذلك المطلب وإن كنا نرد بالعاقبة كل رئي ونزيف كل رواية سوى ما اختاره أهل السنة والجماعة ونبين بالبراهين الباهرة والأدلة القاهرة أن ذلك الذي يجب له الانقياد بالسمع والطاعة # وثانيهما استنباط الأدلة الحقيقية والبراهين اليقينية المفيدة للعلم الحقيقي واليقين التام لا الا لزامات التي المقصود من إيرادها مجرد التعجيز وألافحام

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:00 AM
# وثالثها الترتيب العجيب والتلفيق الأنيق الذي يوجب إلزامه على ملتزمه إيراد جميع مداخل الشكوك والشبهات والإجتناب على الحشو والاطناب وهذا كله لا يعلمه إلا من تقدم تحصيله لأكثر كلام العلماء وتحقق وقوعه على مجامع العقلاء من المحقين والمبطلين والموافقين والمخالفين حتى يمكن بعد ذلك فهم ما فيه من الأدلة العقلية والشكوك العويصة القوية فأني قل ما تكلمت في المبادىء والمقدمات بل أكثر العناية كان مصروفا إلى تخليص النهايات والغايات # قال ولما خرج الكتاب على هذا الوجه سميته نهاية العقول في دراية الأصول ليكون الاسم موافقا واللفظ مطابقا للمعنى وجعلته خالصا لوجه الله تعالى الكريم وطلب مرضاته والفوز العظيم بثوابه والهرب من أليم عذابه وسألت الله تعالى أن بعظم لي الإنتفاع للمسلمين في الدارين ويجعله سبب السعادة في المنزلتين أنه قريب مجيب # فهذا وصفه لكلامه في هذا الكتاب الذي صنفه بعد هذا وقد نقض فيه ما ذكر في هذا الكتاب في اسم المشبهة وتكفيرهم وذكر اتفاق المسلمين على إثبات التشبيه من بعض الوجوه وإذا كانوا متفقين عليه كيف يكون صاحبه هو المشبه المذموم في قول المسلمين وذكر أن القائلين بالجسم واختصاص الله تعالى بالمكان وإن عناهم متكلم بلفظ فلا حجة على تكفيرهم # وقد ذكر في هذا الكتاب ضد هذين القولين في اسم التشبيه وفي تكفير المشبه مع أن الحج التي ذكرها في هذا الكتاب من جانب منازعه

قوية عظيمة توافق ما رجع إليه في نهايته فقال في القسم الرابع وقد جعله ثلاثة فصول قال # الفصل الثاني في أن المجسم هل يوسف بأنه مشبه أم لا قال المجسم إنا وإن قلنا إنه جسم مختص بالحيز والجهة إلا أنا نعتقد أنه بحلاف سائر الأجسام في ذاته وحقيقته وذلك يمنع من القول بالتشبيه فإن إثبات المساواة في بعض الأمور لا يوجب إثبات التشبيه ويدل على ذلك أنه تعالى صرح في كتابه بالمساواة في الصفات الكثيرة ولم يقل أحد بأن ذلك يوجب التشبيه فالأول قال سبحانه وتعالى في صفة نفسه ^ إنني معكما أسمع وأرى ^ وقال في صفة الإنسان ^ فجعلناه سميعا بصيرا ^ الثاني قال ^ واصنع الفلك بأعيننا ^ وقال في الإنسان ^ ترى أعينهم تفيض من الدمع حزنا ^ الثالث قال ^ بل يداه مبسوطتان ^ وفي الإنسان ^ بما قدمت يداك ^ وقال في نفسه ^ مما عملت أيدينا أنعاما ^ وفي الإنسان ^ يد الله فوق أيديهم ^ الرابع قال ^ الرحمن على العرش استوى ^ وفي الإنسان ^ لتستووا على ظهوره ^ الخامس قال في صفة نفسه ^ العزيز الجبار ^ ووصف الخلق بذلك فقال إخوة يوسف ^ أيها العزيز ^ وقال ^ كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ^ والسادس سمى نفسه ^ العظيم ^ ثم وصف العرش فقال ^ رب العرش العظيم ^ والسابع وصف نفسه ^ الحفيظ العليم ^ ووصف يوسف بها فقال ^ إني حفيظ عليم ^ وقال ^ وبشروه بغلام عليم ^ وقال في آية أخرى ^ بغلام حليم ^ الثامن سمى تحيتنا سلاما فقال ^ تحيتهم يوم يلقونه سلام ^ وسمى نفسه سلاما كما صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من الصلاة اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام التاسع المؤمن قال

# تعالى ^ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ^ ووصف نفسه تعالى به فقال ^ السلام المؤمن ^ العاشر الحكم قال الله ^ ألا له الحكم ^ ووصفنا به فقال ^ فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ^ الحادي عشر الراحم ^ الرحيم ^ وهو ظاهر الثاني عشر الشكور فقال ^ إن ربنا لغفور شكور ^ الثالث عشر العلي والإنسان يسمى بذلك منهم كعلي رضي الله عنه الرابع عشر الكبير قال في نفسه ^ وهو العلي الكبير ^ وقال ^ إن له أبا شيخا كبيرا ^ وقال في حكاية عن المرأتين ^ وأبونا شيخ كبير ^ الخامس عشر الحكيم والله تعالى وصف نفسه وكتابه السادس عشر الشهيد قال في حق الخلق ^ فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ^ وقال في حق نفسه ^ أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ^ السابع عشر قال الله تعالى ^ فتعالى الله الملك الحق ^ وقال ^ وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ^ ^ الملك يومئذ الحق للرحمن ^ ^ ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق ^ ^ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ^ الثامن عشر الوكيل قال تعالى ^ وهو على كل شيء وكيل ^ وقد يوصف الخلق بذلك فيقال فلان وكل فلانا التاسع عشر المولى قال تعالى ^ ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم ^ ثم قال تعالى في حقنا ^ ولكل جعلنا موالي ^ والنبي صلى الله عليه وسلم قال من كنت مولاه فعلي مولاه العشرون الولي قال تعالى ^ إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ^ وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل وقال تعالى

^ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ^ الحادي والعشرون الحي قال الله تعالى ^ الله لا إله إلا هو الحي القيوم ^ وقال ^ وجعلنا من الماء كل شيء حي ^ الثاني والعشرون قال تعالى ^ إنما هو إله واحد ^ ويقع هذا الوصف على أكثر الأشياء فيقال ثوب واحد وإنسان واحد الثالث والعشرون الثواب قال الله تعالى ^ إن الله كان توابا رحيما ^ وسمى الخلق به فقال ^ إن الله يحب التوابين ^ الرابع والعشرون الغني قال الله تعالى ^ والله الغني ^ وقال ^ إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء ^ وقال النبي صلى الله عليه وسلم خذها من أغنيائهم وردها على فقرائهم الخامس والعشرون النور قال الله تعالى ^ الله نور السموات والأرض ^ وقال ^ يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ^ السادس والعشرون الهادي قال الله تعالى ^ ولكن الله يهدي من يشاء ^ وقال ^ إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ^ السابع والعشرون الاستماع قال الله تعالى ^ فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون ^ وقال لموسى ^ فاستمع لما يوحى ^ الثامن والعشرون القديم قال تعالى ^ حتى عاد كالعرجون القديم ^ # قال واعلم أنه لا نزاع في أن لفظ الموجود والشيء والواحد والذات والمعلوم والمذكور والعالم والقادر والحي والمريد والسميع والبصير والمتكلم والباقي واقع على الحق سبحانه وتعالى وعلى خلقه فثبت بما ذكرناه أن المشابهة من بعض الوجوه لا توجب أن يكون قائله موصوفا بأنه شبه الله

بالخلق وبأنه مشبه ونحن لا نثبت المشابهة بينه وبين خلقه إلا في بعض الأحوال والصفات إلا أنا نعتقد أنه تعالى وإن كان جسما إلا أنه بخلاف سائر الأجسام في ذاته وحقيقته فثبت أن إطلاق اسم المشبه على هذه الطائفة كذب وزور وهذا جملة كلامهم في هذا الباب # قال واعلم أن حاصل هذا الكلام من جانبنا أنا قد دللنا في القسم الأول من هذا الكتاب على أن الأجسام متماثلة في تمام الماهية فلو كان الباري جسما لزم أن يكون مثلا لهذه الأجسام في تمام الماهية وحينئذ فيكون القول بالتشبيه لازما أما ما لم يدل الدليل على أن الأشياء المتساوية في الموجودية والعالمية والقادرية فإنه لا يجب تماثلها في تمام الماهية فظهر الفرق # قلت قد ذكر ما ذكر في حجج الذين سماهم مجسمة مع تقصير فيها فإنها حجج كثيرة جدا ومع هذا فلم يمكنه أن يمنعهم ثبوت التشبيه من بعض الوجوه كما قرره ولا أمكنه أن يمنع أن هذا ثابت بالكتاب والسنة واتفاق المسلمين لكن ادعى أن التجسيم يوجب إثبات مثل لله في تمام ماهيته وذلك ليس تشبيها في بعض الأمور بل هو مماثلة في كمال الحقيقة والماهية # قلت ولا ريب أن من أثبت لله مثلا في كمال حقيقته فهو مشبه بل هو أعظم من أن يقال مشبه بل هو جاعل لله تعالى كفوا وشبها ولذا قال فالأشياء المستركة في الموجودية والعالمية والقادرية لا يجب تماثلها في تمام الماهية قلت وهذا حق فإن اشتراك الشيئين في كونهما موجودين أو عالمين أو قادرين لا يوجب استواءهما في حقيقتهما

# والغرض أنه في هذا الكتاب أيضا قد اعترف بأن التشبيه من بعض الوجوه ثابت بالكتاب والسنة واتفاق العقلاء فضلا عن المسلمين لكن خصومه المجسمة إنما عابهم بإثباتهم المشابهة في تمام الماهية وهذا مورد النزاع بينه وبينهم وسنذكر إنشاء الله تعالى ما يجب من الحكم بالقسط بينه وبينهم إذا انتهينا إلى ذكر حججه التي أحال عليها ونبين أن الأجسام كلها هل هي مستوية في تمام ماهيتها وكمال حقيقتها أم لا إذ هذا ليس موضع الكلام في ذلك وهذا الفصل وإن كان ذكره في آخر الكتاب فذكرناه في هذا الموضع لنبين اعترافه واعتراف سائر الخلق بما قامت عليه الأدلة الشرعية والعقلية من ثبوت المشابهة في بعض الأمور وأن ذلك لا يستلزم التماثل في الحقيقة وظهر بذلك ما في هذا اللفظ من العموم والخصوص والإطلاق والتقييد # والمقصود هنا أن لفظ الشبيه والنظير فيه إجمال كبير واشتراك في اللفظ وإجمال في المعنى فإن أراد بما نفاه بهذه المقدمة نفي التشبيه من كل وجه فهذا محل وفاق ولا ينفعه ذلك وإن أراد به نفي التشبيه من بعض الوجوه فقد ذكر أن هذا متفق على ثبوته فلم يرد نفيه ولم يقم دليلا على نفيه والقول الذي ذكره عن بعض منازعيه لا يمكننا عقل موجود لا متصل ولا منفصل إلا إذا وجدنا له نظيرا قد ذكرنا أنه لا يقوله من يعلم امتناع موجود لا متصل ولا منفصل ولا يقوله من يعلم إمكانه وإنما يقوله الواقف الذي يطلب للشيء نظيرا وقد ذكر هذا الرازي أنه لا يطلب أحد من العقلاء نظيرا من كل وجه وذكر أن الشبيه من بعض الوجوه ثابت للرب سبحانه وتعالى باتفاق المسلمين فضلا عن أن يكون ثابتا لغيره وهذا المنازع له لا يطلب إلا نظيرا من بعض الوجوه فإذا كان مطلوبه حاصلا باتفاق المسلمين لم يكن قوله فاسدا فأحد الأمرين لازم إما أن لا يكون قال أحد هذا القول أو يكون هذا القول حقا مسلما بالاتفاق وعلى التقديرين فلا تصح مناظرة قائله

# فإن قيل هذا المنازع طلب نظيرا في مورد النزاع وهو أني لا أثبت موجودا لا داخل العالم ولا خارجه إن لم يكن له شبيه من هذا الوجه والمخالفون له لا يثبتون المشابهة من هذا الوجه # قيل هذا حق وهو تشبيه من وجه مخصوص لكن المصنف لم يثبت جواز وجود موجود بدون هذا التشبيه الخاص إذ لو أثبت ذلك لكان قد أثبت جواز موجود لا يكون داخل العالم ولا خارجه وذلك لو أثبت كانت له مغنيا عن هذه المقدمة بل ادعى أنه لا يجب الوجود الشبيه والنظير لكل موجود ولفظ الشبيه مجمل كما ذكره هو وإذا كانت الدعوى مجملة تحتمل مورد النزاع وما هو أعم منه وما هو أخص منه لم تكن إقامة الدليل عليها دافعة للخصم وهذا بين # وأما حججه فإنه قال الحجة الأولى أن بديهة العقل لا تستبعد وجود موجود موصوف بصفات مخصوصة بحيث يكون كل ما سواه مخالفا له في تلك الخصوصية إذا لم يكن هذا مدفوعا في بداية العقول علمنا أنه لا يلزم من عدم نظير الشيء عدم ذلك الشيء # وعلى هذا وجوه الأول إن عدم استبعاد البديهة لا يقتضي عدم استبعاد العلم النظري وكذلك كونه غير مدفوع في بديهة العقل لا يقتضى أنه لا يكون مدفوعا في نظره فإن حاصل هذا أنه لا يعلم بالبديهة امتناع هذا وفرق بين أن لا يعلم بالبديهة امتناعه وبين أن يعلم بالبديهة إمكانه وإذا لم يعلم بالبديهة امتناعه لم يجز أن يقال فعلمنا أنه لا يلزم من عدم نظير الشيء عدم الشيء فإن هذا لم يعلم مما ذكره إنما أفاد عدم العلم البديهي بوجود موجود لا نظير له لم يعدم

وجود علم بإمكانه ولو كان قد قال نعلم بالبديهة أن الشيء قد يكون موجودا ولا يكون له نظير أو نعلم بالبديهة إمكان وجود شيء لا نظير له لكان الدليل تاما لكن هو لم يذكر إلا الإمكان الذهني دون الخارجي والإمكان الذهني ليس فيه علم لا بالامتناع ولا بالإمكان ولكن العلم بالإمكان الخارجي فيه بالإمكان # الثاني أن الذي ادعاه أنه لا يستبعد وجود موجود موصوف بصفات مخصوصة بحيث يكون كل ما سواه مخالفا له في تلك الخصوصية وهذا إثبات للمخالفة في الخصوصية وإن كانت المشابهة ثابتة في غير الخصوصية بحيث يكون بينهما قدر مشترك وقدر مميز والمنازع له لم ينف وجود هذا بل قد حكى الإجماع على أن أحدا من العقلاء لم يثبت المشابهة من كل وجه فلا يفيده هذا الوجه # الثالث أن المنازع له الذي ذكره في هذه المقدمة طلب إثبات شيء يكون لا داخل العالم ولا خارجه وذكر أنه لا يقر بهذا إلا إذا علم المشابهة في هذا فإن لم يقم دليلا على أن وجود الموجود لا يقتضي وجود شبيه له من هذا الوجه إما دليلا يخص هذا الوجه أو دليلا يعم هذا الوجه وغيره لم يكن قد استدل وهذا الدليل إنما فيه جواز المخالفة في تلك الخصوصية ولا يلزم من جواز المخالفة في تلك الخصوصية جواز المخالفة في كونه لا داخل العالم ولا خارجه # ثم قال الحجة الثانية وهو أن الشيء إما أن يتوقف على وجود ما يشابهه أو لا يتوقف والأول باطل لأنهما لو كانا متشابهين وجب استواؤهما في جميع اللوازم فيلزم من توقف وجود هذا على وجود الثاني توقف الثاني على وجود الأول بل توقف كل واحد منهما على نفسه وذلك محال في بداية العقول

# يقال هذه الحجة أفسد من التي قبلها من وجوه # أحدها أن هذه إنما تنفي وجوب التشابه الموجب للاستواء في جميع اللوازم وهذا هو التماثل وقد حكى الإجماع على أن أحدا من العقلاء لا يثبت لله مثلا يشاركه في جميع اللوازم ولا ريب أن انتفاء هذا الظاهر وإذا كان أحد من العقلاء لم يقل بهذا لم ينفعه في دفع ما ذكره عن منازعه الذي طلب التشابه في صفة واحدة لا في جميع اللوازم # الوجه الثاني أنه كثيرا ما يحتج بمثل هذه الحجة في كتبه وهي من الأغاليط ولا يميز بين دور التقدم والتأخر وبين دور التفاوت وذلك أنه يمتنع أن يكون كل من الشيئين علة للآخر لأن العلة متقدمة للمعلول فيلزم أن يكون كل منهما علة للآخر ومعلولا له فيلزم تقدمه عليه وتأخره عنه وذلك يلزم تقدمه على نفسه بدرجتين وتأخره عن نفسه بدرجتين ويستلزم كونه علة لنفسه ومعلولا لنفسه لأنه يكون علة علته ومعلولا معلوله جميعا ولا يمتنع أن يكون كل من الشيئين مقارنا للآخر بحيث لا يوجد إلا معه كالأمور المتضايفة مثل الأبوة والبنوة ونحو ذلك وهذا دور الشروط فيجوز أن يكون وجود كل من الأمرين شرطا في وجود الآخر بحيث لا يوجد إلا معه فهذا جائز ليس بممتنع فقوله وجود الشيء إما أن يتوقف على وجود ما يشابهه إن أراد بالتوقف توقف العلل بحيث يكون كل منهما موجودا مع الآخر فلم قال إن هذا ممتنع # قوله لأن التشابه يقتضي الاستواء في اللوازم فيلزم من توقف وجود هذا على وجود الثاني توقف وجود الثاني على وجود الأول # يقال له غايته إنه توقف كل منهما على وجود الآخر وهذا أول المسألة وهو توقف الشيء على وجود ما يشبهه فلم قلت إن هذا محال إذا أريد بالتوقف

وجوب وجوده معه لا وجوب وجوده به ومعلوم أن هذا لا يقتضي وقف الشيء على نفسه وأن هذا ليس بمحال في بداية العقول بل المحال أن يكون وجود كل منهما بوجود الآخر وفرق بين كون وجوده معه أو وجوده به فهذه الحجة كما قال الإمام أحمد رحمه الله في هؤلاء يتمسكون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يلبسون عليهم # الوجه الثالث أن يقال نختار القسم الثاني وهو أن وجود الشيء لا يتوقف على وجود ما يشبهه بل يجوز وجوده بدونه لكن لم قلت إذا كان وجوده لا يتوقف على النظير أنه لا يجب أن يكون له نظير وإن لم يتوقف عليه وجوده كمعلولي العلة الواحدة لا يتوقف أحدهما على الآخر بأن كان وجود أحدهما مستلزما لوجود الآخر # وأيضا فالمنازع الذي ذكرته لا يمكننا أن نعقل وجود موجود لا يكون متصلا بالعالم ولا منفصلا عنه إلا إذا وجدنا له نظيرا إنما نفى عقل نفسه فلم قلت إنه إذا جاز وجود هذا الموجود يمكن عقلنا له وهذا لا يحصل إلا إذا ثبت أنه يمكن أن يعقل كل ما جاز وجوده وهذا لم تذكر عليه حجة # ثم قال الحجة الثالثة هو أن تعين كل شيء من حيث أنه هو ممتنع الحصول في غيره وإلا لكان ذلك الشيء عين غيره وذلك باطل في بداية العقول فثبت أن تعين كل شيء من حيث أنه هو ممتنع الحصول في غيره فعلمنا أن عدم النظير والمساوي لا يوجب القول بعدم الشيء

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:01 AM
# يقال هذه الحجة أفسد من غيرها وهي أيضا من غلطاته فإنه لم يذكر فيها ما يدل على مطلوبه لوجوه # أحدها أن إثبات نظير الشيء وشبهه ومثله يقتضي أن يكون عين أحدهما ليست عين الآخر إذ لو كانت عينه عينه لم يكن مثله ونظيره بل كان هو إياه وإذا كان نفس إثبات النظير يقتضي التغاير في التعيين صار وجود النظير مستلزما لامتناع كون أحدهما عين الآخر وثبوت اللازم لا يقتضي عدم الملزوم فكون عين الشيء يمتنع أن يكون لغيره لا يقتضي نفي ذلك كما لا يقتضي ثبوته وإذا لم يكن مقتضيا ثبوت النظير ولا نفيه لم يكن فيه إعدام الدليل على وجوب النظير وعدم الدليل ليس دليل العدم فتبين أن ما ذكره لا يمنع وجوب النظير كما لا يوجب ثبوت النظير ولكن غايته أنه لا يدل على ثبوت النظير # لكن قد يقول هو إذا كان تعيينه يمتنع أن يكون لغيره فلا يقتضي وجود التعيين وجوده ولا عدمه # فيقال هذه الحجة لم تفد غير ما هو معروف بدونها من أنه يمكن العقل أن يتصور وجود الشيء الذي ليس له نظير وأن ذلك ممكن فإن هذه الحجة ليس فيها إقامة دليل خاص على نفي الحاجة إلى النظير وإنما غايتها وجود عين الشيء من غير نظير ولو قال قائل قد يكون وجود الشيء موقوفا على نظيره لكون وجوده مشروطا بوجود النظير أو وجود الغير كالأمور المتضايفة وأنتم لم تقيموا دليلا على نفي وجوب التلازم فإنه ليس في حجته ما ينفي التلازم لكان قوله صحيحا لكن يقال نحن نتصور إمكان وجوده بدون التلازم فلا حاجة إلى حجته # يبين ذلك أنه يكون امتناع كون عين الشيء حاصلا في غيره يمنع وجوب الشبيه أو النظير فإن ذلك يستلزم أن يكون إثبات الشيء مستلزما

لعدمه لأن إثبات التشابه والتناظر والتساوي يقتضي ثبوت التغاير في التعيين وأن أحدهما ليست عين الآخر فلو كان هذا التغاير في التعيين مانعا من وجوب مشابه لكان لازما الشيء بل بعض معناه مانعا من وجوبه فإن اللازم لا يمنع وجوب الملزوم ولا يوجب وجوده # الوجه الثاني أن كون تعيين الشيء ممتنع الحصول في غيره لا يقتضي عدم نظير ذلك التعيين في الثاني وإنما يقتضي عدم نفس ذلك التعيين في الثاني والمنازع إنما يثبت نظير التعيين في الثاني لا نفس التعيين فلم قلت إن نظير ذلك التعيين غير واجب فإن قلت يلزم أن يكون لكل نظير نظيرا قيل له كل من التعيينين نظير الآخر # الوجه الثالث أن تعين الشيء في اقتضائه لنفي وجوب لمثل كما هو في اقتضائه لنفي وجود المثل ثم من المعلوم أنه إذا كان امتناع حصول العين في الغير يقتضي نفي المثل وجب أن لا يكون لشيء من الأشياء نظير ولا شبيه ولا مثل فإنه ما من شيء إلا له عين مخصوصة يمتنع حصولها في غيره فإن كان عدم حصول عين الشيء في غيره يقتضي عدم مثله ونظيره فليس في الوجود ماله نظير وشبيه وهذا من أبطل الأشياء وإذا لم يكن تعيين الشيء مانعا من وجود النظير لم يكن مانعا من وجوب النظير فإنه لا يدل على هذا ولا هذا
فصل # قال الرازي المقدمة الثالثة أن القائلين بأنه تعالى جسم اختلفوا فمنهم من يقول إنه على صورة الإنسان ثم المنقول عن مشبهة الأمة أنه على صورة

الإنسان الشاب وعن مشبهة اليهود أنه على صورة إنسان شيخ وهؤلاء يجوزون الانتقال والذهاب والمجيء على الله تعالى وأما المحققون من المشبهة فالمنقول عنهم أنه على صورة نور من الأنوار # وقال وذكر أبو معشر المنجم أن سبب إقدام الناس على اتخاذ عبادة الأوثان دينا لأنفسهم هو أن القوم في الدهر الأقدم كانوا على مذهب المشبهة وكانوا يعتقدون أن إله العالم نور عظيم فلما اعتقدوا ذلك اتخذوا وثنا هو أكبر الأوثان على صورة الإله وأوثانا أخرى أصغر من ذلك الوثن على صورة الملائكة واشتغلوا بعبادة هذه الأوثان على اعتقاد أنهم يعبدون الإله والملائكة فثبت أن دين عبادة الأصنام كالفرع على مذهب المشبهة # واعلم أن كثيرا من هؤلاء يمتنع من جواز الحركة والسكون على الله تعالى وأما الكرامية فهم يقولون بالأعضاء والجوارح بل يقولون إنه مختص بما فوق العرش ثم إن هذا المذهب يحتمل وجوها ثلاثة فإنه تعالى إما أن يقال إنه ملاق للعرش وإما أن يقال إنه مباين عنه ببعد منتاه وإما أن يقال إنه مباين ببعد غير متناه وقد ذهب إلى كل واحد من هذه الأقسام الثلاثة طائفة من الكرامية واختلفوا أيضا في أنه تعالى مختص بتلك الجهات لذاته أو لمعنى قديم وبينهم اختلاف في ذلك فهذا تمام الكلام في المقدمات وبالله التوفيق # قلت هذا الكلام فيه تقصير كثير في معرفة مذاهب الناس وتحقيقها وذلك أن القائلين بأن الله تعالى فوق العرش والقائلين بالصفات الخبرية وهم السلف وأهل الحديث وأئمة الأمة وجماهيرها وجمهور الصفاتية من الكلابية والأشعرية والكرامية وجمهور المشهورين بالإمامة في الفقه والتصوف

في الأمة من جميع الطوائف جمهورهم لا يقول هو جسم ولا ليس بجسم لما في اللفظين من الإجمال والاشتراك المشتمل على الحق والباطل ومنهم طوائف يقولون هو جسم وطوائف يقولون ليس بجسم ثم إن كثيرا من أئمة السنة والحديث أو أكثرهم يقولون إنه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه بحد ومنهم من لم يطلق لفظ الحد وبعضهم أنكر الحد وممن ذكر ما عنده في ذلك من مذاهب أهل الحديث والكلام وإن كان بمقالات أهل الكلام أخبر أبو الحسن الأشعري في كتاب مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين الذي من أو ما ذكر فيه أخذ الرازي وغيره مذهبه في عدم تكفير أهل الصلاة # قال أبو الحسن هذه حكاية قول جملة أصحاب الحديث وأهل السنة جملة ما عليه أصحاب الحديث وأهل السنة الإقرار بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله وأن الله سبحانه وتعالى إله واحد فرد صمد لا إله غيره لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وأن محمدا عبده ورسوله وأن الجنة حق والنار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأن الله على عرشه كما قال ^ الرحمن على العرش استوى ^ وأن له يدين بلا كيف كما قال ^ خلقت بيدي ^ وكما قال تعالى ^ بل يداه مبسوطتان ^ وأن له عينين بلا كيف كما قال ^ تجري بأعيننا ^ وأن له وجها كما قال تعالى ^ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ^ وأن أسماء الله تعالى لا يقال إنها غير الله كما قال المعتزلة والخوارج وأقروا أن لله علما كما قال ^ أنزله بعمله ^ وكما قال ^ وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ^ وأثبتوا السمع والبصر ولم ينفوا ذلك عن الله تعالى كما نفته المعتزلة وأثبتوا لله تعالى القوة كما قال ^ او لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ^ وذكر

مذهبهم في القدر إلى أن قال ويقولون إن القرآن كلام الله غير مخلوق والكلام في اللفظ و الوقف من قال بالوقف أو اللفظ فهو مبتدع عندهم لا يقال اللفظ بالقرآن مخلوق ولا يقال غير مخلوق ويقولون إن الله يرى بالأبصار يوم القيامة كما يرىالقمر ليلة البدر يراه المؤمنون ولا يراه الكافرون لأنهم عن الله محجوبون قال تعالى ^ كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ^ وأن موسى عليه السلام سأل الله تعالى الرؤية في الدنيا وأن الله تعالى تجلى للجبل فجعله دكا فأعلمه بذلك أنه لا يراه في الدنيا بل يراه في الآخرة وذكر مذهبهم في باب الإيمان والوعيد والأسماء والأحكام إلى أن قال ويقولون إن الله لم يأمر بالشر بل نهى عنه وأمر بالخير فلم يرض بالشر وإن كان مريدا له وذكر مذهبهم في الصحابة والخلافة والتفضيل # ثم قال ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من مستغفر فأغفر له كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله ينزل إلى سماء الدنيا فيقول هل من مستغفر فأغفر له ويأخذون بالكتاب والسنة كما قال تعالى ^ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ^ ويرون اتباع من سلف من أئمة الدين وأن لا يبتدعوا في دينهم مالم يأذن به الله ويقرون أن الله يجيء يوم القيامة كما قال ^ وجاء ربك والملك صفا صفا ^ وأن الله تعالى يقرب من خلقه كيف شاء كما قال ^ ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ^ وذكر مذهبهم في الأمراء والصلاة خلفهم وترك الخروج عليهم وأشياء غير ذلك ثم قال وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهب

ثم قال فأما أصحاب عبدالله بن سعيد القطان يعني ابن كلاب فإنهم يقولون بأكثر مما ذكرناه عن أهل السنة ويثبتون أن الله لم يزل حيا عالما قادرا سميعا بصيرا عظيما جليلا كبيرا كريما مريدا متكلما جوادا ويثبتون العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر والعظمة والجلال والكبرياء والإرادة والكلام صفات لله تعالى وذكر غير ذلك قال وكان يزعم أن الباري لم يزل ولا مكان ولا زمان قبل الخلق وأنه على ما لم يزل وأنه مستو على عرشه كما قال وأنه فوق كل شيء # ثم قال ذكر قول زهير الأثري فأما أصحاب زهير الأثري فإن زهيرا كان يقول إن الله تعالى بكل مكان وأنه مع ذلك مستو على عرشه وأنه يرى بالأبصار بلا كيف وأنه موجود الذات بكل مكان وأنه ليس بجسم ولا محدود ولا يجوز عليه الحلول والمماسة ويزعم أنه يجيء يوم القيامة كما قال ^ وجاء ربك ^ بلا كيف ويزعم أن القرآن كلام محدث غير مخلوق وأن القرآن يوجد في أماكن كثيرة في وقت واحد وإن إرادة الله ومحبته قائمان بالله تعالى ويقول بالاستثناء كما يقول أصحاب الاستثناء المرجئة الذين حكينا قولهم في الوعيد ويقول في القدر بقول المعتزلة وذكر قوله في الإيمان أنه موافق لقول المرجئة # قال وأما أبو معاذ التومني فإنه يوافق زهيرا في أكثر أقواله ويخالفه في القرآن ويزعم أن كلام الله غير محدث ولا مخلوق وهو قائم بالله لا في مكان وكذلك قوله في إرادته ومحبته

وقال في باب اختلاف الناس في الباري هل هو في مكان دون مكان أم لا في مكان أم في كل مكان وهل تحمله الحملة أو يحمله العرش وهل هم ثمانية أملاك أم ثمانية أصناف من الملائكة اختلفوا في ذلك على سبع عشرة مقالة قد ذكرنا قول من امتنع من ذلك وقال إنه في كل مكان حال وقول من قال لا نهاية له وأنه هاتين الفرقتين أنكرت القول بأنه في مكان دون مكان # قال وقال القائلون هو جسم خارج من جميع صفات الجسم ليس بطويل ولا عريض ولا عميق ولا يوصف بطعم ولا لون ولا مجسة ولا شيء من صفات الأجسام وأنه ليس في الأشياء ولا على العرش إلاعلى معنى أنه فوقه غير مماس له وأنه فوق الأشياء وفوق العرش ليس بينه وبين الأشياء أكثر من أنه فوقها # قال وقال هشام بن الحكم إن ربه تعالى في مكان دون مكان وأن مكانه هو العرش وأنه مماس للعرش وأن العرش قد حواه وحده وقال بعض أصحابه أن الباري قد ملأ العرش وأنه مماس له قال وقال بعض من ينتحل الحديث إن العرش لم يمتلىء به وأنه يقعد نبيه صلى الله عليه وسلم معه على العرش # قال وقال أهل السنة وأصحاب الحديث ليس بجسم ولا يشبهه الأشياء وأنه على العرش كما قال ^ الرحمن على العرش استوى ^ ولا نقدم بين يدي الله تعالى في القول بل نقول استوى بلا كيف وأن له وجها كما قال ^ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ^ وأن له يدين كما قال ^ خلقت

بيدي ^ وأن له عينين كما قال ^ تجري بأعيننا ^ وأنه يجيء يوم القيامة هو وملائكته كما قال تعالى ^ وجاء ربك والملك صفا صفا ^ وأنه ينزل إلى سماء الدنيا كما جاء في الحديث ولم يقولوا شيئا إلا ما وجدوه في الكتاب أو جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم # وقالت المعتزلة إن الله استوى على عرشه بمعنى استولى وقال بعض الناس الاستواء القعود والتمكن # قال واختلف الناس في حملة العرش ما الذي تحمل قال قائلون الحملة تحمل الباري تعالى وإنه إذا غضب ثقل على كواهلهم وإذا رضي خف فيتبينون غضبه من رضاه وأن العرش له أطيط إذا ثقل عليه كأطيط الرحل قال الأشعري وقال بعضهم ليس يثقل الباري ولا يخف ولا تحمله الحملة ولكن العرش هو الذي يخف ويثقل وتحمله الحملة قال وقال بعضهم الحملة ثمانية أملاك وقال بعضهم ثمانية أصناف قال وقال قائلون إنه تعالى على العرش وإنه بائن منه لا بعزلة وإشغال لمكان غيره بل بينونة ليس على العزلة والبينونة من صفات الذات # قال أبو الحسن الأشعري واختلفوا يعني الأمة في العين واليد الوجه على أربع مقالات فقالت المجسمة له يدان ورجلان ووجه وعينان وجنب يذهبون إلى الجوارح والأعضاء وقال أصحاب الحديث لسنا نقول في ذلك إلا ما قال الله تعالى أو جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقول وجه بلا كيف ويدان وعينان بلا كيف وقال عبدالله ابن كلاب أطلق اليد والعين والوجه خبرا لأن الله تعالى أطلق ذلك ولا أطلق غيره فأقول هي صفات لله تعالى كما قال في العلم والقدرة والحياة إنها صفات

# وقالت المعتزلة بإنكار ذلك إلا الوجه وقالت اليد بمعنى النعمة وقوله تجري بأعيننا أي بعلمنا والجنب بمعنى الأمر وقالوا في قوله تعالى ^ أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله أي في أمر الله وقالوا نفس الباري هي هو وكذلك ذاته هي هو وتألوا قوله ^ الصمد ^ على وجهين أحدهما أنه السيد والآخر أنه المصمود إليه بالحوائج قال وأما وجهه فإن المعتزلة قالت فيه قولين قال بعضهم وهو أبو الهذيل وجه الله هو الله تعالى وقال غيره معنى قوله ^ ويبقى وجه ربك ^ أي يبقى ربك من غير أن يكون يثبت وجها يقال إنه هو الله تعالى أو لا يقال ذلك فيه # قال واختلفوا في رؤية الله تعالى بالإبصار على تسع عشرة مقالة فقال قائلون يجوز أن نرى الله بالإبصار في الدنيا ولسنا ننكر أن يكون بعض من نلقاه في الطرقات وأجاز بعضهم عليه الحلول في الأجسام وأصحاب الحلول إذا رأوا إنسانا يستحسنونه لم يدروا لعل إلههم فيه وأجاز كثير ممن أجاز رؤيته في الدنيا مصافحته وملامسته ومزاورته إياهم وقالوا إن المخلصين يعانقونه في الدنيا والآخرة إذ أرادوا ذلك حكي ذلك عن أصحاب مضر وكهمس وحكي عن أصحاب عبدالواحد بن زيد أنهم كانوا يقولون إن الله تعالى يرى على قدر الأعمال فمن كان عمله أفضل رآه أحسن وقد قال قائلون إنا نرى الله تعالى في الدنيا في النوم فأما في اليقظة فلا وروي عن رقبة بن مصقلة أنه قال رأيت رب العزة في النوم فقال لأكرمن مثواه يعني سليمان التيمي صلى الفجر بطهر العشاء أربعين سنة قال وامتنع كثير من القول إنه يرى في الدنيا ومن سائر ما أطلقوه وقالوا إنه يرى في الآخرة

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:01 AM
# قال واختلفوا أيضا في ضرب آخر فقال قائلون نرى جسما محدودا مقابلا لنا في مكان دون مكان وقال زهير الأثري ذات الباري في كل مكان وهو مستو على عرشه ونحن نراه في الآخرة على عرشه بلا كيف وكان يقول إن الله تعالى يجيء يوم القيامة إلى مكان لم يكن خاليا منه وأنه ينزل إلى سماء الدنيا ولم تكن خالية منه # قال واختلفوا في رؤية الله تعالى بالأبصار هل هي إدراك له بالأبصار أم لا فقال قائلون هي إدراك له بالأبصار وهو يدرك الأبصار وقال قائلون يرى الله تعالى بالأبصار ولا يدرك بالأبصار # واختلفوا في ضرب آخر فقال قائلون نرى الله جهرة ومعاينة وقال قائلون لا يرى الله جهرة ولا معاينة ومنهم من يقول أحدق إليه إذا رأيته ومنهم من يقول لا يجوز التحديق إليه وقال قائلون منهم ضرار وحفص الفرد إن الله لا يرى بالأبصار ولكن يخلق لنا يوم القيامة حاسة سادسة غير حواسنا هذه فندركه بها وندرك ما هو بتلك الحاسة وقالت البكرية إن الله يخلق صورة يوم القيامة يرى فيها ويكلم خلقه منها وقال الحسين النجار يجوز أن يحول الله تعالى العين إلى القلب ويجعل لها قوة العلم فيعلم بها ويكون ذلك العلم رؤية له أي علما له

# قال وأجمعت المعتزلة على أن الله تعالى لا يرى بالأبصار واختلفت هل يرى بالقلوب فقال أبو الهذيل وأكثر المعتزلة أن الله تعالى يرى بقلوبنا بمعنى أنا نعلمه بها وأنكر ذلك الفوطي وعباد وقالت المعتزلة والخوارج وطوائف من المرجئة وطوائف من الزيدية إن الله لا يرى بالأبصار بالدنيا والآخرة ولا يجوز ذلك عليه واختلفوا في الرؤية لله تعالى في الأبصار وهل يجوز أن تكون أو هي كائنة لا محالة على مقالتين فقال قائلون يجوز أن يرى الله تعالى في الآخرة بالأبصار وقال قائلون إنه بتاتا وقال نقول إنه يرى بالأبصار وقال قائلون نقول بالأخبار المروية وبما جاء في القرآن أنه يرى بالأبصار في الآخرة بتاتا يراه المؤمنون # قال وكل المجسمة إلا نفرا يسيرا يقولون بإثبات الرؤية وقد يثبت الرؤية من لا يقول بالتجسيم # قال واختلفوا هل يقال إن الباري تعالى لم يزل عالما قادرا حيا أم لا يقال ذلك على مقالتين فقال قائلون لم يزل الله تعالى عالما قادرا حيا وزعم كثير من المجسمة أن الباري كان قبل أن يخلق الخلق ليس بعالم ولا قادر ولا سميع ولا بصير ولا مريد ثم أراد وإرادته عندهم حركته فإذا أراد كون شيء تحرك فكان الشيء لأن معنى أراد تحرك وليست الحركة غيره وكذلك قالوا في قدرته وعلمه وسمعه وبصره إنها معان وليست غيره وليست بشيء لأن الشيء هو الجسم وقال قائلون إن حركة الباري غيره #

واختلف القائلون بتحركه تعالى على مقالتين فزعم هشام أن حركة الباري هي فعله الشيء وكان يأبى أن يكون الباري يزول مع قوله يتحرك وأجاز عليه السكاك الزوال وقال لا يجوز عليه الطفر وحكي عن رجل كان يعرف بأبي شعيب أن الباري يسر بطاعة أوليائه وينتفع بها وبإنابتهم ويلحقه العجز بمعاصيهم إياه # قال واختلف المعتزلة في المكان فقال قائلون إن الباري لا في مكان بل هو على ما لم يزل عليه وقال قائلون الباري في كل مكان بمعنى أنه حافظ الأماكن وذاته مع ذلك موجودة بكل مكان # وقال أيضا اختلفت المعتزلة في المكان فقال قائلون الباري بكل مكان بمعنى أنه مدبر لكل مكان وأن تدبيره في كل مكان والقائلون بهذا القول جمهور المعتزلة أبو هذيل والجعفران والإسكافي والجبائي وقال قائلون الباري لا في مكان بل هو على ما لم يزل وهو قول هشام الفوطي وعبا د بن سليمان وأبي زفر وغيرهم من المعتزلة قال وقالت المعتزلة في قول الله تعالى ^ الرحمن على العرش استوى ^ يعني استولى # قال أبو الحسن وهذا شرح اختلاف الناس في التجسيم قد أخبرنا عن المنكرين للتجسيم أنهم يقولون إن الباري تعالى ليس بجسم ولا محدود ولا ذي نهاية ونحن الآن نخبر عن أقاويل المجسمة واختلافهم في التجسيم

# قلت وهذا الذي أحال عليه ذكره في قول المعتزلة فقال هذا شرح قول المعتزلة في التوحيد وغيره أجمعت المعتزلة على أن الله واحد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وليس بجسم ولا شبح ولا جثة ولا صورة ولا لحم ولا دم ولا شخص ولا جوهر ولا عرض ولا بذي لون ولا طعم ولا رائحة ولا مجسة ولا بذي حرارة ولا برودة ولا رطوبة ولا يبوسة ولا طول ولا عرض ولا عمق ولا اجتماع ولا افتراق ولا يتحرك ولا يسكن ولا يتبعض وليس بذي أبعاض ولا أجزاء وجوارح وأعضاء وليس بذي جهات ولا بذي يمين وشمال وأمام وخلف وفوق وتحت ولا يحيط به مكان ولا يجري عليه زمان ولا تجوز عليه الممساسة ولا العزلة ولا الحلول في الأماكن ولا يوصف بشيء من صفات الخلق الدالة على حدوثهم ولا يوصف بأنه متناهي ولا يوصف بمساحة ولا ذهاب في الجهات وليس بمحدود ولا والد ولا مولود ولا تحيط به الأقدار ولا تحجبه الأستار ولا تدركه الحواس ولا يقاس بالناس ولا يشبهه الخلق بوجه من الوجوه ولا تجري عليه الآفات ولا تحل به العاهات وكل ما خطر بالبال وتصور بالوهم فغير مشبه له ولم يزل أولا سابقا متقدما للمحدثات موجود قبل المخلوقات ولم يزل عالما قادرا حيا ولا يزال كذلك لا تراه العيون ولا تدركه الأبصار ولا تحيط به الأوهام ولا يسمع بالأسماع شيء لا كالأشياء عالم قادر حي لا كالعلماء القادرين الأحياء وأنه القديم وحده ولا قديم غيره ولا إله سواء ولا شريك له في ملكه ولا وزير له في سلطانه ولا معين على إنشاء ما أنشأ وخلق ما خلق لم يخلق الخلق على مثال سبق وليس خلق شيء بأهون عليه من خلق شيء آخر ولا أصعب منه لا يجوز عليه اجترار المنافع ولا تلحقه المضار

ولا يناله السرور واللذات ولا يصل إليه الأذى والآلام ليس بذي غاية فيتناهى ولا يجوز عليه الفناء ولا يلحقه العجز والنقص تقدس عن ملامسة النساء وعن اتخاذ الصاحبة والأبناء # قال أبو الحسن فهذه جملة قولهم في التوحيد وقد شركهم في هذه الجملة الخوارج وطوائف من الشيعة وإن كانوا للجملة التي يظهرونها ناقضين ولها تاركين # ثم ذكر من اختلافهم في مسائل الصفات ما ليس هذا موضع حكايته كلاما طويلا # قلت فهذا هو قوله قد أخبرنا عن المنكرين للتجسيم أنهم يقولون إن الباري ليس بجسم ولا محلول ولا ذي نهاية # ونحن الآن نخبر عن أقاويل المجسمة واختلافهم في التجسيم قال واختلفت المجسمة فيما بينهم من التجسيم وهل للباري تعالى وتقدس قدر من الأقدار وفي مقداره على ست عشر مقالة وقال هشام بن الحكم إن الله جسم محدود عريض عميق طويل طوله مثل عرضه وعرضه مثل عمقه نور ساطع له قدر من الأقدار بمعنى أن له مقدارا في طوله وعرضه وعمقه لا يتجاوزه في مكان دون مكان كالسبيكة الصافية يتلألأ كاللؤلؤة المستديرة من جميع

جوانبها ذو لون وطعم ورائحة ومجسة لونه هو طعمه وهو رائحته وهو مجسته وهو نفسه لون ولم يثبت لونا غيره وإنه يتحرك ويسكن ويقوم ويقعد # قال وحكى عنه ابن الراوندي أنه يزعم أن الله يشبه الأجسام التي خلقها من جهة من الجهات ولولا ذلك ما دلت عليه وحكى عنه أنه قال إنه جسم لا كالأجسام ومعنى ذلك أنه شيء موجود # قال وقد ذكر عن بعض المجسمة أنه كان يثبت الباري ملونا ويأبى أن يكون ذا طعم ورائحة ومجسة وأن يكون طويلا وعريضا وعميقا وزعم أنه في مكان دون مكان من وقت خلق الخلق قال وقال قائلون إن الباري وأنكروا أن يكون موصوفا بلون أو طعم أو رائحة أو مجسة أو شيء مما وصفه هشام غير أنه تعالى على العرش مباين له دون ما سواه # قال أبو الحسن واختلفوا في مقدار الباري تعالى بعد أن جعلوه جسما فقال قائلون هو جسم وهو في كل مكان وفاضل عن جميع الأماكن وهو مع ذلك متناه غير أن مساحته أكبر من مساحة العالم إلا أنه أكبر من كل شيء وقال بعضهم مساحته على قدر العالم وقال بعضهم إن الباري عز وجل جسم له مقدار من المساحة ولا ندري كم ذلك المقدار وقال بعضهم هو تعالى في أحسن الأقدار وأحسن الأقدار يكون ليس بالعظيم الجافي ولا بالقليل القميء وحكى عن هسام بن الحكم إن أحسن الأقدار أن يكون سبعة أشبار بشبر نفسه وقال بعضهم ليس لمساحة الباري تعالى نهاية

ولا غاية وأنه ذاهب في الجهات الست اليمين والشمال والأمام والخلف والفوق والتحت قالوا وما كان كذلك لا يقع عليه اسم جسيم ولا طويل ولا عريض ولا عميق وليس بذي حدود ولا هيئة ولا قطب وقال بعضهم إن معبودهم هو الفضاء وليس بجسم والأشياء قائمة به قال وقال داود الجواربي ومقاتل بن سليمان إن الله جسم وأنه جثة على صورة الإنسان لحم ودم وشعر وعظم له جوارح وأعضاء من يد ورجل ولسان ورأس وعينين وهو مع هذا لا يشبه غيره ولا يشبهه غيره وحكى عن الجواربي أنه كان يقول أجوف من فيه إلى صدره ومصمت ما سوى ذلك وكثير من الناس يقولون هو مصمت ويتأولون قول الله تعالى ^ الصمد ^ المصمت الذي ليس بأجوف # قال وقال هشام بن سالم الجواليقي إن الله تعالى على صورة الإنسان وأنكر أن يكون لحما ودما وأنه نور ساطع يتلألأ بياضا وأنه ذو حواس خمس كحواس الإنسان سمعه غير بصره وكذلك سائر حواسه له يد ورجل وأذن وعين وأنف وفم وأن له وفرة سوداء قال أبو الحسن وممن قال بالصورة من ينكر أن يكون الباري جسما وممن قال بالتجسيم من ينكر أن يكون الباري # وقد ذكر أبو محمد الحسن بن موسى النبخي في كتاب الآراء والديانات وهو ممن يذهب مذهب المعتزلة في توحيدهم وعدلهم فقال في

كتابه باب قول الموحدين والمسبهين زعمت المعتزلة بأجمعها والخوارج بأسرها وأكثر الزيدية وكثير من الشيعة والمرجئة سوى أصحاب الحديث من أهل الإرجاء أن الله ليس بجسم ولا صورة ولا جزء ولا عرض وليس يشبه شيئا من ذلك # وقال هشام بن الحكم وعلي بن منصور ومحمد بن الخليل والسكاك ويونس بن عبدالرحمن ومن قال بقولهم من الشيع إن الله تعالى جسم لا كالأجسام هذه جملة اجتمع هشام بن الحكم وأصحابه عليها فاجتمعت حكاية الحاكين لهذا القول عنه إلا ما أومأ إليه الراوندي في كتابه الذي احتج به لمذهب هشام في الجسم فزعم أنه تعالى وتقدس يشبه الخلق من جهة دون جهة والذي صح عندي من قول هشام بعد ذلك عمن وافقه من أصحابه بعد في الحكاية عنه أنه كان يزعم أن الله تعالى بعد حدوث الأماكن في مكان دون مكان وأنه يجوز أن يتحرك وسمعت قوما من أصحابه يحكون عنه أنه يزعم أنه نور وقال آخرون منهم إنه كان يزعم أنه متناهى الذات واختلف الحاكون من مخالفي هشام عن هشام فحكوا عنه دروبا من الأقاويل مختلفة لا تليق به وما رأيت أصحابه يدفعونها عنه فمن ذلك أن الجاحظ ذكر عن النظام أن هشاما قال في التشبيه في سنة واحدة خمسة أقاويل قطع في آخرها أن معبوده بشبر نفسه سبعة أشبار وحكى أبو عيسى الوراق في كتابه عن المشبهة عن كثير من مخالفي هشام أنه كان يزعم أن القديم على هيئة السبيكة وقال بعضهم إنه على هيئة البلورة الصافية المستوية الاستدارة التي من حيث أتيتها رأيتها على هيئة واحدة وحكى بعضهم كما قلت إنه سبعة أشبار قال وحكى بعضهم أنه ذو صورة وحكوا غير ذلك أيضا مما رأيت أصحاب هشام يدفعونه عنه وينكرونه ويزعمون أنه لم يرد على

قوله جسم كالأجسام وإنما أراد بذلك إثباته أنه نور لقوله تعالى ^ الله نور السموات والأرض ^ وينفون عنه المساحة والذرع والشبر والتحديد قال وسمعت ذلك من غير واحد منهم ممن ينتحل القول بالجسم وناظرونا به وقد وجدت الأمر على ما حكاه الوراق من ذلك وقد أضاف قوم القول في الجسم إلى أبي جعفر الأحول المعروف بشيطان الطاق الذي يسميه أصحابه مؤمن الطاق واسمه محمد بن النعمان والي هشام بن سالم المعروف بالجواليقي والي أبي مالك الحضرمي قال وليس من هؤلاء أحد جرد القول بالجسم ولكنهم كانوا يقولون هو نور على صورة الإنسان وينكرون قول القائل بالجسم فقاس من حكى ذلك عنهم عليهم وحكى من طريق القياس إذ كان الحاكي كذلك يعتقد أن الصور لا تكون إلا للأجسام فغلط عليهم وهكذا غلط كثير من أهل الكلام وذكر أن هشام بن سالم وأبا جعفر الأحول أمسكا بعد قولهما بالصورة عن الكلام في الله تعالى رجعا إلى تأويل أنه من القرآن فرويا عمن يوجبان تصديقه أنه سئل عن قول الله تعالى ^ وإن إلى ربك المنتهى ^ قال فإذا بلغ الكلام إلى الله فأمسكا عن الكلام في ذلك والخوض فيه حتى ماتا وأقام على القول بالصورة من أقام عليه من أتباعهما قال النوبختي وأقول إن هذا الذي ذكره الوراق قد روي وقد رأيت نفرا من أصحاب هشام بن سالم يزعمون نه لم يزل يناظر على القول بالصورة إلى أن مات # قال أبو عيسى وأما علي بن إسماعيل بن ميثم فإن أصحابه ومخالفيه مختلفون في الإخبار عنه فبعضهم يزعم أنه كان يقول بالجسم والصورة وبعضهم

يزعم أنه كان لا يقول بالصورة وبعضهم يزعم أنه كان يقول بالصورة ولا يقول بالجسم قال ولا ثبت عندي في ابن ميثم أنه قال بالصورة ولا بالجسم # قال أبو عيسى في هذا الباب وقد حكى ذلك لي كثير من المتكلمين أن مقاتل بن سليمان ونعيم بن حماد المصري وداود الجواربي في خلق كثير من العامة وأصحاب الحديث قالوا إن لله تعالى صورة والأعضاء قال أبو عيسى وبلغني عن داود الجواربي أنه قال اعفوني عن الفرج والجثة واسألوني عما وراء ذلك أو قال عما شئتم وقد حكى كثير من المتكلمين عن داود ومقاتل أنهما قالا إن معبودهم جسم ولحم ودم وله جوارح وأعضاء من يد ورجل ولسان ورأس وعينين وهو مع ذلك لا يشبه غيره ولا يشبهه غيره وحكى عن الجواربي حكاية أخرى أنه كان يقول إنه أجوف من فمه إلى صدره ومصمت ما سوى ذلك وذكر أن مقاتل بن سليمان يأبى هذا القول الأخير # وحكى إبراهيم النظام في كتابه عن المشبهة أن قوما لا أدري هم في الملة أو ليسوا في الملة زعموا أن معبودهم جسم فضاء وأن الأجسام كلها فيه وحكى أن آخرين قالوا هو فضاء وليس بجسم لأن الجسم يحتاج إلى مكان وهو نفسه المكان وحكى الجاحظ في كتابه عن المشبهة أن بعضهم قال هو جسم في مكانه إلا أنه فاضل عن الأماكن خلا أن له نهاية لازمة قال وزعم بعضهم أنه ذاهب في الجهات الست لا إلىنهاية وهو ليس بجسم وهذا أيضا قول ما علمت أن أحدا من أهل الصلاة قال به ولا كان شيئ منه وهذه أقاويل أهل الملة # قال النوبختي وللفلاسفة القدماء في الباري أقوال مظلمة غير بينة وكان عنايتهم بغير أمر الديانات وكان أكثر كلامهم في أمور الطبيعة والنفس

والفلك والكون والفساد والجواهر والأعراض وقد زعم آرسطاطا ليس على ما قرأناه في مقالة اللام التي فسرها ثامسطيوس أن الله تعالى جوهر أزلي بسيط غير مركب ليس بجسم ولا تجوز عليه الحركة والسكون والاجتماع والافتراق وسماه مرة عقلا وطبيعة تارة وقال في موضع آخر من هذه المقالة إنه حياة وقال في موضع آخر منها إنه يعقل ذاته ويعلم ذاته وسائر الأشياء التي هو علة لها وذكر فرفوريوس في رسالته التي زعم أنه يحكي فيها مذاهب أرسطاطا ليس في الباري والمبادئ إنه يصف الله تعالى لأنه خير وأنه حكيم وأنه قوي وزعم أفلاطون في كتابه كتاب النواميس أن أشياء لا ينبغي للإنسان أن يجهلها منها أن له صانعا وأن صانعه يعلم أفعاله فأثبت لله العلم بأفعاله # وزعم قوم من فلاسفة دهرنا أن أفلاطون إنما وضع هذا على سبيل التأديب للناس وبحسب السنة وما كان يذهب إليه لا على الاعتقاد قال وهذا ظن من هؤلاء القوم فأما قول أفلاطون فهو ما ذكره في كتابه وحكى يحيى النحوي في المقالة الأولى من كتابه في تفسير سمع الكنان أن الله تعالى إنما يعرف بالسلب فيقال إنه لا شبه له ولا مثال إلا الشمس وحدها فإنه كما أن الشمس تفوق جميع الأشياء التي في العالم كذلك تفوق العلة الأولى جميع الموجودات وتفضلها فضلا يجوز كل قياس قال وكما أن الشمس تدبر جميع الأشياء على طريقة واحدة

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:02 AM
# وقال أبو الحسن الأشعري أيضا اختلفت الروافض أصحاب الإمامة في التجسيم وهم ست فالفرقة الأولى هشامية أصحاب هشام بن الحكم الرافضي يزعمون أن معبودهم جسم وله نهاية وحد وذكر مثل ما تقدم عن هشام وزاد أنهم لم يعينوا طولا غير الطويل وإنما قالوا طوله مثل عرضه على المجاز دون التحقيق وأنه قد كان لا في مكان ثم حدث المكان بأن تحرك فحدث المكان بحركته فكان فيه وزعم أن المكان هو العرش قال وذكر أبو الهذيل في بعض كتبه أن هشام بن الحكم قال له إن ربه جسم ذاهب جاء يتحرك تارة ويسكن أخرى ويقعد مرة ويقوم أخرى وأنه طويل عريض عميق لأن ما لم يكن كذلك دخل في حد التلاشي قال فقلت له فأيما أعظم إلهك أو هذا الجبل قال وأومأت إلى جبل أبي قبيس قال فقال هذا الجبل يومى عليه أي هو أعظم منه # قال وذكر أيضا ابن الراوندي أن هشام بن الحكم كان يقول إن بين إلهه وبين الأجسام المشاهدة تشابها من جهة من الجهات لولا ذلك ما دلت عليه وحكى عنه خلاف هذا أنه كان يقول إنه جسم وأبعاض لا يشبهها ولا تشبهه غير أن هشام بن الحكم في بعض كتبه كان يزعم أن الله تعالى إنما يعلم ما تحت الثرى بالشعاع المتصل منه الذاهب في عمق الأرض ولوا ملابسته لما وراء ما هنالك لما درى ما هناك وزعم أن بعضه يرى وهو شعاعه وأن الثرى محال على بعضه ولو زعم هشام أن الله يعلم ما تحت الثرى بغير اتصال ولا خبر ولا قياس كان قد ترك تعلقه بالمشاهدة وقال بالحق وذكر عن هشام أنه قال في ربه في عام واحد خمسة أقاويل زعم مرة أنه كالبلورة وزعم مرة

أنه كالسبيكة وزعم مرة أنه غير صورة وزعم مرة أنه بشبر نفسه سبعة أشبار ثم رجع عن ذلك وقال هو جسم لا كالأجسام # قال وزعم أبو عيسى الوراق أن بعض أصحاب هشام أجابه مرة إلى أن الله تعالى وتقدس على العرش مماس له وأنه لا يفضل عن العرش ولا يفضل العرش عنه # قال والفرقة الثانية من الرافضة الإمامية يزعمون أن ربهم ليس بصورة ولا كالأجسام وإنما يذهبون في قولهم إنه جسم إلى أنه موجود ولا يثبتون الباري تعالى ذا أجزاء مؤتلفة وأبعاض متلاصقة ويزعمون أن الله تعالى وتقدس على العرش مستو بلا مماسة ولا كيف # والفرقة الثالثة منهم يزعمون أن ربهم تعالى وتقدس على صورة الإنسان ويمنعون أن يكون جسما # والفرقة الرابعة منهم الهشامية أصحاب هشام بن صالح الجواليقي يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان وينكرون أن يكون لحما ودما ويقولون هو نور ساطع يتلألا بياضا وأنه ذو حواس خمس كحواس الإنسان له يد ورجل وأنف وأذن وعين وفم وأنه يسمع بغير ما يبصر به وكذلك سائر حواسه متغايرة عندهم قال وحكى أبو عيسى الوراق أن هشام بن سالم كان يزعم أن لربه تعالى وتقدس وفرة سوداء وأن ذلك نور أسود # والفرقة الخامسة يزعمون أن رب العالمين ضياء خالص ونور بحت وهو كالمصباح الذي من حيث ما جئته يلقاك بأمر واحد وليس بذي صورة

ولا أعضاء ولا اختلاف في الأجزاء وأنكروا أن يكون على صورة الإنسان أو على صورة شيء من الحيوان # قال والفرقة السادسة من الرافضة يزعمون أن ربهم ليس بجسم ولا صورة ولا يشبه الأشياء ولا يتحرك ولا يسكن ولا يماس وقالوا في التوحيد بقول المعتزلة والخوارج وهؤلاء قوم من متأخريهم فأما أوائلهم فكانوا يقولون ما حكيناه عنهم من التشبيه # قال أبو الحسن واختلف الرافضة في حملة العرش هل يحملون العرش أم يحملون الباري تعالى وتقدس وهم فرقتان فرقة يقال لهم اليونسية أصحاب يونس بن عبدالرحمن القمي مولى آل يقطين ويزعمون أن الحملة يحملون الباري واحتج يونس في أن الحملة تطيق حمله وشبههم بالكركي وأن رجليه يحملانه وهما دقيقتان وقالت فرقة أخرى إن الحملة تحمل العرش والباري يستحيل أن يكون محمولا # قال أبو الحسن الأشعري واختلفت الروافض في إرادة الله تعالى وهم أربع فرق الفرقة الأولى منهم وهم أصحاب هشام بن الحكم وهشام الجواليقي يزعمون أن إرادة الله تعال حركة وهي معنى لا هي الله ولا هي غيره وأنها صفة لله تعالى ليست غيره وذلك أنهم يزعمون أن الله إذا أراد الشيء تحرك فكان ما أراد والفرقة الثانية منهم أبو مالك الحضرمي وعلي بن ميثم ومن تابعهما يزعمون أن إرادة الله تعالى غيره وهي حركة الله تعالى كما قال

هشام إلا أن هؤلاء خالفوه فزعموا أن الإرادة حركة وأنها غير الله بها يتحرك والفرقة الثالثة منهم وهم القائلون بالاعتزال والإمامة يزعمون أن إرادة الله تعالى ليست بحركة فمنهم من أثبتها غير المراد فيقول إنها مخلوقة لله تعالى لا بإرادة ومنهم من يقول إرادة الله تعالى لتكوين الشيء وإرادته لأفعال العباد هي أمره إياهم بالفعل وهي غير فعلهم وهم يأبون أن يكون الله تعالى أراد المعاصي فكانت والفرقة الرابعة منهم يقولون لا نقول قبل الفعل إن الله تعالى أراده فإذا فعلت الطاعة قلنا أرادها وإذا فعلت المعصية فهو كاره لها غير محب لها # وذكر عنهم في القول بأن الله حي عالم قادر سميع بصير إله وغير ذلك مقالات يطول وصفها جمهورها يقتضي وصفه بالحركة والتحول كما في الإرادة # قال أبو الحسن الأشعري مقالات المرجئة في التوحيد فقال القائلون منهم في التوحيد بقول المعتزلة وقال قائلون منهم بالتشبيه وهم ثلاث فرق فقالت الفرقة الأولى منهم وهم أصحاب مقاتل بن سليمان إن الله تعالى جسم وأن له جمة وأنه على صورة الإنسان لحم ودم وشعر وعظم له جوارح وأعضاء من يد ورجل ولسان ورأس وعينين مصمت وهو مع هذا لا يشبه غيره ولا يشبهه وقالت الفرقة الثانية أصحاب داود الجواربي مثل ذلك غير أنهم قالوا أجوف من فيه إلى صدره مصمت ما سوى ذلك وقالت الفرقة الثالثة هو جسم كالأجسام

فقد ذكر الأشعري أن القول بأن الله تعالى فوق العرش وثبوت الصفات الخبرية هو قول أهل السنة وأصحاب الحديث وذكر أن ذلك قول ابن كلاب وأصحابه وقوله وذكر التنازع في نفي هذه الصفات وإثباتها بين فرق الأمة فنفي الجسم وهذه الصفات هو قول المعتزلة والخوارج وطائفة من المرجئة ومتأخري الشيعة وإثبات الجسم وهذه الصفات قول جمهور الإمامية المتقدمين وطائفة من المرجئة وغيرهم # وهو مع هذا لم يذكر تفصيل أقوال أئمة الإسلام وسلف الأمة وعلماء الحديث وإنما ذكر قولا مجملا ولهم في هذا الباب من الأقوال المفصلة وعندهم في ذلك من النصوص الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما هو معروف عند أهله # وقد ذكر الأشعري عشرة أصناف فقال واختلف المسلمون عشرة أصناف الشيع والخوارج والمرجئة والمعتزلة والجهمية والضرارية والحسينية وهم النجارية والبكرية والعامة وأصحاب الحديث والكلابية أصحاب عبدالله بن سعيد بن كلاب القطان # ومعلوم أن أئمة الأمة وسلفها ليسوا في شيء من هذه الطوائف إلا في أهل الحديث والعامة وهؤلاء مع جمهور الشيع والمرجئة والكلابية والأشعرية من أهل الأثبات بأن الله تعالى فوق العرش والصفات الخبرية وإن كان فيهم من يثبت الجسم ومنهم من لا ينفيه ولا يثبته وأما نفي ذلك مطلقا فإنما ذكره عن المعتزلة والخوارج وأما الضرارية والبكرية والنجارية فتوافقهم في بعض ذلك وتوافق أهل الأثبات في بعض ذلك وهذه المقالة التي نسبها هو الي المعتزلة هي المشهورة في كلام الأئمة علماء الحديث بمقاله الجهمية فإن الأيمة نسبوها غلى من

أحدث هذه المقالات وابتدعها ودعا الناس إليها والمعتزلة إنما أخذوها عنه كما ذكر ذلك الإمام أحمد رحمه الله أنه أخذ ذلك عن الجهم قوم من أصحاب عمرو بن عبيد وأصحاب عمرو بن عبيد هم المعتزلة فإن أول المعتزلة هو واصل بن عطاء وإنما كان شعار المعتزلة أولا هو المنزلة بين المنزلتين وإنفاذ الوعيد وبه اعتزلوا الجماعة ثم دخلوا بعد ذلك في إنكار القدر وأما إنكار الصفات فإنما ظهر بعد ذلك وكذلك حكاية ذلك عن الخوارج إنما يكون عن متأخرة الخوارج الموجودين بعد حدوث هذه المقالات التي صنفها المعتزلة والشيعة كما قد ذكر هو ذلك وأما قدماء الخوارج الذين كانوا على عهد الصحابة والتابعين فماتوا قبل حدوث هذه الأقوال المضافة إلى المعتزلة والجهمية وذلك أن مقالات هؤلاء ونحوهم إنما نقلها من كتب المقالات التي صنفها المعتزلة والشيعة كما قد ذكر هو ذلك لم يقف هو على شيء من كلام الخوارج والمعتزلة يستكثر بالخوارج لموافقتهم لهم في إنفاذ الوعيد ونفي الإيمان والخروج عن الأئمة والأمة لكن الأشعري كان بمقالات المعتزلة أعلم منه بغيرها لقراءته عليهم أولا وعلمه بمصنفاتهم وكثيرا ما يحكي قول الجبائي عنه مشافهة # وقد ذكر مقالة جهم في كتابه فقال ذكر قول الجهمية الذي تفرد بها جهم القول بأن الجنة والنار تبيدان وتفنيان وأن الإيمان هو المعرفة بالله فقط والكفر هو الجهل به فقط وأنه لا فعل لأحد في الحقيقة إلا لله تعالى وحده وأنه هو الفاعل وأن الناس إنما تنسب إليهم أفعالهم على المجاز كما يقال تحركت الشجرة ودار الفلك وزالت الشمس وإنما فعل ذلك بالشجرة والفلك والشمس الله تعالى إلا أنه خلق للإنسان قوة كان بها الفعل وخلق له إرادة للفعل واختيارا له منفردا بذلك كما خلق له طولا كان به طويلا ولونا كان به

متلونا قال وكان الجهم ينتحل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقتل جهم بمرو قتله سلم بن أحوز المازني في آخر ملك بني أمية قال ويحكى عنه قال يقول لا أقول إن الله تعالى شيء لأن ذلك تشبيه له بالأشياء قال وكان يقول إن علم الله تعالى محدث فيما حكي عنه ويقول بخلق القرآن وإنه لا يقال إن الله لم يزل عالما بالأشياء قبل أن تكون وكذلك قال أبو الحسن الأشعري في كتاب الإبانة له بعد الخطبة أما بعد فإن كثيرا من المعتزلة وأهل القدر مالت بهم أهواؤهم إلى التقليد لرؤسائهم ومن مضى من أسلافهم فتأولوا القرآن على رأيهم تأويلا لم ينزل الله به سلطانا ولا أوصح به برهانا ولا نقلوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن سلف المتقدمين فخالفوا روايات الصحابة رضي الله عنهم أجمعين عن نبي الله صلى الله عليه وسلم في رؤية الله تعالى بالأبصار وقد جاءت بذلك روايات من الجهات المختلفات وتواترت بها الآثار وتتابعت بها الأخبار وأنكروا شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم للمذنبين وردوا الرواية في ذلك عن السلف المتقدمين وجحدوا عذاب القبر وأن الكفار في قبورهم يعذبون وقد أجمع على ذلك الصحابة والتابعون ودانوا بخلق القرآن نظيرا لقول إخوانهم من المشركين الذين قالوا ^ إن هذا إلا قول البشر ^ فزعموا أن القرآن كقول البشر وأثبتوا أن العباد يخلقون الشر نظيرا لقول المجوس الذين أثبتوا خالقين أحدهما يخلق الخير والآخر يخلق الشر # وزعمت القدرية أن الله يخلق الخير وأن الشيطان يخلق الشر وزعموا أن الله تعالى يشاء مالا يكون ويكون مالا يشاء خلافا لما أجمع عليه المسلمون من أن

ما شاء الله كان وما لم يشأكم لم يكن وردا لقول الله تعالى ^ وما تشاؤون إلا أن يشاء الله فأخبر الله أنا لا نشاء شيئا إلا قد شاء الله أن نشاءه ولقوله ^ ولو شاء الله ما اقتتلوا ^ وقوله ^ ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ^ ولقوله تعلى ^ فعال لما يريد ^ ولقوله سبحانه وتعالى خبرا عن شعيب أنه قال ^ وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ^ ولهذا سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مجوس هذه الأمة لأنهم دانوا بديانة المجوس وضاهوا قولهم وزعموا أن للخير والشر خالقين كما زعمت المجوس ذلك وأنه يكون من الشر مالا يشاء الله كما قالت المجوس وزعموا أنهم يملكون الضر والنفع لأنفسهم ردا لقوله الله تعالى ^ قل لا أملك لنفسي نفعاولا ضرا إلا ما شاء الله ^ وإعراضا عن القرآن وعما أجمع المسلمون عليه وزعموا أنهم ينفردون بالقدرة على ما لم يصفو الله بالقدرة عليه كما أثبت المجوس للشيطان من القدرة على الشر ما لم يثبتوه لله عز وجل فكانوا مجوس هذه الأمة إذ دانوا بديانة المجوس وتمسكوا بأقاويلهم ومالوا إلى أضاليلهم وقنطوا الناس من رحمة الله وأيسوهم من روح الله وحكموا على العصاة بالنار والخلود فيها خلافا لقول الله تعالى ^ ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ^ وزعموا أن من دخل الناء لا يخرج منها خلافا لما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يخرج من النار قوما بعد ما امتحشوا فيها وصاروا حمما ودفعوا أن يكون لله وجه مع قوله ^ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ^ وأنكروا أن يكون له عينان مع قوله ^ تجري بأعيننا ^ وقوله تعالى ^ ولتصنع على عيني ^ ونفوا ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله صلى الله عليه وسلم إن الله ينزل إلى سماء الدنيا قال وأنا ذاكر ذلك بابا بابا إن شاء الله تعالى

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:03 AM
# قال فإن قيل قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة فعرفونا قولكم الذي به تقولون وديانتكم التي بها تدينون # قيل له قولنا الذي به نقول وديانتنا التي بها ندين التمسك بكتاب الله عز وجل وبسنة نبينا صل الله عليه وسلم وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون وبما كان أحمد بن حنبل نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته قائلون ولما خالف قوله مخالفون لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق عند ظهور الضلالة وأوضح به المناهج وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وشك الشاكين فرحمة الله عليه من إمام مقدم وكبير مفهم وعلى جميع أئمة المسلمين # وجملة قولنا أنا نقر بالله تبارك وتعالى وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله وما روى الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نرد من ذلك شيئا وأن الله عز وجل واحد أحد فرد صمد لا غيره لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وأن محمد عبده ورسوله والجنة حق والنار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأن الله مستو على عرشه كما قال ^ الرحمن على العرش استوى ^ وأن له وجها كما قال عز وجل ^ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ^ وأن له يدين كما قال عز وجل ^ بل يداه مبسوطتان ^ وقال سبحانه وتعالى ^ خلقت بيدي ^ وأن له عينين بلا كيف كما قال عز وجل ^ تجري بأعيننا ^ وأن من زعم أن أسماء الله غيره كان ضالا وأن لله تعالى علما كما قال تعالى

^ أنزله بعلمه ^ وقال سبحانه ^ وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ^ ونثبت لله قدرة وقوة كما قال تعالى ^ أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ^ ونثبت لله تعالى السمع والبصر ولا ننفي ذلك عنه كما نفته المعتزلة والجهمية والخوارج ونقول إن كلام الله تعالى غير مخلوق وأنه لم يخلق شيئا إلا وقد قال له كن كما قد قال سبحانه وتعالى ^ إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ^ وأنه لا يكون في الأرض شيء من خير أو شر إلا ما شاء وأن الأشياء تكون بمشيئة الله تعالى وذكر الكلام في مسائل القدر وخلق الأفعال # إلى أن قال ونقول إن القرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود وأن من قال بخلق القرآن كان كافرا وندين بأن الله تعالى يرى بالأبصار يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر يراه المؤمنون كما جاءت الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقول إن الكافرين إذا رآه المؤمنون عنه محجوبون كما قال الله عز وجل ^ كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ^ وأن موسى سأل الله عز وجل الرؤية في الدنيا وأن الله تعالى تجلى للجبل فجعله دكا فأعلم بذلك موسى أنه لا يراه في الدنيا ونرى ألا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب يرتكبه كالزنا والسرقة وشرب الخمر كما دانت بذلك الخوارج وزعمت أنهم بذلك كافرون ونقول إن من عمل كبيرة وما أشبهها مستحلا لها غير معتقد لتحريمها كان كافرا ونقول إن الإسلام أوسع من الإيمان وليس كل إسلام إيمانا وندين بأن الله تعالى يقلب القلوب وأن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن وأنه يضع السموات على أصبع والأرضين على

أصبع كما جاءت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وندين بأن لا ننزل أحدا من الموحدين المتمسكين بالإيمان جنة ولا نارا إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ونرجو الجنة للمذنبين ونخاف عليهم أن يكونوا بالنار معذبين ونقول إن الله عز وجل يخرج من النار قوما بعدما امتحشوا بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم ونؤمن بعذاب القبر وبأن الميزان حق والحوض حق والصراط حق والبعث بعد الموت حق وأن الله عزوجل يوقف العباد بالموقف ويحاسب المذنبين وأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ونسلم الروايات الصحيحة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رواها الثقات عدلا عن عدل حتى تنتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم # وندين بحب السلف رضي الله عنهم الذين اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونثني عليهم بما أثنى الله تعالى عليهم ونتولاهم ونقول إن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأن الله سبحانه وتعالى أعز به الإسلام والدين وأظهره على المرتين وقدمه المسلمون للإمامة كما قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة ثم عمر بن الخطاب رضوان الله عليه ثم عثمان نضر الله وجهه قتلوه قاتلوه ظلما وعدوانا ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فهؤلاء الأئمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونكف عما شجر بينهم وندين لله تعالى أن الأئمة الأربعة راشدين مهديين فضلاء لا يوازيهم في الفضل غيرهم

ونصدق بجميع الروايات التي يثبتها أهل النقل من النزول إلى السماء الدنيا وأن الرب عز وجل يقول هل من سائل هل من مستغفر وسائر ما أثبتوه ونقلوه خلافا لما قاله أهل الزيغ والتضليل ونعول فيما اختلفنا فيه على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين وما كان في معناه ولا نبتدع في دين الله تعالى بدعة لم يأذن الله تعالى بها ولا نقول على الله مالا نعلم ونقول إن الله عز وجل يجيء يوم القيامة كما قال تعالى ^ وجاء ربك والملك صفا صفا ^ وأن الله تعالى يقرب من عباده كيف شاء كما قال تعالى ^ ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ^ وكما قال عز وجل ^ ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ^ ومن ديننا أن نصلي الجمعة والأعياد خلف كل بر وفاجر وسائر الصلوات والجماعات كما روي عن عبدالله بن عمر أنه كان يصلي خلف الحجاج ونرى المسح على الخفين سنة في الحضر والسفر خلافا لقول من أنكر ذلك ونرى الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح والإقرار بإمامتهم وتضليل من رأى الخروج عليهم إذا ظهر منهم ترك الاستقامة وندين بترك الخروج عليهم بالسيف وترك القتال في الفتنة ونقر بخروج الدجال كما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونؤمن بعذاب القبر ومنكر ونكير ومسألتهما للمدفونين في قبورهم ونصدق بحديث المعراج ونصحح كثيرا من الرؤيا في المنام ونقر أن لذلك تفسيرا ونرى الصدقة عن موتى المسلمين والدعاء لهم ونؤمن بأن الله تعالى ينفعهم بذلك ونصدق بأن في الدنيا سحرة وسحرا وأن السحر كائن موجود في الدنيا وندين بالصلاة على من مات من أهل القبلة مؤمنهم وفاجرهم وتوارثهم ونقر أن الجنة والنار مخلوقتان وأن من مات أو قتل فبأجله مات أو قتل وأن الأرزاق من قبل الله تعالى يرزقها عباده حلالا وحراما وأن الشيطان يوسوس للإنسان ويشككه ويخبطه خلافا لقول المعتزلة والجهمية

كما قال الله تعالى ^ الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ^ وكما قال ^ من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس ^ ونقول إن الصالحين يجوز أن يخصهم الله تعالى بآيات يظهرها عليهم وقولنا في أطفال المشركين إن الله يؤجج لهم نارا في الآخرة ثم يقول اقتحموها كما جاءت الرواية بذلك وندين بأن الله تعالى يعلم ما العباد عاملون وإلى ما هم صائرون وما كان وما يكون ومالا يكون أن لو كان كيف كان يكون وبطاعة الأئمة ونصيحة المسلمين ونرى مفارقة كل داعية إلى بدعة ومجانبة أهل الأهواء وقال وسنحتج لما ذكرنا من قولنا ومما بقي منه مما لم نذكره بابا بابا وشيئا شيئا ثم ذكر من دلائل ذلك وحججه ما قد يذكر بعضه إن شاء الله تعالى عند الكلام على ما ذكره الرازي من الأدلة # وقال أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي في كتابه الذي سماه نقض عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد فيما افترى على الله في التوحيد قال فيه باب الحد والعرش وادعى المعارض ايضا أنه ليس له حد ولا غاية ولا نهاية قال وهذا الأصل الذي بنى عليه جهم جميع ضلالته واشتق منه أغلوطاته وهي كلمة لم يبلغنا أنه سبق جهما إليها أحد من العالمين فقال له قائل ممن حاوره قد علمت مرادك أيها الأعجمي تعني أن الله تعالى لا شيء لأن الخلق كلهم علموا أنه ليس شيء يقع عليه اسم الشيء إلا وله حد وغاية وصفة وأنه لا شيء ليس له حد ولا غاية ولا صفة فالشيء أبدا موصوف لا محالة ولا شيء يوصف بلا حد ولا غاية وقولك لا حد له تعني أنه لا شيء

# قال أبو سعيد والله تعالى له حد لا يعلمه غيره ولا يجوز لأحد أن يتوهم لحده غاية في نفسه ولكن نؤمن بالحد ونكل علم ذلك إلى الله تعالى ولمكانه أيضا حد وهو على عرشه فوق سمواته فهذان حدان اثنان قال وسئل ابن المبارك بما نعرف ربنا قال بأنه على العرش بائن من خلقه قيل بحد قال بحد حدثناه الحسن بن الصباح البزار عن علي بن الحسين بن شقيق عن ابن المبارك فمن ادعى أنه ليس لله حد فقد رد القرآن وادعى أنه لا شيء لأن الله تعالى وصف حد مكانه في مواضع كثيرة من كتابه فقال ^ الرحمن على العرش استوى ^ ^ أأمنتم من في السماء ^ ^ يخافون ربهم من فوقهم ^ ^ إني متوفيك ورافعك إلي ^ ^ إليه يصعد الكلم الطيب ^ فهذا كله وما أشبهه شواهد ودلائل على الحد ومن لم يعترف به فقد كفر بتنزيل الله تعالى وجحد آيات الله تعالى وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله فوق عرشه فوق سماوته وقال للأمة السوداء أين الله قالت في السماء قال أعتقها فإنها مؤمنة فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها مؤمنة إنها لو لم تؤمن بأن الله في السماء لم تكن مؤمنة وأنه لا يجوز في الرقبة المؤمنة إلا من يحد الله أنه في السماء كما قال الله ورسوله فحدثنا أحمد بن منيع البغدادي الأصم حدثنا أبو معاوية عن شبيب بن شيبة عن الحسن عن عمران بن الحصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبيه يا حصين كم تعبد اليوم إلها قال سبعة ستة في الأرض وواحد في السماء قال فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك قال الذي في السماء فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على الكافر إذ عرف أن إله العالمين في السماء كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فحصين في كفره يومئذ كان أعلم بالله الجليل الأجل من المريسي وأصحابه مع ما ينتحلون من الإسلام إذ ميز بين الإله الخالق الذي في السماء وبين الآلهة والأصنام المخلوقة التي في الأرض وقد اتفقت الكلمة من المسلمين والكافرين أن الله في السماء وحدوده بذلك إلا المريسي

الضال وأصحابه حتى الصبيان الذين لم يبلغوا الحنث قد عرفوه بذلك إذا حزب الصبي شيء يرفع يديه إلى ربه يدعوه في السماء دون ما سواها فكل أحد بالله تعالى وبمكانه أعلم من الجهمية # قال ثم انتدب المعارض لتلك الصفات التي ألفها وعددها في كتابه من الوجه والسمع والبصر وغير ذلك يتأولها ويحكم على الله تعالى وعلى رسوله فيها حرفا بعد حرف وشيئا بعد شيء بحكم بشر بن غياث المريسي لا يعتمد فيها على إمام أقدم منه ولا أرشد منه عنده فاغتنمنا ذلك منه إذ صرح باسمه وسلم فيها لحكمه لما أن الكلمة قد اجتمعت من عامة الفقهاء في كفره وهتوك ستره وافتضاحه في مصره وسائر الامصار الذين سمعوا بذكره وذكر الكلام في الصفات # وقال الخلال في كتاب السنة أخبرنا أبوبكر المروذي قال سمعت أبا عبدالله قيل له روى عن علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك أنه قيل له كيف نعرف الله عز وجل قال علىالعرش بحد قال قد بلغني ذلك عنه وأعجبه ثم قال أبو عبدالله ^ هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ^ ثم قال ^ وجاء ربك والملك صفا صفا ^ قال الخلال أخبرنا الحسن بن صالح العطار حدثنا هارون بن يعقوب الهاشمي سمعت أبي يعقوب بن العباس قال كنا عند أبي عبدالله قال فسألناه عن قول ابن المبارك قيل له كيف نعرف ربنا قال في السماء السابعة على عرشه بحد فقال أحمد هكذا على العرش استوى بحد فقلنا له ما معنى قول ابن المبارك بحد قال لا أعرفه ولكن

لهذا شواهد من القرآن في خمسة مواضع ^ إليه يصعد الكلم الطيب ^ ^ أأمنتم من في السماء ^ ^ تعرج الملائكة والروح إليه ^ وهو على العرش وعلمه مع كل شيء قال الخلال وأخبرنا محمد بن علي الوراق حدثنا أبو بكر الأثرم حدثنا محمد بن إبراهيم القيسي قال قلت لأحمد بن حنبل يحكى عن ابن المبارك قيل له كيف نعرف ربنا قال في السماء السابعة على عرشه بحد فقال أحمد هكذا هو عندنا قال الخلال أخبرنا حرب بن إسماعيل قال قلت لاسحاق يعني ابن راهويه على العرش بحد قال نعم بحد وذكر عن ابن المبارك قال هو على عرشه بائن من خلفه بحد # وقد ذكر أيضا حرب بن إسماعيل في آخر كتابه في المسائل كلها هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والشام والحجاز وغيرهم عليها فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج عن الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد وعبدالله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم فكان من قولهم أن الإيمان قول وعمل إلى أن قال وخلق الله سبع سموات بعضها فوق بعض وقد تقدم حكاية

قوله إلى قوله لأن الله تبارك وتعالى على العرش فوق السماء السابعة العليا يعلم ذلك كله وهو بائن من خلقه لا يخلو من علمه مكان ولله عرش وللعرش حملة يحملونه وله حد الله تعالى أعلم بحده والله تعالى على عرشه عز ذكره وتعالى جده ولا إله غيره ولكن هذا اللفظ يحتمل أن يعود فيه الحد إلى العرش بل ذلك أظهر فيه # قال القاضي أبو يعلى في كتاب إبطال التأويل رأيت بخط أبي إسحاق حدثنا أبو بكر أحمد بن نصر الرفاء سمعت أبا بكر بن أبي داود سمعت أبي يقول جاء رجل إلى أحمد بن حنبل فقال لله تعالى حد فقال نعم لا يعلمه إلا هو قال الله تبارك وتعالى ^ وترى الملائكة حافين من حول العرش ^ يقول محدقين # وروى الخلال أيضا في كتاب السنة أخبرني يوسف بن موسى أن أبا عبدالله قيل له ولا يشبه ربنا تبارك وتعالى شيئا من خلقه ولا يشبهه شيء من خلقه قال نعم ^ ليس كمثله شيء ^ قال أخبرني عبيدالله بن حنبل حدثني أبي حنبل بن إسحاق قال قال عمي نحن نؤمن بالله تعالى على العرش كيف شاء وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف ويحده أحد فصفات الله له ومنه وهو كما وصف نفسه لا تدركه الأبصار بحد ولا غاية وهو يدرك الأبصار وهو عالم الغيب والشهادة علام الغيوب ولا يدركه وصف واصف وهو كما وصف نفسه ليس في الله شيء محدود ولا يبلغ علم قدرته أحد غلب الأشياء كلها بعلمه وقدرته وسلطانه ^ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ^ وكان الله تعالى قبل أن يكون شيئا والله تعالى الأول وهو الآخر ولا يبلغ أحد حد صفاته والتسليم لأمر الله والرضا بقضائه نسأل الله التوفيق والسداد إنه على كل شيء قدير

فهو في هذا الكلام أخبر أنه بلا حد ولا وصف يبلغها واصف أو بحد أحد فنفى أن تحيط به صفة العباد أو حدهم وكذلك قال ^ لا تدركه الأبصار ^ بحد ولا غاية فبين أن الأبصار لا تدرك له حدا ولا غاية وقال أيضا ولا يدركه صفة واصف وهو كما وصف نفسه وليس من الله تعالى شيء محدود كما قال بعد هذا ولا يبلغ أحد حد صفاته فنفى في هذا الكلام كله أن يكون وصف العباد أو حد العباد يبلغه أو يدركه كما لا تدركه الأبصار # قال الخلال وأخبرني علي بن عيسى أن حنبل حدثهم قال سألت أبا عبدالله عن الأحاديث التي تروى أن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا وأن الله تعالى يرى وأن الله تعالى يضع قدمه وما أشبه هذه الأحاديث فقال أبو عبدالله نؤمن بها ونصدق بها ولا كيف ولا معنى ولا نرد منها شيئا ونعلم أن ما جاءت به الرسل حق ونعلم أن ما ثبت به الرسول حق إذا كانت بأسانيد صحيحة ولا نرد على قوله ولا نصف الله تبارك وتعالى بأعظم مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية وقال حنبل في مواضع أخر ^ ليس كمثله شيء ^ في ذاته كما وصف به نفسه قد أجمل تبارك وتعالى بالصفة لنفسه فحد لنفسه صفة ليس يشبهه شيء فيعبد الله تعالى بصفاته غير محدودة ولا معلومة إلا بما وصف نفسه قال تعالى ^ وهو السميع البصير ^ وقال حنبل في مواضع أخر قال فهو سميع بصير بلا حد ولا تقدير ولا يبلغ الواصفون وصفاته منه وله ولا نتعدى القرآن والحديث فنقول كما قال ونصفه كما وصف نفسه تعالى ولا نتعدى ذلك ولا تبلغه صفة الواصفين نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت ووصف وصف به نفسه من كلام ونزول وخلوة بعبده يوم القيامة ووضع كنفه عليه هذا كله يدل على أن الله تعالى يرى في الآخرة والتحديد في هذا بدعة والتسليم لله بأمره بغير صفة

ولا حد إلا ما وصف به نفسه سميع بصير لم يزل متكلما حيا عالما غفورا عالم الغيب والشهادة علام الغيوب فهذه صفاته وصف بها نفسه لا تدفع ولا ترد وهو على العرش بلا حد كما قال ^ ثم استوى على العرش ^ كيف شاء المشيئة إليه عز وجل والاستطاعة له ^ ليس كمثله شئ ^ وهو خالق كل شئ وهو كما وصف نفسه سميع بصير بلا حد ولا تقدير قول إبراهيم لأبيه ^ لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا ^ فثبت أن الله سميع بصير صفاته منه لا نتعدى القرآن والحديث والخبر يضحك الله ولا يعلم كيف ذلك إلا بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وتثبيت القرآن لا يصفه الواصفون ولا يحده أحد تعالى الله عما يقول الجهمية والمشبهة # وقال أبو عبد الله قال لي إسحاق بن إبراهيم لما قرأ الكتاب بالمحنة تقول ليس كمثله شئ فقلت له ليس كمثله شئ وهو السميع البصير قال ما أردت بها قلت القرآن وصفه من صفات الله وصف بها نفسه لا ننكر ذلك ولا نرده قلت له المشبهة ما يقولون قال من قال بصر كبصري ويد كيدي وقال حنبل في موضع آخر وقد تقدم فقد شبه الله تعالى بخلقه وهذا يحده وهذا كلام سوء وهذا محدود الكلام في هذا لا أحبه قال أبو عبد الله جردوا القرآن وقال النبى صلى الله عليه وسلم يضع قدمه نؤمن به ولا نحده ولا نرده على رسول الله بل نؤمن به قال الله تعالى ^ وما آتكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ^ ^ فقد أمرنا الله عز وجل بالأخذ بما جاء به والنهي عما نهى وأسماؤه وصفاته منه غير مخلوقة ونعوذ بالله من الزلل والارتياب والشك إنه على كل شئ قدير وقال الخلال وزادني أبو القاسم عن حنبل

في هذا الكلام وقال تبارك وتعالى ^ لا إله إلا هو الحي القيوم ^ ^ لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ^ هذه صفات الله عز وجل وأسماؤه تبارك وتعالى # فهذا الكلام من الإمام أبى عبد الله أحمد رحمه الله يبين أنه نفى أن العباد يحدون الله تعالى أو صفاته بحد أو يقدرون ذلك بقدر أو أن يبلغوا إلى أن يصفوا ذلك وذلك لا ينافي ما تقدم من إثبات أنه في نفسه له حد يعلمه هو لا يعلمه غيره أو أنه هو يصف نفسه وهكذا كلام سائر أئمة السلف يثبتون الحقائق وينفون علم العباد بكنهها كما ذكر من كلامهم في غير هذا الموضع ما يبين ذلك # وأصحاب الإمام أحمد منهم من ظن أن هذين الكلامين يتناقضان فحكى عنه في إثبات الحد لله تعالى روايتين وهذه طريقة الروايتين والوجهين ومنهم من نفى الحد عن ذاته تعالى ونفى علم العباد به كما ظنه موجب ما نقله حنبل وتأول ما نقله المروذي والأثرم وأبو داود وغيرهم من إثبات الحد له على أن المراد إثبات حد للعرش ومنهم من قرر الأمر كما يدل عليه الكلامان أو تأول نفى الحد بمعنى آخر والنفي هو طريقة القاضي أبى يعلى أولا في المعتمد وغيره فإنه كان ينفي الحد والجهة وهو قوله الأول قال
فصل # وقد وصف الله تعالى نفسه بالاستواء على العرش والواجب إطلاق هذه الصفة من غير تفسير ولا تأويل وأنه استواء الذات على العرش لا على معنى العلو والرفعة ولا على معنى الاستيلاء والعلم وقد قال أحمد في رواية حنبل نحن

نؤمن أن الله تعالى على العرش كيف شاء وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد قال فقد أطلق القول في ذلك من غير كيفية الاستواء وقد علق القول في موضع آخر فقال في رواية المروذي يروى عن ابن المبارك أنه قيل له كيف نعرف الله تعالى قال على العرش بحد قال قد بلغني ذلك وأعجبه قال القاضي وهذا محمول على أن الحد راجع إلى العرش لا إلى الذات ولا إلى الاستواء وقصد أن يبين أن العرش مع عظمته محدود # قلت وهذا الذي قاله القاضي في الاستواء هنا هو الذي يقوله أئمة الأشعرية المتقدمين وهو قريب من قول أبي محمد ابن كلاب وأبي العباس القلانسي وغيرهم من أهل الحديث والفقه ولهذا قال خلافا لمن قال من المعتزلة معناه الاستيلاء والغلبة وخلافا لمن قال من الأشعرية معناه العلو من طريق الرتبة والمنزلة والعظمة والقدرة وهذا قول بعض الأشعرية لا أئمتهم المتقدمون قال وخلافا للكرامية والمجسمة معناه المماسة للعرش بالجلوس عليه ثم أنه قال في الحجة والذي بين صحة ما ذكرنا أنه مقالة السلف من أهل اللغة وغيرهم فذكر ابن قتيبة في كتاب مختلف الحديث الرحمن على العرش استوى استقر كما قال الله تعالى ^ فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك ^ أي استقررت وذكر ابن بطة عن ابن الإعرابي قال أرادني ابن أبي داود أن أطلب في بعض لغات العرب ومعانيها ^ الرحمن على العرش استولى ^ فقلت والله ما يكون هذا

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:04 AM
ولا أصبته وقال يزيد بن هارون من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي وعن عبد الوهاب قال الرحمن على العرش استوى قال قعد وعن ابن المبارك قال الله على العرش بحد # والقاضي في هذا الكتاب ينفي الجهة عن الله كما قد صرح بذلك في غير موضع كما ينفي أيضا هو وأتباعه كأبي الحسن ابن الزاغونى وغيره التحيز والجسم والتركيب والتأليف والتبعيض ونحو ذلك ثم رجع عن نفي الجهة والحد وقال بإثبات ذلك كما ذكر قوليه جميعا فقال في كتاب إبطال التأويلات لأخبار الصفات لما تكلم على حديث الأوعال فإذا ثبت أنه تعالى على العرش فالعرش في جهة وهو على عرشه وقد منعنا في كتابنا هذا في غير موضع إطلاق الجهة عليه والصواب جواز القول بذلك لأن أحمد قد اثبت هذه الصفة التي هي الاستواء على العرش وأثبت أنه في السماء وكل من أثبت هذا اثبت الجهة وهم أصحاب ابن كرام وابن مندة الأصبهاني المحدث والدلالة عليه أن العرش في جهة بلا خلاف وقد ثبت بنص القرآن أنه مستو على العرش فاقتضى أنه في جهة ولأن كل عاقل من مسلم وكافر إذا دعا الله تعالى فإما يرفع يديه ووجهه إلى نحو السماء وفي هذا كفاية ولأن من نفى الجهة من المعتزلة والأشعرية يقولون ليس هو في جهة ولا خارجا منها وقائل هذا بمثابة من قال بإثبات موجود مع وجود

غيره ولا يكون وجود أحدهما قبل وجود الآخر ولا معه ولا بعده ولأن العوام لا يفرقون بين قول القائل طلبته فلم أجده في موضع ما وبين قوله طلبته فإذا هو معدوم قال وقد احتج ابن منده على إثبات الجهة بأنه لما نطق القرآن بأن الله تعالى على العرش وأنه في السماء وجاءت السنة بمثل ذلك وبأن الجنة مسكنه وأنه في ذلك وهذه الأشياء أمكنة في أنفسها فدل على أنه في مكان # قلت وهذا الكلام من القاضي وابن منده ونحوهما يقتضي أن الجهة أمر وجودي ولهذا حكوا عن النفاة أنه ليس في جهة ولا خارجا منها وأنها غيره وفي كلامه الذي سيأتي ما يقتضي أن الجهة والحد هي من الله تعالى وهو ما حاذى لذات العرش فهو الموصوف بأنه جهة وحد ثم ذكر أن ذلك من صفات الذات # ثم قال وإذا ثبت استواؤه وأنه في جهة وأن ذلك من صفات الذات فهل يجوز إطلاق الحد عليه قد أطلق أحمد القول بذلك في رواية المروذي وقد ذكر له قول ابن المبارك نعرف الله على العرش بحد فقال أحمد بلغني ذلك وأعجبه وقال الأثرم قلت لأحمد يحكى عن ابن المبارك نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه بحد فقال أحمد هكذا هو عندنا قال ورأيت بخط أبي إسحاق حدثنا أبو بكر أحمد بن نصر الرفاء قال سمعت أبا بكر بن أبي داود قال سمعت أبي يقول جاء رجل إلى أحمد بن حنبل فقال لله تبارك وتعالى حد قال نعم لا يعلمه إلا هو قال الله تعالى ^ وترى الملائكة حافين من حول العرش ^ يقول محدقين قال فقد أطلق أحمد القول بإثبات الحد لله تعالى وقد نفاه في رواية حنبل فقال نحن نؤمن بان الله تعالى على العرش كيف شاء وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد فقد نفى الحد عنه على الصفة المذكورة وهو الحد الذي يعلمه خلقه والموضع الذي أطلقه محمول على معنيين أحدهما على معنى انه

تعالى في جهة مخصوصة وليس هو ذاهبا في الجهات الستة بل هو خارج العالم متميز عن خلقه منفصل عنهم غير داخل في كل الجهات وهذا معنى قول أحمد حد لا يعلمه إلا هو والثاني أنه على صفة يبين بها من غيره ويتميز ولهذا يسمى البواب حدادا لأنه يمنع غيره من الدخول فهو تعالى فرد واحد ممتنع عن الاشتراك له في أخص صفاته # قال وقد منعنا من إطلاق القول بالحد في غير موضع من كتابنا ويجب أن يجوز على الوجه الذي ذكرنا # ثم قال ويجب أن يحمل اختلاف كلام أحمد في إثبات الحد على اختلاف حالتين فالموضع الذي قال إنه على العرش بحد معناه أنما حاذى العرش من ذاته هو حد له وجهة له والموضع الذي قال هو على العرش بغير حد معناه ما عدى الجهة المحاذية للعرش وهي الفوق والخلف والأمام واليمنة واليسرة وكان الفرق بين جهة التحت المحاذية للعرش وبين غيرها ما ذكرنا أن جهة التحت تحاذي العرش بما قد ثبت من الدليل والعرش محدود فجاز أن يوصف ما حاذاه من الذات أنه حد وجهة وليس كذلك فيما عداه لأنه لا يحاذي ما هو محدود بل هو مار في اليمنة واليسرة والفوق والأمام والخلف إلى غير غاية فلذلك لم يوصف واحد من ذلك بالحد والجهة وجهة العرش تحاذي ما قابله من جهة الذات ولم تحاذ جميع الذات لأنه لا نهاية لها # قلت هذا الذي جمع به بين كلامي أحمد وأثبت الحد والجهة من ناحية العرش والتحت دون الجهات الخمس يخالف ما فسر به كلام أحمد أولا من التفسير المطابق لصريح الفاظه حيث قال فقد نفى الحد عنه على الصفة المذكورة وهو الذي يعلمه خلقه والموضع الذي أطلقه محمول على معنيين أحدهما يقال على

جهة مخصوصة وليس هو ذاهبا في الجهات بل هو خارج العالم متميز عن خلقه منفصل عنهم غير داخل في كل الجهات وهذا معنى قول أحمد حد لا يعلمه إلا هو والثاني أنه على صفة يبين بها عن غيره ويتميز فهو تعالى فرد واحد ممتنع عن الاشتراك له في أخص صفاته قال منعنا من إطلاق القول بالحد في غير موضع من كتابنا ويجب أن يجوز على الوجه الذي ذكرناه فهذا القول الوسط من أقوال القاضي الثلاثة هو المطابق لكلام أحمد وغيره من الأئمة وقد قال إنه تعالى في جهة مخصوصة وليس هو ذاهبا في الجهات بل هو خارج العالم متميز عن خلقه منفصل عنهم غير داخل في كل الجهات وهذا معنى قول أحمد حد لا يعلمه إلا هو ولو كان مراد أحمد رحمه الله الحد من جهة العرش فقط لكان ذلك معلوما لعباده فانهم قد عرفوا أن حده من هذه الجهة هو العرش فعلم أن الحد الذي لا يعلمونه مطلق لا يختص بجهة العرش # وروى شيخ الإسلام في ذم الكلام ما ذكره حرب بن إسماعيل الكرماني في مسائلة قال قلت لإسحاق بن إبراهيم وهو الإمام المشهور المعروف بابن راهويه ما تقول في قوله تعالى ^ ما يكون من نجوى ثلاثة ^ الآية قال حيث ما كنت هو أقرب إليك من حبل الوريد وهو بائن من خلقه قلت لإسحاق على العرش بحد قال نعم بحد وذكره عن ابن المبارك قال هو على عرشه بائن من خلقه بحد وقال حرب أيضا قال إسحاق بن إبراهيم لا يجوز الخوض في أمر الله تعالى كما يجوز الخوض في فعل المخلوقين لقول الله تعالى ^ لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ^ ولا يجوز لأحد أن يتوهم على الله بصفاته

وأفعاله يعني كما نتوهم فيهم وإنما يجوز التفكر والنظر في أمر المخلوقين وذكر أنه يمكن أن يكون الله عز وجل موصوفا بالنزول كل ليلة إذا مضى ثلثاها إلى سماء الدنيا كما يشاء ولا يسأل كيف نزوله لأن الخالق يصنع ما شاء كما شاء # وروى شيخ الإسلام عن محمد بن إسحاق الثقفي سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال دخلت يوما على طاهر بن عبد الله وأظنه عبد الله بن طاهر وعنده منصور بن طلحة فقال لي منصور يا أبا يعقوب تقول إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلة قلت ونؤمن به إذا أنت لا تؤمن إن لك ربا في السماء فلا تسألني عن هذا فقال ابن طاهر ألم أنهك عن هذا الشيخ وروى عن محمد بن حاتم سمعت إسحاق بن راهويه يقول قال لي عبد الله بن طاهر يا أبا يعقوب هذه الأحاديث التي تروونها وقال في النزول ما هي قال قلت أيها الأمير هذه الأحاديث جاءت مجئ الأحكام الحلال والحرام ونقلها العلماء ولا يجوز أن ترد هي كما جاءت بلا كيف فقال عبد الله بن طاهر صدقت ما كنت اعرف وجوهها حتى الآن وفي رواية قال رواها من روى الطهارة والغسل والصلاة والأحكام وذكر أشياء فإن يكونوا مع هذه عدولا وإلا فقد ارتفعت الأحكام وبطل الشرع فقال شفاك الله كما شفيتني أو كما قال

# وروى أيضا شيخ الإسلام ما ذكره أبو محمد عبد الرحمن ابن أبي حاتم في الرد على الجهمية حدثنا علي بن الحسن السلمي سمعت أبي يقول حبس هشام بن عبيد الله وهو الرازي صاحب محمد بن الحسن الشيباني رجلا في التجهم فتاب فجئ به إلى هشام ليمتحنه فقال الحمد لله على التوبة أتشهد أن الله تعالى على عرشه بائن من خلقه فقال أشهد أن الله على عرشه ولا أدري ما بائن من خلقه فقال ردوه إلى الحبس فإنه لم يتب # قال شيخ الإسلام شرحت مسألة حد البينونة في كتاب الفاروق باب أغنى عن تكريره هاهنا # قال شيخ الإسلام وسألت يحيى بن عمار عن أبي حاتم ابن حبان البستي قلت رأيته قال كيف لم أره ونحن أخرجناه من سجستان كان له علم كثير ولم يكن كبير دين قدم علينا فأنكر الحد لله فأخرجناه من سجستان # قلت وقد أنكره طائفة من أهل الفقه والحديث ممن يسلك في الإثبات مسلك ابن كلاب والقلانسي وأبي الحسن ونحوهم في هذه المعاني ولا يكاد

يتجاوز ما أثبته أمثال هؤلاء مع ماله من معرفة بالفقه والحديث كأبي حاتم هذا وأبي سليمان الخطابي وغيرهما ولهذا يوجد للخطابي وأمثاله من الكلام ما يظن أنه متناقض حيث يتأول تارة ويتركه أخرى وليس بمتناقض فإن أصله إن الصفات التي في القرآن والأخبار الموافقة له أو ما في الاخبار المتواترة دون ما في الأخبار المحضة أو دون ما في غير المتواترة وهذه طريقة ابن عقيل ونحوه وهي إحدى طريقي أئمة الأشعرية كالقاضي أبي بكر ابن الباقلاني وهم مع هذا يثبتونها صفات معنوية # قال الخطابي في الرسالة الناصحة له ومما يجب أن يعلم في هذا الباب ويحكم القول فيه أنه لا يجوز أن يعتمد في الصفات إلا الأحاديث المشهورة إذ قد ثبت صحة أسانيدها وعدالة ناقليها فإن قوما من أهل الحديث قد تعلقوا منها بألفاظ لا تصح من طريق السند وإنما هي من رواية المفاريد والشواذ فجعلوها أصلا في الصفات وأدخلوها في جملتها كحديث الشفاعة وما روي فيه من قوله صلى الله عليه وسلم فأعود إلى ربي فأجده بمكانه أو في مكانه فزعموا على هذا المعنى أن الله تعالى مكانا تعالى الله عن ذلك وإنما هذه لفظة تغرد بها من هذه القصة شريك بن عبد الله ابن أبي نمر وخالفه أصحابه فيها ولم يتابعوه عليها وسبيل مثل هذه الزيادة أن ترد ولا تقبل لاستحالتها ولأن مخالفة أصحاب الراوي له روايته كاختلاف البينة وإذا تعارضت البينتان سقطتا معا وقد تحتمل هذه اللفظة لو كانت صحيحة أن يكون معناها أن يجد ربه عز وجل بمكانه الأول من الإجابة في الشفاعة والإسعاف بالمسألة إذ كان مرويا في الخبر أنه يعود مرارا فيسأل ربه تعالى في المذنبين من أمته كل ذلك يشفعه فيهم ويشفعه في مسألتهم

# قال ومن هذا الباب أن قوما منهم زعموا أن لله حدا وكان أعلا ما احتجوا به في ذلك حكاية عن ابن المبارك قال علي بن الحسن بن شقيق قلت لابن المبارك نعرف ربنا بحد أو نثبته بحد فقال نعم بحد فجعلوه أصلا في هذا الباب وزادوا الحد في صفاته تعالى الله عن ذلك سبيل هؤلاء القوم عفانا الله وإياهم أن يعلموا أن صفات الله تعالى لا تؤخذ إلا من كتاب أو من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم دون قول أحد من الناس كائنا من كان علت درجته أو نزلت تقدم زمانه أو تأخر لأنها لا تدرك من طريق القياس والاجتهاد فيكون فيها لقائل مقال ولناظر مجال على أن هذه الحكاية قد رويت لنا أنه قيل له أنعرف ربنا بجد قال نعم بجد بالجيم لا بالحاء وزعم بعضهم أنه جائز أن يقال له تعالى حد لا كالحدود كما نقول يد لا كالأيدي فيقال له إنما أحوجنا إلى أن نقول يد لا كالأيدي لأن اليد قد جاء ذكرها في القرآن وفي السنة فلزم قبولها ولم يجز ردها فأين ذكر الحد في الكتاب والسنة حتى نقول حد لا كالحدود كما نقول يد لا كالأيدي أرأيت إن قال جاهل رأس لا كالرؤوس قياسا على قولنا يد لا كالأيدي هل يكون الحجة عليه إلا نظير ما ذكرناه في الحد من أنه لما جاء ذكر اليد وجب القول به ولما يجئ ذكر الرأس لم يجز القول به # قلت أهل الإثبات المنازعون للخطابي وذويه يجيبون عن هذا بوجوه # أحدها أن هذا الكلام الذي ذكرناه إنما يتوجه لو قالوا إن له صفة هي الحد كما توهمه هذا الراد عليهم وهذا لم يقله أحد ولا يقوله عاقل فإن هذا الكلام لا حقيقة له إذ ليس في الصفات التي يوصف بها شئ من الموصوفات كما وصف باليد والعلم صفة معينة يقال لها الحد وإنما الحد ما يتميز به الشئ

عن غيره من صفته وقدره كما هو المعروف في لفظ الحد في الموجودات فيقال حد الإنسان وحد كذا وهي من الصفات المميزة له ويقال حد الدار والبستان وهي جهاته وجوانبه المميزة له ولفظ الحد في هذا أشهر في اللغة والعرف العام ونحو ذلك و لما كان الجهمية يقولون ما مضمونه إن الخالق لا يتميز عن الخلق فيجحدون صفاته التي تميز بها ويجحدون قدره حتى يقول المعتزلة إذا عرفوا أنه حي عالم قدير قد عرفنا حقيقته وماهيته ويقولون إنه لا يباين غيره بل إما أن يصفوه بصفة المعدوم فيقولوا لا داخل العالم ولا خارجه ولا كذا ولا كذا أو يجعلوه حالا في المخلوقات أو وجود المخلوقات فبين ابن المبارك أن الرب سبحانه وتعالى على عرشه مباين لخلقه منفصل عنه وذكر الحد لأن الجهمية كانوا يقولون ليس له حد وما لا حد له لا يباين المخلوقات ولا يكون فوق العالم لأن ذلك مستلزم للحد فلما سألوا أمير المؤمنين في كل شئ عبد الله بن المبارك بماذا نعرفه قال بأنه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه فذكروا لازم ذلك الذي تنفيه الجهمية وبنفيهم له ينفون ملزومه الذي هو موجود فوق العرش ومباينته للمخلوقات فقالوا له بحد قال بحد وهذا يفهمه كل من عرف ما بين قول المؤمنين أهل السنة والجماعة وبين الجهمية الملاحدة من الفرق # الوجه الثاني قوله سبيل هؤلاء أن يعلموا أن صفات الله تعالى لا تؤخذ إلا من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم دون قول أحد من الناس فيقولون له لو وفيت أنت ومن اتبعه بإتباع هذه السبيل لم تحوجنا نحن وأئمتنا إلى نفي بدعتكم بل تركتم موجب الكتاب والسنة في النفي والإثبات

# أما في النفي فنفيتم عن الله تعالى أشياء لم ينطق بها كتاب ولا سنة ولا إمام من أئمة المسلمين بل والعقل لا يقضي بذلك عند التحقيق وقلتم إن العقل نفاها فخالفتم الشريعة بالبدعة والمناقضة المعنوية وخالفتم العقول الصريحة وقلتم ليس هو بجسيم ولا جوهر ولا متحير ولا في جهة ولا يشار إليه بحس ولا يتميز منه شئ عن شئ وعبرتم عن ذلك بأنه تعالى ليس بمنقسم ولا مركب وأنه لا حد له ولا غاية تريدون بذلك انه يمتنع عليه أن يكون له حد وقدر أو يكون له قدر لا يتناها و أمثال ذلك ومعلوم أن الوصف بالنفي كالوصف بالإثبات فكيف ساغ لكم هذا النفي بلا كتاب ولا سنة مع اتفاق السلف على ذم من ابتدع ذلك وتسميتهم إياهم جهمية وذمهم لأهل هذا الكلام # وأما في الإثبات فإن الله تعالى وصف نفسه بصفات ووصفه رسوله بصفات فكنتم أنتم الذين تزعمون أنكم من أهل السنة والحديث دع الجهمية والمعتزلة تارة تنفونها وتحرفون نصوصها أو تجعلونها لا تعلم إلا أماني وهذا مما عاب الله تعالى به أهل الكتاب قبلنا وتارة تقرونها إقرارا تنفون معه ما أثبته المنصوص من أن يكون النصوص نفته وتاركين من المعاني التي دلت عليه مالا ريب في دلالتها عليه مع ما في جمعهم بين الأمور المتناقضة من مخالفة صريح المعقول فأنت وأئمتك في هذا الذي تقولون إنكم تثبتونه إما أن تثبتوا ما تنفونه فتجمعوا بين النفي والإثبات وإما أن تثبتوا ما لا حقيقة له في الخارج ولا في النفس وهذا الكلام تقوله النفاة المثبتة لهؤلاء كمثل الأشعري والخطابي والقاضي أبي يعلى وغيرهم من الطوائف

# ويقول هؤلاء المثبتة كيف سوغتم لأنفسكم هذه الزيادات في النفي وهذا التقصير في الإثبات على ما أوجبه الكتاب والسنة وأنكرتم على أئمة الدين ردهم لبدعة ابتدعها الجهمية مضمونها إنكار وجوب الرب تعالى وثبوت حقيقته وعبروا عن ذلك بعبارة فأثبتوا تلك العبارة ليبينوا ثبوت المعنى الذي نفاه أولئك وأين في الكتاب والسنة أنه يحرم رد الباطل بعبارة مطابقة له فإن هذا اللفظ لم نثبت به صفة زائدة على ما في الكتاب والسنة بل بينا به ما عطله المبطلون من وجود الرب تعالى ومباينته لخلقه وثبوت حقيقته # ويقولون لهم قد دل الكتاب والسنة على معنى ذلك كما تقدم احتجاج الإمام أحمد لذلك بما في القرآن مما يدل على أن الله تعالى له حد يتميز به عن المخلوقات وأن بينه وبين الخلق انفصالا ومباينة بحيث يصح معه أن يعرج الأمر إليه ويصعد إليه ويصح أن يجئ هو ويأتي كما سنقرر هذا في موضعه فإن القرآن يدل على المعنى تارة بالمطابقة وتارة بالتضمن وتارة بالالتزام وهذا المعنى يدل عليه القرآن تضمنا أو التزاما # ولم يقل أحد من أئمة السنة إن السني هو الذي لا يتكلم إلا بالألفاظ الواردة التي لا يفهم معناها بل من فهم معانى النصوص فهو أحق بالسنة ممن لم يفهمها ومن دفع ما يقوله المبطلون مما يعارض تلك المعاني وبين أن معاني النصوص تستلزم نفي تلك الأمور المعارضة لها فهو أحق بالسنة من غيره وهذه نكت لها بسط له موضع آخر

# وممن نفى لفظ الحد أيضا من أكابر أهل الإثبات أبو نصر السجزى قال في رسالته المشهورة إلى أهل زبيد وعند أهل الحق أن الله سبحانه مباين لخلقه بذاته وأن الأمكنة غير خالية من علمه وهو بذاته تعالى فوق العرش بلا كيف بحيث لا مكان # وقال أيضا فاعتقد أهل الخق أن الله سبحانه وتعالى فوق العرش بذاته من غير مماسة وأن الكرامية ومن تابعهم على القول بالمماسة ضلال # وقال وليس من قولنا إن الله فوق العرش تحديد له وإنما التحديد يقع للمحدثات فمن العرش إلى ما تحت الثرى محدود والله سبحانه وتعالى فوق ذلك بحيث لا مكان ولا حد لاتفاقنا أن الله تعالى كان ولا مكان ثم خلق المكان وهو كما كان قبل خلق المكان قال وإنما يقول بالتحديد من يزعم أنه سبحانه وتعالى على مكان وقد علم أن الأمكنة محدودة فإن كان فيها بزعمهم كان محدودا وعندنا أنه مباين للأمكنة ومن حلها وفوق كل محدث فلا تحديد لذاته في قولنا هذا لفظه # وأما قول الرازي وذكر أبو معشر المنجم أن سبب إقدام الناس على اتخاذ عبادة الأوثان دينا لأنفسهم هو أن القوم في الدهر الأقدم كانوا على مذهب المشبهة وكانوا يعتقدون أن إله العالم نور عظيم فلما اعتقدوا ذلك اتخذوا وثنا هو أكبر الأوثان على صورة الإله وأوثانا أخرى أصغر من ذلك

الوثن على صورة الملائكة واشتغلوا بعبادة هذه الأوثان على اعتقاد أنهم يعبدون الاله والملائكة فثبت أن دين عبادة الأصنام كالفرع على مذهب المشبهة # فالكلام على هذا من وجوه # أحدها انه من العجب أن يذكر عن أبي معشر ما يذم به عبادة الأوثان وهو الذي اتخذ أبا معشر أحد الأئمة الذين اقتدى بهم في الأمر بعبادة الأوثان لما ارتد عن دين الإسلام وأمر بالإشراك بالله تعالى وعبادة الشمس والقمر والكواكب والأوثان في كتابه الذي سماه السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم وقد قيل إنه صنفه لأم الملك علاء الدين ابن محمد أبي بكر ابن جلال الدين هو أنها أعطته عليه ألف دينار وكان مقصودها ما فيه من السحر والعجائب والتوصل بذلك إلى الرئاسة وغيرها من المآرب وقد ذكر فيه عن أبي معشر أنه عبد القمر وأن في عبادته ومناجاته من الأسرار والفوائد ما ذكر فمن تكون هذه حاله في الشرك وعبادة الأوثان كيف يصلح أن يذم أهل التوحيد الذين يعبدون الله تعالى لا يشركون به شيئا ولم يعبدوا لا شمسا ولا قمرا ولا كوكبا ولا وثنا بل يرون الجهاد لهؤلاء المشركين الذين ارتد إليهم أبو معشر والرازي وغيرهما مدة وإن كانوا قد رجعوا عن هذه الردة إلى الإسلام فإن سرائرهم عند الله لكن لا نزاع بين المسلمين إن الأمر بالشرك كفر وردة إذا كان منا مسلم وأن مدحه والثناء عليه والترغيب فيه كفر وردة إذا كان من مسلم فأهل التوحيد وإخلاص الدين لله تعالى وحده الذين يرون جهاد هؤلاء المشركين ومن ارتد إليهم من أعظم

الواجبات و أكبر القربات كيف يصلح أن يعيبهم بعض المرتدين إلى المشركين بأنهم يوافقون المشركين على أصل الشرك وهؤلاء لا يؤمنون بالله وبما أنزل إلى انبيائه وما أشبه حال هؤلاء بقوله تعالى ^ قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلى قوله عن سواء السبيل ^ فإن هؤلاء النفاة الجهمية منهم من عبد الطاغوت وأمر بعبادته ثم هؤلاء يعيبون من آمن بالله ورسوله # يوضح ذلك أن هذا الرازي اعتمد في الإشراك وعبادة الأوثان على مثل تنكلوا شاه البابلي ومثل طمطم الهندي ومثل ابن وحشية أحد مردة المتكلمين بالعربية ومعلوم أن الكلدانيين والكشدانيين من أهل بابل وغيرهم أتباع نمرود بن كنعان البابلي وغيره وأهل الهند هم أعظم الأمم شركا وهم اعداء إبراهيم الخليل إمام الحنفاء فكيف يكون أتباع هؤلاء المشركين أعداء إبراهيم الخليل عليه السلام معيرين بأتباع المشركين لأهل الملة الحنفية الذين اتبعوا إبراهيم وآل إبراهيم في إثبات صفات الله وأسمائه وعبادته فإن هؤلاء الجهمية ينكرون حقيقة خلة الله تعالى وتكليمه كما أنكره سلفهم أعداء الخليل وأعداء الكليم # وأول من أظهر في الإسلام التجهم وهذا المذهب الذي نصره الرازي وأبو معشر ونحوها هو الجعد بن درهم أنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولا كلم موسى تكليما تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرا ثم نزل فذبحه

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:05 AM
فهذا أول الجهمية نفاة الصفات في هذه الأمة هو مكذب حقيقة ما خص الله به إمام الحنفاء المخلصين الذين يعبدون الله لا يشركون به شيئا وكليم الله الذي اصطفاه برسالاته وبكلامه والله تعالى يفضل هذين الرسولين ويخصهما في مثل قوله تعالى ^ إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى ^ وقوله ^ أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى ^ وهما اللذان رآهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج فوق الأنبياء كلهم في السماء السادسة والسابعة فرأى أحدهما في السادسة ورأى الآخر في السابعة وقد جاءت الأحاديث التي في الصحيح بعلو هذا وعلو هذا # فإذا كان سلف الجهمية ومخاطبي الكواكب هم من أعظم المشركين المعادين لرسل الله تعالى الآمرين بعبادة الله تعالى وحده لا شريك له كيف يصلح لهم أن يعيبوا أهل الأيمان بالله ورسوله الذين يقرون بتوحيد الله وعبادته وحده لا شريك له يقرون بتوحيد الله العلمي القولي كالتوحيد الذي ذكره في سورة ^ قل هو الله أحد ^ ^ الله الصمد ^ ^ لم يلد ولم يولد ^ ^ قل يا أيها الكافرون ^ ^ لا أعبد ما تعبدون ^ ^ ولا أنتم عابدون ما أعبد ^ ^ ولا أنا عابد ما عبدتم ^ ولا أنتم عابدون ما أعبد ^ ^ لكم دينكم ولي دين ^ كيف يصلح لأولئك الذين أشركوا وأتموا بالمشركين في نقيض التوحيد من هذين الوجهين فأمروا بعبادة غير الله ودعائه ورغبوا في ذلك وعظموا قدره وجهلوا من ينكر ذلك وينهى عنه وأنكروا من أسماء الله تعالى وصفاته وحقيقة عبادته ما لا يتم الأيمان والتوحيد إلا به كيف يصلح لهؤلاء أن يعيبوا أولئك باتباع المشركين ويجعلوا موافقيهم على هذا الكفر أعظم قدرا من أولئك المؤمنين الدين ليس لهم نصيب من قوله ^ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت الى قوله نصيرا ^ فإن سبب نزول هذه الآية ما فعله كعب بن الأشرف رئيس اليهود من تقديمه لدين المشركين على دين

المؤمنين لما كان بينه وبين المؤمنين من العداوة فمن آمن بالجبت وهو السحر والطاغوت وهو ما عظم بالباطل من دون الله تعالى مثل رؤساء المشركين وله من علوم المسلمين ما له ففيه شبه من ^ الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ^ الذين ^ يؤمنون بالجبت والطاغوت ^ وإذا كان هؤلاء يتعصبون لأولئك المشركين وينصرونهم ويذمون المؤمنين ويعيبونهم ألم يكن لهم نصيب من قوله تعالى ^ ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ^ فيكون لهم نصيب من قوله تعالى ^ أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ^ وتمام الكلام في قوله تعالى ^ ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ^ وهذه الآية مطابقة لحال هؤلاء كما بيناه في غير موضع # الوجه الثاني أن الاستدلال في توحيد الله تعالى الذي بعث به رسله وأنزل به كتبه بمثل كلام أبي معشر المنجم ونقله عن الأمم المتقدمة يليق بمثل الرازي وذويه أترى أبا معشر لو كان من علماء أهل الكتاب المسلمين كمن أسلم من الصحابة والتابعين ونقل لنا شيئا عن الأنبياء المتقدمين أكان يجوز لنا في الشريعة تصديق ذلك الخبر إذ لم نعلم صدقه من جهة أخرى إذا كان الناقل لنا إنما أخبره عن أهل الكتاب وفي الصحيح عن نبينا صلى الله عليه وسلم

أنه قال إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه وأما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوه فكيف وأبو معشر الناقل لذلك وإنما خبرة الرجل بكلام الصائبة المشركين عباد الكواكب ونحوهم وهم من أقل الناس خبرة ومعرفة بالتوحيد الذي بعث الله به رسله وبحال أهله المؤمنين مع الكفار المشركين # الوجه الثالث إن هذه الحكاية تقتضي أن الناس كانوا قبل ابتداع الشرك على المذهب الذي سماه مذهب المشبهة وأنهم كانوا حينئذ يعتقدون أن إله العالم نور عظيم فلما اعتقدوا ذلك اتخذوا وثنا كما ذكره فيكون هذا الاعتقاد وهو مذهب القوم في الدهر الأقدم قبل عبادة الأوثان ثم إنه بسبب هذا الاعتقاد استحسنوا عبادة الأوثان ومعلوم أن الناس كانوا قبل الشرك على دين الله وفطرته التي فطر الناس عليها وهي دين الإسلام العام الذي لا يقبل الله من أحد غيره كما قال تعالى ^ وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم ^ وقال تعالى ^ كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ^ وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلها على الإسلام وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر في حديث الشفاعة عن نوح قول أهل الموقف له وأنت أول نبي بعثه الله إلى أهل الأرض وقد قال تعالى ^ ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ^ ^ فإذا كان الله قد بعث في كل أمة رسولا يدعوها إلى عبادة الله وحده لا شريك له واجتناب الطاغوت ونوح أول من بعثه الله تعالى إلى أهل الأرض علم أنه لم يكن قبل قوم نوح

مشركون كما قال ابن عباس وإذا كان كذلك وأولئك على الإسلام ومذهبهم هو المذهب الذي سماه مذهب المشبهة ثبت بموجب هذه الحكاية أن هذا هو مذهب الأنبياء والمرسلين والمسلمين من كل أمة # الوجه الرابع إن في هذه الحكاية إنهم اشتغلوا بعبادة هذه الأوثان على اعتقاد انهم يعبدون الإله والملائكة وقد ذكر الله تعالى قول المشركين في كتابه الذين جعلوا معه إلها آخر فلم يذكر أنهم كانوا يعتقدون أنهم يعبدون الله إذا عبدوا الأوثان ولكن ذكر أنهم اتخذوا هذه الأوثان شفعاء وذكر أنهم قالوا إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى ولكن في هؤلاء الجهمية الاتحادية من يقول إن عباد الأوثان ما عبدوا إلا الله تعالى وأن عابد الوثن هو العابد لله كما ذكرنا ذلك فيما تقدم عن صاحب الفصوص وذويه وهو من رؤساء هؤلاء الجهمية وأئمتهم # الوجه الخامس أن عبادة الأوثان إنما هي مشهورة ومعروفة عن نفاة الصفات من الفلاسفة الصابئين سلف أبي معشر والرازي وذويهم مثل النمرود بن كنعان وقومه أعداء الخليل عليه الصلاة والسلام وأتباعه وأولياء رهط أبي معشر ومثل فرعون عدو موسى كليم الرحمن عز وجل وأتباعه وأولياء الجهمية نفاة الصفات ومن يدخل فيهم من الاتحادية والقرامطة وكما صرح بعضهم بموالاته فرعون وتعظيمه كما فعل صاحب البلاغ الأكبر والناموس الأعظم

الذي صنفه للقرمطة وكما فعله صاحب الفصوص وذويه ومن لم يصرح بموالاة فرعون ولم يعتقد موالاته فإنه موافق له فيما كذب فيه موسى حيث قال يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فاطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا قال خلائق من العلماء وممن قال ذلك أبو الحسن الأشعري إمام طائفة الرازي قال فرعون كذب موسى في قوله إن الله فوق السموات وهؤلاء النفاة يوافقون فرعون في هذا التكذيب لموسى # الوجه السابع إن القول الذي يسمونه مذهب المشبهة بل التشبيه الصريح لا يوجد إلا في أهل الكتب الالهية كاليهود والمسلمين كما ذكر الرازي ذلك عن مشبهة اليهود ومشبهة المسلمين ومن ليس له كتاب فلا يعرف عنه شئ من التشبيه الذي يعير أهله بأنه تشبيه أو الذي يقول منازعوهم إنه تشبيه ومن المعلوم أن أصل الشرك لم يكن من أهل الكتب وإنما كان من غيرهم فإن الله لم يبعث رسولا ولم ينزل كتابا إلا بالتوحيد كما قال تعالى ^ ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن أعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة ^ وقال تعالى ^ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فأعبدون ^ وقال تعالى ^ وأسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ^ وقال تعالى ^ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتني إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب ^ وقال تعالى ^ أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ^ وقال

^ ياأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعلمون عليم وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فأتقون ^ # ولم يحدث في أهل الكتب وأتباع الرسل من العرب وبني إسرائيل وغيرهم شرك إلا مأخوذ من غير أهل الكتاب كما ابتدع عمرو بن لحي بن قميثة سيد خزاعة الشرك في العرب الذين كانوا على ملة إبراهيم إمام الحنفاء ابتدعه لهم بأوثان نقلها من الشام من البلقاء التي كانت إذ ذاك دار الصابئة المشركين سلف أبي معشر وذويه وكذلك بنو إسرائيل عبد منهم الأوثان كما ذكر الله ذلك في كتابه تعالى وتقدس وإنما حدث فيهم هذا من جيرانهم الصابئة المشركين سلف أبي معشر وذويه فإذا كان أصل المذهب الذي سموه مذهب التشبيه لا يعرف إلا عن من هو من أهل كتاب منزل من السماء وأهل الكتب لم يكونوا هم نواهم الذين ابتدعوا الشرك أولا علم أن الشرك لم يبتدعه أولا القوم الذين سماهم أهل التشبيه # الوجه الثامن أنه إذا كان الإشراك متضمنا لما سماه تشبيها فمن المعلوم أن المرسلين كلهم ليس فيهم من تكلم بنقيض هذا المذهب ولا نهى الناس عن هذا الذي سماه تشبيها فليس في القرآن عن محمد صلى الله عليه وسلم ولا عن المرسلين المتقدمين ولا في التوراة والأنجيل وغيرهما من الكتب ولا في الأحاديث المأثورة عن أحد من المرسلين أنهم نهوا المشركين أو غيرهم أن يقولوا إن الله تعالى فوق السموات أو فوق العرش أو فوق العالم أو أن يصفوه بالصفات الخبرية التي يسميها هؤلاء تشبيها بل ولا عنهم حرف واحد بأن الله ليس

بداخل العالم ولا خارجه ولا يشار إليه ولا ليس بجسم ولا جوهر ولا متحيز ولا نحو ذلك فإن كان الشرك متضمنا لما سموه تشبيها والرسل لم تنه عما سموه تشبها ولا ذموه ولا أنكروه ولا تكلموا بما هو عند هؤلاء توحيد وتنزيه ينافي هذا التشبيه عندهم أصلا ثبت أن المرسلين صلوات الله عليهم وسلامه كلهم كانوا مقررين لهذا الذي سموه تشبيها وذلك يقتضي أنه حق فهذا النقل الذي نقله أبو معشر واحتج به الرازي إن كان حقا فهو من أعظم الحجج على صحة مذهب خصومهم الذين سموهم مشبهة وإن لم يكن حقا فهو كذب فهم إما كاذبون مفترون وأما مخصومون مغلوبون كاذبون مفترون في نفس المذهب الذي انتصروا عليه # الوجه التاسع أن الشرك كان فاشيا في العرب ولم يعلم أحد منهم كان يعتقد أن الوثن على صورة الله وقبلهم كان في أمم كثيرة وله أسباب معروفة مثل جعل الأوثان صورا لمن يعظمونه من الأنبياء والصالحين وطلاسم لما يعبدونه من الملائكة والنجوم ونحو ذلك ولم يعرف عن أحد من هؤلاء المشركين أنه اعتقد أن هذا الوثن صورة الله والشرك في أيام الاسلام ما زال بأرض الهند والترك فاشيا والهند فلاسفة وهم من أعظم سلف أبي معشر ومع هذا فليس في الهند والترك من يقول هذا فعلم أن هذا أول مفترى # الوجه العاشر لو كان هذا من أسباب الشرك فمن المعلوم أن غيره من أسباب الشرك أعظم وأكثر وأن الشرك في غير هؤلاء الذي سماهم مشبهة أكثر فإن كان الشرك في بعض مثبتة هذه الصفات عيبا فالشرك في غيرهم أكثر وأكثر كان الطعن والعيب على نفاة الصفات بما يوجد فيهم من الشرك أعظم وأكبر

# الوجه الحادي عشر قوله فثبت أن دين عبادة الأصنام كالفرع على مذهب الشبهة كلام مجمل فإن من الفرع ما يكون لازما لأصله فإذا كان الأصل مستلزما لوجود الفرع الفاسد كان فساد الفرع وعدمه دليلا على فساد الأصل وعدمه ومن الفروع ما يكون مستلزما للأصل لا يكون لازما له وهو الغالب فلا يلزم من فساده وعدمه فساد الأصل وعدمه ولكن يلزم من فساده وعدمه فساد هذا الفرع وعدمه # فالأول كما قال تعالى ^ ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة كيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار ^ فالكلمتان كلمة الأيمان واعتقاد التوحيد وكلمة الكفر واعتقاد الشرك فلا ريب أن الاعتقادات توجب الأعمال بحسبها فإذا كان الاعتقاد فاسدا أورث عملا فاسدا ففساد العمل وهو الفرع يدل على فساد أصله وهو الاعتقاد كذلك الأعمال المحرمة التي تورث مفاسد كشرب الخمر الذي يصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة ويوقع العداوة والبغضاء فهذه المفاسد الناشئة من هذا العمل هي فرع لازم للأصل ففسادها يدل على فساد الأصل وهكذا كل أصل فهو علة لفرعه وموجب له # وأما القسم الثاني فالأصل الذي شرطا لا يكون علة كالحياة المصححة للحركات والإدراكات وأصول الفقه التي هي العلم بأجناس أدلة الفقه وصفة الاستدلال ونحو ذلك فهذه الأصول لا تستلزم وجود الفروع وإذا كان الفرع فاسدا لم يوجب ذلك فساد أصله إذ قد يكون فساده من جهة أخرى غير جهة الأصل وذلك نظير تولد الحيوان بعضه من بعض فالوالدان

أصل للولد والله تعالى وتقدس يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي فالكافر يلد المؤمن والمؤمن يلد الكافر # وإذا كان كذلك فمن المعلوم أن اعتقاد ثبوت الصفات بل اعتقاد التشبيه المحض ليس موجبا لعبادة الأصنام ولا داعيا إليه وباعثا عليه أكثر ما في الباب أن يقال اعتقاد أن الله تعالى وتقدس مثل البشر يمكن معه أن يجعل الصنم على صورة الله بخلاف من لم يعتقد هذا الاعتقاد فإنه لا يجعل الصنم على صورة الله تعالى فيكون ذلك الاعتقاد شرطا في اتخاذ الصنم على هذا الوجه وهذا القدر إذا صح لم يوجب فساد ذلك الاعتقاد بالضرورة فإن كل باطل في العالم من الاعتقادات والإرادات وتوابعها هي مشروطة بأمور صحيحة واعتقادات صحيحة ولم يدل فساد هذه الفروع المشروطة على فساد تلك الأصول التي هي شرط لها فإن الإنسان لا يصدر منه عمل إلا بشرط كونه حيا قادرا شاعرا ولم يدل فساد ما يفعله من الاعتقادات والارادات على فساد هذه الصفات # والذين أشركوا بالله تعالى وتقدس وعبدوا معه إلها آخر كانوا يقولون إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى ويقولون هم شفعاؤنا عند الله ويعتقدون أن الله يملكهم كما كانوا يقولون في تلبيتهم لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك وقد قال تعالى ^ ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما تملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم ^ وقد أخبر عنهم سبحانه وتعالى بقوله تعالى ^ ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ^ وقال ^ قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون قل من بيده ملكوت كل شئ

وهو يجير ولا يجار عليه أن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون ^ وقال تعالى ^ وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ^ قال عكرمة يؤمنون أنه رب كل شئ وهم يشركون به # فإذا كانوا إنما أشركوا به لاعتقادهم أنه رب كل شئ وملكيه وأن هذه الشفعاء والشركاء ملكه وآمنوا بأنه رب كل شئ ثم اعتقدوا مع ذلك أن عبادة هذه الأوثان تنفعهم عنده فهل يكون ما ابتدعوه من الشرك الذي هو فرع مشروط بذلك الأصل قادحا في صحة ذلك الأيمان والإقرار الحق الذي قالوه # الوجه الثاني عشر إن الذين أشركوا بالله تعالى حقيقه من عباد الشمس والقمر والكواكب والملائكة والأنبياء والصالحين والذين اتخذوا أوثانا لهذه المعبودات إنما فعلوا ذلك لاعتقادهم وجود االشمس والقمر والكواكب والملائكة والأنبياء واعتقادهم ما تفعله من الخير تشبيها فهل يكون إشراكهم بها قادحا في وجودها وفي اعتقاد ما هي متصفة أم لا فإن كان كذلك فيلزم أبا معشر والرازي أن يقدحوا في العلوم الطبيعية والرياضية ويقدحوا في الملائكة والنبيين وإن لم يكن كذلك كان ما ذكره من الحجة باطلا # الوجه الثالث عشر قوله فثبت أن دين عبادة الأصنام كالفرع على مذهب المشبهة # يقال له الثبوت إنما يكون بذكر حجة عقلية أو سمعية وهب ما ذكره أبو معشر إنما هو خبر عن أمم متقدمين لم يذكرهم ولم يذكر إسناده في معرفة ذلك وليس أبو معشر من يحتج بنقله في الدين بإجماع أئمة الدين فإنه

إن لم يكن كافرا منافقا كان فاجرا فاسقا وقد قال الله تعالى وتقدس ^ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ^ فلو قدر أن هذا النقل نقله بعض أئمة التابعين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن هذا خبرا مرسلا لا يثبت به حكم في فرع من الفروع فكيف والناقل له مثل أبي معشر عن أمم متقدمة فهذا خبر في غاية الانقطاع ممن لا تقبل روايته فهل يحسن بذي عقل أو دين أن يثبت بهذا شيئا في أصول الدين # ومن العجب أن هذا الرجل المحاد لله ولرسوله عمد إلى الأخبار المتفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي توارثها عنه أئمة الدين وورثة الأنبياء والمرسلين واتفق على صحتها جميع العارفين فقدح فيها قدحا يشبه الزنادقة المنافقين ثم يحتج في أصول الدين بنقل أبي معشر أحد المؤمنين يالجبت والطاغوت أئمة الشرك والضلال نعوذ بالله من ششرورهم وأقوالهم والله المستعان على ما يصفون والله سبحانه وتعالى أعلم
فصل # قال الرازي الفصل الثاني في تقرير الدلائل السمعية على أنه تعالى منزه عن الجسمية والحيز والجهة # قلت لم يذكر في هذا الفصل حجة تدل على مطلوبه دلالة ظاهرة فضلا عن أن تكون نصا بل إما أن يكون ما ذكره عديم الدلالة على مطلوبه أو يكون على نقيض مطلوبه أدل منه على مطلوبه وذلك يتبين بذكر حججه

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:09 AM

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:10 AM
# أحدها أنه قال الجسم أقله أن يكون مركب من جوهرين وذلك ينافي الوحدة وقوله أحد مبالغة في الوحدانية فكان قوله أحد منافيا للجسمية # يقال له هذا يقتضي أن شيئا مما يقال له جسم لا يوصف بالوحدة حيث قلت إن الجسم مركب وذلك ينافي الوحدة ومعلوم أن هذا خلاف

ما في الكتاب والسنة وخلاف لغة العرب قال الله تعالى ^ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ^ ومعلوم أن النفس الواحدة التي خلق منها زوجها هو آدم وحواء خلقت من ضلع آدم القصيراء من جسده خلقت لم تخلق من روحه حتى يقول القائل الوحدة هي باعتبار النفس الناطقة التي لا تركيب فيها وإذا كانت حواء خلقت من جسد آدم وجسد آدم جسم من الأجسام وقد سماها الله نفسا واحدة علم أن الجسم قد يوصف بالوحدة وأبلغ من ذلك ما ذكره الإمام أحمد وغيره من قوله ^ ذذرني ومن خلقت وحيدا ^ فإن الوحيد مبالغة في الواحد فإذا وصف البشر الواحد بأنه وحيد في صفة فأنه واحد أولى ومع هذا فهو جسم من الأجسام وقال تعالى ^ يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ^ فوصف المرأة بأنها واحدة وهذا جسم موصوف بالوحدة حيث لم يكن لها نظير في كونه بنتا لهذا الميت وقال تعالى ^ وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ^ وقال تعالى ^ ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا ^ الآيات وقال تعالى ^ قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه ^ والفرد والوتر من جنس لفظ الواحد وقد قال تعالى ^ ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة ^ وقال تعالى ^ ونرثه ما يقول ويأتينا فردا ^ وقال تعالى ^ فجاءت إحداهما تمشي على استحياء إلى قوله قالت يا أبت استأجره ^ وقد قال تعالى ^ بعثناهم ليتسألوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه ^ وقال تعالى ^ أيود أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا ^ وقال تعالى ^ واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين

من أعناب ^ وقال ^ وآتيتم أحداهن قنطارا ^ وقال تعالى ^ أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب ^ وقال تعالى ^ وإذا بشر أحدهم بالأنثى ^ في موضعين وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أيصلي الرجل في الثوب الواحد فقال اولكلكم ثوبان وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس عاتقه منه شيء بل في الصحيح من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يصلين أحدكم في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء وفي الصحيح عن عمر بن أبي سلمة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد مشتملا به وفي حديث المتلاعنين الذي في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما من تائب وفي الصحيح عن سلمان بن صرد قال استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعل أحدهما تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وفي حديث إبراهيم اللهم أنت واحد في السماء وأنا واحد في الأرض وفي الصحيح عن ابن عباس قال مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال إنهما يعذبان ومايعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستتر من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن أحدكم إذا قام إلى الصلاة فإنما يناجي ربه وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا أستيقظ أحدكم من نوم الليل فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فقضي بينهما ولد لم يضره الشيطان وفي الصحيحين عنه النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس وهو البخاري من حديث أبي برزة أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصصبح يقول لأصحابه هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا وفي الصحيحين

عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا تنخم أحدكم فلا يتنخمن قبل وجهه ولا عن يمينه وليبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى وفي لفظ البخاري إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصق أمامه وفي لفظ مسلم ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه فيتنخع أمامه أيحب أن يستقبل فينتخع في وجهه فإذا تنخع أحدكم وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا من خلق كذا حتى يقول من خلق ربك فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته وفي صحيح البخاري عن جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول إذا هم أحدكم بالأمر وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يستجاب لأحدكم ما لم يعجل وفيها أنه قال لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه وفي رواية لأن يأخذ وفي الصحيحين قال إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات فإن الشيطان يبيت على خياشيمه وفي الصحيحين أيضا أنه قال لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه وفيهما عن النبي صلى الله عليه وسلم وما تصدق أحد بصدقه من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه فإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوه وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال

إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستديرها وفي الصحيحين إنه قال إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض بداخله إزاره الحديث وفيهما إذا قاتل أحدكم فليتق الوجه وفيهما لا يقولن أحدكم أسق ربك وضيء ربك وفيهما أنه قال بئس ما لأحدكم أن يقول نسيت آية كيت وكيت بل هو نسي وفيهما لا يمشي أحدكم في نعل واحد وفيهما إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا وفيهما أنه قال مطل الغني ظلم وإذا اتبع أحدكم على مليء فليتبع وفيهما أنه قال إذا استأذن أحدكم أخاه أن يغرز خشبه في داره وفي الصحيحين لو اطلع في بيتك أحد ولم تأذن له فحذفته بحصاة فقأت عينه ما كان عليك جناح وفي الصحيحين عن أبي بكر قال قلت لرسول الله أينطلق أحدنا إلى منى ومذاكيره تقطر منيا وفي الصحيحين أيضا أنه قال لا يضربن أحدكم امرأته ضرب العبد ثم يجامعها بالليل وفي الصحيحين أنه قال لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه وفيهما أيضا أنه قال إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه ما لم يحدث وفي الصحيحين عنه أنه قال لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوما قبله أو بعده وفيهما أنه قال السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه وفي الصحيحين أنه قال لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة لاألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها يعار لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته لها صياح رقاق تحقق لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت وفيهما أنه قال أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام وفيهما أنه قال لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به وفيما أنه قال لقاب قوس أحدكم في الجنة خير مما تطلع عليه الشمس أو تغرب وفيهما أنه قال إذا صلى أحدكم للناس فليخفف وفيهما أنه قال

إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة بعشر أمثالها الحديث وفيهما أنه قال يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا نام ثلاث عقد وفيهما أنه قال إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من اسفل منه وفيهما في حديث داود فذهب الذئب بابن إحداهما وفيهما أنه قال نعم ما لأحدهم يحسن عبادة ربه وينصح لسيده وفيهما إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل وفي لفظ إذا أصبح أحدكم صائما وفيه فإن شاتمه أو قاتله أحد فليقل إني صائم وفيهما عن أبي هريرة اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر وفيهما عنه صلى الله عليه وسلم قال لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد وفيهما عنه أنه قال إذا قال أحدكم آمين وقالت الملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه وفي مسلم إذا ثوب بالصلاة فلا يسعى إليها أحدكم وفي الصحيحين عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو انفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا قام أحدكم يصلي جاءه الشيطان فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس # الوجه الثاني أن الاستدلال بالقرآن إنما يكون على لغة العرب التي أنزل بها بل قد نزل بلغة قريش كما قال تعالى ^ وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ^ وقال ^ بلسان عربي مبين ^ فليس لأحد يحمل ألفاظ القرآن على غير ذلك من عرف عام واصطلاح خاص بل لا يحمله إلا على معاني عنوها بها إما من المعنى اللغوي أو أعم أو مغايرا له لم يكن له أن يضع القرآن

على ما وضعه هو بل يضع القرآن على مواضعه التي بينها الله لمن خاطبه بالقرآن بلغته ومتى فعل غير ذلك كان ذلك تحريفا للكلام عن مواضعه ومن المعلوم أنه ما من طائفة إلا وقد تصطلح على ألفاظ يتخاطبون بها كما أن من المتكلمين من يقول الأحد هو الذي لا ينقسم وكل جسم منقسم ويقول الجسم هو مطلق المتحيز القابل للقسمة حتى يدخل في ذلك الهواء وغيره لكن ليس له أن يحمل كلام الله وكلام رسوله إلا على اللغة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب بها أمته وهي لغة العرب عموما ولغة قريش خصوصا # ومن المعلوم المتواتر في اللغة الشائع بين الخاص والعام أنهم يقولون درهم واحد ودينار واحد ورجل واحد وامرأة واحدة وشجرة واحدة وقرية واحدة وثوب واحد وشهرة هذا عند أهل اللغة شهرة سائر ألفاظ العدد فيقولون رجل واحد ورجلان اثنان وثلاثة رجال وأربعة رجال وهذا من أظهر اللغة واشهرها وأعرفها فكيف يجوز أن يقال أن الوحدة لا يوصف بها شيء من الأجسام وعامة ما يوصف بالوحدة في لغة العرب إنما هو جسم من الأجسام وتحريف هؤلاء للفظ الواحد كتحريفهم للفظ المثل كما نذكره إن شاء الله # الوجه الثالث أن أهل اللغة قالوا إسم الأحد لم يجئ اسما في الإثبات إلا لله لكنه مستعمل في النفي والشرط والاستفهام كقوله تعالى في نفس السورة التي ذكرها ^ ولم يكن له كفوا أحد ^ وكقوله تعالى ^ فليعما عملا صالحا ولا يشرك بعباده به أحد ^ وقال ^ وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا قل إنما أدعوا ربي ولا أشرك به أحدا قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا ^ وقال تعالى ^ قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك

رجلا لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا ^ وقال ^ وما لأحد عنده من نعمة تجزى ^ وقال تعالى ^ ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون ^ ^ ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك ^ وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا أحد أغير من الله وفي السنن من غير وجه أنه قال لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول بيننا وبينكم كتاب الله وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مأة مرة كتبت له مأة حسنة وحط عنه مئة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل قال مثل ما قال أو زد عليه وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة خطب الناس فقال إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمسلمين وإنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما حلت لي ساعة من نهار وفي رواية فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا إنما أحلها الله لرسوله ولم يحلها لك وفي الصحيحين أيضا عنه أنه قال أحلت لنا الغنائم ولم تحل لأحد قبلنا وقال النابغة % وقفت فيها أصيلانا أسائلها % % عيت جوابا وما بالربع من أحد % % إلا الأواري لأيامنا أبينها % % والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد %
# فلو كان لفظ الأحد لا يقع على جسم أصلا لكان التقدير ولم يكن ما ليس بجسم كفوا له وهذا عنده ليس إلا الجوهر الفرد عند من يقول به فيكون المعنى لم يكن الجوهر فرد كفوا له وأما سائر الموجودات فلم ينف مكافأتها له ولا أشرك بربي ما ليس بجسم ولن يجيرني من الله ما ليس

بجسم ومعلوم أن عامة ما يعلم من القائمة بأنفسها هي أجسام كأجسام بني آدم وغيرهم والأرواح تدخل في مسمى ذلك عند عامة المسلمين وإن لم تدخل عند بعضهم ومن المعلوم أن الله لم ينه عن أن يشرك به ما ليس بجسم فقط بل نهيه عن أن يشرك به الأجسام أيضا لا سيما وعامة ما أشرك به من الأوثان والشمس والقمر والنجوم إنما هي أجسام # وفي السنن حديث أبي بكر الصديق لما أستأذنه أبو بردة في قتل بعض الناس فقال إنها لم تكن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة وفي لفظ لن ينجو أحد منكم بعمله وفيهما أنه قال غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه لا يتبعني رجل ملك امرأة وهو يريد أن يبني بها ولا أحد بنى بيوتا ولم يرفع سقوفها ولا أحد اشترى غنما أو خلفات وهو ينتظر أولادها وفيهما أنه قال ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه حاجب أو ترجمان وفي الصحيحين أن الأقرع ابن حابس قال للنبي صلى الله عليه وسلم أن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا وفي الصحيحين أنه قال لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة # الوجه الرابع أن قوله لأن الجسم أقله أن يكون مركب من جوهرين هذا إنما يتم على رأي المثبتين للجوهر الفرد وإلا فنفاته عندهم الجسم في نفسه واحد بسيط ليس مركبا من الجواهر المنفردة وهذا المصنف قد صرح في أشرف كتبه عنده أن هذه المسألة متعارضة من الجانبين وهو لما أقام أدلته على إثبات الجوهر الفرد في هذا الكتاب في مسألة المعاد وزعم أنها قاطعة ثم ذكر المعارضات قال في الجواب أما المعارضات التي ذكروها فأعلم إنا نميل إلى التوقف

في هذه المسألة بسبب تعارض الأدلة فإن إمام الحرمين صرح في كتاب التلخيص في أصول الفقه أن هذه المسألة من محارات العقول وأبو الحسين البصري وهو أحذق المعتزلة توقف فيها منحن أيضا نختار التوقف فإذن لا حاجة بنا إلى جواب عما ذكره # فإذا كان أذكى المتأخرين من الأشعرية النافية للصفات الخبرية وأمامهم وهو أبو المعالي وأذكى متأخري المعتزلة وهو أبو الحسين وابن الخطيب إمام متبعيه توقفوا في كون الجسم هل هو مركب من الجواهر المنفردة التي لا تنقسم أم ليس مركبا منها كانت هذه المقدمة التي استدل بها مما لا يعلم صحتها أفاضل الطوائف المتبوعين الموافقين له فقوله بتسليمهم ذلك حجة فاسدة وأقل ما في ذلك أن هذه المقدمة ممنوعة فلا يسلم له منازعوه أن الجسم أقله أن يكون مركبا من جوهرين والنزاع في ذلك بين أهل الكلام بعضهم مع بعض وبين المتفلسفة أيضا مشهور وهو لم يذكر حجة على كونه مركبا فلا يكون قد ذكر دليلا أصلا # فإن قيل نفاة الفرد يقولون أنه يقبل التقسيم والتجزئ إلى غير غاية فما من جزء إلا وهو يحتمل التقسيم فيكون عدم الوحدة في الجسم أبلغ على قولهم # قيل هؤلاء أن قالوا أن لفظ الواحد لا يقال إلا على ما لا يقبل القسمة وعندهم كل شئ قابل للقسمة فهذا اللفظ عندهم ليس له مسمى معلوم متفق عليه أصلا إذ مورد النزاع فيه من الخفاء والنزاع ما لا يصلح أن يكون اللفظ مختصا

به إذ اللفظ المشهور بين العامة والخاصة لا يكون مسماه ما قد تنازع الناس في إثباته ولا يعلم إلا بدقيق النظر إن سلم ثبوته # وأيضا فهؤلاء يصرحون بأن الجسم في نفسه واحد بسيط ليس مركبا من جوهرين ولا من جواهر وإذا كانوا يصفونه بالوحدة ويمنعون أن يكون مركبا لا من جوهرين امتنع أن تصح هذه الحجة على أصلهم # فهذه الوجوه الأربعة تبين بطلان ما ذكره من دلالة اسم الأحد على نفي كونه جسما # الوجه الخامس إن الجسم إما أن يكون مركبا من الجواهر المنفردة وأقل ما يترتب من جوهرين أو لا يكون فإن كان الأول صحيحا بطلت الحجة الثانية التي ذكرها على نفي كونه جوهرا فإنها مبنية على أن الجسم ليس أقله أن يكون مركبا من جوهرين وإن كان باطلا فسدت هذه الحجة التي نفى بها كونه جسما فثبت بطلان إحدى الحجتين وبقيت الحجة الثالثة التي ذكرها لنفي الجوهر الفرد وسنتكلم عليها إن شاء الله # وذلك أن الجسم إن كان أقله مركبا من جوهرين فالجوهر ليس بمنقسم بل هو فرد فلا تصح تلك الحجة وإن لم يكن أقله مركبا من جوهرين بطلت هذه الحجة فبطلت إحدى الحجتين إما التي نفى بها التجسيم أو التي نفى بها الجوهر ويلزم من بطلان إحداهما بطلان الأخرى # الوجه السادس أن يقال ما ذكرته في منع الجوهر الفرد وأن كل متحيز فهو منقسم قد اعترفت بأن هذه الحجة مكافئة لنظيرها ولم تعلم الحق في ذلك

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:10 AM
# ثم يقال قولك وثبت أن كل منقسم فهو ليس بأحد هذا لا يصح على قول هؤلاء فأنتم تقولون الجسم واحد في نفسه كما أنه واحد في الحس وهو واحد مستقل ليس مركبا من الجواهر المنفردة فتصفونه بالوحدة وإن قالوا أنه قابل للانقسام فقبوله للإنقسام عندهم لا يمنع وصفه بالوحدة عندهم و تسميتهم إياه واحدا بل يصفون بالوحدة ما هو أبلغ من ذلك فيقولون واحد واحد بالجنس وواحد بالنوع وواحد بالشخص # الوجه السابع أن يقال قولك وثبت أن كل منقسم فهو ليس بأحد لم تذكر على هذا دليلا أصلا لا بينة ولا شبهة وهو لم يذكر قبل هذا إلا أن الجسم مركب من جوهرين وقال وذلك ينافي الوحدة وتلك أيضا دعوى لم تقم عليها دليلا ولو ثبت ذلك في ما هو مركب بالفعل لم يثبت فيما هو قابل للقسمة فإن هذا ليس فيه من التعدد ما في ذلك المركب فكيف إذا لم تذكر حجة على شيء من ذلك فأين هذا الثبوت الذي أحال عليه والشيء لا يقال فيه ثبت إلا إذا كان معلوما بالبديهة أو قد أقيمت عليه حجة # الوجه الثامن إن طوائف كثيرة من أبناء جنسك المتكلم من الأولين والآخرين يقولون إنه لا موجود إلا جسم أو ما قام به أولا موجود إلا الجسم فقط وأنه لا يعقل موجود إلا كذلك فهؤلاء عندهم إذا فسرت الأحد بما ليس بجسم ولا جوهر يقولون لك فسرته بالمعدوم مثل أن تفسره بما لا يقوم بنفسه أو بغيره أو تفسره بما ليس بخالق ولا مخلوق أو تفسره بما ليس بقديم ولا محدث فتحتاج أولا أن تثبت وجود موجود غير الجسم ليمكنك تفسير لفظ الأحد به وإذ كانت حجتك موقوفة على هذه المقدمة فلو ثبتت هذه المقدمة استغنيت عن هذه الأدلة التي ذكرت إنها سمعية لا تتم

# الوجه التاسع أن يكون لفظ الأحد لا يقال على الجسم والجوهر ليس نصا في اللغة ولا ظاهرا بل إن كان صحيحا فإنما يعلم بهذه المقدمات الخفية التي فيها نزاع عظيم بين أهل الأرض ومعلوم إن إفهام المخاطبين بمثل هذه الطريق لا يجوز وليس هذا من البلاغ المبين الذي وصف الله به الرسول وقد وصف كتابه بأنه بيانا للناس وليس هذا من البيان في شيء لا سيما والقوم كانوا يستعملون لفظ الواحد والأحد في كلامهم وهم لا يعلمون إلا الجسم أو ما قام به لا يطلقون هذا اللفظ إلا على ذلك فإذا قصد بهذا اللفظ أن يبين لهم أن معناه لا يكون جسما كانوا قد خوطبوا بنقيض معنى لغتهم ولو فرض أن لغتهم لا تنفي هذا فهي لا تدل عليه بالمطابقة ولا بالتضمن ولا بالالتزام الظاهر بل بلزوم خفي لا يصلح مثله لدلالة اللفظ فإنه يحتاج أن يقال لهم لفظ الأحد والواحد ينفي العدد فهذا ظاهر ثم يقال لهم وكل ما ترونه وتعلمونه من الموجودات فليس هو واحدا لأن يمينه ليست بيساره وأعلاه ليس هو أسفله وكل ما يتميز منه شيء عن شيء فليس هو بواحد ولا أحد ومعلوم أن هذا لا يخطر ببال عامة الخلق بل لا يتصوره إلا بعد كلفة وشدة وإذا تصوروه أنكرته فطرتهم وأنكروا أن يكون هذا لسانهم الذي خوطبوا به واستلزم ذلك أن يقال الشمس ليست واحدة والقمر ليس واحدا وكل كوكب من هذه الكواكب ليس واحدا وكل سماء من السموات ليست واحدة وكل إنسان ليس بواحد وكل عين ويد ورجل وحاجب وأنف وسن وشفة ورأس وشجرة وورقة وثمرة وغير ذلك ليس واحدا إذ هذا جميعه يميز جانب منه عن جانب وأعلاه عن أسفله # الوجه العاشر أن هذه الحجة يحتج بها نفاة الصفات بأسرها الذين يقولون ليس الله علم ولا قدرة ولا حياة فإن تعدد الصفات يمنع أن يكون الموصوف بها

أحدا وينافي الوحدة لأن هناك عددا من الصفات والوحدة تنافي العدد ولذا احتج الجهمية المحضة بهذه الحجة كما ذكره الإمام أحمد وغيره وهذا المستدل ! هو ممن يثبت الصفات في الجملة ويقول بإثبات الصفات السبع من الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة فإن كانت هذه الحجة صحيحة لزم إبطال مذهبه ذاك وإن كانت باطلة لزم بطلان هذا الاستدلال وما كان جوابه عن استدلال نفاة الصفات مطلقا بها كان جوابا لمنازعيه في إثبات العلو وما يتبعه بل ذلك يبطل استدلاله بذلك على المجسمة المحضة # الوجه الحادي عشر أن يقال أعظم الناس نفيا للصفات غلاة الفلاسفة والقرامطة وأئمتهم من المشركين الصابئين وغيرهم وهم لا بد إذا أثبتوا الصانع أن يثبتوا وجوده ويثبتوا أنه واجب الوجود غير ممكن الوجود وأن أبدع العالم سواء قالوا إنه علة أو والدا أو غير ذلك فمسمى الوجود إن كان هو مسمى الوجوب لزم أن يكون كل موجود واجبا بنفسه وهو خلاف المشهود بالإحساس وإن كان هذا المسمى ليس هذا المسمى ففيه معنيان وجود ووجوب ليس الوجوب مجرد عدم إذ هو توكيد الوجود والعدم المحض لا يؤكد بالوجود # فإن كان لفظ الأحد والواحد يمنع تعدد المعاني المفهومة الثبوتية بالكلية كما يزعم ابن سينا وذويه من مرتدة العرب المتبعين لمرتدة الصابئة إنه إذا كان واحدا من كل وجه فيه تعدد من جهة الصفة ولا من جهة القدر ويعبر عن ذلك بأنه ليس فيه أجزاء حد ولا أجزاء كم لزم أن يكون الوجوب والوجود والإبداع معنى واحد وهو معلوم الفساد بالبديهة وإن كان

هو نفسه مقسما بالأحد والواحد مع ثبوت هذه المعاني المتعددة علم أن هذا الاسم لا يوجب نفي الصفات بل هو سبحانه أحد واحد لا شبيه له ولا شريك وليس كمثله شيء بوجه من الوجوه وكذلك هو أيضا ذات وهو قائم بنفسه باتفاق الخلائق كلهم وسائر الذوات وكل ما هو قائم بنفسه يشاركه في هذا الاسم ومعناه كما يشاركه في اسم الوجود ومعناه وهو سبحانه يتميز عن سائر الذوات وسائر ما هو قائم بنفسه بما هو مختص به من حقيقته التي تميز بها وانفرد واختص عن غيره كما تميز بوجوب وجوده وخصوص تلك الحقيقة ليس هو المعنى العام المفهوم من القيام بالنفس ومن الذوات كما أن خصوص وجوب الوجود ليس هو المعنى العام المفهوم من الوجود فسواء سمى المسمي هذا تعادا أو تركيبا أو لم يسمه هو ثابت في نفس الأمر لا يمكن دفعه والحقائق الثابتة لا تدفع بالعبارات المجملة المبهمة وأن شنع بها الجاهلون # الوجه الثاني عشر قوله أن مثبتة الجوهر الفرد يمكنهم الاحتجاج بهذه الآية على نفي كونه جوهرا فردا من وجه آخر وهو أن الأحد كما يراد به نفي التركيب والتأليف في الذات فقد يراد به نفي الضد والند ولو كان تعالى جوهرا فردا لكان كل جوهر فرد كفوا له # يقال هذه الدلالة مشتركة بين جميع الناس نفاة الجوهر وغيرهم فكل أحد يمكنه من ذلك ما أمكن هؤلاء # وأيضا فالمطلوب بهذا الدليل وهو نفي كونه جوهرا فردا أمر متفق عليه بين الخلائق كلهم بل هو معلوم بالضرورة العقلية أن رب السموات والأرض ليس في القدر بقدر الجوهر الفرد فإنه عند مثبتيه أمر لا يحسه أحد من حقارته


فهو أصغر من الذرة والهباه وغير ذلك فكيف يخطر ببال أحد أن رب العالمين بهذا القدر حتى يحتاج هذا إلى دليل على نفيه ولا ريب أن كونه واحدا يمنع أن يكون له شبيه وكذلك قوله ^ لم يكن له كفوا أحد ^ يمنع الكفؤ فيمنع أن يكون من الجواهر المتماثلة لكن هذه الدلالة إنما تتم إذا كانت الجواهر المنفردة في حقائقها # الوجه الثالث عشر قوله وإذا ثبت أنه ليس بجسم ولا جوهر وجب أن لا يكون في شيء من الأحياز والجهات # يقال له هذا مما ينازعك فيه كثير من أصحابك وغيرهم من متكلمي الصفاتية ويقولون قد يكون في الجهة ما ليس بجسم وهذا هو الذي سلمته لهم في أشرف كتبك وهو نهاية العقول قال المسألة الثالثة في أنه تعالى ليس في الجهة وقبل الخوض في الاستدلال لا بد من البحث عما لا يكون جسما هل يمكن بعقل حصوله في الجهة أم لا فإن لم يعقل حصوله كانت الدلالة على نفي الجسمية كافية في نفي الجهة قال وزعم من أثبت الجهة ونفي الجسمية أنا نعلم بالضرورة اختصاص الأكوان بالجهات المخصوصة مثل الكون القائم بأعلى الجدار والكون القائم بأسفله ولا يضرنا في ذلك ما يقال الأكوان إنما تحصل في الجهات على طريق التبعية لمحلها لأنا نقول الحصول في الجهة أعم من الحصول في الجهة بالاستقلال أو التبعية وتسليم الخاص يتضمن تسليم العام فإذا سلمتم اختصاص الأكوان بالجهات على سبيل التبعية فقد سلمتم اختصاص

الأكوان بالجهات ومتى ثبت ذلك أنه لا يلزم من نفي كون الشيء جسما نفي اختصاصه بالحيز والجهة # قال وإذا ثبت ذلك وجب علينا بعد الفراغ من نفي الجسمية عن الله إقامة الدليل على نفي حصوله في الحيز والجهة ثم احتج على ذلك بما تكلمنا عليه في موضعه لما ذكرناه # فهذا الكلام وإن كان لمن قال بالأول أن يقول يلزم من نفي كون الشيء جسما أو قائما بجسم نفي اختصاصه بالحيز والجهة لكن المقصود هنا أن كثيرا من الصفاتية أهل الكلام كأبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب وأبي الحسن الأشعري وغيرهم من أئمة الصفاتية المتكلمين من يقول ليس بجسم ولا جوهر ويقول مع ذلك إنه فوق العرش كما قرروه في كتبهم لكن من هؤلاء من يطلق لفظ الجهة ومنهم من لا يطلق لفظ الجهة ولفظ الحيز وهذا قول طوائف من الفقهاء أهل المذاهب الأربعة ومن الصوفية وأهل الحديث وغيرهم يجمعون بين نفي الجسم وبين كونه نفسه فوق العرش # قال أبو عبد الله الرازي واعلم أنه تعالى كما نص على أنه تعالى واحد فقد نص على البرهان الذي لأجله يجب الحكم بأنه أحد وذلك أنه قال ^ هو الله أحد ^ وكونه إلها يقتضي كونه غنيا عما سواه وكل مركب فإنه مفتقر إلى كل واحد من أجزائه وكل واحد من أجزائه غيره فكل مركب فهو مفتقر إلى غيره وكونه إلها يمنع من كونه مفتقرا إلى غيره وذلك يوجب القطع بكونه أحدا وكونه أحدا يوجب القطع بأنه ليس بجسم ولا جوهر ولا في حيز وجهة فثبت

أن قوله تعالى ^ هو الله أحد ^ برهان قاطع على ثبوت هذه المطالب # قال الشيخ رحمه الله مضمون هذه الحجة الاحتجاج بما في أسمائه من الدلالة على لفظ الغنى على عدم هذه الصفات وقال إن ثبوت ما أثبته الدليل من هذه الصفات لم يوجب حاجة الرب إليها وقال أيضا إن هذه الحجة من جنس حجة الجهمية المحضة على نفي الصفات بأنه لو كانت له علم وقدرة وحياة لكان محتاجا في أن يعلم ويقدر ويتكلم إلى علم وقدرة وكلام وقال إن الغني الصمد هو غني عن مخلوقاته ومصنوعاته لا يصح أن يقال هو غني عن نفسه وذاته وقال إن المخلوق إذا صح تسميته بأنه غني وأنه صمد مع ماله من الصفات ولا ينافي ذلك إطلاق هذا الاسم كيف يصح أن يقال إن تسمية الخالق بهذه الأسماء ينافي هذه الصفات # وقال الشيخ رحمه الله ومعنى المركب عندهم أعم من معناه في اللغة فإن المركب والمؤلف في اللغة ما ركبه مركب وألفه مؤلف كالأدوية من المعاجين والأشربة ونحو ذلك وبالمركب ما ركب على غيره أو فيه كالباب المركب في موضعه ونحوه ومنه قوله تعالى ^ في أي صورة ما شاء ركبك ^ وبالتأليف التوفيق بين القلوب ونحو ذلك ومنه قوله تعالى ^ والمؤلفة قلوبهم ^ وقوله ^ وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم أنه عزيز حكيم ^ وقوله ^ إذ كنتم أعداءا فألف بين قلوبكم ^

وللناس اصطلاحات في المؤلف والمركب كما للنحاة اصطلاح فقد يعنون بذلك الجملة التامة وقد يعنون ما ركب تركيب مزج كبعلبك وقد يعنون به المضاف وما يشبهه وهو ما ينصب في النداء وللمنطقيين ونحوهم من أهل الكلام اصطلاحات آخر يعنون به ما دل جزؤه على جزء معناه فيدخل في ذلك المضاف إذا قصد به الإضافة دون العلمية ولا يدخل فيه بعلبك ونحوه ومنهم من يسوي بين المؤلف والمركب ومنهم من يفرق بينهما وهذا كله تأليف في الأقوال وأما التأليف في الأعيان فأولئك إذا قالوا أن الجسم هو المؤلف والمركب لا يعنو به ما كان مفترقا فاجتمع ولا ما يقبل التفريق بل يعنون به ما تميز منه جانب عن جانب كالشمس والقمر وغيرهما من الأجسام وأما المتفلسفة فالمؤلف والمركب عندهم أعم من هذا يدخلون في ذلك تأليفا عقليا لا يوجد في الأعيان ويدعون أن النوع تؤلف من الجنس والفصل فإذا قلت الإنسان حيوان ناطق قالوا إن الإنسان مؤلف من هذين وإنما هو موصوف بهما # وأما لفظ الجسم فإن الجسم عند أهل اللغة كما ذكره الأصمعي وأبو عبيد وغيرهما هو الجسد والبدن قال تعالى ^ وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم ^ وقال تعالى ^ وزاده بسطة في العلم والجسم ^ ^ فهو يدل في اللغة على معنى الكثافة والغلظ كغلظ الجسد ثم يراد به نفس الغليظ وقد يراد به غلظه فيقال لهذا الثوب جسم أي غلظ وكثافة ويقال هذا أجسم من هذا أي أغلظ وأكثف ثم صار لفظ الجسم في اصطلاح أهل الكلام أعم من ذلك فيسمون الهواء وغيره من الأمور اللطيفة جسما وإن كانت العرب لا تسمى هذا جسما وبينهم نزاع فيما يسمى جسما هل هو مركب من الجواهر المنفردة التي لا يتميز منها شيء إما جواهر متناهية كما يقول النظام والتزم الطفرة المعروفة بطفرة النظام أو هو مركب من المادة والصورة كما يقوله من يقوله من المتفلسفة أو ليس مركبا لا من هذا ولا من هذا كما


يقوله أكثر الناس وهو قول الهاشمية والكلابية والنجارية والضرارية وكثير من الكرامية على ثلاثة أقوال وكثير من الكتب ليس فيها إلا القولان الأولان والصواب أنه ليس مركبا لامن هذا ولا من هذا كما قد بسط في موضعه # والمقصود هنا بيان منشأ النزاع في مسمى الجسم والنظار كلهم متفقون فيما أعلم على أن الجسم يشار إليه وأن اختلفوا في كونه مركبا من الأجزاء المنفردة أو من المادة والصورة أولا من هذا ولا من هذا وقد تنازع العقلاء أيضا هل يمكن وجود موجود قائم بنفسه لا يشار إليه ولا يمكن أن يرى على ثلاثة أقوال فقيل لا يمكن ذلك بل هو ممتنع وقيل بل هو ممتنع في المحدثات الممكنة التي تقبل الوجود والعدم دون الواجب وقيل بل ذلك ممكن في الممكن والواجب وهذا قول بعض الفلاسفة ومن وافقهم من أهل الملل ومثبتو ذلك يسمونها المجردات والمفارقات وأكثر العقلاء يقولون إنما وجود هذه في الأذهان لا في الأعيان وإنما يثبت من ذلك وجود نفس الإنسان التي تفارق بدنه وتتجرد عنه # فإذا عرف تنازع النظار في حقيقة الجسم فلا ريب أن الله سبحانه ليس مركبا من الأجزاء المنفردة ولا من المادة والصورة ولا يقبل سبحانه التفريق والاتصال ولا كان متفرقا فاجتمع بل هو سبحانه أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فهذه المعاني المعقولة من التركيب كلها منتفية عن الله تعالى لكن المتفلسفة ومن وافقهم تزيد على ذلك وتقول إذا كان موصوفا بالصفات كان مركبا وإذا كانت له حقيقة ليست هي مجرد الوجود كان مركبا فيقول لهم المسلمون المثبتون للصفات النزاع ليس في لفظ المركب فإن هذا اللفظ إنما يدل على مركب ركبه غيره ومعلوم أن فلانا لا يقول أن الله تعالى مركب بهذا الاعتبار وقد يقال لفظ المركب على ما كانت أجزاؤه متفرقة فجمع إما جمع امتزاج وإما غير امتزاج كتركيب الأطعمة والأشربة

والأدوية والأبنية واللباس من أجزائها ومعلوم نفي هذا التركيب عن الله ولا نعلم عاقلا يقول أن الله تعالى مركب بهذا الاعتبار وكذلك التركيب بمعنى أنه مركب من الجواهر المنفردة أو من المادة والصورة وهو التركيب الجسمي وهذا أيضا منتف عن الله تعالى والذين قالوا أن الله جسم قد يقول بعضهم أنه مركب هذا التركيب وإن كان كثير منهم بل أكثرهم ينفون ذلك ويقولون إنما نعني بكونه جسما أنه موجود أو قائم بنفسه وأنه يشار إليه أو نحو ذلك لكن بالجملة هذا التركيب وهذا التجسيم يجب تنزيه الرب عنه # وأما كونه سبحانه ذاتا مستلزمة لصفات الكمال له علم وقدرة وحياة فهذا لا يسمى مركبا فيما يعرف من اللغات وإذا سمى هذا مركبا لم يكن النزاع معه في اللفظ بل في المعنى العقلي ومعلوم أنه لا دليل على نفي هذا كما قد بسط في موضعه بل الدلالة العقلية توجب إثباته ولهذا كان جميع العقلاء مضطرين إلى إثبات معن متعددة لله تعالى فالمعتزلي يسلم أنه حي عالم قادر ومعلوم أن كونه حيا ليس هو معنى كونه عالما ومعنى كونه عالما ليس معنى كونه قادرا والمتفلسف يقول إنه عاقل ومعقول وعقل ولذيذ ومتلذ ولذة وعاشق ومعشوق وعشق ومعلوم بصريح العقل أن كونه يحب ليس كونه محبوبا وكونه معلوما ليس معنى كونه عالما ومعنى كونه قادرا مؤثرا فاعلا وذلك هو نفس ذاته فيجعل العلم هو القدرة وهو الفعل وتجعل القدرة هي القادر والعلم هو العالم والفعل هو الفاعل وهذه الأقوال صريح العقل ومجرد تصورها التام يكفي في العلم بفسادها وليس فرارهم إلا من معنى التركيب وليس معهم قط حجة على نفي مسمى التركيب بجميع هذه المعاني بل عمدتهم أن المركب مفتقر إلى أجزائه وأجزاؤه غيره والمفتقر إلى غيره لا يكون واجبا بنفسه بل يكون معلوما وهذه الحجة ألفاظها كلها مجملة فلفظ الواجب بنفسه يراد به الذي لا فاعل له

فليس له علة فاعلة ويراد به لذي لا يحتاج شيء إلى مباين له ويراد به القائم بنفسه الذي لا يحتاج إلى مباين له وعلى الأول والثاني فالصفات واجبة الوجود والبرهان إنما قام على أن الممكنات لها فاعل واجب الوجود قائم بنفسه أي غني عما سواه والصفة ليست هي الفاعل # وقوله إذا كانت له ذات وصفات كان مركبا والمركب مفتقر إلى أجزائه وأجزاؤه غيره فلفظ الغير مجمل يراد بالغير المباين فالغيران ما جاز مفارقة أحدهما الآخر بزمان أو مكان أو وجود وهذا اصطلاح الأشعرية ومن وافقهم من الفقهاء أتباع الأئمة الأربعة ويراد بالغيرين ما ليس أحدهما الآخر أو ما جاز العلم بأحدهما مع الجهل بالآخر وهذا اصطلاح طوائف من المعتزلة والكرامية وغيرهم وأما السلف كالإمام أحمد وغيره فلفظ الغير عندهم يراد به هذا ويراد به هذا ولهذا لم يطلقوا القول بأن علم الله غيره ولا أطلقوا القول بأنه ليس غيره ولا يقولون هو هو ولا هو غيره بل يمتنعون عن إطلاق المجمل نفيا وإثباتا لما فيه من التلبيس فإن الجهمية يقولون ما سوى الله مخلوق وكلامه غيره فيكون مخلوقا فقال أئمة السنة إذا أريد بالغير والسوى ما هو مباين له فلا يدخل علمه وكلامه في لفظ الغير والسوى كما لم يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم من حلف بغير الله فقد أشرك وقد ثبت في السنة جواز الحلف بصفاته كعزته وعظمته فعلم فعلم أنها لا تدخل في مسمى الغير عند الإطلاق وإذا أريد بالغير أنه ليس هو إياه فلا ريب أن العلم ليس هو العالم والكلام ليس هو المتكلم وكذلك لفظ افتقار المفعول إلى فاعله ونحو ذلك ويراد به التلازم بمعنى أنه لا يوجد أحدهما إلا مع الآخر وإن لم يكن أحدهما مؤثرا في الآخر كالأمور المتضايقة مثل الأبوة والبنوة والمركب قد عرف ما فيه من الإشراك فإذا قال القائل لو كان عالما لكان مركبا من ذات وعلم فليس المراد

به أن هذين كانا مفترقين فاجتمعا ولا أنه يجوز مفارقة أحدهما بل المراد أنه إذا كان عالما فهناك ذات وعلم قائم بها # وقوله والمركب مفتقر إلى أجزائه فمعلوم أن افتقار المجموع إلى أبعاضه ليس بمعنى أن بعض فعله أو وجدت دونه وأثرت فيه بل المعنى أنه لا يوجد إلا بوجود المجموع ومعلوم أن الشيء لا يوجد إلا بوجود نفسه وإذا قيل هو مفتقر إلى نفسه بهذا المعنى لم يكن ممتنعا بل هذا هو الحق فإن نفس الواجب لا يستغني عن نفسه وإذا قيل هو واجب بنفسه فليس المراد أبدعت وجوده بل المراد أن نفسه موجودة بنفسها لم تفتقر إلى غيره في ذلك ووجوده واجب لا يقبل العدم بحال فإذا قيل مثلا العشر مفتقر إلى العشرة لم يكن في هذا افتقار لها إلى غيرها وإذا قيل هي مفتقرة إلى الواحد الذي هو جزؤها لم يكن افتقارها إلى بعضها أعظم من افتقارها إلى المجموع التي هي هو وإذا لم يكن ذلك ممتنعا بل هو الحق فأنه لا يوجد جزئه والدليل إنما دل على أن الممكنات لها مبدع واجب بنفسه خارج عنها أما كون ذلك المبدع مستلزما لصفاته أو لا يوجد إلا متصفا بصفات الكمال فهذا لم ينف بحجة أصلا ولا هذا التلازم سواء سمي فقرا أو لم يسم مما ينافي كون المجموع واجبا قديما أزليا لا يقبل العدم بحال # وأيضا فتسمية الصفات القائمة بالموصوف جزءا له ليس هو من اللغة المعروفة إنما هو اصطلاح لهم كما يسمون الموصوف مركبا وإلا فحقيقة الأمر أن الذات المستلزمة للصفة لا توجد إلا وهي متصفة بالصفة وهذا حق وإذا تنزل إلى اصطلاحهم المحدث وسمي هذا جزءا فالمجموع لا يوجد إلا بوجود جزئه الذي هو

بعضه وإذا قيل هو مفتقر إلى بعضه لم يكن هذا إلا دون قول القائل هو مفتقر إلى نفسه الذي هو المجموع وإذا كان لا محذور فيه فهذا أولى وإذا قيل أجزاؤه غيره والواجب لا يفتقر إلى غيره قيل إن أردت أن جزئه مباين له وأنه يجوز مفارقة أحدهما الآخر بوجه من الوجوه فهذا باطل فليس جزؤه غيره بهذا التفسير وإن أردت أنه يمكن العلم بأحدهما دون العلم بالآخر كما نعلم أنه قادر قبل العلم بأنه عالم ونعلم الذات قبل العلم بصفاتها فهو غيره بهذا التفسير وقد علم بصريح العقل أنه لا بد من إثبات معان هي أعيان بهذا التفسير وإلا فكونه قائم بنفسه ليس هو كونه عالم وكونه عالما ليس كونه حيا وكونه حيا ليس كونه قادرا ومن جعل هذه الصفة هي الأخرى وجعل الصفات كلها هي الموصوف فقد انتهى في السفسطة إلى الغاية وليس هذا إلا كمن قال السواد هو والبياض والسواد والبياض هو الأسود والأبيض ثم هؤلاء الذين نفوا المعاني التي يتصف بها كلهم متناقضون يجمعون في قولهم بين النفي والإثبات وقد جعلوا هذا أساس التعطيل والتكذيب بما علم بصريح المعقول وصحيح المنقول # والمقصود هنا أن من نفى الجسم وأراد به نفي التركيب من الجواهر الفردة أو من المادة والصورة فقد أصاب في المعنى لكن منازعوه يقولون هذا الذي قلته ليس هو مسمى الجسم في اللغة ولا هو أيضا حقيقة الجسم الاصطلاحي وإن كان منازعوه ممن ينفي التركيب من هذا وهذا فالفريقان متفقان على تنزيه الرب عن ذلك لكن أحدهما يقول نفي الجسم لا يفيد هذا التنزيه وإنما يفيده لفظ هذا التركيب ونحوه والآخر يقول بل لفظ الجسم يفيد هذا التنزيه ومن قال هو جسم فالمشهور عن نظار الكرامية وغيرهم ممن يقول هو جسم أنه يفسر ذلك بأنه الموجود أو القائم بنفسه لا بمعنى المركب وقد اتفق

الناس على أن من قال أنه جسم وأراد هذا المعنى فقد أصاب في المعنى لكن إنما يخطؤه في اللفظ أما من يقول الجسم هو المركب فيقول أخطأت استعملت لفظ الجسم في القائم بنفسه أو الموجود وأما من يقول بأن كل جسم مركب فيقول تسميتك لكل موجود أو قائم بنفسه جسما ليس هو موافقا للغة العرب المعروفة ولا تكلم بهذا اللفظ أحد من السلف والأئمة ولا قالوا أن الله جسم فأنت مخطئ في اللغة والشرع وإن كان المعنى الذي أردته صحيحا # قال الرازي وأما قوله ^ الله الصمد ^ فالصمد هو السيد المصمود إليه في الحوائج وذلك يدل على أنه ليس بجسم وعلى أنه غير مختص بالحيز والجهة أما بيان دلالته على نفي الجسمية فمن وجوه الأول إن كل جسم فهو مركب وكل مركب فهو محتاج إلى واحد من أجزائه وكل من أجزائه غيره فكل مركب فهو محتاج إلى غيره والمحتاج إلى الغير لا يكون غنيا فلم يكن صمدا مطلقا

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:11 AM
# قال الشيخ رحمه الله والاسم الصمد فيه للسلف أقوال متعددة قد يظن إنها مختلفة وليس كذلك بل كلها صواب والمشهور منها قولان أحدهما أن الصمد هو الذي لا جوف له والثاني أنه السيد الذي يصمد إليه في الحوائج والأول هو قول أكثر السلف من الصحابة والتابعين وطائفة من أهل اللغة والثاني قول طائفة من السلف والخلف وجمهور اللغويين

والاشتقاق يشهد للقولين جميعا وهو على الأول أدل # وكون الصمد يصمد إليه في الحوائج هو حق أيضا وهو مقرر للتفسير الأول ودال عليه فلا ينافي أن يكون هو نفسه مجتمعا لا جوف له بل كونه في نفسه كذلك فهو الموجب لاحتياج الناس إليه # وأما استدلال هؤلاء المتأخرين بذلك على نفي الجسم والحد فباطل أيضا هو قلب الدلالة فإن كون الموصوف مصمتا لا يمنع أن يكون جسما أو محدودا كسائر ما وصف بأنه مصمد # وأما استدلال المجسمة الذين يقولون أن الله لحم ودم وعظم ونحو ذلك والذين يجعلون الباري من جنس شئ من الأجسام المخلوقة بهذا الاسم فباطل لوجوه أحدها أن هذا اللفظ على ذلك من تفاسيره الثاني أن الملائكة موصوفة بأنها صمد والأجسام المصمتة موصوفة بأنها صمد وليست لجما ودما # قال الرازي لو كان مركبا من الجوارح والأعضاء لاحتاج في الإبصار إلى العين وفي الفعل إلى اليد وفي المشي إلى الرجل وذلك ينافي كونه صمدا مطلقا # قلت هذه الحجة كان يمكن أن يذكرها في اسم الله كما ذكرها في الاسم الصمد إذ مضمونها الاحتجاج بما في أسمائه من الدلالة على الغنى على عدم هذه

الصفات لكن لما كانت من جنس الحجة التي قبلها لم يذكرها إلا في الاسم الصمد لظهور دلالته على الغنى وقد قدمنا أن لفظ الجوارح والأعضاء مما لا يقولها الصفاتية فمضمون حجته أنه لو كان الله خلق آدم بيديه وكتب التوراة بيده وخلق عدن بيده لكان الله محتاجا في الفعل إلى يد وذلك ينافي كونه صمدا وهذا قد ثبت بالكتاب والسنة الصحيحة المتفق على صحتها المتلقاة بالقبول # والكلام على هذا من وجوه أحدها أن ثبوت ما أثبته الدليل من هذه الصفات لم يوجب حاجة الرب إليها فأن الله سبحانه قادر أن يخلق ما يخلقه بيديه وقادر أن يخلق ما يخلقه بغير يديه وقد وردت الأثارة من العلم بأنه خلق بعض الأشياء بيديه وخلق بعض الأشياء بغير يديه قال عثمان بن سعيد الدرامي حدثنا عبد الله بن صالح حدثني هشام بن سعيد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال لقد قالت الملائكة يا ربنا منا الملائكة المقربون ومنا حملة العرش ومنا الكرام الكاتبون ونحن نسبح الله بالليل والنهار ولا نسأم ولا نفتر خلقت بني آدم فجعلت لهم الدنيا وجعلتهم يأكلون ويشربون ويتزوجون فكما جعلت لهم الدنيا فأجعل لنا الآخرة فقال لن أفعل ثم عادوا فاجتهدوا المسألة فقال لن أفعل ثم عادوا فاجتهدوا المسألة بمثل ذلك فقال لن أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان وقد روى نحو هذا عبد الله بن أحمد بم حنبل في كتاب السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أظنه مرسلا قال الدرامي حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا عبيد بن مهران وهو الكاتب حدثنا مجاهد قال قال عبد الله بن عمر خلق الله أربعة أشياء بيده العرش والقلم

وعدن وآدم ثم قال لسائر الخلق كن فكان وقال حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن عطاء بن السائب عن ميسرة قال إن الله لم يمس شيئا من خلقه غير ثلاث خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده وغرس جنة عدن بيده وقال حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن كعب قال لم يخلق الله بيده غير ثلاث خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده وغرس جنة عدن بيده ثم قال لها تكلمي قالت قد أفلح المؤمنون وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة أن موسى يقال له أنت موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك الألواح بيده وفي لفظ وكتب لك التوراة بيده وثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال وغرس كرامة أوليائه في جنة عدن بيده # وأما الفعل باليد غير الخلق فقد ثبت بالكتاب والسنة قبضه الأرض والسموات وقد تواترت بذلك الأحاديث المشهورة في الصحيحين وغيرهما كقوله يطوي الله السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ثم يطوي الأرض بيده الأخرى وفي رواية مسلم بشماله ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون وقوله تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفؤ أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل الجنة # وهذا كما أنه سبحانه وتعالى قد كتب في اللوح المحفوظ وفي غيره ما كتبه من مقادير الخلائق وقال تعالى ^ ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم

إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتكم ^ ثم لم تدل كتابته لذلك على انه محتاج إلى الكتاب والكتاب خوف النسيان والغلط مع أن الكتاب أمر منفصل عنه فخلقه ما يخلقه بيديه أولى أن لا يدل على حاجته إلى ذلك # الوجه الثاني أن يقال له إنه سبحانه الغني الصمد القادر وقد خلق ما خلقه من أمر السموات والأرض الدنيا والآخرة بالأسباب التي خلقها وجعل بعض المخلوقات سببا لبعض كما قال تعالى ^ وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات ^ وقال تعالى ^ وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة ^ وقال تعالى ^ ونزلنا من السماء ماءا مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد ^ وقال تعالى ^ ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات ^ وقال تعالى ^ فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ^ # فإذا كان خلقه بعض المخلوقات ببعض لا يوجب حاجته إلى مخلوقاته ولا ينافي كونه صمدا غنيا عن غيره فكيف يكون خلقه لآدم بيده وقبضه الأرض والسموات بيده موجبا لحاجته إلى غيره ومن المعلوم ان فعل الفاعل بيده أبعد عن الحاجة إلى الغير من فعله بمصنوعاته # الوجه الثالث إن هذه الحجة من جنس حجة الجهمية المحضة على نفي الصفات فإن قولهم لو كان له علم وقدرة وحياة وكلام لكان محتاجا في أن

يعلم ويقدر ويتكلم إلى علم وقدرة وكلام بمنزلة قول هذا القائل لو كان له يد لكان محتاجا في الفعل إلى اليد وذلك ينافي كونه صمدا فما كان جوابه لأولئك كان جوابا له عن هؤلاء لا سيما بل هذا أوكد لأنه قد تقدم أنه قادر على الخلق والفعل بيده وبغير يده ولا يجوز أن يقال أنه عالم بلا علم وقادر بلا قدرة فإن كان ثبوت الصفات موجبا حاجته إليها فالحاجة في هذه أقوى وإن لم تكن موجبة حاجته إليها بطلت الحجة # الوجه الرابع إن الغني الصمد هو غني عن مخلوقاته ومصنوعاته لا يصح أن يقال هو غني عن نفسه وذاته كما تقدم وصفاته تعالى ليست خارجة عن ذاته فوجود الصفات والفعل بها كوجود الذات والفعل بها وقد تقدم الكلام على ما في هذا من الألفاظ المجملة مثل الافتقار والجزء وغير ذلك وبينا أن ذلك مثل قول القائل واجب الوجود بنفسه وهو موجود بنفسه وبنفسه فعل ونحو ذلك من العبارات # الوجه الخامس إن المخلوق إذا صح تسميته بأنه غني وأنه صمد مع ماله من الصفات ولا ينافي ذلك إطلاق هذا الاسم كيف يصح أن يقال إن تسمية الخالق بهذه الأسماء ينافي هذه الصفات # قال الرازي الثالث إنا نقيم الدلالة على أن الأجسام متماثلة والأشياء المتماثلة يجب اشتراكها في اللوازم فلو احتاج بعض الأجسام إلى بعض لزم كون الكل محتاجا إلى ذلك الجسم ولزم أيضا كونه إلى نفسه وكل ذلك محال ولما كان ذلك محالا وجب أن لا يحتاج إلى شيء من الأجسام ولو كان كذلك لم يكن صمدا على الإطلاق

# وأما احتجاجهم بقولهم الأجسام متماثلة فهذا إن كان حقا فهو تماثل يعلم بالعقل ليس فيه أن اللغة التي نزل بها القرآن تطلق لفظ المثل على كل جسم ولا أن اللغة التي نزل بها القرآن تقول إن السماء مثل الأرض والشمس والقمر والكواكب مثل الجبال والجبال مثل البحار والبحار مثل التراب والتراب مثل الهواء والهواء مثل الماء والماء مثل النار والنار مثل الشمس والشمس مثل الإنسان والإنسان مثل الفرس والفرس مثل الحمار والفرس والحمار مثل السفرجل والرمان والرمان مثل الذهب والفضة والذهب والفضة مثل الخبز واللحم ولا في اللغة التي نزل بها القرآن أن كل شيئين اشتركا في المقدارية بحيث يكون كل منهما له قدر من الأقدار كالطول والعرض والعمق أنه مثل الآخر ولا أنه إذا كان كل منهما بحيث يشار إليه الإشارة الحسية يكون مثل الآخر بل ولا فيها إن كل شيئين كانا مركبين من الجواهر الفردة أو من المادة والصورة كان أحدهما مثل الآخر بل اللغة التي نزل بها القرآن تبين أن الإنسانين مع اشتراكهما في أن كل منهما جسم حساس نام متحرك بالإرادة ناطق ضحاك بادئ البشرة قد لا يكون أحدهما مثل الآخر كما قال تعالى ^ وإن تتلوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ^ إلى أن قال فكيف وهو باطل في العقل كما بسطناه في موضع آخر # وكذلك أيضا يقولون إن الصفات لا تقوم إلا بجسم متحيز والأجسام متماثلة فلو قامت به الصفات للزم أن يكون مماثلا لسائر الأجسام وهذا هو التشبيه # وأصل كلام هؤلاء كلهم على أن إثبات الصفات مستلزم للتجسيم والأجسام متماثلة والمثبتون يجيبون عن هذا تارة بمنع المقدمة الأولى وتارة بمنع المقدمة

الثانية وتارة بمنع كل من المقدمتين وتارة بالإستفصال ولا ريب أن قولهم بتماثل الأجسام قول باطل سواء فسروا الجسم بما يشار إليه أو بالقائم بنفسه أو بالموجود أو بالمركب من الهيولي والصورة ونحو ذلك فأما إذا فسروه بالمركب من الجواهر المفردة وعلى أنها متماثلة فهذا ينبني على صحة ذلك وعلى إثبات الجوهر الفرد وعلى أنه متماثل وجمهور العقلاء يخالفونهم في ذلك # وقال أبو عبد الله الرازي وأما بيان دلالته على أنه تعالى منزه عن الحيز والجهة فهو أنه تعالى لو كان مختصا بالحيز والجهة لكان إما أن يكون حصوله في الحيز المعين واجبا أو جائزا فإن كان واجبا فحينئذ يكون ذاته تعالى مفتقرا في الوجود والتحقق إلى ذلك الحيز المعين وأما ذلك الحيز المعين فأنه يكون غنيا عن ذاته المخصوص لأنا لو قرضنا عدم حصول ذات الله تعالى في ذلك الحيز المعين لم يبطل ذلك الحيز أصلا وعلى هذا التقدير يكون تعالى محتاجا إلى ذلك الحيز فلم يكن صمدا على الإطلاق أما إن كان حصوله في الحيز المعين جائزا لا واجبا فحينئذ يفتقر إلى مخصص يخصصه بالحيز المعين وذلك يوجب كونه محتاجا وينافي كونه صمدا # فيقال له أولا لا الكرامية ولا غيرهم يقولوا أنه في جهة موجودة يحيط بها ويحتاج إليها بل كلهم متفقون على أن الله تعالى مستغن عن كل ما سواه سواء سمي جهة أو لم يسم جهة نعم قد يقولون هو في جهة يعنون بذلك أنه فوق

# وأيضا فمن المعلوم أن القرآن ينطق بالعلو في مواضع كثيرة جدا حتى قيل أنها ثلاثمائة موضع والسنن متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك وكلام السلف المنقول عنهم بالتواتر يقتضي اتفاقهم على ذلك وأنه لم يكن فيهم من ينكره ومن يريد التشنيع على الناس ودفع هذه الأدلة الشرعية والعقلية لا بد أن يذكر حجة ولنفرض أنه لا بناظره إلا أئمة أصحابه وهو لم يذكر دليلا إلا قوله ولم يعلموا أن كل ما هو في جهة فهو محدث ومحتاج إلى تلك الجهة فيقال له لم يعلموا ذلك ولم تذكر ما به يعلمون ذلك فإن قولك هو محتاج إلى تلك الجهة إنما يستقيم إذا كانت الجهة أمرا وجوديا وكانت لازمة له لا يستغني عنها فلا ريب أن من قال إن الباري لا يقوم إلا بمحل يحل فيه لا يستغني عن ذلك وهي مستغنية عنه فقد جعله محتاجا إلى غيره وهذا لم يقله أحد # وأيضا لم نعلم أحدا قال إنه محتاج إلى شئ من مخلوقاته فضلا عن أن يكون محتاجا إلى غير مخلوقاته ولا يقول أحد أن الله محتاج إلى العرش مع أنه خالق العرش والمخلوق مفتقر إلى الخالق لا يفتقر الخالق إلى المخلوق وبقدرته قام العرش وسائر المخلوقات وهو الغني عن العرش وكل ما سواه فقير إليه فمن فهم عن الكرامية وغيرهم من طوائف الإثبات أنهم يقولون أن الله محتاج إلى العرش فقد افترى عليهم كيف وهم يقولون أنه كان موجودا قبل العرش فإذا كان موجودا قائما بنفسه قبل العرش لا يكون إلا مستغنيا عن العرش وإذا كان الله فوق العرش لم يجب أن يكون محتاجا إليه فإن الله قد خلق العالم بعضه فوق بعض ولم يجعل عاليه محتاجا إلى سافله فالهواء فوق الأرض وليس محتاجا إليها وكذلك السموات فوق السحاب والهواء والأرض وليست محتاجة إلى ذلك

والعرش فوق السموات والأرض وليس محتاجا إلى ذلك فكيف يكون العلي الأعلى خالق كل شيء محتاجا إلى مخلوقاته لكونه فوقها عاليا عليها # وقد قدمنا فيما مضى أن لفظ الجهة يراد به أمر موجود وأمر معدوم فمن قال إنه فوق العالم كله لم يقل أنه في جهة موجودة إلا أن يراد بالجهة العرش ويراد بكونه فيها أنه عليها كما قيل في قوله أنه في السماء أي على السماء وعلى هذا التقدير فإذا كان فوق الموجودات كلها وهو غني عنها لم يكن عنده جهة وجودية يكون فيها فضلا عن أن يحتاج إليها وإن أريد بالجهة ما فوق العالم فذلك ليس بشيء ولا هو أمر وجودي حتى يقال أنه محتاج إليه أو غير محتاج إليه وهؤلاء أخذوا لفظ الجهة بالاشتراك وتوهموا وأوهموا إذا كان في جهة كان في شيء غيره كما يكون الإنسان في بيته ثم رتبوا على ذلك أنه يكون محتاجا إلى غيره والله تعالى غني عن كل ما سواه وهذه مقدمات كلها باطلة # وكذلك لفظ التحيز إن أراد به أن الله تحوزه المخلوقات فالله أعظم وأكبر بل قد وسع كرسيه السموات والأرض وإن أراد أنه منحاز عن المخلوقات أي مباين لها منفصل عنها ليس حالا فيها فهو سبحانه كما قال أئمة السنة فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه # وأما لفظ المتحيز فهو في اللغة اسم لما يتحيز إلى غيره كما قال تعالى ^ ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة ^ وهذا لا بد أن يحيط به حيز وجودي ولا بد أن ينتقل من حيز إلى حيز وعلوم أن الخالق جل جلاله

# لا يحيط به شيء من مخلوقاته فلا يكون متحيزا بهذا المعنى اللغوي وأما أهل الكلام فاصطلاحهم في المتحيز أعم من هذا فيجعلون كل جسم متحيز والجسم عندهم ما يشار إليه فتكون السموات والأرض وما بينهما متحيزا على اصطلاحهم وإن لم يسم ذلك متحيزا في اللغة والحيز تارة يريدون به معنى موجودا وتارة يريدون به معنى معدوما ويفرقون بين مسمى الحيز ومسمى المكان فيقولون المكان أمر موجود والحيز تقدير مكان عندهم فمجموع الأجسام ليست في شيء موجود فلا تكون في مكان وهي عندهم متحيزة ومنهم من يتناقض فيجعل الحيز تارة موجودا وتارة معدوما كالرازي وغيره كما بسط الكلام على ذلك في غير هذا الموضع فمن تكلم باصطلاحهم وقال إن الله متحيز بمعنى أحاط به شيء من الموجودات فهذا مخطىء فهو سبحانه بائن من خلقه وما ثم موجود إلا الخالق والمخلوق وإذا كان الخالق بائنا عن المخلوق امتنع أن يكون الخالق في المخلوق وامتنع أن يكون متحيزا بهذا الاعتبار وإن أراد بالحيز أمرا عدميا فالأمر العدمي لا شيء وهو سبحانه بائن عن خلقه فإذا سمي العدم الذي فوق العالم حيزا وقال يمتنع أن يكون فوق العالم لئلا يكون متحيزا فهذا معنى باطل لأنه ليس هناك موجود غيره حتى يكون فيه وقد علم بالعقل والشرع أنه بائن عن خلقه كما بسط في غير هذا الموضع # قال الرازي وأما قوله ^ ولم يكن له كفوا أحد ^ فهذا أيضا يدل على أنه ليس بجسم ولا جوهر لأنا سنقيم الدلالة على أن الجواهر متماثلة فلو كان تعالى جوهرا لكان مثلا لجميع الجواهر فكان كل واحد من الجواهر كفوا له ولو كان جسما لكان مؤلفا من الجواهر لأن الجسم

يكون كذلك وحينئذ يعود الإلزام المذكور فثبت أن هذه السورة من أظهر الدلائل على أنه تعالى ليس بجسم ولا بجوهر ولا حاصل في مكان وحيز # قال الشيخ وكذلك قوله ^ ولم يكن له كفوا أحد ^ فإن المعنى لم يكن أحد من الآحاد كفوا له فإن كان الأحد عبارة عما لا يتميز منه شيء عن شيء ولا يشار إلى شيء منه دون شيء فليس في الموجودات ما هو أحد إلا ما يدعونه من الجوهر الفرد وهذا عند أكثر العقلاء يمتنع وجوده ومن رب العالمين وحينئذ لا يكون قد نفى عن شيء من الموجودات أن يكون كفوا للرب لأنه لم يدخل في مسمى أحد # ومن العجب إن كلامه كلام أمثاله يدور في هذا الباب على تماثل الأجسام وقد ذكر النزاع في تماثل الأجسام وإن القائلين بتماثلها من المتكلمين بنوا ذلك على أنها مركبة من الجواهر المنفردة وإن الجواهر متماثلة ثم أنه في مسألة تماثل الجواهر ذكر أنه لا دليل على تماثلها فصار أصل كلامهم الذي ترجع إليه هذه الأمور كلاما بلا علم بل بخلاف الحق مع أنه كلام في الله تعالى وقد قال تعالى ^ قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ^

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:12 AM
# والمقصود هنا أن أئمة السنة كأحمد بن حنبل وغيره كانوا إذا ذكر لهم أهل البدع الألفاظ المجملة كلفظ الجسم والجوهر والحيز ونحوها لم يوافقهم لا على

إطلاق الإثبات ولا على إطلاق النفي وأهل البدع بالعكس ابتدعوا ألفاظا ومعاني إما في النفي وإما في الإثبات وجعلوها هي الأصل المعقول المحكم الذي يجب اعتقاده والبناء عليه ثم نظروا في الكتاب والسنة فما أمكنهم أن يتأولوه على قولهم تأولوه وإلا قالوا هذا من الألفاظ المتشابهة # وقال الرازي وأعلم أنه كما إن الكفار لما سألوا الرسول صلى الله عليه وسسلم عن صفة ربه فأجاب الله بهذه السورة الدالة على كونه تعالى منزها عن أن يكون جسما أو جوهرا أو مختصا بالمكان فكذلك فرعون سأل موسى عليه السلام عن صفة الله تعالى فقال وما رب العالمين ثم إن موسى لم يذكر الجواب عن هذا السؤال إلا بكونه تعالى خالقا للناس ومدبرا لهم وخالق السموات والأرض ومدبرا لهما وهذا أيضا من أقوى الدلائل على أنه تعالى ليس بمتحيز ولا في جهة لأنا سنبين إن شاء الله تعالى أن كون الشيء جسما ومتحيزا عين الذات ونفسها وحقيقتها لا أنه صفة قائمة بالذات وأما كونه خالقا للأشياء ومدبرا لها فهو صفة ولفظة ما سؤال عن الماهية وطلب للحقيقة فلو كان تعالى متحيزا لكان الجواب عن قوله وما رب العالمين بذكر كونه متحيزا أولى من الجواب عنه بذكر كونه خالقا ولو كان كذلك كان جواب موسى عليه السلام خطأ ولكان طعن فرعون بأنه مجنون لا يفهم السؤال ولا يذكر في مقابلة السؤال ما يصلح أن يكون جوابا متجها لازما ولما بطل ذلك علمنا أنه تعالى ما كان متحيزا فلا جرم ما كان يمكن تعريف حقيقته سبحانه وتعالى إلا بأنه خالق مدبر فلا جرم كان جواب موسى عليه السلام صحيحا وكان سؤال فرعون سؤالا فاسدا

فثبت أنه كما كان جواب محمد صلى الله عليه وسلم عن سؤال الكفار عن صفة الله تعالى يدل على تنزيه الله تعالى عن التحيز فكذلك جواب موسى عليه السلام # وقد ظن بعض الناس إن سؤال فرعون وما رب العالمين هو سؤال عن ما هية الرب كالذي يسأل عن حدود الأشياء فيقول ما الإنسان ما الملك ما الجني ونحو ذلك قالوا ولما لم يكن للمسئول عنه ماهية عدل موسى عن الجواب إلى بيان ما يعرف به وهو قوله ^ رب السموات والأرض ^ وهذا قول قاله بعض المتأخرين وهو باطل فإن فرعون إنما استفهم استفهام إنكار وجحد لم يسأل عن ماهية رب أقر بثبوته بل كان منكرا له جاحدا ولهذا قال في تمام الكلام ^ لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين ^ وقال ^ وإني لأظنه كاذبا ^ فاستفهامه كان إنكارا وجحدا يقول ليس للعالمين رب يرسلك فمن هو هذا إنكارا له فبين موسى أنه معروف عنده وعند الحاضرين وأن آياته ظاهرة بينة لا يمكن معها جحده وأنكم إنما تجحدون بألسنتكم ما تعرفونه بقلوبكم كما قال موسى في موضع آخر لفرعون ^ لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر ^ وقال الله تعالى ^ وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ^ ولم يقل فرعون ومن رب العالمين فإن من سؤال عن عينه يسأل بها من عرف جنس المسؤول عنه أنه من أهل العلم وقد شك في عينه كما يقول لرسول عرف أنه جاء من عند إنسان من أرسلك وأما ما فهي سؤال عن الوصف يقول أي شيء هو هذا وما هو هذا الذي اسميته رب العالمين قال ذلك منكرا له جاحدا # فلما سأل جحدا أجابه موسى بأنه أعرف من أن ينكر وأظهر من أن يشك فيه ويرتاب فقال ^ رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين ^

ولم يقل موقنين بكذا وكذا بل أطلق فأي يقين كان لكم بشيء من الأشياء فأول اليقين اليقين بهذا الرب كما قالت الرسل لقومهم أفي الله شك وإن قلتم لا يقين لنا بشيء من الأشياء بل سلبنا كل علم فهذه دعوى السفسطة العامة ومدعيها كاذب ظاهر الكذب فإن العلوم من لوازم كل إنسان فكل إنسان عاقل لا بد له من علم ولهذا قيل في حد العقل إنه علوم ضرورية وهي التي لا يخلو منها عاقل فلما قال فرعون ^ إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ^ وهذا من افتراء المكذبين على الرسل لما خرجوا من عاداتهم التي هي محمودة عندهم نسبوهم إلى الجنون ولما كانوا مظهرين للجحد بالخالق أو للاسترابة والشك فيه هذه حال عامتهم ودينهم وهذا عندهم دين حسن وإنما إلههم الذي يطيعونه فرعون قال ^ إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ^ فبين له موسى إنكم الذين سلبتم العقل النافع وأنتم أحق بهذا الوصف فقال ^ رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون ^ فإن العقل مستلزم لعلوم ضرورية يقينيه وأعظمها في الفطرة الإقرار بالخالق فلما ذكر أولا أن من أيقن بشيء فهو موقن به واليقين بشيء هو من لوازم العقل بين ثانيا أن الإقرار به هو من لوازم العقل ولكن المحمود هو العلم النافع الذي يعمل به صاحبه فإن لم يعمل به صاحبه قيل أنه ليس له عقل ويقال أيضا لمن لم يتبع ما أيقن به إنه ليس له يقين فإن اليقين أيضا يراد به العلم المستقر في القلب ويراد به العمل بهذا العلم فلا يطلق الموقن إلا على من أستقر في قلبه العلم والعمل وقوم فرعون لم يكن عندهم إتباع لما عرفوه فلم يكن لهم عقل ولا يقين وكلام موسى يقتضي الأمرين إن كان لك يقين فقد عرفته وإن كان لك عقل فقد عرفته وإن ادعيت أنه لا يقين لك ولا عقل لك فكذلك قولك فهذا إقرار منكم بسبكم خاصية الإنسان ومن يكن هكذا لا يصلح له ما أنتم عليه من

دعوى الالهية مع أن هذا باطل منكم فانكم موقنون به كما قال تعالى ^ وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ^ ولكم عقل تعرفونه به ولكن هواكم يصدكم عن إتباع موجب العقل وهو إرادة العلو في الأرض والفساد فأنتم لا عقل لكم بهذا الاعتبار كما قال أصحاب النار ^ لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ^ وقال تعالى عن الكفار ^ أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ^ قال تعالى عن فرعون وقومه ^ فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين ^ والخفيف هو السفيه الذي لا يعمل بعلمه بل يتبع هواه وبسط هذا له موضع آخر # والله تعالى قد أخبر عن فرعون أنه طلب أن يصعد ليطلع إلى إله موسى فلو لم يكن موسى أخبره أن إلهه فوق لم يقصد ذلك فإنه لو لم يكن مقرا به فإذا لم يخبره موسى به لم يكن إثبات العلو لا منه ولا من موسى عليه الصلاة والسلام فلا يقصد الاطلاع ولا يحصل به ما قصده من التلبيس على قومه بأنه صعد إلى إله موسى # فموسى صدق محمدا في أن ربه فوق وفرعون كذب موسى في أن ربه فوق فالمقرون بذلك متبعون لموسى ومحمد والمكذبون بذلك موافقون لفرعون # وإن كانوا يعبرون عن ذلك بعبارات مبتدعة فيها إجمال وإبهام وإيهام كقولهم ليس بمتحيز ولا جسم ولا جوهر ولا هو في جهة ولا مكان وأمثال هذه العبارات التي تفهم منها العامة تنزيه الرب تعالى عن النقائص

ومقصدهم بها أنه ليس فوق السموات رب ولا على العرش إله يعبد ولا عرج بالرسول إلى الله # قال أبو عبد الله الرازي وأما الخليل صلى الله عليه وسلم فقد حكى الله تعالى عنه في كتابه بأنه استدل بحصول التغير في أحوال الكواكب على حدوثها ثم قال عند تمام الاستدلال ^ وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا ^ واعلم أن هذه الواقعة تدل على تنزيه الله تعالى وتقديسه عن التحيز والجهة أما دلالتها على تنزيه الله تعالى عن التحيز فمن وجوه # أحدها أنا سنبين إن شاء الله تعالى أن الأجسام متماثلة فإذا ثبت ذلك فنقول ما صح على أحد المثلين وجب أن يصح على المثل الآخر فلو كان تعالى جسما أو جوهرا وجب أن يصح عليه كل ما صح على غيره وأن يصح على غيره كل ما صح عليه وذلك يقتضي جواز التغير عليه ولما حكم الخليل عليه السلام بأن المتغير من حال إلى حال لا يصلح للآلهية وثبت أنه لو كان جسما لصلح عليه التغير لزم القطع بأنه تعالى ليس بمتحيز أصلا # الثاني أنه عليه السلام قال عند تمام الاستدلال وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض فلم يذكر في صفات الله تعالى إلا كونه خالقا للعالم والله مدحه على هذا الكلام وعظمه فقال ^ وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء ^ ولو كان إله العالم جسما موصوفا بمقدار مخصوص وشكل مخصوص لما كمل العلم به تعالى إلا بعد العلم بكونه جسما متحيزا ولو كان كذلك لما كان مستحقا للمدح والتعظيم بمجرد معرفة كونه خالقا للعالم فلما كان هذا المقدار من المعرفة كافيا في كمال معرفة الله تعالى دل ذلك على أنه تعالى ليس بمتحيز

# الثالث أنه تعالى لو كان جسما لكان كل جسم مشاركا له في تمام الماهية فالقول بكونه تعالى جسما يقتضي إثبات الشريك لله تعالى وذلك ينافي قوله ^ وما أنا من المشركين ^ فثبت بما ذكرناه أن العظماء من الأنبياء صلوات الله عليهم كانوا قاطعين بتنزيه الله تعالى وتقديسه عن الجسمية والجوهرية والجهة وبالله التوفيق # وقد ظن طائفة من الجهمية والمعتزلة وغيرهم أن مراده بقوله ^ هذا ربي ^ أن هذا خالق العالم وأنه استدل بالأفوال وهو الحركة والانتقال على عدم ربوبيته وزعموا أن هذه الحجة هي الدالة على حدوث الأجسام وحدوث العالم وهذا غلط من وجوه # أحدها أن هذا القول لم يقله أحد من العقلاء لا من قوم إبراهيم ولا غيرهم ولا توهم أحدهم أم كوكبا أو القمر أو الشمس خلق هذا العالم وإنما كان قوم إبراهيم مشركين يعبدون هذه الكواكب زاعمين أن في ذلك جلب منفعة أو دفع مضرة على طريقة الكلدانيين والكشدانيين وغيرهم من المشركين أهل الهند وغيرهم وعلى طريقة هؤلاء صنف الكتاب الذي صنفه أبو عبد الله ابن الخطيب الرازي في السحر والطلمسات ودعوة الكواكب وهذا دين المشركين من الهند والخطا والنبط والكلدانيين والكشدانيين وغير هؤلاء ولهذا قال الخليل ^ ياقوم أني برئ مما تشركون ^ وقال ^ أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فأنهم عدو لي إلا رب العالمين ^ وأمثال ذلك # وأيضا فالأفول في لغة العرب هو المغيب والاحتجاب ليس هو الحركة والانتقال

# وأيضا فلو كان احتجاجه بالحركة والانتقال لم ينتظر إلى أن يغيب بل كان نفس الحركة التي يشاهدها من حين تطلع إلى أن تغيب الأفول # وأيضا فحركتها بعد المغيب والاحتجاج غير مشهودة ولا معلومة # وأيضا لو كان قوله هذا ربي هذا رب العالمين لكانت قصة إبراهيم عليه السلام حجة عليهم لأنه حينئذ لم تكن الحركة عنده مانعة من كونه رب العالمين وإنما المانع هو الأفول # وهو المخالفون لإبراهيم ولنبينا ولغيرهما من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وذلك أن الله تعالى قال ^ فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم أني برئ مما تشركون اني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ^ فقد أخبر الله في كتابه أنه من حين بزغ الكواكب والقمر والشمس وإلى حين أفولها لم يقل الخليل لا أحب البازغين ولا المتحركين ولا المتحولين ولا أحب من تقوم به الحركات ولا الحوادث ولا قال شيئا مما يقوله النفاة حين أفل الكوكب والشمس والقمر والأفول باتفاق أهل اللغة والتفسير هو المغيب والاحتجاب بل هذا معلوم بالأضرار من لغة العرب التي نزل بها القرآن وهو المراد باتفاق العلماء فلم يقل إبراهيم لا أحب الآفلين إلا حين أفل وغاب عن الأبصار فلم يبق مرئيا ولا مشهودا فحينئذ قال لا أحب الآفلين وهذا يقتضي أ كونه متحركا منتقلا تقوم به الحوادث بل كونه جسما متحيزا تقوم به الحوادث لم يكن دليلا عند إبراهيم على نفي محبته

فإن كان إبراهيم إنما استدل بالأفوال على أنه ليس رب العالمين كما زعموا لزم من ذلك أن يكون ما يقوم به الأفول من كونه متحركا منتقلا تحله الحوادث بل ومن كونه جسما متحيزا لم يكن دليلا عند إبراهيم على أنه ليس برب العالمين وحينئذ فيلزم أن تكون قصة إبراهيم حجة على نقيض مطلوبهم لا على تعيين مطلوبهم وهكذا أهل البدع لا يكادون يحتجون بحجة سمعية ولا عقلية إلا وهي عند التأمل حجة عليهم لا لهم # ولكن إبراهيم عليه السلام لم يقصد بقوله هذا ربي أنه رب العالمين ولا كان أحد من قومه يقولون أنه رب العالمين بل كانوا مشركين مقرين بالصانع وكانوا يتخذون الكواكب والشمس والقمر أربابا يدعونها من دون الله ويبنونن لها الهياكل وقد صنفت في مثل مذهبهم كتب مثل كتاب السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم وغيره من الكتب ولهذا قال الخليل ^ أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ^ وقال تعالى ^ قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم أنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ^ ولهذا قال الخليل في تمام الكلام ^ إني برئ مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ^ بين أنه إنما يعبد الله وحده فله يوجه وجهه إذا توجه قصده إليه يتبع قصده وجهه فالوجه توجه حيث توجه القلب فصار قلبه وقصده ووجهه متوجها إلى الله تعالى ولهذا قال ^ وما أنا من المشركين ^ لم يذكر أنه أقر بوجود الصانع فإن هذا كان معلوما عند قومه لم يكونوا ينازعونه في وجود

فاطر السموات والأرض وإنما كان النزاع في عبادة غير الله واتخاذه ربا فكانوا يعبدون الكواكب السماوية ويتخذون لها أصناما أرضية # وقوله ^ لا أحب الآفلين ^ فالآفل هو الذي يغيب تارة ويظهر تارة فليس هو قائم على عبده في كل وقت والذين يعبدون ما سوى الله من الكواكب ونحوها ويتخذونها أوثانا يكونون في وقت البزوغ طالبين سائلين وفي وقت الأفول لا يحصل مقصودهم ولا ومرادهم فلا يجلبون منفعة ولا يدفعون مضرة ولا ينتفعون إذ ذاك بعبادة فبين ما في الآلهة التي تعبد من دون الله من النقص وبين ما لربه فاطر السموات والأرض من الكمال بأنه الخالق الفاطر العليم السميع البصير والهادي الرازق المحيي المميت # ففي الجملة الاحتجاج بلفظ التغير إن كان سمعيا فالأفول ليس هو التغير وإن كان عقليا فإن أريد بالتغير الذي يمتنع على الرب محل النزاع لم يحتج به وإن أريد به مواقع الإجماع فلا منازعة فيه # ولما فسر هؤلاء الأفوال بالحركة وفتحوا باب تحريف الكلم عن مواضعه دخلت الملاحدة من هذا الباب ففسر ابن سينا وأمثاله من الملاحدة الأفول بالإمكان الذي ادعوه حيث قالوا أن الأفلاك قديمة أزلية وهي مع ذلك ممكنة وكذلك ما فيها من الكواكب والنيرين قالوا فقول إبراهيم لا أحب الآفلين أي لا أحب الممكن المغلول وإن كان قديما أزليا وأين في لفظ الأفول ما يدل على هذا المعنى ولكن هذا

شأن المحرفين للكلم عن مواضعه وجاء بعدهم من جنس من زاد في التحريف فقال المراد بالكواكب والشمس والقمر هو النفس والعقل الفعال والعقل الأول وقد ذكر ذلك أبو حامد الغزالي في بعض كتبه وحكاه عن غيره في بعضها وقال هؤلاء الكواكب والشمس والقمر لا يخفى على عاقل إنها ليست رب العالمين بخلاف النفس والعقل ودلالة لفظ الكواكب والشمس والقمر على هذه المعاني لو كانت موجودة من عجائب تحريفات الملاحدة الباطنية كما يتأولون العمليات مع العمليات ويقولون الصلوات الخمس معرفة أسرارنا وصيام رمضان كتمان أسرارنا والحج هو الزيارة لشيوخنا المقدسين وفتح لهم هذا الباب الجهمية والرافضة حيث صار بعضهم يقول الإمام المبين علي بن أبي طالب والشجرة الملعونة في القرآن بنو أمية والبقرة المأمور بذبحها عائشة واللؤلؤ والمرجان الحسن والحسين # قال الرازي الحجة الثانية من القرآن قوله تعالى ^ ليس كمثله شيء ^ ولو كان جسما لكان مثلا لسائر الأجسام في تمام الماهية لأنا سنبين إن شاء الله تعالى بالدلائل الباهرة أن الأجسام كلها متماثلة وذلك كالمناقض لهذا النص # قال الشيخ وكذلك إذا قالوا الموصوفات تتماثل والأجسام تتماثل والجواهر تتماثل وأرادوا أن يستدلوا بقوله تعالى ^ ليس كمثله شيء ^ على نفي مسمى هذه الأمور التي سموها بهذه الأسماء في اصطلاحهم الحادث كان هذا افتراءا على القرآن فأن هذا ليس هو المثل في لغة العرب ولا لغة القرآن ولا غيرهما قال تعالى ^ وإن تتلوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ^

فنفى مماثلة هؤلاء مع اتفاقهم في الإنسانية فكيف يقال إن لغة العرب توجب أن كل ما يشار إليه مثل كل ما يشار إليه وقال تعالى ^ ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد ^ فأخبر أنه لم يخلق مثلها في البلاد وكلاهما بلد فكيف يقال إن جسم فهو مثل لكل جسم في لغة العرب حتى يحمل على ذلك قوله ^ ليس كمثله شيء ^ وقد قال الشاعر % ليس كمثل الفتى زهير %
# وقال % ما إن كمثلهم في الناس من بشر %
قال الرازي فإن قيل لم لا يجوز أن يقال أنه تعالى وإن كان أنه مخالف لغيره من الأجسام كما أن الإنسان والفرس وإن أشتركا في الجسمية لكنهما مختلفان في الأحوال والصفات ولا يجوز أن يقال الفرس مثل الإنسان فكذا هنا والجواب من جهتين # الأول إنا سنقيم الدلالة على أن الأجسام كلها متماثلة في تمام الماهية فلو كان تعالى جسما لكان ذاته مثلا لسائر الأجسام وذلك يخالف هذا النص والإنسان والفرس ذات كل واحد منهما مماثلة لذات الآخر والاختلاف إنما وقع في الصفات والأعراض والذاتان إذا كانتا متماثلتين لكان اختصاص كل واحدة منهما بصفاته المخصوصة من الجائزات لا من الواجبات لأن الأشياء المتماثلة في تمام الذات والماهية لا يجوز اختلافهم في اللوازم فلو كان الباري تعالى جسما لوجب أن يكون اختصاصه بصفاته المخصوصة من الجائزات ولو كان كذلك لزم افتقاره إلى المدبر والمخصص وذلك يبطل القول بكونه تعالى إله العالم

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:12 AM
# والقول بتماثل الأحسام في غاية الفساد والرازي نفسه قد بين بطلان ذلك في غير موضع بل نقول مجرد اشتراك الاثنين في كون كل منهما جسما أو متحيزا أو موصوفا أو مقدارا أو غير ذلك لا يمنع اختصاص أحدهما بصفات لازمة له وليس إذا احتاج اختصاصه بالحيز إلى سبب غير الجسمية المشتركة يلزم أن يكون ذلك المخصص له مخصص آخر بل المشاهد خلاف ذلك فإن اختصاص الأجسام المشهودة باحيازها ليس للجسمية المشتركة بل لأمر يخصها هو من لوازمها بمعنى أن المقتضي لذاتها هو المقتضي لذلك اللازم إلى أن قال # وهذا مطرد في كل ما يقدر من الموصوفات المستلزمة لصفاتها كالحيوانية والناطقية للإنسان وكذلك الاعتداء والنمو للحيوان والنبات مثلا فإن كون النبات ناميا مغتذيا هو صفة لازمة له لا لعموم كونه جسما ولا لسبب غير حقيقته التي يختص بها بل حقيقته مستلزمة لنموه واغتذائه وهذه الصفات أقرب إلى أن تكون داخلة في حقيقته من كونه ممتدا في الجهات وإن كان ذلك أيضا لازما له فإنا نعلم أن النار والثلج والتراب والخبز والإنسان والشمس والفلك وغير ذلك كلها مشتركة في أنها متحيزة ممتدة في الجهات كما أنها مشتركة في أنها موصوفة بصفات قائمة بها وفي أنها حاملة لتلك الصفات وما به افترقت وامتاز بعضها عن بعض أعظم مما فيه اشتركت فالصفات الفارقة بينها الموجبة لاختلافها ومباينة بعضها لبعض أعظم مما يوجب تشابهها ومناسبة بعضها لبعض فمن يقول بتماثل الجواهر والأجسام يقول أن الحقيقة هي ما اشتركت فيه من التحيزية والمقدارية وتوابعها وسائر الصفات عارضة لها تفتقر إلى سبب غير الذات ومن يقول باختلافها يقول بل المقدارية للجسم والتحيزية للمتحيز كالموصوفية للموصوف واللونية والعرضية للعرض والقيام بالنفس للقائمات بأنفسها ونحو ذلك ومعلوم أن الموجودين إذا اشتركا في أن هذا قائم بنفسه

وهذا قائم بنفسه لم يكن أحدهما مثلا الآخر وإذا اشتركا في أن هذا لون وهذا لون وهذا طعم وهذا طعم وهذا عرض وهذا عرض لم يكن أحدهما مثلا للآخر وإذا اشتركا في أن هذا موصوف وهذا موصوف لم يكن أحدهما مثلا للآخر وإذا اشتركا في أن هذا مقدار ولهذا مقدار ولهذا حيز ومكان ولهذا حيز ومكان كان أولى أن لا يوجب هذا تماثلها لأن الصفة الموصوف أدخل في حقيقته من القدر للمقدار والمكان للتمكن والحيز للمتحيز فإذا كان اشتراكهما فيما هو أدخل في الحقيقة لا يوجب التماثل فاشتراكهما فيما هو دونه في ذلك أولى بعدم التماثل والكلام على هذه الأمور مبسوط في غير هذا الموضع # قال الرازي الثاني أن تقدير أن يكون هو تعالى مشاركا لسائر الأجسام في الجسمية ومخالفا لها في الماهية المخصوصة يجب وقوع الكثرة في ذات الله تعالى لأن الجسمية مشترك فيها بين الله وبين غيره وخصوصية ذاته غير مشتركة فيما بين الله تعالى وبين غيره وما به المشاركة غير ما به الممايزة وذلك يقتضي وقوع التركيب في ذاته المخصوصة وكل مركب ممكن لا واجب على ما بيناه فثبت أن السؤال ساقط والله أعلم # قال الشيخ رحمه الله يذكرون لفظ التكثر و التغير وهما لفظان مجملان يتوهم السامع أنه تكثر الآلهة وأن الرب يتغير ويستحيل من حال إلى حال إلى أن قال ثم إنهم ينفون ذلك من غير دليل أصلا بل نقول مجرد اشتراك الاثنين في كون كل منهما جسما أو متحيزا أو موصوفا

أو مقدرا لا يمنع من اختصاص أحدهما بصفات لازمة له فإن كون النبات ناميا مغتذيا هو صفة لازمة له لا لعموم كونه جسما ولا لسبب غير حقيقته التي اختص بها بل حقيقة مستلزمة لنموه واغتذائه # وحينئذ فقوله ما به الاشتراك غير ما به الامتياز قلنا لم يشتركا في شيء خارجي حتى يحوجهما اشتراكهما فيه إلى الامتياز بل هما ممتازان بأنفسهما وإنما تشابها أو تماثلا في شيء والمتماثلان لا يحوجهما التماثل إلى مميز بين عينيهما بل كل منهما ممتاز عن الآخر بنفسه وإن أريد بالمشترك بينهما المعنى المطلق الكلي فذاك لا يفتقر إلى ما به الامتياز وليس له ثبوت في الأعيان حتى يقال أنه يلزم أن يكون المطلق في الأعيان من غير مخصص وإن أريد به ما يقوم بكل منهما من المشترك وهو ما يوجد في الأعيان من الكلي فذاك لا اشتراك فيه في الأعيان فإن كل ما لأحدهما فهو مختص به لا اشتراك فيه وحينئذ فالموجود من الوجوب هو مختص بأحدهما بنفسه لا يفتقر إلى مخصص فلا يكون الوجوب الذي لكل منهما في الخارج مفقرا إلى مخصص وإذا لم يكن ذلك بطل ما احتجوا به على كونه ممكنا # قال أبو عبد الله الرازي الحجة الثالثة قوله تعالى ^ والله الغني وانتم الفقراء ^ دلت هذه الآية على كونه غنيا ولو كان جسما لما كان غنيا لأن كل

جسم مركب وكل مركب محتاج إلى كل واحد من أجزائه وأيضا لوجوب اختصاصه بالجهة لكان محتاجا إلى الجهة وذلك يقدح في كونه غنيا على الإطلاق # الحجة الرابعة قوله تعالى ^ لا إله إلا هو الحي القيوم ^ والقيوم من يكون قائما بنفسه مقوما لغيره فكونه قائما بنفسه عبارة عن كونه غنيا عن كل ما سواه وكونه مقوما لغيره عبارة عن احتياج كل ما سواه إليه فلو كان جسما لكان هو مفتقرا إلى غيره وهو جزؤه ولكان غيره غنيا عنه وهو جزؤه فحينئذ لا يكون قيوما وأيضا لو وجب حصوله في شئ من الأحياز لكان مفتقرا محتاجا إلى ذلك الحيز فلم يكن على الإطلاق # فإن قيل ألستم تقولون إنه يجب أن يكون موصوفا بالعلم ولم يقدح ذلك عندكم في كونه قيوما فلم لا يجوز أيضا أن يقال إنه يجب أن يحصل في حيز معين ولم يقدح ذلك في كونه قيل عندنا أن ذاته كالموجب لتلك الصفة وذلك لا يقدح في وصف الذات بكونه قيوما أما هنا فلا يمكن أن يقال أن ذاته توجب ذلك الحيز المعين لأن بتقدير أن لا يكون حاصلا في ذلك الحيز لم يلزم بطلان ذلك ولا عدمه فكان الحيز غنيا عنه وكان هو مفتقرا إلى ذلك الحيز فظهر الفرق والله أعلم # قلت ولقائل أن يقول هذا باطل من وجوده # أحدها إن الذين قالوا إنه جسم لا يقول أكثرهم أنه مركب من الأجزاء بل ولا يقولون إن كل جسم مركب من الأجزاء فالدليل على امتناع ما هو مركب من الأجزاء فقط لا يكون حجة على من قال أنه ليس بمركب

وإن كان بناءا على إن جسم مركب فهذا ممنوع وإن قيل لا نعني بالأجزاء أجزاءا كانت موجودة بدونه وإنما نعني بها أنه لا بد أن يتميز منه شئ عن شئ قيل فحينئذ لا يلزم أن يكون ذلك الذي يمكن أن يصير جزءا غير مفتقر إليه إذ هو لا بد منه في وجود الجملة وليس موجودا دونها فالجملة لا تستغني عنه وهو أيضا لا يستغني عنها فتكون الحجة باطلة # الثاني أن يقال ما تعني بقولك إنه يكون مفتقرا إلى كل واحد من تلك الأجزاء أتعني أنه يكون مفعولا للجزء أو معلولا لعلة فاعلة أم تعني أنه يكون وجوده مشروطا بوجود الجزء بحيث لا يوجد أحدهما إلا مع الآخر فإن ادعيت الأول كان التلازم باطلا فأنه من المعلوم أن الأجسام التي خلقها الله تعالى ليس شئ من أجزائها فاعلا لها ولا علة فاعلة لها فإذا لم يكن شئ من المركبات المخلوقة جزؤه فاعلا له ولا علة فاعلة له كان دعوى أن ذلك قضية كلية من أفسد الكلام فإنه لا يعلم ثبوتها في شئ من الجزئيات المشهودة فضلا عن أن تكون كلية وإن قيل نعني بالافتقار أنه لا يوجد هذا إلا مع هذا قيل ولم قلتم إن مثل هذا ممتنع على الواجب بنفسه فإن الممتنع عليه أن يكون فاعلا أو علة فاعلة إذا قيل بإمكان علة فاعلة لا تفعل بالاختيار فأما كونه لا يكون وجوده مستلزما للوازم لا يكون موجودا إلا بها فالواجب بنفسه لا ينافي ذلك سواء سميت صفات أو أجزاء أو ما سميت # ويظهر هذا بالوجه الثالث وهو أن النافي لمثل هذا التلازم إن كان متفلسفا فهو يقول إن ذاته مستلزمة للمكنات المنفصلة عنه فكيف يمنع أن تكون مستلزمة لصفاته اللازمة له ولما هو داخل في مسمى اسمه وهو أيضا يسم أن ذاته تستلزم كونه واجبا وموجودا وعاقلا وعقلا ولذيذا وملتذا به ومحبا لذاته ومحبوبا لها وأمثال ذلك من االمعاني المتعددة فإذا قيل هذه كلها شئ واحد

قيل هذا مع كونه معلوم الفساد بالضرورة لكونه تضمن أن العلم هو الحب وأن العالم المحب هو العلم والحب فإن قدر إمكانه فقول القائل إن الجسم ليس بمركب من الهيلولي والصورة ولا من الجواهر المنفردة بل هو واحد بسيط أقرب إلى العقل من دعوى اتحاد هذه الحقائق وإن كان من المعتزلة وأمثالهم فهم يسلمون أن ذاته تستلزم أنه حي عالم قادر وإن كان من الصفاتية فهم يسلمون استلزام ذاته للعلم والقدرة والحياة وغير ذلك من الصفات فما من طائفة من الطوائف إلا وهي تضطر إلى أن تجعل ذاته مستلزمة للوازم وحينئذ فنفي هذا التلازم لا سبيل لأحد إليه سواء سمي افتقارا أم لم يسم وسواء قيل أن هذا يقتضي التركيب أو لم يقل # الوجه الرابع أن يقال قول القائل إن المركب مفتقر إلى كل واحد من تلك الأجزاء أتعني بالمركب تلك الأجزاء أو تعني به اجتماعها أو الأمرين أو شيئا رابعا فإن عنيت الأول كان المعني أن تلك الأجزاء مفتقرة إلى تلك الأجزاء وكان حاصله أن الشئ المركب مفتقر إلى المركب وأن الشيء مفتقر إلى نفسه وأن الواجب بنفسه مفتقر إلى الواجب نفسه ومعلوم أن الواجب بنفسه لا يكون مستغنيا عن نفسه بل وجوبه بنفسه يستلزم أن نفسه لا تستغني عن نفسه فما ذكرتموه من الافتقار هو تحقيق لكونه واجبا بنفسه لا مانع لكونه واجبا بنفسه # وإن قيل أن المركب هو الاجتماع الذي هو اجتماع الأجزاء وتركيبها قيل فهذا الاجتماع هو صفة وعرض للأجزاء لا يقول عاقل أنه واجب بنفسه دون الأجزاء بل إنما يقال هو لازم للأجزاء والواجب بنفسه هو الذات القائمة بنفسها وهي الأجزاء لا مجرد الصفة التي نسبة بين الأجزاء وإذا لم يكن هذا هو نفس الذات الواجبة بنفسها وإنما هو صفة لها فالقول فيه كالقول في غيره مما

سميتموه أنتم أجزاءا وغايته أن يكون بعض الأجزاء مفتقرا إلى سائرها وليس هذا هو افتقار الواجب بنفسه إلى جزئه # وإن قيل أن المركب هو المجموع إي الأجزاء واجتماعها فهذا من جنس أن يقال المركب هو الأجزاء لكن على هذا التقدير صار الاجتماع جزءا من الأجزاء وحينئذ فإذا قيل هو مفتقر إلى الأجزاء كان حقيقته أنه مفتقر إلى نفسه إي لا يستغني عن نفسه وهذا حقيقة وجوبه بنفسه لا مناف لوجوبه بنفسه # وإن عنيت به شيئا رابعا فلا يعقل هنا شيء رابع فلا بد من تصويره ثم هذا الكلام عليه # وإن قال بل المجموع يقتضي افتقاره إلى كل جزء من الأجزاء قيل افتقار المجموع إلى ذلك الجزء كافتقاره إلى سائر الأجزاء وذلك وسائر الأجزاء هي المجموع فعاد إلى أنه مفتقر إلى نفسه # فإن قيل فأحد الجزأين مفتقر إلى الآخر أو قيل الجملة مفتقرة إلى كل جزء إلى آخره قيل أولا ليس هذا هو حجتكم فإنما ادعيتم افتقار الواجب بنفسه إلى جزئه وقيل ثانيا إن عنيت بكون أحد الجزأين مفتقرا إلى الآخر أن أحدهما فاعل للآخر أو علة فاعلة له فهذا باطل بالضرورة فإن المركبات الممكنة ليس أحد أجزائها علة فاعلة للآخر ولا فاعلا له باختياره فلو قدر أن في المركبات ما يكون جزؤه فاعلا لجزئه لم يكن له مركب كذلك فلا تكون القضية كلية فلا يجب أن يكون مورد النزاع داخلا فيما جزؤه مفتقر إلى جزئه فكيف إذا لم يكن من الممكنات شيء من ذلك فكيف يدعى في الواجب بنفسه إذا قدر مركبا أن يكون بعض اجزائه علة فاعلة للجزء الآخر وإن عنيت أن أحد الجزأين لا يوجد إلا مع الجزء الآخر فهذا إنما فيه تلازمهما وكون

أحدهما مشروطا بالآخر وذلك دور معي اقتراني وهو ممكن صحيح لا بد منه في كل متلازمين وهذا لا ينافي كون المجموع واجبا بالمجموع وإذا قيل في كل من الأجزاء هل هو واجب بنفسه أم لا قيل إن أردت هل هو مفعول معلول لعلة فاعلة أم لا فليس في الأجزاء ما هو كذلك بل كل منها واجب بنفسه بهذا الاعتبار وأن عنيت أنه هل فيها ما يوجد بدون وجود الآخر فليس فيها ما هو مستقل دون الآخر ولا هو واجب بنفسه بهذا الاعتبار والدليل دل على إثبات واجب بنفسه غني عن الفاعل والعلة الفاعلة لا على أنه لا يكون شيء غني عن الفاعل للوازم # فلفظ الواجب بنفسه فيه إجمال واشتباه دخل بسببه غلط كثير فما قام عليه البرهان من إثبات الواجب بنفسه ليس هو ما فرضه هؤلاء النفاة فإن الممكن هو الذي لا يوجد إلا بموجد يوجده فكونه موجودا بنفسه مستلزما للوازم لا ينافي أن يكون ذاتا متصفة بصفات الكمال وكل من الذات والصفات ملازم للآخر وكل من الصفات ملازمة للأخرى وكل ما يسمى جزأ فهو ملازم للآخر وإذا قيل هذا فيه تعدد الواجب قيل إن أردتم تعدد الإله الموجود بنفسه الخالق للممكنات فليس كذلك وأن أردتم تعدد معان وصفات له أو تعدد ما سميتموه اجزاءا له فلم قلتم إنه إذا كان كل من هذه واجبا بنفسه أي هو موجود بنفسه لا بموجد يوجده مع أن وجوده ملزوم لوجود الآخر يكون ممتنعا ولم قلتم إن ثبوت معنيين أو شيئين واجبين متلازمين يكون ممتنعا وهكذا كما تقول المعتزلة إنكم إذا أثبتم الصفات قلتم بتعدد القديم فيقال لهم إن قلتم إن ذلك يتضمن تعدد آلهة قديمة خالقة للمخلوقات فهذا التلازم باطل وإن قلتم يستلزم تعدد صفات قديمة للإله القديم فلم قلتم إن هذا محال فعامة ما يلبس به هؤلاء النفاة ألفاظ مجملة متشابهة إذا فسرت معانيها وفصل بين

ما هو حق منها وبين ما هو باطل زالت الشبهة وتبين أن الحق الذي لا محيد عنه هو قول أهل الإثبات للمعاني والصفات # قوله أما هاهنا فلا يمكن أن يقال إن ذاته توجب ذلك الحيز المعين لأن بتقدير أن يكون حاصلا في ذلك الحيز لم يلزم بطلان ذلك ولا عدمه فكان الحيز غنيا عنه وكان هو مفتقرا إلى ذلك الحيز فظهر الفرق والله أعلم # قال ابن تيمية رحمه الله وأيضا لم نعلم أحدا قال إنه محتاج إلى شيء من مخلوقاته فضلا عن أن يكون محتاجا إلى غير مخلوقاته ولا يقول أحد إن الله محتاج إلى العرش مع أنه خالق العرش والمخلوق مفتقر إلى الخالق لا يفتقر الخالق إلى المخلوق وبقدرته قام العرش وسائر المخلوقات وهو الغني عن العرش وكل ما سواه فقير إليه فمن فهم عن الكرامية وغيرهم من طوائف الإثبات إنهم يقولون أن الله محتاج إلى العرش فقد أفترى عليهم كيف وهم يقولون إنه كان موجودا قبل العرش فإذا كان موجودا قائما بنفسه قبل العرش لا يكون إلا مستغنيا عن العرش وإذا كان الله فوق العرش لم يجب أن يكون محتاجا إليه فإن الله قد خلق العالم بعضه فوق بعض ولم يجعل عاليه محتاجا إلى سافله # وكثير مما يسمي مكانا وحيزا وجهة للإنسان يكون مفتقرا إليه بل ولغير الإنسان أيضا كاحتياج القميص إلى لا بسه واستغناء صاحبه عنه وكذلك

الحيز قد ذكرنا أنه يراد به حدود الشيء المتصلة به التي تحوزه وهو جوانبه وتلك تكون داخلة فيه فلا تكون مستغنية عنه مع حاجته إليها وقد يراد به الشيء المنفصل عنه الذي يحيط به كالقميص المخيط وهذا قد يكون مفتقرا إلى الإنسان كقميصه وقد يكون مستغنيا عنه وإن كان مستغنيا عن الإنسان لكن الإنسان لا يحتاج إلى حيز بعينه فليس الإنسان مفتقرا إلى حيز معين خارج عن ذاته بحال بل وكذلك سائر الموجودات وأما الحهة فهي لا تكون جهة إلا بالتوجه فهي مفتقرة إلى كونها جهة إلى المتوجه والمتوجه لا يفتقر إلى جهة بعينها بحال إلى أن قال فكيف في حق الخالق الغني عن كل ما سواه المفتقر إليه كل ما سواه # وقد بسطت معنى القيوم في موضع آخر وبينا أنه الدائم الباقي الذي لا يزول ولا يعدم ولا يفنى بوجه من الوجوه # قال الرازي الحجة الخامسة قوله تعالى ^ هل تعلم له سميا ^ قال ابن عباس رضي الله عنهما هل تعلم له مثلا ولو كان متحيزا لكان كل واحد من الجواهر مثلا # وأما التمثيل فقد نطق القرآن بنفيه عن الله في مواضع كقوله ^ ليس كمثله شيء ^ وقوله ^ هل تعلم له سميا ^ وقوله ^ ولم يكن له كفوا أحد ^ وقوله ^ فلا تجعلوا لله أندادا ^ # وقوله ^ فاعبدوا واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا ^ أي نظيرا يستحق مثل اسمه

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:13 AM
ويقال مساميا يساميه وهذا معنى ما يروى عن ابن عباس ^ هل تعلم له سميا ^ مثيلا أو شبيها # وموجب الأدلة السمعية يتلقى من عرف المتكلم بالخطاب لا من الوضع المحدث فليس لأحد أن يقول إن الألفاظ التي جاءت في القرآن موضوعة لمعاني ثم يريد أن يفسر مراد الله بتلك المعاني هذا من فعل أهل الالحاد المفترين فإن هؤلاء عمدوا إلى معاني ظنوها ثابتة فجعلوها هي معنى الواحد والواجب والغني والقديم ونفي المثل ثم عمدوا إلى ما جاء في القرآن والسنة من تسمية الله تعالى بأنه أحد و واحد وغني ونحو ذلك في نفي المثل والكفؤ عنه فقالوا هذا يدل على المعاني التي سميناها بهذه الأسماء وهذا من أعظم الافتراء على الله # وكذلك إذا قالوا الموصوفات تتماثل والأجسام تتماثل والجواهر تتماثل وأرادوا أن يستدلوا بقوله تعالى ^ ليس كمثله شيء ^ على نفي مسمى هذه الأمور التي سموها بهذه الأسماء في اصطلاحهم الحادث كان هذا افتراءا على القرآن # ويقال له أتعني بالحيز ما هو من لوازم المتحيز وهو نهايته وحده الداخل في مسماه أم تريد بالحيز شيئا موجودا منفصلا عنه كالعرش فأن أريد بالحيز المعنى الأول وهو ما هو من لوازم كل متحيز فإن حيزه بهذا التفسير داخل في مسمى ذاته ونفسه وعينه إلى أن قال ولا نسلم أنه ممتنع والقدر والحيز الداخل في مسمى المتحيز الذي هو من لوازمه أبلغ من صفاته الذاتية فإن كل وجود

متحيز بدون الحيز الذي هو جوانبه المحيطة به يمتنع أن يكون هو إياه والقديم الذي يمتنع وجوده مع الله هو ما كان شيئا منفصلا عنه بل كل شيء يكون داخلا في مسماه ليس خارجا عنه إلى أن قال يقال له كل جسم فإنه مختص بحيزه وحيزه الذي هو جوانبه ونهايته وحدوده الداخل في مسماه وأما اختصاصه بحيز وجودي ينفصل عنه فذاك شيء آخر لا يلزم كما قد بيناه فعلم أن ذلك لا ينافي ما ذكره من دليل حدوث الأجسام مع أن ذلك الدليل لا نرتضيه # ولقائل أن يقول إن عنيت بالتحيزية تفرقته بعد الاجتماع واجتماعه بعد الافتراق فلا نسلم أن ما لا يكون كذلك يلزم أن يكون حقيرا وإن عنيت به ما يشار إليه أو يتميز منه شيء عن شيء لم نسلم أن مثل هذا ممتنع بل نقول أن كل موجود قائم بنفسه فإنه كذلك وأن ما لا يكون كذلك فلا يكون إلا عرضا قائما بغيره وأنه لا يعقل موجود إلا ما يشار إليه أو ما يقوم بما يشار إليه # وعند هؤلاء أن الباقي حال بقائه لا يحتاج إلى الرب # قال الرازي الحجة السادسة قوله تعالى ^ هو الله الخالق البارئ المصور ^ وجه الاستدلال به أنا بينا في سائر كتبنا أن الخالق في اللغة هو المقدر ولو كان تعالى جسما لكان متناهيا ولو كان متناهيا لكان مخصوصا بمقدار معين ولما وصف نفسه بكونه خالقا وجب أن يكون تعالى هو المقدر لجميع

المقدرات بمقاديرها المخصوصة فإذا كان هو مقدرا في ذاته بمقدار مخصوص لزم كونه مقدارا لنفسه وذلك محال # وأيضا لو كان جسما لكن متناهيا وكل متناه فإنه محيط به حد أو حدود مختلفة وكل ما كان كذلك فهو مشكل وكل مشكل فهو صورة فلو كان جسما لكان له صورة ثم أنه تعالى وصف نفسه بكونه مصورا فيلزم كونه مصورا لنفسه وذلك محال فيلزم أن يكون منزها عن الصورة والجسمية حتى لا يلزم هذا المحال # لفظ الخلق المراد به الفعل الذي يسمى المصدر كما يقال خلق يخلق خلقا كقوله ^ وما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ^ وقوله ^ يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق ^ وقوله ^ ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم ^ وليس الكلام في لفظ خلق المراد به المخلوق ومنه قوله ^ هذا خلق الله ^ # والناس تنازعوا في نفس الخلق والأحداث والتكوين هل هو من صفات الله أم لا وهذا المؤسس وأصحابه مع المعتزلة يقولون إن الخلق هو المخلوق ليس ذلك صفة لله بحال وأما جمهور الفقهاء وأهل الحديث والصوفية وطوائف من أهل الكلام فيقولون إن الفعل نفسه والخلق من صفاته ولكن المخلوق ليس من صفاته # وقال في قوله ^ الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى ^ العطف يقتضي اشتراك المعطوف والمعطوف عليه فيما ذكر وإن بينهما مغايرة في الصفات

فإن الذي خلق فسوى هو الذي قدر فهدى لكن هذا الاسم والصفة ليس هو ذاك الاسم والصفة # قوله لزم أن يكون مقدرا لنفسه # معلوم أن الشيء لا يوجد إلا بنفسه وإذا قيل هو مفتر إلى نفسه بهذا المعنى لم يكن ممتنعا بل هذا هو الحق فأن نفس الواجب لا يستغني عن نفسه وإذا قيل هو واجب بنفسه فليس المراد ابدعت وجوده بل المراد أن نفسه موجودة بنفسها لم تفتقر إلى غيره في ذلك ووجوده واجب لا يقبل العدم بحال # قوله وأيضا لو كان جسما لكان متناهيا وكل منته فإنه محيط به حد أو حدود مختلفة # يقال هذه الحجة من جنس قولهم لو كان فوق العرش لكان إما أن يكون أصغر منه أو بقدره أو أكبر منه ببعد متناه أو غير متناه وهذه حجج الجهمية قديما كما ذكر الأئمة والكلام على هذه الحجة في مقامين أحدهما منع المقدمة الأولى والثاني منع المقدمة الثانية # أما الأول فهو قول من يقول هو فوق العرش وليس له حد ولا مقدار ولا هو جسم كما يقول ذلك كثير من الصفاتية من الكلابية أئمة الأشعرية وقدمائهم ومن وافقهم من الفقهاء والطوائف الأربعة وغيرهم وأهل الحديث

والصوفية وغير هؤلاء وهم أمم لا يحصيهم إلا الله إلى أن قال وأما المقام الثاني فهو كلام من لا ينفي هذه الأمور التي يحتج بها عليه نفاة العلو على العرش ليس لها أصل في الكتاب والسنة بل قد يثبتها أو يثبت بعضها لفظا أو معنى أو لا يتعرض لها بنفي ولا إثبات وهذا المقام هو الذي تكلم فيه سلف الأمة وأئمتها وجماهير أهل الحديث وطائفة من أهل الكلام والصوفية وغيرهم وكلام هؤلاء أسد في العقل والدين إلى أن قال والكلام على هذا من وجوه # أحدها أن يقال قوله إن كل ما كان متناهيا من جميع الجوانب كانت حقيقته قابلة للزيادة والنقصان وكلما كان كذلك كان محدثا على ما بيناه يقال له قد تقدم الكلام على هذه الحجة وبينا أن جميع بنى آدم من المسلمين واليهود والنصارى والصابئين والمجوس والمشركين يخالفونك في هذه المقدمة وبينا فساد ما ذكره من الحجة عليها بوجوه كثيرة بيانا واضحا إلى أن قال ويقال له وإذا نازعك إخوانك المتكلمون الجهمية من المجسمة وغير المجسمة الموافقون لك أنه ليس فوق العرش الذين يقولون لا نهاية لذاته ومساحته مع قولهم إنه جسم ومع قولهم ليس بجسم فما حجتك عليهم إلى أن قال وقد يقول هؤلاء هب أنه قام دليل على تناهي العالم وتناهي المخلوقات وتناهي الأبعاد التي فيها المحدثات فلم قلت إن ذلك محال في حق الباري وهذا يقوله مثبتة لجسم ونفاته # ولهذا لم يكن لابتداء وجوده ولا لدوام بقائه حد ولا نهاية ولا غاية ولا يقال مثل ذلك في عظمة ذاته وقدره بل يقال

^ لا تدركه الأبصار ^ ^ ولا يحيطون به علما ^ أو يقال ^ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة ^ الآية ولهذا كان جهم وأبو الهذيل وهما إماما الجهمية وغيرهما لما قاسوا النهاية في الذات والمكان على النهاية في الوجود والزمان عدوا حكم هذا إلى حكم هذا وحكم هذا إلى حكم هذا فقال بان المخلوق يتثبت له النهايات جميعا وأثبتوها في الانتهاء فقال الجهم بفناء الجنة والنار وقال أبو الهذيل بفناء الحركات كلها # قال الرازي الحجة السابعة قوله تعالى ^ هو الأول والآخر والظاهر والباطن ^ وصف نفسه بكونه ظاهرا وباطنا ولو كان جسما لكان ظاهره غير باطنه فلم يكن الشيء الواحد موصوفا بأنه ظاهر وبأنه باطن لأنه على تقدير كونه جسما يكون الظاهر منه سطحه والباطن منه عمقه فلم يكن الشيء الواحد ظاهرا وباطنا وأيضا المفسرون قالوا أنه ظاهر بحسب الدلائل باطن بحسب أنه لا يدركه الحس ولا يصل إليه الخيال ولو كان جسما لما أمكن وصفه بأنه لا يدركه الحس ولا يصل إليه الخيال # قال الشيخ رحمه الله اعتقاد النفاة هو أنه لا داخل العالم ولا خارجه وأنه ليس فوق السموات رب ولا على العرش إله وإن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يعرج به إلى الله وإنما عرج به إلى السموات فقط لا إلى الله وأن الملائكة لا تعرج إلى الله بل إلى ملكوته وأن الله لا ينزل منه شيء ولا يصعد إليه شيء وأمثال ذلك وأن كانوا يعبرون عن ذلك بعبارات مبتدعة فيها إجمال وإبهام وإيهام كقولهم ليس

بمتحيز ولا جسم ولا جوهر ولا هو في جهة ولا مكان وأمثال هذه العبارات التي تفهم منها العامة تنزيه الرب تعالى عن النقائض # ولفظ الجسم فيه إجمال قد يراد به المركب الذي كانت أجزاؤه مفرقة فجمعت أو ما يقبل التفريق والانفصال أو المركب من مادة و صورة أو المركب من الأجزاء المفردة التي تسمى الجواهر الفردة والله تعالى منزه عن ذلك كله أو كان متفرقا فاجتمع أو أن يقبل التفريق والتجزئة التي هي مفارقة بعض الشيء بعضا وانفصاله عنه أو غير ذلك من التركيب الممتنع عليه وقد يراد بالجسم ما يشار إليه أو ما يرى أو ما تقوم به الصفات والله تعالى يرى في الآخرة وتقوم به الصفات ويشير إليه الناس عند الدعاء بأيديهم وقلوبهم ووجوههم وأعينهم فإن أراد بقوله ليس بجسم هذا المعنى قيل له هذا المعنى الذي قصدت نفيه بهذا اللفظ معنى ثابت بصحيح المنقول وصريح المعقول وأنت لم تقم دليلا على نفيه وأما اللفظ فبدعة نفيا وإثباتا فليس في الكتاب ولا السنة ولا قول أحد من سلف الأمة وأئمتها إطلاق لفظ الجسم في صفات الله تعالى لا نفيا ولا إثباتا وكذلك لفظ الجوهر والمتحيز ونحو ذلك من الألفاظ التي تنازع أهل الكلام المحدث فيها نفيا وإثباتا وإن قال كل ما يشار إليه ويرى وترفع إليه الأيدي فإنه لا يكون إلا جسما مركبا من الجواهر الفردة أو من المادة والصورة قيل له هذا محل نزاع فأكثر العقلاء ينفون ذلك وأنت لم تذكر على ذلك دليلا وهذا منتهى نظر النفاة فإن عامة ما عندهم أن ما تقوم به الصفات ويقوم به الكلام والإرادة والأفعال وما يمكن رؤيته بالإبصار لا يكون جسما مركبا من الجواهر الفردة أو من المادة والصورة وما يذكرونه من العبارة فإلى هذا يعود وقد تنوعت طرق أهل الإثبات في الرد عليهم فمنهم من سلم لهم أنه يقوم به الأمور الاختيارية من

الأفعال وغيرها ولا يكون إلا جسما ونازعهم فيما يقوم به من الصفات التي يتعلق منها ششيء بالمشيئة والقدوة ومنهم من نازعهم في هذا وهذا وقال بل لا يكون هذا جسما ولا هذا جسما ومنهم من سلم لهم أنه جسم ونازعهم في كون القديم ليس بجسم # وقوله تعالى هو الظاهر ضمن معنى العالي كما قال ^ فما استطاعوا أن يظهروه ^ ويقال ظهر الخطيب على المنبر وظاهر الثوب أعلاه بخلاف بطانته وكذلك ظاهر البيت أعلاه وظاهر القول ما ظهر منه وبان وظاهر الإنسان خلاف باطنه فكلما علا الشيء ظهر ولهذا قال أنت الظاهر فليس فوقك شيء فأثبت الظهور وجعل موجب الظهور أنه ليس فوقه شيء ولم يقل ليس شيء أبين منك ولا أعرف وبهذا تبين خطأ من فسر الظاهر بأنه المعروف كما يقوله من يقول الظاهر بالدليل الباطن بالحجاب كما في كلام أبي الفرج وغيره فلم يذكر مراد الله ورسوله وإن كان الذي ذكره له معنى صحيح وقال أنت الباطن فليس دونك شيء فيهما معنى الإضافة لا بد أن يكون البطون والظهور لمن يظهر ويبطن وإن كان فيهما معنى التجلي والخفاء ومعنى آخر كالعلو في الظهور فإنه سبحانه لا يوصف بالسفول وقد بسطنا هذا في الإحاطة لكن إنما يظهر من الجهة العالية علينا فهو يظهر علما بالقلوب وقصدا له ومعاينة إذا رؤي يوم القيامة وهو باد عال ليس فوقه شيء ومن جهة أخرى يبطن فلا يقصد منها ولا يشهد وإن لم يكن شيء أدنى منه فإنه من ورائهم محيط فلا شيء دونه سبحانه # والرب تعالى لا يكون أعلى منه قط بل هو العلي إلا على ولا يزال هو العلى الأعلى مع أنه يقرب إلى عباده ويدنو منهم وينزل إلى حيث شاء ويأتي كما

شاء وهو في ذلك العلي الأعلى الكبير المتعالي علي في دنوه قريب في علوه فهذا وإن لم يتصف به غيره فلعجز المخلوق أن يجمع بين هذا وهذا كما يعجز أن يكون هو الأول والآخر والظاهر والباطن ولهذا قيل لأبي سعيد الخراز بم عرفت الله قال بالجمع بين النقيضين وأراد أنه يجتمع له ما يتناقض في حق الخلق # ولو أراد مجرد الانكشاف والتجلي لنافى ذلك وصفه بالبطون لأن كون الشيء ظاهرا بمعنى كونه معلوما أو مشهودا ينافي كونه باطنا # وقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عني الدين واغنني من الفقر فأخبر بأنه ليس فوقه شيء في ظهوره وعلوه على الأشياء وأنه ليس دونه شيء فلا يكون أعظم بطونا منه حيث بطن في الجهة الأخرى من العباد إلى أن قال ومجموع الأسمين يدلان على الإحاطة والسعة # قال أبو عبد الله الرازي الحجة الثامنة قوله تعالى ^ ولا يحيكون به علما ^ وقوله ^ لا تدركه الأبصار ^ وذلك يدل على كونه تعالى منزها عن المقدار والشكل والصورة وإلا لكان الإدراك والعلم محيطين به وذلك على خلاف هذين النصين فإن قيل لم لا يجوز أن يقال أنه وإن كان جسما لكنه جسم كبير فلهذا المعنى لا يحيط به الإدراك والعلم قلنا لو كان الأمر كذلك لصح أن يقال بأن علوم الخلق وأبصارهم لا تحيط بالسموات ولا بالجبال ولا بالبحار ولا بالمفاوز فإن

هذه الأشياء أجسام كبيرة والأبصار لا تحيط بأطرافها والعلوم لا تصل إلى تمام أجزائها ولو كان الأمر كذلك لما كان في تخصيص ذات الله تعالى بهذا الوصف فائدة # وأما احتجاج النفاة بقوله تعالى ^ لا تدركه الأبصار ^ فالآية حجة عليهم لا لهم لأن الإدراك أما أن يراد به مطلق الرؤية أو الروية المقيدة بالإحاطة والأول باطل لأنه ليس كل من رأى شيئا يقال إنه أدركه كما لا يقال أحاط به كما سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن ذلك فقال ألست ترى السماء قال بلى قال أكلها ترى قال لا ومن رأى جوانب الجيش أو الجبل أو البستان أو المدينة لا يقال أنه أدركها وإنما يقال أدركها إذا أحاط بها رؤية ونحن في هذا المقام ليس علينا بيان ذلك وإنما ذكرنا هذا بيانا لسند المنع بل المستدل بالآية عليه أن يبين إن الإدراك في لغة العرب مرادف للرؤية وأن كل من رأى شيئا يقال في لغتهم إنه أدركه وهذا لا سبيل إليه كيف وبين لفظ الرؤية ولفظ الإدراك عموم وخصوص فقد تقع رؤية بلا إدراك وقد يقع إدراك بلا رؤية أو اشتراك لفظي فإن الإدراك يستعمل في إدراك العلم وإدراك القدرة فقد يدرك الشيء بالقدرة وإن لم يشاهده كالأعمى الذي طلب رجلا هاربا فأدركه ولم يره وقد قال تعالى ^ فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين ^ فنفى موسى الإدراك مع إثبات الترائي فعلم أنه قد يكون رؤية بلا إدراك والإدراك هنا هو إدراك القدرة إي ملحقون محاط بنا وإذا انتفى هذا الإدراك هنا هو إدراك القدرة إي ملحقون محاط بنا وإذا انتفى هذا الإدراك فقد تنتفي إحاطة البصر أيضا

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:14 AM
# وقد جاء حيث رواه ابن أبي حاتم قال حدثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روق عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى ^ لا تدركه الأبصار ^ قال لو أن الجن والإنس والشياطين والملائكة منذ خلقوا إلى أن فنوا صفوا صفا واحدا ما أحاطوا بالله أبدا وهذا له شواهد مثل ما في الصحاح في تفسير قوله تعالى ^ والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه ^ قال ابن عباس ما السموات السبع والأرضون السبع ومن فيهن في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم # ومما يبين ذلك أن الله تعالى ذكر هذه الآية يمدح بها نفسه سبحانه وتعالى ومعلوم أن كون الشيء لا يرى ليس صفة مدح لأن النفي المحض لا يكون مدحا إن لم يتضمن أمرا ثبوتيا لأن المعدوم أيضا لا يرى والمعدوم لا يمدح فعلم أن مجرد نفي الرؤية لا مدح فيه وإن كان المنفي هو الإدراك فهو سبحانه لا يحاط به رؤية كما لا يحاط به علما ولا يلزم من نفي إحاطة العلم والرؤية نفي الرؤية بل يكون ذلك دليلا على أنه يرى ولا يحاط به فإن تخصيص الإحاطة يقتضي أن مطلق الرؤية ليس بمنفي وهذا الجواب قول أكثرالعلماء من السلف وغيرهم وقد روي معناه عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره فلا تحتاج الآية إلى تخصيص ولا خروج عن ظاهر الآية فلا نحتاج أن نقول لا نراه في الدنيا أو نقول

^ لاتدركه الأبصار ^ بل المبصرون أو لا تدركه كلها بل بعضها ونحو ذلك من الإقوال التي فيها تكلف # قال أبو عبد الله الرازي الحجة التاسعة قوله تعالى ^ وإذا سألك عبادي عني فأني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ^ وسئل النبي صلى الله عليه وسلم أقريب ربنا فنناجيه فأنزل الله تعالى هذه الآية ولو كان الله تعالى في السماء أو في العرش لما صح القول بأنه تعالى قريب من عباده # قال الشيخ رحمه الله فصل في الجمع بين علو الرب عز وجل وبين قربه من داعيه وعابديه فنقول قد وصف الله نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله بالعلو والاستواء على العرش والفوقية في كتابه في آيات كثيرة حتى قال بعض كبار أصحاب الشافعي في القرآن ألف دليل أو أزيد تدل على أن الله عال على الخلق وأنه فوق عباده وقال غيره فيه ثلاثمائة دليل تدل على ذلك مثل قوله ^ إن الذين عند ربك ^ ^ وله من في السموات والأرض ومن عنده ^ فلو كان المراد بأن معنى عنده في قدرته كما يقول الجهمية لكان الخلق كلهم في قدرته ومشيئته لم يكن فرق بين من في السموات ومن في الأرض ومن عنده كما أن الاستواء لو كان المراد به الإستيلاء لكان مستويا على جميع المخلوقات ولكان مستويا على العرش قبل أن يخلقه دائما # وقد افترق الناس في هذا المقام أربع فرق فالجهمية النفاة الذين يقولون ليس داخل العالم ولا خارج العالم ولا فوق ولا تحت لا يقولون بعلوه ولا بفوقيته

بل الجميع عندهم متأول أو مفوض وجميع أهل البدع قد يتمسكون بنصوص كالخوارج والشيعة والقدرية والرافضة والمرجئة وغيرهم إلا الجهمية فإنهم ليس معهم عن الأنبياء كلمة واحدة توافق ما يقولونه من النفي وقسم ثان يقولون إنه بذاته في كل مكان كما يقوله النجارية وكثير من الجهمية عبادهم وصوفيتهم وعوامهم يقولون إنه عين وجود المخلوقات كما يقوله أهل الوحدة القائلون بأن الوجود واحد ومن يكون قوله مركبا من الحلول والاتحاد وجميع ما يحتجون به حجة عليهم فإن المعية أكثرها خاصة بأنبيائه وأوليائه وعندهم أنه في كل مكان والقسم الثالث من يقول أنه فوق العرش وهو في كل مكان ويقول أنا أقر بهذه النصوص وهذه لا أصرف واحدا فيها عن ظاهره وهذا قول طوائف ذكرهم الأشعري في المقالات الإسلامية وهو موجود في كلام طائفة من السالمية والصوفية لكنه غلط أيضا وأما القسم الرابع فهم سلف الأمة وأئمتها أئمة العلم والدين من شيوخ العلم والعبادة فانهم أثبتوا أن الله تعالى فوق سمواته وأنه على عرشه بائن من خلقه وهم منه بائنون وهو أيضا مع العباد عموما بعلمه ومع انبيائه وأوليائه بالنصر والتأييد والكفاية وهو أيضا قريب مجيب # ولهذا لما ذكر الله سبحانه قربه من داعيه وعابديه قال ^ وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ^ فهنا هو نفسه سبحانه وتعالى القريب الذي يجيب دعوة الداعي لا الملائكة وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته أنكم لا تدعون أصم ولا غائبا وإنما تدعون سميعا قريبا إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته وأما قرب الرب قربا يقوم به بفعله القائم بنفسه فهذا تنفيه الكلابية ومن يمنع قيام الأفعال الاختيارية بذاته

وأما السلف وأئمة الحديث والسنة فلا يمنعون ذلك وكذلك كثير من أهل الكلام # قال أبو عبد الله الرازي الحجة العاشرة لو كان تعالى في جهة فوق لكان سماء ولو كان سماء لكان مخلوقا لنفسه وذلك محال فكونه في جهة فوق محال وإنما قلنا أنه تعالى لو كان في جهة فوق لكان سماء لوجهين الأول أن السماء مشتق من السمو وكل شيء سماك فهو سماء فهذا هو الاشتقاق الأصلي اللغوي وعرف القرآن أيضا متقرر عليه بدليل أنهم ذكروا في تفسير قوله تعالى ^ وننزل من السماء من جبال فيها من برد ^ أنه السحاب قالوا وتسمية السحاب بالسماء جائز لأنه حصل فيها معنى السمو وذكروا أيضا في تفسير قوله تعالى ^ وأنزلنا من السماء ماء طهورا ^ أنه من السحاب فثبت أن الاشتقاق اللغوي والعرف القرآني متطابقان على تسمية كل ما كان موصوفا بالسمو والعلو سماء الثاني أنه تعالى لو كان فوق العرش لكان من جلس في العرش ونظر إلى فوق لم ير إلا نهاية ذات الله تعالى فكانت نسبة نهاية السطح الأخير من ذات الله تعالى إلى سكان العرش كنسبة السطح الأخير من السموات إلى سكان الأرض وذلك يقتضي القطع بأنه لو كان فوق العرش لكان ذاته كالسماء لسكان العرش فثبت أنه تعالى لو كان مختصا بجهة فوق لكان ذاته سماء # وإنما قلنا أنه لو كان ذاته مخلوقا لقوله تعالى ^ تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى ^ ولفظة السموات لفظة جمع مقرونة بالألف

واللام وهذا يقتضي كون كل السموات مخلوقة لله تعالى وكذلك قوله تعالى ^ أن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ^ يدل على ما ذكرناه فثبت أنه تعالى لو كان مختصا بجهة فوق لكان سماء ولو كان سماء لكان مخلوقا لنفسه وهذا محال فوجب أن لا يكون مختصا بجهة فوق # فإن قيل لفظ السماء مختص في العرف بهذه الأجرام المستديرة وأيضا فهب إن هذا اللفظ في أصل الوضع يتناول ذات الله تعالى إلا أن تخصيص العموم جائز قلنا أما الجواب عن الأول فهو أن هذا الفرق ممنوع وكيف لا نقول ذلك وقد دللنا على أن بتقدير أن يكون الله تعالى مختصا بجهة فوق فإن نسبة ذاته تعالى إلى سكان العرش كنسبة السماء إلى سكان الأرض فوجب القطع بأنه لو كان مختصا بجهة فوق لكان سماء وأما الجواب عن الثاني فهو أن تخصيص العموم إنما يصار إليه عند الضرورة فلو قام دليل قاطع عقلي على كونه تعالى مختصا بجهة فوق لزمنا المصير إلى التخصيص أما ما لم يقم شيء من الدلائل على ذلك بل قامت القواطع العقلية على امتناع كونه تعالى في الجهة فلم يكن بنا إلى التزام هذا التخصيص ضرورة فسقط هذا الكلام # قال الشيخ في قوله ^ أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور ^ من توهم أن مقتضى هذه الآية أن يكون الله في داخل السموات فهو جاهل ضال بالاتفاق وإن كنا إذا قلنا أن الشمس والقمر في السماء يقتضي ذلك فإن حرف في متعلق بما قبله وبما بعده فهو بحسب المضاف إليه ولهذا يفرق بين كون الشيء في المكان وكون الجسم في الحيز وكون العرض في الجسم وكون الوجه في المرآة وكون الكلام في الورق فإن لكل نوع من هذه الأنواع خاصة يتميز

بها عن غيره وإن كان حرف في مستعملا في ذلك فلو قال قائل العرش في السماء أو في الأرض لقيل في السماء ولو قيل الجنة في السماء أم في الأرض لقيل الجنة في السماء ولا يلزم من ذلك أن يكون العرش داخل السموات بل ولا الجنة فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فأنه أعلى الجنة وأوسط الجنة وسقفها عرش الرحمن فهذه الجنة سقفها الذي هو العرش فوق الأفلاك مع أن الجنة في السماء يراد به العلو سواء كان فوق الأفلاك أو تحتها قال تعالى ^ فليمدد بسبب إلى السماء ^ وقال تعالى ^ وأنزلنا من السماء ماء طهورا ^ # ولما كان قد استقر في نفوس المخاطبين أن الله هو العلي الأعلى وأنه فوق كل شيء كان المفهوم من قوله أنه في السماء أنه في العلو وأنه فوق كل شيء وكذلك الجارية لما قال لها أين الله قالت في السماء إنما أرادت العلو مع عدم تخصيصه بالأجسام المخلوقة وحلوله فيها وإذا قيل العلو فإنه يتناول ما فوق المخلوقات كلها فما فوقها كلها هو في السماء ولا يقتضي هذا أن يكون هناك ظرف وجودي يحيط به إذ ليس فوق العالم شيء موجود إلا الله كما لو قيل العرش في السماء فإنه خلا يقتضي أن يكون العرش في شيء آخر موجود مخلوق وإن قدر أن السماء المراد بها الأفلاك كان المراد أنه عليها كما قال ^ ولأصلبنكم في جذوع النخل ^ وكما قال ^ فسيروا في الأرض ^ وكما قال فسيحوا في الأرض ^ ويقال فلان في الجبل وفي السطح وأن كان على أعلى شيء فيه # ثم من توهم أن كون الله في السماء بمعنى أن السماء تحيط به وتحويه فهو كاذب إن نقله عن غيره وضال أن اعتقده في ربه وما سمعنا أحدا يفهمه من اللفظ

ولا رأينا أحدا نقله عن واحد ولو سئل سائر المسلمين هل يفهمون من قوله سبحانه ورسوله أن الله في السماء إن السماء تحويه لبادر كل أحد منهم إلى أن يقول هذا شيء لعله لم يخطر ببالنا وإذا كان الأمر هكذا فمن التكلف أن يجعل ظاهر اللفظ شيئا محالا لا يفهمه الناس منه ثم يريد أن يتأوله بل عند المسلمين أن الله في اسماء و هو على العرش واحد إذ السماء إنما يراد به العلو فالمعنى أن الله في العلو لا في السفل وقد علم المسلمون أن كرسيه سبحانه وتعالى وسع السموات والأرض وإن الكرسي في العرش كحلقة ملقاة بأرض فلاة وإن العرش خلق من مخلوقات الله لا نسبة له إلى قدرة الله وعظمته فكيف يتوهم بعد هذا أن خلقا يحصره ويحويه # وما في الكتاب والسنة من قوله ^ أأنتم من في السماء ^ ونحو ذلك قد يفهم منه بعضهم أن السماء هي نفس المخلوق العالي العرش فما دونه فيقولون قوله ^ في السماء ^ بمعنى على السماء كما قال ^ ولأصلبنكم في جذع النخل ^ أي على جذوع النخل وكما قال ^ فسيروا في الأرض ^ أي على الأرض ولا حاجة إلى هذا بل السماء اسم جنس للعالي لا يخص شيئا فقوله في السماء أي في العلو دون السفل وهو العلي الأعلى فله أعلى العلو وهو ما فوق العرش وليس هناك غيره العلي الأعلى سبحانه وتعالى # وقد قدمنا فيما مضى أن لفظ الجهة يراد به أمر موجود وأمر معدوم فمن قال أنه فوق العالم كله لم يقل أنه في جهة موجودة إلا أن يراد بالجهة العرش ويراد بكونه فيها أنه عليها كما قيل في قوله أنه في السماء أي على السماء وعلى هذا التقدير فإذا كان فوق الموجودات كلها وهو غني عنها لم يكن

عنده جهة وجودية يكون فيها فضلا عن أن يحتاج إليها وإن أريد بالجهة ما فوق العالم فذاك ليس بشيء ولا هو أمر وجودي حتى يقال أنه محتاج إليه أو غير محتاج إليه # ومن عرف نهايات أقدام المتفلسفة والمتكلمين في هذا الباب عرف أن غالب ما يزعمونه برهانا هو شبهة ورأى إن غالب ما يعتمدونه يؤول إلى دعوى لا حقيقة لها أو شبهة مركبة من قياس فاسد أو قضية كلية لا تقع إلا جزئية أو دعوى إجماع لا حقيقة له أو التمسك في المذهب والدليل بالألفاظ المشتركة ثم أن ذلك إذا ركب بالفاظ كثيرة طويلة غريبة عمن لم يعرف اصطلاحهم أوهمت الغر ما يوهمه السراب للعطشان # قال أبو عبد الله الرازي الحجة الحادية عشرة قوله تعالى ^ قل لمن ما في السموات والأرض قل لله ^ وهذا مشعر بأن المكان وكل ما فيه ملك لله تعالى وقوله ^ وله ما سكن في الليل والنهار ^ وذلك يدل على أن الزمان وكل ما فيه ملك لله تعالى ومجموع الآيتين يدلان على أن المكان والمكانيات والزمان والزمانيات كلها ملك لله تعالى وذلك يدل على تنزيهه عن المكان والزمان وهذا الوجه ذكره أبو مسلم الاصفهاني رحمه الله تعالى في تفسيره وأعلم أن في تقديم ذكر المكان على ذكر الزمان سرا شريفا وحكمة عالية

# قال الشيخ رحمه الله الزمان قد يراد به الليل والنهار كما يراد بالمكان السموات والأرض وهذا هو الذي يعنيه طوائف منهم الرازي في كتابه هذا # والمكان المشهور المعروف هو الأعيان المشهودة وما يقوم بها سواء قيل أن المكان هو نفس الأجسام التي يكون الشيء عليها أو فيها أو قيل إن المكان هو السطح الباطن من الجسم الحاوي الملاصق للسطح الظاهر للجسم المحوي وأما الزمان المعروف فأنه تابع للجسم سواء قيل أنه تقدير الحركة أو مقارنة حادث لحادث أو مرور الليل والنهار قال الله تعالى في كتابه ^ الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ^ وقال ^ إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار ^ لا نزاع بين أهل الملل أن الله سبحانه كان قبل أن يخلق هذه الأمكنة والأزمنة وأن وجوده لا يجب أن يقارن وجود هذه الأمكنة والأزمنة كما تقدم بيان ذلك # ولا ريب أن كل تقدم يوصف به المخلوق على غيره فالباري يوصف به وزيادة أخرى وهذا من باب قياس الأولى فإن التقدم على الغير من صفات الكمال كالعلو وكل علو يثبت للمخلوق فهو به أحق وكل تقدم يثبت للمخلوق فهو به أحق فإذا كان الأولون متقدمين على الآخرين تقدما معلوما بمقارنة ذلك الزمان فالرب أيضا متقدم على هؤلاء تقدما معلوما بمقارنة ذلك الزمان فهو موجود مع طلوع الشمس وغروبها كما أن غيره موجود مع ذلك ووجوده أكمل فمقارنته له أكمل وليس في ذلك ما يقتضي أنه محتاج إلى الزمان بل بينا أن مقارنة المخلوق للزمان لا توجب حاجة المخلوق إليه

فالخالق أولى أن يكون محتاجا إلى الزمان إذا كان الزمان قد قارن وجوده حين وجود الزمان # يبين هذا أن المقارنة يدل عليها لفظ مع فيكون الله مع خلقه عموما أو خصوصا مما أجمع عليه المسلمون ودل عليه القرآن في غير موضع فهو مع كل شيء معية عامة وخاصة فلماذا يمتنع أن يكون مع الزمان والمكان على الوجه الذي يليق به وذلك أمر واجب لا محالة # ولا نزاع بين من يقول بحدوث العالم أو بقدمه ووجوبه عنه في أن العالم مفتقر إليه محتاج إليه وأنه متقدم عليه بالمرتبة والعلية والذات # ومن يقول أنه في كل مكان أو يقول إنه مقارن للوجود فكلا القولين في الحقيقة يوجب افتقاره إلى المخلوقات ويمنع أن يكون واجب الوجود وإن أصحاب هذه الأقوال وإن قالوا مع ذلك هو مباين للعالم وفوقه أو قالوا هو قبل العالم ومتقدم عليه فلا حقيقة لكلامهم وقولهم صريح في معنى ذلك والتكذيب به ومن قال منهم ليس بداخل العالم ولا بخارجه فهو كمن قال لا قبل العالم ولا معه وكل من هؤلاء ينازع في أنه إله العالم المعبود لا يثبتون حقيقة ربوبيته ولا حقيقة إلهيته بل هم مشركون به وجاحدون ومعطلون وإن كان جهمية المتفلسفة أشد إشراكا وجحودا من جهمية المتكلمين # وقال في سياق حديث الجارية المعروف أين الله قالت في السماء ليس معنى ذلك أن الله في جوف السماء وقد قال مالك بن أنس إن الله فوق

السماء وعلمه في كل مكان إلى أن قال فمن أعتقد أن الله في جوف السماء محصور محاط به وإنه مفتقر إلى العرش أو غير العرش من المخلوقات أو أن استواءه على عرشه كاستواء المخلوق على كرسيه فهو ضال مبتدع جاهل ومن اعتقد أنه ليس فوق السموات إله يعبد ولا على العرش رب يصلى له ويسجد وأن محمدا لم يعرج به إلى ربه ولا نزل القرآن من عنده فهو معطل فرعوني ضال مبتدع # وهؤلاء قد يقولون كان ولا مكان ولا زمان وهو الآن على ما عليه كان وهذه الزيادة الالحادية وهو قولهم وهو الآن على ما عليه كان قصد بها المتكلمة المتجهمة نفي الصفات التي وصف بها نفسه من استوائه على العرش ونزوله إلى السماء الدنيا وغير ذلك فقالوا كان في الأزل ليس مستويا على العرش وهو الآن على ما عليه كان فلا يكون على العرش لما يقتضي ذلك من التحول والتغير # وقول الرازي واعلم إن في تقديم ذكر الزمان سرا شريفا وحكمة عالية يشير إلى أنه سببه فإن الزمان يفتقر إلى الحركة والحركة هي سبب الزمان وإن كانت مقارنة له # قال أبو عبد الله الرازي الحجة الثانية عشرة قوله تعالى ^ ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ^ ولو كان الخالق في العرش لكان حامل العرش حاملا لمن في العرش فيلزم احتياج الخالق إلى المخلوق ويقرب منه قوله تعالى ^ الذين يحملون العرش ^

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:14 AM
# قال الشيخ رحمه الله
فصل # للناس في أن الله فوق العرش والعالم قولان مشهوران لعامة الطوائف من المتكلمين وأهل الحديث والصوفية والفقهاء من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم أحدهما أنه مجرد نسبة وإضافة بين المخلوقات والخالق وبين العرش والرب تجددت بخلقه للعرش من غير أن يكون هو في نفسه تحرك أو تصرف بنفسه شيئا وهذا قول من يقول يمتنع حلول الحوادث بذاته وتمتنع الحركة عليه والقول الثاني هو المشهور عن السلف وأئمة الحديث وكثير من أهل الكلام والفقهاء والصوفية من الطوائف الأربعة وغيرهم أنه استوى عليه بعد خلق السموات والأرض كما دل عليه القرآن فيكون قد استوى عليه بعد أن لم يكن مستويا عليه وكذلك استواؤه إلى السماء ومجيؤه وإتيانه كما وردت بذلك النصوص المتواترة الصحيحة وعلى هذا التقدير فليس في ذلك انقلاب لذاته بل قد ذكر أنه ليس في الأدلة العقلية ما يحيل ذلك
فصل للناس في حملة العرش قولان # أحدهما أن حملة العرش يحملون العرش ولا يحملون من فوقه # والثاني أنهم يحملون العرش ومن فوقه كما تقدم حكاية القولين فيذكر ما يقوله الفريقان في جواب هذه الحجة فإنهم ينازعونه في المقدمتين جميعا # فيقال من جهة الأولين لا نسلم أن من حمل العرش يجب أن يحمل ما فوقه إلا أن يكون ما فوقه معتمدا عليه وإلا فالهواء والطير وغير ذلك مما هو

فوق السقف ليس محمولا لما يحمل السقف وكذلك السموات فوق الأرض وليست الأرض حاملة السموات وكل سماء فوقها سماء وليست السفلى حاملة للعليا فإذا لم يجب في المخلوقات أن يكون الشيء حاملا لما فوقه بل قد يكون وقد لا يكون لم يلزم أن يكون العرش حاملا للرب تعالى إلا بحجة تبين ذلك وإذا لم يكن العرش حاملا لم يكن حملة العرش حاملة لما فوقه بطريق الأولى # الوجه الثاني أن الطائفة الأخرى تمنع المقدمة الثانية فيقولون لا نسلم أن العرش وحملته إذا كانوا حاملين لله لزم أن يكون الله محتاجا إليهم فإن الله هو الذي يخلقهم ويخلق قواهم وأفعالهم فلا يحملونه إلا بقدرته ومعونته كما لا يفعلون شيئا من الأفعال إلا بذلك فلا يحمل في الحقيقة نفسه إلا نفسه كما أنه سبحانه إذا دعاه عباده فأجابهم وهو سبحانه الذي خلقهم وخلق دعاءهم وأفعالهم فهو المجيب لما خلقه وأعان عليه من الأفعال وكذلك إذا فرح بتوبة التائب من عباده أو غضب من معاصيهم وغير ذلك مما فيه إثبات نوع تحول عن أفعال عباده فإن هذا يقوله كثير من أهل الكلام مع موافقة جمهور أهل الحديث وغيرهم فيه مقامان مشكلان أحدهما مسألة حلول الحوادث والثانية تأثير المخلوق فيه وجواب المسألة الأولى مذكور في غير هذا الموضع وجواب السؤال الثاني أنه لا خالق ولا بارئ ولا مصور ولا مدبر لأمر الأرض والسماء إلا هو فلا حول ولا قوة إلا به وكل ما في عباده من حول وقوة فبه هو سبحانه فيعود الأمر إلى أنه هو المتصرف بنفسه سيحانه وتعالى الغني عما سواه # وهؤلاء يقولون هذا الذي ذكرناه أكمل في صفة الغني عما سواه والقدرة على كل شيء مما يقوله النفاة فإن أولئك يقولون لا يقدر أن يتصرف بنفسه ولا يقدر أن ينزل ولا يصعد ولا يأتي ولا يجيء ولا يقدر أن يخلق في عباده قوة يحملون بها عرشه الذي هو عليه ويكونون إنما حملوه وهو فوق عرشه بقوته

وقدرته من كونه لا يقدر على مثل ذلك ولا يمكنه أن يقيم نفسه إلا بنفسه كما أنه سبحانه إذا خلق الأسباب وخلق بها أمورا أخرى ودبر أمر السموات والأرض كان ذلك أكمل وأبلغ في الاقتدار من أن يخلق الشيء وحده بغير خلق قوة أخرى من غيره يخلقه بها فإن من يقدر على خلق القوى في المخلوقات أبلغ ممن لا يقدر على ذلك ولهذا كان خلقه للحيوان ولما فيه من القوى والإدراك والحركات من أعظم الآيات الدالة على قدرته وقوته قال الله تعالى ^ إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ^ # قال عثمان بن سعيد الدرامي في نقضه على المريسي وصاحبه وأعجب من هذا كله قياسك الله بقياس العرش ومقداره ووزنه من صغير أو كبير وزعمت كالصبيان العميان إن الله أكبر من العرش أو أصغر منه أو مثله فإن كان الله أصغر فقد صيرتم العرش أعظم منه وإن كان أكبر من العرش فقد ادعيتم فيه فضلا عن العرش وإن كان مثله إذا ضم إلى العرش السموات والأرض كانت أكبر مع خرافات تكلم بها وترهات يلعب بها وضلالات يضل بها لو كان من يعمل لله لقطع قشرة لسانه والخيبة لقوم هذا فقيههم والمنظور إليه مع التمييز كله وهذا النظر وكل هذه الجهالات والضلالات # فيقال لهذا البقباق النفاج إن الله أعظم من كل شيء وأكبر من كل خلق ولم يحمله العرش عظما ولا قوة ولا حملة العرش حملوه بقوتهم ولا استقلوا بعرشه ولكنهم حملوه بقدرته

# وقد بلغنا أنهم حين حملوا العرش وفوقه الجبار في عزته وبهائه ضعفوا عن حمله واستكانوا وجثوا على ركبهم حتى لقنوا لا حول ولا قوة إلا بالله فاستقلوا به بقدرة الله وإرادته ولولا ذلك ما استقل به العرش ولا الحملة ولا السموات ولا الأرض ولا من فيهن ولو قد شاء لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته فكيف على عرش عظيم أكبر من السموات والأرض وكيف تنكر أيها النفاج أن عرشه يقله والعرش أكبر من السموات السبع والأرضين السبع ولو كان العرش في السموات والارضين ما وسعته ولكنه فوق السماء السابعة # فكيف تنكر هذا وأنت تزعم أن الله في الأرض في جميع أمكنتها والأرض دون العرش في العظمة والسعة فكيف تقله الأرض في دعواك ولا يقله العرش الذي هو أعظم منها وأوسع وادخل هذا القياس الذي أدخلت علينا في عظم تاعرش وصغره وكبره على نفسك وعلى أصحابك في الأرض وصغرها حتى تستدل على جهلك وتفطن لما يورد عليك حصائد لسانك فأنك لا تحتج بشيء إلا هو راجع عليك وآخذ بحلقك # وقد حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح قال أول ما خلق الله حين كان عرشه على الماء حملة عرشه فقالوا ربنا لما خلقتنا فقال خلقتكم لحمل عرشي قالوا ربنا ومن يقوى على حمل عرشك وعليه عظمتك وجلالك ووقارك فيقول لهم إني خلقتكم لذلك قال قالوا ربنا ومن يقوى على حمل عرشك وعليه عظمتك وجلالك ووقارك قال فقال خلقتكم لحمل عرشي قال فيقولون ذلك مرارا قال فقال لهم قولوا لا حول ولا قوة إلا بالله فيحملكم والعرش قوة الله

# قال أفلا تدري أيها المعارض أن حملة العرش لم يحملوا العرش ومن عليه بقوتهم وبشدة أسرهم إلا بقوة الله وتأييده # وقال في كتابه حدثني محمد بن بشار بندار حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي قال سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن يعقوب بن عتبة وعن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله فوق عرشه فوق سمواته فوق أرضه مثل القبة وأشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده مثل القبة وأنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب # وهذا الحديث قد رواه الإمام أحمد في كتاب الرد على الجهمية عن عدة مشايخ منهم ابن بشار قال فيه عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعرابي فقال يا رسول الله جهدت الأنفس وضاعت العيال ونهكت الأموال وهلكت الأنعام فاستسق الله لنا فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لا يستشفع بالله على أحد خلقه شأن الله أعظم من ذلك ويحك أتدري ما الله إن عرشه على سمواته لهكذا وقال بأصابعه مثل القبة عليه وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب قال ابن بشار في حديثه إن الله فوق عرشه وعرشه فوق سمواته وساق الحديث وقوله في الحديث إن الله لا يستشفع به على أحد من خلقه أي الله هو الذي يفعل لا يشفع إلى غيره في أن يفعل وهذا كما يقوله الشعراء مخاطبا للنبي صلى الله عليه وسلم % شفيعي إليك الله لا شيء غيره %


# وهذا الحديث قد يطعن فيه بعض المشتغلين بالحديث انتصارا للجهمية وإن كان لا يفقه حقيقة قولهم وما فيه من التعطيل أو استبشاعا لما فيه من ذكر الأطيط كما فعل أبو القاسم المؤرخ ويحتجون بأنه تفرد به محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن جبير ثم يقول بعضهم ولم يقل ابن إسحاق حدثني فيتحمل أن يكون منقطعا وبعضهم يتعلل بكلام بعضهم في ابن إسحاق مع إن هذا الحديث وأمثاله وفيما يشبهه في اللفظ والمعنى لم يزل متداولا بين أهل العلم خالقا عن سالف ولم يزل سلف الأمة وأئمتها يروون ذلك رواية مصدق به راد به على من خالفه من الجهمية متلقين لذلك بالقبول حتى قد رواه الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في كتابه في التوحيد الذي اشترط فيه أنه لا يحتج فيه إلا بأحاديث الثقاة المتصلة الإسناد رواه عن بندار كما رواه الدرامي وأبو داود سواء وكذلك رواه عن أبي موسى محمد بن المثنى بهذا الإسناد مثله سواء فقال حدثنا محمد بن بشار حدثنا وهب يعني ابن جرير ثنا أبي سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن يعقوب بن عتبة وعن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال يا رسول الله جهدت الأنفس وجاعت العيال ونهكت الأموال وهلكت الأنعام فاستسق لنا فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك فقال رسول الله ويحك أتدري ما تقول فسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال يسبح حتى عرف ذلك

في وجوه أصحابه ثم قال ويحك إنه لا يستشفع بالله على أحد من جميع خلقه شأن الله أعظم من ذلك ويحك أتدري ما الله إن الله على عرشه وعرشه على سمواته وسمواته على أرضه هكذا وقال بأصابعه مثل القبة وأنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب قال ابن خزيمة قرئ على أبي موسى وأنا أسمع أن وهبا حدثهم بهذا الإسناد مثله سواء # وممن أحتج به الحافظ أبو محمد بن حزم في مسألة استدارة الأفلاك مع أن أبا محمد هذا من أعلم الناس لا يقلد غيره ولا يحتج إلا بما تثبت عنده صحته وليس هذا الموضوع # وهؤلاء يحتجون في معارضة ذلك من الحديث بما أوهى عند أهله من الرأي السخيف الفاسد الذي يحتج به قياسو الجهمية كاحتجاج أبي القاسم المؤرخ في حديث أملاه في التنزيه بحديث أسنده عن عوسجة وهذا الحديث مما يعلم صبيان أهل الحديث أنه كذب مختلق وأنه مفترى وأنه لم يروه قط عالم من علماء المسلمين المقتدى بهم في الحديث ولا دونوه في شيء من دواوين الإسلام ولا يستجيز أهل العلم والعدل منهم أن يورد مثل ذلك إلا على بيان أنه كذب كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين فمن رد تلك الأحاديث المتلقاة بالقبول واحتج في نقضها بمثل هذه الموضوعات فإنما سلك سبيل من لا عقل له ولا دين وإن كان في ذلك ممن يتبع الظن وما تهوى الأنفس وهو من المقلدين لقوم لا علم لهم بحقيقة

حالهم كما قال تعالى ^ وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب ^ # وروى أيضا عثمان بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن رجاء حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة قال أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ادع الله أن يدخلني الجنة فعظم الرب وقال إن كرسيه وسع السموات والأرض وانه ليقد عليه فما يفضل منه إلا قدر أربع أصابع ومد أصابعه الأربعة وإن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد إذا ركبه من يثقله # وقال أيضا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد وهو ابن سلمة عن الزبير بن عبد السلام عن أيوب بن عبد الله الفهري أن ابن مسعود قال إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار نور السموات من نور وجهه وإن مقدار كل يوم من أيامكم عنده ثنتا عشرة ساعة فتعرض عليه أعمالكم بالأمس أول النهار اليوم فينظر فيها ثلاث ساعات فيطلع فيها على ما يكره فيغضبه ذلك فأول من يعلم بغضبه الذين يحملون العرش يجدونه يثقل عليهم الذين يحملون العرش وسرادقات العرش والملائكة # وأصحاب هذا القول قد يستشهدون بما روي عن طائفة في تفسير قوله تعالى ^ تكاد السموات يتفطرن من فوقهن ^ # قال عثمان بن سعيد في رده على الجهمية حدثنا عبد الله بن صالح المصري قال حدثني الليث وهو ابن سعد حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال أن زيد بن أسلم حدثه عن عطاء بن يسار قال أتى رجل كعبا وهو في نفر فقال يا أبا إسحاق حدثني عن الجبار فأعظم القوم قوله فقال كعب دعوا الرجل فإن كان جاهلا يعلم وإن كان عالما إزداد علما قال كعب أخبرك أن الله

خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن ثم جعل ما بين كل سمائين كما بين السماء الدنيا والأرض وكثفهن مثل ذلك ثم رفع العرش فاستوى عليه فما في السموات سماء إلا لها أطيط كأطيط العلا في أول ما يرتحل من ثقل الجبار فوقهن وهذا الأثر وإن كان هو رواية كعب فيحتمل أن يكون من علوم أهل الكتاب ويحتمل أن يكون مما تلقاه عن الصحابة ورواية أهل الكتاب التي ليس عندنا شاهد هو لا يدافعها ولا يصدقها ولا يكذبها فهؤلاء الأئمة المذكورة في إسناده هم من أجل الأئمة وقد حدثوا به هم وغيرهم ولم ينكروا ما فيه من قوله من ثقل الجبار فوقهن فلو كان هذا القول منكرا في دين الإسلام عندهم لم يحدثوا به على هذا الوجه # وقد ذكر ذلك القاضي أبو يعلى الأزجي فيما خرجه من أحاديث الصفات وقد ذكره من طريق السنة عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثني أبو المغيرة حدثنا عبدة بنت خالد بن معدان عن أبيها خالد بن معدان أنه كان يقول إن الرحمن سبحانه ليثقل على حملة العرش من أول النهار إذا قام المشركون حتى إذا قام المسبحون خفف عن حملة العرش # قال القاضي وذكر أبو بكر بن أبي خيثمة في تاريخه بإسناده حدثنا عن ابن مسعود وذكر فيه فإن مقدار كل يوم من أيامكم عنده اثنتا عشرة ساعة فتعرض عليه أعمالكم بالأمس أول النهار اليوم فينظر فيه ثلاث ساعات فيطلع منها على ما يكره فيغضبه ذلك فأول من يعلم بغضبه الذي يحملون العرش يجدونه

يثقل عليهم فيسبحه الذين يحملون العرش وذكر الخبر القاضي فقال أعلم أنه غير ممتنع حمل الخبر على ظاهره وأن ثقله يحصل بذات الرحمن إذ ليس في ذلك ما يحيل صفاته قال على طريقته في مثل ذلك لأنا لا نثبت ثقلا من جهة المماسة والاعتماد والوزن لأن ذلك من صفات الأجسام ويتعالى عن ذلك وإنما نثبت ذلك لذاته لا على وجه المماسة كما قال الجميع أنه عال على الأشياء لا على وجه التغطية لها وإن كان في حكم الشاهد بأن العالي على الشيء يوجب تغطيته # قال وقيل أنه تتجدد له صفة يثقل بها على العرش ويزول في حال كما تتجدد له صفة الإدراك عند خلق المدركات وتزول عند عدم المدركات # قال القاضي قيل هذا غلط لأن الهيبة والتعظيم مصاحب لهم في جميع أحوالهم ولا يجوز مفارقتها لهم ولهذا قال سبحانه ^ يسبحون الليل والنهار لا يفترون ^ وما ذكره من قول القائل الحق ثقيل وكلام فلان ثقيل فإنما لم يحمل على ثقل ذات لأنها معاني والمعاني لا توصف بالثقل والخفة وليس كذلك هنا لأن الذات ليست معاني ولا أعراض فجاز وصفها بالثقل وأما قوله تعالى ^ إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ^ فقد فسره أهل النقل أن المراد به ثقل الحكم ولأن الكلام ليس بذات # قال فإن قيل يحمل على إنه يخلق في العرش ثقلا على كواهلهم وجعل لذلك إمارة لهم في بعض الأحوال إذا قام المشركون قيل هذا غلط لأنه يفضي أن يثقل عليهم بكفر المشركين ويخفف عنهم بطاعة المطيعين وهذا لا يجوز لما فيه من المواخذ بفعل الغير وليس كذلك إذا حملناه على ثقل الذات لأنه لا يفضي إلى ذلك لأن ثقل ذاته عليهم تكليف لهم وله أن يثقل عليهم في التكليف ويخفف

# قلت المقصود هنا التنبيه على أصل كلام الناس في ذلك # وأما الكلام في الخفة والثقل ونحو ذلك فربما نتكلم عليه إن شاء الله في موضعه فإن طوائف من المتفلسفة يقولون السموات ليست خفيفة ولا ثقيلة قالوا لأن الجسم الثقيل هو الذي يتحرك إلى أسفل وهو الوسط والخفيف هو الذي يتحرك إلى فوق من الوسط والأفلاك مستديرة لا تتحرك إلى فوق ولا إلى أسفل لذلك لم نصفها بثقل ولا خفة كما لم يصفوها بشيء من الطبائع الأربعة وهذا النزاع قد يكون لفظيا وقد يكون معنويا إذا اصطلحوا على أنهم لا يسمون خفيفا ولا ثقيلا إلا ما هو كذلك فهو نزاع لفظي وأما النزاع في كون أجسام السموات يمكن صعودها وانخفاضها إلا أن الله يمسكها بقدرته كما قال ^ إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ^ وقال ^ ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ^ فهذا نزاع معنوي وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث كريب عن ابن عباس عن جويرية بنت الحارث أم المؤمنين أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال ما زلت على الحال الذي فارقتك عليها قالت نعم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنهن سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضى نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته فالمقصود بالحديث نهاية ما يمكن من المعدود وغاية ما يمكن من القول والمحبوب هو كلام الرب ورضاه وذكر عدد خلقه وزنة عرشه # الوجه الثالث أن يقال هذه المسألة تدل على نقيض مطلوبك فإنه أثبت أن العرش له حملة وأنه يحمل مع ذلك اليوم ويوم القيامة وظاهر هذا الخطاب

أنه على العرش يحمل مع ذلك على أن حملة العرش يحملونه أم لم يدل على ذلك فإن دل على ذلك أيضا فقد دل على ما هو من أبلغ نقيض مطلوبه ثم إذا خالف هو هذه الآية يحتاج إلى تأويلها أو تفويضها فلا تكون الآيات المثبتة للعرش ولحملته أو لحمل الملائكة لما فوقه تنفي كونه على العرش هذا تعليق على الدليل ضد موجبه ومقتضاه ولكن قوله يلزم الافتقار من باب التعارض فيحتاج إلى الجمع بين موجب الآية وبين هذا الدليل لا تكون الآية لأجل ما يقال أنه يعارضها تدل على نقيض مدلولها هذا لا يقوله عاقل # الوجه الرابع في تقرير ذلك ثم أن قوله ^ الذين يحملون العرش ومن حوله ^ وقوله ^ ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ^ يوجب أن لله عرشا يحمل ويوجب أن ذلك العرش ليس هو الملك كما تقوله طائفة من الجهمية فإن الملك هو مجموع الخلق فهنا دلت الآية على أن لله ملائكة من جملة خلقه يحملون عرشه وآخرون يكونون حوله وعلى أنه يوم القيامة يحمله ثمانية إما ثمانية أملاك وإما ثمانية أصناف وصفوف وهذا إلى مذهب المثبتة أقرب منه إلى قول النافية بلا ريب # الوجه الخامس أن العرش في اللغة السرير بالنسبة إلى ما فوقه وكالسقف بالنسبة إلى ما تحته فإذا كان القرآن قد جعل لله عرشا وليس هو بالنسبة إليه كالسقف علم أنه بالنسبة إليه كالسرير بالنسبة إلى غيره وذلك يقتضي أنه فوق العرش # الوجه السادس أن إضافة العرش مخصوصة إلى الله لقوله ^ ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ^ يقتضي أنه مضاف إلى الله إضافة تخصه كما في سائر المضافات إلى الله كقوله بيت الله وناقة الله ونحو ذلك وإذا كان

العرش مضافا إلى الله في هذه الآية إضافة اختصاص وذلك يوجب أن يكون بينه وبين الله من النسبة ما ليس لغيره فما يذكره الجهمية من الاستيلاء والقدرة وغير ذلك أمر مشترك بين العرش وسائر المخلوقات وهذه الآية التي احتج بها تنفي أن يكون الثابت من الإضافة هو القدر المشترك وتوجب اختصاصا للعرش بالله ليس لغيره كقوله ^ عرش ربك ^ وهذا إنما يدل على قول المثبتة أو هو إلى الدلالة عليه أقرب وأيهما كان فقد دلت الآية على نقيض مطلوبه وهو الذي ألزمناه فلم يذكر آية من كتاب الله على مطلوبه إلا وهي لا دلالة فيها بل دلالتها على نقيض مطلوبه أقوى # قال الرازي الحجة الثانية عشرة لو كان مستقرا على العرش لكان الابتداء بتخليق العرش أولى من الابتداء بتخليق السموات لأن تقدير القول بأنه مستقر على العرش يكون العرش مكانا له والسموات مكان عبيده والأقرب إلى العقول أن تكون تهيئة مكان نفسه مقدما على تهيئة مكان العبيد لكن من المعلوم أن تخليق السموات مقدم على تخليق العرش لقوله تعالى ^ إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ^ وكلمة ثم للتراخي # قلت الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا والحمد لله الذي جعل لرسوله منه سلطانا نصيرا والحمد لله الذي ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يوم الأشهاد ينصرهم بسلطان الحجة وسلطان القدرة وهو الذي يأتي رسله والمؤمنين به حجة على من خالفهم وجادلهم فيه بالباطل كما قال ^ وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال ^ فإن هذا الرجل وأمثاله لا يحتجون بحجة إلا وهي عليهم لا لهم

لكن يزيد فهم ذلك من يكون الله قد أيده بروح منه وكتب في قلبه الإيمان وجعل في قلبه من نور يفهم دقيق ذلك وأما جليله فيفهمه جمهور الناس وهذه من جليل ذلك وذلك أنه لا خلاف بين المسلمين وأهل الكتاب أن العرش خلق قبل السموات والأرض فقول هذا المحتج لو كان مستقرا على العرش لكان الابتداء بتخليق العرش أولى من الابتداء بتخليق السموات لا يضرهم بل ينفعهم فإن الأمر في الترتيب ذلك ما كان قول المثبتة يستلزم تقديم خلق العرش فهكذا وقع ولله الحمد وإن لم يكن مستلزما هذا الترتيب بطلت هذه الحجة فهي باطلة على التقديرين # أما قوله لكن من المعلوم أن تخليق السموات مقدم على تخليق العرش فيقال هذا لم يعلمه أحدا لا من الأولين ولا من الآخرين ولا قاله أحد يعرف بالعلم # وأما احتجاجه على تقدم خلق السموات بقوله ^ إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ^ وكلمة ثم للتراخي فهنا إنما ذكر أنه استوى على العرش بعد خلق السموات والأرض فأين قوله ^ ثم استوى على العرش ^ ومن قوله خلق العرش هذا لا يخفى على أحد فليس في كتاب الله ما يوهم خلق العرش فضلا عن أن يدل فلا دلالة في القرآن على خلق السموات بعد العرش # الوجه الثاني أن القرآن يدل على أن خلق العرش قبل خلق السموات والأرض بهذه الآية التي ذكرها وبغيرها فإن قوله ^ خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ^ يقتضي أنه استوى على العرش بعد خلق

السموات والأرض ولم يذكر أنه خلقه حينئذ ولو كان خلقه حينئذ لكان قد ذكر خلقه ثم استواءه عليه ولأن ذكره للاستواء عليه دون خلقه دليل على أنه كان مخلوقا قبل ذلك ولأنه قد ثبت بالكتاب والسنة واتفاق المسلمين وأهل الكتاب أن الخلق كان في ستة أيام وقد قال تعالى ^ وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ^ فأخبر أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام وأن عرشه كان حينئذ على الماء وفي الصحيح عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كان الله ولا شيء وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض قال البخاري في كتاب التوحيد والرد على الجهمية والزنادقة # باب قوله تعالى ^ وكان عرشه على الماء ^ ^ وهو رب العرش العظيم ^ عن عمران بن حصين قال إني كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه وفد بني تميم فقال اقبلوا البشرى يا بني تميم فقالوا بشرتنا فأعطنا فدخل ناس من أهل اليمن فقال اقبلوا البشري يا اهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم فقالوا قبلنا جئناك لنفقه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان قال كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض وكتب في الذكر كل شيء # الوجه الرابع أنه إذا كان قد خلق العرش قبل أن يخلق السموات والأرض وكان ذلك مناسبا في العقل لأن يكون العرش مكانا له والسموات مكان

عبيده كان الثابت بالآية التي تلاها وبغيرها من الآيات والأحاديث واتفاق المسلمين دليل على مذهب منازعه دون مذهبه # الوجه الخامس أنه لو فرض أن الله خلق العرش بعد السموات والأرض لم يكن في هذا ما ينافي أن يكون عليه كما أنه خلق السموات بعد الأرض ^ فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم ^ بعد قوله ^ هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ^ قال ^ ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض إئتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ^ بعد قوله ^ أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها قواتها في أربعة أيام سواءا للسائلين ^ # قال أبو عبد الله الرازي الحجة الرابعة عشرة قوله تعالى ^ كل شيء هالك إلا وجهه ^ ظاهر الآية يقتضي فناء العرش وفناء جميع الأحياز والجهات وحينئذ يبقى الحق سبحانه وتعالى منزها عن الحيز والجهة وإذا ثبت امتنع أن يكون الآن في جهة والألزم وقوع التغير في الذات # وإذا كان المقصود هنا الكلام في تفسير الآية فنقول تفسير الآية بما هو مأثور ومنقول عن من قاله من السلف والمفسرين من أن المعنى كل شيء هالك إلا ما أريد به وجهه فأنه ذكر ذلك بعد نهيه عن الإشراك وإن يدعو معه إلها آخر وقوله ^ لا إله إلا هو ^ يقتضي أظهر الوجهين وهو أن كل شيء هالك إلا ما كان لوجهه من الإيمان والأعمال وغيرهما روى عن أبي العالية قال إلا ما أريد به وجهه وعن جعفر الصادق إلا دينه ومعناهما واحد وقد روي عن عبادة بن الصامت قال يجاء بالدنيا يوم القيامة فيقال ميزوا ما كان لله منها

قال فيماز ما كان لله منها ثم يؤمر بسائرها فيلقى في النار وقد روى عن علي ما يعم ففي تفسير الثعلبي عن صالح بن محمد عن سليمان بن عمرو عن سالم الأفطس عن الحسن وعن سعيد بن جبير عن علي ابن أبي طالب أن رجلا سأله فلم يعطه شيئا فقال أسألك بوجه الله فقال له علي كذبت ليس بوجه الله سألتني إنما وجه الله الحق إلا ترى إلى قوله ^ كل شيء هالك إلا وجهه ^ يعني الحق ولكن سألتني بوجهك الخلق وعن مجاهد إلا هو وعن الضحاك كل شيء هالك إلا الله والجنة والنار والعرش وعن ابن كيسان إلا ملكه # وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية كالجنة والنار والعرش وغير ذلك ولم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين كالجهم بن صفوان ومن وافقه من المعتزلة ونحوهم وهذا قول باطل يخالف كتاب الله وسنة رسوله وإجماع سلف الأمة وأئمتها لما في ذلك من الدلالة على بقاء الجنة وأهلها وبقاء غير ذلك مما لا تتسع هذه الورقة لذكره وقد استدل طوائف من أهل الكلام والمتفلسفة على امتناع فناء جمع المخلوقات بأدلة عقلية # ويجيبهم أهل السنة والإثبات بجوابين معروفين أحدهما أن المتجدد نسبة وإضافة بينه وبين العرش بمنزلة المعية ويسميها ابن عقيل الأحوال وتجدد النسب والاضافات متفق عليه بين جميع أهل الأرض من المسلمين وغيرهم إذ لا يقتضي ذلك تغيرا ولا استحالة والثاني إن ذلك وإن اقتضى تحولا من حال إلى حال ومن شأن إلى شأن فهو مثل مجيئه واتيانه ونزوله وتكليمه

لموسى وإتيانه يوم القيامة في صورة ونحو ذلك مما دلت عليه النصوص وقال به أكثر أهل السنة والحديث وكثير من أهل الكلام وهو لازم لسائر الفرق # ولفظ التغير لفظ مجمل يتوهم السامع أن الرب يتغير ويستحيل من حال إلى حال كما يتغير الإنسان أما بمرض وأما بغيره وكما تتغير الشمس إذا اصفر لونها ولا يدري أنه عندهم إذا أحدث ما لم يكن محدثا سموه تغيرا وإذا سمع دعاء عباده سموه تغيرا وإذا رأى ما خلقه سموه تغيرا وإذا كلم موسى بن عمران سموه تغيرا وإذا رضي عمن أطاعه وسخط على من عصاه سموه تغيرا إلى مثل هذه الأمور ثم أنهم ينفون ذلك من غير دليل أصلا فإن الفلاسفة يجوزون أن يكون القديم محلا للحوادث # قوله فإن قيل الحيز والجهة ليس شيئا موجودا حتى يصير هالكا فانيا قلنا الأحياز والجهات أمور مختلفة بحقائقها متباينة بماهياتها بدليل أنكم قلتم إنه يجب حصول ذات الله تعالى في جهة فوق ويمتنع حصول ذاته في سائر الجهات فلولا أن جهة فوق مخالفة بالماهية لسائر الجهات لما كانت جهة فوق مخالفة لسائر الجهات في هذه الخاصة وهذا الحكم # والجواب عن هذه الحجة وأمثالها ينبني على مقامين المقام الأول قول من يقول أنه نفسه تعالى فوق العرش ويقول أنه ليس بجسم ولا متحيز كما ذكر ابن كلاب والأشعري وكثير من الصفاتية والمنازعون لهم في كونه فوق العرش

كالرازي ومتأخري الأشعرية وكالمعتزلة يدعون أن هذا تناقض مخالف للضرورة العقلية إلى أن قال # وأما القسم الثاني فهو مقام من سلم له أنه فوق العرش وهو متحيز وله حد ونهاية ويطلق عليه أيضا لفظ الجهة فإن أهل الإثبات متنازعون في لفظ الجهة وفي ذلك نزاع بين أصحاب الإمام أحمد وغيرهم كما أنهم متنازعون في اسم الحد أيضا فنقول على هذا التقدير فالكلام على هذا من وجوه # الأول أن كلام هذا وغيره في الحيز هل هو أمر وجودي أو عدمي أو إضافي مضطرب متناقص فإنه وإن كان قد قرر هنا أنه وجودي فقد قرر في غير هذا الموضع أنه عدمي ويكفي نقض كلامه بكلامه فأنا قد اعتمدنا هذا مرات فإن هذا موجود في عامة هؤلاء تحقيقا لقوله تعالى ^ ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ^ بخلاف الحق الذي يصدق بعضه بعضا فقد ذكر في البرهان الرابع بعد هذا نقض هذا فقال الرابع وهو أنا نعلم بالضرورة أن الأحياز بأسرها متساوية لأنها فراغ محض وخلاء صرف وإذا كانت بأسرها متساوية يكون حكمها واحدا وذلك يمنع من القول بأنه تعالى واجب الاختصاص ببعض الأحياز على التعيين فإن قالوا فلم لا يجوز أن يكون اختصاصه بجهة فوق أولى قلنا هذا باطل لوجهين أحدهما أنه قبل خلق العالم ما كان إلا الخلاء الصرف والعدم المحض فلم يكن هناك فوق ولا تحت فبطل قولكم الثاني أنه لو كان الفوق متميزا عن التحت بالتميز الذاتي لكانت الجهات أمورا وجودية ممتدة قابلة للانقسام وذلك يقتضي تقدم الجسم لأنه لا معنى بالجسم إلا ذلك فهذا تصريح في أنها مختلفة في الحقائق وأنها خلاء صرف وفراغ محض وهذا يناقض ما ذكره هنا ومن لم يكن لسانه وراء قلبه كان كلامه كثير التقلب والتناقض

# قال الرازي وأيضا فلأنا نقول هذا الجسم حصل في هذا الحيز بعد أن كان حاصلا في حيز آخر فهذه الأحياز معدودة متباينة متعاقبة والعدم المحض لا يكون كذلك فثبت أن هذه الأحياز أمور متخالفة بالحقائق متباينة بالعدد وكل ما كان كذلك امتنع أن يكون عدما محضا فكان أمرا موجودا وإذا ثبت هذا دخل تحت قوله تعالى ^ كل شيء هالك إلا وجهه ^ وإذا هلك الحيز والجهة بقي ذات الله تعالى منزها عن الحيز وبقية الكلام قد تقدمت # وأما قوله أن الجوهر إذا انتقل من حيز إلى حيز فالمتروك مغاير لا محالة للمطلوب فيقال إن كان الانتقال في أجسام العالم الموجودة فهذه أمور وجودية وإن كان فيما ليس كذلك فلا نسلم إن هناك شيء يكون متروكا ومطلوبا أصلا بل الأحياز الموجودة لا يكون المنتقل فيها طالبا لحيز دون حيز بل قصده شيء آخر فكيف يجب أن يكون منتقل ومتحرك طالبا لحيز وجودي يكون فيه وتاركا لحيز وجودي # قال أبو عبد الله الرازي الحجة الخامسة عشرة قوله تعالى ^ هو الأول والآخر ^ فهذا يقتضي أن يكون ذاته متقدما في الوجود على كل ما سواه وإن يكون متأخرا في الوجود عن كل ما سواه وذلك يقتضي أنه كان موجودا قبل الحيز والحهة ويكون موجودا بعد فناء الحيز والجهة وإذا ثبت هذا فالتقريب ما ذكرناه في الحجة الثالثة عشرة والرابعة عشرة

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:15 AM
# قال الشيخ رحمه الله في شرح حديث عمران بن حصين كان الله ولم يكن شيء قبله وهو الآن على ما عليه كان وهذه الزيادة وهو قوله وهو الآن على ما عليه كان كذب مفترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قال وهذه الزيادة الالحادية قصد بها المتكلمة المتجهمة نفي الصفات التي وصف بها نفسه من استوائه على العرش ونزوله إلى السماء الدنيا وغير ذلك فقالوا كان في الأزل ليس مستويا على العرش وهو الآن على ما عليه كان فلا يكون على العرش لما يقتضي ذلك من التحول والتغير # ويجيبهم أهل السنة والإثبات بجوابين معروفين أحدهما أن المتجدد نسبة وإضافة بينه وبين العرش بمنزلة المعية ويسميها ابن عقيل الأحوال وتجدد النسب والإضافات متفق عليه بين جميع أهل الأرض من المسلمين وغيرهم إذ لا يقتضي ذلك تغيرا ولا استحالة والثاني أن ذلك وإن اقتضى تحولا من حال إلى حال ومن شأن إلى شأن فهو مثل مجيئه واتيانه ونزوله وتكليمه لموسى وإتيانه يوم القيامة في صورة ونحو ذلك مما دلت عليه النصوص وقال به اكثر أهل السنة والحديث وكثير من أهل الكلام وهو لازم لأهل الفرق # قال الرازي الحجة السادسة عشرة قوله تعالى ^ واسجد واقترب ^ ولو كان في جهة الفوق لكانت السجدة تفيد البعد عن الله تعالى لا القرب منه وذلك خلاف الأصل # سئل الشيخ رحمه الله عن العرش هل هو كروي وإذا كان كرويا والله محيط به فما فائدة أن العبد يقصد العلو حين دعائه وعبادته دون

التحت فقال الجواب عن هذا السؤال بثلاث مقامات الأول أنه لم يثبت أن العرش فلك مستدير الثاني أن العرش والعالم بالنسبة إلى الله في غاية الصغر سواء كان كرويا أو لا الثالث لو قدر أنه كروي فهو فوق المخلوقات مطلقا إلى أن قال # وإذا كان الأمر كذلك فإذا قدر أن العرش مستدير محيط بالمخلوقات كان هو أعلاها وسقفها وهو فوقها مطلقا فلا يتوجه إليه وإلى ما فوقه الإنسان إلا من العلو لا من جهاته الباقية أصلا ومن توجه إلى الفلك التاسع أو الثامن أو غيره من الأفلاك من غير جهة العلو كان جاهلا باتفاق العقلاء فكيف بالتوجه إلى العرش أو إلى ما فوته والله تعالى محيط بالمخلوقات كلها إحاطة تليق به فأن السموات السبع والأرض في يده أصغر من الحمصة في يد أحدنا إلى أن قال # وهذا السؤال أنما ورد لتوهم المتوهم أن نصف الفلك يكون تحت الأرض وتحت ما على وجه الأرض من الآدميين والبهائم وهذا غلط عظيم فلو كان الفلك تحت الأرض من جهة لكان تحتها من كل جهة فكان يلزم أن يكون الفلك تحت الأرض مطلقا وهذا قلب للحقائق إذ الفلك هو فوق الأرض مطلقا وأهل الهيئة يقولون لو أن الأرض مخروقة إلى ناحية أرجلنا وألقي في الخرق شيء ثقيل كالحجر ونحوه لكان ينتهي إلى المركز حتى لو ألقي من تلك الناحية حجر آخر للتقيا جميعا في المركز ولو قدر أن إنسانين التقيا في المركز بدل الحجرين للتقت رجلاهما ولم يكن أحدهما تحت صاحبه بل كلاهما فوق المركز وكلاهما تحت الفلك إلى أن قال # وإذا كان مطلوب أحدهما ما فوق الفلك لم يطلبه إلا من الجهة العليا لم يطلبه من جهة رجليه أو يمينه أو يساره لوجهين أحدهما أن مطلوبه من الجهة العليا

أقرب إليه من جميع الجهات فلو قدر رجل أو ملك يصعد إلى السماء أو إلى ما فوق كان صعوده مما يلي رأسه أقرب إذا أمكنه ذلك ولا يقول عاقل إنه يخرق الأرض ثم يصعد من تلك الناحية إلى من قال ولو أن رجلا أراد أن يخاطب الشمس والقمر فإنه لا يخاطبه إلا من الجهة العليا مع أن الشمس والقمر قد تشرق وقد تغرب فتنحرف عن سمت الرأس فكيف بمن هو فوق كل شيء دائما لا يأفل ولا يغيب سبحانه وتعالى الوجه الثاني أنه إذا قصد أسفل بدون علو كان ينتهي قصده إلى المركز وأن قصده أمامه أو ورائه أو يمينه أو يساره من غير قصد العلو كان منتهى قصده أجزاء الهواء فلا بد له من قصد العلو ضرورة سواء قصد مع ذلك هذه الجهات أو لم يقصدها ولو فرض أنه قال أقصد من اليمين مع العلو أو من السفل مع العلو كان بمنزلة من يقول أريد أن أحج من المغرب فأذهب إلى خراسان ثم أذهب إلى مكة # قال الرازي الحجة السابعة عشرة قوله تعالى ^ فلا تجعل لله أندادا ^ والند المثل ولو كان تعالى جسما لكان مثلا لكل واحد من الأجسام لما سنبين إن شاء الله تعالى أن الأجسام كلها متماثلة فحينئذ يكون الند موجودا على هذا التقدير وذلك على مضادة هذا النص # قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى وأما التمثيل فقد نطق الكتاب بنفيه عن الله في غير موضع كقوله تعالى ^ ليس كمثله شيء ^ وقوله ^ هل تعلم له سميا ^ وقوله ^ ولم يكن له كفوا أحد ^ وقوله ^ فلا تجعل لله أندادا ^ وقوله ^ فلا تضربوا لله الأمثال ^ ولكن وقع في لفظ التشبيه إجمال إلى أن قال

فإن التشبيه الذي يجب نفيه عن الرب تعالى اتصافه بشيء من خصائص المخلوقين كما أن المخلوق لا يتصف بشيء من خصائص الخالق وإن يثبت للعبد شيء يماثل فيه الرب وأما إذا قيل حي وحي وعالم وعالم وقادر وقادر وقيل لهذا قدرة ولهذا قدرة ولهذا علم ولهذا علم كان نفس علم الرب لم يشركه فيه العبد ونفس علم العبد لا يتصف به الرب تعالى عن ذلك وكذلك في سائر الصفات إلى أن قال وإن أراد به من جعل صفات الرب مثل صفات العبد فهؤلاء مبطلون ضالون # وأما احتجاجهم بقولهم الأجسام متماثلة فهذا إن كان حقا فهو تماثل يعلم بالعقل ليس فيه أن اللغة التي نزل بها القرآن تطلق لفظ المثل على كل جسم ولا أن اللغة التي نزل بها القرآن تقول إن السماء مثل الأرض والشمس والقمر والكواكب مثل الجبال والجبال مثل الأنهار # ومن العجب أن كلامه وكلام أمثاله يدور في هذا الباب على تماثل الأجسام وقد ذكر النزاع في تماثل الأجسام وإن القائلين بتماثلها من المتكلمين بنوا ذلك على أنها مركبة من الجواهر المنفردة وأن الجواهر متماثلة ثم إنه في مسألة تماثل الجواهر ذكر أنه لا دليل على تماثلها فصار أصل كلامهم الذي ترجع إليه هذه الأمور كلاما بلا علم بل بخلاف الحق مع أنه كلام في الله تعالى وقد قال تعالى ^ قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ^ وقال عن الشيطان ^ إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ^

# قال أبو عبد الله الرازي الحجة الثامنة عشرة الحديث المشهور وهو ما روي أن عمران أبن الحصين قال يا رسول الله أخبرنا عن أول هذا الأمر فقال كان الله ولم يكن معه شيء وقد دللنا مرارا كثيرة على أنه تعالى لو كان مختصا بالحيز والجهة لكان ذلك الحيز شيئا موجودا معه وذلك على نقيض هذا النص # قال الشيخ رحمه الله الوجه الثالث أنه قال كان الله ولم يكن شيئا قبله وقد روي معه وروي غيره والألفاظ الثلاثة في البخاري والمجلس كان واحدا وسؤالهم وجوابه كان في ذلك المجلس وعمران الذي روى الحديث لم يقم منه حين أنقضى المجلس بل قام لما أخبر بذهاب راحلته قبل فراغ المجلس وهو المخبر بلفظ الرسول فدل على أنه إنما قال أحد الألفاظ والآخران رويا بالمعنى وحينئذ فالذي ثبت عنه لفظ القبل فإنه قد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء وهذا موافق ومفسر لقوله تعالى ^ هو الأول والآخر والظاهر والباطن ^ وإذا ثبت في هذا الحديث لفظ القبل فقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله واللفظان الآخران لم يثبت واحد منهما أبدا وكان أكثر أهل الحديث إنما يروونه بلفظ القبل كان الله ولا شيء قبله مثل الحميدي والبغوي وابن الأثير وغيرهم وإذا كان إنما قال كان الله ولم يكن شيء قبله لم يكن في هذا اللفظ تعرض لابتداء الحوادث ولا لأول مخلوق مطلقا بل ولا فيه الإخبار بخلق العرش والماء وإن كان ذلك كله مخلوقا كما أخبر به في مواضع أخر لكن في جواب

أهل اليمن إنما كان مقصوده إخباره إياهم عن بدء خلق السموات والأرض وما بينهما وهي المخلوقات التي خلقت في ستة أيام لا بابتداء ما خلقه الله قبل ذلك # قوله لو كان الباري أزلا وأبدا مختصا بالحيز والجهة لكان الحيز والجهة موجودان في الأزل فيلزم إثبات قديم غير الله وذلك محال بإجماع المسلمين يقال له هؤلاء إن قالوا بأنه مختص بحيز وجودي أزلا وأبدا فليس ذلك عندهم شيئا خارجا عن مسمى الله كما أن الحيز الذي هو نهايات المتحيز وحدوده الداخلة فيه ليس خارجا عنه بل هو منه وعلى هذا التقدير فيكون إثباتهم لقدم هذا الحيز كإثبات سائر الصفاتية للصفات القديمة من علمه وقدرته وحياته لا فرق بين تحيزه وبين قيامه بنفسه وحياته وسائر صفاته اللازمة والحيز مثل الحياة بل أبلغ منه في لزومه للذات إلى أن قال ثم إن هذه الحجة التي ذكرها من لزوم إثبات قديم غير الله تعالى مشهورة من حجج النفاة للصفات # قال أبو عبد الله الرازي الحجة التاسعة عشرة روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له أين كان ربنا قال كان في عماء ليس تحته ماء ولا فوقه هواء فقيل العماء بالمد الغيم الرقيق وأما العمى بالقصر فهو عبارة عن الحالة المضادة للبصر فقال بعض العلماء يجب أن تكون الرواية الصحيحة هي الرواية بالقصر وحينئذ يدل على نفي الجهة لأن الجهة إذا لم تكن موجودة لم تكن مرئية فأمكن جعل العمى عبارة عن عدم الجهة ويتأكد هذا بقوله عليه السلام ليس تحته ماء ولا فوقه هواء

# قال الشيخ رحمه الله وحديث أبي رزين رواه أحمد والترمذي وغيرهما قال الترمذي حدثنا أحمد بن منيع قال حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس عن عمه أبي رزين قال قلت يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه قال كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء ثم خلق عرشه على الماء فهذا الحديث فيه بيان أنه خلق العرش قبل السموات والأرض وأما قوله في عماء فعلى ما ذكره يزيد بن هارون ورواه عنه أحمد بن منيع وقرره الترمذي من أن معناه ليس معه شيء فيكون فيه دلالة على أن الله كان وليس معه شيء # ثم لو دل على وجود موجود على قول لم يفسر العماء بالسحاب الرقيق لم يكن في ذلك دليل على قول الدهرية بقدم ما ادعوا قدمه ولا بأن مادة السموات والأرض ليستا مبتدعتين وذلك أن الله سبحانه وتعالى أخبر في كتابه بابتداء الخلق الذي يعيده وأخبر بخلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام في غير موضع وجاءت بذلك الأحاديث الكثيرة وأخبر أيضا أنه يغير هذه المخلوقات # قوله وأعلم أن هذه الوجوه التي ذكرناها بعضها قوي وبعضها ضعيف وكيفما كان الأمر فقد ثبت أن في القرآن والأخبار دلائل كثيرة تدل على تنزيه الله تعالى عن الحيز والجهة وبالله التوفيق # قال الشيخ وقد بسط الكلام على هذه الأمور في مواضع وبين أن ما ينفيه نفاة الصفات التي نطلق بها الكتاب والسنة من علو الله على خلقه وغير

ذلك كما أنه لم ينطق به كتاب ولا سنة ولا قال بقولهم أحد من المرسلين ولا الصحابة ولا التابعين فلم يدل عليه دليل عقلي بل الأدلة العقلية الصريحة الموافقة للأدلة السمعية الصحيحة ولكن هؤلاء ضلوا بألفاظ متشابهة ابتدعوها ومعاني عقلية لم يميزوا بين حقها وباطلها وجميع البدع كبدع الخوارج والشيعة والمرجئة والقدرية لها شبه في نصوص الأنبياء بخلاف بدعة الجهمية النفاة فإنه ليس معهم فيها دليل سمعي اصلا ولهذا كانت آخر البدع حدوثا بالإسلام ولما أحدثت أطلق السلف والأئمة القول بتكفير أهلها لعلمهم بأن حقيقة قولهم تعطيل الخالق ولهذا يصير محققوهم إلى مثل فرعون مقدم المعطلة بل وينتصرون له ويعظمونه # والمبطلون يعارضون نصوص الكتاب والسنة بأقوالهم وبيان فسادها أحد ركني الحق وأحد المطلوبين فإن هؤلاء لو تركوا نصوص الأنبياء لهدت وكفت ولكن صالوا عليها صول المحاربين لله ولرسوله فإذا دفع صيالهم وبين ضلالهم كان ذلك من أعظم الجهاد في سبيل الله # قال أبو عبد الله الرازي الفصل الثالث في إقامة الدلائل العقلية على أنه ليس بمتحيز البتة # أعلم أنا إذا دللنا على أنه تعالى ليس بمتحيز فقد دللنا على أنه تعالى ليس بجسم ولا جوهر فرد لأن المتحيز إن كان منقسما فهو الجسم وإن لم يكن منقسما فهو الجوهر الفرد

# يقال له قد تقدم أن الحيز قد يراد به ما يحوز الشيء وهو نهايته وحدوده الداخلة فيه وقد يراد به الشيء الذي يكون منفصل عنه وهو محيط به وكلاهما أمر وجودي وقد يراد بالحيز ما هو تقدير المكان وهذا هو الحيز عند كثير من أهل الكلام الذين يفرقون بين لفظ الحيز والمكان والحيز على هذا أمر عدمي كما تقدم تقرير ذلك # فإذا قال إذا كان متحيزا فالمتحيزات مماثلة له كان هذا مصادرة على المطلوب لأن نفي كونه جسما بناءا على نفي الجوهر ونفي الجوهر بناءا على نفي التحيز والمتحيز هو الجسم أو الجوهر فيكون قد جعل الشيء مقدمة في إثبات نفسه وهذه هي المصادرة # قوله فنقول الذي يدل على أنه تعالى ليس بمتحيز وجوه البرهان الأول أنه تعالى لو كان متحيزا لكان مماثلا لسائر المتحيزات في تمام الماهية وهذا ممتنع # فيقال هذه الحجة قد تقدم الكلام على موادها غير مرة والكلام عليها من المقامين المتقدمين أحدهما قول من يقول أنه فوق العرش وهو مع ذلك ليس بجسم ولا هو متحيز كما ذكرنا أن هذا قول طوائف كثيرة من أهل الكلام والفقهاء ومن تبعهم من أهل الحديث والصوفية وغيرهم وهذا قول ابن كلاب والأشعري وأئمة أصحابه وغيرهم فعلى هذا

لا يلزم من نفي كونه متحيزا نفي كونه على العرش وتقدم ما في ذلك من دعوى الضرورة من الجانبين المقام الثاني من لا ينفي ذلك بل يسلم إثباته أو لا يتكلم فيه بنفي ولا إثبات والكلام في هذا المقام من وجوه أحدها لا نسلم أنه لو كان مختصا بشيء من الأحياز والجهات لكان مساويا للمتحيزات وما ذكروه من الحجة مبني على تماثل المتحيزات وقد تقدم إبطال ذلك بما لا حاجة إلى إعادته وأن القول بتماثلها من أضعف الأقوال بل من أعظمها مخالفة للحس والعقل ولما عليه جماهير العقلاء # وأصل كلام هؤلاء كلهم على أن إثبات الصفات مستلزم للتجسيم والأجسام متماثلة والمثبتون يجيبون على هذا تارة بمنع المقدمة الأولى وتارة بمنع المقدمة الثانية وتارة بمنع كل من المقدمتين وتارة بالإستفصال ولا ريب أن قولهم بتماثل الأجسام قول باطل سواء فسروا الجسم بما يشار إليه أو بالقائم بنفسه أو بالموجود أو بالمركب من الهيولى والصورة ونحو ذلك فأما إذا فسروه بالمركب من الجواهر المفردة وعلى أنها متماثلة فهذا يبنى على صحة ذلك وعلى إثبات الجوهر المفرد وعلى أنه متماثل وجمهور العقلاء يخالفونهم في ذلك إلى أن قال ولهذا يقول هؤلاء أن الشيئين لا يشتبهان من وجه ويختلفان من وجه وأكثر العقلاء على خلاف ذلك # قوله فيفتقر هنا إلى بيان أنه يمتنع أن يكون مساويا لسائر المتحيزات في عموم المتحيزية ومخالفا لها في ماهيته المخصوصة فنقول الدليل على أن ذلك ممتنع هو أن بتقدير أن يكون مساويا لسائر المتحيزات في عموم المتحيزية

ومخالفا لها في الخصوصية كان ما به الاشتراك مغايرا لا محالة لما به الامتياز فحينئذ يكون عموم المتحيزية مغايرا لخصوص ذاته المخصوصة وحينئذ نقول إما أن يكون الذات هي المتحيزية ويكون المتحيزية صفة لتلك الذات وإما أن يقال المتحيزية صفة وتلك الخصوصية هي الذات أما القسم الأول فإنه يقتضي حصول المقصود لأنه إذا كان مجرد المتحيزية هو الذات وثبت أن مجرد المتحيزية أمر مشترك فيه بينه وبين سائر المتحيزات فحينئذ يحصل منه أن بتقدير أن يكون تعالى متحيزا كانت ذاته مماثلة لذوات سائر المتحيزات وليس المطلوب إلا ذلك وأما القسم الثاني وهو أن يقال الذات هي تلك الخصوصية والصفة هي المتحيزية فنقول هذا محال وذلك لأن تلك الخصوصية من حيث انها هي هي مع قطع النظر عن المتحيزية إما أن يكون لها اختصاص بالحيز وإما أن لا يكون كذلك والأول محال لأن كل ما كان حاصلا في حيز وجهة على سبيل الاستقلال كان متحيزا فلو كانت تلك الخصوصية التي فرضناها خالية عن التحيز حاصلة في الحيز لكان الخالي عن التحيز متحيزا وذلك محال وأما القسم الثاني وهو أن يقال إن تلك الخصوصية غير مختصة بشيء من الأحياز والجهات فنقول أنه يمتنع أن تكون المتحيزية صفة قائمة بها لأن تلك الخصوصية غير مختصة بشيء من الأحياز والجهات والمتحيزية أمر لا يعقل إلا أن يكون حاصلا في الجهات والشيء الذي يجب أن يكون حاصلا في الجهات يمتنع أن يكون حاصلا في الشيء الذي يمتنع حصوله في الجهة وإذا لم تكن المتحيزية صفة للشيء كان نفس الذات وحينئذ يلزم أن يكون الأشياء المتساوية في المتحيزية متساوية في تمام الذات فثبت بما ذكرنا أن المتحيزات يجب أن تكون كلها متساوية في تمام الماهية وهذا برهان قاطع في تقرير هذه المقدمة

# قد قدمنا أن هذا المشترك وهو المقدار صفة المقدر قائم به لا نفس المقدار وحقيقته قال تعالى ^ وكل شيء عنده بمقدار ^ وقال ^ قد جعل الله لكل شيء قدرا ^ فجعل المقدار القدر للأشياء لم يجعل ذلك أعيان الأشياء أو ذواتها كما قال تعالى ^ وما ننزله إلا بقدر معلوم ^ وبينا أن كل واحد من المشترك والمميز يجوز أن يكونا سواءا بالنسبة إلى الذات الموصوفة بهما فليس جعل أحدهما ذاتا والآخر صفة بأولى من العكس وبينا أنه وإن قيل أنه الذات فليس هو تمام الحقيقة بل الحقيقة موافقة لما به الاشتراك و ما به الامتياز فالمتحيز وإن كان جنسا كما قيل في الجوهر بالجنس لا يجب أن يكون مماثل الأنواع فإن التماثل يحتاج إلى الاشتراك في جميع الصفات الذاتية وهو قد سلم أن المتحيزات مختلفة في الصفات فيجوز أن يكون كل جسم وإن كان التقدير ذاته فله صفات ذاتية مختصة به كما يقول من يقول من المتكلمين المنطقيين وغيرهم إن الجوهر جنس وتحته أنواع إضافية وتحت كل نوع أنواع إلى النوع الشامل الخاص الذي تتفق أفراده في تمام الماهية الحقيقية # قال الرازي وإنما قلنا إنه يمتنع أن يكون ذات الله تعالى مساوية لذوات الأجسام في تمام الماهية لوجوه الأول أن من حكم المتماثلين الاستواء في جميع اللوازم فيلزم من قدم ذات الله تعالى قدم سائر الأجسام أو من حدوث سائر الأجسام حدوث ذات الله تعالى وذلك محال الثاني أن المثلين يجب استواؤهما في جميع اللوازم فكما صح على سائر الأجسام خلوها عن صفة العلم والقدرة والحياة وجب أن يصح على ذاته الخلو عن هذه الصفات فحينئذ يكون اتصاف ذاته بحياته وعلمه وقدرته من الجائزات وإذا كان الأمر كذلك امتنع

كون تلك الذات موصوفا بالحياة والعلم والقدرة إلا بإيجاد موجد وتخصيص مخصص وذلك يقتضي احتياجه إلى الإله فحينئذ كل ما كان محتاجا إلى الإله وهذا يقتضي أن الإله يمتنع أن يكون جسما # فإن قيل إن الشيء إذا شابه غيره من وجه جاز عليه من ذلك الوجه أو وجب له ما وجب له وامتنع عليه ما امتنع عليه قيل هب أن الأمر كذلك ولكن إذا كان ذلك القدر المشترك لا يستلزم إثبات ما يمتنع عن الرب سبحانه ولا نفي ما يستحقه لم يكن ممتنعا كما إذا قيل إنه موجود حي عليم سميع بصير وقد سمى بعض عباده حيا سميعا بصيرا قيل لازم هذا القدر المشترك ليس ممتنعا على الرب تعالى فإن ذلك لا يقتضي حدوثا ولا إمكانا ولا نقصا ولا شيئا مما ينافي صفات الربوبية وذلك أن القدر المشترك هو مسمى الوجود أو الموجود أو الحياة أو الحي أو العلم أو العليم أو السمع أو البصر أو السميع أو البصير أو القدرة أو القدير والقدر المشترك مطلق كلي لا يختص بأحدهما دون الآخر فلم يقع بينهما اشتراك لا فيما يختص بالممكن المحدث ولا فيما يختص بالواجب القديم فإنما يختص به أحدهما يمتنع اشتراكهما فيه فإذا كان القدر المشترك الذي اشتركا فيه صفة كمال كالوجود والحياة والعلم والقدرة ولم يكن في ذلك شيء مما يدل على خصائص المخلوقين كما لا يدل على شيء من خصائص الخالق لم يكن في إثبات هذا محذور أصلا بل إثبات هذا من لوازم الوجود فكل موجودين لا بد بينهما من مثل هذا ومن نفى هذا لزمه تعطيل وجود كل موجود ولهذا لما اطلع الأئمة على أن هذا حقيقة قول الجهمية سموهم معطلة

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:16 AM
# ويقال له كل جسم فإنه مختص بحيزه وحيزه الذي هو جوانبه ونهايته وحدوده الداخل في مسماه فعلم أن ذلك لا ينافي ما ذكروه من دليل حدوث الأجسام مع أن ذلك الدليل لا نرتضيه لا لهذا لكن لمعاني أخر ومع إن المنازعين له الذين يقولون أنه جسم أوله حد وقدر ينازعون في حدوث كل ما كان جسما أوله حد وقدر يقولون دعوى حدوث جميع هذا مثل دعوى حدوث كل ذات أو كل موصوف أو كل صفة وموصوف أو حدوث كل قائم بنفسه أو كل موجود ونحو ذلك # قال الرازي الثالث أنه لما كان ذاته تعالى مساوية لذات سائر المتحيزات فكما صح في سائر المتحيزات كونها متحركة تارة وساكنة أخرى وجب أن يكون ذاته أيضا كذلك فعلى هذا التقدير يلزم أن يكون ذاته تعالى قابلة للحركة والسكون وكل ما كان كذلك وجب القول بكونه محدثا لما ثبت في تقرير هذه الدلائل في مسئلة حدوث الأجسام ولما كان محدثا وحدوثه محال فكونه جسما محال # ويقول له الخصم هب أنك تقول لا بد له إذا كان متحيزا من الحركة والسكون فنحن نقول أن كل قائم بنفسه لا يخلو عن الحركة والسكون فإنه أما أن يكون منتقلا أو لا يكون منتقلا فإن كان منتقلا فهو متحرك وإلا فهو ساكن والحركة الاختيارية للشيء كمال له كالحياة ونحوها فإذا قدرنا ذاتين إحداهما تتحرك باختيارها والأخرى لا تتحرك أصلا كانت الأولى أكمل

# ويقول الخصم قولك الحركة حادثة قلت حادثة النوع أو الشخص الأول ممنوع والثاني مسلم قولك ما لا يخلوا عن الحوادث فهو حادث إن أريد به ما لا يخلو عن نوعها فممنوع والثاني لا يضر وأنت لم تذكر حجة على حدوث نوع الحركة إلا حجة واحدة وهو قولك الحادث لا يكون أزليا وهي ضعيفة كما عرف إذ لفظ الحادث يراد به النوع ويراد به الشخص # قال الرازي الرابع أنه لو كان جسما لكان مؤتلف الأجزاء وتلك الأجزاء تكون متماثلة بأعيانها وهي أيضا مماثلة لأجزاء سائر الأجسام وعلى هذا التقدير كما صح الاجتماع والافتراق على سائر الأجسام وجب أن يصح على تلك الأجزاء وعلى هذا التقدير لا بد له من مركب ومؤلف وذلك على إله العالم محال # وأما الاجتماع والافتراق فهو مبني على مسئلة الجوهر الفرد ومن قال أن الأجسام ليست مركبة من الجواهر الفردة وهم أكثر الطوائف لم يقل بأن الجسم لا يخلو من الاجتماع والافتراق بل الجسم البسيط عنده واحد سواء قبل الافتراق أو لم يقبله وكذلك إذا قدر أن فيه حقائق مختلفة متلازمة لم يلزم من ذلك أن يقبل الاجتماع والافتراق

# قال أبو عبد الله الرازي البرهان الثاني في بيان أنه يمتنع أن يكون متحيزا هو أنه لو كان متحيزا لكان متناهيا وكل متناه ممكن وكل ممكن محدث فلو كان متحيزا لكان محدثا وهذا محال وذاك محال # يقال هذه من حجج الجهمية قديما كما ذكر ذلك الأئمة وذكروا أن جهما وأتباعه هم أول من أحدث في الإسلام هذه الصفات السلبية وإبطال نقيضها مثل قولهم ليس فوق العالم ولا داخل العالم ولا خارجه وليس في مكان دون مكان أو ليس في مكان ولا بمتحيز ولا جوهر ولا جسم ولا له نهاية ولا حد ونحو هذه العبارات إلى أن قال وإذا عرف أصل هذا الكلام فجميع السلف والأئمة الذين بلغهم ذلك أنكروا ما فيه من هذه المعاني السلبية التي تنافي ما جاء به الكتاب والسنة إلى أن قال # والكلام على هذه الحجة في مقامين أحدهما منع المقدمة الأولى والثاني منع المقدمة الثانية أما الأولى فهو قول من يقول هو فوق العرش وليس له حد ولا مقدار ولا هو جسم كما يقول ذلك كثير من الصفاتية من الكلابية وأئمة الأشعرية وقدمائهم ومن وافقهم من الفقهاء الطوائف الأربعة وغيرهم وأهل الحديث والصوفية وغير هؤلاء وهم أمم لا يحصيهم إلا الله إلى أن قال وأما المقام الثاني فكلام من لا ينفي هذه الأمور التي يحتج بها عليه نفاة العلو على العرش ليس لها أصل في الكتاب والسنة بل قد يثبتها أو يثبت بعضها لفظا أو معنى أو لا يتعرض لها بنفي ولا إثبات وهذا المقام هو الذي يتكلم فيه سلف الأمة وأئمتها وجماهير أهل الحديث

وطائفة من أهل الكلام والصوفية وغيرهم وكلام هؤلاء أسد في العقل والدين حيث أثبتوا بما في الكتاب والسنة وأقروا بفطرة الله التي فطر عليها عباده # قوله أما المقدمة الأولى وهي بيان أنه تعالى لو كان متحيزا لكان متناهيا فالدليل عليه أن كل مقدار فإنه يقبل الزيادة والنقصان وكل ما كان كذلك فهو متناه وهذا يدل على أن كل متحيز فهو متناه وشرح هذا الدليل قد قررناه في سائر كتبنا # يقال هب أنك صرحت بأن مجاز الاسم الصمد هو كونه لا قدر له وإذا لم يكن له قدر فلا يجوز وصفه بالزيادة والنقص ولا يجوز وصفه بعدم الزيادة والنقص فإن كون الشيء يزيد وينقص أو لا يزيد ولا ينقص كونه ذا قدر فما لا قدر له ولا يقبل الوصف بالزيادة والنقصان ولا الوصف فأنه لا يزيد ولا ينقص كالمعدوم لا يقال فيه أنه لا يزيد ولا ينقص وقد بسطنا هذا في الوصف بالنهاية وعدمها وإذا كان كذلك فعدم قبول الوصف ثبوت ذلك ونفيه لا يكون صفة إلا للمعدوم لا يكون صفة للموجود كما بينا هذا فيما تقدم فإن المعدوم لا يقبل الاتصاف بالصفات المتقابلة فلا يقال فيه عالم ولا جاهل ولا قادر ولا عاجز ولا يزيد منقوص ولا غير يزيد منقوص فأما كون الشيء غير موصوف بالزيادة والنقصان ولا بعدم ذلك وهو موجود وليس بذي قدر فهذا لا يعقل # قال الرازي وأما المقدمة الثانية وهي بيان أن كل متناه فهو ممكن فذلك لأن كل ما كان متناه فإن فرض كونه أزيد قدرا أو أنقص قدرا

ممكن والعلم بثبوت هذا الإمكان ضروري فثبت أن كل متناه فهو في ذاته ممكن # قوله أن المتناهي يقبل الزائد والنقصان قيل لك هذا ممنوع فيما وجوده بنفسه فإن صفاته تكون لازمة لذاته فلا يمكن أن تكون على خلاف ما هو عليه # قال الرازي المقدمة الثالثة وهي بيان أن كل ممكن محدث فهو أنه لما كان الزائد والناقص والمساوي متساوية في الإمكان امتنع رجحان بعضها على بعض إلا لمرجح والافتقار إلى المرجح إما أن يكون حال وجوده أو حال عدمه فإن كان حال وجوده فإنه يكون إما حال بقائه لأن المؤثر تأثيره بالتكوين فلو افتقر حال بقائه إلى المؤثر لزم تكوين الكائن وتحصيل الحاصل وذلك محال فلم يبق إلا أن يحصل الافتقار أما حال حدوثه أو حال عدمه وعلى التقديرين فأنه يلزم أن يكون كل ممكن محدث فثبت أن كل جسم محدث والإله يمتنع أن يكون محدثا وبالله التوفيق # فيقولون له أنت دائما تثبت تخصيصا من هذا الجنس كما تقول أن الإرادة تخصص أحد المثلين لا لموجب فإذا قيل لك هذا يستلزم ترجيح أحد المتماثلين بلا رجح قلت هذا شأن الإرادة والإرادة صفة من صفاته فإذا كانت ذاته

مستلزمة لما من شأنه ترجيح أحد المثلين لذاته بلا مرجح فلأن تكون ذاته تقتضي ترجيح أحد المثلين بلا مرجح أولى إلى أن قال # والمقصود إن هؤلاء القائلين بعدم التناهي أو بالتناهي من جانب دون جانب مع كون قولهم فاسدا فنفاة كون الرب على العرش الذين يحتجون على نفي ذلك بنفي الجسم وعلى نفي الجسم بهذه الحجج يلزمهم من التناقض أعظم مما يلزم المثبتين والمقدمات التي يحتجون بها هي أنفسها وما هو أقوى منها من جنسها تدل على فساد أقوالهم بطريق الأولى فإن كانت صحيحة دلت على فساد قولهم ومتى فسد قولهم صح قول المثبتة لأمتناع رفع النقيضين وإن كانت باطلة لم تدل على فساد قول المثبتة فدل ذلك على أن هذه المقدمات مستلزمة فساد قول النفاة دون قول أهل الإثبات وهذه الطريق هي ثابتة في الأدلة الشرعية والعقلية # قال أبو عبد الله الرازي البرهان الثالث لو كان إله العالم متحيزا لكان محتاجا إلى الغير وهذا محال فكونه متحيزا محال بيان الملازمة أنه لو كان مساويا لغيره من المتحيزات في مفهوم كونه متحيزا ولكان مخالفا لها في تعينه وتشخصه # ثم نقول إن بعد حصول الامتياز بالتعين أما أن يحصل الامتياز في الحقيقة وعلى هذا التقدير يكون المتحيز جنسا تحته أنواع أحدها واجب الوجود وإما أن لا يحصل الامتياز في الحقيقة وعلى هذا التقدير يكون المتحيز نوعا تحته أشخاص أحدها واجب الوجود

# فنقول الأول باطل لأن على هذا التقدير يكون ذاته مركبا من الجنس والفصل وكل مركب فهو مفتقر إلى جزئه وجزؤه غيره فلو كان واجب الوجود متحيزا لكان مفتقرا إلى غيره # والثاني أيضا باطل لأن على هذا التقدير يكون تعينه زائدا على ما هية النوعية وذلك التعين لا بد من مقتض وليس هو تلك الماهية وإلا لكان نوعه منحصرا في شخصه وقد فرضنا أنه ليس كذلك فلا بد وأن يكون المقتضي لذلك التعيين شيئا غير تلك الماهية وغير لوازم تلك الماهية فيكون محتاجا إلى غيره فثبت أنه لو كان متحيزا لكان محتاجا إلى غيره وذلك محال لأنه واجب الوجود لذاته وواجب الوجود لذاته لا يكون واجب الوجود لغيره فثبت أن يكون متحيزا محال # لفظ الحيز والجهة ونحو ذلك فيه اشتراك كما تقدم فقد يراد به شيء منفصل عن الله كالعرش والغمام وقد يراد به ما ليس منفصلا عنه وهو نهايته وجوانبه وقد يراد به أمر عدمي وهو ما يقدر فيه الأجسام وهو المعروف من لفظ الحيز عند المتكلمين الذين يفرقون بين لفظ الحيز والمكان فيقولون الحيز تقدير المكان # قوله لكان مساويا لغيره من المتحيزات لا نسلم أنه لو كان متحيزا لكان مساويا للمتحيزات وما ذكروه من الحجة مبني على تماثل المتحيزات وقد تقدم إبطال ذلك بما لا حاجة إلى إعادته وأن القول بتماثلها من أضعف الأقوال بل من أعظمها مخالفة للحس والعقل ولما عليه جماهير العقلاء

# وقال الشيخ رحمه الله عليه وقد سئل عن جواب شبهة المعتزلة في نفي الصفات ادعوا أن صفات الباري ليست زائدة على ذاته لأنه لا يخلو أما أن يقوم وجوده بتلك الصفة المعينة بحيث يلزم من تقدير عدمها عدمه أولا فإن يقم فقد تعلق وجوده بها وصار مركبا من أجزاء لا يصح وجوده إلا بمجموعها والمركب معلول وإن كان لا يقوم وجوده بها ولا يلزم من تقدير عدمها عدمه فهي عرضية والعرض معلول وهما على الله محال فلم يبق إلا أن صفات الباري غير زائدة على ذاته وهو المطلوب # فأجاب الذي دل عليه الكتاب والسنة أن الله سبحانه له علم وقدرة ورحمة ومشيئة وعزة وغير ذلك وساق النصوص في ذلك إلى أن قال وأما الشبهة الثانية وهي شبهة التركيب وهي فلسفية معتزلية والأولى معتزلية محضة فالجواب عنها أيضا من وجهين أما الأول فإنهم يثبتون عالما وقادرا ويثبتونه واجبا بنفسه فاعلا لغيره ومعلوم بالضرورة أن مفهوم كونه عالما غير مفهوم الفعل بغيره فإذا كانت ذاته مركبة من هذه المعاني لزم التركيب الذي ادعوه وإن كانت عرضية لزم الافتقار الذي ادعوه وإن كان الواجب بنفسه لا يتميز عن غيره بصفة الثبوتية فلا واجب وإذا لم يكن واجبا لم يلزم من التركيب محال وذلك أنهم إنما نفوا المعاني لاستلزامها ثبوت التركيب المستلزم نفي الوجوب وهذا محال إلى أن قال # وأما ما يذكره المنطقيون من تركيب الأنواع من الجنس والفصل كتركيب الإنسان من حيوان وناطق وهو المركب مما به الاشتراك بينه و بين سائر الأنواع ومما به امتيازه عن غيره من الأنواع وتقسيمهم الصفات إلى ذاتي

تتركب منه الحقائق وهو الجنس والفصل وإلى عرضي وهو العرض العام والخاصة ثم الحقيقة المؤلفة من المشترك والمميز هي النوع فنقول هذا التركيب أمر اعتباري ذهني ليس له وجود في الخارج كما أن ذات النوع من حيث هي عامة ليس لها ثبوت في الخارج بل نفس الحقائق الخارجة ليس فيها عموم خارجي ولا تركيب خارجي كما قلنا في مسئلة المعدوم أنه شيء في الذهن لا في الخارج لتعلق العلم والإرادة به فإن الإنسان الموجود في الخارج ليس فيه ذوات متميزة بعضها حيوانية وبعضها ناطقية وبعضها ضاحكية وبعضها حساسية بل العقل يدرك منه معنى ونظير ذلك المعنى ثابت لنوع آخر فيقول فيه معنى مشترك ويدرك فيه معنى مختصا ثم يجمع بين المعنيين فيقول هو مؤلف منهما ثم إذا أدرك فيه المعنيين لم يدرك أن أحدهما فيه متميز عن الآخر منفصل كما أنه إذا أدرك الوجود والوجوب والقيام بالنفس والإقامة للغير لم يدرك أحد هذه المعاني منفصلا عن الآخر متميزا عنه بل أبلغ من ذلك أن الطعم واللون والريح القائمة بالجسم لا يتميز بعضها عن بعض بمحالها وإنما الحس يميز بين هذه الحقائق فهذا النوع من التركيب ليس من جنس تركيب ابعاضه واخلاصه فليس الأبعاض كالأعراض ونحن لا ننازع في تسمية هذا مركبا فإن هذا نزاع لفظي ولكن الغرض أن هذا التركيب ليس من جنس التركيب الذي يعقله بنو آدم بالفطرة الأولى حتى يطلق عليه لفظ الأجزاء # إذا عرف هذا كان الجواب من فنين في الحل كما كان من فنين في الأبطال أحدهما إنا لا نسلم أن هناك تركيبا من أجزاء بحال وإنما هي ذات قائمة بنفسها مستلزمة للوازمها التي لا يصح وجودها إلا بها وليست صفة الموصوف أجزاءا له ولا أبعاضا يتميز بعضها عن بعض أو تتميز عنه حتى يصح أن يقال هي مركبة منه أو ليست مركبة فثبوت التركيب ونفيه فرع تصوره

وتصوره هنا منتف والجواب الثاني أنه لو فرض أن هذا يسمى مركبا فليس هذا مستلزما للإمكان ولا للحدوث وذلك أن الذي علم بالعقل والسمع أنه يمتنع أن يكون الرب تعالى فقيرا إلى خلقه بل هو الغني عن العالمين وقد علم أنه حي قيوم بنفسه وأن نفسه المقدسة قائمة بنفسه وموجودة بذاته وأنه أحد صمد غني بنفسه ليس ثبوته وغناه مستفادا من غيره وإنما هو بنفسه لم يزل ولا يزال حقا صمدا قيوما فهل يقال في ذلك إنه مفتقر إلى نفسه أو محتاج إلى نفسه لأن نفسه لا تقوم إلا بنفسه فالقول في صفاته التي هي داخلة في مسمى نفسه هو القول في نفسه # وقال بعد ذكر كلام أبي حامد في تهافت الفلاسفة وتكلم في ذلك بكلام حسن بين فيه ما احتاجوا به من الألفاظ المجملة كلفظ التركيب فإنهم جعلوا إثبات الصفات تركيبا وقالوا متى أثبتنا معنى يزيد على مطلق الوجود كان تركيبا وادخلوا في مسمى التركيب خمسة أنواع أحدها أنه ليس له حقيقة إلا الوجود المطلق لئلا يكون مركبا من وجود ماهية والثاني ليس له صفة لئلا يكون مركبا من ذات وصفات والثالث ليس له وصف مختص ومشترك لئلا يكون مركبا مما به الاشتراك وما به الامتياز كتركيب النوع من الجنس والفصل أو من الخاصة والعرض العام الرابع أنه ليس فوق العالم لئلا يكون مركبا من الجواهر المفردة وكذلك لا يكون مركبا من المادة والصورة وهو الخامس # قال أبو عبد الله الرازي البرهان الرابع لو كان إله العالم متحيزا لكان مركبا وهذا محال فكونه متحيزا محال بيان الملازمة من وجهين

أحدهما وهو على قول من ينكر الجوهر الفرد أن كل متحيز فلا بد وأن يتميز أحد جانبيه عن الثاني وكل ما كان كذلك فهو منقسم فثبت أن كل متحيز فهو منقسم مركب الثاني أن كل متحيز فأما أن يكون قابلا للقسمة أو لا يكون فإن كان قابلا للقسمة كان مركبا مؤلفا وإن كان غير قابل للقسمة فهو الجوهر الفرد وهو في غاية الصغر والحقارة وليس العقلاء أحد يقول هذا القول فثبت أنه تعالى لو كان متحيزا لكان مؤلفا منقسما وذلك محال لأن كل ما كان كذلك فهو مفتقر في حقيقته إلى كل واحد من أجزائه زكل واحد من أجزائه غيره فكل مركب فهو مفتقر في الحقيقة إلى غيره وكل ما كان كذلك فهو ممكن لذاته فكل مركب ممكن لذاته فيلزم أن يكون الممكن لذاته واجبا لذاته وذلك محال فيمتنع أن يكون متحيزا # ولقائل أن يقول إن عنيت بالتحيزية تفرقته بعد الاجتماع واجتماعه بعد الافتراق فلا نسلم أن ما لا يكون كذلك يلزم أن يكون حقيرا # وإن عنيت به ما يشار إليه أو يتميز منه شيء لم نسلم أن مثل هذا ممتنع بل نقول أن كل موجود قائم بنفسه فإنه كذلك وإن ما لا يكون كذلك فلا يكون إلا عرضا قائما بغيره وإنه لا يعقل موجود إلا ما يشار إليه أو ما يقوم بما يشار إليه

# قال أبو عبد الله الرازي البرهان الخامس أنه لو كان متحيزا لكان مركبا من الأجزاء إذ ليس في العقلاء من يقول إنه في حجم الجوهر الفرد ولو كان مركبا من الأجزاء فأما أن يكون الموصوف بالعلم والقدرة والحياة جزءا واحدا من ذلك المجموع أو يكون الموصوف بهذه الصفات مجموع تلك الأجزاء فإن كان الأول كان إله العالم هو ذلك الجزء الواحد فيكون إله العالم في غاية الصغر والحقارة وقد بينا أنه ليس في العقلاء من يقول بذلك وإن كان الثاني فأما إن يقال القائم بمجموع تلك الأجزاء علم واحد وقدرة واحدة أو يقال القائم بكل واحد من تلك الأجزاء علم على حدة وقدرة على حدة والأول محال لأنه يقتضي قيام الصفة الواحدة بالمحال الكثيرة وذلك محال وإن كان الثاني لزم أن يكون كل واحد منها إلها قديما وذلك يقتضي تكثر الآلهة وهو محال # فإن قيل هذا يشكل بالإنسان فإن ما ذكرتم قائم فيه بعينه فيلزم أن لا يكون جسما وهذه مكابرة فإنا نعلم بالضرورة أن الإنسان ليس إلا هذه البنية # ثم نقول لم لا يجوز أن يقال قام علم واحد بمجموع تلك الأجزاء إلا أنه انقسم ذلك المجموع وقام بكل واحد من تلك الأجزاء جزء من ذلك العلم # وأيضا لم لا يجوز أن نقول قام بكل واحد من تلك الأجزاء علم بمعلوم واحد وقدرة على مقدور واحد وبهذا الطريق كان مجموع الأجزاء عالما بجملة المعلومات قادرا على جملة المقدورات # والجواب عن السؤال الأول أن نقول أما الفلاسفة فقد طردوا قولهم وزعموا أن الإنسان ليس عبارة هذه البنية فإن الإنسان عبارة عن الشيء الذي يشير إليه كل إنسان بقوله أنا وذلك الشيء موجود ليس بجسم ولا جسماني قالوا وأما قول من يقول بأن هذا باطل بالضرورة لأن كل واحد يعلم أن

الإنسان ليس إلا هذه البنية المخصوصة فقد أجابوا عنه بأن الإنسان مغاير لهذه البنية المشاهدة ويدل عليه وجوه # الأول أنا قد نفعل أنفسنا حال ما نكون غافلين عن جملة اعضائنا الظاهرة والباطنة والمعلوم مغاير لغير المعلوم # الثاني أني أعلم بالضرورة أني أنا الإنسان الذي كنت موجودا قبل هذه المدة بخمسين سنة وجملة أجزاء هذه البنية متبدلة بسبب السمن والهزال والصحة والمرض والباقي مغاير لما ليس بباق # الثالث أن المشاهد ليس إلا السطح الموصوف باللون المخصوص وباتفاق العقلاء ليس عبارة عن هذا القدر فثبت أن الإنسان ليس بمشاهد البتة # وأما سائر الطوائف والفرق فقد ذكروا الفرق بين الشاهد والغائب من وجهين أحدهما قال الأشعري كل واحد من أجزاء الإنسان موصوف بعلم على حدة وقدرة على حدة وهذا يقتضي أن يكون هذا البدن مركبا من أشياء كثيرة وكل واحد منها عالم قادر حي وهذا مما لا نزاع فيه وأما التزام ذلك في حق الله سبحانه وتعالى فإنه يقتضي تعدد الآلهة وذلك محال فظهر الفرق الثاني قال ابن الرواندي الإنسان جزء واحد لا يتجزأ في القلب وهذا يقتضي أن يكون الإنسان في غاية الحقارة وذلك غير ممتنع أما لو قلنا بمثله في حق الله تعالى يلزم كونه في غاية الحقارة وذلك لم يقل بها عاقل # وأما السؤال الثاني وهو قوله لم لا يجوز أن يقال العلم ينقسم فقام بكل واحد من تلك الأجزاء جزء واحد من ذلك فنقول هذا محال لأن كل واحد من أجزاء العلم إما أن يكون علما وإما أن لا يكون علما فإن كان الأول كان القائم بكل واحد من تلك الأجزاء علما على حدة وذلك

غير هذا السؤال وإن كان الثاني لم يكن شئ من تلك الأجزاء موصوفا بالعلم والمجموع ليس إلا تلك الأمور فوجب أن لا يكون المجموع موصوفا بالعلم والقدرة # وأما السؤال الثالث وهو قولهم كل واحد من تلك الأجزاء يكون موصوفا بعلم متعلق بمعلوم معين وبقدرة متعلقة بمقدور معين فنقول هذا أيضا محال لأنه يقتضي كون كل واحد من تلك الأجزاء عالما بمعلومات معينة قادرا على مقدورات معينة فيرجع حاصل الكلام إلى إثبات آلهة كثيرة كل واحد منها مخصوص بمعرفة بعض المعلومات وبالقدرة على بعض المقدورات وذلك يناقض القول بأن إله العالم موجود واحد والله أعلم # ولقائل أن يقول الاعتراض على هذا من وجوه # الأول قولك لو اتصف بكل واحد من هذه الصفات فأما أن يكون كل جزء من أجزائه متصفا بجميع هذه الصفات إلى آخره فرع على ثبوت الأجزاء وذلك ممنوع فلم قلت إن كل ما هو جسم فهو مركب من الأجزاء فإن هذا مبني على أن الأجسام مركبة من الجواهر المنفردة وهذا ممنوع وجمهور العقلاء على خلافه وهو لم يثبته هنا بالدليل فيكفي مجرد المنع وبسط ذلك في موضعه وكل من أمعن في معرفة هذا المقام علم أن ما ذكروه من أن الجسم مركب من جواهر منفردة متشابهة عرض لها التركيب أو من مادة وصورة وهما جوهران من أفسد الكلام وإذا كان كذلك أمكن أن يكون كل من الصفات القائمة

بجميع المحل شائعة في جميع الموصوف ولا يلزم أن يكون الواحد قام بأجزاء بل القول في الصفة الحالة كالقول في المحل الذي هو الموصوف # الوجه الثاني أن يقال القول في وحدة الصفة وتعددها وانقسامها وعدم انقسامها كالقول في الموصوف وسواء في ذلك الصفات المشروطة بالحياة والقدرة والحس بل والحياة نفسها أو التي لا تشترط بالحياة كالطعم واللون والريح فإن طعم التفاحة مثلا شائع فيها كلها فإذا بعضت تبعض ولا يقال أنها قام طعم واحد بجملة التفاحة بل إن قيل إن التفاحة أجزاء كثيرة قيل قام بها طعوم كثيرة وإن قيل هي شيء واحد قيل قام بها طعم واحد فإن قيل فهذا هو التقدير الأول وهو اتصاف كل جزء من هذه الأجزاء بجميع هذه الصفات قيل ليس كذلك أما أولا فلمنع التجزي وأما ثانيا فلأنه لم يقم بكل جزء إلا جزء من الصفة القائمة بالجميع لم تقم جميع الصفة بكل جزء وحينئذ فيبطل التلازم المذكور وهو كون كل جزء إلها فإن الإله سبحانه وتعالى هو المتصف بأنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير أما إذا قدر موصوف قام به جزء من هذه القدرة لا تنقسم هي ولا محلها لم يلزم أن يكون ذلك الجزء قادرا فضلا عن أن يكون ربا إذ القادر لا يجب أن يكون من قام به جزء من القدرة ولا الحي من قام به جزء من الحياة ولا العالم من قام به جزء من العلم فإن قيل كيف يعقل انقسام محل هذه الصفات فإن الإنسان تقوم حياته بجميع بدنه وكذلك الحس والقدرة تقوم ببدنه وغيرهما من صفاته فكما أن بدنه ينقسم فالقائم ببدنه ينقسم فإن قيل إذا انقسم لم يبق قدرة ولا علما ولا حياة قيل وكذلك المحل لا يبقى يدا ولا عضوا ولا قادرا ولا حيا ولا عالما ولا حساسا فإن الجزء المنفرد بتقدير وجوده هو أحقر من أن يقال أنه يد أو عضو أو بدن حي عالم قادر فكيف يقال فيه أنه إله

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:16 AM
# الوجه الثالث أن ما ذكروه معارض بقيام هذه الصفات في الإنسان فإن الإنسان تقوم به الحياة والقدرة والحس ولم نذكر العلم ولا نحتاج أن نقول كما قالت المعتزلة إن الأعراض المشروطة بالحياة إذا قامت بجزء في الجملة عاد حكمها إلى جميع الجملة بل نذكر من الأعراض ما يعلم قيامه بالبدن الظاهر كالحياة والحس والحركة والقدرة فإن هذا التقسيم الذي ذكروه يرد عليه فأنه إن قيل أن كل جزء من أجزائه متصف بهذه الصفات لزم تعدد الإنسان وأن كان المتصف بجملتها بعض الإجزاء فلا أولوية ولزم أن لا يتعدى حكم الصفة محلها والتقدير أن ظاهر البدن كله حي حساس وإن قيل أن كل واحد يختص بصفة فهو معلوم الفساد بالضرورة مع أنه لا أولوية وإن قيل تقوم الصفة الواحدة بالجملة لزم قيام الواحد بالمتعدد فإذا كان هذا التقسيم واردا على ما يعلم قيام الصفات به ولم ينف قيامها به علم أنها حجة باطلة # الوجه الرابع قوله والرابع محال لأنه يلزم قيام المتحد بالمعدد فيقال لا نسلم التلازم فإن هذا القيام مبناه على أنه حينئذ يقوم الواحد بالمتعدد فإنه فرض قيام علم واحد بجملة أجزاء وهذا الأصل فاسد فإن المعلوم من وحدة الصفة الحالية وتعددها هو المعلوم من وحدة المحل وتعدده فالحياة القائمة بجسم حي إذا قيل هي حياة واحدة قيل هو حي واحد وإذا قيل الحي أجزاء متعددة قيل الحياة أجزاء متعددة فالحال ومحله سواء في الاتحاد والتعدد حينئذ فقولهم إنه قام المتحد بالمتعدد كلام باطل بل ما فسروا به الاتحاد في أحدهما كان موجودا في الآخر وما فسروا به تعدد أحدهما كان موجودا في الآخر # الوجه الخامس أنا لا نسلم الحصر فيما ذكروه من الأقسام بتقدير انقسام الجسم بل من الممكن أن يقال قام كل جزء من أجزاء هذه الصفات بجزء من أجزاء

الموصوف وكل جزء منه متصف من الصفة وهذا التقسيم غير ما ذكره من الأقسام ليس فيه اتصاف كل جزء بجميع الصفة ولا المتصف بجميعها بعض الجملة ولا كل جزء مختصا بجميع صفته ولا قيام واحد بمتعدد فإن قال الصفة لا تنقسم ومحلها ينقسم قيل هذه مكابرة للحس والعقل بل انقسامها بانقسام محلها يبين هذا أن من أعظم عمد مثبتي الجوهر الفرد قولهم إن الحركة قائمة بالجسم والزمان مقدار الحركة والزمان فيه الآن الذي لا ينقسم فلا ينقسم الجزء الذي يحلها فإنما استدلوا على وجود الجزء الذي لا ينقسم بوجود جزء من الحركة لا ينقسم فعلم أن انقسام الحال عندهم كانقسام محله مع أن هذا معلوم بالحس والعقل وكذلك المتفلسفة القائلون بأن النفس الناطقة ليست جسما عمدتهم أنه يقوم بها ما لا ينقسم وما لا ينقسم لا يقوم إلا بما لا ينقسم وقد اتفقت الطوائف على أن الصفة إذا لم تنقسم كان محلها لا ينقسم # الوجه السادس أن قوله إما أن يكون كل جزء من الأجزاء متصفا بهذه الصفات يقال له إن أردت انه يتصف به كما تتصف به كما تتصف به الجملة فهذا لا يقوله عاقل فانه ليس في الأجسام ما يكون صفة جميعه صفة للجوهر الفرد منه على الوجه الذي هي به صفة لجميعه وإن أردت أنه متصف به كما يليق بذلك الجزء فلم قلت إن ما اتصف بالصفة على هذا الوجه يمكن انفراده عن غيره فضلا عن كونه إلها وهذا لأنه ليس في جميع ما يعلم من الموصوفين المنفردين بأنفسهم ما هو جوهر فرد ولا في شيء مما يشاهد من الموصوفين ما هو جوهر فرد بل الجوهر الفرد بتقدير وجوده لا يحس به ولا يوجد منفردا فما كان لا يوجد وحده حتى ينضم إليه أمثاله كيف يكون حيا فضلا عن أن يكون فرسا أو بعيرا فضلا عن أن يكون إنسانا أو ملكا أو جنيا فضلا عن أن يكون إلها وهل ذكر مثل هذا في حق الله إلا من أعظم الدليل على جهل قائله فإنهم لا يعلمون

شيئا من الجواهر المنفردة يسمى باسم جملته لقيام الصفة بالجملة فكيف يجب في حق الله إذا قامت به صفات الكمال أن يكون بتقدير ما ذكروه يجب فيه مثل ذلك # السابع أن يقال كما أنه لا يجب في كل جزء من الإنسان أن يكون إنسانا لأنه قام به من الصفات ما يقوم بالإنسان ولا في كل جزء من أجزاء الفرس وسائر الحيوان أن يكون فرسا لكونه من الجملة التي قامت بها الصفة فلماذا يجب في كل ما كان من الإله أن يكون إلها لقيام صفة الأله بالإله الموصوف كله مع أن كل واحد من الموجودات لا يكون جزؤه حكم كله لقيام الصفة بالجميع هل هذا إلا من أفسد الحجج وإن كان هو من أعظم عمدة النفاة # قال الشيخ رحمه الله وأما التأويل الثالث المذكور عن الغزالي من أن معنى قوله خلق آدم على صورته أن الإنسان ليس بجسم ولا جسماني ولا تعلق له بهذا البدن إلا على سبيل التدبير والتصرف ونسبة ذات آدم إلى هذا البدن كنسبة الباري إلى العالم من حيث أن كل منها غير حال في هذا الجسم وإن كان موجودا فيه فهذا يشبه ما ذكره الإمام أحمد عن الجهم في مناظرة المشركين السمنية إلى أن قال وهذا يشبه قول الصائبة المتفلسفة الذين اتبعهم أبو حامد حيث ادعوا أن الروح هي كذلك ليست جسما ولا يشار إليها ولا تختص بمكان دون مكان ولكنها مدبرة للجسد كما أن الرب مدبر للعالم مع أن في كلام أبي حامد من التناقض في هذه الأمور ما ليس هذا موضع استقصائه وبهذا تبين ما نبهنا عليه في غير موضع أن مذهب الجهمية هو من جنس دين الصائبة المبدلين

# فإن الإنسان عبارة عن البدن والروح معا بل هو بالروح أخص منه بالبدن # فمن قال بالمركب من الجواهر المنفردة اضطربوا في محل العلم ونحوه من العبد هل هو جزء منفرد في القلب كما يذكر عن ابن الراوندي أو عن الأعراض المشروطة بالحياة إذا قامت بجزء من الجملة اتصف بها سائر الجملة كما يقوله المعتزلة أو حكم العرض لا يتعدى محله بل يقوم بكل جوهر فرد عرض يخصه من العلم والقدرة ونحو ذلك كما يقوله الأشعري على ثلاثة أقوال ومن لم يقل بالجوهر الفرد لم يلزمه ذلك بل يقول أن العرض القائم بالجسم ليس بمنقسم في نفسه كما أن الجسم ليس بمنقسم وأما قبوله للقسمة فهو كقبول الجسم للقسمة وهؤلاء يقولون أن الإنسان من تقوم به الحياة والقدرة والحس بجميع بدنه ويقولون أن بدن الإنسان ليس مركبا من الجواهر المنفردة فلا يرد عليهم ما ورد على أولئك وأما الأعراض القائمة بروحه من العلم والإرادة ونحو ذلك فهي أبعد عن الانقسام من الأعراض القائمة ببدنه وروحه أبعد عن كونها مركبة من الجواهر المنفردة من بدنه وإن قيل أنها جسم وعلى هذا فإن قيل يقوم بها علم واحد بمعلوم واحد كان هذا بمنزلة أن يقال يقوم بالعين إدراك واحد لمدرك واحد وبمنزلة أن يقوم بداخل الأذن سمع واحد لمسموع واحد وهذا وغيره مما يجيبون به المتفلسفة الذين قالوا أن النفس الناطقة لا تتحرك ولا تسكن ولا تصعد ولا تنزل وليست بجسم فإن عمدتهم على ذلك كونها يقوم بها ما لا ينقسم كالعلم بما لا ينقسم وإذا لم تنقسم امتنع كونها جسما وكلا المقدمتين ممنوعة كما قد بسط الجواب عن هذه الحجة التي هي عمدتهم في غير هذا الموضع

# قال أبو عبد الله الرازي البرهان السادس أنه تعالى لو كان جسما لكانت الحركة إما أن تكون جائزة عليه وأما لا تكون جائزة والقسم الأول باطل لأنه لما لم يمتنع أن يكون الجسم الذي تكون الحركة عليه جائزة إلها فلم لا يجوز أن يكون إله العالم هو الشمس أو القمر أو الفلك وذلك لأن هذه الأجسام ليس فيها عيب يمنع من إلهيتها إلا أمور ثلاث وهي كونها مركبة من الأجزاء وكونها محدودة متناهية وكونها موصوفة بالحركة والسكون فإذا لم تكن هذه الأشياء مانعة من الإلهية فكيف يمكن الطعن في إلهيتها وذلك عين الكفر والإلحاد وإنكار الصانع تعالى # والقسم الثاني هو أن يقال أنه تعالى جسم ولكن الانتقال والحركة عليه محال فنقول هذا باطل من وجوه # الأول أن هذا يكون كالزمن المقعد الذي لا يقدر على الحركة وهذا صفة نقص وهو على الله تعالى محال # الثاني أنه تعالى لما كان جسما كان مثلا لسائر الأجسام فكانت الحركة جائزة عليه # الثالث أن القائلين بكونه جسما مؤلفا من الأجزاء والابعاض لا يمنعون من جواز الحركة عليه فأنهم يصفونه بالذهاب والمجيء فتارة يقولون أنه جالس على العرش وقدماه على الكرسي وهذا هو السكون وتارة يقولون أنه ينزل إلى السماء الدنيا وهذا هو الحركة فهذه مجموع الدلائل على أنه تعالى ليس بجسم ولا بجوهر وبالجملة فليس بمتحيز

# قال الشيخ رحمه الله وقد سئل عن من يقول أن النصوص تظاهرت ظواهرها على ما هو جسم أو يشعر به والعقل دل على تنزيه الباري عز وجل عنه إلى آخره فأجاب هذه مسألة كبيرة عظيمة القدر اضطرب فيها خلائق من الأولين والآخرين من أوائل المئة الثانية من الهجرة النبوية فأما المأة الأولى فلم يكن بين المسلمين اضطراب في هذا وإنما نشاء ذلك في أوائل المأة الثانية لما ظهر الجعد بن درهم وصاحبه الجهم بن صفوان ومن اتبعهما من المعتزلة وغيرهم على إنكار الصفات قالوا لأن إثبات الصفات يستلزم التشبيه والتجسيم والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك لأن الصفات التي هي العلم والقدرة والإرادة ونحو ذلك أعراض ومعان تقوم بغيرها والعرض لا يقوم إلا بجسم والله تعالى ليس بجسم لأن الأجسام لا تخلوا من الأعراض الحادثة وما لا يخلو من الحوادث محدث # قالوا وإذا كانت الأعراض التي هي الصفات لا تقوم إلا بجسم والجسم مركب من أجزائه والمركب مفتقر إلى غيره ولا يكون غنيا عن غيره واجب الوجود بنفسه والله تعالى غني عن غيره واجب الوجود بنفسه # قالوا ولأن الجسم محدود متناهى فلو كان له صفات لكان محدودا متناهيا وذلك لا بد أن يكون له مخصص بقدر دون قدر وما افتقر إلى مخصص لم يكن غنيا قديما واجب الوجود بنفسه قالوا ولأنه لو قامت به الصفات لكان جسم ولو كان جسما لكان مماثلا لسائر الأجسام فيجوز عليه ما يجوز عليها ويمتنع عليه ما يمتنع عليها وذلك ممتنع على الله تعالى # أو قالوا إنما أثبتنا حدوثها بحدوث الأفعال التي هي الحركات وأن القابل لها لا يخلو منها وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث وأن ما قبل المجيء

والإتيان والنزول كان موصوفا بالحركة وما اتصف بالحركة لم يخل منها أو من السكون الذي هو ضدها وما لا يخل من الحوادث فهو حادث فإذا ثبت حدوث الأجسام قلنا إن المحدث لا بد له من محدث فأثبتنا الصانع بهذا فلو وصفناه بالصفات أو بالأفعال القائمة به لجاز أن تقوم الأفعال والصفات بالقديم وحينئذ فلا يكون دليلا على حدوث الأجسام فيبطل دليل إثبات الصانع # فيقال لهم الجواب من وجوه أحدها أن بطلان هذا الدليل المعين لا يستلزم بطلان جميع الأدلة وإثبات الصانع له طرق كثيرة لا يمكن ضبط تفاصيلها وإن أمكن ضبط جملها الثاني أن هذا الدليل لم يستدل به أحد من الصحابة والتابعين ولا من أئمة المسلمين فلو كانت معرفة الرب عز وجل والإيمان به موقوفة عليه للزم أنهم كانوا غير عارفين بالله ولا مؤمنين به وهذا من أعظم الكفر باتفاق المسلمين الثالث أن الأنبياء والمرسلين لم يأمروا واحدا بسلوك هذا السبيل فلو كانت المعرفة موقوفة عليه وهي واجبة لكان واجبا وإن كانت مستحبة كان مستحبا ولو كان واجبا أو مستحبا لشرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان مشروعا لنقلته الصحابة # وقال بعضهم قد قال الله تعالى ^ واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا ^ فقد ذم الله من أتخذ إلها جسدا والجسد هو الجسم فيكون الله قد ذم من اتخذ إلها هو جسم فيقال له هذا باطل من وجوه # أحدها أن هذا إنما يدل على نفي أن يكون جسدا لا على نفي أن يكون جسما والجسم في اصطلاح نفاة الصفات أعم من الجسد إلى أن قال

# الثاني أن يقال إن سبحانه منزه أن يكون من جنس شيء من المخلوقات لا أجساد الآدميين ولا أرواحهم ولا غير ذلك من المخلوقات فإنه لو كان من جنس شيء من ذلك بحيث تكون حقيقته كحقيقته للزم أن يجوز على كل منهما ما يجوز على الآخر ويجب له ما يجب له ويمتنع عليه ما يمتنع عليه لأنه يستلزم أن يكون القديم الواجب الوجود بنفسه غير قديم واجب الوجود بنفسه وأن يكون المخلوق الذي يمتنع غناه غنيا يمتنع افتقاره إلى الخالق وأمثال ذلك من الأمور المتناقضة والله تعالى نزه نفسه أن يكون له كفوأ ومثل أو سمي أو ند # والمقصود إنما أخرجه كان جسدا مصمتا لا روح فيه حتى تبين نقصه وأنه كان مسلوب الحياة والحركة # الوجه الثالث وهو إنه سبحانه قال ^ ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا ^ فلم يذكر فيما عابه به كونه ذا جسد ولكن ذكر فيما عابه به ^ أنه لا يكلمه ولا يهديهم سبيلا ^ ولو كان مجرد كونه ذا بدن عيبا ونقصا لذكر ذلك فعلم أن الآية تدل على نقض حجة من يحتج بها على أن كون الشيء ذا بدن عيبا ونقصا وهذه الحجة نظير احتجاجهم بالأفول فإنهم غيروا معناه في اللغة وجعلوه الحركة فظنوا أن إبراهيم احتج بذلك على كونه ليس رب العالمين ولو كان كما ذكروه لكان حجة عليهم لا لهم # الوجه السادس أن الله تعالى ذكر عن الخليل أنه قال ^ يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ^ وقال تعالى ^ هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون ^ فاحتج على نفي إلهيتها بكونها لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر مع كون

كل منها لها بدن وجسم سواء كان حجرا أو غيره فلو كان مجرد هذا الاحتجاج كافيا لذكره إبراهيم الخليل وغيره من الأنبياء عليهم أفضل الصلاة واللام بل إنما احتجوا بمثل ما احتج الله به من نفي صفات الكمال عنها كالتكليم والقدرة والحركة وغير ذلك # الوجه السابع أن يقال ما ذكره الله تعالى أما أن يكون دالا على أن إلا له سبحانه موصوف ببعض هذه الصفات وإما أن لا يدل فإن لم يدل بطل ما ذكروه وإن دل فهو يدل على إثبات صفات الكمال لله تعالى وهو التكليم للعباد والسمع والبصر والقدرة والنفع والضر وهذا يقتضي أن تكون الآيات دليلا على إثبات الصفات لا على نفيها ونفاة والصفات إنما نفوها لزعمهم إن إثباتها يقتضي التجسيم والتجسيد فالآيات التي احتجوا هي عليهم لا لهم # الوجه الثامن أنه إذا كان كل جسم جسدا وكل ما عبد من دون الله تعالى من الشمس والقمر والكواكب والأوثان وغير ذلك أجساما وهي أجساد فإن كان الله ذكر هذا في العجل لينفي به عنه الإلهية لزم أن يطرد هذا الدليل في جميع المعبودات ومعلوم أن الله لم يذكر هذا في غير العجل أنه ذكر كونه جسدا لبيان سبب افتتانهم به لا أنه جعل ذلك هو الحجة عليهم بل احتج عليهم بكونه ^ لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا ^ # ويقول له الخصم إنك تقول لا بد له إذا كان متحيزا من الحركة والسكون فنحن نقول أن كل قائم بنفسه لا يخلو عن الحركة والسكون فإنه إما أن يكون منتقلا أو لا يكون منتقلا فإن كان منتقلا فهو متحرك وإلا فهو ساكن

ويقول الخصم قولك الحركة حادثة قلت حادثة النوع أو الشخص الأول ممنوع والثاني مسلم قولك ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث إن أريد به ما لا يخلو عن نوعها فممنوع والثاني لا يضر # وأما لفظ الزوال والانتقال فهذا اللفظ مجمل ولهذا كان أهل الحديث والسنة فيه على أقوال عثمان بن سعيد الدارمي وغيره أنكر وأعلى الجهمية قولهم أنه لا يتحرك وذكروا أثرا أنه لا يزول وفسروا الزوال بالحركة فبين عثمان بن سعيد أن ذلك الأثر إن كان صحيحا لم يكن حجة لهم لأنه في تفسير قوله ^ الحي القيوم ^ ذكروا عن ثابت دائم باق لا يزول عما يستحقه كما قال ابن إسحاق لا يزول عن مكانته قلت والكلبي بنفسه الذي يروي هذا الحديث وهو يقول ^ استوى على العرش ^ استقر ويقول ^ ثم استوى إلى السماء ^ صعد إلى السماء وأما الانتقال فابن حامد وطائفة يقولون ينزل بحركة وانتقال وآخرون من أهل السنة كالتميمي من أصحاب أحمد أنكروا هذا وقالوا بل ينزل بلا حركة وانتقال وطائفة ثالثة كابن بطة وغيره يقفون في هذا وقد ذكر الأقوال الثلاثة القاضي أبو يعلى في كتاب اختلاف الروايتين والوجهين ونفى اللفظ بمجمله والأحسن في هذا الباب مراعاة ألفاظ النصوص فيثبت ما أثبت الله ورسوله باللفظ الذي أثبته وينفي ما نفاه الله ورسوله كما نفاه وهو أن يثبت النزول والإتيان والمجيء وينفي المثل والسمي والكفؤ والند # وقد صرح طوائف منهم بالحركة كما صرح بذلك طوائف من أئمة الحديث والسنة وصرحوا بأنه لم يزل متكلما إذا شاء وأن الحركة من لوازم الحياة وقد صرح بالحركة من صرح من الفلاسفة

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:17 AM
# قوله فهذه مجموع الدلائل على أنه تعالى ليس بجسم ولا بجوهر وبالجملة فليس بمتحيز # قال الشيخ رحمة الله عليه قد بينا في الرد على أصول الجهمية النفاة للصفات في الكلام على تأسيس التقديس وغيره أن عامة ما يحتج به النفاة للرؤية والنفاة لكونه فوق العرش ونحوهم من الأدلة الشرعية الكتاب والسنة هي أنفسها تدل على نقيض قولهم ولا تدل على قولهم فضلا عما يعترفون هم بدلالته على نقيض قولهم وهكذا أيضا عامة ما يحتجون به من الأدلة العقلية إذا وصلت معهم فيها إلى آخر كلامهم وما يجيبون به معارضهم وجدت كلامهم في ذلك يدل على نقيض قولهم وإنما يذكرونه من المناظرات العقلية هو على قول أهل الإثبات أدل منه على قولهم # قال أبو عبد الله الرازي أما شبه الخصم فمن وجوه # الشبهة الأولى أن العالم موجود والباري سبحانه وتعالى موجود وكل موجودين فلا بد وأن يكون أحدهما ساريا في الآخر أو مباينا عنه بالجهة وكون الباري تعالى ساريا في العالم محال فلا بد وأن يكون مباينا عنه بالجهة وكل ما كان كذلك فهو متحيز ثم أنه إما أنم يكون غير منقسم فيكون في الصغر والحقارة كالجوهر الفرد وهو محال وإما أن يكون شيئا كبيرا مركبا من الأجزاء والأبعاض وهو المقصود # الشبهة الثانية أنا لم نشاهد حيا عالما قادرا ألا وهو جسم وإثبات شيء على خلاف المشاهدة لا يقبله العقل ولا يقر به القلب فوجب القول بكونه تعالى جسما

# الشبهة الثالثة أن إله العالم يجب أن يكون عالما بهذه الجسمانيات والعالم بها يجب أن يحصل في ذاته صورها ومن كان كذلك يجب أن يكون جسما فهذه مقدمات ثلاث متى ظهرت لزم القول بأنه جسم # أما المقدمة الأولى فقد اتفق المسلمون عليها وأيضا فهذه الأجسام الموصوفة بهذه المقادير فلا بد لها من خالق وذلك الخالق هو الله تعالى وخالق الشيء لا بد وأن يكون عالما به فثبت أن خالق العالم عالم بهذه الجسمانيات # وأما المقدمة الثانية فهي في بيان أن العالم بهذه الجسمانيات يجب أن يحصل في ذاته صور الجسمانيات فالدليل عليه أن خالقها يجب أن يكون عالما بها قبل وجودها وإلا لم يصح منه خلقها وإيجادها والعالم بالشيء يجب أن يتميز ذلك في علمه عن سائر المعلومات وإلا لم يكن عالما بها وإذا تميز ذلك المعلوم عن غيره فذلك المعلوم ليس عدما محضا لأن العدم المحض لا يحصل فيه الامتياز فذلك المعلوم يجب أن يكون أمرا موجودا وهو غير موجود في الخارج لأن الكلام فيما إذا علمها قبل وجودها ولما لم يكن وجوده في الخارج وجب أن يكون وجوده في علم صانع العالم # وأما المقدمة الثالثة وهي في بيان أن من يحصل في ذاته صور الجسمانيات وجب أن يكون جسما فالدليل عليه أن من علم مربعا مجنحا بمربعين متساويين وجب أن يحصل هذا في ذات ذلك العالم وذلك العالم لا بد وأن يميز بين ذينك المربعين المتطرفين وذلك الامتياز ليس في الماهية ولا في لوازمها لأنهما متماثلان في الماهية فلا بد وأن يكون بالعوارض ولو كان محلاهما واحد لامتنع امتياز أحدهما عن الآخر بشيء من العوارض لأن المثلين إذا حصلا في محل واحد فكل عارض يعرض لأحدهما فهو بعينه عارض للآخر وذلك يمنع من حصول

الامتياز ولما بطل هذا وجب أن يكون محل أحد المربعين مغايرا لمحل المربع الآخر حتى يكون امتياز أحد المحلين عن الثاني سببا لامتياز إحدى الصورتين عن الأخرى وامتياز أحد المحلين عن الثاني لا يحصل إلا إذا كان ذلك المحل جسما منقسما فثبت أن خالق العالم مدرك للجسمانيات وثبت أن كل من كان كذلك فهو جسم فيلزم أن يكون إله العالم جسما # قال الشيخ رحمه الله قلت أبو عبد الله الرازي من أعظم الناس منازعة للكرامية حتى يذكر بينه وبينهم أنواع من ذلك وميله إلى المعتزلة والمتفلسفة أكثر من ميله إليهم # وقال ليس في الحنابلة من أطلق لفظ الجسم لكن نفاة الصفات يسمون كل من أثبتها مجسما بطريق اللزوم إذ كانوا يقولون أن الصفات لا تقوم إلا بجسم وذلك أنهم اصطلحوا في معنى الجسم على غير المعنى المعروف في اللغة فإن الجسم في اللغة هو البدن وهم يسمون كل ما يشار إليه جسما فيلزم على قولهم

أن كل ما جاء به الكتاب والسنة وما فطر الله عليه عباده وما سلف الأمة وأئمتها تجسيما وهذا لا يختص طائفة لا الحنابلة ولا غيرهم بل يطلقون لفظ المجسمة والمشبهة على أتباع السلف كلهم # قوله الجواب عن الشبهة الأولى أنا قد بينا أن قولهم كل موجودين فإما أن يكون أحدهما حالا في الآخر أو مباينا عنه بالجهة مقدمة غير بديهية بل مقدمة محتاجة في النفي والإثبات إلى برهان منفصل فسقط الكلام # قوله والجواب عن الشبهة الثانية ما بيناه أنه لا يلزم من عدم النظير للشيء عدم ذلك الشيء فسقطت هذه الشبهة # قوله والشبهة الثالثة ساقطة أيضا والدليل عليه أنه يمكننا التخيل صورة الشجر والخيل فهذه الصورة لو كانت منتقشة في ذاتنا لكانت ذاتنا إما أن يكون هو هذا الجسم وإما أن يكون جوهرا مجردا والأول محال لأنا نعلم بالضرورة أن الأشياء العظيمة لا يمكن انطباعها في المحل الصغير وأما الثاني فأنه اعتراف بأن صور المحسوسات يمكن انطباعها فيما لا يكون جسما وذلك يوجب سقوط هذه الشبهة وبالله التوفيق

# قال الشيخ فصل قال ابن سينا في تمام مسألة العلم ونحن قد بينا في كتب أخرى أن كل صورة لمحسوس وكل صورة خيالية فإنما ندركها بآلة متجزية فيقال له هذا إن كان حقا فهو منتقض على أصلك بعلمه بالأفلاك والكواكب فأنها محسوسة وعندك أنه يعلمها بأعيانها إلى أن قال وهذه الأقوال إذا ضم بعضها إلى بعض لزم أن يكون واجب الوجود على قوله جسما وأن يكون النفس على أقواله أيضا جسما # وما ذكره أبو البركان إنما هو إلزام لابن سينا بطريق المناقضة وليس فيه ما يدل على بطلان ما ذكره من الإدراك إنما أحتج أبو البركات على بطلان ذلك بأن المدركات كبار والمدرك إذا كان جسما أو قوة في جسم فهو صغير يسعها وهذه حجة ضعيفة فإن القائلين بارتسام المدرك في المدرك لا يقولون أن المرتسم فيه مساو في المقدار للموجود في الخارج كما أنهم لا يقولون أن المرتسم حقيقة مساوية لحقيقة الموجود في الخارج وإنما هذا من جنس اعتراض الرازي عليهم بأنه لو كان صحيحا لكان من أدرك النار وجب أن يسخن ومن أدرك الثلج وجب أن يبرد ومن أدرك الرحى وجب أن يدور ودعوى ذلك مما لا يقوله عاقل ولهذا صاروا يتعجبون بل يسخرون ممن يورد عليهم مثل هذا وهم يشبهون تمثل المدركات في المدرك بتمثل المرئيات في المرآة ومعلوم أن ما في المرآة ليس مماثلا في الحقيقة والمقدار للموجود في الخارج أما حقيقة فلأن غايته أن يكون عرضا في المرآة والمرئي الخارج يكون جسما موجودا كالسماء والشمس والإنسان وغير ذلك مما يرى في المرآة وكذلك الإدراك فأنه عرض قائم بالمدرك والمدرك نفسه يكون عينا قائمة بنفسها سواء كان مرئيا أو معلوما بالقلب وأما قدره فلأن مقدار المرئي يختلف باختلاف المرآة فإذا كانت كبيرة رؤي كبيرا وإن كانت صغيرة رؤي صغيرا وهو

على التقديرين يشبه الصورة الموجودة في الخارج فلذلك إذا قيل أن المدرك يتمثل في المدرك لم يلزم أن يكون قدره في المدرك مثل قدره في نفسه فهذا جملة ما احتج به هؤلاء الذين هم فحول النظر وأئمة الكلام والفلسفة في هذه المسائل # وقد تبين بكلام بعضهم في بعض إفساد هذه الدلائل وهذا جملة ما يعارضون به الكتاب والسنة ويسمونه قواطع عقلية ويقولون أنه يجب تقديم مثل هذا الكلام على نصوص التنزيل والثابت من أخبار الرسول وما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها فلو لم يكن في المعقول ما يوافق قول الرسول لم تجز معارضته بمثل هذا الكلام فضلا عن تقديمه عليه فكيف والمعقول الصريح موافق لما جاء به الرسول بل لا يجوز أن يعارض بمثل هذا الكلام الأحكام الثابتة بالعمومات والأقيسة والظواهر وأخبار الآحاد فكيف يعارض بذلك النصوص الثابتة عن المعصوم بل مثل هذا الكلام لا يصلح لإفادة ظن ولا يقين وإنما هو كلام طويل بعبارات طويلة وتقسيمات متنوعة يهابه من ما يفهمه وعامة من وافق عليه وافق عليه تقليدا لمن قاله قبله لا عن تحقيق عقلي قام في نفسه وكلام السلف والأئمة في ذم مثل هذا الكلام الذي احتجوا فيه بطريقة الأعراض والجواهر على حدوث الأجسام وإثبات الصانع كثير منتشر في غير هذا الموضع وكل من أمعن النظر وفهم حقيقة الأمر علم أن السلف كانوا أعمق من هؤلاء علما وأبر قلوبا وأقل تكلفا وأنهم فهموا من حقائق الأمور ما لم يفهمه هؤلاء الذين خالفوهم وقبلوا الحق وردوا الباطل والله أعلم

# والمقصود هنا نوع تنبيه على إن ما يدعونه من العقليات المخالفة للنصوص لا حقيقة لها عند الاعتبار الصحيح وإنما هي من باب القعقعة بالشنان لمن يفزعه ذلك من الصبيان ومن هو شبيه بالصبيان وإذا أعطى النظر في المعقولات حقه من التمام وجدها براهين ناطقة بصدق ما أخبر به الرسول وأن لوازم ما أخبر به لازم صحيح وإن من نفاه نفاه لجهله حقيقة الأمر وفزعا باطنا وظاهرا كالذي يفزع من الآلهة المعبودة من دون الله أن تضره ويفزع من عدو الإنسان لما عنده من ضعف الإيمان ومن خالف الرسول لم يسلم من الشرك والإفك فسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
آخر المجلد الأول # من كتاب نقض تأسيس الجهمية ويليه المجلد الثاني وأوله فصل قال الرازي في تأسيسه الفصل الرابع في إقامة البراهين على أنه ليس مختصا بحيز وجهة


بسم الله الرحمن الرحيم # قال الشيخ الامام تقي الدين ابو العباس احمد بن تيمية رحمه الله ورضي عنه
فصل # ثم قال ابو عبد الله الرازي في تأسيسه الفصل الرابع في اقامة البراهين على انه ليس بمختص بحيز وجهة بمعنى انه يصح ان يشار اليه بالحس انه ها هنا وهناك # وقد ذكر على ذلك ثمانية براهين مع ما بعضها مبني على ما تقدم من نفي انه جسم فانه قرر ان ذلك يستلزم نفي ان يكون على العرش واكثرها غير مبني على ذلك # وهذا الفصل يتضمن انه ليس على العرش ولا فوق السموات وان الرسول لم يعرج به اليه وانه لا يصعد اليه شيء ولا ينزل من عنده شيء ولا ترفع الابصار والرؤوس والايدي اليه في الدعاء بل لا تتوجه القلوب الى فوق قصدا للتوجه اليه اصلا في دعاء ولا عبادة ولا غير ذلك ويتضمن انه ليس فوق العالم رب ولا اله وليس هناك الا العدم المحض والنفي الصرف وان ما فوق العرش وما تحت الارض السابعة سواء في ذلك فكما انه ليس في جوف الارض فليس فوق العرش بل منهم من يقول انه في كل مكان او في كل موجود اما بمعنى ان تدبيره فيهم واما بمعنى ان ذاته في كل مكان او ان ذاته هي كل موجود واما ما فوق العرش فليس هناك شيء لانه هو ليس هناك عندهم وليس فوق العالم موجود آخر مخلوق حتى يقال انه فيه بمعنى التدبير او بذاته او بمعنى ان وجوده وجوده فهذه اقوال الجهمية متكلمهم ومتعبدهم لكن متكلموهم الجهمية الى النفي المطلق اقرب لكن ثم طائفة تقول

هو بذاته فوق العرش وفي كل مكان كما ذكر ذلك الاشعري في المقالات عن زهير الاثري وابي معاذ التومنى واصحابهم فقال انهم يقولون ان الله بكل مكان وانه مع ذلك مستو على عرشه وانه يرى بالابصار بلا كيف وانه موجود الذات بكل مكان وانه ليس بجسم لا محدود ولا يجوز عليه الحلول والمماسة ويزعم انه يجيء يوم القيامة كما قال ^ وجاء ربك ^ وهذا في نفاة الجسم يشبه قول بعض مثبتة الجسم الذين يقولون انه لا نهاية له اذ الكلام قد يصف الموجود بصفة المعدوم ويشبه ذلك # واما عبادهم فلهم قصد وارادة فيمن يعبدونه والقصد لا بتوجه الى العدم المحض فلهذا كثيرا ما يجعلونه هو في كل مكان او يجعلونه هو الوجود كله والعامة هم الى هذا اقرب لانه لا تخرج القلوب ان تعبد شيئا موجودا وبنوا آدم قد اشركوا بالله فعبدوا ما شاء الله من المخلوقات فاذا ذكر لهم ما يقتضي عبادة كل شيء كما فعلته الاتحادية لم ينفروا عن هذا نفورهم عن ان تعطل قلوبهم من عبادة شيء من الاشياء بالكلية فهؤلاء يشركون شركا ظاهرا واما اولئك فالجحود المحض اغلب على قلوبهم ولهذا يوجد فيهم من الاستكبار عن العبادة وقسوة القلوب ما لا يوجد في الاخرين وكل واحد من الاستكبار والاشراك ينافي الاسلام الذي بعث الله به رسله وانزل به كتبه # فان الاسلام ان تعبد الله وحده لا شريك له فمن عبد الله وغيره فقد اشرك به كما كان مشركو العرب وغيرهم ومن امتنع عن عبادة الله كفرعون ونحوه فهو جاحد وهو اكفر من هؤلاء وان كان مشركا حيث له آلهة يعبدها

# ولما كان الاسلام هو دين الله العام الذي اتفق عليه الاولون والاخرون من جميع عباده المؤمنين كما قال نوح عليه السلام ^ فإن توليتم فما سألتكم من اجر ان اجري الا على الله وامرت ان اكون من المسلمين ^ وقال ^ ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ^ وقال ^ ووصى بها ابراهيم بنيه ويعقوب يا بني ان الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن الا وانتم مسلمون ^ وقال يوسف عليه السلام ^ توفني مسلما والحقني بالصالحين ^ كما قال ^ اني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون واتبعت ملة آبائي ابراهيم واسحاق ويعقوب ما كان لنا ان نشرك بالله من شيء ^ الى قوله ^ ما تعبدون من دونه الا اسماءا سميتموها انتم وآباؤكم ما انزل الله بها من سلطان ان الحكم الا لله امر الا تعبدوا الا اياه ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون ^ وقال موسى عليه السلام ^ يا قوم ان كنت آمنتم بالله فعليه توكلوا ان كنتم مسلمين ^ وقال ^ انا انزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا ^ وقالت بلقيس ^ رب اني ظلمت نفسي واسلمت مع سليمان لله رب العالمين ^ وقد قال تعالى ^ ومن احسن دينا ممن اسلم وجهه لله وهو محسن ^ وقال تعالى ^ وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا او نصارى تلك امانيهم قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين بلى من اسلم وجهه لله وهو محسن فله اجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ^ وهذا عام في الاولين والاخرين كما قال ^ افغير دين الله يبغون وله اسلم من في السموات والارض طوعا وكرها واليه يرجعون قل آمنا بالله وما انزل علينا وما انزل على ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط وما اوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ^ وقال شهد الله انه

لا اله الا هو والملائكة واولو العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم ان الدين عند الله الاسلام ^ ثم قال ^ وما اختلف الذين اوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فان الله سريع الحساب فان حاجوك فقل اسلمت وحهي لله ومن اتبعني وقل للذين اوتوا الكتاب والاميين أأسلمتم فان اسلموا فقد اهتدو وان تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد ^ # وقوله تعالى ^ ان الدين عند الله الاسلام وما اختلف الذين اوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ^ فيه بيان انهم اختلفوا في دين الله الذي هو الاسلام من بعد ما جاءهم العلم حملهم على الاختلاف البغي وهذا كما قال ^ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى ان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم اليه الله يجتبي اليه من يشاء ويهدي اليه من ينيب وما تفرق الذين اوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك الى اجل مسمى لقضي بينهم وان الذين اورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب فلذلك فادع واستقم كما امرت ولا تتبع اهواءهم وقل آمنت بما انزل الله من كتاب وامرت لاعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا اعمالنا ولكم اعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وواليه المصير ^ # واختلاف اهل الكتاب في دين الله الذي هو الاسلام قد تكلمنا عليه في غير الموضع

# ومن ذلك ان اليهود يغلب عليهم الاستكبار والقسوة فهم يعرفون الحق ولا يتبعونه وبذلك وصفهم الله في القرآن ومن فسد من اهل العلم والكلام كان فيه شبه منهم ولهذا يوجد في متكلمه الجهمية من المعتزلة ونحوهم شبه كثير حتى ان من احبار اليهود من يقرر الاصول الخمس التي للمعتزلة ويوجد فيهم من التكذيب بالقدر والصفات وتأويل ما في التوراة وغير ذلك ما فيه مضاهاة للمعتزلة # واما النصارى فيغلب عليهم الاشراك والجهل فهم يتعبدون ويرحمون لكن بضلال واشراك وبذلك وصفهم الله في القرآن ولهذا يوجد في متعبدة الجهمية من الاتحادية وغيرهم منهم سبه كثير حتى قد رأيت من هؤلاء الاتحادية من اخذ كلام النصارى النسطورية يزنه بكلامهم وحتى ان من النصارى من يأخذ فصوص الحكم لابن عربي فيعظمه تعظيما شديدا ويكاد يغشى عليه من فرحه به ولهذا يوجد شيوخ الاتحادية موالين للنصارى ولعهلم يوالونهم اكثر من المسلمين # واذا كان كذلك فينبغي ان يعلم ان الكلام في هذا الفصل مقصود لنفسه وفيه ينفصل اهل التوحيد من اهل الالحاد فان القول بان الله فوق العرش هو مما اتفقت عليه الانبياء كلهم وذكر في كل كتاب انزل على كل نبي ارسل وقد اتفق على ذلك سلف الامة وائمتها من جميع الطوائف وجميع طوائف الصفاتية تقول بذلك الكلابية وقدماء الاشعرية وائمتهم

والكرامية وقدماء الشيعة من الامامية وغيرهم بخلاف لفظ الجسم والمتحيز فإن هذا لم يثبته السلف والائمة مطلقا ولا نفوه مطلقا وان كان فيما اثبتوه ما يوافق ما قد يعنيه مثبتو ذلك وفيما نفوه ما قد يوافق بعض اقوال نفاة ذلك وذلك ان الله سبحانه له الاسماء الحسنى كما سمى نفسه بذلك وانزل كتبه وعلمه من شاء من خلقه كاسمه الحق والعليم والرحيم والحكيم والاول والاخر والعلي والعظيم والكبير ونحو ذلك وهذه الاسماء كلها اسماء مدح وحمد تدل على ما يحمد به ولا يكون معناها مذموما وهي مع ذلك قد تستلزم معاني اذا اخذت مطلقة وسميت باسمائها عمت المحمود والمذموم مثل اسمه الرحيم فانه يستلزم الارادة فاذا اخذت الارادة مطلقا وقيل المريد فالمريد قد يريد خيرا يحمد عليه وقد يريد شرا يذم عليه وكذلك اسمه الحكيم و الصادق وغيرهما يتضمن انه متكلم فاذا اخذ الكلام مطلقا وقيل متكلم فالمتكلم قد يتكلم بصدق وعدل وقد يتكلم بكذب وظلم وكذلك الاسم الاول يدل على انه متقدم على كل شيء فاذا اخذ معنى التقدم وقيل قديم فإنه يقال على ما تقدم على غيره وان تقدم غيره عليه كالعرجون القديم والافك القديم وكذلك اسم الحق بل وسائر الاسماء تدل على انه بحيث يجده الواجدون فإذا اخذ لفظ الوجود مطلقا لم يدل الا على انه بحيث يجده غيره لم يدل على انه حق في نفسه وان لم يكن ثم غيره يجده وكذلك اذا قيل ذات او ثابت او نحو ذلك لم يدل الا على القدر المشترك لم يدل على خصوصية وكذلك اسم العلي والعظيم والكبير يدل على انه فوق العالم وانه عظيم وكبير وكذلك يستلزم انه مباين للعالم متحيز عنه بحده وحقيقته فاذا اخذ اسم المتحيز ونحوه لم يدل الا على القدر المشترك لم يدل على ما يمدح به الرب ويتميز به عن غيره وقد قال من قال من العلماء ان مثل اسمائه الخافض الرافع والمعز المذل والمعطي

المانع والضار النافع لا يذكر ولا يدعى بأحد الاسمين الذي هو مثل الضار والنافع والخافض لان الاسمين اذا ذكرا معادل ذلك على عموم قدرته وتدبيره وانه لا رب غيره وعموم خلقه وامره فيه مدح له وتنبيه على ان ما فعله من ضرر خاص ومنع خاص فيه حكمة ورحمة بالعموم واذا ذكر احدهما لم يكن فيه هذا المدح والله له الاسماء الحسنى ليس له مثل السوء قط فكذلك ايضا الاسماء التي فيها عموم واطلاق لما يحمد ويذم لا توجد في اسماء الله الحسنى لانها لا تدل على ما يحمد الرب به ويمدح # لكن مثل هذه الاسماء ومثل تلك ليس لاحد ان ينفي مضمونها ايضا فيقول ليس بضار ولا خافض او يقول ليس بمريد ولا متكلم ولا بائن عن العالم ولا متحيز عنه ونحو ذلك لان نفي ذلك باطل وان كان اثباته يثبت على الوجه المتضمن مدح الله وحمده واذا نفى هاتان فقد تقابل ذلك النفي بالاثبات ردا لنفيه وان لم تذكر مطلقة في الثناء والدعاء والخبر المطلق فإن هذا نوع تقييد يقصد به الرد على المنافق المعطل وهذا في الاثبات والنفي جميعا فمن العيوب والنقائص ما لا يحسن ان يثنى على الله به ابتداء لكن اذا وصفه بعض المشركين نفي ذلك ردا لقولهم كمن يقول ان الله فقير ووالد ومولود او ينام ونحو ذلك فينفى عن الله الفقر والولادة وغير ذلك فهذا اصل في التفريق بين ما ذكر من اسماء الله وصفاته مطلقا وما لا يذكر الا مقيدا اما مقرونا بغيره واما لمعارضة مبطل وصف الله بالباطل ف ^ سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ^ # ومما ينبغي ان يعلم ان المبطل اذا اراد ان ينفي ما اثبته القرآن او يثبت ما نفاه لم يصادم لفظ القرآن الا اذا افرط في الجهل مثل من ينكر من الجهمية اطلاق القول بان الله كلم موسى تكليما او ان ^ الرحمن على العرش استوى ^ ونحو ذلك

وقد يقول انما انكرت اطلاقه لان مطلقه عنىبه معنى فاسدا ويكون المطلق لم يعن غير ما عناه الله ورسوله ومنهم من لا يمكنه منع اطلاق اللفظ فيطلق من التصريف ما جاء به نص آخر وما هو من لوازم هذا النص مثل ان يقول يقال ^ الرحمن على استوى ^ ولا يقال الله ولا الرب على العرش استوى او لا يقال هو مستو فاذا قيل لاحد هؤلاء فقد قال في الاية الاخرى ^ ان ربكم الله الذي خلق السموات والارض في ستة ايام ثم استوى على العرش ^ وقال ^ الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش ^ بقي حائرا كما روى ان عمرو بن عبيد قال لابي عمرو بن العلاء احب ان تقرأ هذا الحرف ^ وكلم الله موسى تكليما ^ ليكون موسى هو الذي كلم الله ولا يكون في الكلام دلالة على ان الله كلم احدا فقال له فكيف تصنع بقوله ^ ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه ^ # واذا كان الفاظ النصوص لها حرمة لا يمكن المظهر للاسلام ان يعارضها فهم يعبرون عن المعاني التي تنافيها بعبارات اخرى ابتدعوها ويكون فيها اشتباه واجمال كما قال الامام احمد فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب محمعون على مخالفةالكتاب يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم # ومن هذا الباب قول المؤسس ونحوه ممن فيه تجهم اقامة البراهين على انه ليس بمختص بحيز وجهة بمعنى انه يصح ان يشار اليه بالحس انه ها هنا وهناك فان المقصود الذي يرده على منازعه بهذا الكلام انه ليس على العرش

ولا فوق العالم كما يذكره في سائر كلامه ويحرف النصوص الدالة على ذلك ولكن لم يترجم للمسألة بنفي هذا المعنى الخاص الذي اثبتته النصوص بل عمد الى معى عام مجمل يتضمن نفي ذلك وقد يتضمن ايضا نفي معنى باطل فنفاهما جميعا نفي الحق والباطل فان القائل ليس في جهة ولا حيز يتضمن نفيه انه ليس داخل العالم ولا في اجواف الحيوانات ولا الحشوش القذرة وهذا كله حق ويتضمن انه ليس على العرش ولا فوق العالم وهذا باطل وكان في نفيه نفي الحق والباطل # ولهذا كان اهل الاثبات على فريقين منهم من يقول بل هو في جهة وحيز لانه فوق العرش وهذا مما دخل في عموم كلام النافي والنافية الكلية السالبة تناقض بإثبات معين كما في قوله ^ وما قدروا الله حق قدره اذ قالوا ما انزل الله على بشر من شيء قل من انزل الكتاب الذي جاء به موسى ^ ومقصود هذا المثبت جهة معينة وحيزا معينا وهو ما فوق العرش ومنهم لا يطلق انه لا في جهة ولا في حيز اما لان هذا اللفظ لم ترد به النصوص واما لانه مطلق لا يبين المقصود الحق وهو انه على العرش وفوق العالم واما لان لفظه يفهم او يوهم معنى فاسدا مثل كونه قد احاط به بعض المخلوقات فإن كثيرا من النفاة وان كان مشهورا عند الناس بعلم او مشيخة او قضاء او تصنيف قد يظن ان قول من قال انه في السماء او في جهة معناه ان السموات تحيط به وتحوزه وكذلك اذا قال متحيز يظن ان معناه التحيز اللغوى وهو كونه تحيز في بعض مخلوقاته حتى ينقلون ذلك عن منازعهم اما عمدا او خطأ وربما صغروا الحيز حتى يقولوا ان الله في هذه البقعة او هذا الموضع او نحو ذلك من الاكاذيب المفتراة

وايضا فمن المثبتة الضلال من يقول ان الله متحيز بهذا الاعتبار مثل من يقول انه ينزل عشية عرفة على جمل اورق فيصافح المشاة ويعانق الركبان وان النبي صلى الله عليه وسلم رآه في الطواف او في بعض سكك المدينة وان مواضع الرياض هو موضع خطواته ونحو ذلك مما فيه من وصفه بالتحيز امر باطل مبني على احاديث موضوعة ومفتراة # ولهذا الاجمال والاشتراك الذي يوجد في الاسماء نفيا واثباتا تجد طوائف من المسلمين يتباغضون ويتعادون او يختصمون او يقتتلون على اثبات لفظ او نفيه والمثبتة يصفون النفاة بما لم يريدوه والنفاة يصفون المثبتة بما لم يريدوه لان اللفظ فيه اجمال واشتراك يحتمل معنى حقا ومعنى باطلا فالمثبت يفسره بالمعنى الحق والنافي يفسره بالمعنى الباطل ثم المثبت ينكر على النافي بأنه جحد من الحق والنافي ينكر على المثبت انه قال على الله الباطل وقد يكون احدهما او كلاهما مخطئين في حق الاخر وسبب ذلك مع اشتراك اللفظ نوع جهل ونوع ظلم ولا حول ولا قوة الا بالله # واذا كان القول بان الله فوق العرش وفوق العالم ولوازم هذا القول الذي يلزم بالحق لا بالباطل هو قول سلف الامة وائمتها وعامة الصفاتية لم يكن رد هذا المؤسس على طائفة او طائفتين بل على هؤلاء كلهم وقد ذكرنا بعض ما يعرف به مذهبهم في غير هذا الموضع فإن المقصود الاكبر هنا انما هو النظر العادل فيما ذكره من دلائل الطرفين ليحكم بينهما بالعدل واما ما للمثبتة من الحجج التي لم يذكرها هو وذكر القائلين بالاثبات فلم يكن ذلك هو المقصود لكن الكلام يحوج الى ذكر بعضه فينبه على ذلك فمن ذلك طائفة هذا المؤسس

وهم ابو الحسن الاشعري واتباعه فان قدماءهم جميعهم وائمتهم الكبار كلهم متفقون على ان الله فوق العرش ينكرون ما ذكره المؤسس وطائفة معه كأبي المعالي وابي حامد من نفي ذلك او تأويل آيات القرآن كقوله ^ ثم استوى ^ بمعنى استولى وقد ذكرت قبل ذلك قول ابي الحسن الاشعري في كتاب الابانة حيث قال # فإن قال قائل قد انكرتم قول المعتزلة والقدرية والرافضة والمرجئة فعرفونا قولكم الذي به تقولون وديانتكم التي بها تدينون قيل له قولنا الذي به نقول وديانتنا التي بها ندين التمسك بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما روى عن الصحابة والتابعين وائمة الحديث ونحن بذلك معتصمون وبما كان يقول احمد بن حنبل نضر الله وجهه ورفع درجته واجزل مثوبته قائلون ولما خالف قوله مجانبون لانه الامام الفاضل والرئيس الكامل الذي ابان الله به الحق عند ظهور الضلال واوضح به المنهاج وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وشك الشاكين فرحمة الله عليه من امام مقدم وكبير مفهم وعلى جميع ائمة المسلمين # وجملة قولنا انا نقر بالله تبارك وتعالى وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله وما روى الثقاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نرد من ذلك شيئا وان الله عز وجل واحد فرد احد صمد لا اله غيره لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وان محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله والجنة حق والنار حق وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور وان الله مستو على عرشه كما قال ^ الرحمن على العرش استوى ^ وان له وجها كما قال ^ ويبقى وجه ربك ذو الجلال

والاكرام ^ وان له يدين كما قال تعالى ^ بل يداه مبسوطتان ^ وقال سبحانه وتعالى ^ لما خلقت بيدي ^ وان له عينان بلا كيف كما قال عز وجل ^ تجري باعيننا ^ وان من زعم ان اسم الله عز وجل غيره كان ضالا وان لله علما كما قال عز وجل ^ انزله بعلمه ^ وقال سبحانه ^ وما تحمل من انثى ولا تضع الا بعلمه ^ ونثبت لله تعالى قدرة وقوة كما قال سبحانه ^ اولم يروا ان الله الذي خلقهم هو اشد منهم قوة ^ ونثبت لله السمع والبصر ولا ننفي ذلك كما نفته المعتزلة والجهمية والخوارج ونقول ان كلام الله غير مخلوق وانه لم يخلق شيئا الا وقد قال له كن فيكون كما قال سبحانه ^ انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون ^ وانه لا يكون في الارض شيء من خير ولا شر الا ما شاء الله وان الاشياء تكون بمشيئة الله ونقول ان القرآن كلام الله غير مخلوق وان من قال بخلق القرآن كان كافرا وندين بان الله يرى بالابصار يوم القيامةكما يرى القمر ليلة البدر ويراه المؤمنون كما جاءت به الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقول ان الكافرين اذا رآه المؤمنون عنه محجوبون كما قال ^ كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ^ وان موسى سأل الله الرؤية في الدنيا وان الله تجلى للجبل فجعله دكا واعلم بذلك موسى ان لا يراه في الدنيا

ونرى ان لا نكفر احدا من اهل القبلة بذنب يرتكبه كالزنا والسرقة وشرب الخمر كما دانت بذلك الخوارج وزعموا انهم بذلك كافرون ونقول ان من عمل كبيرة وما اشبهها مستحلا لها كان كافرا اذا كان غير معتقد لتحريمها ونقول ان الاسلام اوسع من الايمان وليس كل اسلام ايمانا وندين بان الله يقلب القلوب وان القلوب بين اصبعين من اصابعه وانه يضع السموات على اصبع والارضين على اصبع كما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وندين بأن لا ننزل احدا من الموحدين المسلمين بالايمان جنة ولا نارا الا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم ونرجوا الجنة للمذنبين ونخاف عليهم ان يكونوا بالنار معذبين ونقول ان الله سبحانه وتعالى يخرج من النار قوما بعد ما امتحشوا بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم ونؤمن بعذاب القبر وبأن الميزان والحوض حق والصراط حق والبعث بعد الموت حق وان الله يوقف العباد بالمواقف ويحاسب المؤمنين وان الايمان قول وعمل يزيد وينقص ونسلم للروايات الصحيحة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رواها الثقات عدلا عن عدل حتى تنتهي الرواية الى رسول الله صلى الله عليه وسلم # وندين بحب السلف رضي الله عنهم الذين اختارهم الله لصحبة نبيه ونثني عليهم بما اثنى الله عليهم ونتولاهم ونقول ان الامام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابو بكر رضي الله عنه وان الله اعز به الدين واظهره على المرتدين وقدمه المسلمون للامامة كما قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة ثم عمر بن الخطاب رضوان الله عليه ثم عثمان بن عفان نضر الله وجهه قتله قاتلوه ظلما وعدوانا ثم علي ابن ابي طالب صلوات الله عليه ورضوانه فهؤلاء الائمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم

وخلافتهم خلافة النبوة ونشهد للعشرة بالجنة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونتولى سائر اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونكف عما شجر بينهم وندين الله ان الائمة الاربعة راشدون مهديون فضلاء لا يوازيهم في الفضل غيرهم ونصدق بجميع الروايات التي يثبتها اهل النقل من النزول الى السماء الدنيا وان الرب يقول هل من سائل هل من مستغفر وسائر ما نقلوه واثبتوه خلافا لما قاله اهل الزيغ والتضليل # ونعول فيما اختلفنا فيه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واجماع المسلمين وما كان في معناه ولا نبتدع في دين الله بدعة لم يأذن الله بها ولا نقول على الله ما لا نعلم ونقول ان الله يجيء يوم القيامة كما قال ^ وجاء ربك والملك صفا صفا ^ وان الله يقرب من عباده كيف شاء كما قال سبحانه ^ ونحن اقرب اليه من حبل الوريد ^ وكما قال ^ ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى ^ # ومن ديننا ان نصلي الجمعة والاعياد خلف كل بر وفاجر وكذلك الجماعات كما روى عن عبد الله بن عمر انه كان يصلي خلف الحجاج وان المسح على الخفين سنة في الحضر والسفر خلافا لقول من انكر ذلك ونرى الدعاء لائمة المسلمين بالصلاح والاقرار بامامتهم وتضليل من رأى الخروج عليهم اذا ظهر منهم ترك الاستقامة وندين بترك الخروج عليهم وترك القتال في الفتنة ونقر بخروج الدجال كما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونؤمن بعذاب القبر ومنكر ونكير ومسألتهم في قبورهم ونصدق بحديث المعراج ونصحح كثيرا من الرؤيا في المنام ونقول ان لذلك تفسيرا ونرى الصدقة عن موتى المسلمين والدعاء لهم ونؤمن أن الله ينفعهم بذلك ونصدق بأن في الدنيا سحرة

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:18 AM
وان رسم السحر كائن موجود في الدنيا ونؤمن بالصلاة على من مات من اهل القبلة مؤمنهم وفاجرهم وتوارثهم ونقر ان النار والجنة مخلوقتان وان من مات او قتل فبأجله مات او قتل وان الارزاق من قبل الله يرزقها عباده حلالا وحراما وان الشيطان يوسوس للانسان ويشككه ويخبطه خلافا لقول المعزلة والجهمية كما قال الله عز وجل ^ الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ^ وكما قال الله عز وجل ^ من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس ^ # ونقول ان الصالحين يجوز ان يخصهم الله بآيات يظهرها عليهم وقولنا في الاطفال اطفال المشركين ان الله يؤجج لهم نارا في الاخرة ثم يقول اقتحموها كما جاءت الرواية بذلك وندين ان الله يعلم ما العباد عاملون والى ما هم صائرون وما كان وما يكون وما لا يكون ان لو كان كيف كان يكون وبطاعة الائمة ونصيحة المسلمين ونرى مفارقة كل داعية لبدعة ومجانية اهل الاهواء وسنحتج لما ذكرناه من قولنا وما بقي منه وما لم نذكره بابا بابا وشيئا فشيئا ونتكلم عن مسألة رؤية الله بالابصار وعلى القرآن ثم قال & باب ذكر الاستواء # وذكر ما قد نبه عنه قريبا الذي اوله فان قال قائل ما تقولون في الاستواء قيل له ان الله مستو على عرشه كما قال سبحانه ^ الرحمن على العرش استوى ^ وقال تعالى ^ اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ^ وقال سبحانه وتعالى ^ بل رفعه الله اليه ^ وقال سبحانه وتعالى ^ يدبر الامر من

السماء الى الارض ثم يعرج اليه ^ وقال فرعون ^ يا هامان ابن لي صرحا لعلي ابلغ الاسباب اسباب السموات فاطلع الى اله موسى واني لاظنه كاذبا ^ فاكذب موسى ان الله فوق السموات وقال سبحانه ^ أأمنتم من في السماء ان يخسف بكم الارض فاذا هي تمور ^ والسموات فوقها العرش وانما اراد العرش الذي على السموات وقال ^ وجعل القمر فيهن نورا ^ ولم يرد ان القمر يملؤهن جميعا وانه فيهن جميعا ورأينا المسلمين جميعا يرفعون ايديهم اذا دعوا نحو العرش كما لا يحطونهااذا دعوا نحو الارض # قال وقد قال قائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية ان معنى قوله ^ الرحمن على العرش استوى ^ انه استولى وملك وقهر وان الله في كل مكان وجحدوا ان يكون الله على عرشه كما قال اهل الحق فذهبوا في الاستواء الى الاستيلاء ولو كان هذا كما قالوه كان لا فرق بين العرش والارض السابعة السفلى لان الله عز وجل قادر على كل شيء # ثم قال ابو الحسن الاشعري # باب الكلام في الوجه والعينين والبصر # قال الله تبارك وتعالى ^ كل شيء هالك الا وجهه ^ وقال سبحانه وتعالى ^ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ^ فاخبر سبحانه وتعالى ان له وجها لا يفنى ولا يلحقه الهلاك وقال تعالى ^ تجري بأعيننا فاخبر عن العينين ^

ولله تعالى ذكره عين ووجه كما قال لا يحد ولا يكيف وقال سبحانه ^ واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا ^ وقال عز وجل ^ ولتصنع على عيني ^ وقال تعالى ^ وكان الله سميعا بصيرا ^ وقال تعالى لموسى وهارون ^ انني معكما اسمع وأرى ^ فاخبر عن سمعه ورؤيته وبصره # قال ونفت الجهمية ان يكون له وجه كما قال وابطلوا ان يكون له سمع وبصر ووافقوا النصارى لان النصارى لم تثبت لله سمعا ولا بصرا الا على معنى انه عالم وكذلك قالت الجهمية قال وحقيقة قول الجهمية انهم قالوا ان الله عالم ولا يقولون سميع بصير على غير معنى عالم وكذلك قول النصارى وقالت الجهمية ان الله عز وجل لا علم له ولا قدرة ولا سمع ولا بصر وانما قصدوا الى تعطيل التوحيد والتكذيب فقالوا سميع بصير لفظا ولم يحصلوا تحت قولهم معنى ولولا انهم خافوا السيف لافصحوا ان الله غير سميع ولا بصير ولا عالم ولكن خوف السيف منعهم من اظهار كفرهم وكشف زندقتهم وهذا قول المعتزلة والجهال قال وزعم شيخ منهم مقدم عندهم ان علم الله هو الله سبحانه وان الله علم فنفى العلم من حيث اوهم انه يثبته حتى الزم ان يقول يا علم اغفر لي اذا كان علم الله هو الله وكان الله على قياسه علما وقدرة وهو ابو الهذيل تعالى الله عز وجل عما يقولون علوا كبيرا # ومن سألنا فقال تقولون ان لله عز وجل وجها قيل له نقول ذلك خلافا لما قاله المبتدعون وقد دل على صحة ذلك قوله سبحانه وتعالى ^ ويبقى وجه

ربك ذو الجلال والاكرام ^ وان سألنا فقال تقولون ان لله عز وجل يدين قيل له نعم نقول ذلك لقوله سبحانه ^ يد الله فوق ايديهم ^ وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم خلق آدم بيده وغرس شجرة طوبى بيده وقال سبحانه وتعالى ^ بل يده مبسوطتان ^ وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال كلتا يديه يمين وقال سبحانه ^ لاخذنا منه باليمين ^ وليس يجوز في لسان العرب ولا في عادة اهل الخطاب ان يقول القائل عملت كذا وكذا بيدي وهو يعني به النعمة واذا كان الله خاطب العرب بلغتها وما تجده مفهوما في كلامها ومعقولا في خطابها ولا يجوز ان يقول القائل لي عليه يدين يعني به نعمتين ومن دافعنا عن استعمال اللغة ولم يرجع الى اهل اللسان فيها ودفع ذلك ان تكون اليد بمعنى النعمة اذ كان لا يمكنه ان يتعلق في ان اليد نعمة الى من جهة اللغة فاذا دفع اللغة لزم ان لا يحتج بها وان لا يقرأ القرآن ولا يثبت اليد نعمة من قبلها لانه ان رجع في تفسير قوله ^ بيدي ^ يعنى نعمتي الى الاجماع فليس المسلمون على ما ادعاه من ذلك متفقين وان رجع الى اللغة ان يقول معنى نعمتي ان يقول القائل بيدي نعمتي وان لجأ الى وجه ثالث سألناه عنه ولن يجد الى ذلك سبيلا # ويقال لاهل البدع لم زعمتم ان معنى قوله ^ بيدى ^ نعمتي ازعمتم ذلك اجماعا او لغة فلا تجدون ذلك في اجماع ولا في لغة فان قالوا قلنا ذلك من القياس قيل لهم من اين وجدتم في القياس ان قول الله عز وجل ^ خلقت بيدي ^ لا يكون معناه الا نعمتي ومن اين يمكن ان يعلم العقل ان يفسر لفظه كذا وكذا مع انا رأينا الله عز وجل قد قال في كتابه الناطق على لسان نبيه ^ وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ^ وقال سبحانه ^ افلا يتدبورن القرآن ^

ولولا ان القرآن بلسان العرب ما جاز ان تتدبره ولا ان تعرف العرب معانيه اذا سمعته فلما كان من لا يحسن كلام العرب لا يحسنه وانما يعرفه العرب اذا سمعوه علم انهم علموه لانه بلسانهم نزل # قال وقد اعتل معتل بقول الله عز وجل ^ والسماء بنيناها بأيد ^ قال الايدي القوة فوجب ان يكون معنى قوله ^ بيدي ^ أي بقدرتي قيل لهم هذا التأويل فاسد من وجوه # احدهما ان الايد ليس بجمع اليد لان جمع يد ايدي وجمع اليد التي هي نعمة ايادي والله عز وجل لم يقل بأيدي ولا قال بأيادي وانما قال ^ لما خلقت بيدي ^ فبطل ان يكون معنى قوله ^ بيدي ^ معنى قوله ^ بنيناها بأيد ^ # وايضا فول اراد القوة لكان معنى ذلك بقدرتي وهذا ناقض لقول مخالفينا ومجانب لمذاهبهم لانهم لا يثبتون قدرة الله عز وجل فكيف يثبتون قدرتين # وايضا فلو كان الله عز وجل عنى بقوله ^ لما خلقت بيدي ^ القدرة لم يكن لادم على ابليس في ذلك مزية والله عز وجل اراد ان يرى فضل آدم عليه السلام اذ خلقه بيديه دونه فلو كان خالقا لابليس بيده كما خلق آدم بيده لم يكن لتفضيله عليه بذلك وجه وكان ابليس يقول محتجا على ربه عز وجل فقد خلقتني بيديك كما خلقت آدم بها فلما اراد الله تفضيله عليه بذلك قال له موبخا على استكباره على آدم ان يسجد له ^ ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي استكبرت ام كنت من العالين ^ فدل ذلك على انه ليس معنى الاية القدرة كان الله عز وجل قد خلق الاشياء جميعها بقدرته وانه انما اراد اثبات يدين لم يشارك ابليس لآدم في انه خلق بهما

قال وليس يخلو قول الله عز وجل ^ لما خلقت بيدي ^ أن يكون يعني بذلك إثبات يدين نعمتين أو يكون معنى ذلك إثبات يدين جارحتين أ يكون معنى ذلك إثبات يدين قدرتين أو يكون معناه ليسا نعمتين ولا جارحتين ولا قدرتين ولا يوصفان إلا كما وصف اله ولا يجوز أن يكون معنى ذلك نعمتين لأنه لا يجوز أن يقول القائل عملت بيدي وهو يعني نعمتي ولا يجوز أن يعني عندنا ولا عند خصومنا جارحتين ولا يجوز عند خصومنا أن يعني قدرتين لأنهم لا يثبتون قدرة واحدة فكيف يثبتون قدرتين وإذا فسدت الأقسام الثلاثة صح القسم الرابع وهو أن معنى قوله عز وجل بيدي ^ إثبات يدين ليستا قدرتين ولا نعمتين ولا جارحتين ولا يوصفان إلا أن يقال إنهما يدان ليست كالأيدي خارجا عن سائر الوجوه الثلاثة التي سلفت # وأيضا قالوا فلو كان معنى قوله بيدي نعمتي لكان لا فضيلة لآدم عليه السلام على إبليس في ذلك على مذاهب مخالفينا لأن الله قد إبتدأ إبليس بنعمة على قولهم كما إبتدأ بذلك لآدم فليس تخلو النعمتان أن تكونا هما بدن آدم أو تكونا عرضين خلقا في آدم فإن كان عني بذلك بدن آدم فالأبدان عند مخالفينا من المعتزلة جنس واحد وإذا كان الأبدان عندهم جنسا واحدا فقد حصل في جسد إبليس على مذاهبهم من النعمة ما حصل في جسد آدم وكذلك إن كان عنى عرضين فليس من عرض فعله في بدن آدم من كون أو حياة أو قوة أو غير ذلك إلا وقد فعل من جنسه عندهم في بدن إبليس فهذا لا يوجب الأفضلية لآدم على إبليس في ذلك والله عز وجل إنما احتج على إبليس بذلك ليد له

أن لآدم في ذلك الفضيلة فدل ما قلناه على أن الله عز وجل قال ^ خلقت بيدي ^ لم يعن نعمتي # ويقال لهم ما أنكرتم أن يكون الله عز وجل عني بقوله ^ يدي ^ يدين ليستا نعمتين فإذا قالوا لأن اليدين إذا لم تكن نعمة لم تكن إلا جارحة قيل لهم ولم قضيتم أن اليد إذا لم تكن نعمة لم تكن إلا جارحة فإن قالوا رجعنا إلى الشاهد وإلى ما نجد فيما بيننا مخلوقا فوجدنا ذلك إذا لم يكن نعمة في الشاهد لم يكن إلا جارحة قيل لهم إن كان رجوعكم إلى الشاهد وعليه عملتم وبه قضيتم على الله عز وجل فكذلك لم تجدوا حيا من الخلق إلا جسما لحما ودما فاقضوا بذلك على ربكم تعالى وإلا كنتم لقولكم تاركين ولاإعتلالكم ناقصين وإن أثبتم حيا لا كالأحياء فلم أنكرتم أن تكون اليدان التي اخبر الله عنهما يدين ليستا جارحتين ولا نعمتين ولا كالأيدي وكذلك يقال لم تجدوا مدبرا حكيما إلا إنسانا وأثبتم الباري مدبرا حكيما ليس كالإنسان وخالفتم الشاهد فقد نقضتم إعتلالكم فلا تمنعوا من إثبات يدين ليستا نعمتين ولا جارحتين ولا كالأيدي من أجل أن ذلك خلاف الشاهد # فإن قالوا فإذا أثبتم لله يدين لقوله سبحانه ^ لما خلقت بيدي ^ فلم لا أثبتم له أيدي لقوله سبحانه ^ ما عملت أيدينا ^ قيل له قد أجمع على بطلان قول من قال ذلك فوجب ان يكون الله عز وجل ذكر أيدي ورجع إلى إثبات يدين لأن الدليل قد دل على صحة الإجماع وإذا كان الإجماع صحيحا وجب أن يرجع من قوله ^ أيدي ^ إلى يدين لأن القرآن على طاهره

ولايزول عن ظاهره إلا بحجة فوجدنا حجة أولنا بها ذكر الأيدي على الظاهر إلى ظاهر آخر ووجب أن يكون الظاهر الآخر على حقيقة لا يزول عنه إلا بحجة # فإن قال قائل إذا ذكر الله الأيدي وأراد يدين فما أنكرتم أن يكون ذكر الأيدي ويريد يدا واحدة قيل له ذكر الله عز وجل أيدي وأراد يدين لأنهم أجمعوا على بطلان قول من قال أيدي كثيرة وقول من قال يد واحدة فقلنا يدان لأن القرآن على ظاهره إلا أن تقوم حجة يكون على خلاف ظاهره # فإن قال قائل ما أنكرتم أن يكون قوله ^ مما عملت أيدينا ^ على المجاز قيل له حكم كلام الله على ظاهره وحقيقتة ولا يخرج الشيء عن ظاهره إلى المجاز إلا بحجة ألا ترون أنه إذا كان ظاهر الكلام عموم فإذا ورد بلفظ العموم والمراد به الخصوص فليس على حقيقة الظاهر وليس يجوز أن يعدل بما ظاهره العموم بغير حجة فكذلك قوله عز وجل ^ خلقت بيدي ^ على ظاهره من إثبات الأيدي ولا يجوز أن يعدل به عن ظاهره الأيدي إلى ما ادعاه خصومنا بغير حجة فلو كان ذلك جائزا لجاز لمدع أن يدعي أن ما ظاهره العموم فهو على الخصوص وما ظاهره الخصوص فهو على العموم بغير حجة وإذا لم يحز هذا لمدعيه بغير برهان لم يجز لكم ما ادعيتموه وأنه محال أن يكون مجازا بغير حجة بل واجب أن يكون ^ لما خلقت بيدي ^ إثبات يدين لله عز وجل في غير نعمتين إذا كانت النعمتان لا يجوز عند أهل اللسان أن يقول قائلهم فعلت بيدي وهو يعني نعمتي

قلت وهذا القول الذي ذكره الأشعري في الإبانة ونصرة ذكره في كتاب المقالات الكبير الذي فيه مقالات الإسلاميين ومقالات الطوائف غير الإسلاميين وكتاب مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين أنه قول جملة أصحاب الحديث وأهل السنة فقال بعد أن ذكر مقالات الشيع ثم الخوارج ثم المعتزلة ثم المجسمة ثم الجهمية ثم الضرارية ثم البكرية ثم قوم من النساك ثم قال هذه حكاية قول جملة أصحاب الحديث وأهل السنة جملة ما عليه أصحاب الحديث وأهل السنة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله وما رواه الثقاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم # لا يردون وصل وليس بداية قوه جديده من ذلك شيئا والله تعالى إله واحد فرد صمد لا إله غيره لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وأن محمدا عبده ورسوله وأن الجنة حق والنار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأن الله على عرشه كما قال ^ الرحمن على العرش استوى ^ وأن له يدين بلا كيف كما قال ^ خلقت بيدي ^ وكما قال ^ بل يداه مبسوطتان ^ وأن له عينين بلا كيف كما قال ^ تجري بأعيننا ^ وأن له وجها كما قال ^ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ^ وأن اسماء الله لا يقال أنها غير الله كما قالت المعتزلة والخوارج وأقروا أن الله علما كما قال ^ أنزله بعلمه ^ وكما قال ^ وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ^ وأثبتوا السمع والبصر ولم ينفوا ذلك عن الله كما نفته المعتزلة وأثبتوا لله القوة كما قال ^ أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ^ # وقالوا إنه لا يكون في الأرض من خير ولا شر إلا ما شاء الله وأن الأشياء تكون بمشيئة الله كما قال الله تعالى ^ وما تشاؤن إلا أن يشاء الله ^ وكما قال المسلمون ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وقالوا إن أحدا لا يستطيع أن يفعل شيئا قبل أن يفعله أو يكون أحد يقدر أن يخرج عن علم الله أو وأن يفعل


شيئا علم الله أنه لا يفعله وأقروا أنه لا خالق إلا الله وأن أعمال العباد يخلقها الله وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئا # وأن الله وفق المؤمنين لطاعته وخذل الكافرين ولطف لهم ونظر لهم وأصلحهم وهداهم ولم يلطف بالكافرين ولا أصلحهم ولا هداهم ولو أصلحهم لكانوا صالحين ولو هداهم لكانوا مهتدين وأن الله يقدر أن يصلح الكافرين ويلطف لهم حتى يكونوا مؤمنين ولكنه أراد أن يكونوا كافرين كما علمهم وخذلهم ولم يصلحهم وطبع على قلوبهم وأن الخير والشر بقضاء الله وقدره ويؤمنون بقضاء الله قدرة خيره وشره حلوه ومره ويؤمنون أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله كما قال ويلجئون أمرهم إلى الله ويثبتون الحاجة إلى الله في كل وقت والفقر إلى الله في كل حال # ويقولون أن القرآن كلام الله غير مخلوق والكلام في الوقف واللفظ من قال باللفظ أو بالوقف فهو مبتدع عندهم لا يقال اللفظ بالقرآن مخلوق ولا يقال غير مخلوق ويقولون إن الله يرى بالإبصار يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر يراه المؤمنون ولا يراه الكافرون لأنهم عن الله محجوبون قال الله تعالى ^ وأن موسى سأل الله عز وجل الرؤية كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجبون في الدنيا وأن الله تعالى تجلى للجبل فجعله دكا فأعلمه بذلك أنه لا يراه في الدنيا بل يراه في الآخرة ولا يكفرون أحدا من أهل القبلة بذنب يرتكبه كنحو الزنا والسرقة وما أشبه ذلك من الكبائر وهم بما معهم من الأيمان مؤمنين وأن ارتكبوا الكبائر والإيمان عندهم هو الإيمان بالله

وملائكته وكتبه ورسله وبالقدر خيره وشره حلوه ومره وان ما اخطأهم لم يكن ليصيبهم وان ما اصابهم لم يكن ليخطئهم والاسلام هو ان تشهد ان لا اله الا الله على ما جاء في الحديث والاسلام عندهم غير الايمان ويقرون بان الله مقلب القلوب ويقرون بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وانها لاهل الكبائر من امته وبعذاب القبر وان الحوض حق والصراط حق والبعث بعد الموت حق والمحاسبة من الله للعباد حق والوقوف بين يدي الله حق ويقرون بان الايمان قول وعمل يزيد وينقص ولا يقولون مخلوق ولا غير مخلوق ويقولون اسماء الله هي الله ولا يشهدون على احد من اهل الكبائر بالنار ولا يحكمون بالجنة لاحد من الموحدين حتى يكون الله ينزلهم حيث شاء ويقولون امرهم الى الله ان شاء عذبهم وان شاء غفر لهم ويؤمنون بأن الله يخرج قوما من الموحدين من النار على ما جاءت به الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وينكرون الجدل والمراء في الدين والخصومة في القدر والمناظرة فيما يتناظر فيه اهل الجدل ويتنازعون فيه من دينهم بالتسليم للروايات الصحيحة ولما جاءت به الآثار التي رواها الثقاة عدلا عن عدل حتى ينتهي ذلك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يقولون كيف ولا لم لان ذلك بدعة ويقولون بأن الله لم يأمر بالشر بل نهى عنه وامرنا بالخير ولم يرض بالشر وان كان مريدا له ويعرفون حق السلف الذين اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ويأخذون بفضائلهم ويمسكون عما شجر بينهم صغيرهم وكبيرهم ويقدمون ابا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم اجمعين ويقرون انهم الخلفاء الراشدون المهديون افضل الناس كلهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم ويصدقون بالاحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله ينزل الى سماء الدنيا فيقول هل مستغفر كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم # ويأخذون بالكتاب والسنة كما قال الله تعالى ^ فإن تنازعتم في شيء

فردوه الى الله والرسول ^ ويرون اتباع من سلف من ائمة الدين وان لا يبتدعوا في دينهم ما لم يأذن به الله ويقرون ان الله يجيء يوم القيامة كما قال ^ وجاء ربك والملك صفا صفا ^ وان الله يقرب من خلقه كيف شاء كما قال ^ ونحن اقرب اليه من حبل الوريد ^ ويرون العيد والجمعة والجماعة خلف كل امام بر وفاجر ويثبتون المسح على الخفين سنة ويرونه في الحضر والسفر ويثبتون فرض الجهاد للمشركين منذ بعث نبيه صلى الله عليه وسلم الى آخر عصابة تقاتل الدجال وبعد ذلك ويرون الدعاء لائمة المسلمين بالصلاح وان لا يخرجوا عليهم بالسيف وان لا يقاتلوا في الفتنة ويصدقون بخروج الدجال وان عبسى بن مريم يقتله ويؤمنون بمنكر ونكير والمعراج والرؤيا في المنام وان الدعاء لموتى المسلمين والصدقة عنهم بعد موتهم تصل اليهم ويصدقون بأن في الدنيا سحرة وان الساحر كافر كما قال الله وان السحر كائن موجود في الدنيا ويرون الصلاة على كل من مات من اهل القبلة مؤمنهم وفاجرهم وموارثتهم # ويقرون ان الجنة والنار مخلوقتان وان من مات مات بأجله وكذلك من قتل قتل بأجله وان الارزاق من قبل الله يرزقها عباده حلالا كانت او حراما وان الشيطان يوسوس للانسان ويشككه ويخبطه وان الصالحين قد يجوز ان يخصهم الله بآيات تظهر عليهم وان السنة لا تنسخ بالقرآن وان الاطفال امرهم الى الله ان شاء عذبهم وان شاء فعل بهم ما اراد وان الله عالم ما العباد عاملون وكتب ان ذلك يكون وان الامر بيد الله ويرون الصبر على حكم الله والاخذ بما امر الله والانتهاء عما نهى الله عنه واخلاص العمل والنصيحة لجماعة المسلمين ويدينون بعبادة الله في العابدين واجتناب الكبائر والزنا وقول الزور والعصبية والفخر والكبر والازراء على الناس والعجب ويرون مجانبة كل داع الى بدعة والتشاغل بقراءة

القرآن وكتابة الآثار والنظر في الفقه مع التواضع والاستكانة وحسن الخلق وبذل المعروف وكف الاذى وترك الغيبة والنميمة والسعاية وتفقد المأكل والمشرب فهذه جملة ما يأمرون به ويستعملونه ويرونه قال وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول واليه نذهب وما توفيقنا الا بالله وهو حسبنا وبه نستعين وعليه نتوكل واليه المصير # ثم قال فأما اصحاب عبد الله بن سعيد القطان وهو ابن كلاب فانهم يقولون بأكثر مما ذكرناه عن اهل السنة ويثبتون ان الباري تعالى لم يزل حيا عالما قادرا سميعا بصيرا عزيزا عظيما جليلا كبيرا كريما مريدا متكلما جوادا ويثبتون العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر والعظمة والجلال والكبرياء والارادة والكلام صفات لله تعالى ويقولون اسماء الله وصفاته لا يقال هي غيره ولا يقال ان علمه غيره كما قالت الجهمية ولا يقال ان علمه هو هو كما قال بعض المعتزلة وكذلك قولهم في سائر الصفات ولا يقولون العلم هو القدرة ولا يقولون غير القدرة ويزعمون ان الصفات قائمة بالله وان الله لم يزل راضيا عمن يعلم انه يموت مؤمنا ساخطا على من يعلم انه يموت كافرا وكذلك قوله في الولاية والعداوة والمحبة وكان يزعم ان القرآن كلام الله غير مخلوق وقوله في القدر كما حكينا عن اهل السنة والحديث وكذلك قوله في اهل الكبائر وكذلك قوله في رؤية الله بالابصار وكان يزعم ان الباري لم يزل ولا مكان ولا زمان قبل الخلق وانه على ما لم يزل وانه مستو على عرشه كما قال وانه فوق كل شيء تعالى

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:19 AM
# وقال ايضا ابو الحسن الاشعري في باب اختلافهم في الباري هل هو في مكان دون مكان ام لافي مكان ام في كل مكان وهل تحمله الحملة او تحمل العرش وهل هم ثمانية املاك ام ثمانية اصناف من الملائكة اختلفوا في ذلك على سبع عشرة مقالة قد ذكرنا قول من امتنع من ذلك وقال انه في كل مكان حال وقول من قال لا نهاية له وان هاتين الفرقتين انكرتا القول انه في مكان دون مكان # قلت وكان قد ذكرنا في شرح اختلاف الناس في التجسيم فقال واختلفوا في مقدار الباري بعد ان جعلوه جسما فقال قائلون هو جسم وهو في كل مكان وفاضل عن جميع الاماكن وهو مع ذلك متناهي غير ان مساحته اكثر من مساحة العالم لانه اكبر من كل شيء وقال بعضهم ليس لمساحة الباري نهاية ولا غاية وانه ذاهب في الجهات الست اليمين والشمال والامام والخلف والفوق والتحت قالوا وما كان كذلك لا يقع عليه اسم جسم ولا طويل ولا عريض ولا عميق وليس بذي حدود ولا هيئة قال وقال قوم ان معبودهم هو الفضاء وهو جسم تحل الاشياء فيه ليس بذي غاية ولا نهاية فهاتان هم الفرقتان قال وقال قائلون هو جسم خارج عن جميع صفات الجسم ليس بطويل ولا عريض ولا عميق ولا يوصف بلون ولا طعم ولا مجسة ولا شيء من صفات الاجسام وانه ليس في الاشياء ولا على العرش الا على معنى انه فوقه غير مماس له وانه فوق الاشياء وفوق العرش ليس بينه وبين الاشياء اكثر من انه فوقها قال وقال هشام بن الحكم ان ربه في مكان دون مكان وان مكانه هو العرش وانه مماس للعرش وان العرش قد حواه وحده وقال بعض اصحابه ان الباري قد ملاء العرش وانه مماس له

# وقال من ينتحل الحديث ان العرش لم يمتلىء به وانه يقعد نبيه عليه السلام معه على العرش قال وقال اهل السنة واصحاب الحديث ليس بجسم ولا يشبه الاشياء الا انه على العرش كما قال ^ الرحمن على العرش استوى ^ ولا نتقدم بين يدي الله في القول بل نقول استوى بلا كيف وان له وجها كما قال ^ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ^ وان له يدين كما قال ^ خلقت بيدي ^ وان له عينين كما قال ^ تجري باعيننا ^ وانه يجيء يوم القيامة هو وملائكته كما قال ^ وجاء ربك والملك صفا صفا ^ وانه ينزل الى سماء الدنيا كما جاء في الحديث ولم يقولوا شيئا الا ما وجدوه في الكتاب او جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم # قال وقالت المعتزلة ان الله استوى على عرشه بمعنى استولى وقال بعض الناس الاستواء القعود والتمكن قال واختلف الناس في حملة العرش ما الذي تحمل فقال قائلون الحملة تحمل الباري وانه اذا غضب ثقل على كواهلهم واذا رضي خف فيتبينون غضبه من رضاه وان العرش له اطيط اذا ثقل عليه كاطيط الرحل وقال بعضهم ليس يثقل الباري ولا يخف ولا تحمله الحملة ولكن العرش هو الذي يخف ويثقل ويحمله الحملة وقال بعضهم الحملة ثمانية املاك وقال بعضهم ثمانية اصناف قال وقال قائلون انه على العرش مباين منه لا بعزلة واشغال لمكان غيره بل بينونة ليس على العزلة والبينونة من صفات الذات قال واختلفت المعتزلة في المكان فقال قائلون ان الله بكل مكان وقال قائلون الباري لافي مكان بل هو على ما لم يزل عليه وقال قائلون الباري في كل مكان بمعنى اه حافظ للاماكن وذاته مع ذلك موجودة بكل مكان # قلت وهذا الذي ذكره ابو الحسن في كتاب الابانة هو الذي يذكره من ينقل مذهبه جملة ويرد بذلك على الطاعنين فيه كما ذكر ذلك

الحافظ ابو بكر البيهقي وابو القاسم ابن عساكر في كتاب تبيين كذب المفتري فيما ينسب الى الشيخ ابي الحسن الاشعري # والذي ذكره في كتاب المقالات هو الذي ذكره ابو بكر ابن فورك في كتاب مقالات ابن كلاب فقال الفصل الاول في ذكر ما حكى شيخنا ابو الحسن في كتاب المقالات من جمل مذاهب اصحاب الحديث وقواعدهم وما ابان في آخره انه هو يقول بجميع ذلك وان ابا محمد عبد الله ابن سعيد يقول بذلك وبأكثر منه # وهكذا ذكر القاضي ابو بكر ابن الباقلاني في عامة كتبه مثل التمهيد والابانة وكتابه الذي سماه كتاب الرد على من نسب الى الاشعري خلاف قوله بعد فصول ذكرها قال وكذلك قولنا في جميع المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفات الله تعالى اذا ثبتت بذلك الرواية من اثبات اليدين اللتين نطق بهما القرآن والوجه والعينين قال تعالى ^ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ^ وقال تعالى ^ كل شيء هالك الا وجهه ^ وقال في قصة ابليس ^ من منعك ان تسجد لما خلقت بيدي ^ وقال ^ بل يداه مبسوطتان ^ وقال ^ تجري بأعيننا ^ قال وروي في الحديث من رواية ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الدجال قال انه اعور وان ربكم ليس بأعور فأثبت له العينين قال وهذا حديث غير مختلف في صحته عند العلماء بالحديث وهو في صحيح البخاري وقال عليه السلام فيما يروى من الاخبار المشهورة وكلتا يديه يمين ونقول انه تعالى يأتي يوم القيامة في ظلل من الغمام

والملائكة كما نطق بذلك القرآن وانه ينزل الى سماء الدنيا فيقول هل من سائل فيعطى او مستغفر فيغفر له الحديث وانه عز وجل مستو على عرشه كما قال ^ الرحمن على العرش استوى ^ قال قد بينا دين الائمة واهل السنة ان هذه الصفات تمر كما جاءت بغير تكييف ولا تحديد ولا تجنيس ولا تصوير كما روي عن ابن شهاب وغيره وروى الثقاة عن مالك ان سائلا سأله عن قوله ^ الرحمن على العرش استوى ^ فقال الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة قال فمن تجاوز هذا المروي من الاخبار عن التابعين ومن بعدهم من السلف الصالحين وائمة الحديث فقد تعدى وضل وابتدع في الدين ما ليس منه وذكر باقي الكتاب وهذا لفظه # فاذا كان قول ابن كلاب والاشعري وائمة اصحابه وهو الذي ذكروا انه اتفق عليه سلف الامة واهل السنة ان الله فوق العرش وان له وجها ويدين وتقرير ما ورد في النصوص الدالة على انه فوق العرش وان تأويل ^ استوى ^ بمعنى استولى هو تأويل المبطلين ونحو ذلك علم ان هذا الرازي ونحوه هم مخالفون لائمتهم في ذلك وان الذي نصره ليس هو قول ابن كلاب والاشعري وائمة اصحابه وانما هو صريح قول الجهمية والمعتزلة ونحوهم وان كان قد قاله بعض متأخري الاشعرية كأبي المعالي ونحوه # وكذلك نقل الناس مذهبهم قال الامام ابو بكر محمد بن الحسن الخضرمي القيرواني الذي له الرسالة التي سماها ب رسالة الايماء الى مسألة الاستواء لما ذكر اختلاف المتأخرين في الاستواء قول الطبري يعني ابا جعفر صاحب

التفسير الكبير وابي عبد الله محمد بن ابي زيد والقاضي عبد الوهاب وجماعة من شيوخ الحديث والفقه وهو ظاهر بعض كتب القاضي ابي بكر وابي الحسن يعني الاشعري وحكاه عنه اعني القاضي ابي بكر القاضي عبد الوهاب نصا وهو انه سبحانه مستو على العرش بذاته واطلقوا في بعض الاماكن فوق عرشه قال الامام ابو بكر وهو الصحيح الذي اقول به من غير تحديد ولا تمكين في مكان ولا كون فيه ولا مماسه قال أبوعبدالله القرطبي في كتاب شرح الاسماء الحسنى هذا قول القاضي ابي بكر في كتاب تمهيد الاوائل له وقاله الاستاذ ابو بكر ابن فورك في شرح اوائل الادلة له وهو قول ابي عمر بن عبد البر والطلمنكي وغيرهما من الاندلسيين وقول الخطابي في شعار الدين ثم قال بعد ان حكى اربعة عشر قولا واظهر الاقوال ما تظاهرت عليه الآي والاخبار والفضلاء الاخيار ان الله على عرشه كما اخبر في كتابه وعلى لسان نبيه بلا كيف بائن من جميع خلقه وهذا مذهب السلف الصالح فيما نقل عنهم الثقاة

وقال هذا القرطبي في تفسيره الكبير قوله تعالى ^ ثم استوى على العرش ^ هذه مسألة الاستواء وللعلماء فيها كلام واجزاء وقد بينا اقوال العلماء فيها في كتاب الاسنى في شرح اسماء الله الحسنى وصفاته العلى وذكرنا فيها هناك اربعة عشر قولا والاكثر من المتقدمين والمتأخرين انه اذا وجب تنزيه الباري عن الجهة والتحيز فمن ضرورة ذلك ولواحقه اللازمة عليه عند عامة العلماء المتقدمين وقادتهم المتأخرين تنزيه الباري عن الجهة فليس بجهة فوق عندهم لانه يلزم في ذلك عندهم متى اختص بجهة ان يكون في مكان او حيز ويلزم على المكان والحيز الحركة والسكون وذلك مستلزم للتحيز والتغير والحدوث هذا قول المتكلمين قال وقد كان السلف الاول رضي الله عنهم لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك بل نطقوا هم والكافة باثباتها لله تعالى كما نطق كتابه واخبرت رسله ولم ينكر احد من السلف الصالح انه استوى على عرشه حقيقة وخص العرش بذلك لانه اعظم مخلوقاته وانما جهلوا كيفية الاستواء فانه لا تعلم حقيقته كما قال مالك رحمه الله الاستواء معلوم يعني في اللغة والكيف مجهول والسؤال عن هذا بدعة وكذا قالت ام سلمة رضي الله عنها وهذا القدر كاف قال والاستواء في كلام العرب هو العلو والاستقرار وذكر كلام الجوهري وغيره # واما نقل مذاهب سلف الامة وائمتها وسائر الطوائف فروى ابو بكر البيهقي في كتاب الاسماء والصفات باسناد صحيح عن الاوزاعي قال

كنا والتابعون متوافرون نقول ان الله تعالى ذكره فوق سماواته ونؤمن بما وردت السنة به من صفاته وقال ابو بكر النقاش صاحب التفسير والرسالة حدثنا ابو العباس السراج سمعت قتيبة بن سعيد يقول هذا قول الائمة في الاسلام والسنة والجماعة نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه كما قال ^ الرحمن على العرش استوى ^ # وقال الشيخ ابو نصر السجزي في كتاب الابانة له وائمتنا كسفيان الثوري ومالك بن انس وسفيان بن عيينة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وعبد الله بن المبارك وفضيل بن عياض واحمد بن حنبل واسحاق بن ابراهيم الحنظلي متفقون على ان الله سبحانه بذاته فوق العرش وان علمه بكل مكان وانه يرى يوم القيلمه بالابصار وانه ينزل الى سماء الدنيا وانه يغضب ويرضى ويتكلم بما شاء فمن خالف شيئا من ذلك فهو منهم بريء وهم منه براء # وقال الامام ابو عمر الطلمنكي في كتاب الوصول الى معرفة الاصول واجمع المسلمون من اهل السنة على ان معنى ^ وهو معكم اينما كنتم ^ ونحو ذلك من القرآن ان ذلك علمه وان الله فوق السموات بذاته مستو على عرشه كيف شاء وقال ايضا قال اهل السنة في قول الله ^ الرحمن على العرش استوى ^ ان الاستواء من الله على عرشه المجيد على الحقيقة لا على المجاز

# وقال ابو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد في شرح الموطأ لما تكلم على حديث النزول قال هذا حديث ثابت من جهة النقل صحيح الاسناد ولا يختلف اهل الحديث في صحته وهو منقول من طرق سوى هذه من اخبار العدول عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه دليل على ان الله في السماء على العرش من فوق سبع سموات كما قالت الجماعة قال وهو من حجتهم على المعتزلة في قولهم ان الله في كل مكان قال والدليل على صحة قول اهل الحق قول الله تعالى وذكر بعض الآيات الى ان قال وهذا اشهر واعرف عند العامة والخاصة من ان يحتاج الى اكثر من حكايته لانه اضطرار لم يوقفهم عليه احد ولا انكره عليهم مسلم # وقال ابو عمر بن عبد البر ايضا اجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل قالوا في تأويل قوله ^ ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم ^ هو على العرش وعلمه في كل مكان وما خالفهم في ذلك من يحتج بقوله # وقال ابو عمر بن عبد البر ايضا اهل السنة مجمعون على الاقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والايمان بها وحملها علىالحقيقة لا على المجاز الا انهم لا يكيفون شيئا من ذلك ولا يحدون فيه صفة محصورة واما اهل البدع الجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة ويزعم ان من اقر بها مشبه وهم عند من اقر بها نافون للمعبود والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله وهم ائمة الجماعة # وقال الشيخ العارف معمر بن احمد الاصفهاني احببت ان اوصي اصحابي

بوصية من السنة وموعظة من الحكمة واجمع ما كان عليه اهل الحديث والاثر واهل المعرفة والتصوف من المتقدمين والمتأخرين فذكر عقيدة قال فيها وان الله استوى على عرشه بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل والاستواء معقول والكيف فيه مجهول والله عز وجل بائن من خلقه والخلق منه بائنون بلا حلول ولا ممازجة ولا اختلاط ولا ملاصقة لانه الفرد البائن من الخلق الواحد الغني عن الخلق وانه سميع بصير عليم خبير متكلم ويرضى ويسخط ويضحك ويعجب ويتجلى لعباده يوم القيامة ضاحكا وينزل كل ليلة الى سماء الدنيا كيف شاء فيقول هل من داع فأستجيب له هل من مستغفر فاغفر له هل من تائب فأتوب عليه حتى يطلع الفجر قال ونزول الرب الى السماء بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل فمن انكر النزول او تأول فهو مبتدع ضال # وقال الحافظ ابو نعيم الاصبهاني في العقيدة المشهورة عنه طريقتنا طريقة المتبعين للكتاب والسنة واجماع الامة فما اعتقدوه اعتقدناه فمما اعتقدوه ان الاحاديث التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم في العرش واستواء الله عليه يقولون بها ويثبتونها من غير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه وان الله بائن من خلقه والخلق بائنون منه لا يحل فيهم ولا يمتزج بهم وهو مستو على عرشه في سمائه دون ارضه # وقال عبد الرحمن بن ابي حاتم الرازي سألت ابي وابا زرعة عن مذاهب اهل السنة في اصول الدين وما ادركنا عليه العلماء في جميع الامصار

فقالا ادركنا العلماء في جميع الامصار حجازا وعراقا ومصرا وشاما ويمنا فكان من مذهبهم ان الايمان قول وعمل يزيد وينقص والقرآن كلام الله غير مخلوق بجميع جهاته الى ان قالا وان الله على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه وعلى لسان رسوله بلا كيف احاط بكل شيء علما وهذا مشهور عن الامام عبد الرحمن بن ابي حاتم من وجوه وقد ذكره عنه الشيخ نصر المقدسي في كتاب الحجة له # وقال نصر في هذا الكتاب ان قال قائل قد ذكرت ما يجب على اهل الاسلام من اتباع كتاب الله وسنة رسوله وما اجمع عليه الائمة العلماء والاخذ بما عليه اهل السنة والجماعة فاذكر مذاهبهم وما اجمعوا عليه من اعتقادهم وما يلزمنا من المصير اليه من اجماعهم فالجواب ان الذي ادركت عليه اهل العلم ومن لقيتهم واخذت عنهم ومن بلغني قوله من غيرهم فذكر جمل اعتقاد اهل السنة وفيه وان الله مستو على عرشه بائن من خلقه كما قال في كتابه احاط بكل شيء علما واحصى كل شيء عددا # ونقل اقوال السلف من القرون الثلاثة ومن نقل اقوالهم في اثبات ان الله فوق العرش يطول ولا يتسع له هذا الموضع ولكن نبهنا عليه # ولم يكن هذا عندهم من جنس مسائل النزاع التي يسوغ فيها الاجتهاد بل ولا كان هذا عندهم من جنس مسائل اهل البدع المشهورين في الامة كالخوارج والشيعة والقدرية والمرجئة بل كان انكار هذا عندهم اعظم من هذا كله وكلامهم في ذلك مشهور متواتر

# ولهذا قال الملقب بامام الائمة ابو بكر ابن خزيمة فيما رواه عنه الحاكم من لم يقل ان الله فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه وجب ان يستتاب فان تاب والا ضربت عنقه ثم القي على مزبلة لئلا يتأذى بنتن ريحه اهل القبلة ولا اهل الذمة كما روى عبد الله بن احمد بن حنبل في كتاب السنة عن عبد الرحمن بن مهدي الامام المشهور انه قال ليس في اصحاب الاهواء اشر من اصحاب جهم يدورون ان يقولوا ان الله لم يكلم موسى ويدورون ان يقولوا ليس في السماء شيء وان الله ليس على العرش ارى ان يستتابوا فان تابوا والا قتلوا وعن عباد بن العوام الواسطي من طبقة شيوخ الشافعي واحمد قال كلمت بشر المريسي واصحاب بشر فرأيت آخر كلامهم ينتهي الى ان يقولوا ليس في السماء شيء وروى عبد الرحمن بن ابي حاتم في كتاب الرد على الجهمية عن سعيد بن عامر الضبعي من هذه الطبقة وهو امام البصرة اذ ذاك علما ودينا انه ذكر عنده الجهمية فقال هم شر قولا من اليهود والنصارى قد اجتمع اليهود والنصارى واهل الاديان مع المسلمين ان الله على العرش وهم قالوا ليس عليه شيء # وروى عبد الله بن احمد عن سليمان بن حرب الامام المشهور قال سمعت حماد بن زيد وهو الامام الكبير المشهور وذكر هؤلاء الجهمية فقال انما يحاولون ان يقولوا ليس في السماء شيء وعن عاصم بن علي بن عاصم

شيخ احمد والبخاري قال ناظرت جهميا فتبين من كلامه انه لا يؤمن ان في السماء ربا وقال احمد بن حنبل ثنا شريح بن يونس سمعت عبد الله بن نافع الصائغ سمعت مالك بن انس يقول الله في السماء وعلمه في كل مكان وروى عبد الله بن احمد وغيره باسانيد صحيحة عن عبد الله بن المبارك انه قيل له بماذا نعرف ربنا قال بأنه فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه ولا نقول كما تقول الجهمية انه ها هنا وكذلك قال الامام احمد بن حنبل وغيره # وقال الامام ابو عبد الله البخاري صاحب الجامع الصحيح في كتاب خلق الافعال باب ما ذكر اهل العلم للمعطلة الذين يريدون ان يبدلوا كلام الله قال وقال وهب بن جرير الجهمية الزنادقة انما يريدون انه ليس على العرش استوى قال وقال حماد بن زيد القرآن كلام الله نزل به جبريل ما يجادلون الا انه ليس في السماء اله قال وقال ابن المبارك لا نقول كما قالت الجهمية في الارض ها هنا بل على العرش استوى وقيل له كيف نعرف ربنا قال فوق سمواته على عرشه وقال لرجل منهم اتظنك خال منه فبهت الاخر وقال من قال لا اله الا هو مخلوق فهو كافر وانا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع ان نحكي كلام الجهمية قال وقال علي بن عاصم ما الذين قالوا ان لله ولدا اكفر من الذين قالوا ان الله لا يتكلم وقال احذر من المريسي واصحابه فان كلامهم ابو جاد الزندقة وانا كلمت استاذهم جهما فلم يثبت ان في

السماء الها قال ابو عبد الله البخارى نظرت في كلام اليهود والنصارى والمجوس فما رأيت قوما اضل في كفرهم منهم واني لاستجهل من لا يكفرهم الا من لا يعرف كفرهم # وقال الفضيل بن عياض اذا قال لك الجهمي انا كافر برب يزول عن مكانه فقل انا اومن برب يفعل ما يشاء وقال وحدث يزيد بن هرون عن الجهمية فقال من زعم ان الرحمن على العرش استوى على خلاف ما تقرر في قلوب العامة فهو جهمي قال وقال حمزة بن ربيعة عن صدقة سمعت سليمان التيمي يقول لو سئلت اين الله تبارك وتعالى لقلت في السماء فإن قال فاين كان عرشه قبل السماء لقلت على الماء فان قال فاين كان عرشه قبل الماء لقلت لا اعلم ورى عن يزيد بن هرون انه ذكر ابا بكر الاصم والمريسي فقال هما والله زنديقان كافران بالرحمن حلال الدم قال وسئل عبد الله بن ادريس عن الصلاة خلف اهل البدع فقال لم يزل في الناس اذا كان فيهم مرضي او عدل فصل خلفه قلت فالجهمية قال لا هذه من المقاتل هؤلاء لا يصلى خلفهم ولا يناكحون وعليهم التوبة قال وقال وكيع بن الجراح الرافضة شر من القدرية والحرورية شر منهما والجهمية شر هذه الاصناف قال البخاري وقال زهير السجستاني سمعت سلام بن ابي مطيع يقول الجهمية كفار # وكلام السلف والائمة في هذا الباب اعظم واكثر من ان يذكر هنا الا بعضه كلهم مطبقون على الذم والرد على من نفى ان يكون الله فوق العرش كلهم متفقون على وصفه بذلك وعلى ذم الجهمية الذين ينكرون ذلك وليس

بينهم في ذلك خلاف ولا يقدر احد ان ينقل عن احد من سلف الامة وائمتها في القرون الثلاثة حرفا واحدا يخالف ذلك لم يقولوا شيئا من عبارات النافية ان الله ليس في السماء والله ليس فوق العرش ولا انه لا داخل العالم ولا خارجه ولا ان جميع الامكنة بالنسبة اليه سواء ولا انه في كل مكان او انه لا تجوز الاشارة الحسية اليه ولا نحو ذلك من العبارات التي تطلقها النفاة لان يكون فوق العرش لا نصا ولا ظاهرا بل هم مطبقون متفقون على انه نفسه فوق العرش وعلى ذم من ينكر ذلك بأعظم مما يذم به غيره من اهل البدع مثل القدرية والخوارج والروافض ونحوهم # واذا كان كذلك فليعلم ان الرازي ونحوه من الجاحدين لان يكون الله نفسه فوق العالم هم مخالفون لجميع سلف الامة وائمتها الذين لهم في الامة لسان صدق ومخالفون لعامة من يثبت الصفات من الفقهاء واهل الحديث والصوفية والمتكلمين مثل الكرامية والكلابية والاشعرية الذين هم الاشعري وائمة اصحابه ولكن الذين يوافقونه على ذلك هم المعتزلة والمتفلسفة المنكرون للصفات وطائفة من الاشعرية وهم في المتأخرين منهم اكثر منهم في المتقدمين وكذلك من اتبع هؤلاء من الفقهاء والصوفية وطائفة من اهل الحديث # وحينئذ فيذكر ما يتكلم به على حججه ولا حول ولا قوة الا بالله # قال الرازي الفصل الرابع في اقامة الحجج والبراهيم على ان الله ليس بمختص بحيز ولا جهة بمعنى انه يشار اليه بالحس انه هاهنا او هناك وذلك لانه لم يخل اما ان يكون منقسما او غير منقسم فان كان منقسما كان مركبا وقد تقدم ابطاله وان لم يكن منقسما كان في الصغر والحقارة كالجزء الذي لا يتجزأ وذلك باطل باتفاق كل العقلاء

# وايضا فان من ينفي الجوهر الفرد يقول ان كل ما كان مشارا اليه بأنه ها هنا او هناك فلا بد وان يتميز احد جانبيه عن الآخر وذلك يوجب كونه منقسما فثبت بأن القول بأنه مشار اليه بحسب الحس يفضي الى هذين الباطلين فوجب ان يكون القول به باطلا # فان قيل لم لا يجوز ان يقال انه تعالى واحد منزه عن التأليف والتركيب ومع كونه كذلك فانه يكون عظيما والعظيم يجب ان يكون مركبا منقسما وذلك ينافي كونه احدا قلنا سلمنا ان العظيم يجب ان يكون منقسما في الشاهد فلم قلتم انه يجب ان يكون في الغائب كذلك فان قياس الغائب على الشاهد من غير جامع باطل # وايضا لم لا يجوز ان يكون غير منقسم ويكون في غاية الصغر وهو مقتضى انه حقير وذلك على الله محال قلنا الذي لا يمكن ان يشار اليه ولا يحس به يكون كالعدم فيكون اشد حقارة فاذا جاز هذا فلم لا يجوز ذلك # والجواب عن الاول ان نقول انه اذا كان عظيما فلابد ان يكون منقسما وليس هذا من باب قياس الشاهد على الغائب بل هذا بناء على البرهان القطعي وذلك لانا اذا اشرنا الى نقطة لا تنقسم فاما ان يحصل فوقها شيء آخر اولا يحصل فان حصل فوقها شيء آخر كان ذلك الفوقاني مغايرا له اذ لو جاز ان يقال ان هذا المشار اليه عينه لا غيره جاز ان يقال هذا الجزء عين ذلك الجزء فيفضي الى تجويز ان الجبل شيء واحد او جزء لا يتجزأ مع كونه جبلا وذلك شك في البديهيات فثبت انه لابد من التزام التركيب والانقسام واما ان لا يحصل فوقها شيء آخر ولا على يمنها ولا على يسارها ولا من تحتها

فحينئذ تكون نقطة غير منقسمة وجزءا لا يتجزأ وذلك باتفاق العقلاء باطل فثبت ان هذا ليس من باب قياس الغائب على الشاهد بل هو مبني على التقسيم الدائر بين النفي والاثبات # قال واعلم ان الحنابلة القائلين بالتركيب والتأليف اسعد حالا من هؤلاء الكرامية وذلك لانهم اعترفوا بكونه مركبا من الاجزاء والابعاض واما هؤلاء الكرامية فزعموا انه مشار اليه بحسب الحس وزعموا انه غير متناه ثم زعموا انه مع ذلك واحد لا يقبل القسمة فلا جرم صار قولهم على خلاف بديهة العقل اما قولهم الذي لا يحس ولا يشار اليه اشد حقارة من الجزء الذي لا يتجزأ قلنا كونه موصوفا بالحقارة انما يلزم لو كان له حيز ومقدار حتى يقال انه اصغر من غيره اما اذا كان منزها عن الحيز والمقدار فلم يحصل بينه وبين غيره مناسبة في الحيز والمقدار فلم يلزم وصفه بالحقارة # يقال هذه الحجة مع كل من قال انه فوق العرش وقال مع ذلك انه غير مؤلف ولا مركب ممن يثبت له معنى الجسم كمن ذكره من الكرامية وممن ينفي عنه معنى الجسم كالكلابية وائمة الاشعرية ومع كل طائفة ممن يوافقها من الفقهاء والصوفية وغيرهم وان كان عامة اهل السنة وائمة الدين واهل الحديث لا يقولون هو جسم ولا يقولون ليس بجسم ولا هو نصها وهي ايضا مع من نقل عنه انه يصفه بالتركيب والتأليف والكلام عليها من وجوه # احدها ان يقال قد تقدم ان لفظ المنقسم لفظ مجمل بحسب الاصطلاحات فالمنقسم في اللغة العربية التي نزل بها القرآن هو ما فصل بعضه

عن بعض كقسمة الماء وغيره بين المشتركين كما قال الله تعالى ^ ونبئهم ان الماء قسمة بينهم ^ وقال تعالى ^ لكل باب منهم جزء مقسوم ^ وقال تعالى ^ اهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ^ وقال النبي صلى الله عليه وسلم انما انا قاسم أقسم بينكم وهذا هو حقيقة المقسوم بدليل صحة نفي اللفظ عما ليس كذلك كما في الحديث الصحيح قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم وكما في قوله ايما ميراث قسم في الجاهلية فهو على ما قسم وايما مال ادركه الاسلام فهو على قسم الاسلام وكما قال لا تقتسم ورثتي دينارا ولا درهما وتقول الفقهاء العقار اما ان يحتمل القسمة اولا يحتمل القسمة فان كان كالرحى الصغيرة والحانوت الصغير التي لا تحتمل ففي ثبوت الشفعة فيه نزاع مشهور بين الفقهاء وان كان يحتمل القسمة كالارض البيضاء الكبيرة ونحو ذلك ثبتت فيه الشفعة بالاتفاق وكذلك يقولون في باب القسمة ان المال اما ان يحتمل القسمة واما ان لا يحتملها فالذي لا يحتمل القسمة كالعبد الواحد والفرس الواحد وكالجوهرة والاناء الواحد ونحو ذلك # فهذه الباب باب القسمة وما فيه من المسائل كقولهم القسمة هل هي افراز الحقوق وتمييز الانصباء ام هي بيع وقولهم ما لا يمكن قسمته اذا طلب احد الشريكين بيعه ليقسم الثمن هل يجبر الآخر على البيع وقولهم اذا كان في القسمة ضرر على احد الشريكين فهل يجبر الممتنع فيها ونحو ذالك ومن ذلك قولهم في المضربة والغنيمة ونحوها هل يملك الربح او المغنم بالظهور اولا يملك الا بالقسمة وقولهم باب قسم الصدقة والغنائم والفيء وامثال ذلك مما لا يحصيه الا الله انما يريد الخاصة من العلماء والعامة من الناس بلفظ القسمة هنا تفصيل الشيء بعضه عن بعض بحيث يكون هذا في حيز وهذا في

حيز منفصل عنه ليتميز احدهما عن الآخر تميزا يمكن به التصرف في احدهما دون الآخر # واذا كان هذا المعنى هو الظاهر في لغة الناس وعاداتهم بلفظ القسمة فقوله بعد ذلك اما ان يكون منقسما او لا يكون يختار في المنازع جانب النفي فان الله ليس بمنقسم وليس هو شيئين او اشياء كل واحد منهما في حيز منفصل عن حيز الآخر كالاعيان المقسومة وما نعلم عاقلا يقول ذلك وما كان منقسما بهذا المعنى فهو اثبات كل منهما قائم بنفسه ولم يقل احد من الناس ان الله او ان خالق العالم هما اثنان متميزان كل منهما قائم بنفسه الا ما يحكي عن بعض الثانوية من قولهم ان اصل العالم النور والظلمة القديمان لكن هؤلاء لا يقولون بتساويهما في الصفات # وايضا فهؤلاء لا يسمون كلا منهما الله او رب العالمين ولا يسمون اثناهما باسم واحد فلم يقل احد من العقلاء ان مسمى الله او رب العالمين هو منقسم الانقسام المعروف في نظر الناس وهو ان يكون عينان لكل منهما حيز منفصل عن حيز الآخر # وايضا فلم يقل احد ان الله كان واحدا ثم انه انفصل وانقسم حتى صار بعضه في حيز فهذا المعنى المعروف من لفظ المنقسم منتف باتفاق العقلاء وهو مناف لان يكون رب العالمين واحدا منافاة ظاهرة ولكن لا يلزم من بطلان هذا بطلان مذهب المنازع الذي يقول ان الله واحد ليس هو اثنين منفصلين كل منهما في حيز منفصل عن حيز الآخر # وقد يريد بعض الناس بلفظ المنقسم ما يمكن الناس فصل بعضه عن

بعض وان كان في ذلك فساد تنهى عنه الشريعة كالحيوان الحي والاينة ونحو ذلك فإن اراد بلفظ المنقسم ذلك فلا ريب ان كثيرا من الاجسام ليس منقمسا بهذا الاعتبار فان بني آدم يعجزون عن قسمته فضلا عن ان يقال ان رب العالمين يقدر العباد على قسمته وتفريقه وتمزيقه وهذا واضح # وقد يراد بلفظ المنقسم ما يمكن في قدرة الله قسمته لكن العباد لا يقدرون على قسمته كالجبال وغيرها ومن المعلوم انه لا يجوز ان يقال ان الله يمكن قسمته وانه قادر على ذلك كما لا يجوز ان يقال انه يمكن عدمه او موته او نومه وانه قادر على ذلك فانه واحد لا اله الا هو وهذه القسمة تجعله اثنين منفصلين كل منهما في حيز آخر وهذا ممتنع على الله وذلك ظاهر ولا نزاع بين المسلمين بل بين العقلاء في ذلك وانما تنازع الناس في كثير من الاجسام هل يمكن قسمتها وتفريقها ام لا يمكن كأرواح بني آدم والملائكة بل كالعرش وغيره وقد خالف كثير من الفلاسفة للمسلمين في ان الافلاك تقبل الانقسام الذي هو تفريق لبعض الجسم عن بعض فاما الخالق تعالى فما علمنا احدا منهم يصفه بذلك ولو وصفه واصف بذلك لم يكن ما ذكره الرازي حجة على بطلان قوله كما سنذكره # وان كان غير منقسم لا بالمعنى الاول الذي هو وجود الانقسام المعروف ولا بالمعنى الثاني الذي هو امكان هذا الانقسام فقوله وان لم يكن غير منقسم كان في الصغر بمنزلة الجوهر الفرد ليس بلازم حينئذ فان ما يوصف بأنه واحد من الاجسام كقوله تعالى ^ وان كانت واحدة فلها النصف ^ وقوله ^ ذرني ومن خلقت وحيدا ^ ونحو ذلك جسم واحد ومتحيز واحد وهو

في جهة ومع ذلك ليس هو منقسما بالمعنى الاول فان المنقسم بالمعنى الاول لا يكون الا عددا اثنين فصاعدا كالماء اذا اقتسموه وكالاجزاء المقسومة التي لكل باب في جهنم جزء مقسوم واذا كان هذا فيما يقبل القسمة كالانسان والذي يقدر البشر على قسمته وما لا يقبل القسمة اولى بذلك وهذا ظاهر محسوس بديهي لا نزاع فيه فان احدا لم ينازع في ان الجسم العظيم الذي لم يفصل بعضه عن بعض فيجعل في حيزين منفصلين اولا يمكن ذلك فيه اذا وصف بأنه غير منقسم لم يلزم من ذلك ان يكون بقدر الجوهر الفرد بل قد يكون في غاية العظم والكبر # ولا ريب ان الرازي ونحوه ممن يحتج بمثل هذه الحجة لا يفسرون الانقسام بهذا الذي قررناه من فصل بعضه عن بعض بحيث يكون كل بعض حيزين منفصلين او امكان ذلك فيه فان احدا لم يقل ان الله منقسم بهذا الاعتبار ولا يلزم من كونه جسما او متحيزا او فوق العالم او غير ذلك ان يكون منقسما بهذا الاعتبار # وان قال اريد بالمنقسم ان ما في هذه الجهة منه غير ما في هذه الجهة كما نقول ان الشمس منقسمة بمعنى ان حاجبها الايمن غير حاجبها الايسر والفلك منقسم بمعنى ان ناحية القطب الشمالي غير ناحية القطب الجنوبي وهذا هو الذي اراده فهذا مما يتنازع الناس فيه # فيقال له قولك ان كان منقسما كان مركبا وقد تقدم ابطاله تقدم الجواب عن هذا الذي سميته مركبا وتبين انه لا حجة اصلا على امتناع ذلك بل تبين ان احالة ذلك تقتضي ابطال كل موجود ولولا انه احال على ما تقدم

لما احلنا عليه وتقدم بيان ما في لفظ التركيب والحيز والافتقار من الاحتمال وان المعنى الذي يقصدونه بذلك يجب ان يتصف به كل موجود سواء كان واجبا او ممكنا وان القول بامتناع ذلك يستلزم السفسطة المحضة وتبين ان كل احد يلزمه ان يقول بمثل هذا المعنى الذي سماه تركيبا حتى الفلاسفة وان هذا المنازع يقول مثل ذلك في تعدد الصفات وانه الزم الفلاسفة مثل ذلك # وقول من يقول من هؤلاء ما يكون منقسما او مركبا بهذا الاعتبار فانه لا يكون واحدا ولا يكون احدا فان الاحد هو الذي لا ينقسم خلاف لما جاء في كتاب الله وسنة رسوله ولغة العرب من تسمية الانسان واحدا كقوله ^ وان كانت واحدة فلها النصف ^ وقوله ^ ذرني ومن خلقت وحيدا ^ ونحو ذلك # وتحرير هذا المقام هو الذي يقطع الشغب والنزاع فان هذه الشبهة هي من اكبر او اكبر اصول المعطلة لصفات الرب بل المعطلة لذاته وهو عند التحقيق من افسد الخيالات ولكن لا حول ولا قوة الا بالله فان الاشراك قد ضل به كثير من الناس قال الخليل ^ واجنبني وبني ان نعبد الاصنام رب انهن اضللن كثيرا من الناس ^ واذا شرح الله صدر العبد للاسلام يتعجب غاية العجب ممن ضل عقله حتى اشرك كما روي ان بعض الناس قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما كان لهم عقول يعنى لمشركي قريش فقال النبي صلى الله عليه وسلم كانت لهم عقول امثال الجبال ولكن كادها باريها وروي ان خالد بن الوليد لما هدم العزى وكانت عند عرفات قال يا رسول الله عجبت من ابي ووعقله كان يجيء الى هذه العزى فيسجد لها وينسك لها ويحلق لها رأسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم تلك عقول كادها باريها ولهذا يعترف

المشركون بالضلال يوم القيامة كما قال تعالى ^ فكبكوا فيها هم والغاون وجنود ابليس اجمعون قالوا وهم فيها يختصمون تالله ان كنا لفي ضلال مبين اذ نسويكم برب العالمين وما اضلنا الا المجرمون ^ قال تعالى عن قوم عاد الذين كانوا من اعظم بني آدم ^ ولقد مكناهم فيما ان مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وابصارا وافئدة فما اعنى عنهم سمعهم ولا ابصارهم ولا افئدتهم من شيء اذ كانوا بجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كان به يستهزؤن ^ # وهذه الشبهة وان تنوعت عباراتها هي التي ذكر الائمة انهااصل كلام الجهمية كما ذكر ذلك الامام احمد حيث قال وكذلك الجهم وشيعته دعوا الناس الى المتشابه من القرآن والحديث فضلوا واضلوا بكلامهم بشرا كثيرا فكان مما بلغنا من امر الجهم عدو الله انه كان من اهل خراسان من اهل الترمذ وكان صاحب خصومات وكلام وكان اكثر كلامه في الله فلقي اناسا من المشركين يقال لهم السمنية فعرفوا الجهم فقالوا له نكلمك فان ظهرت حجتنا عليك دخلت في ديننا وان ظهرت حجتك علينا دخلنا في دينك فكان مما كلموا به الجهم ان قالوا الست تزعم ان لك الها قال جهم نعم فقالوا فهل رأيت الهك قال لا قالوا فهل سمعت كلامه قال لا قالوا افشممت له رائحة قال لا قالوا فوجدت له حسا قال لا قالوا فوجدت له مجسا قال لا قالوا فما يدريك انه اله فتحير الجهم فلم يدر من يعبد اربعين يوما ثم انه استدرك حجة مثل حجة زنادقة النصارى وذلك ان زنادقة النصارى يزعمون ان الروح التي في عيسى هو روح الله من ذات الله فإذا اراد ان يحدث امرا دخل في بعض خلقه فتكلم على لسان خلقه فيأمر بما شاء وينهى عما شاء وهو روح غائب عن الابصار فاستدرك الجهم حجة مثل هذه الحجة فقال للسمني الست تزعم ان فيك روحا قال نعم قال فهل رأيت روحك قال لا قال فهل سمعت كلامه قال لا

قال فهل وجدت له حسا او مجسا قال لا قال فكذلك الله لا يرى له وجه ولا يسمع له صوت ولا يشم له رائحة وهو غائب عن الابصار ولا يكون في مكان دون مكان # فهذا الذي حكاه الامام احمد من مناظرة السمنية المشركين للجهم هو كما ذكره اهل المقالات والكلام عنهم انهم لا يقرون من العلوم الا بالحسيات ولكن قد يقول بعض الناس انهم ارادوا بذلك ان مالا يدركه الانسان بحسه فانه لا يعلمه حتى يقولوا عنهم انهم ينكرون المتواترات والمجربات والبديهيات وهذا والله اعلم غلط عليهم # كما غلط هؤلاء في نقل مذهب السوفسطائية فزعموا ان فرقة من الناس تنكر وجود شيء من الحقائق ومن المعلوم ان امة يكون لهم عقل يفارقون به المجانين لا يقولون هذا ولكن قد تقع السفسطة في بعض الأمور يوفي بعض الأحوال وتكون كما فسرها بعض الناس أن السفسطه هي كلمة معربة واصلها يونانية سوفسقيا ومعناها الحكمة المموهة فان لفظ سوفيا يدل في لغتهم على الحكمة ولهذا يقولون فيلاسوف أي محب الحكمة فلما كان من القضايا ما يعلم بالبرهان ومنه ما يثبت بالقضايا المشهورة وبعضها يناظر فيه بالحجج المسلمة وبعضها تتخيله النفس وتشعر به فيحركها وان لم تكن صادقة وهي القضايا الشعرية ومنها ما يكون باطلا لكن يشبه الحق فهذه الحكمة المموهة هي المسماة بالسفسطة عند هؤلاء وقد تكلمنا على هذا في غير هذا الموضع

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:20 AM
فهؤلاء السمنية يكون قولهم ان ما لا يدرك بالحواس لا يكون له حقيقة ثم الرجل قد يعلم ذلك بحواسه وقد يعلم ذلك باخبار من علم ذلك بحواسه ويدل على ذلك ان هؤلاء قوم موجودون فالرجل منهم لابد ان يقر بوجود ابويه وجده وولادته وحوادث بلده الموجودة قبله وما يحتاج اليه من اخبار الناس والبلاد وهذه الامور كلها لا يعلمها احدهم الا بالخبر فانه لم يدرك بحسه ولادته واحبال ابيه لامه ونحو ذلك لكن المخبرون يعلمونها بالاحساس ولا يتصور ان يعيش في العالم امة يكذبون بكل ما لم يحسوه بل هذا يلزم ان بعضهم لا يزال غير مصدق لبعض في معاملاتهم واجتماعاتهم والانسان مدني بالطبع لا يعيش الا مع بني جنسه ومن لم يقر الا بما احسه لم يمكنه الاستعانة ببني جنسه في عامة مصالحه # واذا كان مقصودهم ان ما لا يحس به لم يكن موجودا كان من الجواب السديد لهم ان يقال لهم الهي سبحانه يمكن احساسه فتمكن رؤيته وسماع كلامه وقد كلم في الدنيا بعض خلقه وسوف يكلم عباده ويرونه في الدار الاخرة فان كانوا ينكرون العلم والاقرار بكل ما لا يحسه الانسان امكنه ان يقرر عليهم العلم بالخبريات والمجربات والبديهيات وغير ذلك وان كانوا يقولون ان كل موجود فلابد ان يمكن احساسه فهذا الذي قالوه هو مذهب الصفاتية كلهم الذين يقرون بأن الله يرى في الدار الاخرة وهو مذهب سلف الامة وائمتها لكنه هنا ضل فظن ان الله لا يمكن احساسه ولا رؤيته واحتاج حينئذ الى اثبات موجود لا يمكن احساسه فزعم ان روح بني آدم كذلك لا يمكن احساسها بشيء من الحواس وقاس وجود الله على وجود الروح من هذا الوجه

وهذه هي الطريقة التي سلكها هذا المؤسس في اول تأسيسه حيث اثبت وجود ما لا يكون داخل العالم ولا خارجه بما قال من قال من الفلاسفة وموافقيهم من المسلمين ان الروح الذي في بني آدم لا داخل العالم ولا خارجه ولا يمكن احساسها فقول جهم هو قول هؤلاء كما قال تعالى ^ وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله او تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم ^ وقال تعالى ^ ففروا الى الله اني لكم منه نذير مبين ولاتجعلوا مع الله إلها آخراني لكم منه نذير مبين كذلك ما اتى الذين من قبلهم من رسول الا قالوا ساحر او مجنون اتواصوا به بل هم قوم طاغون ^ وقال تعالى ^ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا ^ # قال الامام احمد ووجد الجهم ثلاث آيات من القرآن من المتشابه قوله ^ ليس كمثله شيء ^ ^ وهو الله في السموات وفي الارض ^ و ^ لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار ^ فبنى اصل كلامه على هؤلاء الآيات وتأول القرآن على غير تأويله وكذب بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وزعم ان من وصف الله بشيء مما وصف به نفسه في كتابه او حدث عنه رسوله كان كافرا وكان من المشبهة فأضل بكلامه بشرا كثيرا واتبعه على قوله رجال من اصحاب ابي حنيفة واصحاب عمرو بن عبيد بالبصرة ووضع دين الجهمية فاذا سألهم الناس عن قول الله ^ ليس كمثله شيء ^ يقولون ليس كمثله شيء من الاشياء وهو تحت الارضين السابعة كما هو على العرش ولا يخلو منه مكان دون مكان ولا يكون في مكان ولم يتكلم ولا يتكلم ولا ينظر اليه احد في الدنيا ولا في الآخرة ولا يوصف ولا يعرف بصفة ولا بفعل ولا له غاية ولا منتهى

ولا يدرك بعقل وهو وجه كله وهو علم كله وهو سمع كله وهو بصر كله وهو نور كله وهو قدرة كله لا يوصف بوصفين مختلفين وفي نسخة ولا يكون شيئين مختلفين وليس له اعلى ولا اسفل ولا نواحي ولا جوانب ولا يمين ولا شمال ولا هو ثقيل ولا خفيف ولا له لون وفي نسخة ولا له نور ولا له جسم وليس معلوم او معقول وكلما خطر على قلبك انه شيء تعرفه فهو على خلافه فقلنا هو شيء فقالوا هو شيء لا كالاشياء فقلنا ان الشيء الذي يكون لا كالاشياء قد عرف اهل العقل انه لا شيء فعند ذلك تبين للناس انهم لا يثبتون شيئا او قال لا يأتون بشيء ولكنهم بدفعون عن انفسهم الشنعة بما يقرون في العلانية فاذا قيل لهم من تعبدون قالوا نعبد من يدبر امر هذا الخلق فقلنا هذا الذي يدبر امر هذا الخلق هو مجهول لا يعرف بصفة قالوا نعم فقلنا قد عرف المسلمون انكم لا تثبتون شيئا او قال لا تأتون بشيء وانما تدفعون عن انفسكم الشنعة بما تظهرون فقلنا لهم هذا الذي يدبر هو الذي كلم موسى قالوا لم يتكلم ولا يكلم لان الكلام لا يكون الا بجارحة والجوارح عن الله منتفية فلما سمع الجاهل قولهم ظن انهم من اشد الناس تعظيما لله ولا يعلم انهم انما يقود قولهم الى ضلالة وكفر وفي نسخة انهم انما يقودون قولهم الى فرية في الله ثم ذكر احمد الكلام في مناظرتهم في القرآن والرؤية والصفات والعرش ونحو ذلك # وكان الائمة كالامام احمد والفضيل بن عياض وغيرهما اذا ارادوا ان يذكروا ما يستحقه الله من التنزيه ذكروا سورة الاخلاص التي تعدل ثلث القرآن وانها مستوفية كل ما ينفي في هذا الباب ولهذا لما ناظرت الجهمية

الامام احمد كأبي عيسى محمد بن عيسى برغوث وغيره من البصريين والبغداديين وذكروا الجسم وملازمة ذكر لهم احمد سورة الاخلاص فان ما فيها من التنزيه هو الحق دون ما ادخلوه في لفظ الجسم من الزيادات الباطلة # وذلك ان ما يذكرونه يدور على اصلين نفي التشبيه ونفي التجسيم الذي هو التركيب والتأليف ولهذا يذكر من العقائد التي يبغي فيها التنزيه الاعتقاد السليم من التشبيه والتجسيم فأصل كلامه كله يدور على ذلك ولا ريب انهم نزهوا الله بنفي هذين الامرين عن امور كثيرة بحسب تنزيهه عنها وما زادوه من التعطيل فانما قصدوا به التنزيه والتقديس وان كانوا في ذلك ضالين مضلين # وسورة الاخلاص تستوفي الحق من ذلك فان الله يقول ^ قل هو الله احد الله الصمد ^ وهذان الاسمان الاحد والصمد لم يذكرهما الله الا في هذه السورة وهما ينفيان عن الله ما هو متنزه عنه من التشبيه والتمثيل ومن التركيب والانقسام والتجسيم فان اسمه الاحد ينفي المثل والنظير كما تقدم الكلام على ذلك في ادلته السمعية وبينا ان الاحد في اسماء الله ينفي عنه ان يكون له مثل في شيء من الاشياء فهو احد في كل ما هو له واسمه الصمد ينفي عنه التفرق والانقسام والتمزق وما يتبع ذلك من تركيب ونحوه فإن اسم الصمد يدل على الاجتماع # وكذلك كل واحد من معنييه اللذين يتناولهما هذا الاسم وهو ان الصمد هو السيد الذي كمل سؤدده ويصمد اليه في الامور والصمد هو الذي

لا جوف له كما يقال الملائكة صمد والادمي اجوف والمصمت ضد الاجوف فان اسم السيد يقتضي الجمع والقوة ولهذا يقال السواد هو اللون الجامع للبصر والبياض اللون المفرق للبصر ويقال للحليم السيد لان نفسه تجتمع فلا تتفرق وتتميز من الغيظ والواردات عليها وكذلك هو الذي يصبر على الامور والصبر يقتضي الجمع والحبس والضم وضده الجزع الذي يقتضي التفرق وكذلك التعزي والتعزز وعززته فتعزى او هو لا يتعزى هو ضد الجزع فان التعزز والتعزي يقتضي الاجتماع والقوة والجزع يقتضي التفرق والضعف # والانسان له في في سؤدده وعزته حالان احدهما ان يستغني بنفسه عن غيره ويعز بنفسه عن غيره فلا يحتاج الى الغير الذي يحتاج اليه غيره لغناه و لا يخاف منه لعزته والثاني ان يكون هو قد احتاج اليه غيره ويكون قد اعز غيره فغلبه واعزه فمنعه فيكون الناس قد صمدوا له أي قصدوه واجمعوا له وهذا هو الصمد السيد وذلك انما يكون من كمال سؤدده وصمديته التي تنافي تفرقه وتمزقه وضعفه # ولفظ الصمد يدل على انه لا جوف له وعلى انه السيد ليس كما تقول طائفة من الناس ان الصمد في اللغة انما هو السيد ويتعجبون مما نقل عن الصحابة والتابعين من ان الصمد هو الذي لا جوف له فان اكثر الصحابة والتابعين فسروه بهذا وهم اعلم باللغة وبتفسير القرآن ودلالة اللفظ على هذا اظهر من دلالتها على السؤدد وذلك ان لفظ ص م د يدل على الاجتماع والانضمام المنافي للتفرق والخلو والتخويف كما يقال صمد المال وصمده وتصمد اذا حمعه وضم بعضه الى بعض ومنه في الاشتقاق الاكبر الصمت والمصمت فان التاء والدال اخوان متقاربان الى بعض في المخرج والاشتقاق الاكبر

هو ما يكون فيه الكلمتان قد اشتركت في جنس الحرف فالكلمتان اشتركت في الصاد والتاء والتاء والدال اخوان يقال صمت يصمت صماتا واصمت اصماتا وهو جمع وضم ينافي الانفتاح والتفريج ولهذا يقال للعظام ونحوها من الاجسام منها اجوف ومنها مصمت # فظهر ان اسمه الاحد يوجب تنزيهه عن ما يجب نفيه عنه من التشبيه ومماثلة غيره له في شيء من الاشياء واسمه الصمد يوجب تنزيهه عما يجب نفيه من الانقسام والتفرق ونحو ذلك مما ينافي كمال صمديته سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا # واما ما تزيده المعطلة على ذلك من نفي صفاته التي وصف بها نفسه التي يجعلون نفيها تنزيها واثباتها تشبيها ومن نفي حده وعلوه على عرشه وسائر صفاته التي وصف بها نفسه يجعلون نفيها تنزيها ويجعلون اثبات ذلك اثباتا لانقسامه وتفرقه الذي يسمونه تجسيما وتركيبا فهذا باطل # وليتدبر هذا المقام فانه من اعظم الاشياء منفعة في اعظم اصول الدين الذي جاءت به هذه السورة التي تعدل ثلث القرآن وفيه اعظم اضطراب الخلائق وكثر فيه تعارض الحجج وتفرق الطوائف واذا كانت هذه الشبهة ونحوها هي اصل ضلال الاولين والاخرين لما فيها من الالفاظ المشبهة المجملة كما قال الامام احمد في وصف الذين عقدوا الوية البدعة واطلقوا عنان الفتنة قال فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون على مفارقة الكتاب يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم فطريق حل مثلها وامثالها ما تقدم من الكلام على الالفاظ المتشابهة المجملة التي فيها والتي احدثوها وليس لها اصل في

كتب الله ولهذا كان هؤلاء من ^ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم ^ اذ السلطان هو كتاب الله فمن جادل بغير سلطان من الله كان ممن ذمه الله في الكتاب قال الله تعالى ^ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان اتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ^ وقال ^ ان الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم ان في صدورهم الا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله انه هو السميع البصير ^ فهذه الالفاظ المشتبهة متى استفسر عن معانيها وفصلت زال ما في حجتهم من الاشتباه وتبين انها حجة داحضة وان كان هؤلاء ممن قال الله فيهم ^ وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال ^ وقال تعالى ^ او يوبقهن بماكسبوا ويعفو عن كثير ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص ^ # الوجه الثاني ان قوله من ينفي الجوهر يقول ان كل ما كان يشار اليه بحسب الحس بانه ها هنا او هناك فلابد ان يتميز احد جانبيه عن الاخر وذلك يوجب كونه منقسما انما يريد هؤلاء بكونه منقسما انه يمكن ان يتميز في نفسه بعضه عن بعض او يتميز منه شيء عن شيء او العقل يميز منه شيئا من شيء وليس لهذا التميز حد يوقف عنده لا يقولون ان فيه انقساما غير هذا بل يقولون انه واحد في نفسه كما انه واحد في الحس ويقولون ان الجسم منقسم الى بسيط والى مركب واما مثبتوه فلهم قولان احدهما انه ايضا واحد في نفسه وفي الحس ولكن قسمته تنتهي الى حد والثاني الى ان فيه اجزاءا موجودة

فالمشار اليه بحسب الحس لا يفضي الى الامرين جميعا بل على ان كان منقسما كما ذكر لم يفض الى شيئين بل غايته ان يفضي الى ما ذكره من التركيب الذي تقدم الكلام عليه وان لم يكن منقسما وذلك عنده لا يكون الا على مثبتة الجوهر الفرد افضى الى ان يكون في غاية الحقارة وهذا الجوهر الفرد اما ان يكون منتفيا في نفس الامر واما ان يكون ثابتا فلا يقول العاقل ان رب العالمين بقدره فلم يبق ما يقال الا ما ذكره من الانقسام والتركيب وقد تقدم الكلام عليه وثبت انه لا يفضي الى هذين الامرين جميعا بل انما يفضي ان افضى الى احدهما فقط لكن يفضي الى هذا على تقدير والى هذا على تقدير آخر فظهر ان كونه مشارا اليه بالحس لا يفضي الى الامرين الذين ذكرهما وانما يفضي ان افضى الى احدهما # الوجه الثالث السؤال الذي اورده وهو انه لم لا يجوز ان يكون غير منقسم ويكون بقدر الجوهر الفرد بل يكون واحدا عظيما منزها عن التركيب والتأليف والانقسام وهذا ليس قول من ذكره من الكرامية فقط بل اذا كان هو قول من يقول انه فوق العرش وهو جسم فهو قول من يقول هو فوق العرش وليس بجسم بطربق الاولى والاحرى فان نفي التركيب والانقسام على القول بنفي الجسم أظهر من نفيه على القول بثبوت الجسم فاذا على ما ذكره هذا السؤال يورده على كل من يقول انه فوق العرش ويقول مع ذلك انه ليس بجسم وهذا قول الكلابية وائمة الاشعرية وطوائف لا يحصون من الفقهاء واهل الحيدث والصوفية من اصحاب ابي حنيفة ومالك والشافعي واحمد كالقاضي ابي يعلي وابي الوفاء ابن عقيل وابي الحسن ابن الزاغوني وغيرهم بل قد ذكر الاشعري ان هذا قول اهل السنة واصحاب الحديث فقال وقال اهل السنة واصحاب الحديث ليس بجسم ولا يشبه الاشياء

وانه على العرش وقد تقدم قوله في ذلك وقول غيره وهؤلاء طوائف عظيمة وهم اجل قدرا عند المسلمين ممن قال انه ليس على العرش # فان نفاة كونه على العرش لا يعرف فيهم الا من هو مأبون في عقله ودينه عند الامة وان كان قد تاب من ذلك بل غالبهم او عامتهم حصل منهم نوع ردة عن الاسلام وان كان منهم من عاد الى الاسلام كما ارتد عنه قديما شيخهم الاول الجهم بن صفوان وبقي اربعين يوما شاكا في ربه لا يقر بوجوده ولا يعبده وهذه ردة باتفاق المسلمين وكذلك ارتد هذا الرازي حين امر بالشرك وعبادة الكواكب والاصنام وصنف في ذلك كتابه المشهور وله غير ذلك بل من هو اجل منه من هؤلاء بقي مدة شاكا في ربه غير مقر بوجوده مدة حتى آمن بعد ذلك وهذا كثير عالب فيهم ولا ريب ان هذا ابعد العالمين عن العقل والدين فاذا كان نؤلاء لا يناظرون ويخاطبون ويستعد لرد قولهم الباطل لما احتيج الى ذلك فالذين هم اولى بالعقل والدين اولى منهم بذلك # ونحن نورد من كلامهم ما يتبين به ان جانبهم اقوى من جانب النفاة وليس لنا غرض في تقرير ما جمعوه من النفي والاثبات في هذا المقام بل نبين انهم في ذلك احسن حالا من نفاة انه على العرش فيما جمعوه من النفي والاثبات وقد اجاب هؤلاء عما الزمهم النفاة من التجسيم الذي هو التركيب والانقسام كقول القاضي ابي بكر # فان قيل فما الدليل على ان لله وجها ويدا قيل قوله ^ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ^ وقوله ^ ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي ^ فاثبت لنفسه وجها ويدا

# فإن قال فما انكرتم ان يكون وجهه ويده جارحة اذ كنتم لا تعقلون وجها ويدا الا جارحة قلنا لا يجب هذا كما لا يجب اذا لم يعقل حيا عالما قادرا الا جسما ان نقضي نحن وانتم بذلك على الله ولا يجب في كل شيء كان قائما بذاته ان يكون جوهرا لانا واياكم لم نجد قائما بنفسه في شاهدنا الا كذلك قال وكذلك الجواب لهم ان قالوا فيجب ان يكون علمه وحياته وكلامه وسمعه وبصره وسائر صفاته عرضا واعتلوا بالوجود # فإن قال قائل اتقولون انه في كل مكان قيل له معاذ الله بل هو مستو على عرشه كما اخبر في كتابه فقال ^ الرحمن على العرش استوى ^ وقال ^ اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ^ وقال ^ اامنتم من في السماء ان يخسف بكم الارض فاذا هي تمور ^ قال ولو كان في كل مكان لكان في بطن الانسان وفمه والحشوش والمواضع التي يرغب عن ذكرها ولوجب ان يزيد بزيادة الاماكن اذا خلق منها ما لم يكن وينقص بنقصانها اذا بطل منها ما كان ويصح ان يرغب اليه الى نحو الارض والى خلفنا والى يميننا والى شمالنا وهذا قد اجمع المسلمون على خلافه وتخطئة قائله # وقال ابو الحسن الاشعري يقال لهم ما انكرتم ان يكون الله عنى بقوله ^ يدي ^ يدين ليستا نعمتين قان قالوا لان اليدين اذا لم يكن نعمة لم يكن الا جارحة فان قالوا رجعنا الى المشاهد والى ما نجد فيما بيننا مخلوقا فوجدنا ذلك اذا لم يكن نعمة في الشاهد لم يكن الا جارحة قيل لهم ان كان رجوعكم الى الشاهد وعليه عملتم وبه قضيتم على الله عز وجل فكذلك لم تجدوا حيا من الخلق الا جسما لحما ودما فاقضوا بذلك علىربكم والا كنتم لقولكم تاركين ولاعتلالكم ناقصين وان قلتم حيا لا كالاحياء فلم انكرتم ان يكون

اليدان اللتان اخبر الله عنهما يدين ليستا نعمتين ولا جارحتين ولا كالايدي وكذلك يقال لهم لم تجدوا قديرا حكيما ليس كالانسان وخالفتم الشاهد فيه فقد نقضتم اعتلالكم فلا تمنعوا من اثبات يدين ليستا نعمتين ولا جارحتين من اجل ان ذلك خلاف الشاهد # الوجه الرابع قوله عن المنازع لم لا يجوز ان يقال انه تعالى واحد منزه عن التأليف والتركيب ومع كونه كذلك فانه يكون عظيما # قوله والعظيم يجب ان يكون مركبا منقسما وذلك ينافي كونه واحدا قلنا سلمنا ان العظيم يجب ان يكون منقسما في الشاهد فلم قلتم انه يجب ان يكون في الغائب كذلك فان قياس الغائب على الشاهد من غير جامع باطل # والجواب عن الاول ان نقول انه اذا كان عظيما فلابد وان يكون منقسما وليس هذا من باب قياس الغائب على الشاهد بل هذا بناء على البرهان القطعي وذلك لانا اذا اشرنا الى نقطة لا تنقسم فاما ان يحصل فوقها شيء آخر او لا يحصل فان حصل فوقها شيء آخر كان ذلك الفوقاني مغايرا له اذ لو جاز ان يقال ان هذا المشار اليه عينه لا غيره جاز ان يقال هذا الجزء غير ذلك الجزء فيفضي الى تجويز ان الجبل شيء واحد

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:20 AM
# يقال له هؤلاء قد يقولون لا هو عينه ولا هو غيره كما عرف في اصولهم ان غير الشيء ما جاز مفارقته له وان صفة الموصوف وبعض الكل لا هو هو ولا هو غيره فطائفة هذا المؤسس هم ممن يقولون بذلك وحينئذ فلا يلزم اذا لم يكن عينه ان يكون مغايرا له ولا يفضي الى تجويز ان الجبل شيء واحد واذا جاز ان يقولوا ان الموصوف الذي له صفات متعددة هو واحد غير متكثر ولا مركب ولا ينقسم جاز ايضا ان يقال ان الذي له قدر هو واحد غير متكثر ولا مركب ولا ينقسم وان كان في الموضعين يمكن ان يشار الى شيء منه ولا يكون المشار هو عين الآخر # فان قيل فهذا يقتضي ان يكون كل جسم غير مركب ولا منقسم والغرض في هذا السؤال خلافه فان هذا السؤال فرق فيه بين العظيم الشاهد والعظيم الغائب وان الشاهد منقسم بخلاف الغائب # قيل هذا الجواب هو مبني على ان غير الشيء ما جاز مفارقته له وكل مخلوق فان الله سبحانه قادر على ان يفرق بعضه عن بعض واذا جاز مفارقة بعضه لبعض جاز ان يكون مغايرا لبعض كما ان علمه وقدرته لما كان قيامه به جائزا لا واجبا كان عرضا أي عارضا للموصوف لا لازما والرب تعالى لا يجوز ان يفارقه شيء من صفاته الذاتية ولا يجوز ان يتفرق بل هو واحد صمد واذا كان كذلك لم يلزم عند هؤلاء ان يكون بعضه مغايرا لبعض كما اصلوه # الوجه الخامس انهم قد الزموا المنازع مثلما ذكره وقالوا اذا كان حيا عالما قادرا ولم يعقل في الشاهد من يكون كذلك الا جسما منقسما مركبا وقد اثبته المنازع حيا علاما قادرا ليس بجسم منقسم مركب فكذلك يجوز ان يكون اذا كان عظيما وكبيرا وعليا ولم يعقل في الشاهد عظيم وكبير وعلي

الا ما هو جسم مركب منقسم لم يجب ان يكون جسما مركبا منقسما الا اذا كان وجب ان يكون كل حي عليم قدير جسما مركبا منقسما # وكذلك يقولون لمن يقول ان حياته وعلمه وقدرته اعراض وكذلك يقول هؤلاء لمن يسلم اثبات الصفات فيقال اذا كان القائم بغيره من الحياة والعلم والقدرة وان شارك سائر الصفات في هذه الخصائص ولم يكن عندك عرضا فكذلك القائم بنفسه وان شارك غيره من القائمين بأنفسهم فيما ذكرته لم يجب ان يكون جسما مركبا منقسما ولا فرق بين البابين بحال فان المعلوم من القائم بنفسه انه جسم ومن القائم بغيره انه عرض وان القائم بنفسه لا بد ان يتميز منه شيء عن شيء والقائم بغيره لابد ان يحتاج الى محله فاذااثبت قائما بغيره يخالف ما علم من حال القائم بنفسه في ذلك فكذلك لزمه ان يثبت قائما بنفسه يخالف ما علم من حال القائمين بأنفسهم # وجماع الامر انه سبحانه قائم بنفسه متميز عن غيره وله اسماء وهو موصوف بصفات فان كان كونه عظيما وكبيرا موجبا لان يكون كغيره من العظماء الكبراء في وجوب الانقسام الممتنع عله فكذلك كونه حيا عالما قادرا وله حياة وعلم وقدرة # وسنتكلم على قوله ان هذا ليس من باب قياس الشاهد على الغائب # واما ما ذكره من التقسيم فيقال له في الوجه السادس ان ما ذكرته من التقسيم يرد نظيره في كل ما يثبت للرب فانه يقال اذا اشرنا الى صفة او معنى او حكم كعلمه وقدرته او عالميته وقادريته او وجوبه ووجوده او كونه عاقلا ومعقولا وعقلا ونحو ذلك فاما ان تكون الصفة او المعنى والحكم الاخر هو اياه او هو غيره فان كان هو اياه لزم ان يكون كونه

حيا هو كونه عالما وكونه عالما هو كونه قادرا وكونه موجودا هو كونه فاعلا وكونه فاعلا هو كونه عاقلا ومعقولا وعقلا وهذا يفضي الى تجويز جعل المعاني المختلفة معنى واحدا وان يكون كل عرض وصفة قامت بموصوف صفة واحدة وهذا شك في البديهيات فهذا نظير ما الزموه للمنازع فانه يجب الاعتراف بثبوت معنيين ليس المفهوم من احدهما هو المفهوم الاخر وهذا قد قررناه فيما تقدم فان كان ثبوت هذه المعاني يستلزم التركيب والانقسام كان ذلك لازما على كل تقدير وان لم يكن مستلزما للتركيب والانقسام لم يكن ما ذكره مستلزما للتركيب والانقسام فان مدار الامر على ثبوت شيئين ليس احدهما هو الآخر وهذا موجود في موضعين # وهذا يتقرر بالوجه السابع وهو ان يقال المراد بالغيرين اما ان يكونا ما يجوز وجود احدهما دون الاخر او ما يجوز العلم بأحدهما دون الاخر # فان كان المراد بالغيرين هو الاول لم يجب ان يكون ما فوق المشار اليه غيره الا اذا جاز وجود احدهما دون الاخر وهذا ممتنع في حق الله تعالى بالاتفاق وبأنه واجب الوجود بنفسه على ما هو عليه كماهو مقرر في موضعه # ثم قد يقال في سائر المعاني انه يجوز وجود احدهما دون الاخر فيجوز حصول الوجود دون الوجوب او دون الفاعلية او دون العلم والعناية ودون كونه حيا عالما قادرا ونحو ذلك # وان كان المراد بالغيرين ما جاز العلم بأحدهما دون الاخر كالاحساس بأحدهما دون الآخر كما ذكره في جواز الاشارة الى نقطة دون ما فوقها فيقال لا ريب

في جواز العلم ببعض المعاني الثابتة لله دون الآخر كما قد يعلم وجوده دون وجوبه ويعلم وجوبه دون كونه فاعلا وبعلم ذلك دون العلم بكونه حيا او عالما او قادرا او غير ذلك واذا كانت المغايرة ثابتة بهذا المعنى على كل تقدير وعند كل احد ولا يصح وجود موجود الا بها وان كان واحدا محضا كان بعد هذا تسمية ذلك تركيبا او تأليفا او غير تركيب ولا تأليف نزاعا لفظيا لا يقدح في المقصود # الوجه الثامن ان يقال اصطلاح هؤلاء اجود فانه اذا ثبت ان الموجودات تنقسم الى مفرد ومؤلف او الى بسيط ومركب او الى واحد وعدد علم ان في الموجودات ما ليس بمركب ولا مؤلف ولا عدد وهذه المعاني لا يخلو منها شيء من الموجودات فعلم ان هذه المعاني لا تنافي كون الشيء واحدا ومفردا فيما اذا كان مخلوقا فكيف ينافي كون الخالق واحدا فردا غير مركب ولا مؤلف فهذا الاعتبار المعروف الذي فطر الله عليه عباده # يوضح هذا ما قد قدمنا ان اسمه الاحد ينفي ان يكون له مثل في شيء من الاشياء فهو ينفي التشبيه الباطل واسمه الصمد ينفي ان يجوز عليه التفرق والانقسام وما في ذلك من التركيب والتجسد وذلك لانه سبحانه وصف نفسه بالصمدية كما وصف بالاحدية وهو سبحانه ^ ليس كمثله شيء ^ في جميع صفاته بل هو كامل في جميع نعوته كما لا يشبهه فيه شيء فهو كامل الصمدية كما انه كامل الاحدية والواحد من الخلق قد يوصف بأنه واحد كما قال ^ وان كانت واحدة ^ وكما قال ^ ذرني ومن خلقت وحيدا ^ ويوصف بالاحد مقيدا ومنفيا كقوله ^ فخذ احدنا مكانه ^ ^ واذا بشر احدهم بالانثى ^ ^ ولم يكن له كفوا احد ^ ويوصف ايضا بالصمدية كما قال يحيى بن ابي كثير الملائكة

صمد والآدميون جوف وكما قال الشاعر % الا بكر الناعي بخير بني اسد % بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد %
# وكما قال % فأنت السيد الصمد %
# وكذلك لما في العبد من معنى الوحدة ومعنى الصمدية مع انه جسم من الاجسام فعلم ان كون الموجود جسما لا يمنع ان يكون واحدا وان يكون احد الاجسام وان يكون صمدا كما ان كونه جسما لا يمنع ان يكون حيا عالما قادرا لكن العبد ليس له الكمال الذي يستحقه الله في شيء من صفاته ولا قريب من ذلك فالله تعالى اذا وصف بأنه واحد صمد عالم قادر كان في ذلك على غاية الكمال الذي لا يماثله في شيء منه شيء من الاشياء لكن اذا كان ما ذكروه من المعاني التي يجعلونه كثرة وعددا وتركيبا هي ثابته لكل موجود وذلك لا يمنع ان يكون المخلوق واحدا فكيف يمنع ذلك ان يكون الاله الذي ليس كمثله شيء احدا # وذلك يظهر بالوجه التاسع وهو ان هذه المعاني التي تعلم القلب ان احدها ليس هو الاخر امر لابد منه كما قد علم على كل تقدير ونفي هذه نفي لكل موجود وهي غاية السفسطة ونهايته وذلك يجمع كل كفر وضلال ويخالف كل حس وعقل فهذا التميز ان اوجب ان تكون الحقيقة في نفسها فيها نوع من تميز لم يكن هذا منافيا لما هو الواجب والواقع من الوحدانية فان ذلك اذا لم

ينف ان يكون كثير من المخلوقات واحدا فأن لا ينفي ذلك في الخالق اولى واحرى مع ان احديته لها من الخصائص ما لا يجوز مثله لشيء من المخلوقات فانه لا مثل له في شيء من الاشياء واما غيره فله الامثال قال تعالى ^ ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ^ قالوا فتعلمون ان خالق الازواج واحد # وان قيل كما يقوله بعض الناس ان هذا الامتياز والتعدد الذهني لا يوجب ان يكون كذلك في الخارج وجعلوا هذا مثل الاتحاد الذي في المعاني الكلية فانه كما ان الذهن يدرك انسانية واحدة وجسما واحدا كليا عاما او مطلقا يطابق الافراد الموجودة في الخارج ومع انه ليس في الخارج شيء الا موجود بعينه لا يوجد فيها ما هو كلي عام ولكن لما بين الحقائق من التشابه والتماثل يوجد في هذا نظير ما يوجد في هذا فهو هو باعتبار النوع لا باعتبار العين بل هو نظيره باعتبار العين فاذا كان هذا التشبيه والتمثيل الموجود في الخارج اوجب للذهن ادراك معنى عام كلي يجمع الامرين وان لم يكن ذلك في الخارج عاما كليا فكذلك ما يوجد في العين الوحدة فيما يظن انه اجزاء كيف او كم قد يقال الذهن هو الذي يفرق تلك ويميز بعضها عن بعض والا فهي في نفسها واحدة لا تعدد فيها ولا تكثر ولا تركيب فالذهن هو الذي يأخذ الشيء الواحد فيفصله ويركبه بعد التفصيل كما انه هو الذي يأخذ الشيئين فيمثل احدهما بالآخر ويجعلهما واحدا بعد التمثيل

فما يدرك من التشبيه والتمثيل الذي يعود الى معنى عام كلي يشتر كان فيه وما يذكر من الاجزاء والصفات الذي يعود الى معان تتميز في الذهن فيركبها ويؤلفها هو الذي عليه مدار باب التشبيه والتمثيل وباب التجسيم الذي هو التركيب وفي احدهما يجعل الذهن العدد واحدا وفي الآخر يجعل الواحد عددا لكن باعتبارين صحيحين لا يخالف ما هو عليه الحقيقة في نفس الامر ولهذا تغلط الاذهان هنا كثيرا لان بين ما في الاذهان وما في الاعيان مناسبة ومطابقة ومن وجه هو مطابقة العلم للمعلوم وهو ان ما في النفس من العلم ليس مساويا للحقيقة الخارجة فلاجل ما بينهما من الائتلاف والاختلاف كثر بين الناس الائتلاف والاختلاف ومن فهم ما يجتمعان فيه ويفترقان زاحت عنه الشبهات في هذه المحارات # والغرض في هذا الوجه ان الذي يقال في مواقع الاجماع بين الخلائق التي لا بد من اثبات شيء منها لكل عاقل في كل موجود يقال في مواقع النزاع بين مثبتة الصفات ونفاتها ولهذا يقال ما من احد ينفي صفة من الصفات التي وردت بها النصوص او يتأولها على خلاف مفهومها فرارا من محذور ينفيه الا ويلزمه فيما اثبته نظير ما فر منه فيما نفاه فسبحان من لا ملجأ منه الا اليه اللهم انا نعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك ونعوذ بك منك لا نحصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك # وهذا القدر وان كان فيه رد على الطائفتين فيما نفته بغير حق فلا يضر في هذا المقام فان المقصود هنا حاصل به وهو ان هؤلاء المثبتة لعلو الله على عرشه مع نفيهم ما ينفونه يلزمون نفاة العلو على العرش بأعظم مما يلزمونهم به

# الوجه العاشر قوله ان نقول اذا كان عظيما فلابد وان يكون منقسما وليس هذا من باب قياس الغائب على الشاهد بل بناء على البرهان القطعي وهو ما ذكره من التقسيم # فيقال له كل برهان قطعي يستعملونه في حق الله فلا بد وان يتضمن نوعا من قياس الغائب على الشاهد فانهم انما يمكنهم استعمال القياس الشمولي الذي هو القياس المنطقي الذي لابد فيه من قضية كلية سواء كانت القضية جزائية حملية او كانت شرطية متصلة تلازمية او كانت شرطية منفصلة عنادية تقسيمية فانه اذا قيل الواحد لا يصدر عنه الا واحد وقيل لو كان مشارا اليه بالحس لكان اما منقسما او غير منقسم او لو كان فوق العرش لكان اما كذا واما كذا او لو كان جسما او غير ذلك فلابد في جيمع ذلك من قضية كلية وهو ان كل واحد بهذه المثابة وان كل ما كان مشارا اليه بالحس لا يخرج عن القسمين وان كل ما كان فوق شيء فاما ان يكون كذا وكذا ولابد ان يدخلوا الله تعالى في هذه القضايا العامة الكلية ويحكمون عليه حينئذ بما يحكمون به على سائر الافراد الداخلة في تلك القضية ويشركون بينها وبينه في ذلك ومشاركته لتلك الافراد في ذلك الحكم المطلق والمعلق على شرط ومشابهته لها في ذلك هو القياس بعينه # ولهذا لما تنازع الناس في مسمى القياس فقيل قياس الشمول احق بذلك من قياس التمثيل كما يقوله ابن حزم وطائفة وقيل بل قياس التمثيل احق باسم القياس من قياس الشمول كما يقوله ابو حامد وابو محمد

المقدسي وطائفة وقيل بل اسم القياس يتناول القسمين جميعا حقيقة كان هذا القول اصوب فما من احد يقيس غائبا بشاهد الا ولابد ان يدخلهما في معنى عام كلي كما في سائر اقيسة التمثيل وما من احد يدخل الغائب والشاهد في قياس شمول تحت قضية كلية الا ولابد ان يشرك بينهما ويشبه احدهما بالآخر في ذلك # فقول القائل لو كان عظيما مشارا اليه لكان منقسما لانا لا نعلم عظيما الا كذلك اولا نعقل عظيما الا كذلك هو كقوله لان كل عظيم فاذا اشرنا فيه الى نقظة فاما ان تكون هي ما فوقها وتحتها اولا تكون هي ذلك فانه من الموضعين لابد ان يتصور عظيما مطلقا مشارا اليه ويشرك بين العظيم الشاهد المشار اليه والعظيم الغائب المشار اليه في ذلك لكن قوله لا يعقل ابلغ من قوله لا نعلم او لم نشهد لان قوله لم نعلم او لم نشهد انما ينفي ما قد علمه وشهده دون ما لم يعلمه ويشهده بعد وقوله لا يعقل ينفي ان يكون معقولا في وقت من الاوقات ومتى لم يعقل العظيم المشار اليه الا كذلك فالبرهان الشمولي انما هو بناء على ما تصوره المستدل به وعقله من معنى العظيم المشار اليه فان فرضية النقطة في ذلك العظيم المشار اليه وقوله اما ان تكون هي الاخرى اولا تكون انما فرض ذلك وقدره فيما عقله وعلمه وارتسم في ذهنه وهو الذي يعقله من معنى العظيم المشار اليه فان جاز ان يثبت الغائب على خلاف ما يعقل بطل هذا البرهان وكان لمنازعه ان يثبت واحدا عظيما مشارا اليه منزها عن التركيب وان كان ذلك على خلاف

ما يعقل من معنى العظيم المشار اليه وان كان لا يثبت الغائب الا على ما يعقل من معنى العظيم المشار اليه بطلت مقدمة الكتاب وبطل قوله باثبات موجود لا داخل العالم ولا خارجه وباثبات موجودين ليس احدهما متصلا بالآخر ولا منفصلا عنه # وهذا كلام في غاية الانصاف لمن فهمه فإنا لم نقل ان هذا البرهان باطل لكن قلنا صحة مثل هذا البرهان مستلزم صحة مذهب المنازع الذي يقول انه خارج العالم ويمتنع وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه فان كان البرهان صحيحا صح قوله انه فوق العرش وان كان البرهان باطلا لم يدل على انه ليس فوق العرش # وهذا يتقرر بالوجه الحادي عشر وهو ان يقال ما قاله المنازع في مقدمة الكتاب مثل قوله الانسان اذا تأمل في احوال الاجرام السفلية والعلوية وتأمل في صفاتها فذلك له قانون فاذا اراد ان ينتقل منها الى معرفة الربوبية وجب ان يستحدث لنفسه فطرة اخرى ومنهجا آخر وعقلا آخر بخلاف العقل الذي اهتدى به الى معرفة الجسمانيات وتقريره لما ذكره عن معلم الصابئة المبدلين ارسطو حيث قال من اراد ان يشرع من المعارف الالهية فليستحدث لنفسه فطرة اخرى # فيقال له قولك اذا اشرنا الى نقطة لا تنقسم فاما ان يحصل فوقها شيء آخر اولا يحصل هذا هو العقل الذي يهتدي به الى معرفة الجسمانيات

فان الكلام في النقطة والخط وما يتبع ذلك من علم الهندسة وهو متعلق بمقادير الاجسام فان كان مثل هذا الدليل حقا في امر الربوبية بطلت تلك المقدمة التي قررت فيها انه لا ينظر في الامور الالهية بالعقل الذي به تعرف الجسمانيات واذا بطلت صح قول منازعك وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه ممتنع ومتى بطلت كان قول منازعك معلوما بالبديهة والفطرة الضرورية التي لا معارض لها حيث لم يعلم فسادها الا اذا بطل حكم العقل الذي يه تعرف الجسمانيات في امر الربوبية وان كان هذا الدليل لما انه متعلق بالجسمانيات لا يجوز الاستدلال بمثله في امر الربوبية فقد بطل هذا الدليل ولم يكن لك طريق الى فساد قول من يقول انه فوق العالم وفوق العرش وانه مع ذلك ليس بمركب ولا مؤلف او يقول ليس بجسم كما ذكرنا القولين فيما تقدم # يوضع ذلك الوجه الثاني عشر وهو ان علوه وكونه فوق العرش هو صفة من صفاته سبحانه وتعالى والعلم والقول في صفات الموصوف يتبع العلم والقول في ذاته فان كان مثل هذا الدليل حجة في صفاته نفيا واثباتا كان حجة مثله حجة في ذاته نفيا واثباتا لان العلم بالصفة بدون العلم بالموصوف محال # فاذا قال لو كان فوق العرش لكان منقسما مركبا مؤلفا فانما هوحكم على ذاته بانها لا تكون فوق العرش الا اذا كانت منقسمه مركبة مؤلفة والعلم بذلك ليس اظهر في العقل من العلم بانه اذا كان موجودا لم يكن الا داخل العالم او خارجه فان جميع ما ذكره من الحجج في معارضة قولهم اذا كان

موجودا اما ان يكون داخل العالم واما ان يكون خارجه هو بعينه يقال في قوله اذا كان فوق العرش مشارا اليه فاما ان يكون منقسما واما ان يكون حقيرا # بل تلك يقال فيها انا نعلم بالاضطرار انه فوق العالم ونعلم بالاضطرار انه يمتنع ان يكون لا داخل العالم ولا خارجه ولا يشار اليه فهاتان قضيتان معينتان ونعلم بالاضطرار ان الموجودين فاما ان يكون احدهما داخلا في الآخر بحيث هو كالعرض في الجسم واما ان يكون مباينا عنه ونعلم بالاضطرار وجود موجود لا يكون داخلا في الآخر ولا خارجا عنه بحال فهذان علمان عامان مطلقان # فان جاز دفع هذه بأن يقال حقيقة الرب على خلاف ما يعقل من الحقائق وامره ثابت على حكم الحس والخيال فقول القائل اذا كان فوق العرش فاما ان يكون منقسما مركبا واما ان يكون بقدر الجوهر الفرد اولى بالدفع بأن يقال حقيقة الرب على خلاف ما يعقل من الحقائق وامره ثابت على خلاف حكم الحس والخيال وكون الشيء الذي فوق غيره والذي يشار اليه بالحس لابد ان يكون منقسما او حقيرا هو من حكم الحس والخيال قطعا # يقرر ذلك الوجه الثالث عشر وهو انك وسائر الصفاتية تثبتون رؤية الرب بالابصار كما تواترت بذلك النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم انك وطائفة معك تقولون انه يرى لافي جهة ولا مقابلا للرائي ولا فوقه ولا في شيء من جهاته الست وجمهور عقلاء بنى آدم من مثبتة الصفاتية ونفاتها يقولون ان فساد هذا معلوم بالبديهة والحس ومن المعلوم ان كونه فوق العرش غير منقسم ولا حقير اظهر في العقل من كونه مرئيا بالابصار لا في شيء من الجهات الست فان هذا مبني

على اصلين كلاهما تدفعه بديهية العقل والفطرة احدهما اثبات موجود لا في شيء من الجهات ولا داخل العالم ولا خارجه ولهذا كان عامة السليمي الفطرة على انكار ذلك والثاني اثبات رؤية هذا بالابصار فان هذا يخالفك فيه من وافقك على الاول فان كونه موجودا ايسر من كونه مرئيا فاذا كنت تجوز رؤية شيء بالابصار لا مقابل للرائي ولا في شيء من جهاته الست فكيف تنكر وجود موجود فوق العالم وليس بمركب ولا بجزء حقير وهو انما فيه اثبات وجوده على خلاف الموجود المعتاد من بعض الوجوه وذاك فيه اثباته على خلاف الموجود المعتاد من وجوه اعظم من ذلك # ودليل ذلك ان جميع فطر بني آدم السليمة تنكر ذلك اعظم من انكار هذا وان المخالفين لك في ذلك اعظم من المخالفين لك في هذا فان كون الرب فوق العالم اظهر في فطر الاولين والاخرين من كونه يرى بل العلم بالرؤية عند كثير من المحققين انما هو سمعي محض اما العلم بأنه فوق العالم فانه فطري بديهي معلوم بالادلة العقلية واما دلالة النصوص عليه فلا يحصيها الا الله # وما وقع في هذا من الغلط يكشفه الوجه الرابع عشر هو ان معرفة القلوب واقرارها بفطرة الله التي فطرها عليها ان ربها فوق العالم ودلالة الكتاب والسنة على ذلك وظهور ذلك في خاصة الامة وعامتها وكلام السلف في ذلك اعظم من كونه تعالى يرى بالابصار يوم القيامة او ان رؤيته بالابصار جائزه # ويشهد لهذا ان الجهمية اول ما ظهروا في الاسلام في اوائل المأة الثانية وكان حقيقة قولهم في الباطن تعطيل هذه الصفات كلها كما ذكر ذلك الائمة لا يصفونه الا بالسلوب المحضة التي لا تنطبق الا على المعدوم وقد ذكر هذا المؤسس ان جهما ينفي الاسماء كلها ان تكون معانيها ثابتة لله تعالى

وكانوا في الباطن ينكرون ان يرى او ان يتكلم بالقرآن او غيره او يكون فوق العرش او ان يكون موصوفا بالصفات التي جاءت بها الكتب وعلمت بدليل من الدلائل العقلية وغيرها لكن ما كانوا يظهرون من قولهم للناس الا ما هو ابعد ان يكون معروفا مستيقنا من الدين عند العامة والخاصة واقرب الى ان يكون فيه شبهة ولهم فيه حجة ويكونون فيه اقل مخالفة لما يعلمه الناس من الحجج الفطرية والشرعية والقياسية وغير ذلك # وهذا شأن كل من اراد ان يظهر خلاف ما عليه امة من الامم من الحق انما يأتيهم بالاسهل الاقرب الى موافقتهم فان شياطين الانس والجن لا يأتون ابتداءا ينقضون الاصول العظيمة الظاهرة فانهم لا يتمكنون # ومما عليه العلماء ان مبدأ الرفض كان من الزنادقة المنافقين ومبدأ التجهم كان من الزنادقة المنافقين بخلاف رأي الخوارج والقدرية فانه انما كان من قوم فيهم ايمان لكن جهلوا وضلوا # ولهذا لما نبغت القرامطه الباطنية وهم يتظاهرون بالتجهم والرفض جميعا وهم في الباطن من اعظم بني آدم كفرا والحادا حتى صار شعارهم الملاحدة عند الخاص والعام وهم كافرون بما جاءت به الرسل مطلقا ومن اعظم الناس منافقة لجميع الناس من اهل الملل المسلمين واليهود النصارى وغير اهل الملل وضعوا الرأي الذي لهم والتدبير على سبع درجات سمو آخرها البلاغ الاكبر والناموس الاعظم وكان من وصيتهم لدعاتهم ان المسلمين اذا اتيتهم فلا تأت هؤلاء الذين يقولون الكتاب والسنة فانهم صعاب عليك لا يستجيبون لك

ولكن ائتهم من جهة التشيع فاظهر الموالاة لآل محمد والتعظيم لهم والانتصار لهم والمعادات لمن ظلمهم واذكر من ظلم الاولين لهم ما امكن فان ذلك يوجب ان يستجيب لك خلق عظيم وبذلك يمكنك القدح في دينهم اخيرا ثم ذكر درجات دعوته درجة درجة كيف تدرج الناس فيها بحسب استعدادهم وموافقتهم له ما يطول وصفه هنا # وانما الغرض التنبيه على ان دعاة الباطل المخالفين لما جاءت به الرسل يتدرجون من الاسهل الاقرب الى موافقة الناس الى ان ينتهوا الى هدم الدين وهذا مما يفعله بعض اهل الحق ايضا في دعوة الناس الى الحق شيئا بعد شيء بحسب ما تقتضيه الشريعة وما يناسب حاله وحال اصحابه # واذا كان كذلك فالجهمية الذين كان باطن امرهم السلب والتعطيل لما نبغوا لم يكونوا يظهرون للناس الا ما هو اقل انكارا عليهم فاظهروا القول بان القرآن مخلوق واظهروا القول بأن الله لا يرى وكانت مسألة القرآن عندهم اقوى ولهذا افسدوا من افسدوه من ولاة الامور في امارة ابي العباس الملقب بالمأمون واخيه ابي اسحاق المعتصم والواثق جعلوا هذه

المسألة مسألة يمتحنون بها الناس واظهروا ان مقصودهم انما هو توحيد الله وحده لانه هو الخالق وكل ما سواه مخلوق وان من جعل شيئا ليس هو الله تعالى وقال انه غير مخلوق فقد اشرك وقال بقول النصارى او نحو ذلك فصار كثير ممن لم يعرف حقيقة امرهم يظن ان هذا من الدين ومن تمام التوحيد فضلوا واضلوا وكانوا يتظاهرون بأن الله لا يرى لكن لم يجعلوا هذه المسألة المحنة لانه لا يظهر فيها من شبهة التوحيد للعامة ما يظهر في ان كل ما سوى الله مخلوق # وكان اهل العلم والايمان قد عرفوا باطن زندقتهم ونفاقهم وان المقصود بقولهم ان القرآن مخلوق ان الله لا يكلم ولا يتكلم ولا قال ولا يقول وبهذا تتعطل سائر الصفات من العلم والسمع والبصر وسائر ما جاءت به الكتب الالهية وفيه ايضا قدح في نفس الرسالة فان الرسل انما جاءت بتبليغ كلام الله فاذا قدح في ان الله يتكلم كان ذلك قدحا في رسالة المرسلين فعلموا ان في ان باطن ما جاؤا به قدح عظيم في كثير من اصلي الاسلام شهادة ان لا اله الا الله وشهادة ان محمدا رسول الله # لكن كثيرا من الناس لا يعلمون ذلك كما ان كثيرا من الناس لا يعلم باطن حال القرامطة لانهم انما يظهرون موالاة آل محمد صلى الله عليه وسلم ولا ريب ان كل مؤمن يجب عليه ان يواليهم وان اظهروا شيئا من التشيع الباطل الذي يوافقهم عليه الشيعة الذين ليسوا زنادقة ولا منافقين ولكن فيهم جهل وهوى تلبس عليهم فيه بعض الحق كما ان هؤلاء الجهمية وافقهم من العلماء والامراء في بعض ما يظهرونه من لم يكن من الزنادقة المنافقين لكن كان فيهم جهل وهوى

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:21 AM
# وقد قال الله تعالى في صفة المنافقين ^ لو خرجوا فيكم ما زادوكم الا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم ^ فاخبر الله ان المنافقين لا يزيدون المؤمنين الا خبالا وانهم يوضعون خلالهم أي يبتغون بينهم ويطلبون لهم الفتنة قال الله تعالى ^ وفيكم سماعون لهم ^ فاخبر ان في المؤمنين من يستجيب للمنافقين ويقبل منهم فاذا كان هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان استجابة بعض المؤمنين لبعض المنافقين فيما بعده اولى # ولهذا استجاب لهؤلاء الزنادقة المنافقين طوائف من المؤمنين في بعض ما دعوهم اليه حتى اقاموا الفتنة وهذا موجود في الزنادقة الجهمية والزنادقة الرافضة والزنادقة الجامعة للامرين واعظمهم القرامطة والمتفلسفة ونحوهم فإن متقدمي الرافضة لم يكونوا جهمية بخلاف المستأخرين منهم فانه غلب عليهم التجهم ايضا # ولهذا كانت الشيعة المتقدمون خيرا من الخوارج الذين قاتلهم امير المؤمنين علي بن ابي طالب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم واما كثير من مستأخري الرافضة فقد صار شرا من الخوارج بكثير بل فيهم من هو من اعظم الناس نفاقا بمنزلة المنافقين الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم او فوقهم او دونهم ولهذا قال البخاري صاحب الصحيح في كتاب خلق الافعال ما ابالي اصليت خلف الجهمي او صليت خلف اليهودي والنصراني ولا يسلم عليهم ولا يعادون ولا يناكحون ولا يشهدون ولا توكل ذبائحهم قال وقال عبد الرحمن بن مهدي هما ملتان فاحذروهم الجهمية والرافضة

# اذا عرف ذلك فالجهمية اظهروا مسألة القرآن وانه مخلوق واظهروا ان الله لا يرى في الآخرة ولم يكونوا يظهرون لعامة المؤمنين وعلمائهم انكار ان الله فوق العرش وانه لا داخل العالم ولا خارجه وانما كان العلماء يعلمون هذا منهم بالاستدلال والتوسم كما يعلم المنافقون في لحن القول قال تعالى ^ لو نشاء لاريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول ^ # وهذا كما قال حماد بن زيد الامام الذي هو من اعظم ائمة الدين القرآن كلام الله نزل به جبريل ما يحاولون الا ان ليس في السماء اله وقال ايضا سليمان بن حرب سمعت حماد بن زيد وذكر هؤلاء الجهمية فقال انما يحاولون ان يقولوا ليس في السماء شيء وقال عباد بن العوام الواسطي كلمت بشر المريسي واصحاب بشر فرأيت آخر كلامهم ينتهي ان يقولوا ليس في السماء شيء وقال عبد الرحمن بن مهدي ليس في اصحاب الاهواء اشر من اصحاب جهم يدورون على ان يقولوا ليس في السماء شيء ارى والله ان لا يناكحوا ولا يوارثوا وقال ايضا اصحاب جهم يريدون ان يقولوا ليس في السماء شيء وان الله ليس على العرش ارى ان يستتابوا فان تابوا والا قتلوا وقال عاصم ابن علي بن عاصم ناظرت جهميا فتبين من كلامه ان لا يؤمن ان في السماء ربا وقال علي بن عاصم مالذين قالوا ان لله ولدا اكفر من الذين قالوا ان الله لا يتكلم وقال احذر من المريسي واصحابه كلامهم ابو جاد الزندقة وانا كلمت استاذهم جهما فلم يثبت ان في السماء الها هكذا وجدت هذا عنه في كتاب خلق الافعال للبخاري والاول رواه ابن ابي حاتم عن عاصم بن علي


ابن عاصم في كتاب الرد على الجهمية وكان اسماعيل بن ابي اويس يسميهم زنادقة العراق وقيل له سمعت احدا يقول القرآن مخلوق فقال هؤلاء الزنادقة لقد فررت الى اليمن حين تكلم ابو العباس ببغداد فهذا فرارا من هذا الكلام وقال وكيع بن الجراح من كذب بحديث اسماعيل عن قيس عن جرير عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني قوله انكم سترون ربكم كما ترون الشمس والقمر فهو جهمي فاحذروه قال وكيع ايضا لا تستخفوا بقولهم القرآن مخلوق فانه من شر قولهم انما يذهبون الى التعطيل وقال الحسن بن موسى الاشيب وذكر الجهمية فنال منهم ثم قال ادخل رأس من رؤساء الزنادقة يقال له سمعلة على المهدي فقال دلني على اصحابك فقال اصحابي اكثر من ذلك فقال دلني عليهم فقال صنفان ممن ينتحل القبلة الجهمية والقدرية الجهمي اذا غلا قال ليس ثم شيء واشار الاشيب الى السماء والقدري اذا غلا قال هم اثنان خالق خير وخالق شر فضرب عنقه وصلبه # ومثل هذا كثير في كلام السلف والائمة كانوا يردون ما اظهرته الجهمية من نفي الرؤية وخلق القرآن ويذكرون ما تبطنه الجهمية مما هو اعظم من ذلك ان الله ليس على العرش ويجعلون هذا منتهى قولهم وان ذلك تعطيل للصانع وجحود للخالق اذ كانوا لا يتظاهرون بذلك بين المؤمنين كما كانوا يظهرون مسألة الكلام والرؤية لانه قد استقر في قلوب المؤمنين بالفطرة

الضرورية التي خلقوا عليها وبما جاءتهم به الرسل من البينات والهدى وبما اتفق عليه اهل الايمان من ذلك ما لم يمكن الجهمية اظهار خلافه ^ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ^ # فهذا يبين ان الاعتراف بان الله فوق العالم في العقل والدين اعظم بكثير من الاعتراف بان الله يرى وان القرآن غير مخلوق # فاذا كان هؤلاء الشرذمة الذين فيهم من التجهم ما فيهم مثل الرازي وامثاله يقرون بأن الله يرى كان اقرارهم بان الله فوق العالم اولى واحرى فانه لا يرد على مسألة العلو سؤال الا ويرد على مسألة الرؤية ما هو اعظم منه # ولا يمكنهم ان يجيبوا لمن يناظرهم في مسألة الرؤية بجواب لا اجابوا لمن يناظرهم في مسألة العرش بخير منه فان نفاة الرؤية قالوا في احد حججهم الواحد منا لا يرى الا ما كان مقابلا للرائي او لآلة الرائي والله يستحيل ان يكون كذلك فيستحيل ان يكون مرئيا لنا قالوا واحترزنا بقولنا او لآلة الرائي عن رؤية الانسان وجهه في المرآة اما المقدمة الاولى فهي من العلوم الضرورية الحاصلة بالتجربة واما المقدمة الثانية فمتفق عليها لو صحت رؤيته لوجبت رؤيته الآن لارتفاع موانع الرؤية وثبوت شروطها وهي صحة الحالة وحضور طرفي وان لا يكون في غاية الصغر واللطافة ويكون مقابلا للرائي او لآية الرؤية

ولا تكون الحجب حاصلة وزعموا ان هذه الشروط متى وجدت وجبت الرؤية واذا انتفى بعضها امتنعت الرؤية # قال الرازي وهاتان الطريقتان يعني حجة الموانع وحجة المقابلة عليها تعويل المعتزلة في العقليات يعنى في مسألة نفي الرؤية لله تعالى # وقال في الجواب عن هذه الحجة من وجوه ثلاثة الاول ما بينا فيما مضى ان المقابلة ليست شرطا لرؤيتنا لهذه الاشياء وابطلنا ما ذكروه من دعوى الضرورة والاستدلال في هذا المقام الثاني سلمنا ان المقابلة شرط في صحة رؤيتنا لهذه الاشياء فلم قلتم انها تكون شرطا في صحة رؤية الله تعالى فإن رؤية الله تعالى بتقدير ثبوتها مخالفة لرؤية هذه الاشياء فلا يلزم من اشتراط نوع من جنس اشتراط نوع آخر من ذلك الجنس بذلك الشرط الثالث سلمنا انه يستحيل كوننا رآئين لله ولكنه لا يدل على انه لا يرى نفسه وانه في ذاته ليس بمرئي لا يقال ليس في الامة احد قال انه يصح ان يكون مرئيا مع انه يستحيل منا رؤيته فيكون مردودا بالاجماع ولا نا نقول لا نسلم ان احدا من الامة لم يقل بذلك فإن اصحاب المقالات قد حكوا ذلك عن جماعة # وهو قد ذكر قبل في مسألة كون الله سميعا بصيرا من دعوى الضرورة في هذه الامور ومن مقابلة الدعوى بالمنع ما هو اعظم مما يكون في مسألة العرش # فان قيل هذا يبين ان مسألة العلو اظهر في الفطرة والشريعة من مسألة الرؤية فلأي شيء هؤلاء اقروا بهذه وانكروا تلك # قيل سببه ان الجهمية كانت متظاهرة بدعوى خلق القرآن وانكار الرؤية ولم تكن متظاهرة بانكار العلو كما تقدم فكان الذين يناظرونهم

من متكلمة اثبات الصفة كأبي سعيد ابن كلاب وابي الحسن الاشعري واصحابهما فظهر من مخالفتهم لهم في هاتين المسألتين بسبب ظهور الخلاف فيهما مالا يظهر فيما يخفونه من المسائل ومع هذا فقد كان اولئك يخالفونهم ايضا في انكار ان الله فوق العرش كما تقدم ذكره في كلامهم # لكن لم يأتوا في مناظرتهم بما يقطع مادة التجهم ويقلع عروقه بل سلموا لهم بعض الاصول التي بنوا عليها التجهم ومباحثهم في سألة حدوث العالم والكلام في الأجسام والأعرا وهو من الكلام الذي ذمه السلف والأئمة حتى قال محمد بن خويز منداد أهل البدع والأهواء عند مالك واصحابه هم فكل متكلم في الاسلام فهو من اهل البدع والاهواء اشعريا كان او غير اشعري وذكر ابن خزيمة وغيره ان الامام احمد كان يحذر مما ابتدعه عبد الله بن سعيد بن كلاب وعن اصحابه كالحارث وذلك لما علموه في كلامهم من المسائل والدلائل الفاسدة وان كان في كلامهم من الادلة الصحيحة وموافقة السنة ما لا يوجد في كلام عامة الطوائف فانهم اقرب طوائف اهل الكلام الى السنة والجماعة والحديث وهم يعدون من اهل السنة والجماعة عند النظر الى مثل المعتزلة والرافضة وغيرهم بل هم اهل السنة والجماعة في البلاد التي يكون اهل البدع فيها هم المعتزلة والرافضة ونحوهم # فلما كان الامر كذلك جاء بعض المتأخرين من اتباعهم فنظروا في الاصول التي وافقوا فيها الجهمية واخذوا لوازمها وكان ابو المعالي الجويني كثير المطالعة لكتب ابي هاشم بن ابي علي الجبائي وكان من اذكياء العالم وكان هو ابو الحسن الاشعري كلاهما تلميذا لابي علي الجبائي لكن

الاشعري رجع الى مذهب اهل الاثبات الذين يثبتون الصفات والقدر ويثبتون خروج اهل الكبائر من النار ولا يخرجون احدا من الايمان ولا يرون القتال في الفتنة فناقض المعتزلة في اصولهم الخمس التي خالفوا بها اهل السنة والجماعة التي يسمونها التوحيد والعدل والمنزلة بين المنزلتين وانفاذ الوعيد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر واما ابو هاشم فكان على هذه الاصول مع ابيه وان كان يخالفه في كثير من المسائل # وكان ابو المعالي كثير المطالعة لكتب ابي هاشم فصار هو وغيره يقودون الاصول التي وافق قدماؤهم فيها المعتزلة فرأوا ان من لوازمها نفي ان يكون الله على العرش فتظاهروا بانكار ذلك موافقة للمعتزلة ولم يكن الخلاف في ذلك مع المعتزلة من المسائل المشهورة لما قدمناه واما مسألة الرؤية والقرآن فهي من شعائر المذهبين فجعلوا ينصبون الخلاف مع المعتزلة في مسألة الرؤية ويسلمون لهم نفي علو الله علىالعرش وهذا عكس الواجب # ولهذا صارت المعتزلة تسخر منهم حتى يقول قائلهم من سلم ان الله ليس في جهة وادعى مع ذلك انه يرى فقد اضحك الناس على عقله او نحو هذا الكلام ولهذا صار كثير مناظراتهم مع الفلاسفة والمعتزلة فيها من الضعف ما اطمع اولئك فيهم وصاروا يفزعون منهم ويجبنون عنهم ويستطيلون على اخوانهم المؤمنين وبسبب ما وقع من ذلك في اهل الايمان والسيف واهل العلم والقلم اديلت عليهم الاعداء كما قال تعالى ^ ان الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان انما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ^ حتى ان بعض الاعيان الذي كان في

باطنه ميل الى الفلسفة والاعتزال ولا يتظاهر بذلك درس مسألة الرؤية من جانب المثبتين وذكر حجتهم فيها ولا ريب ان ذلك يظهر من استطالة المعتزلة عليهم ما يشفي به قلبه # ولهذا صار كثير من اهل العلم والحديث يصف اقوال هؤلاء بان فيها نفاقا وتناقضا حيث يوافقون اهل السنة والجماعة على شيء من الحق ويخالفونهم فيما هو اولى بالحق منهم ويفسرون ما يوافقون فيه بما يحيله عن حقيقته وهذا كله لما وقع من الاشتباه عندهم في هذه المسائل ولما تعارض عندهم من الدلائل # والله هو المسئول ان يغفر لجميع المؤمنين ويصلح لهم امر الدينا والدين انه على كل شيء قدير # وهذا القدر الذي يوجد في هؤلاء قد يوجد من جنسه في منازعيهم من اهل الاثبات بحيث يعظم اهتمامهم لما ينازعون فيه اخوانهم الذين يوافقونهم في اكثر الاثبات من دق مسائل القرآن والصفات وغير ذلك بحيث يوالون على ذلك ويعادون عليه مع اعراضهم عمن هم ابعد من هؤلاء عن الحق والسنة حتى يفضي بكثير منهم الجهل والظلم الى ان يحب اولئك ويثني عليهم لما يرى فيهم من نوع خير او انه لا يبغضهم ولا يذمهم مع انه يبغض هؤلاء ويذمهم وهذا من جهله بحقيقة احوال الناس ومراتب الحق عند الله ومن ظلمه حيث يكون غضبه لنفسه لما يناله من اذى هؤلاء احيانا اعظم من غضبة لربه فيما فعله اولئك

والدين انما يقوم بالعلم والعدل المضاد للجهل والظلم وبذلك انزل الله كتبه وارسل رسله والله تعالى يؤلف بين قلوب عباده المؤمنين على ما يحبه ويرضاه # الوجه الخامس عشر قوله واعلم ان الحنابلة القائلين بالتركيب والتأليف اسعد حالا من هؤلاء الكرامية وذلك لانهم اعترفوا بكونه مركبا من الاجزاء والابعاض واما هؤلاء الكرامية فانهم زعموا انه يشار اليه بحسب الحس وزعموا انه غير متناه ثم زعموا انه مع ذلك واحد لا يقبل القسمة فلا جرم صار قولهم على خلاف بديهة العقل # يقال قولك عن الحنبلية انهم يقولون بالتأليف والتركيب ويعبرون بكونه مركبا من الاجزاء والابعاض اتعنى به انهم يطلقون هذا اللفظ ام تعنى به انهم يثبتون الصفات المستلزمة لهذا المعنى فان عنيت الاول فلم نعلم احدا من الحنابلة يطلق هذا اللفظ كله وان كنت انت اطلعت على احد منهم يقول هذا اللفظ فهذا ممكن لكن يكون هؤلاء طائفة قليلة منهم والذي بلغنا من ذلك ان لفظ البعض جاء في كلام طائقة من السلف من الصحابة والتابعين وهو مذكور في كتب السنة جاء عن عبيد بن عمير من رواية ابن ابي نجيح عن مجاهد عنه ورواه عنه حماد بن سلمة وصرح به ورواه سفيان الثوري واظنه احتصر بعضه ورواه سفيان بن عيينة فكنى عنه وكذلك في خبر مسألة رؤية محمد ربه شيء يشبة ذلك من كلام عكرمة عن ابن عباس # ثم ذلك ليس مختصا بالحنابلة ولا هو فيهم اكثر منه في غيرهم بل يوجد في الشافعية والمالكية والحنفية والصوفية واهل الحديث واهل الكلام من الامامية وغيرهم من يطلق من هذه الالفاظ امورا لا يصل اليها احد من الحنابلة فما من نوع غلو يوجد في بعض الحنابلة الا ويوجد في غيرهم من الطوائف

ما هو اكثر منه وهذا موجود في كتب المقالات وكتب السنة وكتب الكلام وفي طوائف بني آدم المعروفين وقد تكلمنا على هذا في غير هذا الموضع # وبينا سبب ذلك ان الامام احمد رضي الله عنه له من الكلام في اصول الدين وتقرير ما جائت به السنة والشريعة في ذلك ما عليه جماعة المؤمنين واظهار دلالة الكتاب والسنة والاجماع على ذلك والرد على اهل الاهواء والبدع المخالفين للكتاب والسنة في ذلك اعظم مما لغيره لانه ابتلي بذلك اكثر مما ابتلي به غيره ولانه اتصل اليه من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه وتابعيهم والائمة بعدهم اعظم مما اتصل الى غيره فصار له من الصبر واليقين الذين جعلهما الله سببا للامامة في الدين بقوله ^ وجعلناهم ائمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بأياتنا يوقنون ^ ما جعله الله له من الامامة في اصول الدين السنية الشرعية ما انعم به عليه وفضله به # فاتباعه لا يمكنهم مع اظهار موافقتهم له من الانحراف ما يمكن غيرهم ممن لم يجد لمتبوعه من النصوص في هذا الباب ما يصده عن مخالفته # ولهذا يوجد في غيرهم من الانحراف في طرفي النفي والاثبات في مسائل الصفات والقدر والوعيد والامامة وغير ذلك اكثر مما يوجد فيهم وهذا معلوم بالاستقراء # ولهذا ما زال كثير من ائمة الطوائف الفقهاء واهل الحديث والصوفية وان كانوا في فروع الشريعة متبعين بعض ائمة المسلمين رضي الله عنهم اجمعين

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:22 AM
فانهم يقولون نحن في الاصول او في السنة على مذهب احمد بن حنبل لا يقولون ذلك لاختصاص احمد بقول لم يقله الائمة ولا طعنا في غيره من الائمة بمخالفة السنة بل لانه اظهر من السنة التي اتفقت عليها الائمة قبله اكثر مما اظهروه فظهر تأثير ذلك لوقوعه وقت الحاجة اليه وظهور المخالفين للسنة وقلة انصار الحق واعوانه # حتى كانوا يشبهون قيامه بأمر الدين ومنعه من تحريف المبتدعين المشابهين للمرتدين بأبي بكر يوم الردة وعمر يوم السقيفة وعثمان يوم الدار وعلي يوم حروراء ونحو ذلك مما فيه تشبيه له بالخلفاء الراشدين فيما خلفت فيه الرسل وقام فيه مقامهم وكذلك سائر أئمة الدين كل منهم يخلف الأنبياء بقدر ما قام به من ميراثهم وما خلفهم فيه من دعوتهم والله يرضى عن جميع السابقين الاولين والتابعين لهم باحسان الى يوم الدين # وان كان يعنى بالتركيب والتأليف واعترافهم بالاجزاء والابعاض هو اثباتهم للصفات التي ورد بها الكتاب والسنة مثل الوجه واليدين ونحو ذلك فهذا قول جميع سلف الامة وائمتها وجميع المشهورين بلسان الصدق فيها من الفقهاء والصوفية واهل الحديث وهو قول الصفاتية قاطبة من الكلابية والكرامية والاشعرية وقد ذكر محمد بن الهيصم في كتاب جمل الكلام له هذه المسألة واثبت صفة الوجه واليد # فقوله عن الكرامية انهم لا يثبتون ذلك ان اراد به بعضهم فلعله بكون ولا ريب ان فيهم من يثبت هذه الصفات الخبرية كالوجه واليد التي يسميها هو الجوارح والابعاض ويطلقون ايضا لفظ الجسم اما لفظا واما لفظا

ومعنى واما الحنبلية فلا يعرف فيهم من يطلق هذا اللفظ لكن فيهم من ينفيه وفيهم من لا ينفيه ولايثبته وهو الذي كان عليه الامام احمد وسائر ائمة السنة وان كانوا مع ذلك يثبتون ما جاءت به النصوص مما يسميه المنازعون تجسيما وتشبيها بل يقولون اثبات هذه المعاني احق بمعنى التجسيم ممن يثبت لفظه دون معناه # وكذلك قوله عن الكرامية انهم زعموا انه غير متناهي فهذا انما هو قول بعضهم كما تقدم ذكره لذلك وان منهم من يقول هو متناهي ثم ان كلا من القولين ليس من خصائص الكرامية بل النزاع في ذلك مشهور عن غيرهم وقد ذكرنا بعض ما في ذلك من النزاع فيما ذكره الاشعري في المقالات # وكذلك قولهم لا يقبل القسمة هذا اللفظ قد يطلقه طوائف منهم ومن غيرهم وقد لا يطلقه طوائف لما فيه من الاجمال والتناقض # فالذي يقال على الكرامية باثباتهم واحدا فوق العرش لا ينقسم يقال على غيرهم ففي الطوائف الاربعة من الفقهاء كثير ممن يقول نحو ذلك وكذلك ابن كلاب والاشعري وائمة اصحابه يقولون نحو ذلك فان كل من قال انه فوق العرش وقال انه ليس بجسم او اثبت له هذه الصفات التي وردت بها النصوص كالوجه واليدين وقال مع ذلك انه جسم يرد عليه ذلك فانه يلزمه انه يشار اليه بحسب الحس وائه واحد لا ينقسم هذه القسمة التي زعمها # ولهذا نجد في هذه الطوائف منازعة بعضهم لبعض في ذلك كما يوجد في اصحاب ابي حنيفة ومالك والشافعي واحمد وكذلك يوجد في اصحاب الاشعري من يتنازعون في ذلك فنفاة الجهة منهم يقولون ان ادلتهم وائمتهم الذين يقولون

ان الله تعالى فوق العرش وانه ليس بجسم متناقضون وكذلك نفاة الصفات الخبرية منهم يقولون ان مثبتيها مع نفي الجسم متناقضون ومثبتة العلو والصفات الخبرية يقولون ان نفاة ذلك منهم متناقضون حيث اثبتوا ما هو عرض في المخلوقات كالعلم والقدرة والحياة قالوا وليس هو بعرض في حق الخالق ولم يثبتوا ما هو جسم في حق المخلوق كاليد والوجه ويقولوا ليس لجسم في حق الخالق وكذلك اصحاب الامام احمد فطائفة منهم كابن عقيل وصدقة بن الحسين وابي الفرج بن الجوزي قد يقولون ان ابن حامد والقاضي ابا يعلي وابا الحسن ابن الزاغوني ونحوهم متناقضون حيث ينفون الجسم ويثبتون هذه الصفات وجمهورهم يقول بل هؤلاء هم المتناقضون الذين يثبتون الشيء تارة وينفونه اخرى كما هو معروف من حالهم واجتماع النفي والاثبات في الشيء الواحد اعظم من اجتماعهما في لوازمه وملزوماته فان كان كل منهما في وقتين فالاول اعظم وكذلك ان كانا في وقت واحد واما ان كان الاول في وقتين والثاني في وقت واحد فهذا ابلغ من وجه وهذا ابلغ من وجه ويقولون ان اولئك متناقضون حيث يسلمون بثبوت الصفات التي هي فينا اعراض ويمنعون ثبوت الصفات التي هي فينا اجسام # الوجه السادس عشر قوله فلا جرم صار قول الكرامية على خلاف العقل يقال هذا العقل الذي هذا على خلاف بديهته اما ان يكون

حكمه وشهادته في الربوبية مقبولا او مردودا فان لم يكن مقبولا لم يضر هؤلاء ولا غيرهم مخالفته فانه يكون بمنزلة الشاهد الفاسق الذي قال الله فيه ^ ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ^ # وان كان حكمه وشهادته مقبولا كان هذا المنازع وموافقوه اعظم مخالفة له من هؤلاء كما قد تقدم بيان ذلك واذا كان مخالفة قولهم لبديهة العقل اعظم من قول هؤلاء لم يجب على هؤلاء ان يرجعوا عن القول الذي هو اقل مخالفة لبديهة العقل الى القول الذي هو اكثر مخالفة لبديهة العقل بل يكون الواجب على هذا التقدير علىالطائفتين الاعتراف بما في بديهة العقل فيعترفون جميعا بانه فوق العالم ويمتنع ان يكون لا داخله ولا خارجه وحينئذ يكون مشارا اليه بحسب الحس وحينئذ يكون فيه ما سماه تأليفا وانقساما وان لم يكن هو المعروف من التأليف والانقسام فان المعروف من ذلك يجب تنزيه الله عنه كما نزه عنه نفسه في سورة الاخلاص كما تقدم التنبيه عليه بقوله ^ الله الصمد ^ فان الصمد فيه من معنى الاجتماع والقوة والسؤدد ما ينافي الانقسام والافتراق # الوجه السابع عشر انه ورد من جهة المنازع تشبيه بالمعدوم وذلك ان النفاة كثيرا ما يصفون اهل الاثبات بالتشبيه والتجسيم الذي هو التأليف ومن المعلوم انهم احق بالتشبيه الباطل حيث يشبهونه بالمعدومات والناقصات وهم يجمعون بين التمثيل والتعطيل بين ما هو قول المشركين الذين هم بربهم يعدلون وقول الكافرين الذين هم لربهم جاحدون # وذلك انهم يقولون ان كل ما هو عالم بعلم وقادر بقدرة وحي بحياة ونحو ذلك فهو من جنس واحد وهو متماثل لانه متحيز والمتحيزات كلها متماثلة ويقولون كلما هو فوق شيء فانه من جنس واحد متماثل لانه متحيز

والمتحيزات متماثلة ويقولون كلما له سمع وبصر فهو من جنس واحد وهو متماثل لانه من المتحيزات التي هي متماثلة وهذا قول الجهمية والمعتزلة وغيرهم # وقد سلك الرازي ذلك في قوله ان الاجسام متماثلة لكن قصده به نفي العلو على العرش ونفي الصفات الخبرية # واما المعتزلة ونحوهم من الجهمية الذين ابتدعوا هذا القول اولا مقصودهم به النفي المطلق وكل ذلك بناء على ان جعلوا لله عدلا وسميا وكفوا في كل ما هو موصوف به حتى ان غاليتهم من الملاحدة والجهمية يقولون كلما يقال له حي وعالم وقادر فهو جنس واحد متماثل هؤلاء جعلوا لله عدلا وسميا وكفوا وندا في كل ماله من الاسماء والصفات حتى لزم من ذلك ان يكون كل جسم عدلا لله ومثلا وكفوا حتى البقة والبعوضة وان يكون كل حي عدلا لله وكفوا وسميا وكل ذلك بناء على ان كلما هو مسمى بهذه الاسم موصوف بهذه الصفات فانه جنس واحد متماثل وهذا من اعظم العدل بالله وجعل الانداد لله # ثم انهم نفوا ذلك عن الله فجحدوه بالكلية فصاروا مشركين معطلين لهذا جوز الاتحادية منهم عبادة كل شيء وجعلوا كل شيء عابدا ومعبودا وجوزا كل شرك في العالم فجمعوا جميع ما عليه المشركون من الاقوال والافعال فهذا تمثيلهم وعدلهم بالله واشراكهم به وتشبيههم اياه بخلقه فيما لله من صفات الاثبات # واما عدلهم وتمثيلهم فيما يصفونه به من السلوب فهم يعدلونه بالمعدوم تارة وبالمنقوصات اخرى فانهم تارة يصفونه بالصفات السلبية التي لا تنطبق الا على المعدوم فيكونون عادلين به المعدومات

# وقد قدمنا فيما مضى ان الله سبحانه لا يوصف بصفة سلب ان لم تتضمن معنى ثبوتيا واما الصفة السلبية التي لا تتضمن ثبوتا فلا يوصف بها الا المعدوم وبيناايضا ان كل صفة تصلح للمعدوم المحض فانها لا تصلح لله تعالى لان تلك الصفة لا مدح فيها بحال اذ المعدوم المحض لا يمدح بحال وما ليس فيه مدح فان الله لا يوصف به سبحانه وتعالى بل له الاسماء الحسنى والمثل الاعلى ولما ذكرناه ايضا فيما تقدم # واما تمثيلهم له وعدلهم اياه بالمنقوصات القبيحات من المخلوقات فقولهم انه لا يتكلم وان وصفوه بالكلام ظاهرا موافقة للمؤمنين فمعناه عندهم انه خلف كلاما في غيره وكذلك قولهم انه ليس له سمع ولا بصر ولا قوة ولا حياة ونحو ذلك # واذا كان كذلك ظهر ما ذكره من جهة المنازع فان المنازع قلب عليهم القضية وقال اذا الزمتمونا انا نجعله كالجوهر الفرد فأنتم جعلتموه كالمعدوم وذلك انه لما قال انه لا يمكن ان يكون غير منقسم ويكون في غاية الصغر لان ذلك حقير وذلك على الله محال فقال المنازع انتم قلتم لا يمكن الاحساس به ولا الاشارة اليه بحال والذي لا يمكن الاحساس به ولا الاشارة اليه يكون كالمعدوم فيكون اشد حقارة واذا جاز وصفكم بهذا فلم لا يجوز الاول وهو كلام قوي جدا # والمنازع واصحابه يعلمون صحة هذا الكلام لانهم يقرون في مسألة الرؤية ان كل موجود يجوز ان يحس بالحواس الخمس وملتزمون على ذلك ان الله يجوز ان يحس به بالحواس الخمس السمع والبصر والشم والذوق واللمس وان

ما لا يحس به بالحواس الخمس لا يكون الا معدوما فعامة السلف والصفاتية على ان الله يمكن ان يشهد ويرى ويحس به واول من نفى امكان احساسه الجهم ابن صفوان لما ناظره السمنية المشركون # الوجه الثامن عشر انه قال في الجواب اما قولهم الذي لا يحس ولا يشار اليه اشد حقارة من الجزء الذي لا يتجزى قلنا كونه موصوفا بالحقارة انما يلزم لو كان ذا حيز ومقدار حتى يقال انه اصغر من غيره اما اذا كان منزها عن الحيز والمقدار فلم يلزم وصفه بالحقارة # يقال له هذه مصادرة على المطلوب فانك انت اثبتت تنزيهه عن الحيز بهذه الحجة التي جعلت من مقدماتها انه ليس بحقير بقدر الجوهر الفرد فقيل لك مالا يمكن الاشارة اليه واحساسه احقر من الجوهر الفرد وقد وصفته بذلك فلا يكون وصفه بقدر الجوهر الفرد محالا على اصلك فقلت اما كونه موصوفا بالحقارة انما يلزم اذا كان له حيز مقدار واما اذا كان منزها عن الحيز والمقدار فلم يحصل بينه وبين غيره مناسبة فيقال لك الكلام انما هو في تنزيهه عن الحيز والمقدار فانت تنفي ذلك ومنازعك يثبته وهو محل النزاع فاذا كان جوابك مبنيا على محل النزاع كنت قد صادرت منازعك على المطلوب حتى حعلت المطلوب مقدمة في اثبات نفسه والمقدمة لا بد ان تكون معلومة او مسلمة فتكون قد طلبت من تسليم الحكم قبل الدلالة عليه وادعيت علمه قبل حصول علمه وقد صادرته عليه وطلبت منه ان يسلمه لك بلا حجة # وايضاح هذا ان العلم بكونه اذا وصقته بأنه لا يحس ولا يشار اليه ليس بأحقر من الجوهر الفرد اما ان يقف على العلم بكونه ليس بذي حيز ومقدار او لا يتوقف

# فان توقف عليه لم يصح هذا الجواب حتى يثبت انه ليس بذي حيز ومقدار حتى يتم الجواب عما اورد على الحجة فاذا كان جواب الحجة لا يتم حتى يثبت انه ليس بذي حيز ولا مقدار ولا يثبت ذلك حتى يتم جواب الحجة لم يكن واحدا منهما حتى يكون الاخر قبله وذلك دور ممتنع # وان كان العلم بكونه ليس احقر من الجوهر الفرد اذا وصف بأنه لا يحس ولا يشار اليه لا يقف على العلم بانه ليس بذي حيز ومقدار لم يصح هذا الجواب وهو قولك كونه موصوفا بالحقارة انما يلزم لو كان له حيز ومقدار حتى يقال انه اصغر من غيره بل كان الجواب ان يقال لا يلزم ان يكون احقر من الجوهر الفرد سواء قيل انه ذو حيز ومقدار او لم يقل ذلك لكنه لو قال ذلك لظهر ان كلامه باطل فانه يعلم بالحس والضرورة ان كل ما كان ذا حيز ومقدار قيل انه لا يحس ولا يشار اليه فانه اصغر من الجوهر الفرد # ومما يوضح الامر في ذلك ان هذا السؤال الذي ذكره من جهة المنازع هو من باب المعارضة فانه لما ذكر حجته على انه ليس بذي جهة بأن ذلك يستلزم التركيب والحقارة قال له المعارض ما ذكرته من انه لا يمكن احساسه والاشارة اليه يستلزم ان يكون معدوما وذلك ابلغ في الحقارة من الجوهر الفرد فقال له قولك يستلزم من الحقارة اعظم مما الزمت به اهل الاثبات فاجاب عن المعارضة بمنع الحكم وان صحته ملازمة لصحة قول المنازع وهذا من افسد الاجوبة فان المعارض يقول لك بل هو عندي ذو حيز ومقدار فلم قلت انه ليس كذلك وهل النزاع الا فيه وقولك اما اذا لم يكن ذا حيز ومقدار لم يلزم وصفه بالحقارة يقال لك من الذي سلم لك ذلك وهل النزاع الا فيه وهذه الحجة التي ذكرتها انما اقمتها على نفي ذلك وهي لا تتم الا بالجواب على

المعارضة فيكف تجيب عن المعارضة المستلزمة لنقيض مذهبك بنفسك مذهبك وهل هذا الا بمنزلة ان يقدح المعترض في دليلك بأنه يستلزم نقيض مذهبه # فان قيل هو لم يجب عن المعارضة بنفس مذهبه لكن قال صحة المعارضة مبنية على نقيض مذهبه وهو لا يقول بذلك فهو يقول للمعترض ما لم تثبت نقيض قولي لا تصح معارضتك وهو في هذا الباب في مقام المنع والمعترض يستدل وللمستدل الاول ان يمنعه بعض المقدمات ويجعل سند منعه ان لا يقول بذلك فهو ذكر ذلك لابداء سند المنع لا حجة للمنع فان المانع المطالب بالدليل ليس عليه حجة # فيقال المعترض لم يبن دليله على هذا بل ذكر ان ما لا يحس ولا يشار اليه معدوم احقر من الجزء الذي لا يتجزى فادعيت ان هذا انما يلزم اذا كان منزها عن الحيز والمقدار فلم يلزم وصفه بالحقارة فهذا الملزوم انما تقول انه لازم لدليله ان دليله مستلزم لهذا فمتى صح دليله صح هذا فهذا القدر ينفعه ولا يضره لانه يكون دليله حينئذ قد دل على شيئين على انك جعلته اصغر من الجوهر الفرد وجعلته معدوما وانه ذو حيز ومقدار فيدل على صحة مذهبه وعلى ان مذهبك يستلزم ان الله معدوم هذا باقراره ان دليله يستلزم صحة ذلك # وان قلت ان دليله يتوقف على صحة هذا بمعنى انه لم يثبت ان الله ذو حيز ومقدار لم يثبت انه اذا كان لا يحس ولا يشار اليه انه اصغر من الجوهر الفرد فهذا لم تثبته بل ادعيته دعوى ساذجة فلا تكون قد اجبت عن المعارضة وهو المطلوب وذلك انه لا يسلم انا اذا علمنا ان الشيء لا يحس ولا يشار اليه لم يعلم انه معدوم حتى يعلم قبل ذلك انه ذو حيز ومقدار بل قد يكون العلم بانه ذو حيز ومقدار بعد ذلك او قبله او معه اذا كانا متلازمين

# وهذا لازم على اصلك واصل اصحابك لزوما قويا فانكم انتم وسائر الصفاتية تسلمون ان كل موجود فانه يمكن ان يحس وان الذي لا يمكن احساسه هو المعدوم وكثير من اهل السنة والحديث يقولون بانه يلمس ايضا وانتم تريدون انه يدرك بالحواس الخمس وانتم تثبتون هذا مثل اثبات انه ذو حيز ومقدار ولم يكن العلم بذلك موقوفا على العلم بأنه ذو حيز ومقدار # واذا كنت قلت ان كونه موصوفا انه احقر من الجوهر الفرد فاذا كان لا يحس ولا يشار اليه مستلزم ان يكون ذو حيز ومقدار وانت قلت هنا انه لا يحس ولا يشار اليه فقد لزمك اما ان يكون معدوما او يكون ذا حيز ومقدار واذا قلت انه يحس بطل ما ذكرته هنا من انه لا يحس ولا يشار اليه # وهذا الذي يورده المنازع حق في النظر الصحيح في المناظرة العادلة فانه يظهر به من تناقض منازعه وضعف حجته ما يدفعه به عنه ويظهر به من صحة حجته ما ينفع الناظر والمناظر # وهذا يتقرر بالوجه الثامن عشر وهو ان هؤلاء المنازعين له الذين ينتصر لهم المؤسس يقولون انه تجوز رؤيته بل يجوزون كونه مدركا بادراك اللمس بل يجوزون كونه مدركا بغير ذلك من الحواس مع قولهم انه ليس فوق العرش ولا يمكن ان يكون مشارا اليه بالحس ولا يمكن ان يحس به لا ريب انهم متناقضون في ذلك غاية التناقض فإنه من المعلوم ان ادراك اللمس به ابعد من كونه مشارا اليه بالحس او كونه في جهة فان لمس الانسان قائما بذاته التي هي في جهة معينة فادراكه الشيء بلمسه يقتضي من الاتصال به والملاصقة وكونه جهة

من الملامس وغير ذلك مالا يقتضيه مجرد كونه ترفع اليه الايدي او الاعين فان من المعلوم انا نشير الى كل شيء من الموجودات التي نراها ومع هذا فلا يمكننا ان نلمس منها الا بعضها فاذا جاز كونه باللمس فلأن يجوز كونه مشارا اليه باليد والعين اولى واحرى # وكذلك كلما يلمسه فلا يكون الا في جهة وكثيرا ما يكون الشيء في جهة ولا يمكننا لمسه فكيف يجوز اثبات لمسه مع منع كونه في جهة اللامس هذا تناقض محض بل هذا نفي الشيء مع اثبات ما هو ابلغ منه وتحريم الشيء مع استحلال ما اعظم منه كما قال ابن عمر يستفتوني في دم البعوضة وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كما قال تعالى ^ قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام واخراج اهله منه اكبر عند الله ^ وهو بمنزلة من يقول ان الله لا يرى ولكن يصافح ويعانق # وكذلك قولهم انه يرى وقولهم انه يتعلق به ادراك اللمس مع قولهم لا يمكن ان يحس تناقض ظاهر واذا كان ذلك تناقضا منهم ومن المعلوم ان مسألة الرؤية ثابتة بالنصوص المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وباجماع سلف الامة وائمتها فتكون صحتها مستلزمة لكونه يحس وذلك مستلزم لبطلان ما قالوه في هذه المسألة # فان قيل دليلهم العقلي في الرؤية ضعيف قيل لا نسلم انه ضعيف ثم ان كان ضعيفا فليس هو بأضعف مما ذكروه في هذه المسألة فان كان اضعف ظهر تناقضهم في النفي والاثبات في هاتين المسألتين # الوجه التاسع عشر انهم قد قرروا في هاتين المسألتين هنا وهناك ان ما يمكن ان يشار اليه ويحس به يكون معدوما وقرر هناك ان كل موجود

فانه يصح ان يرى وان يلمس فيحس به ويلمس الذي هو ابلغ من الاشارات الحسية وان الله يصح ان يرى وان يتعلق به ادراك اللمس وان كل واحد من الرؤية واللمس مشترك بين الجواهر والاعراض فيتعلق بالله تعالى وهذا يوجب ان يكون الله يمكن ان يشار اليه ويمكن ان يحس به خلاف ما ذكره هنا كما تقدم وقرر هنا ان ما كان كذلك فانه يكون ذا حيز ومقدار وانه يلزمه ان يكون منقسما مركبا الانقسام والتركيب العقلي الذي الزم به مخالفة هنا وهذا يقتضي ان من لوازم اصولهم التي هم معترفون بالاصل وبلازم الأصل لم يلزمهم اياه غيرهم بالدليل بل هم اعترفوا به ان يكون الله له حيز ومقدار وانه مركب مؤلف له اجزاء وابعاض وهذا هو الذي انكره في هذا الموضع وليس هذا من جنس ما يلزم الرجل غيره شيئا بالحجة لكن هذا اقر بان الله سبحانه وتعالى موصوف بوصف واقر في موضع آخر انه اذا كان موصوفا بذلك الوصف لزم ان يكون كذا وكذا فمجموع الاقرارين اقر فيهما بما ذكرناه # الوجه العشرون انه اعترف هنا انه يكون اشد حقاره من الجوهر الفرد وان يكون معدوما اذا كان ذا حيز ومقدار وقلنا انه لا يمكن ان يشار اليه ولا يمكن ان يحس وقد ذكر هنا انه لا يمكن ان يشار ولا يمكن ان يحس به فلزم ان يكون معدوما احقر من الجوهر الفرد ولا ريب ان هذا حقيقة قولهم وقد اعترف هو بمقدمات ذلك لكن مفرقة لم يجمعها في موضع واحد اذ لو جمعها لم يخف عليه وهذا شأن المبطل # الوجه الحادي والعشرون ان منازعه يقول قد ثبت بالفطرة الضرورية وبالضرورة الشرعية واتفاق كل عاقل سليم الفطرة من البرية ان رب العالمين فوق خلقه وان من قال انه ليس فوق السموات رب يعبد ولا هناك اله يصلي

له ويسجد وانما هناك العدم المحض فانه جاحد لرب العالمين مالك يوم الدين فان اعتقد انه مقر به وهذا يقتضي كما قلت انه ذو حيز ومقدار وكلما كان ذا حيز ومقدار وهو لا يمكن الاشارة الحسية اليه ولا يمكن الاحساس به فانه معدوم كما اعترف به وكما هو معروف في الفطر وهو احقر من الجوهر الفرد بلا ريب فثبت ان قولك يستلزم ان الباري معدوم وانه احقر من الجوهر الفرد وهذا مما اتفق علماء السلف وائمة الدين ان قول الجهمية انه ليس فوق العرش ولا داخل العالم ولا خارجه يتضمن انه معدوم لا حقيقة له ولا وجود قد صرحوا بذلك في غير موضع وكذلك هو في جميع الفطر السليمة # وان اردت ان تلزمه عدمه من غير بناء على المقدار فيقال # الوجه الثاني والعشرون انه اذا عرض علىالفطر السليمة التي لم تتقلد مذهبا تتعصب له شيء لا يكون داخل العالم ولا خارجه ولا يمكن ان يشار اليه ولا يمكن ان يحس به ولا هو في شيء من الجهات الست فان الفطرة تقضي بأن هذا لا يكون موجودا لان يكون معدوما وهذا قبل ان يخطر بفكر الانسان الحيز والمقدار نفيا واثباتا ثم بعد ذلك اذا علم ان الموجود او ان هذا لايكون الا ذا حيز ومقدار كان ذلك لانها آخر يقرر مذهب المنازع لهذا المؤسس # الوجه الثالث والعشرون ان المنازعين له في مسألة الرؤية قالوا لهم ما ذكرتموه من الحجة يقتضي كون الباري مدركا بادراك اللمس وذلك لانا من حيث اللمس نميز بين الطويل والاطول كما اننا نميز من حيث البصر الطويل والاطول فان اقتضى ذلك كون الاجسام مرئية اقتضى ان تكون ملموسة

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:23 AM
ولا شك انا ندرك من حيث اللمس الفرق بين الحرارة والبرودة فان ادراك اللمس معلق بالاجسام والاعراض فيعود ما ذكرتموه في الرؤية بتمامه في اللمس فيلزمكم تعلق اللمس للباري تعالى وانه باطل بالضرورة # وقال في الجواب ان اصحابنا التزموا ذلك ولا طريق الا ذلك # وقال ايضا قولهم لو كان الوجود علة لصحة رؤية الحقائق لصح منا رؤية الطعوم والعلوم وذلك معلوم الفساد بالضرورة قلنا دعوى الضرورة في محل الخلاف غير مقبولة # وذكر ايضا ان المخالفين له في مسألة الرؤية يدعون العلم الضروري بوجوب الرؤية عند الشروط النهائية وامتناعها عند عدمها وهو ما اذا كانت الحاسة سليمة والمرئي حاضرا ولا يكون على القرب القريب ولا على البعد البعيد ولا يكون متغيرا جدا ولا لطيفا ولا يكون بين المرئي والرائي حجب كثيفة وكان المرئي مقابلا للرائي او في حكم المقابلة فتارة يدعون ان ذلك العلم الضروري حاصل للعقلاء بعد الاختبار ولا حاجة فيه الى ضرب الامثال وتارة يثبتون بالاستدلال ان ذلك معلوم بالضرورة # وقال في الجواب اما دعوى العلم الضروري بحصول الادراك عند حضور هذه الامور فلا نزاع فيه واما العلم الضروري بعدمه عند عدمها ففيه كل النزاع # قال فإن زعمت انا مكابرون في هذا الانكار حلفنا بالايمان المغلظة انا لما رجعنا الى انفسنا لم نجد العلم بذلك اكثر من العلم باستمرار الامور العادية التي توافقنا على جواز تغيرها عن مجاريها فان الانسان كما يستبعد ان يأخذ الحديدة المحماة بيده ولا يجد حرارتها فكذلك يستبعد ان يذهب الى جيحون فيجد ماءه بالكلية دما او عسلا ويرى شخصا شابا قويا مع ان ذلك الشخص حدث

في تلك اللحظة من غير اب وام على ذلك الوجه ويرى طفلا رضيعا مع ان ذلك الطفل كان مولودا قبل ذلك بمأة الف سنة على ذلك الحال وليس استبعاد ما ذكروه بأقوى من هذه الامور استبعادا مع ان شيئا من ذلك ليس بممتنع وكذا فيما ذكروه # قال واعلم ان تجويز اخراق العادات لازم على الفلاسفة او المسلمين والمتكلمين وبين ذلك الى ان قال فليس لابي الحسن الا دعوى الضرورة في اول المسألة وليس لنا في مقابلتها الا المنع # فاذا كان هذه ثلاث قضايا ادعى منازعوه فيها العلم الضروري وهو يثبتها لاثبات رؤية موجود لا داخل العالم ولا خارجه كيف ينكر على منازعه فيما ادعاه من العلم البديهي بأن الموجود اذا كان خارج العالم لم يكن الا منقسما او حقيرا مع ان هذا اظهر بوجوه
فصل # قال الرازي البرهان الثاني في بيان انه يمتنع ان يكون مختصا بالحيز والجهة وذلك انه لو كان مختصا بالحيز والجهة لكان محتاجا في وجوده الى ذلك الحيز وتلك الجهة وذلك محال فكونه في الحيز والجهة محال بيان الملازمة ان الحيز والجهة امر موجود والدليل عليه وجوه # احدها ان الاحياز الفوقانية مخالفة في الحقيقة والماهية للاحياز التحتانية بدليل انهم قالوا يجب ان يكون الله مختصا بجهة فوق ويمتنع حصوله في سائر الجهات والاحياز يعني التحت واليمين واليسار ولولا كونها مختلفة في الحقائق والماهيات لا متنع القول بأنه يجب حصوله تعالى في جهة الفوق ويمتنع

حصوله في سائر الجهات واذا ثبت ان هذه الاحياز مختلفة في الماهيات وجب كونها امورا موجودة لان العدم المحض يمتنع كونه كذلك # الثاني هو ان الجهات مختلفة بحسب الاشارات فان جهة الفوق متميزة عن جهة التحت في الاشارة والعدم المحض والنفي الصرف يمتنع تميز بعضه عن بعض في الاشارة الحسية # الثالث ان الجوهر اذا انتقل من حيز الى حيز فالمتروك مغاير لا محالة للمطلوب والمتنقل عنه مغيرا للمنتقل اليه فثبت بهذه الوجوه الثلاثة ان الحيز والجهة امر موجود ثم ان المسمى بالحيز والجهة امر مستغن في وجوده عما يتمكن ويستقر فيه واما الذي كون مختصا بالحيز والجهة فانه يكون مفتقرا الى الحيز والجهة فان الشيء المرئي الذي يمكن حصوله لا مختصا بالجهة فثبت انه تعالى لو كان مختصا بالجهة والحيز لكان مفتقرا في وجوده الى الغير وانما قلنا ان ذلك محال لوجوه # الاول ان المفتقر في وجوده الى الغير يكون في وجوده يحيث يلزم من عدم ذلك الغير عدمه وكل ما كان كذلك كان ممكنا لذاته وكل ذلك في حق واجب الوجود محال # الثاني ان المسمى بالحيز والجهة امر متركب من الاجزاء والابعاض لما بينا انه يمكن تقديره بالذراع والشبر ويمكن وصفه بالزائد والناقص وكلما كان كذلك كان مفتقرا الى غيره والمفتقر الى غيره ممكن لذاته فالشيء المسمى بالحيز والجهة ممكن لذاته فلو كان الله مفتقرا اليه لكان مفتقرا الى الممكن والمفتقر الى الممكن اولى ان يكون ممكنا لذاته فالواجب لذاته ممكن لذاته وهو محال

# الثالث لو كان الباري ازلا وابدا مختصا بالحيز والجهة لكان الحيز والجهة موجودا في الازل فيلزم اثبات قديم غير الله وذلك محال باجماع المسلمين فثبت بهذه الوجوه انه لو كان في الحيز والجهة يلزم هذه المحذورات فيلزم امتناع كونه في الحيز والجهة # فان قيل لا معنى لكونه مختصا بالحيز والجهة الا كونه مباينا عن العالم منفردا عنه ممتازا عنه وكونه تعالى كذلك لا يقتضي وجود امر آخر سوى ذات الله تعالى فبطل قولكم لو كان تعالى في الجهة لكان مفتقرا الى الغير والذي يدل على صحة ما ذكرناه ان العالم لا نزاع في انه مختص بالحيز والجهة وكونه مختصا بالحيز والجهة لا معنى له إلا كون البعض منفردا عن البعض ممتازا عنه وإذا عقلنا هذا المعنى هاهنا فلم لا يجوز مثله في كون الله تعالى مختصا بالحيز والجهة # الجواب اما قوله الحيز والجهة ليس امرا موجودا فجوابه انا قد بينا بالبراهين القاطعة انها اشياء موجودة وبعد قيام البراهين على صحته لا يبقى في صحته شك # واما قوله المراد من كونه مختصا بالحيز كونه منفردا عن العالم او ممتازا عنه او مباينا عنه قلنا هذه الالفاظ كلها مجملة فان الانفراد والامتياز والمباينة قد تذكر ويراد بها المخالفة في الحقيقة والماهية وذلك مما لا نزاع فيه ولكنه لا يقتضي الجهة والدليل على ذلك هو ان حقيقة ذات الله تعالى مخالفة لحقيقة الحيز والجهة وهذه المخالفة والمباينة ليست بالجهة فان امتياز ذات الله تعالى عن الجهة لا تكون بجهة اخرى والا لزم التسلسل وقد تذكر هذه الالفاظ ويراد بها الامتياز في الجهة وهو كون الشيء بحث يصح ان يشار اليه بأنه ها هنا

او هناك وهذا هو مراد الخصم من قولهم انه تعالى مباين عن العالم او منفرد عنه وممتاز عنه الا انا بينا بالبراهين القاطعة ان هذا يقتضي كون ذلك الحيز امرا موجودا ويقتضي ان المتحيز محتاج الى الحيز # قوله الاجسام حاصلة في الاحياز فنقول غاية ما في الباب ان يقال الاجسام تحتاج الى شيء آخر وهذا غير ممتنع اما كونه تعالى محتاجا في وجوده الى شيء آخر فممتنع فظهر الفرق # يقال هذه الحجة وغيرها من الحجج كلها مبنية على ان القول بكونه فوق العرش يستلزم ان يكون متحيزا كما قدمه في الحجة الاولى فقد تقدم ان هذا فيه نزاع مشهور بين الناس من مثبتة الصفات ونفاتها فان كثيرا من الصفاتية من الكلابية والاشعرية وغيرهم من الفقهاء والصوفية واهل الحديث يقولون ليس بجسم وهو فوق العرش وقد يقولون ليس بمتحيز وهو فوق العرش اذا كان المراد بالمتحيز الجسم او الجوهر الفرد وكثيرا منهم من الكرامية والشيعة والفقهاء والصوفية واهل الحديث يقولون هو فوق العرش وهو جسم وهو متحيز ولكن منهم من يقول ليس بمركب ولا منقسم ولا ذي اجزاء وابعاض ومنهم من يقول لا ينفي ذلك # واما سلف الامة وائمتها ومن اتبعهم فالفاظهم فيها انه فوق العرش وفيها اثبات الصفات الخبرية التي يعبر هؤلاء المتكلمون عنها بأنها ابعاض وانها تقتضي التركيب والانقسام وقد ثبت عن ائمة السلف انهم قالوا لله حد وان ذلك لا يعلمه غيره وانه مباين لخلقه وفي ذلك لاهل الحديث والسنة مصنفات وهذا هو معنى التحيز عند من تكلم به من الاولين فإن هؤلاء كثيرا ما يكون

النزاع بينهم لفظيا لكن اهل السنة والحديث فيهم رعاية لالفاظ النصوص والفاظ السلف وكثير من مبتغي ذلك يؤمن بألفاظ لا يفهم معناها وقد يؤمن بلفظ ويكذب بمعنى آخر غايته ان يكون فيه بعض معنى اللفظ الذي آمن به ولهذا يطعن كثر من اهل الكلام في نحو هؤلاء الذين يتكلمون بألفاظ متناقضة لا يفهمون التناقض فيها لكن وجود هذا وامثاله في اهل الكلام اكثر منه في اهل الحديث باضعاف مضاعفة كما قد بيناه في غير هذا الكتاب # واذا كان كذلك فالجواب عن هذه الحجة وامثالها مبين على مقامين # المقام الاول مقام من يقول انه نفسه تعالى فوق العرش ويقول انه بيس بجسم ولا متحيز كما يقول ذلك ابن كلاب والاشعري وكثير من الصفاتية فقهائهم ومحدثيهم وصوفيتهم وهو كثير فيهم فاش ظاهر منتشر والمنازعون لهم في وكونه فوق العرش كالرازي ومتأخري الاشعرية وكالمعتزلة يدعون ان هذا تناقض مخالف للضرورة العقلية وقد تكلمنا بين الطائفتين فيما تقدم بما ينبه على حقيقة الامر وتبين ان الاولين اعظم مخالفة للضرورة العقلية واعظم تناقضا من هؤلاء وان هؤلاء لا يسع احدهم في نظره ولا مناظرته ان يوافق اولئك على ما سلكوه من النفي فرارا مما الرموه اياه من التناقض لانه يكون كالمستجير من الرمضاء بالنار فيكون الذي وقع فيه من التناقض ومخالفة الفطرة الضرورية العقلية اعظم مما فر منه مع ما في ذلك من مخالفة القرآن والسنة وما اتفق عليه سلف الامة وان كان قد يضطر الى نوع

باطل في الأول فإنه بمنزلة قول الواقف في الرمضاء أنا أجد حرارتها وألمها فيقال له النار التي فررت إليها أعظم حرارة وألما وأن كنت لا تجدها حين وقوفك على الرمضاء بل تجدها حين تباشرها فيكون قد فر من نوع تناقض و خلاف بعض الضرورة فوقع في انواع من التناقضات و مخالفة الضرورات و بقي ما امتاز به الاول في كلامه من الزندقه و الالحاد و مشاقة الرسول من بعد ما تبين له الهدى و اتباع غير سبيل المؤمنين زيادة علىذلك و لهذا كان في هؤلاء المثبته ممن له في الامه من الثناء و لسان الصدق ما ليس لمن هو من اولئك وان كان قد يذمه من يذمه من وجه اخر فليس الغرض بيان صوابهم مطلقا و لكن بيان ان طريقهم اقل خطا و طريق الاولين اعظم ضلاله فهذا احد المقامين و قد تقدم بيانه فلا نعيده # واما المقام الثاني فهو مقام من يسلم له انه فوق العرش وهو متحيز و له حد و نهايه و يطلق عليه ايضا لفظ الجهه فان اهل الإثبات متنازعون في اثبات لفظ الجهه وفي ذلك نزاع بين اصحاب الإمام أحمد وغيرهم كما أنهم متنازعون في إسم الحد أيضا وفي نزاع بين أصحاب الإمام أحمد وغيرهم فنقول وعلى هذا التقدير فالكلام على هذا من وجوه # الأول أن كلام هذا وغيره في الحيز هل هو أمر وجودي أو عدمي أو أضافي مضطرب متناقض فإنه وإن كان قد قرر هنا أنه وجودي فقد قرر في غير هذا الموضع أنه عدمي ويكفي نقض كلامه بكلامه فإنا قد إعتمدنا هذا مرات فإن هذا موجود في عامة هؤلاء تحقيقا لقوله تعالى ^ ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ^ بخلاف الحق الذي يصدق بعضه بعضا

فقد ذكر في البرهان الرابع بعد هذا نقيض هذا فقال # الوجه الربع أنا نعلم بالضرورة أن الأحياز بأسرها متساوية لأنها فراغ محض وخلاء صرف وإذا كانت بأسرها متساويا فيكون حكمها واحدا وذلك يمنع من القول واجب الإختصاص ببعض الأحياز على التعيين وقال فإن قيل لم لا يجوز أن يكون أختصاصه بجهة فوق أولى قلنا هذا باطل لوجهين أحدهما أنه قبل خلق العالم ما كان إلا الخلاء الصرف والعدم المحض فلم يكن هناك فوق ولا تحت الثاني أنه لو كان الفوق متميزا عن التحت بالتميز الذاتي لكانت أمورا موجودة قابلة للأنقسام وذلك يقتضي قدم الجسم لأنه لا معنى للجسم إلا ذلك # فهذا تصريح بأنها مختلفة في الحقائق وأنها خلاء صرف وفراغ محض وهذا يناقض ما ذكره هنا ومن لم يكن لسانه وراء قلبه كان كلامه كثير التقلب والتناقض # وذكر في نهايته في مسألة حدوث العالم لما ذكر نزاع المازع في أن الكون والحصول في الحيز أمر زائدا على ذات الجسم وذكر اسولتهم على دليله ثم قال وإن سلمنا أن ما ذكرتموه يدل على أن الحصول في الحيز زائد على ذات الجسم لكن معنا ما يدل على نفي ذلك وهو أمور ثلاثة # الأول وهو أن الحصول أمر نسبي والأمور النسبية تستدعي وجود أمرين لتتحقق بينهما تلك النسبة فلو كان الحصول في الحيز أمرا ثبوتيا للزم ان يكون الحيز أمرا ثبوتيا وهو باطل لأنه لو كان موجودا لكان أما أن يكون حالا

في الجسم أولا يكون حالا فيه فإن كان حالا في الجسم لم يكن الجسم حالا فيه فلا حيزا للجسم وإن لم يكن حالا فيه فأما أن يكون ذا حيز أولا يكون والأول يقتضي التسلسل ثم ذكر # الثاني والثالث وليس هذا ذكر موضوعها ثم أنه في الجواب سلم أن الحيز ليس أمرا وجوديا وأجاب عما ذكروه فقال قوله الحصول في الحيز أمر نسبي فوجوده في الخارج يستدعي وجود الحيز في الخارج قلنا هذا باطل بالعلم فإنه نسبة أو ذو نسبة بين العالم والمعلوم ثم أنا نعلم به المحالات ولا وجود لها في أنفسها مع أن النسبة المسماة بالعلم حاصلة موجودة فعلمنا أن وجود النسبة لا يقتضي وجود كل واحد في المنتسبين # وقال في نهايته في آخر هذه الطريقة وأعلم أن هذه الطريقة مبنية على جواز خروج كل جسم عن حيزه وقد دللنا على ذلك بما مر ويمكن أن يستدل عليه بوجوه أخر منها أن نقول لووجب حصول جسمين في حيز لكان الحيز الذي حصل فيه الجسم الآخر إما أن يكون مخالفا للحيز الأول أولا يكون فأن كان مخالفا له كان أمرا ثبوتيا لأن العدم الصرف والنفي المحض لا يتصور فيه الإختلاف لأن المعقول في الإختلاف ان تكون حقيقة غير قائمة مقام الحقيقة الأخرى وذلك يستدعي حقائق متعينة في أنفسها وذلك في العدم محال ولما بطل ذلك ثبت ان الأحياز لو كانت متخالفة لكانت أمورا وجودية وهي ان يكون مشارا إليها أو لا يكون والقسم الأول على قسمين إما أن تكون حالة في الأجسام فحينئذ يستحيل حصول الجسم فيها وإلا لزم الدور أو لا تكون حالة في الأجسام مع أنه يمكن الإشارة إليها وذلك وهو المتحيز فيكون الحيز متحيزا وكل متحيز فله حيز وللحيز حيز آخر ولزم التسلسل

وإن لم يكن الحيز مشارا إليه إستحال حصول الجسم المشار إليه فيه قال فثبت أن الحيز نفي محض وأنه إذا كان كذلك إستحال أن يخالف حيزا # وقال أيضا في نهايته في الحجة الثانية على حدوث العالم وهو أنه ممكن وكل ممكن محدث وقرر إمكانه بوجوه منها الكلام الذي حكيناه عنه قبل هذا في تقرير أن واجب الوجود لا يقال ينفى في ضمن الكلام على حجته على نفي الجسم وكون كل حيز هل يكون واجب الوجود أم لا فهي طريقة الفلاسفة التي قررها واستضعفها وفي ضمنها سؤال أورده وهو أنا لا نسلم أن الوجود أمر ثبوتي فيقال في الجواب قوله لا نسلم أن الوجود أمر ثبوتي قلنا يدل عليه أمران وذكر أحدهما قم قال الثاني أن المعقول في الوجوب إستحقاق الوجود والعلم الضروري حاصل فإن إستحقاق الوجود وصف ثبوتي كما أن العلم الضروري حاصل فإن حصول الجسم في الجهة أمر ثبوتي بل ها هنا أولى لأن حصول الجسم بالجهة عبارة عن إنتساب مخصوص للجسم إلى الجهة والجهة امر تقديري لا وجود له فإذا كان العلم الضروري حاصلا هناك مع هذا الإشكال فها هنا مع عدم ذلك الاشكال أولى # وقال أيضا في نهايته في مسألة الجهة بعينها ما سنذكره في آخر هذه الحجج وهو قوله لو كان الله حاصلا في الحيز لكان إما أن يكون واجبا أو غير واجب والأول باطل إذ لو صح حصوله في ذلك الحيز وامتنع حصوله في سائر الأحياز كان حقيقة ذلك الحيز مخالفة لحقيقة سائر هذه الأحياز ولو كان كذلك لكانت الأحياز امورا وجودية لأن العدم الصرف يستحيل أن يخالف بعضه بعضا ولو كانت الأحياز أمورا وجودية لكان إما أن تمكن الإشارة الحسية إليها أولا يمكن فإن أمكن فذلك الشيء إما أن يكون منقسما فيكون الباري الحال فيه منقسما أو لا يكون منقسما فيكون ذلك الشيء

مختصا بجهة دون جهة فيكون للحيز حيزا آخر ويلزم التسلسل وإن لم يمكن الإشارة الحسية اليه أي الحيز الذي حصل الباري فيه وجب إستحاله الأشارة الحسية أم لا فهي طريقة الفلاسفة الإشارة الحسية إلى جهته إستحالت الإشارة الحسية إليه وكذلك قال في التأسيس في هذه الحجة # الوجه الثاني أن يقال لا نسلم أن كلما يسمي حيزا وجهة فهو أمر وجودي بل قد يقال إن المسمى بالجهة والحيز منه ما يكون وجديا وهو الأمكنة الوجودية مثل داخل العالم فإن الشمس والقمر والأفلاك والأرض والحجر والشجر ونحو هذه الأشياء كلها في أحياز وجودية ولها جهات وجودية وهو ما فوقها وما تحتها ونحو ذلك ومنه ما يكون عدميا مثل ما وراء العالم فإن العالم إذا قيل إنه في حيز أو وجهة فليس هو في جهة وجودية وحيز وجودي لأن ذلك الوجودي هو العالم أيضا والكلام في جهة جميع المخلوقات وحيزها ولأن ذلك يفضي إلى التسلسل وهو لم يقم دليلا على أن كل ما يسمي حيزا وجهة فهو أمر وجودي وإذا لم يثبت ذلك لم يجب أن يقال أن الباري إذا كان في حيز وجهة كان في أمر وجودي وذلك لأن الأدلة التي ذكرها إنما تدل لو دلت على وجود تلك الأمور المعينة المسماة بالحيز والجهة فلم قلت إن كل ما سمي بالحيز أو الجهة يكون موجودا # الوجه الثالث أن يقال لا نسلم أن الحيز لا يطلق إلا على المعدوم لا يطلق على الموجود بحال وهذا قول كثير من المتكلمين الذين يفرقون بين الحيز والمكان ويقولون العالم في حيز وليس في مكان وما في العالم في مكان والحيز عندهم هو تقدير المكان بمنزلة ما قبل خلق العالم ليس بزمان ولكنه تقدير الزمان وإذا كان أمرا مقدرا ومفروضا لا وجود له في نفسه بطل ما ذكره

لكن يحتاج إلى الجواب عن وجوهه الثلاث # فأما الوجه الأول فإنه إحتجاج بقول المنازع له إنه يجب أن يكون الله في جهة الفوق ويمتنع حصوله في سائر الجهات فإن كان قول المخالف حقا فقد صح مذهبه الذي تستدل على إبطاله ولم تسمع منه الدلالة على ذلك وأن كان باطلا لم يدل على أن الحيز أمر وجودي فعلى التقديرين لا تكون هذه الحجة مقبولة لأنها إما أن تكون باطلة أو تكون مستلزمة لصحة قول المنازع # فإن قال أنا ألزم المنازع بها قيل له فغاية ما في الباب أن تكون حجة جدلية أحتججت فيها بكذب خصمك وهذا لا يكون برهانا قاطعا على أن الحيز أمر وجودي # ثم يقال لك أنت من أين تعلم أو تفيد الناس الذين يسترشدون منك ولا يتقلدون مذهبا أن الحيز أمر وجودي فإن كنت تعلم ذلك وتعلمه لقول خصمك لزم صحته وبطل مذهبك وإن لم تحتج بقول خصمك الذي تدفعه عنه بطلت هذه الحجة أن تكون طريقا لك إلى العلم أو إلى التعليم والإرشاد وكان غايتها ذكر تناقض الخصم وللخصم عنها اجوبة لا نحتاج إلى ذكرها هنا # وأما قوله في الوجه الثاني أن حهة الفوق متميزة عن جهة التحت في الإشارة فيقال له إن كانت الإشارة إلى ما فوقنا من العالم وما تحتنا منه فلا ريب أن هذا موجود لكن ليس ذلك هو مسمى الحيز والجهة الذي ينازعونك في أن الله فيه فإنهم لم يقولوا إن الله في جوف العالم وإنما قالوا هو خارج العالم فإن كانت الإشارة إلى ما فوق العالم وما تحته فلا نسلم أن أحدا يشير إلى ما تحت العالم أصلا وأما ما فوق العالم فالله هو الذي فوق العالم فالإشارة إلى ما هناك إشارة إليه سبحانه وتعالى ولا يسلم أنه يشار إلى شيء موجود فوق العالم غير الله تعالى فلم تحصل الإشارة إلى شيء معدوم بحال ولم

يشر احد الى جهة عدمية بحال بل المشار اليه ليس هو الجهة التي ينازع فيها المناعون # واما قوله في الوجه الثالث ان الجوهر اذا انتقل من حيز الى حيز فالمتروك مغاير لا محالة للمطلوب فيقال ان كان الانتقال في اجسام العالم الموجودة فهذه امور وجودية وان كان فيما ليس كذلك فلا نسلم ان هناك شيء يكون متروكا ومطلوبا اصلا بل الاحياز الموجودة قد لا يكون المنتقل فيها طالبا لحيز دون حيز بل قصده شيء آخر فكيف يجب ان يكون كل منتقل ومتحرك طالبا لحيز وجودي يكون فيه وتاركا لحيز وجودي انتقل عنه # الوجه الرابع ان يقال لا ريب ان الجهة والحيز من الامور التي فيها اضافة ونسبة فانه يقال هذا جهة هذا وحيزه والجهة اصلها الوجه الذي يتوجه اليها الشيء كما يقال عدة ووعد وزنة ووزن وجهة ووجهة والوجهة من ذلك قال تعالى ^ ولكن وجهة هو موليها ^ # واما الحيز فانه فيعل من حازه يحوزه اذا جمعه وضمه وتحيز تفعيل كما ان يحوز يفعل كما قال تعالى ^ ومن يولهم يومئذ دبره الا متحرفا لقتال او متحيزا الى فئة ^ فالمقاتل الذي يترك مكانا وينتقل الى آخر لطائفة تفيء الى العدو فاجتمع اليها وانضم اليها فقد تحيز اليها # واذا كان كذلك في فالجهة تضاف تارة الى المتوجه اليها كما يقال في الانسان له ست جهات لانه يمكنه التوجه الى النواحي الست المختصة به التي يقال انها جهاته والمصلى يصلي الى جهة من الجهات لانه يتوجه اليها وهنا تكون الجهة ما يتوجه اليها المضاف وتارة تكون الجهة ما يتوجه منها المضاف كما يقول القائل اذا استقبل الكعبة هذه جهة الكعبة وكما يقول وهو بمكة

هذه جهة الشام وهذه جهة اليمن وهذه جهة المشرق وهذه جهة المغرب كما يقال هذه ناحية الشام وهذه ناحية اليمن والمراد هذه الجهة والناحية التي يتوجه منها اهل الشام واليمن # فأما الحيز فلفظه في اللغة يقتضي انه ما يحوز الشيء ويجمعة ويحيط به وذلك قد يقال على الشيء المنفصل عنه كداره وقوبه ونحو ذلك وقد يقال لنفس جوانبه واقطاره انها حيزه فيكون حيزه بعضا منه # وهذا كما ان لفظ الحدود التي تكون للاجسام فانهم تارة يقولون في حدود العقار حده من جهة القبلة ملك فلان ومن جهة الشرق ملك فلان ونحو ذلك فهنا حد الدار هو حيزها المنفصل عنها وقد يقال حدها من جهة القبلة ينتهي الى ملك فلان ومن جهة الشرق ينتهي الى ملك فلان فحدها هنا آخر المحدود ونهايته وهو متصل ليس منفصلا عنه وهو ايضا حيزه وقد جاء في كتاب الله تعالى في موضع ^ تلك حدود الله فلا تقربوها ^ والحدود هنا هي نهايات المحرم واولها فلا يجوز قربان شيء من المحرم وفي موضع ^ تلك حدود الله فلا تعتدوها ^ والحدود هنا نهايات الحلال فلا يجوز تعدي الحلال # واذا كان هذا هو المعروف من لفظ الجهة والحيز في الموجودات المخلوقة فنقول اذا قيل الخالق سبحانه في جهة فاما ان يراد في جهة له او في جهة لخلقه فان قيل في جهة له فاما ان تكون جهة يتوجه منها او جهة بتوجه اليها وعلى التقديرين فليس فوق العالم شيء غير نفسه فهو جهة نفسه سبحانه لا يتوجه منها الى شيء موجود خارج العالم ولا يتوجه اليها من شيء موجود خارج العالم وليس هناك شيء موجود غير نفسه يتوجه منه ولا يتوجه اليه ومن قال ان العالم هناك ليس في جهة بهذا الاعتبار فقد صدق ومن قال

انه جهة نفسه بهذا الاعتبار فقد قال معنى صحيحا ومن قال انه فوق المخلوقات كلها في جهة موجودة يتوجه اليها او يتوجه منها خارجة عن نفسه فقد كذب # وان اريد بما يتوجه منه او يتوجه اليه ما يراد بالحيز الذي هو تقدير المكان فلا ريب ان هذا عدم محض # واما الحيز فقد يحوز المخلوق جوانبه وحدود ذاته وقد يحوزه غيره فمن قال ان الباري فوق العالم كله يحوزه شيء موجود ليس هو داخلا في مسمى ذاته فقد كذب فان كل ما هو خارج عن نفس الله التي تدخل فيها صفاته فانه من العالم ومن قال ان حيزه هو نفس حدود ذاته ونهايتها فهنا الحيز ليس شيئا خارجا عنه # وعلى كل تقدير فمن قال انه فوق العالم لم يقل انه في حيز موجود خارج عن نفسه ولا في جهة موجودة خارجة عن نفسه واذا كان صاحب المذهب يصرح بنفي ذلك فالاحتجاج على انه ليس في حيز موجود احتجاج في غير محل النزاع فلا يضر المنازع # الوجه الخامس قوله الاحياز الفوقانية مخالفة بالحقيقة للاحياز التحتانية بدليل انهم قالوا يجب ان يكون الله مختصا بجهة فوق ويمتنع حصوله في سائر الجهات والاحياز اعنى التحت واليمين واليسار ولولا كونها مختلفة في الحقائق والماهيات لامتنع القول بأنه يجب حصوله في جهة الفوق ويمتنع حصوله في سائر الجهات # يقال له الذي اتفق عليه اهل الاثبات ان الله فوق العالم ويمتنع ان لا يكون فوق العالم سواء قدر انه في التحت او غير ذلك بل كون الله تعالى هو العلي

الاعلى المتعالي فوق العالم امر واجب ونقيضه وهو كونه ليس فوق العالم ممتنع فثبوت علوه بنفسه على العالم واجب ونقيض هذا العلم ممتنع هذا هو الذي انفق عليه اهل الاثبات من سلف الامة وائمتها وسائر اهل الفطر السليمة المقرة بالصانع # واما ما ذكره من قول القائل يجب ان يكون مختصا بجهة فوق ويمتنع حصوله في سائر الجهات والاحياز فهؤلاء يريدون بذلك انه يجب ان يكون فوقنا ويمتنع ان يكون تحتنا او عن يميننا او عن شمائلنا وهم لا يعنون بذلك انه يكون متصلا برؤوسنا بل يعنون انه فوق الخلق فالعبد يتوجه اليه هناك لا يتوجه اليه من تحت رجليه او عن يمينه او عن شماله وقد قلنا ان الجهة فيها معنى الاضافة فالعبد يتوجه الى ربه بقلبه الى جهة العلو لا الى جهة السفل واليمين واليسار كما قال ابن عباس وعكرمة في قوله تعالى عن ابليس ^ ثم لآتينهم من بين ايديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم ولا تجد اكثرهم شاكرين ^ قال ولم يقل من فوقهم لانه علم ان الله من فوقهم # وهم لا يريدون بذلك انه من جهة العلو الموجودة في العالم دون جهة اليمين واليسار والتحت بل ليس هو فيما على رأس العبد من الاجسام ولا فيما عن يمينه ولا فيما عن شماله فهذه الاجسام المختلطة بالعبد من جهاته الست ليس شيء منها مما يجب ان يكون الله فيه وما اعلم احد قط يقول انه يجب ان يكون في شيء موجود منفصل عنه سواء كان ذلك فوق العبد او تحته فالرب يجب عندهم ان يكون فوق العالم وهي الجهة التي فوق ولا يجوز ان يكون فوق العالم وغيره بالنسبة اليه سواء # واما ان القوم يثبتون وراء العالم امورا وجودية يقولون يجب ان يكون الله في واحد منها دون سائرها فهذا ما علمنا احدا قاله وان قاله احد تكلم

معه بخصوصه ولا يجعل هذا قول اهل العلم والايمان الذين يقولون ان الله فوق العرش # ولكن منشأ غلط كثير من الناس هنا ان الجهة نوعان اضافية متغيره وثابتة لازمة حقيقة فالاولى هي بحسب الحيوان فان كل حيوان له ست جهات جهة يؤمها هي امامه وجهة يخلفها هي خلفه وجهة تحاذي يمينه وجهة تحاذي يساره وجهة فوقه وجهة تحته وهذه الجهات تتبدل وتتغير بحسب حركته وليس لها صفة لازمة ثابتة وانما الجهة اللازمة الثابتة الحقيقية هي جهتا العلو والسفل فقط فالعلو ما فوق العالم والسفل سجين واسفل السافلين وهو اسفل العالم وقعره وجوفه # واذا كان الامر كذلك لزم من مباينة الله للعالم ان يكون فوقه وليس هناك شيء آخر يجوز ان يكون جهة لله تعالى ولا يمين العالم ولا يساره ولا تحته وكلام هؤلاء خارج باعتبار جهاتهم الاضافية المتنقلة لا باعتبار الجهة اللازمة الحقيقية # الوجه السادس ان يقال هب ان وراء العالم ست جهات وقالوا يجب اختصاصه بالعلو دون غيره كما انه يجب ان يكون فوقنا فالاختصاص من الامور النسبية والاضافية قد يكون لمعنى فيه وفي العالم او لمعنى فيه لا في العالم او في العالم لا فيه لا لمعنى في امر وجودي غيرهما # وقوله يمتنع ان يكون في سائر الجهات والاحياز لمعنى فيه سبحانه وهو انه العلي الاعلى وهو الظاهر الذي لا يكون فوقه شيء فالحاصل ان وجوب علوه

هو لمعنى فيه سبحانه يستحق به ان يكون هو الاعلى الظاهر الذي لا يكون فوقه شيء فلا يجوز ان يكون في جهة تنافي علوه وظهوره وذلك لا يوجب ان تكون الجهة وجودية لان العلو والظهور نسبة بينه وبين الخلق فاذا قيل يجب ان يكون فوقهم وان يكون عاليا عليهم ولا يجوز غير ذلك لم يكن في هذا ما يقتضي ان يسبق ذلك ثبوت محل وجودي له بحيث لو فرض ان وراء العالم ست جهات وان العالم كالانسان الذي له ست جهات لكان انما هو ايجاب لنسبة خاصة واضافة خاصة له الى العالم لا يقتضي ذلك ان يكون هناك امور وجودية فضلا عن ان تكون مختلفة الحقائق # الوجه السابع ان وجود كونه فوق العالم امر مشروط بوجود العالم فانه قبل خلق العالم لا يقال انه فوقه ولا انه ليس فوقه اذ العلو والفوقية هي من الامور التي فيها نسبة واضافة وان كان الناس قد تنازعوا هل علوه وفوقيته واستواءه على العرش من الصفات الذاتية التي وجبت له بنفس ذاته وان كان فيه اضافة ظهر حكمها بخلق العالم والعرش كما يقولون في المشيئة والعلم او هو من الصفات الفعلية وانه استوى على العرش بعد ان لم يكن مستويا عليه او هو اضافة محضة بينه وبين العرش ام متضمن لامرين من ذلك او للامور الثلاثة فلا ريب ان وجود العلو على العرش والاستواء عليه انما هو بعد خلقه ولو قدر ان العالم او العرش خلق في حيز آخر لكان الله سبحانه وتعالى عاليا عاليبه ومستويا عليه حيث خلق كما أنه سبحانه إذا كان مع عبده بعلمه وقدرته او نصره وتأييده وغير ذلك فحيث كان العبد كان الله معه

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:24 AM
# واذا كان كذلك لم يكن لبعض الاحياز حقيقة يتميز بها عن حيز آخر لاجلها يستحق ان يكون الله فيه وانما وجوب اختصاصه هو تابع لوجوب علوه ولاستوائه وعلوه واستواءه على عرشه ينافي ان لا يكون عاليا عليه فما يفرض من سفول وتياسر ونحو ذلك مما ينافي العلو كان منتفيا لان احد النقيضين ينفي الآخر لا لصفة ثابتة لاحد الحيزين دون الاخر # الوجه الثامن قوله ولولا كونها مختلفة في الحقائق والماهيات لامتنع القول بأنه يجب حصوله تعالى في جهة الفوق يقال لا نسلم ذلك ولم يذكر على ذلك حجة فالمنع المجرد يكفي هذه الدعوى # ثم يقال اختصاص الشيء بوجوب كونه فوق الآخر دون كونه عن يمينه ويساره قد يكون لمعنى في الاعلى او لمعنى في الاسفل او لمعنى فيهما وهكذا كل امر فيه اضافة بين امرين كالحب والقدرة ونحو ذلك قد يكون لمعنى في المضاف وقد يكون لمعنى في المضاف اليه وقد يكون لمعنى فيهما كالحب والقدرة ونحو ذلك يقتضي معنى في المحب والمحبوب وكذلك القدرة ولذلك يختصان بشيء دون شيء # واما العلم فيقتضي معنى في العالم لا يقتضي معنى في المعلوم فان العلم يتعلق بكل شيء لا يختص بموجود دون معدوم ولا بممكن دون ممتنع فالاختصاص فيه انما هو في العالم لا في المعلوم وكذلك القول ونحوه # واما العلو فقد يكون لمعنى في العالي كصعود الانسان على السطح فانه هو الذي تحرك حركة اوجبت علوه والسطح لم يتغير فالرجل يكون تارة فوقه وتارة تحته لتحوله هو دون السطح والطير اذا حاذى الانسان وكان فوق رأسه ثم نزل حتى صار تحت مكان هو فيه كان الطير فوقه تارة وتحته اخرى لتحول

الطير دون تحوله هو واذا كانت الامور الاضافية لا تستلزم وجود معنى في غير المضاف والمضاف اليه وان جاز وجود ذلك لكن نفس معنى في احدهما قد يكفي في الصفات الذاتية التي فيها اضافة عارضة لها فيكف يكون في الاضافات المحضة فالعلو سواء كان صفة ثبوتية مستلزما للاضافة او كان فعلا مستلزما للاضافة او كان فيه الامران او كان اضافة محضة يكفي في تحققه وجود معنى في العالي تارة وفي السافل اخرى من غير اختلاف في حقيقة الاحياز # يوضح هذا الوجه التاسع ان الاحياز التي لا ريب في وجودها كالهواء والسطوحات ونحوها قد يعلو عليها الحيوان وتعلو عليه اخرى وتكون تارة عن يمينه وتارة عن شماله مع ان حقائقها في جميع هذه الاحوال سواء لم يتجدد لها باختلاف الحال في كونه عالية وسافلة ومتيامنة ومتياسرة صفة اصلا فاذا كانت الاحياز التي علم وجودها ولا يزال حكم الجهات يختلف فيها بكونها عالية وسافلة ومتيامنة ومتياسرة وهي مع ذلك لا يحدث فيها شيء من التغير فكيف يقال انه لولا كون الاحياز التي هي الفوق والتحت واليمين واليسار مختلفة في الحقائق والماهيات والا لامتنع القول بانه يجب حصوله في جهة فوق # ومما يصح ذلك الوجه العاشر وهو ان رأس الانسان ينبغي ان يكون مختصا بجهة فوق بالنسبة الى سائر بدنه ويده اليمنى يجب ان تكون مختصة بجهته اليمنى ويده اليسرى يجب ان تكون مختصة بجهته اليسرى وصدره وبطنه يجب ان يختص بجهة امامه وظهره يجب ان يختص بجهة خلفه واسفل قدميه يجب ان يختص بجهة تحته ومع هذا الوجوب المعلوم بالاحساس ليس ذلك لاختلاف حقائق الجهات التي اختصت بها هذه الاعضاء ولاختلاف صفاتها بل هذا الاختصاص لا يؤثر في الجهات شيئا اصلا وانما الاختصاص لمعنى في الانسان نفسه لا لمعنى في الجهات

# الوجه الحادي عشر انه اذا قدر ان الحيز والجهة امر موجود لم نسلم المقدمة الثانية وهو قوله ان المسمى بالحيز والجهة امر مستغن في وجوده عما يتمكن ويستقر فيه والذي يكون مختصا بالحيز والجهة يكون مفتقرا الى الحيز والجهة فإن الشيء الذي يمكن حصوله في الحيز يتسحيل عقلا حصوله لا مختصا بالجهة وذلك ان وجود موجود مستغن عن الله ممتنع فان كل ما سواه مفتقر اليه وهو خالق كل شيء وربه ومليكه # وقوله ان المسمى بالحيز والجهة امر مستغن في وجوده مما يتمكن ويستقر فيه قياس شمول عام عدل الله فيه بأحقر المخلوقات فان الاجسام الضعيفة من المواد والحيوان كالحجر والمدر والبعوضة ونحوها اذا كانت في مكان او حيز فلا ريب انها قد تكون محتاجة اليه وهو مستغن عنها لكن قياس الله الخالق لكل شيء الغني عن كل شيء الصمد الذي يفتقر اليه كل شيء بالمخلوقات الضعيفة المحتاجة عدل لها برب العالمين ومن عدلها برب العالمين فانه في ضلال مبين وذلك ان اعظم الامكنة العرش ولا خلاف بين المسلمين الذين يقولون انه مستو عليه او مستقر او متمكن عليه والذين لا يقولون ذلك ان العرش مفتقر الى الله والله غني عن العرش بل هم متفقون على ان الله بقدرته الذي يمسك العرش وحملة العرش وسائر المخلوقات هذا معما جاء في الآثار من اثبات مكانه تعالى كالحديث الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الشيطان قال وعزتك يارب لا ابرح اغوي عبادك ما دامت ارواحهم في اجسادهم فقال الرب تعالى وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لا ازال اغفر لهم ما استغفروني # وفي شعر حسان % تعالى علوا فوق عرش الهنا % وكان مكان الله اعلا وارفعا %


# فقوله ان الحيز والجهة امر مستغن في وجوده عما يتمكن ويستقر فيه قضية عامة ضرب بها مثلا في قياس شمولي ليس معه فيه الا مجرد تمثيل الخالق بالمخلوق الضعيف الفقير وان كان من الجنس الحقير وهؤلاء الجهمية دائما يشركون بالله ويعدلون به ويضربون له الامثال بأحقر المخلوقات بل بالمعدومات كما قدمنا التنبيه عليه غير مرة فلمارأوا ان المستوى على الفلك او الدابة او السرير يتغنى عنه مكانه قالوا يجب ان يكون الله ايضا يستغنى عنه مكانه تشبيها له بهذا المخلوق العاجز الضعيف ولما رأوا ان الحجر والمدر والشجر والانثى والذكر يستغنى عن حيزه ومكانه قالوا فرب الكائنات مشبه بهذه المتحيزات في افتقاره الى ما هو مستغن عنه تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا # ثم يقال له في الوجه الثاني عشر ان كثيرا مما سمي مكانا وحيزا وجهة للانسان يكون مفتقرا اليه بل لغير الانسان ايضا فمن قال ان المكان هو السطح الباطن من الجسم الحاوي الملاقي للسطح الظاهر من الجسم المحوي كبطانة قميص اللابس كان كثير من الامكنة محتاجا الى الممكن كاحتياج القميص الى لابسه واستغناء صاحبه عنه # وكذلك الحيز قد ذكرنا انه يراد به حدود الشيء المتصلة به التي تحوزه وهو جوانبه وتلك تكون داخلة فيه فلا تكون مستغنية عنه مع حاجته اليها وقد يراد به الشيء المنفصل عنه الذي يحيط به كالقميص المخيط وهذا قد يكون مفتقرا الى الانسان كقميصه وقد يكون مستغنيا عنه وان كان مستغنيا عن الانسان لكن الانسان لا يحتاج الى حيز بعينه فليس الانسان مفتقرا الى حيز معين خارج غير ذاته بحال بل وكذلك جيمع الموجودات حيزها اما حدودها المحيطة بها

ونهاياتها وهي منها فتلك لا توصف بالاستغناء عنها واما ما يحيط بها منفصلا عنها فليس في المخلوقات ما يحتاج الى حيز بعينه # واما الجهة فهي لا تكون جهة الا بالتوجه فهي مفتقرة في كونها جهة الى المتوجه والمتوجه لا يفتقر الى جهة بعينها بحال # واذا كانت المخلوقات لا تفتقر الى حيز موجود وجهة موجودة او مكان موجود بعينه وان كان فيها ما يفتقر الى نوع ذلك على البدل وما يسمى لها مكانا قد يفتقر اليها وكذلك ما يسمى حيزا لها متصلا او منفصلا قد يكون مفتقرا اليها وكذلك الجهة مفتقرة اليها في معنى كونها جهة كان دعوى افتقار المتحيزات للحيز مع استغناء الحيز عنه في حق المخلوقات ليس على اطلاقه بل اطلاق ذلك دعوى باطلة فكيف في حق الخالق الغني عن كل ما سواه المفتقر اليه كل ما سواه # الوجه الثالث عشر قوله والشيء الذي يمكن حصوله في الحيز يتسحيل عقلا حصوله لا في جهة يقال له الاجسام كلها حاصلة في الحيز كما ذكرته افتقول انه يستحيل عقلا حصول كل جسم في غير جهة وجودية فهذا لا يقوله عاقل بل يعلم ببديهة العقل ان كل جسم يمكن حصوله في غير جهة وجودية منفصلة كما ان العالم حصال في غير جهة وجودية وما علمنا عاقلا قال ان كل جسم يجب ان يكون حاصلا في حيز وجودي منفصل عنه # واذا كان كذلك كان قوله والشيء الذي يمكن حصوله في الحيز يستحيل عقلا حصوله لا في جهة التى قد قدم انها وجودية قول معلوم الفساد ببديهة العقل متفق على فساده بين العقلاء وهذا ليس مما يخفى على من تأمله # وانما الرجل غلط او خالط في المقدمين فانه قد سمع وعلم ان الجسم لا يكون الا متحيزا فلا بد لكل جسم من حيز ثم سمى حيزه جهة وقد قرر قبل هذا

ان الجهة امر وجودي فركب ان كل جسم يفتقر الى حيز وجودي منفصل عنه وهذا الغلط نشأ من جهة ما في لفظ الحيز والجهة من الاجمال والاشتراك فيأخذ احدهما بمعنى ويسميه بالآخر ثم يأخذ من ذلك الآخر المعنى الآخر فيكون بمنزلة من قال المشتري قد قارن زحل وهذا هو المشتري الذي اشترى العبد وقد قارن البائع فيكون البائع هو زحل او يقول هذه الثريا والثريا قد نكحها سهيل وقارنها فتكون هذه الثريا قد قارنها سهيل ونحو ذلك ومن المعلوم ان الجهة التي نصر انها وجودية وهي مستغنية عن الحاصل فيها ليست هي الحيز الذي يجب لكل جسم # يوضح ذلك الوجه الرابع عشر وهو انه قال ان المسمى بالحيز والجهة امر مستغن في وجوده عما يتمكن ويستقر فيه واما الذي يكون مختصا بالحيز والجهة فانه يكون مفتقرا الىالحيز والجهة فان الشيء الذي يمكن حصوله في الحيز يستحيل عقلا حصوله لا مختصا بالجهة # وذلك يقتضي ان الشيء الذي يمكن حصوله في الحيز يستحيل عقلا حصوله في غير حيز وجهة فيكون محتاجا الى الحيز والجهة وقد قرر ان المسمى بالحيز والجهة امر مستغن في وجوده عما يتمكن ويستقر فيه فيكون الحيز والجهة مستغنيا عن المتحيز المتوجه وذلك يقتضي ان المتحيزات بأسرها مفتقرة الى احيازها وان احيازها التي يستحيل عقلا حصولها في غيرها مستغنية عنها ومن المعلوم لكل عاقل ان تحيز الجسم امر قائم به محتاج اليه ليس هو مستغنيا عن الجسم وهذا هوالذي يستحيل عقلا حصول المتحيز بدونه فانه يستحيل حصول متحيز بدون تحيز وكل جسم متحيز وحصول

المتحيز بدون التحيز محال وهو مثل حصول الجسم او حصول المقدور بدون تقدر او حصول المميز بدون التميز واما كون المتحيز يستحيل عقلا حصوله في غير حيز وراء هذا التحيز فالعقل يعلم خلاف ذلك فيعلم ان المتحيز لا يفتقر الى حيز وجهة غير هذا التحيز الذي قام به # فظهر انه ناقض ما يعلم بالعقل خلافه بأن العقل يعلم افتقار المتحيز الى حيز منفصل عنه بل يفتقر الى حيز هو نهايته التي تحيط به فقلب القضية وجعل الحيز المنفصل الذي هو للجهة مستغنيا عن المتحيز والمتحيز يستحيل عقلا حصوله بدونه وظهر ببطلان المقدمين بطلان المقدمة الاولى من الحجة وهو قوله لو كان مختصا بالحيز والجهة لكان مفتقرا الى غيره # ونتكلم على المباينة فنقول # الوجه الخامس عشر قولك لو كان مختصا بالحيز والجهة لكان مفتقرا الى غيره لفظ مجمل قد تقدم الكلام على نظيره غير مرة وهو ان لفظ الغير عند كثير من الصفاتية او اكثرهم منهم اصحابك هو ما جاز مفارقة احدهما الاخر بزمان او مكان او وجود او ما جاز وجود احدهما دون الآخر وعند كثير من نفاة الصفات ومثبتيها ما جاز العلم بأحدهما دون الآخر فما الذي تريد بلفظ الغير في قولك لو كان مختصا بالحيز والجهة لكان مفتقرا الى غيره # ان اردت به لكان مفتقرا الى ما يجوز وجوده دونه فهذا باطل فليس في الموجوات ما يجوز وجوده دون الله وعلى هذا التقدير فيمتنع افتقار الله الى

غيره لامتناع الغير الذي يجوز وجوده دونه كما يمتنع افتقاره الى مثله لامتناع مثله ويمتنع خوفه من نده لامتناع نده فالفقر والحاجة وعناه الى ما يستغنى عنه محال هذا ان اراد وجود ذلك الغير دونه # وان اراد وجود الله دون ذلك الغير فيكون المعنى انه مفتقر الى الغير الذي يجوز وجود الله دونه وهذا جمع بين القيضين فإنه أذا كان هو سبحانه موجودا دونه لم يكن مفتقرا اليه واذا كان مفتقرا اليه لم يكن سبحانه موجودا دونه فقول القائل انه مفتقر الى الغير الذي يوجد دونه مثل قوله مفتقرا الى ما هو سبحانه وتعالى مستغن عنه وذلك مثل قول القائل مفتقر لا مفتقر ويستغنى لا يستغنى # وكذلك ان اراد بالغير ما يجوز مفارقته لله بزمان او مكان او وجود فالحيز الذي هو من لوازم وجوده كالصفة الذاتية اللازمة له لا يفارقه بزمان ولا مكان # وقد ذكرنا ان الحيز الوجودي يراد به حد الشيء المتحيز الذي يجوزه ويراد به شيء منفصل عنه يحوزه والله سبحانه ليس هو بل ولا غيره من الملخلوقات مفتقرا الى حيز وجودي بالمعنى الثاني واما الحيز الوجودي بالمعنى الاول فهذا لا يجوز ان يفارق المتحيز لا في زمان ولا في مكان ولا وجود الا اذا فرق ذلك المتحيز وحينئذ فلا يكون هو اياه مع ان الله سبحانه صمد لا يجوز عليه التفرق والانقسام # فان ارد بالغير هذا المعنى كان التقدير لو كان مختصا بالحيز والجهة لكان مفتقرا في وجوده الى ما هو لازم لذاته لا يجوز مفارقته له ولا انفصاله عنه وهكذا

حكم جميع الصفات الذاتية فيكون المعنى كما لو قيل لو كان له صفة ذاتية لكان مفتقرا اليها افتقار الموصوف الى الصفة وهذا من شبه نفاة الصفات التي يبطلها هذا المؤسس نفسه كما تقدم الكلام عليه وهذا احد الوجوه التي ذكرها في حجة نفاة الصفات في نهايته فقال الثالث عالمية الله وقادريته لو كانت لاجل صفات قائمة به لكان الباري محتاجا الى تلك الصفات لكن الحاجة على الله محال فبطل باتصاف ذاته بالصفات فقوله لو كان مختصا بالحيز والجهة لكان مفتقرا في وجوده الى ذلك مثل هذه سواء اذا فهم ان الحيز الذي يلزم المتحيز هو امر لازم له ليس شيئا منفصلا عنه وان المتحيز لا يفتقر الى حيز موجود منفصل عنه بضرورة العقل والحس واتفاق العقلاء وقد تقدم الكلام على مثل هذه الحجة غير مرة # وهي مثل قولهم يستلزم التركيب والكثرة الموجبة لافتقاره الى اجزائه وقد قال هو قولهم يلزم من اثبات الصفات وقوع الكثرة في الحقيقة الالهية فتكون تلك الحقيقة ممكنة قلنا ان عنيتم به احتياج تلك الحقيقة الى سبب خارجي فلا يلزم لاحتمال استناد تلك الصفات الى الذات الواجبة لذاتها وان عنيتم به توقف الصفات المخصوصة في ثبوتها على تلك الذات المخصوصة فذلك مما نلتزمه فأين المحال قال وايضا فعندهم الاضافات صفات وجودية في الخارج فيلزمكم ما الزمتمونا ويلزمكم ايضا في الصورة المرتسمة في ذاته من المفعولات ما الزمتمونا ونحن قد بينا ان هذه الامور ليست غيرا له بهذا الاصطلاح فلا يصح ان يقال هو مفتقر الى غيره # واما ان اراد بالغيرين ما يجوز العلم بأحدهما دون الاخر فنقول ثبوت هذه المعاني في حق الله تعالى متفق عليه بين العقلاء معلوم بضرورة العقل فلابد منه في كل موجود فانه يعلم شيء ثم يعلم شيءآخر فان كان ثبوت هذه الامور

مستلزم حاجة الله الى الغير فهذا اللازم على كل تقدير ولكل العقلاء وحينئذ فلا يكون محذورا بهذا التفسير # فظهر ان قوله لكان مفتقرا في وجوده الى الغير اما منع الملازمة او منع انتفاء اللازم وذلك بسبب اشتراك لفظ الغير بضرورة العقل واتفاق العقلاء فان الغير ان عنى به ما يجوز مفارقته في وجود او زمان او مكان منعت المقدمة الاولى وهو قوله لكان مفتقرا الى غيره فان الحيز الوجودي الذي يلزمه ليس مما تجوز مفارقته وان عنى بالغير ما يجوز العلم بأحدهما دون الآخر فثبوت هذا في حق الله معلوم بضرورة العقل واتفاق العقلاء وان كان فيهم من لا يسميه غير # فالمقصود هنا المعنى دون الالفاظ فتكون المقدمة الثانية باطلة بضرورة العقل واتفاق العقلاء # الوجه السادس عشر يقال له ما تعني بقولك لكان مفتقرا في وجوده الى الغير فان الافتقار المعروف عند الاطلاق ان يكون الشيء محتاجا الى ما هو مستغن عنه كافتقار العبد الى الله # واما الشيئأن اللذان لا يوجد احدهما الا مع الآخر كالموصوف وصفته اللازمة او المقدرة وقدره اللازم له وكالامور المتضايفة مثل الابوة والبنوة والعلو والسفل ونحو ذلك فهذه الامور لا توصف بافتقار احدهما الى الآخر دون العكس لكن اذا قيل كل منهما مفتقر الى للآخر كان بمنزلة قول القائل الشيء مفتقر الى نفسه والمعنى ان احدهما لا يوجد الا مع الآخر كما ان الشيء لا يكون موجودا الا بنفسه فاذا كان مخلوقا كان الفاعل له لنفسه والفاعل لاحدهما هو الفاعل الآخر واذا كان ذلك هو الخالق لم يكن سبحانه مفتقرا الى غير ذاته وانما المعنى انه واجب الوجود بنفسه ووجوده لازم لزوما لا يمكن عدمه واحد هذه الامور لازم للآخر لزوما يمكن معه عدمه

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:25 AM
# واذا كان هذا المعنى هو الذي يمكن ان يراد بلفظ الافتقار هنا فيكون المعنى لو كان له صفة ذاتية لازمة له او لو كان له تحيز لازم لكان ملازما له لا ينفك عنه وحينئذ فيتحد اللازم والملزوم ويكون هذا من باب تحصيل الحاصل كما لو قيل لو كان واجبا بنفسه لكان مفتقرا الى نفسه والمعنى ان نفسه لازمة لنفسه لزوما لا يمكن عدمه فانما تغلط الاذهان هنا وتحصل الشبهة عند كثير من الناس والوهم في قلوبهم لما في لفظ الافتقار الى الغير من المحذور # وهؤلاء عمدوا الى هذا اللفظ فاستعملوه في غير المعنى المعروف في اللغة وسموا لزوم صفاته له افتقارا الى الغير فلما عبروا عن المعاني الصحيحة بل المعاني التي يعلم بضرورة العقل ثبوتها في نفس الامر بل لا يستريب في ثبوتها احد من العقلاء ما دام عاقلا عبروا عنها بالعبارات المشتركة المجملة التي قد تستعمل في معاني فاسدة يجب تنزيه الباري سبحانه وتعالى عنها كان هذا الاشراك مما اشركوا فيه بين الله وبين خلقه وهو من نوع شركهم وعدلهم بالله حيث اشركوا بين المعاني والواجبة لله الممتنعة عليه في لفظ واحد ثم نفوا به ما يجب لله وكانوا مشركين معطلين في المعاني كما تقدم التنبيه على ذلك غير مرة # بمنزلة من سمى رحمان اليمامة الرحمن وجعل يقول للناس انا كافر بالرحمن يوهمهم انه رحمان اليمامة وهو كافر بالرحمن الذي على العرش او بمنزلة من سمى الاوثان الآلهة والاله وجعل يقول للمؤمنين قد عبدت الاله ودعوت الاله وانما يعنى به الوثن اوبمنزلة الله اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى وهو يعني الكفر بالله فهذا المثل نظير ما فعلوه من تسميته لما اثبته الله لنفسه بأسمائه

وآياته بأسماء باطلة من المفتقر والغير ونحو ذلك ثم جعل يقول ينزه الله تعالى عن ان يكون مفتقرا الى الغير وهو مثل من يسمى نبيه محمدا مذمما ثم يقول العنوا مذمما وهو صلى الله عليه وسلم محمد ولي بمذمم # والله سبحانه الغني بماله من الاسماء والصفات وليس بمفتقر الى غيره بوجه من الوجوه وان سموه هم مفتقرا الى غيره اذا ثبتت له هذه الصفات كما سمى المشركون محمدا مذمما لما دعاهم الى توحيد الله وعبادته # وهذا حال فريق ممن خالف سلطان الله الذي بعث به رسله وسمى سبحانه الاشياء بما تستحقه من الاسماء من اهل الكفر والبدع التي تشتمل على ما هو من الايماز وما هو من الكفر فانهم يسمون الاشياء بأسماء تتضمن حمدا وذما ونفيا واثباتا وتلك الاسماء سموها هم وآباؤهم ما انزل الله بها من سلطان وذلك مثل تسمية الكفار النبي صلى الله عليه وسلم شاعرا وساحرا وكاهنا ومجنونا وذلك لنوع شبهة قد ازاحها بما اظهره من البينات فلما رأوا القرآن كلاما موزونا شبهوه بالشعر الموزون ورأوا الرسول يخبر بالغيوب عن روح ينزل اليه بها فشبهوه بالكاهن الذي يخبر بكلمة فيكذب معها مأة كذبة عن روح شيطاني ينزل علييه بها ورأوه يزيل مافي النفوس من الأعتقادات الفاسدة والإرادات الفاسدة الى الصحيح التي فطر الله عليه فشبهوه بالساحر الذي يغير الامر في ادراكاتهم وحركاتهم حتى يعتقدوا الشيء بخلاف ما هو عليه ويحبوا ما ابغضوه ويبغضوا ما احبوه ورأوه قد اتى بما يخالف عاداتهم الفاسدة وما يذمونه عليه فشبهوه بالمجنون الذي يخرج عما يعرف في العقل وما يذم عليه

# كذلك يسمى اهل البدع لمن اتبع سبيله الذين قال فيهم ^ قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله وما انا من المشركين ^ باسماء باطلة كتسمية الرافضة لهم ناصبة مع محبتهم اهل البيت وموالاتهم تشبيها لهم بمن يبغضهم ويعاديهم لاعتقادهم ان لا ولاية لهم الا بالبراءة من الصحابة وزعموا انهم كانوا يعادونهم # وكسمية القدرية لهم مجبرة مع كونهم يعتقدون ان العبد فاعل حقيقة وله ارادة وقدرة تشبيها بمن يسلب العبد الفعل ويجعله كالجمادات التي لا ارادة لها لما اعتقدوا ان الله خالق كل شيء وهو خالق العبد وصفاته وافعاله # وكذلك تسمية الجهمية لهم مشبهة مع كونهم يعتقدون ان الله ليس كمثله شيء في صفة من صفاته اصلا تشبيها لهم بالممثلة الذين يجعلون الله من جنس المخلوقات لما اعتقدوا ان الله موصوف بصفات الاثبات التي جاءت بها النبوات # واما في الذم فتسمية الكفار اصنامهم الاله وتسميتها اللات والعزى ومنات الثالثة الاخرى وما في ذلك لها من معنى الهيبة والعزة والتقدير # وكذلك تسمية اهل البدع لانفسهم بأسماء لا يستحقونها كما تسمى الخوارج انفسهم المؤمنين دون بقية اهل القبلة ويسمون دارهم دار الهجرة # وكذلك الرافضة تسمى اهلها المؤمنين واولياء الله دون بقية اهل القبلة

# وكذلك الجهمية ونحوها يسمونه انفسهم الموحدين ويسمون نفي الصفات توحيد الله # وتسمي المعتزلة ذلك توحيدا وتسمي التكذيب بالقدر عدلا وتسمى القتال في الفتنة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر # وكذلك تسمية الصابئة لعلومهم او اعمالهم الحكمة او الحكمة الحقيقية او المعارف اليقينية مع ان فيها من الجهل والشبه والضلال مالا يحصيه الا ذو الجلال # وكذلك تسمية الاتحادية انفسهم اهل الله وخاصة الله والمحققين وهم من اعظم الناس عداوة لله وابعد الناس عن التحقيق # وما من اسم من هذه الاسماء الباطلة في الحمد والذم الا ولابد لاصحابه من شبهة يشتبه فيها الشيء بغيره بل قد يفعل المبطلون اعظم من ذلك كتسمية بعض الزنادقة المتفقرة المسجد اسطبل البطالين وهذا كثير في من يسمي الحق باسم الباطل والباطل باسم الحق وتلك كلها اسماء سموها هم وآباءهم ما انزل الله بها من سلطان وانما فعلوها لنوع من الشبه التي هي قياس فاسد كشبه الجهمية وقياسهم انه لو كان لله صفات لازمة لكان مفتقرا الى غيره فسموا لاجل ما هو به مستحق الحمد والثناء والمجد وهو الغني الصمد سموه لاجل ذلك مفتقرا الى الغير وهذا منهم باطل ما أنزل به من سلطان # الوجه السابع عشر قوله المفتقر في وجوده الى الغير يكون بحيث يلزم من عدم ذلك الغير عدمه وكل ما كان كذلك كان ممكنا لذاته وذلك في حق واجب الوجود لذاته محال

# يقال اذا كان الشيء مفتقرا الى شيء آخر مستغن عنه وانه يكون بحيث يلزم من عدم ذلك الثاني عدم الاول او لا وجود للاول الا بالثاني وما كان كذلك فانه ممكن لذاته # لكن اذا كان الثاني غير مستغن عن الاول بل كان الثاني مفتقرا الى الاول بحيث يلزم من عدم الاول عدمه لم يمكن ان يجعل الاول ممكنا لافتقاره الى الثاني باولى من ان يجعل الثاني ممكنا لافتقاره الى الاول وحينئذ يجب دخولهما جميعا في وجوب الوجود اذا ثبت ان كلا منهما حاجته الى الآخر كحاجة الآخر اليه فكيف والموصوف هنا المستلزم للصفة # وذلك يظهر بالوجه الثامن عشر وهو انه قد عرف ان الغير هنا لا يعني الغير المنفصل عنه بل ما تغاير في العلم وان الافتقار المراد به اللازم فيكون المعنى ان الموصوف مستلزم الصفة ومعنى افتقاره اليها انه لا يكون له حقيقة اولا يكون على ما هو عليه الا بها وانه يلزم من عدمها عدمه لكن تلك الصفة ايضا يلزم من عدم الموصوف عدمها ولا حقيقة لها ولا وجود الا بالموصوف وكونها تستلزم الموصوف وهو افتقارها الى الموصوف ابلغ من كون الموصوف مستلزما لها واذا كان كذلك كان الموصوف واجبا للوجود ولم يكن يفتقر الى شيء منفصل عنه ولكن معنى حاجته استلزامه للصفة التي هي مستلزمة له وهذا حق وهو غير مناف لوجوب الوجود بل لا يكون وجود واجب ولا غير واجب الا كذلك # والوجه التاسع عشر انه لو فرض ان ذاته مستلزمهة لشيء منفصل عنه من حيز او غيره لكان بحيث يلزم من عدم ذلك اللازم لذاته المنفصل عنه عدم الملزوم الذي هو ذاته ثم لم يقل احد من الخلائق بأن رب العالمين مفتقر لاجل

ذلك الى ما يكون عنه ولا على قول القائل بالتعليل والتوليد الذين منهم خرج التكلم بواجب الوجود فانهم يقولون انه علة تامة مستلزم لوجود معلوله الذي هو العالم الذي تولد عنه ومع هذا فهو واجب الوجود ليس بممكن الوجود ولا يفتقر الى غيره # الوجه العشرون قوله ان المسمى بالحيز والجهة امر مركب من الاجزاء والابعاض لانه يمكن تقديره بالذراع والشبر وما كان كذلك كان مفتقرا الى غيره ممكنا لذاته فالمفتقر اليه اولى ان يكون ممكنا # يقال له قد تقدم ان الحيز الوجودي الذي يقال ان ذات الله مستلزمة له ليس هو شيئا منفصلا عنه حتى يقال انه مركب من الاجزاء والابعاض ام ليس بمركب وهذا الوجه انما هو اقامة دليل على حيز وجودي منفصل عن الله تعالى مثل العرش والمنازعون له يقولون ان ذات الله ليست مستلزمة لوجود حيز وجودي منفصل عنه وانما قد يقول من يقول منهم انه يكون على العرش او يأتي في ظلل من الغمام او كان قبل ان يخلق العرش في عماء وهر السحاب الرقيق لكن لم يقولوا ان ذلك لازم له بل هو من الامور الجائزة عليه فلا يكون مفتقرا اليه # والوجه الحادي والعشرون انه اذا قال قائل انه لابد من حيز وجودي غير ذاته الغمام او غيره او الخلاء عند من يتخيل انه موجود فانه قد يقول لا نسلم انما ذكره من تقديره ومساحته يدل على امكانه فان هذا هو الادلة الدالة على

امكان ذوات المقدار وقد تقدم بيان بطلانه وانه لم يقم على ذلك حجة لما ذكر ادلته على ان كل متحيز وكل جسم فهو ممكن # الوجه الثاني والعشرون انه اذا قدر ان ذلك ممكن لذاته فانه لا يكون الا مفتقرا الى الله لان كل ما سواه مفتقرا اليه وغيته ان تكون حقيقة الرب مستلزمة له ويكون افتقاره اليه كما يقال من افتقار الموصوف الى صفته واكثر ما يقال انه مفتقر اليه كافتقار العلة الى معلولها الذي هو مفتقر اليها يعني ان العلة لا تكون موجودة الا بوجود معلولها ومعلولها هو مفتقر اليها فجعل العلة الموجبة بنفسها مفتقرة الى معلولها حاصله ان وجوده لا يكون الا مع وجوده وهذا لا يوجب ان يكون واجب الوجود ممكنا # والوجه الثالث والعشرون قوله والمفتقر الى الممكن بذاته اولى ان يكون ممكنا لذاته فيقال اذا كان معنى الفقر ما يعود اليه حاصل كلامك وان معناه ان الواجب بنفسه مستلزم لوجود ما هو ممكن بذاته وهو الواجب لذلك الممكن وهو مع حاجته اليه هو الموجب فيكون حقيقة الامر ان الواجب بنفسه اوجب او اوجد ما يحتاج اليه وهذا لا يوجب ان يكون محتاجا الى ما هو مستغن عنه ولا أن يكون ممكنا بل لا يوجب الى ما هو غيره لان ذاته هي الموجبة لكل ما يحتاج اليه فلا حاجة به الى غيره بحال هذا مع تسميتنا هذه المعاني حاجة وافتقارا على ما زعمته ولكن لو كان محتاجا الى ممكن مستغن عنه بوجه من الوجوه كان فيه امكان اما اذا كان ذلك الامر محتاجا اليه من كل وجه غير مستغن عنه فالحاجة الى ما لا يقوم الا بنفسه كالحاجة الى نفسه وذلك لا ينافي وجوبه بنفسه بل حقيقة الواجب بنفسه ان لا يستغني عن نفسه ولا يكون الا

بنفسه سمبت ذلك فقرا الى نفسه اولم تسمه وهذه الحجة لامور قد تقدم الكلام عليها فلهذا نختصر الكلام عليها ها هنا # الوجه الرابع والعشرون قوله في الثالث لو كان الباري ازلا وابدا مختصا بالحيز والجهة لكان الحيز والجهة موجودين في الازل فلزم اثبات قديم غير الله وذلك محال باجماع المسلمين # يقال له هؤلاء اذا قالوا بأنه مختص بحيز وجودي ازلا وابدا فليس ذلك عندهم شيئا خارجا عن مسمى الله كما ان الحيز الذي هو نهايات المتحيز وحدوده الداخلة فيه ليس خارجا عنه بل هو منه وعلى هذا التقدير فيكون اثباتهم لقدم هذا الحيز كاثبات سائر الصفاتية للصفات القديمة من علمه وقدرته وحياته لا فرق بين تحيزه وبين قيامه بنفسه وحياته وسائر صفاته اللازمة والحيز مثل الحياة والعلم بل ابلغ منه في لزومه للذات كما انه كذلك في سائر المتحيزات فالحيز الذي هو داخل في المتحيز الذي هو حدوده وجوانبه ونواحيه ونهاياته ابلغ في لزومه لذاته من بعض الصفات كالسمع والبصر والقدرة وغير ذلك # ثم ان هذه الحجة التي ذكرها من لوازم اثبات قديم غير الله تعالى مشهورة من حجج النفاة للصفات وقد ذكرها هو في نهايته فقال في حجتهم الرابع الصفات القديمة لابد وان تكون مساوية للذات القديمة في القدم وذلك بمقتضى الاشتراك في الحقيقة ولا يستحيل ان يكون للذات صفات قديمة لكن هذا الموضع لا يحتاج الى ذلك فانه احتج على نفي قديم غير الله باجماع المسلمين فيكون الجواب في # الوجه الخامس والعشرون وهو ان المسلمين لم يجمعوا على انه ليس لله صفة قديمة بل عامة اهل القبلة على اثبات ذلك ولكن اجمعوا على انه ليس

فيما هو خارج من مسمى الله وهو الامور المخلوقة شيء قديم فاين هذا من هذا فهذا الاجماع انما يلزم لو قيل ان هناك حيزا وجوديا خارجا عن مسمى الله تعالى يختص به ازلا وابداء # الوجه السادس والعشرون ان احتجاجك في هذا الاجماع لا يصح فانك قد حكيت نزاع المسلمين في ان الباري هل هو متحيز ومختص بحيز وجهة وقررت ان الحيز امر وجودي فتكون قد حكيت نزاع المسلمين في ثبوت حيز قديم مع الله بل قد يقال حكيت اختلافهم في ثبوت حيز قديم وجودي غير الله واذاحكيت اختلافهم في ذلك لم يجز ان تحكي اجماعهم على نفي قديم غير الله تعالى # وتقرير هذا في الوجه السابع والعشرين ان يقال هذه الحجة في اولها مبنية على ان الحيز امر وجودي وبذلك ابطلت المنازع لك في ان الباري متحيز فلا يخلو اما ان يكون الحيز وجوديا ام لا فان كان الحيز وجوديا فقد ثبت تنازع الامة في ثبوت قديم غير الله معه لان النزاع في تحيزه معلوم مشهور وانت انما قصدت الرد علىالمخالف في ذلك وان لم يكن الحيز وجوديا بطلت الحجة من اصلها وعلى التقديرين لا يصح ان تحتج بالاجماع على نفي قديم غير الله تعالى مع حكايتك الخلاف في ان الله متحيز وبنائك الحجة على ان الحيز امر وجودي بل ان كان ما ذكرته من النزاع نقلا صحيحا وما ذكرته من الحجة صحيحة فقد ثبت ان في الامة من يقول بثبوت قديم غير الله وان لم يكن صحيحا بكل الاستدلال من اوله # الوجه الثامن والعشرون ان هذا اللفظ بعينه لا ينقل عن سلف الامة حتى يحتج بمضمون اللفظ ولكن لما علم من مذهب الامة ان الله خالق كل شيء

وان العالم محدث ذكر هذا اللفظ نقلا لمذهبهم بالمعنى واذا كان كذلك لم يكن هذا متناولا لموارد النزاع بين الامة # الوجه التاسع والعشرون انه اورد من جهة المنازع انه لا يعنى بكونه مختصا بالحيز والجهة الا انه مباينا عن العالم منفردا عنه ممتازا عنه وكونه كذلك لا يقتضي وجودا آخر سوى ذات الله تعالى فبطل قولكم لو كان في الجهة لكان مفتقرا الى الغير وهذا كلام جيد قوي كما قد بيناه في ما مضى ان الحيز لا خلاف بين الناس انه قد يراد به ما ليس بخارج عن مسمى الذات وان هؤلاء المنازعين لا يقولون ان مع الباري موجودا هو داخل في مسمى نفسه او موجودا مستغنيا عنه فضلا عن ان يكون الرب مفتقرا اليه بل كلما سواه فانه محتاج اليه وقد قرر لهم ذلك بالعالم فقال # والذي يدل على صحة ما ذكرنا ان العالم لا نزاع في انه مختص بالحيز والجهة وكونه مختصا بالحيز والجهة لا معنى له الا كون البعض منفردا عن البعض ممتازا عنه واذا عقلنا هذا المعنى ههنا فلم لا يجوز مثله في كون الباري مختصا بالحيز والجهة وهذا كلام سديد وهو قياس من باب الاولى # ومثل هذا القياس يتعمل في حق الله تعالى وكذل ورد به الكتاب والسنة واستعمله سلف الامة وائمتها كقوله تعالى ^ ضرب لكم مثلا من انفسكم هل لكم مما ملكت ايمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونه كخيفتكم انفسكم ^ الآية وقوله ^ ام له البنات ولكن البنون ^ وقوله ^ اصطفى البنات على البنين ^ وقوله ^ واذا بشر احدهم بالانثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم بتوارى من القوم من سوء ما بشر به ايمسكه على هون ام يدسه في التراب الا ساء ما يحكمون للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الاعلى

وهو العزيز الحكيم ^ وقوله ^ ويجعلون لله ما يكرهون وتصف السنتهم الكذب ان لهم الحسنى لا جرم ان لهم النار وانهم مفرطون ^ # فان الله اخبر انهم اذا لم يرضوا لانفسهم ان يكون مملوك احدهم شريكه ولم يرضوا لانفسهم ان يكون لهم البنات فربهم احق واولى بأن ينزهوه عما لا يرضوه لانفسهم للعلم بأنه احق منهم بالتنزيه عما هو عيب ونقص عندهم وهذا كما يقوله المسلم للنصراني كيف تنزه البتريك عن ان يكون له ولد وانت تقول ان لله ولدا وكذلك هنا هو ينزه العالم المتحيز ان يكون مفتقرا الى شيء موجود ولا ينزه الرب المعبود اذا كان فوق العرش ان يكون مفتقرا الى شيء موجود والخالق احق بالغنى من المخلوق فتنزيهه عن الشريك والولد والحاجة كل ذلك واجب له فاذا نزه بعض الموجودات عن شيء من ذلك كان تنزيهه الباري عنه اولى واحرى # ولم يجب عن هذا القياس والمثل الذي ضربوه له بالعالم بجواب صحيح بل قال قوله الاجسام حاصلة في الاحياز فنقول غاية ما في هذا الباب ان يقال الاجسام تحتاج الى شيء آخر وهذاغير ممتنع واما كون الله تعالى محتاج في وجوده الى شيء آخر فممتنع فظهر الفرق # فيقال له انت وجميع الخلق تسلمون ان كون العالم في حيز وجهة لا يستلزم الافتقار الى حيز موجود مستغن عن العالم فهذا لم يقله عاقل فانه يستلزم التسلسل واذا كان قد علم بالعقل والاتفاق ان العالم يستغنى في تحيزه عن حيز موجود خارج عنه فخالق العالم اولى ان يكون مستغنيا عن ذلك ومن قال انه في تحيزه يكون مفتقرا الى شيء موجود خارج عنه فلم يكفه انه عدله بالمخلوقات بل فضل المخلوق بالاستغناء عليه تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا

# واما قوله ايضا في الجواب فد بينا بالبراهين القاطعة ان الاحياز اشياء موجودة فلا يبقى في صحتها شك فيقال له قد تبين ان هذه من اضعف الشبه مع انك مبطل لها كما تقدم ثم ما ذكرته في نهايتك في ذلك منقوص عليك في العالم فما كان جوابك فيه كان جواب منازعك هنا لانك ضربت لله امثالا اوجبت فيها انه محتاج مع وصفك لمن هو دونه بالغنى عما جعلته محتاجا اليه # ويكفيك ضلالا انك لو اشركت بالله وجعلته مثل المخلوقات لنجوت من هذا الضلال الذي اوجبت فيه حاجة رب العالمين الى غيره اذا كان فوق العالم بل هذه الحال الذي سلكتها اسوأ من حال المشركين في هذا المقام حيث اغنيت المخلوق عما احوجت اليه الخالق ^ الذي خلق السموات والارض في ستة ايام ثم استوى على العرش ^ # ومثله في هذه المناظرة كما وقع بين اثنين واحد من المثبتة الذين يثبتهم الله بالقول الثابت وآخر من النفاة قال النافي للمثبت اذا قلتم ان الله فوق العالم وفوق العرش لزم ان يكون محتاجا الى العرش او يكون محمولا له محتاجا اليه كما اذا كان احدنا على السطح فقال له المثبت السماء فوق الارض وليست محتاجة اليها وكذلك العرش فوق السموات وليس محتاجا اليها فاذا كان كثير من الامور العالية فوق غيرها ليس محتاجا اليها فكيف يجب ان يكون خالق الخلق الغني الصمد محتاجا الى ما هو عال عليه وهو فوقه مع انه هو خالقه وربه ومليكه وذكل المخلوق بعض مخلوقاته مفتقر في كل اموره اليه فاذا كان المخلوق اذا علا على كل شيء غني عنه لم يجب ان يكون محتاجا اليه فكيف يجب على الرب اذا علا على كل شيء من مخلوقاته وذلك الشيء مفتقر اليه ان يكون الله محتاجا اليه

# الوجه الثلاثون انه قال في الاعتراض لا معنى لكونه مختصا بالحيز والجهة الا كونه مباينا عن العالم منفردا عنه ممتازا عنه وكونه كذلك لا يقتضى وجود امر آخر سوى ذات الله تعالى فقال في الجواب اما قوله المراد من كونه مختصا بالحيز والجهة كونه تعالى منفردا عن العالم او ممتازا عنه او بائنا عنه قلنا هذه الالفاظ كلها مجملة فان الانفراد والامتياز والمباينة قد تذكر ويراد بها المخالفة في الحقيقة والماهية وذلك مما لا نزاع فيه ولكنه لا يقتضي الجهة والدليل على ذلك هو ان حقيقة ذات الله تعالى مخالفة لحقيقة الحيز واجهة وهذه المخالفة والمباينة ليست بالجهة فان امتياز ذات الله عن الجهة لا يكون بجهة اخرى والا لزم التسلسل # فيقال له هذا الذي ذكرته ليس دليلا على ان المخالفة في الحقيقة والماهية لا تقتضي الجهة فان قولك ان حقيقة ذات الله تعالى مخالفة لحقيقة الحيز والجهة وليس ذلك بالجهة انما يكون حجة لو ثبت ان الحيز والجهة امر وجودي فان الكلام هنا انما هو في الامتياز والمباينة التي من الامور الموجودة لا بين الموجود والمعدوم فان المعدوم ليس شيء في الخارج حتى يحتاج الى التمييز بينه وبين غيره وليس له حقيقة وماهية حتى يميز بينه وبين غيره ولو فرض انه محتاج الى التمييز بينه وبين غيره فالكلام هنا هو المباينة التي بين موجودين وهي المباينة بين الله وبين العالم # واذا كان كذلك كان احتجاجه بالمباينة التي بين الله وبين الجهة على المباينة بين الموجودين يكون بالحقيقة لا بالجهة انما يقع اذا كانت الجهة امرا وجوديا وهذا هو محل النزاع الذي نازعه فيه المنازع على ان الجهة المضافة

الى الله تعالى ليست امرا موجودا فانه لا معنى لكون الباري في الجهة الا كونه مباينا للعالم ممتازا عنه منفردا وهو لا يقتضي وجود امر سوى ذات الله فاذا احتج على ان المباينة التي بين الله تعالى وبين العالم انما هي بالحقيقة ومباينة الشيء بالحقيقة لا يقتضي الجهة كمباينة الرب للجهة كان قد سلم ان الجهة امر وجودي في هذا الجواب وهذه مصادرة على المطلوب حيث جعل الشيء مقدمة في اثبات نفسه والمنازع يقول لا اسلم ان الجهة امر موجود حتى يقال ان الله تعالى مباين لشيء موجود بغير جهة فان النزاع ما وقع الا في وجودها وهذا اول المسألة فكيف يحتج في وجوده بدليل محتج فيه بوجوده وهذا ظاهر لا يخفى على من تدبره وظهر انه لم يذكر حجة على ان المخالفة بالحقيقة لا تقتضي الجهة # الوجه الحادي والثلاثون ان يقال المعلوم من المباينة والامتياز بالحقيقة والماهية لا يخلوا عن الجهة وذلك انه اما ان يكون بين جوهرين وجسمين وما يقوم بهما وكل منهما مباين للآخر بالجهة واما ان يكون عرضين بجوهر واحد وعين واحدة كطعمه ولونه وريحه وعلمه وقدرته او بين العينين وبين صفاتها واعراضها كالتميز بين الجسم وبين طعمه ولونه وريحه وهذان الموضعان لا تخلوا الامرين عن الجهة ايضا فان الجوهر هو في الحيز بنفسه بخلاف العرض الذي فيه فانه قائم في الحيز تبعا لغيره واما الصفتان والعرضان فهما ايضا قائمان بمتحيز وان كان احدهما لا يتميز عن الآخر بمحله فليس في الاشياء الموجودة التي يعلم تباينها وتمايزها ما يخلوا عن الجهة والحيز # فان قيل فاحد العرضين مباين الاخر بحقيقته مع اتفاق محلهما # فيقال الوجه الثاني والثلاثون وهو ان كل شيئين قائمين بأنفسهما لا يباين احدهما الآخر الا بالجهة وذلك ان الموجودات كلها الواجب والممكن

اما قائم بنفسه واما القائم بغيره فالقائمان بأنفسهما لا يتميز بعضهما عن بعض الا بالجهة واما القائم بغيره فانه تبع في الوجود للقائم بنفسه # يوضع ذلك ان قالقائم بغيره هو محتاج الى محل ومكان # وايضا فقد يقال الاعراض نوعان احدهما مالا تشرتط له الحياة وهي قسمان # احدهما الاكوان وهي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق فهذه لا تتميز وتتباين الا بالجهة والحيز وان كان تبعا للمحل فلا يفرق بين الحركة والسكون ولا بين الاجتماع والافتراق الا بالحيز والجهة فان الحركة انتقال في حيز بعد حيز والسكون دوام في حيز واحد والاجتماع يكون بتلاقي الحيزين والافتراق يكون بتباينهما # والثاني الطعوم والالوان والروايح وهذه هي الصفات فهذه الامور لا تدرك بشيء واحد بل تتميز بحواس مختلفة فالذي يتميز به هذا غير الذي يتميز به هذا فحقائقها لا تظهر الا بادراكها وادراكها من اجناس في احياز متباينة فامتياز الاحياز التي لا دراكاها تقوم مقام امتياز احيازها # والقسم الثاني ما تشترط له الحياة كالعلم والقدرة والسمع والبصر فهذه ايضا متابينة قد يحصل بين محالها التباين فقد يحصل بين آثارها من تباين المحال ما يقوم مقام تباين محالها وقد يقال هذه الاعراض كلها مفروضة الاضافة الىالغير وذلك الغير الذي هي مضافة اليه متباين بجهته فهي متباينة بالاضافة الى ما تتباين جهته وظهر انه ليس في الموجودات ما يباين غيره بمجرد حقيقته المجردة عن الجهة من كل وجه بل لابد من شيء يظهر تحصل به

الوجه الثالث والثلاثون أن يقال لا نسلم أنه إذا قيل هذا مباين لهذا وممتاز عنه أو منفرد عنه فإنه لا يراد به إلا أن حقيقته ليست مثل حقيقته بل المراد بذلك أن هذا في ناحية عن هذا وأنه منفصل عنه بحيث يكون حيزه غير حيز هذا هو المعروف من هذا وأما الإختلاف في الحقيقة فمعناه عدم المماثلة فإن الحقائق إما مختلفة وإما متماثلة ومن المعلوم أنه إذا قيل ان الله مباين للعالم أو ممتاز عنه ومنفرد عنه لم يرد به أن الله ليس مثل العالم وهذا كما قيل لإبن المبارك بماذا نعرف ربنا بأنه فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه فهذه المباينة لا يراد بها عدم المماثلة بل يراد بها أنه منفصل عنه وتصور ذلك بديهي ظاهر # وما يعلم في المواضع التي يستعمل فيها لفظ مباينة الشيء لغيره وامتيازه عنه وانفراده عنه ألا ويكون ذلك مع إنفصال أحدهما عن الآخر حتى إذا ضمن ذلك المفاضلة وعدم المماثلة مثل أن يقال هذا متميز عن هذا بكذا وكذا وهذا منفرد عن إقرانه بكذا وكذا ففي هذه المواضع كلها يوجد معنى الإنفصال والتميز بالحيز والجهة دليل ذلك أنه لا يعرف أن يقال اللون منفرد عن الطعم ومباين له مع أن أحدهما ليس مثل الآخر فعلم أن المخالفة التي مضمونها عدم المماثلة فهي متضمنة الإنفصال # الوجه الرابع والثلاثون أن يقال المختلفان في الحقيقة هما اللذان لا يتماثلان فالمماثلة ضد المخالفة والإختلاف ضد التماثل وعدم التماثل لا بد أن يستلزم صفات حقيقية ثبوتية أختلفا بها وإلا فالعدم المحض لا يوجب إمتياز أحدهما عن الآخر فإذن التباين بمعنى الأختلاف في الحقيقة يقتضي أمورا ثبوتية خالف بهما أحدهما الآخر مخالفة تنفي ثماثله وإذا كان المراد بالمباينة ذلك لم يجز العلم بها إلا بعد العلم

بأن الشيئين ليسا متماثلين وذلك لا يكون إلا بعد العلم بأمور ثبوتية تنفي مماثلتهما كما يعلم الطعم واللون والريح فيعلم أنها ليست متماثلة والعلم بأن الخالق مباين للمخلوق وأنه ممتاز عنه وأنه منفرد عنه يحصل قبل العلم بأن الله لا مثيل له وأن حقيقته مخالفة لحقيقة العالم كما أنه قد يحصل العلم بأنه ليس مماثلا للخلق بل مخالف له قبل العلم بأنه مباين للعالم ممتاز عنه منفرد عنه فإن باب الكيف غير باب الكم وباب الصفة غير باب القدر # وإذا كانت المباينة بالقدر والجهة تعلم دون هذه علم أنها أيضا ثابتة وأن كانت تلك أيضا ثابتة وأنه مباين للخلق بالوجهين جميعا بل المباينة بالجهة والقدر أكمل فإنها تكون لما يقوم بنفسه كما تكون له المباينة بالصفة والكيفية وأما المباينة بمجرد الصفة والكيفية فلا تكون إلا لما يقوم بغيره لأن عدم قيامه بنفسه يمنع أن يكون له قدر وحيز وجهة على سبيل الإستقلال ومن ها هنا تبينا الوجه الخامس والثلاثون وهو أن من المعلوم أن مباينة الله لخلقه أعظم من مباينة بعض الخلق بعضا سواء في ذلك مباينة الأجسام بعضها لبعض والأعراض بعضها لبعض ومباينة الأجسام للأعراض ثم الأجسام والأعراض تتباين مع تماثلها بأحيازها وجهاتها المستلزمة لتباين أعيانها وتتباين مع اختلافها كالجسمين المختلفين والعرضين المختلفين في محلين وأدنى ما تتباين به الإختلاف في الحقيقة والصفة دون الحيز كالعرضين المختلفين في محل واحد

فلو لم يباين الباري لخلقه إلا بمجرد الإختلاف في الحقيقة والصفة دون الجهة والحيز والقدر لكانت مباينته لخلقه من جنس مباينة العرض لعرض آخر حال في محله أو مباينة الجسم للعرض الحال في محله وهذا يقتضي أن مباينته للعالم من جنس مباينة الشيئين اللذين هما في حيز واحد ومحل واحد فلا تكون هذه المباينة تنفي أن يكون هو العالم في محل واحد بل إذا كان العالم قائما بنفسه وكانت مباينته له من هذا الجنس كانت مباينته للعالم مباينة العرض للجسم الذي قام به ويكون العالم كالجسم وهو معه كالعرض وذلك يستلزم أن تكون مباينته للعالم مباينة المفتقر إلى العالم وإلى محل يحله لا سيما والقائم بنفسه مستغن عن الحال فيه وهذا من أبطل الباطل وأعظم الكفر فإن الله غني عن العالمين كما تقدم # ومن ها هنا جعله كثير من الجهمية حالا في كل مكان وربما جعلوه نفس الوجود القائم بالذوات أو جعلوه الوجود المطلق أو نفس الموجودات فهذا كله مع أنه من أبطل الباطل وهو تعطيل للصانع ففيه من إثبات فقره وحاجته إ إلى العالم ما يجب تنزيه الله عنه # وهؤلاء قد زعموا أنهم نزهوه عن الحيز والجهة فلا يكون مفتقرا إلى غيره فأحوجوه بهذا التنزيه إلى كل شيء وصرحوا بهذه الحاجة كما ذكرناه في غير هذا الموضع فسبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ^ وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السموات يتفرطن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ^

ومع هذا فهؤلاء أقرب إلى الإثبات وإلى العلم من إثبات مباينة لا تعقل بحال وهو مباينة من قال لا داخل العالم ولا خارجه فإن هذه ليست كشيء من المباينات المعروفة التي أدناها مباينة العرض للجسم أو للعرض بحقيقته وأن ذلك يقتضي أن يكون أحدهما في الآخر أو يكونان كلاهما في محل واحد # وإذا كان هؤلاء النفاة لم يثبتوا له مباينة تعقل وتعرف بين موجودين علم أنه في موجب قولهم معدوما كما اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن ذلك حقيقة قول هؤلاء الجهمية الذين يقولون إنه ليس فوق العرش إنهم جعلوه معدوما ووصفوه بصفة المعدوم # يدل على ذلك أن هذا الرازي جعل مباينته لخلقه من جنس مباينته للحيز ولا يجب أن يكون موجودا كما تقدم فعلم أنهم أثبتوا مباينته للعالم من جنس مباينة الموجود للمعدوم أو من جنس مباينة المعدوم للمعدوم والعالم موجود لا ريب فيه فيكونون قد جعلوه بمنزلة المعدوم وهذا حقيقة قولهم وإن كانوا قد لا يعلمون ذلك فإن هذا حال الضالين # الوجه السادس والثلاثون أن يقال هب أنهم أثبتوا له مباينة تعقل لبعض الموجودات فالواجب أن يكون مباينته للخلق أعظم من مباينة كل لكل فيجب أن يثبت له من المباينة أعظم من مباينة العرض للعرض ومباينة الجوهر للجوهر وذلك يقتضي أن يثبت له المباينة بالصفة التي تسمى المباينة بالحقيقة والكيفية والمباينة بالقدر التي تسمى المباينة بالجهة أو الكمية وأن كانت مباينته لهذين أعظم مما يعلم من مباينة المخلوق للمخلوق إذ ليس كمثله شيء في شيء مما يوصف به وأما إثبات بعض المباينات دون بعضها فهذا يقتضي مماثلته للمخلوق وأن يكون شبهه ببعض المخلوقات أعظم من شبه بعضها ببعض وذلك ممتنع

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:26 AM
# يوضح ذلك الوجه السابع والثالثون وهو أن المباينة تقتضي المخالفة في الحقيقة وهي ضد المماثلة وحيث كانت المباينة فإنها تستلزم ذلك فإن المباينة بالجهة والحيز تقتضي أن تكون عين أحدهما مغايرة لعين الآخر وهذا فيه رفع الأتحاد وإثبات مخالفة وكذلك أختلاف الصفة والقدر ترفع المماثلة وتثبت المباينة والمخالفة وهو ان كان قد قال ان المباينة يعني بها المباينة بالجهة والمخالفة في الحقيقة وقد ذكرنا انها في المعنى الاول اظهر فإنها تستلزم الأختلاف في الحقيقة حيث كانت فإن الشيئين المتماثلين لا يتصور أن يتماثلا حتى يرتفع التباين في العين بل لا بد أن تكون عين أحدهما ليست عين الآخر وأن يكون له ما يخصه من أحوال كالعرضين المتماثلين بل السوادين إذا حل أحدهما في محل بعد الآخر فإن زمان هذا غير زمان الآخر ولهذا يقال المباينة تكون بالزمان وتكون بالمكان وتكون بالحقيقة # المقصود هنا أن المباينة مستلزمة لرفع المماثلة فإذا كان الله سبحانه ليس كملثه شيء في أمر من الأمور وجب أن تكون له المباينة التامة بكل وجه فيكون مباينا للخلق بصفته وقدره بحقيقته وجهته وبقدمه الذي يفارق به الكائنات في زمانها فتكون الأشياء مباينة له بمكانها وزمانها وحقيقتها وهو سبحانه مباين لها بأزله وأبده وظهوره وبطونه فهو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو مباين لها بصفته سبحانه وتعالى # يؤيد هذا أن المثبتة للصور أعظم تنزيها لله عن مماثلة الخلق من نفاتها لأن الأمور السلبية لا ترفع المماثلة بل الإعدام متماثلة وإنما يرتفع التماثل بالأمور الوجودية فكل من كان أعظم إثباتا لما توجبه اسماء الله وصفاته كان رفعه

المماثلة عن الله أعظم وظهر أن هؤلاء الجهمية الذين يزعمون أنهم يقصدون تنزيهه عن المشابهه هم الذين جعلوا له أمثالا وأندادا فيما أثبتوه وفيما نفوه كما تقدم بيان ذلك والله أعلم
فصل # قال الرزاي البرهان الثالث في أنه يمتنع أن يكون الله مختصا بالجهة والحيز هو أنه لو كان مختصا بالجهه والحيز لكان لا يخلو إما أن يقال إنه غير متناه من جميع الجوانب أو يقال إنه غير متناه من بعض الجوانب أو يقال إنه متناه من كل الجوانب والأقسام الثلاثة باطلة فالقول بكونه مختصا بحيز وجهة باطل # أما قولنا إنه يمتنع أن يكون غير متناه من جميع الجوانب فيدل عليه وجوه # الأول أن وجود بعد لا نهاية له محال والدليل عليه أن فرض بعد غير متناه بفضي إلى المحال فوجب أن يكون محالا وإنما قلنا إنه بفضي إلى المحال لأنا إذا فرضنا بعدا غير متناه وفرضنا بعدا آخر متناهيا موازيا له ثم زال خط المتناهي من الموازاة إلى المسامتة فنقول هذا يقتضي أن يحصل من الخط الأول الذي هو غير متناه نقطة هي أول نقطة المسامتة وذلك الخط المتناهي ما كان مسامتا للخط الغير متناهي ثم صار مسامتا له فكانت هذه المسامتة حادثه في أول أوان حدوثها لا بد وأن يكون مع نقطة معينة فتكون تلك النقطة هي أول نقطة المسامتة لكن كون الخط غير متناه يمنع من ذلك لأن المسامتة مع النقطة

الفوقانية تحصل قبل المسامتة مع النقطة التحتانية فإذا كان الخط غير متناه فلا نقطة فيه إلا وفوقها نقطة أخرى وذلك يمنع من حصول المسامتة في المرة الأولى مع نقطة معينة فثبت أن هذا يقتضي أن يحصل في الخط الغير متناهي نقطة هي أول نقطة المسامتة وأن لا يحصل وهذا المحال إنما لزم من فرضنا أن ذلك الخط غير متناه فوجب أن يكون في ذلك محالا فثبت أن القول بوجود بعد متناه محال # الوجه الثاني وهو أنه إذا كان القول بوجود بعد غير متناه ليس محالا فعند هذا لا يمكن إقامة الدليل على كون العالم متناهيا بكلية وذلك باطل بالإجماع # الوجه الثالث أنه لو كان غير متناه من جميع الجوانب لوجب أن لا يخلو شيء من الجهات والأحياز عن ذاته فحينئذ يلزم أن يكون العالم مخالطا لأجزاء ذاته وأن تكون القاذورات والنجاسات كذلك وهذا لا يقوله عاقل # وأما القسم الثاني وهو أن نقول غير متناه من بعض الجوانب وقناه من سائر الجوانب فهو أيضا باطل لوجهين # الأول أن البرهان الذي ذكرناه على امتناع بعد غير متناه قائم سواء قيل إنه غير متناه من كل الجوانب أو من بعض الجوانب # الثاني أن الجانب الذي فرض أنه غير متناه والجانب الذي فرض أنه متناه إما أن يكونا متساويين في الحقيقة والماهية وأما أن لا يكونا كذلك أما القسم الأول فإنه يقتضي أن يصح على كل واحد من هذين الجانبين ما يصح على الجانب الآخر وذلك بقتضي جواز الفصل والوصل والزيادة والنقصان على ذات الله تعالى وهو محال وأما القسم الثاني وهو القول بأن

أحد الجانبين مخالف للجانب الثاني في الحقيقة والماهية فنقول أن هذا محال من وجوه الأول أن هذا يقتضي كون ذاته مركبة وهو باطل كما بينا الثاني أنا بينا أنه لا معنى للمتحيز إلا الشيء الممتد في الجهات المختص بالأحياز وبينا أن المقدار يمتنع أن يكون صفة بل يجب أن يكون ذاتا وبينا أنه متى كان الأمر كذلك كان جميع المتحيزات متساوية وإذا كان كذلك أمتنع القول بأن أحد جانبي ذلك شيء مخالف للجانب الآخر في الحقيقة والماهية # أما القسم الثالث وهو ان يقال إنه متناه من كل الجوانب فهذا أيضا باطل من وجهين الأول أن كل ما كان متناهيا من جميع الجوانب كانت حقيقته قابلة الزيادة والنقصان وكل ما كان كذلك كان محدثا على ما بيناه الثاني أنه كان متناهيا من جميع الجوانب فحينئذ تفرض فوقه أحياز خالية وجهات فارغة فلا يكون هو تعالى فوق جميع الأشياء بل تكون تلك الأحياز أشد فوقية من الله # وايضا فهو تعالى قادر على خلق الجسم في الحيز الفارغ فلو فرض حيز خال لكان قادرا على أن يخلق فيه جسما وعلى هذا التقدير يكون ذلك الجسم فوق الله تعالى وذلك عند الخصم محال مثبت أنه لو كان في جهة لم يخل الأمر عن أحد هذه الأقسام الثلاثة وثبت أن كل واحد منها باطل محال فكان القول بأن الله تعالى في الحيز والجهة محال # فإن قيل الستم تقولون أنه غير متناه في ذاته فيلزمكم جميع ما ألزمتمونا # قلنا الشيء الذي يقال إنه غير متناه على وجهين أحدهما أنه شيء غير مختص بجهة وحيز ومتى كان كذلك امتنع أن يكون له طرف ونهاية وحد

# والثاني أنه مختص بجهة وحيز إلا أنه مع ذلك ليس لذاته مقطع وحد فنحن إذا قلنا لا نهاية لذات الله تعالى عنينا به التفسير الأول فإن كان مرادكم ذلك فقد ارتفع النزاع بيننا وإن كان مرادكم هو الوجه الثاني فحينئذ يتوجه عليكم ما ذكرنا من الدليل ولا ينقلب ذلك علينا لأنا لا نقول انه غير متناه بهذا التفسير حتى يلزمنا ذلك الإلزام فظهر الفرق وبالله التوفيق # يقال هذه الحجة هي من جنس قولهم لو كان فوق العرش لكان إما أن يكون أصغر منه أو بقدره أو أكبر منه ببعد متناه أو غير متناه وهذه الحجج من حجج الجهمية قديما كما ذكر ذلك الأئمة وذكروا أن جهما وأتباعه هم أول من أحدلث في ألإسلام هذه الصفات السلبية وإبطال نقيضها مثل قولهم ليس فوق العالم ولا هو داخل العالم ولا خارجه وليس في مكان دون مكان وليس بمتحيز ولا جوهر ولا جسم ولا نهاية ولا حد ونحو هذه العبارات فإن هذه العبارات جميعها وما يشبهها لا تؤثر عن أحد من الصحابة والتابعين ولا من أئمة الدين المعروفين ولا يروي بها حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا توجد في شيء من كتب الله المنزلة من عنده بل هذه هي من أقوال الجهمية ومن الكلام الذي إتفق السلف على ذمة لما أحدثه من أحدثه فحيث ورد في كلام السلف ذم الجهمية كأن أهل هذه العبارات داخلين في ذلك وحيث ورد عنهم الكلام والمتكلمين كان أهل هذه العبارات داخلين في ذلك فإن ذلك لما أحدثه المبتدعون كثر ذم أئمة الدين لهم وكلامهم في ذلك كثير قد صنف فيه مصنفات حتى إن أعيان هذه العبارات وأمثالها ذكرها السلف والأئمة فيما أنكروه على الجهمية وأهل الكلام المحدث

وقد قدمنا ما وصفه الإمام احمد من مذهب جهم حيث قال وتأول القرآن على غير تأويله وكذب باحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وزعم أن من وصف الله بشيء مما وصف به نفسه في كتابه أو حدث عنه النبي كان كافرا وكان من المشبهة فأضل بشرا كثيرا وتبعه على قوله رجال من أصحاب أبي حنيفة وأصحاب عمرو إبن عبيد بالبصرة ووضع دين الجهمية فإذا سالهم الناس عن قول الله عز وجل ^ ليس كمثله شيء ^ ما تفسيره يقولون ليس كمثله شيء من الأشياء هو نحت الأرضين السابعة كما هو على العرش لا يخلو منه مكان ولا هو في مكان دون مكان ولا يتكلم ولا يكلم ولا ينظر إليه أحد في الدنيا ولا ينظر إليه أحد في الآخرة ولا يوصف ولا يعرف بصفته ولا يعقل ولا له غاية ولا منتهى ولا يدرك بعقل وهو وجه كله وهو سمع كله وهو نور كله وهو قدرة كله ولا يوصف بوصفين مختلفين وليس له أعلا ولا أسفل ولا نواحي ولا جوانب ولا يمين ولا شمال ولا هو خفيف ولا ثقيل ولا له لون ولا له جسم وليس بمعقول وكلما خطر بقلبك أنه شيء تعرفه فالله بخلافه # وقال أيضا الإمام أبو سعيد عثمان بن سعيد في كتابه المعروف الذي سماه نقض عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد فيما افترى على الله في التوحيد قال # باب الحد والعرش # وادعى المعارض أنه ليس لله حد ولا غاية ولا نهاية قال وهذا هو الأصل الذي بني عليه جهم جميع ضلالاته واشتق منها أغلوطاته وهي كلمة لم يبلغنا أنه سبق جهما إليها أحد من العالمين فقال له قائل ممن يحاوره قد علمت مرادك أيها الأعجمي تعني أن الله لا شيء لأن الخلق كلهم علموا أنه ليس شيء يقع عليه إسم الشيء إلا وله حد وغاية وصفة وأن لا شيء ليس له حد ولا غاية

ولا صفة فالشيء ابدا موصوف لا محالة ولا شيء يوصف بلا حد ولا غاية وقولك لا حد له تعني أنه لا شيء # قال أبو سعيد والله تعالى له حد لا يعلمه غيره ولا يجوز لأحد أن يتوهم لحده عاية في نفسه ولكن نؤمن بالحد ونكل علم ذلك إلى الله ولمكانه أيضا حد وهو على عرشه فوق سمواته فهذان حدان إثنان # قال وسئل إبن المبارك بم نعرف ربنا قال بأنه على عرشه بائن من خلقه قيل بحد قال بحد حدثناه الحسن بن الصباح البزار عن علي بن الحسن بن شقيق عن أبن المبارك قال فمن ادعى أن ليس لله حد فقد ردالقرآن وادعى أنه لا شيء لأن الله تعالى وصف حد مكانه في مواضع كثيرة من كتابه فقال ^ الرحمن على العرش استوى ^ ^ أأمنتم من في السماء ^ ^ يخافون ربهم من فوقهم ^ ^ إني متوفيك ورافعك إلي ^ ^ إليه يصعد الكلم الطيب ^ فهذا كله وما أشبهه شواهد ودلائل على الحد ومن لم يعترف به فقد كفر بتنزيل الله وجحد آيات الله # وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله فوق عرشه فوق سمواته وقال للأمة السوداء أين الله قالت في السماء قال أعتقها فإنها مؤمنة فقول رسول الله صلىالله عليه وسلم إنها مؤمنة دليل على أنها لو لم تؤمن أن الله في السماء لم تكن مؤمنة وأنه لا يجوز في الرقبة المؤمنة إلا من شهد لله أنه في السماء كما قال الله ورسوله # ثم قال وحدثنا أحمد بن منيع البغدادي حدثنا أبو معاوية عن شبيب إبن شيبة عن الحسن عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبيه يا حصين كم تعبد اليوم إلها قال سبعة ستة في الأرض وواحد في السماء قال فأيهم تعده لرغبتك ورهبتك قال الذي في السماء فلم ينكر النبي صلىالله عليه وسلم

على الكافر إذا عرف أن أله العالمين في السماء كما قاله النبي صلىالله عليه وسلم لحصين الخزاعي في كفره يوئذ كان أعلم بالله الجليل الأجل من المريسي وأصحابه معما ينتحلون من الإسلام إذ ميز بين الإله الخالق الذي في السماء وبين الآلهة والأصنام المخلوقة التي في الأرض فقد اتفقت الكلمة من المسلمين والكافرين أن الله في السماء وحدوه بذلك إلا المريسي الضال وأصحابه حتى الصبيان الذين لم يبلغوا الحلم قد عرفوه بذلك إذا حزب الصبي شيء رفع يديه إلى ربه يدعوه في السماء دون ما سواها فكل أحد بالله وبمكانه أعلم من الجهمية # وقدمنا أيضا قوله في ضمن رده على الجهمي المنكر لأستواء الله على العرش قال وأعجب من هذا كله قياسك الله بقياس العرش ومقداره ووزنه من صغير أو كبير وزعمت كالصبيان العميان أن كان الله أكبر من العرش أو أصغر منه أو مثله فإن كان الله أصغر فقد صيرتم العرش أعظم منه وإن كان أكبر من العرش فقد ادعيتم فيه فضلا عن العرش وإن كان مثله فإنه إذا ضم إلى العرش السموات والأرض كانت أكبر من خرافات تكلم بها وترهات يلعب بها وضلالات يضل بها لو كان من يعمل عليه لله لقطع ثمرة لسانه والخيبة لقوم هذا مقيههم والمنظور إليه مع هذا التمييز كله وهذا النظر وكل هذه الجهالات والضلالات # فيقال لهذا البقباق النفاخ إن الله أعظم من كل شيء وأكبر من كل خلق ولم يحتمله العرش عظما ولا قوة ولا حمله العرش احتملوه بقوتهم ولا استقلوا بعرشه بشدة أسرهم ولكنهم حملوه بقدرته ومشيئته وإرادته وتأييده لولا ذلك ما أطاقوا حمله وقد بلغنا أنهم حين حملوا العرش وفوقه الجبار في عزته

وبهائه ضعفوا عن حمله واستكانوا وجثوا على ركبهم حتى لقنوا لا حول ولا قوة الا بالله فاستقلوا به بقدرة الله وارادته ولولا ذلك ما استقل به العرش ولا الحملة ولا السموات والارض ومن فيهن ولو قد شاء لا ستقل على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته فكيف على عرش عظيم اكبر من السموات السبع والارضين السبع ولو كان العرش في السموات والارضين ما وسعته ولكنه فوق السماء السابعة # واذا عرف اصل هذا الكلام فجيمع السلف والائمة الذين بلغهم ذلك انكروا ما فيه من هذه المعاني السلبية التي تنافي ما جاء به الكتاب والسنة # ثم من كان من السلف اخبر بحال الجهمية مثل الذين كانوا يباشرونهم من السلف والائمة الذين بالعراق وخراسان اذ ذاك فانهم كانوا اخبر بحقيقة امرهم لمجاورتهم لهم فانهم قد يتكلمون بنقيض ما نفوه وقد يتوقف بعضهم عن اطلاق اللفظ مثل لفظ الحد فان المشاهير بالامامة في السنة اثبتوه كما ذكره عثمان بن سعيد عنهم وسمى ابن المبارك # وذكر شيخ الاسلام ابو اسماعيل الانصاري الهروى في كتاب ذم الكلام باسناده ما ذكره حرب بن اسماعيل الكرماني صاحب احمد واسحاق في مسائلة عنهما وعن غيرهما قال قلت لاسحاق بن ابراهيم ما تقول في قوله ^ ما يكون من نجوى ثلاثة ^ الآية قال حيث ما كنت هو اقرب اليك من حبل الوريد وهو بائن من خلقه قلت لاسحاق على العرش بحد قال نعم بحد وذكره عن ابن المبارك قال هو على عرشه بائن من خلقه وذكر ايضا ما ذكره ابن ابي حاتم باسناده ان هشام بن عبيد الله الرازي القاضي صاحب محمد بن الحسن حبس رجلا في التجهم فتاب فجيء به الى هشام ليمتحنه

فقال الحمد لله على التوبة اتشهد ان الله على عرشه بائن من خلقه قال اشهد ان الله على عرشه ولا ادري ما بائن من خلقه فقال ردوه الى الحبس فانه لم يتب وقال شيخ الاسلام شرح مسألة حد البينونة في كتاب الفاروق يعني تصنيفه باب اغنى عن تكريره ها هنا # وقال شيخ الاسلام في اثناء الطبقة الثانية من كتاب ذم الكلام واهله وسألت يحيى بن عمار عن ابي حاتم بن حبان البستي قلت رأيته قال كيف لم اره ونحن اخرجناه من سجستان كان له علم كثير ولم يكن له كثير دين قدم علينا فانكر الحد فاخرجناه من سجستان هذا مع ان هؤلاء الذين يذكر شيخ الاسلام اقوالهم من ائمة الحديث والفقه والتصوف وغيرهم وقد ذكر عنهم ذم الكلابية والكرامية والاشعرية ونحوهم على ما احدثوه مما بخالف طريقة اهل السنة والحديث # وذكر الخلال في كتاب السنة ما تقدم من رواية حرب عن اسحاق ابن ابراهيم وذكر ايضا عن حرب قال املي علي اسحاق بن ابراهيم ان الله عز وجل وصف نفسه في كتابه بصفات استغنى الخلق ان يصفوه بغير ما وصف به نفسه من ذلك قوله ^ يأتيهم الله في ظلل من الغمام ^ وقوله ^ وترى الملائكة حافين من حول العرش ^ في آيات كلها تصف العرش وقد ثبتت الروايات في العرش واعلى شيء فيه واثبته قول الله ^ الرحمن على العرش استوى ^ قال وانا ابو بكر المروذي ثنا محمد بن الصباح النيسابوري ثنا سليمان بن داود أبو داود الخفاف قال قال إساحاق بن ابراهيم بن راهويه

قال الله تبارك وتعالى ^ الرحمن على العرش استوى ^ اجماع اهل العلم انه فوق العرش استوى ويعلم كل شيء في اسفل الارض السابعة وفي قعور البحر ورؤوس الآكام وبطون الاودية وفي كل موضع كما يعلم علم ما في السموات السبع وما فوق العرش احاط بكل شيء علما وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات البر والبحر الا وقد عرف ذلك كله واحصاه ولا يعجزه معرفة شيء عن معرفة غيره # قال ابو بكر الخلال في كتاب السنة انا ابو بكر المروذي قال سمعت ابا عبد الله قيل له روى علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك انه قيل له كيف نعرف الله قال على العرش بحد قال قد بلغني ذلك عنه واعجبه ثم قال ابو عبد الله ^ هل ينظرون الا ان يأتيهم الله في ظلل من الغمام ^ ثم قال ^ وجاء ربك والملك صفا صفا ^ قال الخلال وانا محمد بن علي الوراق حدثنا ابو بكر الاثرم حدثني محمد بن ابراهيم القيسي قال قلت لاحمد بن حنبل يحكى عن ابن المبارك قيل له كيف نعرف ربنا قال في السماء السابعة على عرشه بحد فقال احمد هكذا هو عندنا وقال حدثنا الحسن بن صالح العطار ثنا هارون ابن يعقوب الهاشمي ان يعقوب بن العباس قال كنا عند ابي عبد الله قال فسألناه عن قول ابن المبارك على العرش استوى بحد فقلنا له ما معنى قول ابن المبارك بحد قال لا اعرفه ولكن ولهذا شواهد من القرآن في خمسة مواضع ^ اليه يصعد الكلم الطيب ^ ^ أأمنتم من في السماء ^ ^ تعرج الملائكة والروح اليه ^ وهو على العرش وعلمه مع كل وقولهم ما معنى قول ابن المبارك وقوله لا اعرفه قد يكون لا اعرف حقيقة مراده لكن للمعنى الظاهر من اللفظ

شواهد وهو النصوص التي تدل على ان الله تنتهي اليه الامور وانه في السماء ونحو ذلك وقد يكون لا ادري من اين قال ذلك لكن له شواهد # وقال الخلال انا يوسف بن موسى ان ابا عبد الله احمد بن حنيل قيل له والله تبارك وتعالى فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه وقدرته وعلمه بكل مكان قال نعم على عرشه لا يخلو شيء من علمه وقال اخبرني عبد الملك الميموني انه سأل ابا عبد الله ما تقول فيمن قال ان الله ليس على العرش قال كلامهم كله يدور على الكفر # وهذا المحفوظ عن السلف والائمة من اثبات حد لله في نفسه قد بينوا مع ذلك ان العباد لا يحدونه ولا يدركونه ولهذا لم يتناف كلامهم في ذلك كما يظنه بعض الناس فانهم نفوا ان يحد احد الله كما ذكره حنبل عنه في كتاب السنة والمحنة وقد رواه الخلال في كتاب السنة اخبرني عبد الله بن حنبل حدثني ابي حنبل بن اسحاق قال قال عمي نحن نؤمن بالله عز وجل على عرشه كيف شاء وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف او يحده احد فصفات الله عز وجل منه وله وهو كما وصف نفسه لا تدركه الابصار بحد ولا غاية وهو يدرك الابصار وهو عالم الغيب والشهادة علام الغيوب ولا يدركه وصف واصف وهو كما وصف نفسه وليس من الله شيء محدود ولا يبلغ علمه وقدرته احد غلب الاشياء كلها بعلمه وقدرته وسلطانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وكان الله قبل ان يكون شيء والله الاول وهو الآخر ولا يبلغ احد حد صفاته فالتسليم لامر الله والرضا بقضائه نسأل الله التوفيق والسداد انه على كل شيء قدير # وذلك ان لفظ الحد عند كل من تكلم به يراد به شيئآن يراد به حقيقة الشيء في نفسه ويراد به الوجود العيني او الوجود الذهني فاخبر

ابو عبد الله انه على العرش بلا حد يحده احد او صفة يبلغها واصف واتبع ذلك بقوله ^ لا تدركه الابصار ^ بحد ولا غاية وهذا التفسير الصحيح للادراك أي لا تحيط الابصار بحده ولا غايته ثم قال ^ وهو يدرك الابصار ^ وهو عالم الغيب والشهادة علام الغيوب ليتبين انه عالم بنفسه وبكل شيء # وقال الخلال واخبرني علي بن عيسى ان حنبلا حدثهم قال سألت ابا عبد الله عن الاحاديث التي تروى ان الله تبارك وتعالى ينزل الى السماء الدنيا وان الله يضع قدمه وما اشبه هذه الاحاديث فقال ابو عبد الله نؤمن بها ونصدق بها ولا كيف ولا معنى ولا نرد منها شيئا ونعلم ان ما جاء به الرسول حق اذا كانت بأسانيد صحاح ولا نرد على الله قوله ولا يوصف بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية ليس كمثله شيء قال وقال حنبل في موضع آخر قال ليس كمثله شيء في ذاته كما وسف به نفسه فقد اجمل تبارك وتعالى بالصفة لنفسه فحد لنفسه صفة ليس يشبهه شيء فيعبد الله بصفاته غير محدودة ولا معلومة الا بما وصف نفسه قال تعالى ^ وهو السميع البصير ^ # قال وقال حنبل في موضع آخر قال فهو سميع بصير بلا حد ولا تقدير ولا يبلغ الواصفون وصفاته منه وله ولا يتعدى القرآن والحديث فنقول كما قال ونصفه كما وصف نفسه ولا يتعدى ذلك ولا تبلغه صفة الواصفين نؤمن بالقرآن كله محكمة ومتشابهة ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت وما وصف به نفسه من كلام ونزول وخلوة بعبده يوم القيامة ووضعه كنفه عليه هذا كله يدل على ان الله يرى في الآخرة والتحديد في هذا بدعة والتسليم لله بأمره بغير صفة ولا حد الا ما وصف به نفسه سميع بصير لم يزل متكلما

عالما غفورا عالم الغيب والشهادة علام الغيوب فهذه صفات وصف بها نفسه لا تدفع ولا ترد وهو على العرش بد حد كما قال ^ ثم استوى على العرش ^ كيف شاء المشيئة اليه عز وجل والاستطاعة له ^ ليس كمثله شيء ^ وهو خالق كل شيء وهو كما وصف نفسه سميع بصير بلا حد ولا تقدير قول ابراهيم لابيه ^ يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ^ فثبت ان الله سميع بصير صفاته منه لا نتعدى القرآن والحديث والخبر يضحك الله ولا نعلم كيف ذلك الا بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وتثبيت القرآن ولا يصفه الواصفون ولا يحده احد تعالى الله عما يقول الجهمية والمشبهة # وقال لي ابو عبد الله قال لي اسحاق بن ابراهيم لما قرأ الكتاب بالمحنة تقول ^ ليس كمثله شيء ^ فقلت له ^ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ^ قال ما اردت بهذا قلت القرآن صفة من صفات الله وصف بها نفسه لا ننكر ذلك ولا نرده قلت له المشبهة ما يقولون قال من قال بصر كبصري ويد كيدي وقال حنبل في موضع آخر وقدم كقدمي فقد شبه الله بخلقه وهذا يحده وهذا كلام سوء وهذا محدود والكلام في هذا لا احبه قال عبد الله جردوا القرآن وقال النبي صلى الله عليه وسلم يضع قدمه نؤمن به ولا نحده ولا نرده على رسول الله صلى الله عليه وسلم بل نؤمن به قال الله تبارك وتعالى ^ ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ^ فقد امرنا الله عز وجل بالاخذ بما جاء والنهي عما نهى واسماؤه وصفاته غير مخلوقة ونعوذ بالله من الزلل والارتياب والشك انه على كل شيء قدير # قال وزادني ابو القاسم الجبلي عن حنبل في هذا الكلام وقال تبارك وتعالى ^ الله لا اله الا هو الحي القيوم ^ ^ الله لا اله الا هو الملك القدوس السلام

المؤمن المهين العزيز الجبار المتكبر ^ هذه صفات الله عز وجل واسماؤه تبارك وتعالى وزاد علي بن عيسى عن حنبل قال وسمعت ابا عبد الله يقول ما احد اشد حدثا على اهل البدع والخلاف من حماد بن سلمة ولا اروى لاحاديث الرؤية والرد على القدرية والمعتزلة منه قال وسمعت ابا عبد الله يقول القوم يرجعون الى التعطيل في قولهم كله ينكرون الآثار وما ظننتهم هكذا حتى سمعت مقالتهم # وكذلك قال عبد العزيز بن عبد الله بن ابي سلمة الماجشون احد ائمة المدينة المشاهير على عهد مالك بن انس وهم مالك وابن ابي ذئب وابن الماجشون هذا قال في كلامه المشهور عنه الذي رواه ابن بطة وغيره بأسانيد صحيحة قال وقد سئل فيما جحدته الجهمية اما بعد فقد فهمت ما سألت فيما تتابعت فيه الجهمية ومن خالفها في صفة الرب العظيم الذي فاقت عظمته الوصف والتقدير وكلت الالسن عن تفسير صفته وانحسرت العقول دون معرفة قدره وردت عظمته العقول فلم تجد مساغا فرجعت خاسئة وهي حسيرة فانما امروا بالنظر والتفكير فيما خلق بالتقدير وانما يقال كيف لمن لم يكن مرة ثم كان فأما الذي يحول ولا يزول ولم يزل وليس له مثل فانه لا يعلم كيف هو الا هو وكيف يعرف قدر من لم يبدأ ولا يموت ولا يبلى وكيف يكون لصفة شيء منه حد او منتهى يعرفه عارف او يحد قدره واصف على انه الحق المبين لا حق احق منه ولا شيء ابين منه الدليل على عجز العقول عن تحقيق صفته عجزها عن تحقيق صفة اصغر خلقه لا تكاد تراه صغيرا يحول ويزول

ولا يرى له سمع ولا بصر ولما يتقلب به ويحتال من عقله اعضل بك واخفى عليك مما ظهر من سمعه وبصره فتبارك الله احسن الخالقين وخالقهم وسيد السادة وربهم ^ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ^ اعرف رحمك الله غناك عن تكلف صفة ما لم يصف الرب من نفسه بعجزك عن معرفة قدر ما وصف منها اذا لم تعرف قدر ما وصف فما تكلفك علم ما لم يصف هل تستدل بذلك على شيء من طاعته او تنزجر به عن شيء من معصيته # فأما الذي جحد ما وصف الرب تعمقا وتكلفا فقد استهوته الشياطين في الارض حيران فصار يستدل بزعمه على جحد ما وصف الرب وسمى من نفسه بأن قال لا بد ان كان له كذا من ان يكون له كذا فعمي عن البين بالخفي بجحد ما سمى الرب بنفسه بصمت الرب عما لم يسم منها فلم يزل يملي له الشيطان حتى جحد قول الله عز وجل ^ وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة ^ فقال لا يراه احد يوم القيامة فجحد والله افضل كرامة الله التي اكرم بها اولياءه يوم القيامة من النظر الى وجهه ونظر الله اياهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر قد قضى انهم لا يموتون فهم بالنظر اليه ينضرون # الى ان قال وانما جحد رؤيته يوم القيامة اقامة للحجة الضالة المضلة لانه قد عرف اذا تجلى لهم يوم القيامة رأوا منه ما كانوا به قبل ذلك مؤمنين وكان له جاحدا وقال المسلمون يا رسول الله هل نرى ربنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب قالوا لا قال فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب قالوا لا قال فانكم ترون ربكم يومئذ كذلك وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تمتليء النار حتى يضع رب العزة فيها قدمه فتقول قط قط وينزوي بعضها الى بعض وقال لثابت بن قيس بن شماس لقد ضحك الله مما فعلت بضيفك البارحة

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:27 AM
وقال فيما بلغنا ان الله ليضحك من ازلكم وقنوطكم وسرعة اجابتكم فقال له رجل من العرب ان ربنا ليضحك قال نعم قال لا نعدم من رب يضحك خيرا في اشباه لهذا مما لم نحصيه # وقال الله تعالى ^ وهو السميع البصير ^ ^ واصبر لحكم ربك فانك بأعيننا ^ وقال ^ ولتصنع على عيني ^ وقال ^ ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي ^ وقال ^ والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ^ فوالله ما دلهم على عظم ما وصف به نفسه وما تحيط به قبضته الا صغر نظيرها منهم عندهم ان ذلك الذي القى في روعهم وخلق على معرفته قلوبهم فما وصف الله من نفسه وسماه على لسان رسوله سميناه كما سماه ولم نتكلف منه صفة ما سواه لا هذا ولا هذا لا نجحد ما وصف ولا نتكلف معرفة ما لم يصف # اعلم رحمك الله ان العصمة في الدين ان تنتهي حيث انتهى بك ولا تجاوز ما قد حد لك فان من قوام الدين معرفة المعروف وانكار المنكر فما بسطت عليه المعرفة وسكنت اليه الافئدة وذكر اصله في الكتاب والسنة وتوارث علمه الامة فلا تخافن في ذكره وصفته من ربك ما وصف من نفسه عيبا ولا تكلفن لما وصف لك من ذلك قدرا وما انكرته نفسك ولم تجد ذكره في كتاب ربك ولا في الحديث عن نبيك من ذكر صفة ربك فلا تتكلفن علمه بعقلك ولا تصفه بلسانك واصمت عنه كما صمت الرب عنه من نفسه فان تكلفك معرفة ما لم يصف من نفسه مثل انكارك ما وصف منها فكما اعظمت ما جحد الجاحدون مما وصف من نفسه فكذلك اعظم تكلف ما وصف

الواصفون ما لم يصف منها فقد والله عز المسلمون الذين يعرفون المعروف ويمعرفتهم يعرف وينكرون المنكر ويانكارهم ينكر يسمعون ما وصف الله به نفسه من هذا في كتابه وما يبلغهم مثله عن نبيه فما مرض من ذكر هذا وتسميته من الرب قلب مسلم ولا تكلف صفة قدره ولا تسمية غيره من الرب مؤمن وما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه سماه من صفة ربه فهو بمنزلة ما سمى ووصف الرب تعالى من نفسه والراسخون في العلم الواقفون حيث انتهى علمهم الواصفون لربهم بما وصف من نفسه التاركون لما ترك من ذكرها لا ينكرون صفة ما سمى منها جحدا ولا يتكلفون صفة ما لم يسم تعمقا لان الحق تبرك ما ترك وتسمية ما سمى ^ ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وسآت مصيرا ^ وهب لنا ولكم حكما والحقنا بالصالحين وهذا كله كلام ابن الماجشون
فصل # والكلام على هذه الحجة في مقامين احدهما منع المقدمة الاولى والثاني منع الثانية # اما الاول فهو قول من يقول هو فوق العرش وليس له حد ولا مقدار ولا هو جسم كما يقول ذلك كثير من الصفاتية من الكلابية وائمة الاشعرية وقدمائهم ومن وافقهم من الفقهاء والطوائف الاربعة وغيرهم واهل الحديث والصوفية وغير هؤلاء وهم امم لا يحصيهم الا الله ومن هؤلاء ابو حاتم ابن حبان وابو سليمان الخطابي البستيان قال ابو سليمان الحطابي في الرسالة الناصحة لما تكلم على الصفات ومما يجب ان يعلم من هذا الباب ويحكم القول فيه انه لا يجوز ان يعتمد في الصفات الا الاحاديث المشهورة التي قد ثبتت بصحة

اسانيدها وعدالة ناقليها فان قوما من اهل الحديث قد تعلقوا منها بالفاظ لا تصح من طريق السند وانما هي من رواية المفاريد والشواذ فجعلوها اصلا في الصفات وادخلوها في جملتها كحديث الشفاعة وما روي فيه من قوله فاعود الى ربي فاجده بمكانه او في مكانه فزعموا على هذا المعنى ان لله مكانا تعالى الله عن ذلك وانما هذه اللفظة تفرد بها في هذه القصة شريك بن عبد الله بن ابي نمر وخالفه اصحابه فيها ولم يتابعوه عليها وسبيل مثل هذه الزيادة ان ترد ولا تقبل لاستحالتها ولان مخالفة اصحاب الراوي له في الرواية كخلاف البينة للبينة اذا تعارضت البينتان سقطتا معا وقد تحتمل هذه اللفظة لو كانت صحيحة ان يكون معناها انه يجد ربه بمكانه الاول من الاجابة في الشفاعة والاسعاف بالمسألة اذا كان مرويا في الخبر انه يعود مرارا فيسأل ربه في المذنبين من امته كل ذلك يشفعه ويسعفه بمسألته فيهم # قلت هذا في حديث المعراج بحديث الشفاعة ولكن في حديث الشفاعة فأستأذن من رواية شريك ولكن غلظ الخطابي في بذلك فاشتبه عليه حديث المعراج على ربي في داره فيؤذن لي عليه فاذا رأيته وقعت ساجدا ذكر ذلك ثلاث مرات وهذا في الصحيح من رواية قتادة عن انس واما تلك اللفظة فهي في حديث المعراج من رواية شريك وليس هذا موضع الكلام في ذلك # قال الخطابي ومن هذا الباب قوما منهم زعموا ان لله حدا وكان اعلا ما احتجوا به في ذلك حكاية عن ابن المبارك قال علي بن الحسن بن شقيق قلت لابن المبارك انعرف الله بحد او نثبته بحد فقال نعم بحد فحعلوه اصلا في

هذا الباب وزادوا الحد في صفاته تعالى الله عن ذلك وسبيل هؤلاء القوم عافانا الله واياهم ان بعلموا ان صفات الباري لا تؤخذ الا من كتاب الله تعالى وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم دون قول احد من الناس كائنا من كان علت درجته او نزلت تقدم زمانه او تأخر لانها لا تدرك من طريق القياس والاجتهاد فيكون فيها لقائل مقال ولنظر مجال على ان هذه الحكاية عن ابن المبارك قد رويت لنا انه قيل له انعرف الله بجد فقال نعم بجد بالجيم دون الحاء # قال وزعم بعضهم ان يقال ان له حدا لا كالحدود كما تقول يد لا كالايدي فيقال له انما احوجنا الى ان نقول يد لا كالايدي لان اليد قد جاء ذكرها في القرآن وفي السنة فلزم قبولها ولم يجز ردها فاين ذكر الحد في الكتاب او في السنة حتى نقول حدا لا كالحدود كما نقول يد لا كالايدي ارأيت ان قال قائل رأس لا كالرؤوس قياسا على قولنا يد لا كالايدي هل تكون الحجة عليه الا نظير ما ذكرنا في الحد من انه لما جاء ذكر اليد وجب القول به ولما لم يجيء ذكر الرأس لم يجز القول به # وممن انكر الحد ابو الحارث # وكان القاضي ابو يعلي ينكر الحد ثم رجع الى الاقرار به وكذلك لفظ الجهة قال في كتاب ابطال التأويلات لاخبار الصفات في كلامه على حديث العباس بن عبد المطلب والاستواء على العرش فاذا ثبت انه على العرش فالعرش في جهة وهو على عرشه وقد منعنا في كتابنا هذا في غير موضع اطلاق الجهة عليه والصواب جواز القول بذلك لان احمد قد اثبت

هذه الصفة التي هي الاستواء على العرش وأثبت أنه في السماء وكل من أثبت هذا أثبت الجهة وهم أصحاب ابن كرام وابن منده الأصبهاني المحدث # قال والدلالة عليه أن العرش في جهة بلا خلاف وقد ثبت بنص القرآن أنه مستو عليه فاقتضى أنه في جهة ولأن كل عاقل من مسلم وكافر إذا دعا فإنما يرفع يديه ووجهه نحو السماء وفي هذا كفاية ولأن من نفي الجهة من المعتزلة والأشعرية يقول ليس في جهة ولا خارجا منها وقال قائل هذا بمثابة من قال باثبات موجود مع وجود غيره ولا يكون وجود أحدهما قبل وجود الآخر ولا بعده ولأن العوام لا يفرقون بين قول القائل طلبته فلم أجده في موضع ما وبين قوله طلبته فإذا هو معدوم # قال وقد احتج ابن منده على اثبات الجهة بأنه لما نطق القرآن بإذن الله على العرش وأنه في السماء وجاءت السنة بمثل ذلك وبأن الجنة مسكنه وأنه في ذلك وهذه الأشياء أمكنة في نفسها فدل على أنه في مكان # قال وإذا ثبت استواؤه ثبت أنه على العرش وأنه في جهة فهل الاستواء من صفات الذات قياس قول أصحابنا أنه من صفات الذات وأنه موصوف بها في القدم وإن لم يكن هناك عرش موجود لتحقق وجود ذلك فيه في الثاني لأنهم قالوا خالق ورازق موصوف به فيما لم يزل ولا مخلوق ولا مرزوق لتحقق الفعل من جهته وقد تقول العرب سيف مقطوع و خبر مستمع و ماء مرو وإن لم يوجد منه القطع لتحقق الفعل منه واستدل بعض أصحابنا بأنه موصوف في الأزل بالربوبية ولا مربوب وبالألوهية ولا مألوه وعلى قياس هذا النزول إلى السماء والمجيء في ظلل من الغمام ووضع القدم في النار

# فإن قيل فقد قال أحمد في رواية حنبل هو على العرش كيف شاء وكما شاء وصفات الذات لا تدخل تحت المشيئة بل المشيئة راجعة إلى خلق العرش لا إلى الاستواء عليه قلت وفي هذا نزاع بين الأصحاب وغيرهم ليس هذا موضعه # قال القاضي وإذا ثبت استواؤه وأنه في جهة وأن ذلك من صفات الذات فهل يجوز اطلاق الحد عليه قد أطلق أحمد القول بذلك في رواية المروذي فقد ذكر له قول ابن المبارك نعرف الله على العرش بحد فقال أحمد بلغني ذلك وأعجبه وقال الأثرم قلت لأحمد يحكى عن ابن المبارك نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه بحد فقال أحمد هكذا هو عندنا قال القاضي ورأيت بخط أبي اسحاق أنا أبو بكر أحمد بن نصر الرفاء سمعت أبا بكر بن أبي داود سمعت أبي يقول جاء رجل إلى أحمد بن حنبل فقال له لله تبارك وتعالى حد قال نعم لا يعلمه إلا هو قال الله تبارك وتعالى ^ وترى الملائكة حافين من حول العرش ^ يقول محدقين # قال فقد أطلق أحمد القول بإثبات الحد لله وقد نفاه في رواية حنبل فقال نحن نؤمن بأن الله على العرش كيف شاء وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد فقد نفى الحد عن الصفة المذكورة وهو الحد الذي يعلمه خلقه والموضع الذي أطلقه محمول على معنيين أحدهما أنه تعالى في جهة مخصوصة وليس هو تعالى ذاهبا في الجهات بل خارج العالم متميز عن خلقه منفصل عنهم غير داخل في كل جهة وهذا معنى قول أحمد له حد لا يعلمه إلا هو والثاني أنه على صفة يبين بها عن غيره ويتميز ولهذا سمي البواب حدادا لأنه يمنع غيره عن الدخول فهو تعالى فرد واحد ممتنع عن الاشتراك له في أخص صفاته

# قال وقد منعنا من إطلاق القول بالحد في غير موضع من كتابنا ويجب أن يجوز على الوجه الذي ذكرناه فهذا رجوع منه إلى القول بإثبات الحد لكن اختلف في ذلك كلامه فقال هنا ويجب أن يحمل على اختلاف كلام أحمد في إثبات الحد على اختلاف حالين فالموضع الذي قال إنه على العرش بحد معناه ما حاذى العرش من ذاته فهو حد له وجهة له والموضع الذي قال هو على العرش بغير حد معناه ما عدا الجهة المحاذية للعرش وهي الفوق والخلف والأمام والميمنة والميسرة وكان الفرق بين جهة التحت المحاذية للعرش وبين غيرها ما ذكرنا أن جهة التحت تحاذي العرش بما قد ثبت من الدليل والعرش محدود فجاز أن يوصف ما حاذاه من الذات أنه حد وجهة وليس كذلك فيما عداه لأنه لا يحاذي ما هو محدود بل هو مار في الميمنة والميسرة والفوق والأمام والخلف إلى غير غاية فلهذا لم يوصف واحد من ذلك بالحد والجهة وجهة العرش تحاذي ما قابله من جهة الذات ولم تحاذ جميع الذات لأنه لا نهاية لها # قلت هذا الذي ذكره في تفسير كلام أحمد ليس بصواب بل كلام أحمد كما قال أولا حيث نفاه نفي تحديد الحاد له وعلمه بحده وحيث أثبته أثبته في نفسه ولفظ الحد يقال على حقيقة المحدود صفة أو قدرا أو مجموعهما ويقال على العلم والقول الدال على المحدود # وأما ما ذكره القاضي في إثبات الحد من ناحية العرش فقط فهذا قد اختلف فيه كلامه وهو قول طائفة من أهل الإثبات والجمهور على خلافه وهو الصواب # والمقصود أن نفاه الحد والمقدار والجسم ونحو ذلك من الصفاتية الذين يقولون أنه على العرش يقولون لا نسلم أنه إذا كان هو ينفسه فوق العرش فإنه لا يلزم

أن يوصف بتناهي المقدار كما لا يستلزم الانقسام وكذلك لا يستلزم أن يوصف عندهم بعدم التناهي الذي هو بعد لا يتناهى كما لا يوصف عندهم بعدم الانقسام الذي هو جزء لا ينقسم وكذلك لا يستلزم ذلك عندهم أن يوصف بأنه أكبر من العرش في المقدار والمساحة أو أصغر أو بقدره فإنهم يقولون هذه اللوازم كلها إنما تلزم إذا فرض أن فوق العرش ما هو جسم أما إذا كان الذي فوق العرش ليس بجسم فإنه يمتنع أن يستلزم لوازم الجسم لأن الانقسام أو التناهي والتحديد ونحو ذلك هي لازمة للجسم وملزومة له فلا يكون متناهيا محدودا مقسوما إلا ما يكون جسما ولا يكون جسما إلا ما جاز أن يوصف بالانقسام أو بقبول التناهي والتحديد وعدم ذلك # قالوا لمنازعيهم من النفاة فإذا اتفقنا على أنه ليس بجسم أو إذا قام الدليل على انه ليس بجسم وقد علمنا بالفطرة والضرورة العقلية والأدلة المتواترة السمعية واتفاق سلف الأمة وخير البرية أنه فوق العرش كان التقدير أن الذي فوق العرش ليس بجسم وحينئذ فقول القائل إما أن يكون متناهيا أو ذاهبا في الجهات إلى غير غاية وإما أن يكون منقسما أو جوهرا فردا كل ذلك باطل لأن هذه اللوازم إنما تكون إذا كان الذي على العرش جسما أما إذا كان غير جسم ولا متحيز فإنه لا يلزمه شيء من هذه اللوازم # وقالوا هذا اللزوم والتقسيم كله من حكم الوهم والخيال وباب الربوبية لا يجوز أن يحكم فيه بحكم الوهم والخيال كما قد قرره هذا المؤسس في مقدمة هذا الكتاب # ولا ريب أن قولهم هذا أصح من قول منازعيهم من النفاة لما قيل لهم إما أن يكونا متباينين وإما أن يكونا متحايثين وإما أن يكون أحدهما بحيث الآخر

وإما أن يكون مباينا عنه بالجهة فقالوا ليس بكذا ولا كذا ففنوا الطريقين جميعا وقالوا إنه لا يمكن أن يحس به ولا أن يشار إليه بالحس فقيل لهم هذا أحقر من الجوهر الفرد فقالوا في جواب ذلك إنما يلزم لو كان جسما أو لو كان موصوفا بالحيز والمقدار أو قالوا هذا من حكم الوهم والخيال أو حكم الحس والوهم # فقد بينا فيما تقدم غير مرة أن كلام منازعيهم هؤلاء أبعد عن الخطأ في العقل والدين من منازعيهم فانهم هم أعظم مخالفة لما يعلم بضرورة العقل وبديهته وفطرته من منازعيهم هؤلاء المثبتين لأن الله على العرش الموافقين لهم على نفي الجسم وقد تقدم التنبيه على أصل كلام هؤلاء وأنه إن كان كثيرا ممن يوافقهم على أن الله على العرش أو على نفي الجسم يقول إن هذا القول متناقض ويصفهم بالتناقض في ذلك فالنفاة أعظم تناقضا منهم وأعظم مخالفة لما يعلم بالاضطرار في العقل والدين وأن هؤلاء أعظم مخالفة للعلوم الشرعية والعقلية ولا ريب أن كلام هؤلاء فيه ما يحتج به مثبتو الحد والمقدار والتحيز والجهة وفيه ما يحتج به نفاة الجسم والتحيز والجهة أيضا فلهذا قيل إنهم متناقضون أو أن لهم قولين # وقد ذكرنا بعض كلام أبي الحسن الأشعري وغيره من أئمة أصحابه الذي احتجوا به على أن الله على العرش وما احتجوا في ذلك من الآيات التي يحتج بها على اثبات الحد فقال باب ذكر الاستواء فإن قال قائل ما تقولون في الاستواء قيل له إن الله مستو على عرشه كما قال سبحانه ^ الرحمن على

العرش استوى ^ وقد قال عز وجل ^ إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ^ وقال سبحانه ^ بل رفعه الله إليه ^ وقال سبحانه ^ يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه ^ وهذه الآيات التي استشهد بها الامام أحمد لقول ابن المبارك وكذلك هي التي احتج بها عثمان بن سعيد الدارمي وغيره على ذلك فهذا الرازي وموافقوه على النفي من المعتزلة ومتأخري الأشعرية يسلمون أن الاستدلال بهذه الآيات على أن الله فوق العرش يستلزم القول بدلالتها على أن الله متحيز في جهة وأن له حدا وقد تقدم تمام قول الأشعري # قال أيضا وقد قال تعالى ^ يخافون ربهم من فوقهم ^ وقال سبحانه ^ تعرج الملائكة والروح إليه ^ وقال سبحانه ^ ثم استوى إلى السماء ^ وقال ^ ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا ^ وقال ^ ثم استوى على العرش مالكم من دونه من ولي ولا شفيع ^ قال وكل هذا يدل على أنه في السماء مستو على عرشه قال والسماء باجماع الناس ليست في الأرض فدل على أنه عز وجل منفرد بوحدانيته مستو على عرشه كما وصف نفسه قال وقال سبحانه ^ وجاء ربك والملك صفا صفا ^ وقال عز وجل ^ هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ^ وهاتان الآيتان هما اللتان احتج بهما أحمد على قول ابن المبارك في الرواية الأخرى # قال وقال سبحانه ^ يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ^ وقال سبحانه ^ وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه ^ قال واجتمعت الأمة على أن الله رفع عيسى إلى السماء قال ومن دعاء المسلمين جميعا إذا هم رغبوا إلى الله في الأمر النازل بهم أنهم يقولون يا ساكن العرش أو يامن احتجب بالعرش أو بسبع

سموات وهذا تصريح منه باحتجابه بالأجسام المخلوقة وهذا عند منازعيه من نفاة أصحابه وغيرهم يستلزم أن يكون جسما متحيزا # قال وقال عز وجل ^ وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي إذنه ما يشاء ^ وقد خصت الآية البشر دون غيرهم وهذا كله منه يقتضي أن الله سبحانه قد يحتجب عن شيء دون شيء ممن ليس من جنس البشر ولو كانت الآية عامة للبشر وغيرهم لكان أبعد عن شبهة وإدخال الشك عل من سمع الآية أن يقول لأحد أن يكلمه الله إلا وحيا ومن وراء حجاب أو يرسل رسولا فيرفع الشك والحيرة من أن يقول ما كان لجنس من الأجناس أن يكلمه الله إلا وحيا ومن وراء حجاب أو يرسل رسولا وترك أجناسا لم يعمهم بالآية قال فدل ما ذكرناه على أن خص البشر دون غيرهم وقد احتج بذلك على أن الله فوق العرش لأن النفاة يقولون الاحتجاب لا يكون إلا من صفات الأجسام ولا يكون على العرش إلا إذا كان جسما وهذا قد استدل بهذه الآيات على احتجابه عن بعض خلقه المستلزم أن يكون على العرش # قال وقال الله عز وجل ^ ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ^ ^ ولو ترى إذ وقفوا على ربهم ^ وقال ^ ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤسهم عند ربهم ^ وقال سبحانه ^ وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة ^ وقال كل ذلك يدل على أنه ليس في خلقه ولا خلقة فيه وأنه سبحانه مستو على عرشه جل وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا جل عما يقول الذين لم يثبتوا له في وصفهم حقيقة ولا أوجبوا له بذكرهم إياه وحدانية إذ كان

كلامهم يؤول إلى التعطيل وجميع أوصافهم تدل على النفي في التأويل ويريدون بذلك زعموا التنزيه ونفي التشبيه فنعوذ بالله من تنزيه يوجب النفي والتعطيل فاحتجاجه بقوله ^ ثم ردوا إلى الله ^ وقوله ^ وقفوا على ربهم ^ وقوله ^ عرضوا على ربك ^ وقوله ^ ناكسو رؤسهم عند ربهم ^ على أن الله فوق العرش كل ذلك لأن هذه الآيات تدل على النهايات والغايات والحدود والتباين الذي بينه وبين خلقه # فإذا نتكلم على حجته في هذا المقام فإنه يقال له قولك لو كان مختصا بالحيز والجهة لكان لا يخلو إما أن يكون متناهيا أو غير متناه فإن قلت نحن نقول هو موجود في غير جهة ولا حيز أصلا وهو غير متناه من جميع الجوانب أو بعضها أو غير متناه من جميعها يعارضونه بأن يقولوا هذه الحجة ترد عليك أيضا بأن يقال ولو كان موجودا أو قائما بنفسه كان متناهيا في ذاته بمعنى أن ذاته يمتنع أن يكون لها طرف ونهاية وحد # يقال لك اذا عقل موجود لا نهاية له فهل التفسير يعقل موجود فوق العرش لا يوصف بالتناهي وعدمه أولى وأحرى بمعنى أنه يمتنع أن يكون له نهاية أو يكون ذا مسحة لا نهاية لها فانه إذا عقل هذا في موجود مطلق لم يمتنع وصف هذا الموجود بأنه فوق العرش ويكون كذلك بل يكون هذا أقرب إلى العقل لأن الفطر تقر بأن الله فوق العالم وتنكر وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه فإذا أقررت بوجوده خارج العالم كان أقرب إلى الفطرة والعقل وإذا جاز أن يقال في هذا إنه لا يتناهى بمعنى أن ذاته لا تقبل الوصف بتناهي المقدار وعدمه كذلك يقال فيه مع وجوده فوق العرش

وإذا قال قائل هذا الفوقية أو هذا العلو فوق العرش لا يعقل أو قال لا يعقل علو ولا فوقية إلا بمعنى الذهاب في الجهات قيل له معرفة الصفة وعقلها فرع على معرفة الموصوف وعقله فطلبك العلم بكيفية علوه مع أنك لا تعقل حقيقته جمع بين الضدين وإذا كنت تقر بأنه موجود بل إقرارك بأن ذاته فوق العرش فوقية تناسب ذاته أسهل على العقل من الاقرار بأنه لا داخل العالم ولا خارجه بل الاقرار بأنه ليس ذا مساحة ومقدار لا ينافي الاقرار بأنه خارج العالم وفوقه كما يناسب ذاته ومنافاة الاقرار بوجوده مع كونه لا داخل العالم ولا خارجه أعظم تنافيا # وأما المقام الثاني فكلام من لا ينفي هذه الأمور التي يحتج بها عليه نفاة العلو على العرش ليس لها أصل في الكتاب والسنة بل قد يثبتها أو يثبت بعضها لفظا أو معنى أو لا يعترض لها بنفي ولا إثبات وهذا المقام هو الذي يتكلم فيه سلف الأمة وأئمتها وجماهير أهل الحديث وطوائف من أهل الكلام والصوفية وغيرهم وكلام هؤلاء أسد في العقل والدين حيث ائتموا بما في الكتاب والسنة وأقروا بفطرة الله التي فطر عليها عباده فلم يغيروا وجعلوا كتب الله التي بعث بها رسله هي الأصل في الكلام وأما الكلام المجمل المتشابه الذي يتكلم به النفاة ففصلوا مجمله ولم يوافقوهم على لفظ مجمل قد يتضمن نفي معنى حق ولا وافقوهم أيضا على نفي المعاني التي دل عليها القرآن والعقل وان شنع النفاة على من يثبت ذلك أو زعموا أن ذلك يقدح في أدلتهم وأصولهم # والكلام عليه من وجوه أحدها أن يقال قوله وأما القسم الثالث

وهو أن يقال كل متناه من كل الجوانب فهذا باطل من وجهين الأول أن كل ما كان متناهيا من جميع الجوانب كانت حقيقته قابلة للزيادة والنقصان وكل ما كان كذلك كان محدثا على ما بيناه فيقال له قد تقدم الكلام على هذه الحجة وبينا أن جماهير بني آدم من المسلمين واليهود والنصارى والصابئين والمجوس والمشركين يخالفونك في هذه المقدمة وبينا فساد ما ذكرته من الحجة عليها بوجوه كثيرة بيانا واضحا ونحن نحيل على ما ذكرناه هناك كما أحال هو عليه # وأما الوجه الثاني فقوله إنه لما كان متناهيا من جميع الجوانب فحينئذ نفرض فوقه أحيازا خالية وجهات فارغة فلا يكون هو تعالى فوق جميع الأشياء بل تكون تلك الأحياز أشد فوقية من الله تعالى ويكون قادرا على أن يخلق فيها جسما فوقه فيقولون لك هذا بناء على أن الأحياز والجهات لابد أن تكون أمرا وجوديا وأنه يمكن أن تكون فوقه وهم ينازعونك في هاتين المقدمتين وأنت معترف بفسادها في غير موضع من كتبك وقد تقدم البيان بأن الحيز لا يجب أن يكون أمرا وجوديا وإبطال ما يستدل به على خلاف ذلك وظهر صحة قوله سبحانه ^ هو الأول والآخر والظاهر والباطن ^ وما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه كان يقول في دعائه أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء وهذا النص أيضا يدل على أنه ليس فوق الله شيء وهذا نفي عام لكل ما يسمى شيئا وكل موجود فإنه يسمى شيئا فقد اتفق

الناس على أن كل موجود غير الله فإنه شيء لكون النبي صلى الله عليه وسلم قد نفى أن يكون فوقه شيء موجود حيزا وغيره وهذا يبطل أن يكون فوقه أحياز موجودة # والذي يوضح ذلك أنه قد قرر في هذه الحجة امتناع وجود أبعاد لا تتناهى وذلك يبطل وجود أحياز لا تتناهى حتى إنه يقول ليس وراء العالم أحياز وأبعاد لا تتناهى فإذا كانوا يوجبون في العالم الذي هو متحيز محدود متناهي أن لا يكون وراءه أحياز موجودة فكيف يوجبون أن يكون فوق خالق العالم أحياز موجودة بل هذا الرازي وأمثاله إذا ناظره الفلاسفة في أنه يمكن أن يكون العالم أكثر مما هو ويمكن أن يخلق مثله عالم آخر لم يقرر ذلك عليهم إلا بما هو من جنس مجادلاته المعرفة التي لا يزال يضطرب فيها غاية الاضطراب من السلب والايجاب فكيف يوجب أن يكون فوق رب العالمين أحيازا خالية وجهات فارغة ويضرب لهم هنا مثلا من أنفسهم كما يناظر به من يقول إن الله شريكا من خلقه أو أن له ولدا لا يرضى مثله لنفسه فيقال له المخلوق الذي هو عندك متحيز لا يجب أن يكون فوقه عندك أحياز خالية وجهات فارغة فكيف توجب في خالق العالم إذا وصف بأنه فوق العرش وأنه متحيز أن يكون فوقه أحياز خالية وجهات فارغة # وأما قوله هو قادر على خلق الجسم في الحيز الفارغ فيكون ذلك الجسم فوقه فيقال لك هذا مبني على أنه يمكن أن يكون فوقه شيء فإن لم يبين إمكان ذلك لم يصح أن يقال هو قادر على خلق جسم فوقه كما لا يصح أن يقال هو قادر على خلق جسم قبله أو بعده فقد يقول لك المنازع إذا وجب أن يكون هو العلي الأعلى المتعالي الذي لا يعلوه شيء لم يجز أن يعلوه شيء كما أنه إذا وجب أن يكون الأول والآخر لم يجز أن يسبقه شيء أو يتأخر عنه

شيء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء لكن الأول والآخر لا ابتداء له ولا انتهاء وإذا لم يكن له نهاية ولا حد من الوجهين جميعا ظهر فيه امتناع أن قبله أو بعده شيء بخلاف المتناهي المحدود من الأحياز # ولكن هذا الفرض جاء من خصوص المكان والزمان بدليل أن أهل الجنة لا آخر لوجودهم بل هم باقون أبدا وإن كانوا متحيزين لا حد ولا نهاية لآخرهم وإن كانت ذواتهم محدودة متناهية في أحيازها وأما كنها ولهذا لما أراد جهم أن يطرد دليلة في وجوب النهاية لكل مخلوق أوجب فناء الجنة والنار ولما أراد أبو الهذيل أن يطرد دليله في تناهي الحوادث أوجب انقطاع حركات أهل الجنة والنار # والمقصود هنا أن وجوب تناهي البقاء والأمد وإذا كانت الأحياز متناهية أو كان المتحيز متناهيا لم يجب أن يكون فوقه شيء إذ ليس وراء الموجود شيء موجود إلى غير نهاية وقد تقدم ابطاله لذلك # وأيضا فيقال له لم تذكر حجة على امتناع أحياز خالية ولا امتناع خلق أجسام وأنت تقول إن هذا برهان فإن لم تذكر حجة على امتناع ذلك لم يكن هذا الوجه دليلا # وأما قولك لا يكون هو فوق جميع الأشياء بل تكون الأحياز أشد فوقية فهذا تمسك باطلاق لفظ مع أنك لا تقول بمعناه فهو عندك أيضا ليس فوقه شيء من الأشياء فضلا عن أن تكون فوقه جميعها إلا بمعنى القدرة والتدبير وهذا المعنى يثبته المنازع مع اثباته لهذه الفوقية الأخرى فيكون قد أثبت ما تثبته من صفات الكمال ويثبت كمالا آخر لم تثبته أنت

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:28 AM
# وأيضا فتلك الأحياز ليست شيئا أصلا لأن الأشياء هي الموجودة ولا موجود إلا الله وخلقه وهو فوق خلقه وإذا لم تكن أشياء لم يصح أن يكون شيء فوقه وكان هو فوق كل شيء # وأما خلق جسم هناك فلم يذكر على امتناعه حجة إلا أن الخصم لا يقول به والخصم يقول ذلك ممتنع لامتناع أن يكون شيء موجود فوق الله فإن سلمت له هذه العلة كان ذلك جوابا لك وإن لم تسلمها لم يكن مذهبه صحيحا فلا تحتج به وقد تقدم كلامك على إبطال مثل هذه الحجة وهي الالزامات المختلفة المآخذ # وأيضا فلو قال قائل بل ذلك جائز فلم تذكر على إبطاله حجة لا سيما وعندك أن النقص على الله لم يعلم امتناعه بالعقل وإنما علمته بالاجماع لا سيما إن احتج بظاهر قوله تعالى ^ يأتيهم الله في ظلل من الغمام ^ وبقوله كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء لا سيما وهذا لا ينافي الفوقية والعلو بالقدرة والقهر والتدبير وعندك لا يستحق الله الفوقية إلا بهذا وهذا المعنى ثابت سواء خلق فوقه شيئا آخر أو لم يخلقه فإذا لم يكن هذا مستحيلا على أصلك لم يصح احتجاجك باستحالته عن المنازع الذي ينازعك في المسألة بل قد يقول لك إذا لم يكن ما يمنع جواز ذلك إلا هذا فعليك أن تقول به لأن هذا ليس بمانع عندك # الوجه الثاني أن يقال قد ذكرت أن الكرامية الذين قالوا انه فوق العرش منهم من قال إنه ملاق للعرش ومنهم من قال إنه مباين عنه ببعد متناه ومنهم من قال إنه مباين عنه ببعد غير متناه وهذا القول يتضمن أن بين الله وبين العرش بعدا غير متناهيا

# وقد ذكر الأشعري في المقالات قول طوائف ممن يقول أنه لا نهاية لذاته مع قولهم إنه ممتد في الجهات فقال بعد ذكر مقالات المعتزلة هذا شرح اختلاف الناس في التجسيم قال قد أخبرنا عن المنكرين للتجسيم أنهم يقولون إن الباري ليس بجسم ولا محدود ولا ذي نهاية ونحن الآن نخبر عن أقاويل المجسمة واختلافهم في التجسيم قال واختلفوا فيما بينهم في التجسيم وهل للباري قدر من الأقدار وفي مقداره على ستة عشر مقالة فذكر قول هشام انه جسم وأن له مقدارا وأنه ذو لون وطعم ورائحة ومجسة لونه هو طعمه وهو رائحته وهو مجسته وهو نفسه لون قال ولم يثبت لونا غيره وأنه يتحرك ويسكن ويقوم ويقعد وهذا قد يقال إنه يناسب قول من قال من الصفاتية إن يدرك بالحواس # قال وحكي عن بعض المجسمة أنه كان يثبت البارى ملونا ويأبى أن يكون ذا طعم ولون ورائحة ومجسة وأن يكون طويلا أو عريضا أو عميقا وزعم أنه في مكان دون مكان متحرك من وقت ما خلق الخلق وهذا قد يناسب قول من يقول إنه يدرك بالرؤية فقط فإن هذا يزعم أنه لا يرى إلا اللون # قال وقال قائلون إن الباري جسم وأنكروا أن يكون موصوفا بلون وطعم ورائحة أو مجسة أو شيء مما وصف به هشام غير أنه على العرش مباين له دون ما سواه قال واختلفوا في مقدار البارى بعد أن جعلوه جسما فقال قائلون هو جسم وهو في كل مكان وفاضل عن جميع الأماكن وهو مع ذلك متناه غير أن مساحته أكبر من مساحة العالم لأنه أكبر من كل شيء وقال بعضهم مساحته على قدر العالم وقال بعضهم أن البارى جسم له مقدار من المساحة

ولا يدري كم ذلك القدر وقال بعضهم هو في أحسن الأقدار وأحسن الأقدار أن يكون ليس بالعظيم الجافي ولا بالقليل القمي وحكي عن هشام أن أحسن الأقدار أن يكون سبعة أشبار بشبر نفسه وقال بعضهم ليس لمساحة البارى نهاية ولا غاية وأنه ذاهب في الجهات الست اليمين والشمال والأمام والخلف والفوق والتحت قالوا وما كان كذلك لا يقع عليه اسم جسم ولا طويل ولا عريض ولا عميق وليس بذي حدود ولا قطب وقال قوم أن معبودهم هو الفضاء وهو جسم تحل الأشياء فيه ليس بذي غاية ولا نهاية وقال بعضهم هو الفضاء ليس بجسم والأشياء قائمة به # فقد ذكر عن هاتين الفرقتين أنه لا نهاية لمساحته مع قول بعضهم إنه جسم وقول بعضهم إنه ليس بجسم كما ذكر عن آخرين من المجسمة أنه جسم وهو في كل مكان وفاضل عن جميع الأماكن وهو مع ذلك متناه وعن آخرين أنه بقدر العالم وأما القائلون بأنه على العرش فلم يذكر عنهم قولا أنه لا نهاية لمساحته وذكر أيضا عن زهير الأثري وأبي معاذ التومنى أنه فوق العرش وبكل مكان وقال فأما أصحاب زهير الأثري فإن زهيرا كان يقول إن الله بكل مكان وأنه مع ذلك على عرشه وأنه يرى بالأبصار بلا كيف وأنه موجود الذات بكل مكان وأنه ليس بجسم ولا محدود ولا يجوز عليه الحلول والمماسة ويزعم أنه يجئ يوم القيامة كما قال ^ وجاء ربك والملك صفا صفا ^ بلا كيف # فيقال له إذا نازعك إخوانك المتكلمون الجهمية من المجسمة وغير المجسمة الموافقون لك على أنه ليس فوق العرش الذين يقولون لا نهاية لذاته ومساحته مع قولهم انه جسم ومع قولهم انه ليس بجسم فما حجتك عليهم وهذا هو القسم الأول وهذا ليس من أقوال من يقول انه فوق العرش

# وكذلك ذكر أبو الحسن الأشعري لما ذكر اختلاف الناس هل هو في مكان دون مكان أم لا في مكان أم في كل مكان فقال قد ذكرنا قول من امتنع من ذلك وقال إنه في كل مكان حال وقول من قال لا نهاية له وأن هاتين الفرقتين ذكرتا القول أنه في مكان دون مكان فأخبر أن القائلين بأنه لا نهاية له ينكرون أن يكون في مكان دون مكان فلا يقولون إنه فوق العرش لكن هذا المؤسس ان لم يبطل قول هؤلاء بالحجة والا خصموه فانه ينكر أن يكون الله فوق العرش ويوافقهم على اطلاق القول بأنه لا نهاية له ولا حد ولا غاية وإن كان يفسر ذلك بتفسير آخر لكن نفي قولهم لابد له من حجة # فأما الوجه الأول الذي ذكره فيقولون له لا نسلم أن الخط المتناهي يمكنه أن يسامت غير المتناهي فقولك زال عن الموازاة إلى المسامتة فرع إمكان ذلك والمحال المذكور إنما لزم من فرض مسامتة خط متناه لخط غير متناهي فلزم من قولك أن يحصل في المتناهي نقطة هي أول نقطة المسامتة وأن لا يحصل لكن قولك إن هذا المحال إنما لزم من فرضنا أن ذلك الخط غير متناه ممنوع بل يقال هذا المحال إنما لزم من فرض مسامتة المتناهي لغير المتناهي فالاحالة كانت بفرض مسامتة له لا بفرض وجود غير المتناهي لم قلت إن الأمر ليس كذلك # وقد يقول لك أحد الفريقين من هؤلاء نحن نقول أنه غير متناه وأنه غير جسم وحينئذ لا يمكن أن يفرض فيه خطوط ونقط فلا بد من إقامة دليل على امتناع شيء ليس بجسم غير متناهي فان أقمت دليلا على ذلك بطل ما ذكرته في القسم الثالث من وجود أحياز خالية فوق البارى لأنه إذا أوجب عندك تناهي

الأبعاد وإن لم تكن أجساما وجب تناهي الأحياز فلم يجب أن يكون فوق الباري حيز ولا بعد كما الزمتهم إياه في القسم الثالث # وأما الوجه الثاني الذي احتججت به عليهم فقولك إذا كان القول بوجود بعد غير متناه ليس محالا فعند هذا لا يمكن إقامة الدليل على كون العالم متناهيا بكليته وذلك باطل بالاجماع يقولون لك أكثر ما يمكنك دعوى الاجماع على أن دليله امتناع بعد لا يتناهى ولا يلزم من الاجماع على الحكم أن يكونوا مجمعين على دليل معين # وأيضا فلا يلزم من بطلان هذا الدليل بطلان سائر الأدلة كيف وقد ذكرت أنه مجمع عليه والاجماع من أعظم الأدلة إذ حجة الاجماع ليست موقوفة على إحالة أبعاد لا تتناهى بدليل أن سلف الأمة وأئمتها يعترفون أن الاجماع حجة من غير أن يبنوا ذلك على أدلة فيها هذه المقدمة التي قد لا تخطر ببال أكثرهم # وقد يقول هؤلاء هب أنه قام دليل تناهي العالم وتناهي المخلوقات وتناهي الأبعاد التي فيها المحدثات فلم قلت إن ذلك محال في حق البارى وهذا يقوله مثبتة الجسم ونفاته كما تقدم ذكر القولين لهم # وأما الوجه الثالث قولك لو كان غير متناه من جميع الجوانب أوجب أن لا يخلو شيء من الجهات والأحياز عن ذاته فحينئذ يلزم أن يكون العالم مخالطا لأجزائه وأن يكون القاذورات والنجاسات كذلك وهذا لا يقوله عاقل فان أردت أن ليس في المكلفين من العقلاء من يقوله فقد قاله منهم طوائف كما ذكرناه عن الأشعري أنه نقل ذلك عن طائفتين ممن يقول إن له مساحة طائفة تقول إنه جسم وطائفة تنفى الجسم

# وأيضا فطوائف من الجهمية يقولون إنه بذاته في كل مكان وقد ذكر الأئمة والعلماء ذلك عن الجهمية وردوا ذلك عليهم وطوائف أخر يقولون إنه موجود الذات في كل مكان وأنه على العرش كما نقله الأشعري عن زهير وأبي معاذ # وأيضا هؤلاء الاتحادية يصرحون بذلك تصريحا لا مزيد عليه حتى يجعلونه عين الكلب والخنزير والنجاسات لا يقولون إنه مخالط لها بل وجودها عين وجوده وهذا وان كان من أعظم الكفر فالغرض أن إخوانه من الذين يقولون أن الله ليس فوق العرش قد قالوا هذا كله وما هو أكثر منه فلا بد أن يرد قولهم بطرقه التي يسلكها وإلا لم يكن قوله أصح من قولهم بل قولهم أقرب إلى العقل من قوله أنه لا داخل العالم ولا خارجه ولهم في الجواب عن المخالطة من الكلام ما هو مع كونه باطلا أقرب إلى العقل من كلامه مثل قولهم أنه بمنزلة الشعاع للشمس الذي لا يتجنس بما يلاقيه وبمنزلة الفضاء والهواء الذي لا يتأثر بما يكون فيه ونحو هذا من الأمثال التي يضربونها لله فهم مع كونهم جعلوا لله ندا وعدلا ومثلا وسميا في كثير من أقوالهم إن لم يكونوا أمثل منه فليسوا دونه بكثير # وأما إن أردت أن العقل يبطل هذا القول فلم تذكر على بطلانه حجة عقلية أكثر ما ذكرت قولا تنفر عنه النفوس أو ما يتضمن نوع نقص وأنت تقول ليس في العقل ما ينفي عن الله النقص وإنما نفيته بالاجماع فهذا الوجه في جانب من يقول بالقسم الثالث # وأما القسم الثاني وهو التناهي من جهة دون جهة فما علمت به قائلا فإن قال هذا أحد فإنه يقول إنه فوق العرش ذاهبا إلى غير نهاية فهو متناه من جهة العالم غير متناه من الجهة الأخرى وهذا لم يبلغني أن أحدا قاله ونقل الأشعري

يقتضي أن هذا لم يقله أحد بل كل من قال بعدم نهايته أنكر أن يكون فوق العرش # الوجه الثالث أن يقال فرض بعد غير متناه لا يخلو إما أن يكون محالا أو لا يكون محالا فإن كان محالا بطل ما ذكر مما ذكرته في القسم الثالث من تجويز أحياز خالية فوقه إذا كان متناهيا من جميع الجهات فإنه إذا وجب تناهي الأبعاد لم يجب أن يكون فوق العالم بعد فضلا عن أن يكون فوق الباري بعد وأذا فرض ما ذكرته في القسم الثالث وهو أحد الوجهين نفي الوجه الأول وهو كون كل ماله قدر مخصوص يجب أن يكون محدثا وقد تقدم الكلام عليه بما فيه كفاية وإذا بطل الوجهان بطل ما ذكرته على إفساد القسم الثالث وإن كان فرض بعد غير متناه ممكنا ثبت إمكان القسم الأول وبطل ما ذكرته من الحجة على إحالة ذلك فقد ظهر على التقديرين أن ما ذكرته ليس بدليل صحيح # الوجه الرابع أن القسم الثاني وهو أنه غير متناه من بعض الجوانب ومتناه من سائر الجوانب وان كنا لم نعلم به قائلا فلم تذكر دليلا على إبطاله ولا استدللت على إبطاله بنص أو اجماع فأما الدليل الذي ذكرته على امتناع بعد غير متناه فقد تقدم القول عليه مع إن تلك الوجوه لا تصلح هنا كما صلحت هناك # أما الوجه الأول وهو اجتماع وجود المسامتة وعدمها إذا قدر مسامتة غير المتناهي للمتناهي فإنه ما تقدم فيه إذا كان متناهيا من بعض الجهات أمكن فرض المسامتة في تلك الجهة وحينئذ فتسامت النقطة الفوقانية من تحت الجهة قبل التحتانية لكن هذا لا يحصل إلا عند فرض مسامتا من الجهة التي لا تتناهى

# وأما الوجه الثالث وهو لزوم مخالطة ذاته للقاذورات فهذا لا يلزم إذا قيل إنه متناه من جانب الخلق دون الجانب الآخر فإنه حينئذ لا يكون مخالطا لهم من هذا الوجه هنا بطولا ظاهرا # وأما بطلان إقامة الدليل على تناهي العالم فقد تقدم الكلام عليه مع أن العالم في بقائه فيه متناه من أوله غير متناه من آخره ففيه تناه من وجه دون وجه لكن هذا ليس هو المتناهي في الجهة والمقدار والبعد # والغرض أن الوجوه الثلاثة هي في هذا القسم فيها نوع نقص عن ذلك القسم # وأما الوجه الثاني وهو قولك أن الجانب الذي فرض أنه غير متناه والجانب الآخر إما أن يتساويا في الحقيقة والماهية وإما أن لا يكونا كذلك أما القسم الأول فإنه يقتضي أن يصح على كل واحد من هذين الجانبين ما يصح على الآخر وذلك يقتضي جواز الفصل والوصل والزيادة والنقصان فيقال لك مشاركة الشيء لغيره في حقيقته لا يقتضي مساواته له في المقدار كالمقادير المختلفة من الفضة والذهب وسائر الأجسام المتماثلة في الحقيقة فانها تتماثل في الحقيقة مع اختلاف المقادير وحينئذ فهذه الأمور إنما يجوز على بعضها ما يجوز على بعض فيما تماثلت فيه وهو الصفة والكيفية وأما ما يتعلق بالمقدار فليس الكبير في ذلك كالصغير ولا يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر بل للصغير أحكام لا تصح في الكبير وللكبير أحكام لا تصح على الصغير مثل شغل الحيز الذي بقدره وغير ذلك # وإذا كان كذلك فالبعد الذي يتناهى من أحد جانبيه دون الآخر وإنما تماثلت حقيقة الجانبين في الصفة والكيفة فلم تتماثل في المقدار لأن أحدهما أكبر من الآخر قطبا فلا يلزم أن يجوز على غير المتناهي من النقص والفصل

# وأيضا فان لزم أن يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر فقولك ذلك يقتضي جواز الفصل والوصل والزيادة والنقصان على ذات الله تعالى هذا هو بعينه الدليل على امتناع كونه متناهيا وهو أن المتناهي يقبل الزيادة والنقصان وقد قيل لك أن هذا ممنوع فيما وجوبه به بنفسه فإن صفاته تكون لازمة لذاته فلا يمكن أن يكون على خلاف ما هو عليه كما نقول إن معلوماته أكثر من مقدوراته ومقدوراته أكثر من مخلوقاته ومراداته وهذان لم يكن نظير ذلك والغرض التنبيه على تقدم الكلام في مثل هذا # وأيضا فلم تذكر دليلا على امتناع الفصل والوصل والزيادة والنقصان فإن اعتصمت في ذلك بإجماع كانت الحجة سمعية وأن قنعت بنفور النفوس عن ذلك فنفور النفوس على قولك أعظم مع أن هذا ليس حجة عندك # وقولك وأما القسم الثاني وهو القول بأن أحد الجانبين مخالف للجانب الآخر في الحقيقة والماهية فنقول إن هذا محال من وجوه الأول أن هذا يقتضي كون ذاته مركبة وهو باطل كما بيناه # يقال لك قد تقدم الكلام على إبطال حجة التركيب بما يظهر به فسادها لكل عاقل لبيب # فقولك الثاني أنا بينا أنه لا معنى للمتحيز إلا الشيء الممتد في الجهات المختص بالأحياز وبينا أن المقدار يمتنع أن يكون صفة بل يجب أن يكون ذاتا وبينا أنه متى كان الأمر كذلك كانت جميع المتحيزات متساوية وإذا كان كذلك امتنع القول بأن أحد جانبي ذلك الشيء يخالف الجانب الآخر في الحقيقة والماهية

# فيقال لك هذه حجة تماثل الأجسام وقد تقدم أنها من أبطل ما في العالم من الكلام وهي منشاها من كلام المعتزلة والجهمية كما ذكره الأشعري وغيره كما أن الأولى من كلام الفلاسفة والصابئة وهي أيضا من حجج المعتزلة والجهمية وقد تبين أن المقدر صفة للشيء المقدر المحدود وليس هو عين الشيء المقدر المحدود وتبين أيضا أنه لو كان المقدار هو الذات لم يجب أن تكون المقدورات متساويات فإن بينها اختلافا في صفات ذاتيات لها وهي مختلفة في تلك الصفات الذاتيات وان كانت مشتركة في أصل المقدار الذي جعلته الذات وغايتها أن تكون بمنزلة الأنواع المشتركة في الجنس المتمايزة بالفصول # وأيضا فأنت وسائر الصفاتية بل وجميع العباد يثبتون لله معاني ليست متماثلة بل هذا واجب في كل موجود مثل إثبات أنه موجود بنفسه ومبدع بنفسه ومبدع لغيره وأنه عالم وأنه قادر وأنه حي وهذه حقائق مختلفة فالقول في اقتضائها للتركيب كالقول في اختلاف الجانبين كذلك كما تقدم ذلك # وأما حجة تساوي الأبعاد وتماثلها فهذه الحجة إن صحت فهي كافية في نفي كونه كذلك سواء قبل إنه متناه أو غير متناه والحجة المستقلة بنفسها في المطلوب لا تصلح أن تجعل دليل بعض مقدمات دليل المطلوب لأن هذا تطويل وعدول عن سواء السبيل # الوجه الخامس أنه أورد اعتراضا من جهة المنازع بقوله فان قيل ألستم تقولون أنه تعالى غير متناه في ذاته فيلزمكم جميع ما ألزمتموه علينا وقال في الجواب قلنا الشيء الذي يقال انه غير متناه على وجهين أحدهما أنه غير مختص بجهة وحيز ومتى كان كذلك امتنع أن يكون له طرف ونهاية وحد والثاني

أنه مختص بجهة وحيز إلا أنه مع ذلك ليس لذاته منقطع وحد فنحن إذا قلنا إنه لا نهاية لذات الله عنينا به التفسير الأول # فيقال المعقول المعروف إذا قيل هذا لا يتناهى أو لا حد له ولا غاية ولا نهاية أن يكون موجودا أو مقدر الوجود ويكون ذلك الموجود أو المقدر ليس له حد ولا نهاية ولا منقطع بل لا يفرض له حد ومنقطع إلا وهو موجود بعده كما يقال في وجود الباري وبقائه فيما لم يزل ووجوده وبقائه فيما لا يزال بل في وجود أهل الجنة في الجنة فيما لم يزال بقاؤه لا ينتهي ذلك إلى حد الا ويكون بعده شيء كما أن وجود البارى لا يقدر له حد ووقت الا وهو موجود قبله وكذلك اذا قدر أجسام أو أبعاد لا تتناهى فانه لا يفنى قبله وكذلك إذا قدر أجسام أو أبعاد لا تتناهى فانه لا يفنى منها شيء أو يقدر منها الا وهي تكون موجودة بعده وكذلك ما يقدر في الذهن إلى حد ومقطع الا ويقدر بعده شيء آخر وكذلك ما يقدر في الذهن من عدم التناهي من العلل وغيرها كما بين فساده هو من هذا الباب # فالغرض ان الشيء الذي يوصف بعدم التناهي إما حقيقة وإما مقدار ممتنعا وإما تقديرا غير ممتنع أو غير معلوم الامتناع كلها مشتركة في ذلك فاما وصف الشيء بانه غير متناه بمعنى أن ليس له حقيقة تقبل التناهي وتقبل عدم التناهي فوصف هذا بأنه غير متناه مثل صفة المعدوم بأنه غير متناهي لأنه لا يمكن له نهاية وحد وطرف ولا يمكن أن يقال وذاته لا تقبل أن يوصف بالتناهي وعدمه كما لا يقبل أن يوصف بالحياة وعدمها ولا بالعلم وعدمه ولا بالقدرة وعدمها

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:29 AM
# ولهذا يفرق من يفرق بين العدم المحض وعدم الصفة عما من شأنه أن يقبلها فان الأعمى والأصم ونحو ذلك لا يوصف به المعدوم المحض ولا يقال أيضا للعدم

المحض إنه جاهل أو عاجز أو يثبت له أنه عالم ولا قادر بل كل صفة تستلزم الثبوت يمتنع أن يوصف بها المعدوم فإذا قيل الأعمى والأصم كان ذلك نفيا للسمع والبصر عما يقبله لا عن المعدوم الذي يمتنع أن يوصف بثبوت ففرق بين نفي الصفة التي يمكن ثبوتها للموصوف في الذهن أو في الخارج ونفي الصفة التي لا تكون لا في الذهن ولا في الخارج ثبوتها للموصوف فاذا قيل المعدوم لا يتناهى والمعدوم غير متناهي كان المعنى أن المعدوم ليس له حقيقة تقبل أن تكون متناهية أو غير متناهية كما ليس له حقيقة تقبل أن تكون حية أو غير حية أو عالمة أو غير عالمة أو قادرة أو غير قادرة # فاذا قيل قول القائل في الله إنه غير متناهي بمعنى أن ذاته لا تقبل الوصف بالنهاية وعدمها كان ذلك بمنزلة قول القائل أن الله ليس باصم ولا ميت ولا جاهل بمعنى أن ذاته لا تقبل الوصف بهذه الصفات وعدمها فيكون المعنى حينئذ أنه لا يقال أصم ولا يقال غير أصم ولا يقال ميت ولا يقال غير ميت وهذا شر من أقوال الملاحدة الذين يمتنعون من إثبات الأسماء الحسنى له ونفيها فان أولئك يقولون لا نقول حي ولا غير حي بل يسلبون أضدادها فيقولون هو ليس بميت ولا جاهل وان كان هذا الذي قالوه يستلزم عدمه كما تقدم لكن ليس ظهور عدمه في ذلك كظهوره في قول القائل لا يوصف بالموت ولا بعدمه ولا بالعجز ولا بعدمه كما لا يوصف بالقدرة ولا بعدمها ولا بالحياة ولا عدمها بمعنى أن ذلك لا يجوز أن يوصف بشيء من ذلك لا نفيا ولا إثباتا فان هذا حال المعدوم المحض # وإذا كان كذلك فقول القائل أنا أقول أن الله غير متناهي في ذاته بمعنى أن ذاته لا تقبل أن يوصف بالتناهي وعدمه لأن ذلك من عوارض ذات المقدار كما لا يوصف بالطول وعدمه ولا بالقصر وعدمه ولا بالاستدارة والتثليث والتربيع وعدم ذلك لأن ذلك من عوارض المقدار وهو التجسيم والتحيز

جمع بين النقيضين لأن قوله غير متناه في ذاته يفهم المقدار الذي لا يتناهى وهو البعد الذي لا يتناهى كما إذا قيل إنه لا نهاية له في أزله أفهم ذلك البقاء الذي لا يتناهى وهو عمر الله الذي لا يتناهى كما يحلف به فيقال لعمر الله كما حلف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بذلك # وقولهم بعد ذلك لا يقبل الوصف بالتناهي وعدمه نفي لما أثبتوه من كونه غير متناهي وكذلك قوله امتنع أن يكون له طرف ونهاية وحد هذا يفهم منه أن ذاته غير متناهي فلا نهاية لها وهو إنما أراد أن ذاته لا يجوز إثبات النهاية لها ولا سلبها عنها وهذا صفة المعدوم # فالحاصل أنهم في هذا المقام إما أن يفسروا سلب النهاية بما هو صفة المعدوم أو بما يستلزم وجودا غير متناهي في نفسه فان قالوا ان وجود ذلك الموجود غير متناه في نفسه فهذا قول من يقول إن ذات الله لا نهاية لها وان قالوا إن ذاته لا يجوز أن يعتقد أو يقال فيها إنها متناهية أو أنها غير متناهي لأنها لا تقبل الاتصاف بذلك فهذا صفة المعدوم سواء فأحد الأمرين لازم إما تمثيل ربهم بالمعدوم وإما القول بأبعاد لا نهاية لها # وهكذا كان السلف يقولون عن قول الجهمية انهم لما قالوا ان الله ليس على العرش وأنه لا يكون في مكان دون مكان صاروا تارة يقولون إنه في كل مكان ويقول من يقول منهم إنه موجود ولا نهاية لذاته فيجعلونه من الموجودات المخلوقة أو نفس وجودها وتارة يقولون ليس في مكان أصلا ولا داخل العالم ولا خارجه فيجعلونه كالمعدومات فهم دائما مترددون بين الاشراك وبين التعطيل إما يجعلونه كالمخلوقات وإما أن يجعلوه كالمعدومات فالأول يكثر في عبادهم ومتصوفتهم والثاني يكثر في علمائهم ومتكلمتهم

# ولهذا لما كان صاحب الفصوص ونحوه من القسم الأول جعلوه نفس الموجودات وجوزوا كل شرك في العالم وجعلوه نفس العابد والمعبود والناكح والمنكوح والشاتم والمشتوم وقالوا ما عبد أحد الله ولا يمكن أن يعبد الا الله بل لا يتصور أن يكون العابد والمعبود عندهم إلا الله ولما كان صاحب التأسيس ونحوه من القسم الثاني جعلوه كالمعدومات المحضة ولهذا يقال فيهم متكلمة الجهمية لا يعبدون شيئا وهذا هو نهاية التعطيل ومتصوفتهم يعبدون كل شيء وهذا نهاية الاشراك # ولهذا ذكر الاسلام والسنة أن هذا السلب أول من ابتدعه في الاسلام هم الجهمية وليس له أصل في دين المسلمين ولا غيرهم بل الموجود في كتاب الله وسنة رسوله وكلام سلف الأمة وأئمتها هو نفي ادراك نهايته ونفي الاحاطة به كما قال تعالى ^ لا تدركه الأبصار ^ وقال من قال من السلف لمن سأله عن هذه الأشياء الست ترى السماء قال بلى قال أفكلها ترى قال لا قال فالله أكبر وكذلك قوله ^ ولا يحيطون به علما ^ سواء كان الضمير عائدا على الله أو على ما بين أيديهم فان ذلك يدل على عدم إحاطة العلم بالله من طريق الأولى وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وغير ذلك وكذلك من قال من سلف الأمة إن حده لا يعلمه أحد غيره # وقد قال سبحانه ^ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ^ فأخبر سبحانه أنهم ما قدروا الله حق قدره وهو يقبض الأرض بيده ويطوى السماء بيمينه كما استفاضت بذلك الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث أبي هريرة وابن عمر وابن مسعود كلها في الصحيحين ومثل حديث ابن عباس وغيره من الأحاديث الحسان وقال أيضا في الآية الأخرى ^ وما قدروا الله حق قدره إذ

قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ^ فالآية الأولى في الأصل الأول من الاسلام وهو التوحيد والثانية في الأصل الثاني وهو الرسالة وهؤلاء الجهمية لهم قدح في كلا الأصلين فانهم لا يقدرون الله حق قدره فلا يقبض عندهم أرضا ولا يطوي السماء بيمينه بل ليس له قدر في الحقيقة الخارجية عندهم وإنما قدره عندهم ما يقوم بالأنفس والأذهان فيثبتون لقدره الوجود الذهني دون العيني وكذلك عندهم في الحقيقة ما تكلم بشيء حتى ينزله على بشر لا سيما الصابئة المتفلسفة منهم فان الكلام انما يفيض عندهم على قلب النبي من العقل الفعال لا من رب العالمين # وقد قال في الآية الأخرى ^ وإن إلى ربك المنتهى ^ وقال ^ إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ^ وقال ^ وردوا إلى الله مولاهم الحق ^ وقال ^ ألا إلى الله تصير الأمور ^ واذا كان منتهى المخلوقات إليه وهو الغاية والنهاية التي ينتهى إليها امتنع أن يكون بحيث لا ينتهى إليه ولا يكون غاية ومالا يوصف بالنهاية لا ينتهى إليه أصلا فانه لا اختصاص له حتى يكون الشيء غير منته إليه ثم ينتهي إليه بل وصف الشيء بالانتهاء إليه وعدم الانتهاء إليه سواء كما يقوله الجهمية فانه لا يتصور عندهم أن ينتهي إلى الله شيء أو يرجع إليه أمر أو يصير إليه أمر أو يرد إليه أحد لا سيما الاتحادية منهم من يقول انه في كل مكان كما لا يتصور عنده أن ينزل من عنده شيء أو يعرج إليه شيء أو يصعد إليه شيء وليس هذا موضع تقرير ذلك # وإنما الغرض هنا أن قوله الشيء الذي يقال إنه غير متناه على وجهين أحدهما أنه غير مختص بجهة وحيز قول لا يعرف ما يعرف اطلاق القول على شيء بأنه غير متناه بهذا المعنى أصلا إلا إذا كان معدوما أو كان ذاهبا في الجهات كلها غير متناه كما يقدر من الأبعاد

# الوجه السادس أن هذا الوجه معارض بما اختص الله به سبحانه من الحقيقة والصفات فان الاختصاص بالوصف كالاختصاص بالقدر فهو مختص بالحياة والعلم والقدرة وغير ذلك بحيث له صفات مخصوصة يمتنع اتصافه بأضدادها ونقائضها ويقال فيها نظير ما قالوا في المقدار بأن يقال إما أن تكون الصفات متناهية أو غير متناهية أو متناهية من وجه دون وجه فان كانت متناهية فكل متناهي يستدعى مخصصا ويقبل الزيادة والنقص كما قدره في المقدار وان لم تكن متناهية لزم وجود صفات لا نهاية لها وفرض وصف لا نهاية له كفرض قدر لا نهاية له فان الصفة لا بد لها من محل ويلزم من عدم تناهيها عدم تناهي محلها # وأيضا فان كل صفة متميزة عن الأخرى فيكون للصفات عدد فإما أن يكون عدد الصفات يتناهى أو لا يتناهى فإن تناهى لزم الأول وإن لم يتناهى لزم الثاني وإذا كان له أعداد لا تتناهى فهو كمقدار لا يتناهى فكلما يحتج به على امتناع مقدار لا يتناهى يحتج به على امتناع عدد صفات لا تتناهى إذ ما يفرض من المسامتة وعدمها في المقدار يفرض من المطابقة وعدمها في الأعداد # وهذا الوجه يمكن أن يلزم به كل أحد فانه لابد من الاعتراف بموجود له خاصة يتميز بها عما سواه إذ وجود ليست له خاصة تميزه ممتنع والكليات مع كونها موجودة في الأذهان فتميز ما في نفس زيد عما في نفس عمرو فانها من الصفات القائمة بالأذهان وإذا كان لكل موجود خاصة يتميز بها سواء كان واجبا بذاته أو كان ممكنا فالقول في اختصاصه بتلك الخاصة كالقول في اختصاصه بقدر
فصل
# قال الرازي البرهان الرابع على أنه يمتنع أن يحصل في الجهة والحيز هو

أنه لو حصل في شيء من الجهات والأحياز لكان إما أن يحصل مع وجوب أن يحصل فيه أو لا مع وجوب أن يحصل فيه والقسمان باطلان فكان القول بأنه تعالى حاصل في جهة محالا وإنما قلنا إنه يمتنع أن يحصل فيه مع الوجوب لوجوه # الأول أن ذاته مساوية لذوات سائر الأجسام في كونه حاصلا في الحيز ممتدا في الجهة وإذا أثبت التساوي من هذا الوجه ثبت التساوي في تمام الذات على ما بيناه في البرهان الأول في نفي كونه جسما وإذا ثبت التساوي مطلقا فكل ما صح على أحد المتساويين وجب أن يصح على الآخر ولما لم يجب في سائر الذوات حصولها في ذلك الحيز وجب أن لا يجب في تلك الذات حصولها في ذلك الحيز وهو المطلوب # الثاني أنه لو وجب حصوله في تلك الجهة وامتنع حصوله في سائر الجهات لكانت تلك الجهة مخالفة في الماهية لسائر الجهات فحينئذ تكون الجهات شيئا موجودا فإذا كان الله واجب الحصول في الجهة أزلا وأبدا التزموا قديما آخر مع الله تعالى في الأزل وذلك محال # الثالث أنه لو جاز في شيء مختص بجهة معينة أن يقال اختصاصه بتلك الجهة واجب جاز أيضا ادعاء أن بعض الأجسام حصل في حيز معين على سبيل الوجوب بحيث يمتنع خروجه عنه وعلى هذا التقدير لا يتمشى دليل حدوث الأجسام في ذلك فثبت أن القائل بهذا القول لا يمكنه الجزم بحدوث كل الأجسام بل يلزمه تجويز أن يكون بعضها قديما # الرابع وهو أنا نعلم بالضرورة أن الأحياز بأسرها متساوية لأنها فراغ محض وخلاء صرف وإذا كانت بأسرها متساوية يكون حكمها واحدا وذلك يمنع القول بأن الله تعالى واجب الاختصاص ببعض الأحياز على التعيين

# فإن قالوا لم لا يجوز أن يكون اختصاصه بجهة فوق أزلي قلنا هذا باطل لوجهين # أحدهما أنه قبل خلق العالم ما كان الا الخلاء الصرف والعدم المحض فلم يكن هناك لا فوق ولا تحت فبطل قولكم # الثاني لو كان الفوق متميزا عن التحت بالتميز الذاتي لكانت أمورا موجودة قابلة للانقسام وذلك يقتضي تقدم الجسم لأنه لا معنى للجسم إلا ذلك # الثالث هو أنه لو جاز أن يختص ذات الاله تعالى ببعض الجهات على سبيل الوجوب مع كون الأحياز متساوية في العقل لجاز اختصاص بعض الحوادث المعينة ببعض الأوقات دون بعض على سبيل الوجوب مع كونها متساوية في العقل وعلى هذا التقدير يلزم استغناؤها عن الصانع ولجاز أيضا اختصاص عدم القديم ببعض الأوقات على سبيل الوجوب وعلى هذا التقدير ينسد باب إثبات الصانع وباب اثبات وجوبه وقدمه # الخامس أنه لو حصل في حيز معين مع كون لا يمكنه الخروج منه لكان كالمفلوج الذي لا يمكنه أن يتحرك أو كالمربوط الممنوع من الحركة وذلك نقص والنقص على الله محال # وأما القسم الثاني وهو أن يقال إنه تعالى حصل في الحيز مع جواز كونه حاصلا فيه فنقول ان هذا محال لأنه لو كان كذلك لما ترجح وجود ذلك الاختصاص إلا بجعل جاعل وتخصيص مخصص وكل ما كان كذلك فالفاعل متقدم عليه فيلزم أن لا يكون حصول ذات الله في الحيز أزليا لأن ما تأخر عن الغير لا يكون أزليا وإذا كان في الأزل مبرءا عن الوضع والحيز امتنع أن يصير بعد ذلك مختصا بالحيز وإلا لزم وقوع الانقلاب في ذاته تعالى وهو محال

# والكلام على هذه الحجة على قول من يطلق الحيز والجهة ومن لا يطلق ذلك على مذهب مثبتة الجسم ونفاته مع قولهم إنه على العرش سواء فإنه يمكن أن يقال لو كان فوق العرش أو كان عاليا على العرش لكانت فوقيته وعلوه إما واجبا وإما جائزا وساق الحجة والجواب عنها أن يعرف أن لفظ الحيز والجهة ونحو ذلك فيه اشتراك كما تقدم فقد يراد به شيء منفصل عن الله كالعرش والغمام وقد يراد به ما ليس منفصلا عنه كما ذكرنا أن لفظ الحيز والحد في المخلوقات يراد به ما ينفصل عن المحدود ويحيط به ويراد به نهاية الشيء وجوانبه فإن كلاهما يحوزه وقد يراد بالحيز أمر عدمي وهو ما يقدر فيه الأجسام وهو المعروف من لفظ الحيز عند المتكلمين الذين يفرقون بين لفظ الحيز والمكان فيقولون الحيز تقدير المكان وكذلك الجهة قد يعنى بها أمر وجودي منفصل عنه فقد يعنى بها ما لا يقتضي موجودا غيره بل يكون إما أمرا عدميا وإما نسبيا وإضافيا وإذا كان في الألفاظ اشتراك فمن مسمى ذلك ما يكون واجبا ومنه ما يكون جائزا والاستفصال يكشف حقيقة الحال وحينئذ فالكلام عليها من وجوه # الأول أن يقال ما تعنى بقولك لو حصل في شيء من الجهات والأحياز لكان إما أن يحصل مع الوجوب أو مع عدم الوجوب أتعنى بالحيز ما هو من لوازم المتحيز وهي نهايته وحده الداخل في مسماه أم تريد بالحيز شيئا موجودا منفصلا عنه كالعرش وكذلك الجهة أتريد بالجهة أمرا موجودا منفصلا عنه أم تريد بالجهة كونه بحيث يشار إليه ويمكن الاحساس به وإن لم يكن هناك موجود غيره فإن أراد بالحيز المعنى الأول وهو ما هو من لوازم كل متحيز وان أراد بالجهة كونه يشار إليه من غير وجود شيء منفصل عنه لم نسلم أن ذلك غير واجب وبهذا التفصيل يظهر الجواب عما ذكره من الوجوه

# أما قوله لا يجب في سائر الذوات حصولها في ذلك الحيز فكذلك هذا فيقال له بل يجب في سائر الذوات المتحيزة أن يكون لكل منها تحيز يخصه وهو قدره ونهايته التي تحيط به ويلزمه الحيز الذي هو تقدير المكان وهو عدمي لكن لا يجب أن يكون عين تحيز هذا وعين حيزه الذي هو نهايته أن يكون عين تحيز الآخر وحيزه الذي هو نهايته كما لا يجب أن يكون عين هذا هو عين الآخر فان حيزه بهذا التفسير داخل في مسمى ذاته ونفسه وعينه والشيئان المتماثلان لا يكون أحدهما عين الآخر فإن هذا لا يقوله عاقل وهذا معلوم بالاضطرار لا نزاع فيه هذا لو سلم أن الأجسام متماثلة فكيف وقد تقدم أن هذا قول باطل # وكذلك قوله في الثاني لو وجب حصوله في تلك لجهة لكانت مخالفة لغيرها فيكون موجودا فيكون مع الله قديم آخر يقال اثبات صفة قديمة ليس ممتنعا على الله كما اتفق عليه الصفاتية أو لا نسلم أنه ممتنع والقدر والحيز الداخل في مسمى المتحيز الذي هو من لوازمه أبلغ من صفاته الذاتية فإن كل وجود متحيز بدون الحيز الذي هو جوانبه المحيطة به يمنع أن يكون هو إياه والقديم الذي يمتنع وجوده مع الله ما يكون شيئا منفصلا عنه بل شيء يكون داخلا في مسماه ليس خارجا عنه # وقوله في الوجه الثالث لو جاز دعوى وجوب اختصاص شيء بجهة معينة جاز أن يدعى في بعض الأجسام حصوله في حيز بعينه على سبيل الوجوب وحينئذ لا يتمشى دليل حدوث الأجسام بل يلزمه تجويز قدم بعضها يقال له كل جسم فإنه مختص بتحيز وحيزه الذي هو جوانبه ونهايته وحدوده الداخلة في مسماه وأما اختصاصه بحيز وجودي منفصل عنه فذلك شيء آخر لا يلزم كما قد بيناه فعلم أن ذلك لا ينافي ما ذكروه من دليل حدوث الأجسام مع أن ذلك

الدليل لا نرتضيه لا لهذا لكن لمعاني آخر ومع أن المنازعين له الذين يقولون هو جسم أوله حد وقدر ينازعونه في حدوث كل ما كان جسما أوله حد فقد يقولون دعوى حدوث جميع هذا مثل دعوى حدوث كل ذات أو كل موصوف أو كل صفة وموصوف وحدوث كل قائم بنفسه أو كل موجود ونحو ذلك # وقوله في الوجه الرابع الاحياز متساوية وذلك يمنع الاختصاص ببعضها على التعيين يقال له الأحياز المتساوية التي تدعى فيها التساوي هي ما كانت منفصلة عن المتحيز كما ذكر من الخلاء والفراغ وأما الذي هو داخل في مسمى المتحيز وهو جانبه وحده ونهايته فهذا تابع للمتحيز وهذه الأحياز مختلفة باختلاف المتحيزات فحيز كل متحيز وهو حده ونهايته وجانبه يتبع حقيقته وهذا ظاهر فحيز الذهب ذهب وحيز الفضة فضة بهذا الاعتبار # وقوله في الوجه الخامس المختص بحيز معين يكون كالمربوط والمفلوج يقال له هذا إنما يقال إذا كان في حيز وجودي منفصل عنه أما ما هو داخل في مسمى نفسه وهو حده ونهايته فلا يلزم ذلك فيه كما لا يلزم في سائر المتحيزات وهذا ظاهر بل عدم هذا يستلزم عدم في سائر المتحيزات وهذا ظاهر بل عدم هذا يستلزم عدم بعض الشيء # الوجه الثاني أن يقال إذا أراد القائل بأنه متحيز وأراد بالحيز أمرا موجودا منفصلا عنه كالغمام والعرش فإنه قد يقول حصوله فيه على سبيل الجواز وبذلك يظهر الجواب عن قوله ذلك الاختصاص لا يكون إلا بجعل جاعل وهو الفاعل المتقدم على التخصيص فيلزم أن لا يكون ذات الله في الحيز أزليا فإن هذا سلم

على هذا التقدير بأن حصول ذاته فوق العرش ليس أزليا بل كان الله قبل أن يكون مستويا على العرش سواء قيل إن الاستواء أمر نسبي إضافي أو قيل إنه من صفات الأفعال وأنه استوى على العرش بعد أن لم يكن مستويا عليه فعلى التقديرين إنما حصل الاستواء بخلقه للعرش وخلقه للعرش بمشيئته واختياره # وأما قوله وإذا كان في الأزل مبرءا عن الموضع والحيز امتنع أن يصير بعد ذلك مختصا بالحيز وإلا لزم الانقلاب في ذاته يقال له هذا ممنوع فإنه إذا كان في الأزل مبرءا عن حيز وجودي كالعرش والغمام ثم صار بعد أن خلق العرش والعالم فوقه لم يكن ذلك ممتنعا فإن تجدد النسب والاضافات عليه جائز باتفاق العقلاء وأما إن قيل إن الاستواء فعل وأنه استوى عليه بعد أن لم يكن مستويا كما هو المعروف من مذاهب السلف وأهل الحديث فهذا مبني على مسألة الحركة وحلول الحوادث وقد تقدم كلامه بان هذا لم يقم دليل عقلي على نفيه وان جميع الطوائف يلزمهم القول به وليس ذلك انقلاب في ذات الله بحال كما تقدم # وهو إنما ادعى لزوم الانقلاب لأنه أخذ لفظ الحيز بالاشتراك فقدر أنه يصير متحيزا بعد أن لم يكن متحيزا ومعلوم أن هذا يوجب انقلاب ذاته فإن ضرورة صير المتحيز متحيزا توجب الانقلابات لكن هذا التحيز هو القسم الأول وهو التحيز اللازم للمتحيز الذي يمتنع انفصاله عنه والمراد بالحيز في هذا المتحيز إما أمر عدمي أو إضافي أو المراد به جوانب المتحيز ونهايته فلو كان في الأزل مبرءا عن هذا ثم صار موصوفا به لزم الانقلاب ونظيره في المخلوقات أن يصير ما ليس بجسم جسما وهذا عند قوم متنع وعند قوم قد يقلب الله الأعراض

أجساما وذلك انقلاب بلا نزاع أما إذا أريد بالحيز أمرا موجودا منفصلا عنه فلا يلزم بكونه فوقه وعليه أن تنقلب ذاته بوجه من الوجوه # فإن للناس في كونه فوق العرش والعالم قولان مشهوران لعامة الطوائف من المتكلمين وأهل الحديث والفقهاء والصوفية من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم أحدهما أنه مجرد نسبة وإضافة بين المخلوق والخالق أو بين العرش والرب تجددت بخلقه للعرش من غير أن يكون هو في نفسه تحرك أو تصرف بنفسه شيئا وهذا قول من يقول يمتنع حلول الحوادث بذاته وتمتنع الحركة عليه والقول الثاني هو المشهور عن السلف وأئمة أهل الحديث وكثير من أهل الكلام والفقهاء والصوفية من الطوائف الأربعة وغيرهم أنه استوى عليه بعد أن خلق السموات والأرض كما دل عليه القرآن فيكون قد استوى عليه بعد أن لم يكن مستويا عليه وكذلك استواؤه إلى السماء ومجيؤه وإتيانه كما وردت بذلك النصوص المتواترة الصحيحة وعلى هذا التقدير فليس في ذلك انقلاب لذاته بل قد ذكر هو أن ليس في الأدلة العقلية ما يحيل ذلك # الوجه الثالث أن يقال تحيزه واجب بذلك بناءا على أن نفس العرش ليس بحيز بل الحيز تقدير المكان ومن قال بذلك فهم في جواز الحركة عليه على قولين فمن قال بالامتناع يقول إنه لما خلق العرش تجددت بينه وبين العرش نسبة ولم يتغير عما كان موصوفا إن وصفه بأنه متحيز فإنا قد ذكرنا أن للقائلين بأنه على العرش في ذلك قولان

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:31 AM
# وقد يقول إن حصوله في الحيز المعين واجب ومن قال ذلك يجيب عن أوجهه الخمسة أما الوجه الأول فمبني على تماثل المتحيزات وقد تقدم أن هذا باطل # وأما قوله في الوجه الثاني أنه لو وجب حصوله في الجهة وامتنع حصوله في غيرها لكانت تلك الجهة مخالفة لغيرها في الحقيقة فتكون موجودة فيكون مع الله قديم غيره تعالى يقال له هؤلاء لا يقولون إن الحيز الذي يجب لله أمرا موجودا منفصلا عنه بل هو عندهم أمر عدمي بينه وبين الله نسبة وإضافة أو هو تقدير المكان وذلك لا يقتضي وجود قديم آخر مع الله ومن قال إن تقدير الزمان وتقدير المكان وجوديان قال بقدمهما جميعا كما يقول ذلك طائفة من الصابئة ومن اتبعهم ثم قد يقولون إن ذلك لازم لواجب الوجود بنفسه وقد يقولون إن القدماء خمسة الزمان والمكان والنفس والهيولى وواجب الوجود بنفسه كما يقول ذلك بعض الصابئين ومن اتبعهم كديمقراطيس # والغرض أن المسلمين الذين يقولون ليس مع الله قديم منفصل عنه موجود لا يقولون أن الحيز موجود وقد تقدم الدليل على ذلك وقد قال هو بعد هذا إنه قبل خلق العالم ما كان إلا الخلاء الصرف والعدم المحض وذلك ينافي قوله أن الأحياز وجودية # وأما قوله ما سبب الاختصاص بهذا الأمر العدم فسيأتي الكلام عليه # وهؤلاء يقولون قوله في الوجه الثالث لو جاز في شيء مختص بجهة معينة أن يقال اختصاصه بتلك الجهة واجب جاز أيضا ادعاء أن بعض الأجسام حصل في حيز معين على سبيل الوجوب وعلى هذا لا يتمشى دليل حدوث العالم فثبت أن القائل بهذا القول لا يمكنه الجزم بحدوث كل الأجسام بل يلزمه تجويز أن يكون بعضها قديما فهم يجيبون بجوابين

# أحدهما أن الأجسام مختلفة بالحقيقة فلا يلزم من اختصاص بعضها بصفة معينة أن يكون غيره مختصا بمثل تلك الصفة كما أنه عندهم إذا اختص بسائر صفاته الذاتية لم يلزم أن يكون غيره مختصا لغيره # الثاني أنهم إذا قالوا بأن الأجسام الباقية مختص بحيز معين إنما يبطل الدليل الذي ذكره منازعوهم ولا ريب في بطلان هذا الدليل عندهم كما اتفق السلف والأئمة على أنه من الكلام المنهي عنه ومن قال من هؤلاء إنه جسم لم ينكر أن الأجسام كلها ليست محدثة كما لاينكر أن القائمات بأنفسها كلها ليست محدثة وأن الموصوفات كلها ليس محدثة بل يضلل من يطلق العموم بحدوث الأجسام كما يضلل من أطلق القول بحدوث الموصوفات والقائمات بأنفسها أو الموجودات # ويقولون قوله في الوجه الرابع إنا نعلم بالضرورة أن الأحياز بأسرها متساوية لأنها فراغ محض وخلاء صرف وذلك يمنع وجوب الاختصاص ببعضها فهم يقولون ليس الاختصاص لمعنى فيها بل هو لمعنى في نفسه وهو امتناع الحركة عليه والانتقال عنه كما يوافقهم هو على ذلك وأيضا فالعالم مختص بحيزه لمعنى فيه لا في حيزه # وأما السؤال الذي أورده من جهتهم لم لا يجوز أن يكون اختصاصه بجهة فوق أولى وجوابه بأنه قبل خلق العالم ما كان إلا الخلاء الصرف وبأنه لو كان الفوقاني متحيزا عن التحتاني لكانت وجودية فإنهم يقولون كونه فوق العالم إنما يظهر إذا خلق العالم فإنه لما خلقه وهو على علو يستحقه بنفسه وخلق العالم بصفة التحت وجب أن يكون فوق العالم لمعنى في نفسه وفي العالم لا لمعنى وجودي في الحيز وإن لم يكن قبل خلق العالم ولا فوق العالم إلا لعدم المحض

والخلاء الصرف فالاختصاص بالحيز لامتناع الحركة عليه عندهم ووجوب علوه لمعنى في نفسه وفي العالم # وكذلك قوله في الثالث لو جاز اختصاص ذات الاله ببعض الجهات على سبيل الوجوب مع كون الأحياز متساوية يلزم استغناؤها عن الصانع فيقولون هذا بناء على أن الأحياز أمور وجودية وليس الأمر كذلك بل هي أمور عدمية # وقوله في الخامس إنه يكون كالمفلوج الذي لا يمكنه الحركة وهو نقص وهو على الله محال فيقال أنت تقول أن نفي النقص عن الله لا يعلم بالعقل وأنت أيضا تقول لا يجوز عليه الحركة وقد تقدم الكلام على هذا في آخر حجة من نفي الجسم وهو برهان الحركة وبينا أن ما وصف به قول منازعيه يلزمه مثله أو أكثر # الوجه الرابع قول من لا يوجب حصوله في حيز معين خارج عنه وجوديا كان أو عدميا بل ذلك عنده على سبيل الجواز مطلقا وهو قول كل من يقول أنه استوى على العرش بعد أن خلق السموات والأرض بعد أن لم يكن مستويا عليه ويقول انه استوى إلى السماء وأنه يجيء يوم القيامة ويأتي إلى سائر ما جاءت به النصوص من ذلك وعلى قول هؤلاء يجب حصوله في حيز معين جل وتكون ذاته مستلزمة للتحيز المطلق لا لحيز معين وإذا حصل في حيز معين جاز أن يكون حاصلا فيه ولم يجب # وأما قوله إن هذا محال لأنه لو كان كذلك لما ترجح ذلك الاختصاص إلا بجعل جاعل وتخصيص مخصص وما كان كذلك فالفاعل متقدم عليه فيلزم

أن يكون حصول ذات الله في الحيز أزليا لأن ما تأخر عن الغير لا يكون أزليا يقال له أما اختصاصه بحيز دون حيز فهو الذي يفتقر إلى جعل جاعل وأما أصل التحيز فمن لوازم ذاته القدرة والفعل فإن القدرة على كل شيء لوازم ذاته وأما تخصيص بعض المقدورات فتتبع مشيئته واختياره ولى هذا فنقول حصوله في حيز معين دون غيره بمشيئته واختياره وذلك لأن هذا هو الفعل والتصرف والحركة كما يقولون إنه ما زال متكلما إذا شاء كذلك يقولون ما زال فاعلا بنفسه إذا شاء وعلى هذا فحصول ذاته في الأزل يكون أزليا لأنه من لوازم ذاته لكن تعين حيز دون حيز هو تابع لمشيئته واختياره وذلك أن الأحياز ليست أمورا وجودية بل هي أمور عدمية فليس الأمر إلا مجرد كونه يفعل بنفسه ويتصرف وتقدم الفاعل على هذا الفعل كتقدم حركة اليد على حركة الخاتم لا يوجب ذلك تقدما بالزمان # وعلى هذا فيقال الوجه الخامس وقولك لو حصل في شيء من الأحياز والجهات لكان إما أن يحصل مع وجوب أن يحصل فيه أولا مع الوجوب فيقال أتريد بالوجوب وجوب الحيز المطلق أو وجوب حيز معين فإن أردت الأول فالوجوه الخمسة المذكورة لا تنفي ذلك وإن أردت الثاني فقوله إن هذا يلزم أن لا يكون حصول ذات الله في الحيز أزليا يقال هذا ممنوع # قوله ما ترجح وجود ذلك الاختصاص إلا بجعل جاعل وكل ما كان كذلك فالفاعل متقدم عليه وما تأخر عن الحيز لا يكون أزليا يقال له التقدم في مثل هذا لا يوجب أن يكون بزمان يفصل بين الفعل والفاعل كما تقول حركت يدي فتحرك ثوبي أو تحرك خاتمي ونحو ذلك فحركة اليد متقدمة على حركة الخاتم والكم ومع هذا فزمانهما واحد فكذلك إذا كان هذا التخصيص جائزا وهو بمشيئته واختياره لم يمنع ذلك أن يتقدما على فعله تقدما بغير

الزمان وهذا القدر وإن كان الفلاسفة يقولونه في تقدمه على العالم فهؤلاء لم يقولوه في ذلك بل قالوه في تقدمه على هذا الفعل القائم بنفسه والتحيز المعين وهم يقولون ذلك في سائر ما يضاف إليه من أعيان الأقوال وأعيان الأفعال القائمة بنفسه التي يمكن أن يكون يقول ويفعل غيرها مما يكون بمشيئته واختياره وهذا قول طوائف كثيرة من منازعيه معروف عنهم من أهل الكلام وأهل الحديث والصوفية وغيرهم
فصل # قال الرازي البرهان الخامس هو أن الأرض كرة فإذا كان كذلك امتنع كونه تعالى في الحيز والجهة بيان الأول أنه إذا حصل خسوف قمري فإذا سألنا سكان أقصى المشرق عن ابتدائه قالوا إنه حصل في أول الليل وإذا سألنا سكان أقصى المغرب قالوا إنه حصل في آخر الليل فعلمنا أن أول الليل في أقصى المشرق هو بعينه آخر الليل في أقصى المغرب وذلك يوجب كون الأرض كرة وإنما قلنا إن الأرض لما كانت كرة امتنع كون الخالق في شيء من الأحياز وذلك أن الأرض إذا كانت كرة فالجهة التي هي فوق بالنسبة إلى سكان أهل المشرق هي تحت بالنسبة إلى سكان أهل المغرب وعلى العكس فلو اختص الباري بشيء من الجهات لكان تعالى في جهة التحت بالنسبة إلى بعض الناس وذلك باطل بالاتفاق بيننا وبين الخصم فثبت أنه يمتنع كونه مختصا بالجهة # والكلام على هذا أن يقال هذا الذي ذكره مبني على أن الأرض مستديرة والأفلاك مستديرة وهذا القدر قد ينازعه فيه بعض الناس فإن من أهل الكلام

من نازعه فيه ودفع كون الأفلاك مستديرة كما فعل بعض من رد عليهم في كتاب الدقايق وغيرهم وكذلك قد يدفع ذلك بعض من ينتسب إلى العلم وربما حصل هذا من أقوال المنجمين التي يخالف الشرع وكذلك المتكلم قد ينازع في هذا بطريق جدلية وهذا المتفقه قد ينازع في هذا زعما منه أن هذا مخالف للشريعة وليس مع واحد منهما دليل شرعي ولا عقلي يخالف ذلك ولا يمنع كون الأفلاك مستديرة ولا ينقل عن أحد من أئمة الإسلام وعلمائه النزاع في ذلك بل قد ذكر غير واحد من علماء المسلمين مثل الشيخ أبي جعفر بن المنادي أحد العلماء المشاهير ذوي التصانيف الكثيرة من الطبقة الثانية من أصحاب الامام أحمد ومثل محمد بن حزم ومثل أبي الفرج ابن الجوزي إجماع المسلمين على أن الأفلاك مستديرة وأبو جعفر من أعظم الناس اطلاعا وكذلك هؤلاء وإذا ذكر هو أو غيره اجماع علماء المسلمين على أن الأفلاك مستديرة كان من نازع بعد هذا الاجماع من متكلم ومتفقه وغيرهما مسبوقا بالاجماع وما علمت منازعا في ذلك إلا نقل الاجماع الذي ذكره أبو جعفر بن المنادي وإن كان قد نقل عن بعض السلف نزاع في حركة الأفلاك لكن ما علمت عنهم نزاعا في استدارتها # وقد ذكر العلماء دلالة الكتاب والسنة على أن الأفلاك مستديرة من وجوه كثيرة ليس هذا موضعها قد كتبنا في ذلك ما تيسر في غير هذا الموضع مثل قوله تعالى في موضعين من كتابه ^ وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون ^ قال ابن عباس في فلكة مثل فلكة المغزل والفلك في اللغة هو الشيء المستدير ومنه يقال تفلك ثدي الجارية إذا

استدار ومنه فلكه المغزل وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح إذا سألتم الله الجنة فأسألوه الفردوس فإنها أعلا الجنة وأوسط الجنة وسقفها عرش الرحمن والأعلى لا يكون الأوسط إلا إذا كان الشكل مستديرا بخلاف المربع والمثلث ونحوهما من الأشكال فإنه لا يكون أعلاه أوسطه # وفي حديث الأطيط الذي رواه أبو داود وغيره عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال يا رسول الله جهدت الأنفس وضاعت العيال وهلكت الأنعام فاستسق الله لنا فإنا نستشفع بك إلى الله ونتشفع بالله عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحك أتدري ما تقول وسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ثم قال ويحك أتدري ما تقول لا يستشفع بالله على أحد من خلقه شان الله أعظم من ذلك ويحك أتدري ما الله إن عرشه على سمواته هكذا وقال بأصابعه مثل القبة عليه وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب قال أبو داود وقال ابن بشار في حديثه إن الله فوق عرشه وعرشه فوق سمواته وساق الحديث ولفظ عثمان بن سعيد عن ابن بشار إن الله فوق عرشه فوق سمواته فوق أرضه مثل القبة وأشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده مثل القبة وأنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب # وقد قال سبحانه وتعالى ^ وسع كرسيه السموات والأرض ^ وفي حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة والكرسي في العرش مثل تلك الحلقة في الفلاة والعرش لا يقدر أحد قدره إلا الله وقد روى أبو بكر الخلال في كتاب السنة أخبرني حرب حدثنا محمد بن مهدي ومالك ثنا اسماعيل بن عبد الكريم ثنا عبد الصمد بن معقل قال سمعت هناد ذكر من عظمة الله تعالى قال إن السموات السبع والأرضين

السبع والبحار لفي الهيكل وإن الهيكل لفي الكرسي وإن قدميه على الكرسي وقال الخلال سألت ابراهيم الحربي عن حديث وهب بن منبه ان السموات والأرض لفي الهيكل فقال الهيكل هو الشيء العظيم وأنت إذا دخلت البيعة ورأيت الشيء العظيم يعنى عندهم يسمونه الهيكل وإن الهيكل لفي الكرسي وإن الكرسي لفي العرش قال والعرش أعظم من ذلك وروى عمر بن سعيد حدثنا الحماني حدثنا الحكم بن ظهير عن عاصم عن زر عن عبد الله هو ابن مسعود قال ما السموات والأرض في الكرسي إلا مثل حلقة بأرض فلاة وقال ثنا يحيى الحماني ثنا أبو معوية عن الأعمش عن مجاهد قال مالسموات والأرض في الكرسي إلا بمنزلة حلقة في أرض فلاة وقال ثنا موسى بن اسماعيل ثنا حماد هو ابن سلمة عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود قال بين السماء السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام ومن الكرسي إلى الماء خمسمائة عام والعرش على الماء والله فوق العرش وهو يعلم ما أنتم عليه وقال ثنا يحيى الحماني وأبو بكر قالا حدثنا وكيع عن سفيان عن عمار الدهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر قدره إلا الله # وقد أخبر الله تعالى في كتابه أنه جعل الأرض فراشا والسماء بناءا والأبنية هي الخيام والفساطيط وفيها استدارة وذكر أنه جعل الأرض مهادا وأنه بسطها وأخبر أنه جعل الجبال فيها أوتادا وروى الخلال في كتاب السنة قال أعطاني محمد بن عوف هذا الحديث وقال اروه عني فإنه بسماعي أبو المغيرة قال ثنا ابن مهدي قال ثنا أبو الزاهرية عن أبي شجرة عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الأرض على ما هي قال الأرضون على الماء وروى الامام أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من ليلة إلا والبحر يستأذن ربه

أن يغرق بني آدم فينهاه ربه ولولا ذلك لأغرقهم وهذا كله مما يبين أن الماء محيط بالأرض وأن من شأنه العلو عليها ولكن الله مهد الأرض وقد ثبتها وبسطها في الماء وأوتدها بالجبال الراسيات التي ترسيها أن تميد وتضطرب فإن السفينة إذا كانت في البحر لابد لها من شيء يثقلها ويسكنها وإلا مادت واضطربت وليس هذا موضع بسط ذلك وشرحه وما يرد عليه # وإنما الغرض إنما ذكره هذا الرازي من استدارة الفلك لا ننازعه فيه كما قد ينازعه فيه بعض الجهال وكما ينقل هو فإنه تارة يدخل من المنجمين في الشرك وعبادة الكواكب وتارة ينازعهم في الأمور المعلومة من الحساب وكلاهما خروج عن الحق # وقد احتج هنا بالحجة المشهورة عند أهل الحساب الناظرين في هيئة الأفلاك والأرض وهي صورتها وشكلها فإنهم يستدلون على أن الشمس والقمر والكواكب تطلع في مشرق الأرض قبل طلوعها في المغرب وتغرب في مشرق الأرض قبل غروبها في المغرب ولهذا يكون أوائل الليل والنهار في المشرق قبل المغرب وأما أول الشهر فيكون في المغرب قبل المشرق لأن الشهر هو بظهور الهلال والهلال يعظم ظهوره بقدر مباعدته للشمس واحتجاب الشمس ليرى نوره والشمس يتأخر غروبها في المغرب عن غروبها في المشرق فيبعد بقدر ذلك ما بينها وبين الهلال فيعظم نوره وإذا غربت ضعف بسبب البعد الشعاع الذي تحت الهلال فقوي المقتضى للرؤية وضعف المانع يستدلون على ذلك بالخسوف فإنه يمكن الناس أن يرصدوه بالليل في وقت واحد فيعلمون حدوثه عند أهل المشرق قبل حدوثه عند أهل المغرب ويعلمون قدره في أقطار الأرض وليس الاستدلال على ذلك مختصا بخسوف القمر بل هو ممكن بكسوف الشمس أيضا بل واقتران الكواكب وبكسوف الكواكب أيضا بل وكل

أمر يكون في الفلك في درجة واحدة فإن كل درجة من درج الفلك تطلع على الجانب الشرقي قبل الغربي فإذا كان فيها أمر غريب مثل الكسوف والخسوف والقرآن ونحو ذلك كان وقته من ليل أو نهار في المشرق قبل وقته بالمغرب مثل أن يكون عند هؤلاء في أول النهار وعند هؤلاء في أواخره أو عند هؤلاء في أوائل الليل وعند هؤلاء في أواخره كان بمنزلة خسوف القمر ويمكن الاستدلال أيضا بغير ذلك من الأدلة المعروفة # لكنه لم يستوف الحجة ويظهرها بل كلامه في ذلك كلام الشادي فإن القدر المرئي من الخسوف عند أهل المشرق لا يجب أن يكون هو القدر المرئي من الخسوف عند أهل المغرب حتى يقال إن أهل المشرق والمغرب يرون الخسوف في ساعة واحدة ويكون أول ليل هؤلاء بل قد يخسف القمر عند قوم دون قوم وقد يكون الخسوف عند قوم كليا لجميع القمر وعند بعضهم جزئيا يخسف بعضه ولكن يشترك أهل المشرق والمغرب إذا اشتركوا فيه في طرفيه فإن الخسوف في القمر يبدأ فيه من جانبه الشرقي وفي الشمس من جانبها الغربي وإذا بدأ الخسوف في القمر من جانبه الشرقي لا يخسف حينئذ عند أهل المغرب وكذلك طلوع الشمس وكسوفها وقد يكون ضد ذلك # إذا عرف ذلك فالكلام على هذه الحجة من مقامين كسائر الحجج المذكورة في منع كونه على العرش فإن من يقول إنه فوق العرش ويقول هو مع ذلك ليس بجسم ولا متحيز ولا مركب يمنع ما ذكره من الملازمة كما تقدم ذكره غير مرة سواء فرض أن العرش يكون تحت بعض الناس أو أن السموات تكون تحت بعض الناس أو لم يفرض ومن وجوه

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:32 AM
# أحدها أن قوله أن الأرض إذا كانت كرة فالجهة التي هي فوق بالنسبة إلى سكان أهل المشرق هي تحت بالنسبة إلى سكان المغرب فلو اختص الباري بشيء من الجهات لكان في جهة التحت بالنسبة إلى بعض الناس يقال له كان الواجب إذا احتجت بما ذكرته من أمر الهيئة تتم ما يقولونه هم وما يعلمه الناس كلهم فإنه لا نزاع بينهم ولا بين أحد من بني آدم أن الأرض هي تحت السماء حيث كانت وأن السماء فوق الأرض حيث كانت وهذا وهم متفقون مع جملة الناس على أن الجهة الشرقية سماؤها وأرضها ليست تحت الغربية ولا الجهة الغربية سماؤها وأرضها تحت الشرقية ومتفقون على جهل من جعل إحدى الجهتين في نفسها فوق الأخرى أو تحتها # وذلك يتضح بما قدمناه قبل هذا من أن الجهات نوعان جهات ثابتة لازمة لا تتحول وجهات إضافية نسبية تتبدل وتتحول فأما الأولى وهي الجهة الثابتة اللازمة الحقيقية فهي جهة العلو والسفل فالسماء أبدا في الجهة العالية التي علوها ثابت لازم لايتبدل وكلما علت اتسعت وكلما والأرض أبدا في الجهة السافلة التي سفلوها ثابت لازم لا يتبدل سفلت ضاقت فلهذا كان الأعلا هو الأوسع وكان السفل هو الأضيق ولهذا قابل الله تعالى بين عليين وبين سجين في كتابه فقال ^ كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين ^ وقال ^ كلا إن كتاب الفجار لفي سجين ^ ولم يقل في سفلين كما لم يقل هناك في وسعين ليبين الضيق والحرج الذي في المكان كما بين سفوله بمقابلته بعليين وبين أيضا سعة عليين بمقابلة سجين فيكون قد دل على العلو والسعة التي للأبرار وعلى السفول والضيق الذي للفجار # وأما الجهات الست فقد ذكرنا أنها تقال بالنسبة والاضافة إلى الحيوان وحركته ولهذا تتبدل بتبدل حركته وأعضائه فإذا تحرك إلى المشرق كان

المشرق أمامه والمغرب خلفه والجنوب يمينه والشمال شامه وعلى هذا بنيت الكعبة لأن وجهها مستقبل مهب الصبا بين المشرق والشمال وأركانها على الجهات الأربع فالحجر الأسود مستقبل المشرق واليماني مستقبل اليمن والغربي مستقبل الغرب والشامي مستقبل الشام إلى القطب الشمالي وهو محاذ أرض الجزيرة كالرقة وحران ونحوهما ولهذا قال من قال من المصنفين في دلائل القبلة كأبي العباس بن القاص وغيره إن قبلة هذه البلاد أعدل القبل لأن سكانها يستدبرون القطب الشمالي لا يحتاجون أن ينحرفوا عنه إلى المشرق كما يفعل أهل الشام ولا إلى المغرب كما يفعل أهل العراق # فالانسان تتبدل جهاته بتبدل حركاتهم مع أن الجهات نفسها لم تختلف أصلا ولم يصر الشرق منها غربيا ولا الغربي شرقيا وكذلك الجهة التي تحاذي رأسه هي علوه والتي تحاذي رجليه هي سفله فإذا كان رجلان في أقصى المشرق منتهى الأرض عند ساحل البحر هناك وفي أقصى المغرب منتهى الأرض عند ساحل البحر هناك فكل منهما تكون السماء فوقه لأنها تحاذي رأسه وكذلك الأرض تحته لأنها تحاذي رجليه كما أن السماء فوق الأرض في نفسها وليس أحد هذين تحت الآخر في نفس الأمر كما أن سجين الذي هو أسفل السافلين تحتهما ولو هبط شيئان ثقيلان من عندهما لانتهى إلى أسفل السافلين وهو سجين لم يلتق ذلك الشيئان الثقيلان لكن لو قدر أن تخرق الأرض فيلتقيان هناك لكانت رجلا أحدهما إلى رجلي الآخر ولو فرض أن أحدهما أخرقت له الأرض حتى يمر في جوفها ويصل إلى الآخر لكانت رجلاه تلاقي رجلي الآخر فبهذا الاعتبار يتخيل كل واحد منهما أن الآخر تحته بمحاذاته ناحية رجليه لكن الحركة السفلية هي إلى أسفل الأرض وقعرها ومن هناك تبقى الحركة صاعدة إلى فوق كحركة الصاعد من الأرض إلى السماء فيكون

المتحرك من أسفل الأرض وقعرها إلى ظهرها وعلوها على هذا الوجه كهيئة المعلق برجليه إلى ناحية السماء وذراعيه إلى ناحية الأرض وكهيئة النملة المتحركة تحت السقف والسقف يحاذي رجليها فتصير بهذا الاعتبار السماء تحاذي رجليه والأرض تحاذي رأسه فمن هنا يقال إن السماء تحته والأرض فوقه إذا كان مقلوبا منكوسا # فيجتمع من هذا أمران أحدهما أن تكون حركته على خلاف الحركة التي جعلها الله في خلقه والثاني أن تبدل الجهة تبدلا إضافيا لا حقيقيا كما تتبدل اليمين باليسار والأمام بالوراء ومن المعلوم أن المشرق والمغرب لا يتبدلان قط باستقبالهما تارة واستدبارهما أخرى فكيف يتبدل العلو والسفل بتنكيس الانسان وقلبه على رأسه والمحاذاة حينئذ للسماء برجليه والأرض برأسه بل هذا المنكوس يعلم أن السماء فوقه والأرض تحته ونحن لا نمنع أن هذا قد يسمى علوا وسفلا بهذا الاعتبار التقديري الاضافي لكن هذا لا يعتبر الجهة الحقيقية الثابتة # وبهذا الاعتبار سمى في هذا الحديث المروي عن أبي هريرة وأبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال فيه لو أدلى أحدكم بحبل لهبط على الله فإنه قدر ضعيف الادلاء وهو ممتنع فسماه هبوطا على هذا التقدير كما لو قلبت رجلا الانسان ورمي إلى ناحية السماء لكن قائما على السماء # وإذا ظهر هذا علم أن الله سبحانه لا يكون في الحقيقة قط إلا عاليا # وذلك يظهر بالوجه الثاني وهو أن يقال هذا الذي ذكرته وارد في جميع الأمور العالية من العرش والكرسي والسموات السبع وما فيهن من الجنة والملائكة والكواكب والشمس والقمر ومن الرياح وغير ذلك فإن هذه الأجسام مستديرة كما ذكرت ومعلوم أنها فوق الأرض حقيقة وإن كان على مقتضى ما ذكرته

تكون هذه الأمور دائما تحت قوم كما تكون فوق آخرين وتكون موصوفة بالتحت بالنسبة إلى بعض الناس وهي التحتية التقديرية الاضافية وإن كانت موصوفة بالعلو الحقيقي الثابت كما أنها أيضا عالية بالعلو الإضافي الوجودي دون الإضافي التقديري وإذا كان الأمر كذلك ولم يكن في ذلك من الأحالة إلا ما هو مثلما في هذا ودونه لم يكن في ذلك محذورا فإن المقصود أن الله فوق السموات وهذا ثابت على كل تقدير # وهذا يظهر بالوجه الثالث وهو أن يقال هذا الذي ذكرته من هذا الوجه لا يدفع فإنه كما أنه معلوم بالحساب والعقل فإنه ثابت بالكتاب والسنة قال الله تعالى ^ هو الأول والآخر والظاهر والباطن ^ وقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين وأعننا من الفقر فأخبر أنه الظاهر الذي ليس فوقه شيء وأنه الباطن الذي ليس دونه شيء فهذا خبر بأنه ليس فوقه شيء في ظهوره وعلوه على الأشياء وإنه ليس دونه شيء فلا يكون أعظم بطونا منه حيث بطن من الجهة الأخرى من العباد جمع فيها لفظ البطون ولفظ الدون وليس هو لفظ الدون بقوله وأنت الباطن فليس دونك شيء فعلم أن بطونه أوجب أن لا يكون شيء دونه فلا شيء دونه باعتبار بطونه والبطون يكون باعتبار الجهة التي ليست ظاهرة # ولهذا لم يقل أنت السافل ولهذا لم يجئ هذا الاسم الباطن كقوله وأنت الباطن فليس دونك شيء إلا مقرونا بالاسم الظاهر الذي فيه ظهوره

وعلوه فلا يكون شيء فوقه لأن مجموع الاسمين يدلان على الاحاطة والسعة وأنه الظاهر فلا شيء فوقه والباطن فلا شيء دونه # لم يقل أنت السافل ولا وصف الله قط بالسفول لا حقيقة ولا مجازا بل قال ليس دونك شيء فأخبر أنه لا يكون شيء دونه هناك كما جاء في الأثر الذي ذكره مالك في الموطأ أنه يقال حسبنا الله وكفى سمع الله لمن دعا ليس وراء الله منتهى فالأمر متناه مداه ولا شيء دونه في معنى اسمه الباطن ليبين أنه ليس يخرج عنه من الوجهين جميعا وذلك لأن ما في هذا المعنى من نفي الجهة شيء دونه هو بالنسبة والاضافة التقديرية وإلا ففي الحقيقة هو عال أيضا من هناك والأشياء كلها تحته # وهذا كما أن الضار والمانع والخافض لا تذكر إلا مقرونة بالنافع المعطي الرافع لأن ما فعله من الضرر والمنع والخفظ فيه حكمة بالغة أوجب أن تكون فيه رحمة واسعة ونعمة سابغة فليس في الحقيقة ضررا عاما وإن كان فيه ضرر فالضرر الاضافي بالنسبه إلى بعض المخلوقات يشبه ما في البطون من كونه ليس تحته شيء وأنه لو أدلى بحبل لهبط عليه فإن الهبوط والتحتية أمر اضافي بالنسبة إلى تقدير حال لبعض المخلوقات هذا في قدره وهذا في فعله وضلال هؤلاء الجهمية في قدره كضلال القدرية في فعله وكلاهما من وصفه ولهذا كانت المعتزلة ضالة في الوجهين جميعا وقد قابلهم بنوع من الضلال بعض أهل الاثبات حتى نفوا ما أثبتته النصوص والله يهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا

# وبيان ما في الحديث الصحيح من قوله وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء أنه من المعلوم أن فوق و دون من الأسماء التي تسميها النحاة ظروف المكان لدلالة لفظها على المكان اللغوي فأما لفظ الفوق فظاهر وهو بحسب المضاف إليه فكون الشيء فوق لا ينافي أن يكون تحت غيره وانتفاء أن يكون فوقه شيء لا يمنع أن يكون تحته شيء فقوله وأنت الظاهر فليس فوقك شيء فنفى أن يكون فوق الله شيء وذلك يقتضي أنه سبحانه وتعالى أكمل شيء ظهورا والظهور يتضمن العلو فلهذا قال فليس فوقك شيء ولم يقل فليس أظهر منك شيء لأنه لو أراد مجرد الانكشاف والتجلي للناس لنا في ذلك وصفة بالبطون لأن كون الشيء ظاهرا بمعنى كونه معلوما ومشهودا ينافى كونه باطنا ولكن الظهور يتضمن معنى العلو ومن شأن العالي أبدا أن يكون ظاهرا متجليا بخلاف السافل فإن من شأنه أن يكون خفيا لأنه إذا علا ترآى للأبصار فراته فهو سبحانه مع ظهوره المتضمن علوه فلا شيء فوقه وهو أيضا باطن فلا شيء دونه # ولفظ الدون ليس المراد به أي الناقص ولكن لما كان يقال هذا دون هذا أي دونه بمعنى أنه يحصل دونه ويجعل الآخر فوقه صار يفهم من اللفظ هذا بل هذا اللفظ في كتاب الله تعالى في مواضع قال تعالى ^ فاتبع سببا حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا ^ إلى قوله ^ ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا ^ فقوله ^ لم نجعل لهم من دونها سترا ^ بين أن الستر إذا كان عليهم كالسقوف كان ذلك من دون الشمس فيكون بينهم وبين الشمس وتكون الشمس محجوبة مستورة عنهم بذلك الستر فتكون هي أبطن عنهم من الستر والستر أدنى إليهم وتكون الشمس من ورائه وكذلك قوله ^ حتى إذا بلغ بين

السدين وجد من دونهما قوما ^ الآية فهؤلاء القوم كان السدان من ورائهم إذ في قولك هذا فوق هذا وهذا دون هذا ثلاثة أسماء اسم مضاف إليه وظرف مضاف إلى هذا الاسم واسم أول متصل بالظرف ومتعلق به ويقال هذا هو مضاف إليه اضافة معنوية كما يقال حروف الجر تضيف معاني الأسماء إلى الأفعال # فإذا قيل ^ وجد من دونهما قوما ^ فالقوم هم المتعلقون بالمكان الذي هو دون السدين والسدان هما المضاف إليهما فكونهما دون السدين هو بالنسبة إلى ذي القرنين الذين وجدهما هناك فإنه وجدهم إليه أدنى وأقرب والسدان أبعد والقرب إليه أحق بالظهور والبيان والبعيد عنه أولى بالاحتجاب والاستتار هذه هي العادة فيما يقرب الينا ويبعد عنا من الأجسام ولو جاء أحد من جهة السد لقال وجدت هؤلاء دون ذي القرنين فالشيء الذي بين اثنين يقول هذا هو دونك ويقول الآخر هذا دونك وكل منهما صادق كما لو كان بينهما حائط أو نهر أو بحر لقال هؤلاء لأهل تلك الناحية هذا دونكم وكذلك يقولون الآخرون هذا دونكم كما أن كل أهل جانب يقولون عن الأخرى هم من وراء هذا الحائط ومن خلفه إذ الجهات أمور نسبية إضافية وكذلك قال تعالى ^ ومن دونهما جنتان ^ فهاتان دون تلك والأولتان فوق هاتان وهاتان أدنى إلينا # ولهذا صار في هذا اللفظ معنى القرب والبعد من وجه ومعنى الاحتجاب والاختفاء من وجه فقوله وأنت الباطن فليس دونك شيء نفى أن يكون شيء دونه كما نفى أن يكون فوقه ولو قدر فوقه شيء لكان أكمل منه في العلو والبيان إذ هذا شأن الظاهر ولو كان دونه شيء لكان أكمل منه في الدنو والاحتجاب إذ هذا شأن الباطن وهذا يوافق قوله أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:32 AM
# وتمام هذا بالوجه الرابع وهو أن يقال إذا كان البارى فوق العالم وقلت إنه يلزم من ذلك أن يكون في جهة التحت بالنسبة إلى بعض الناس فلم قلت ان هذا ممتنع وأنت لم تذكر على امتناع ذلك حجة عقلية ولا سمعية ولو قدر أن ذلك نقص فعندك ليس في الأدلة العقلية ما يحيل النقص على الله تعالى مع أنه قد علم بالعقل والشرع أن هذا ليس بنقص بل هذا غاية الكمال والاحاطة كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم # وأما قوله هذا باطل بالاتفاق بيننا وبين الخصم فيقال في الوجه الخامس مثل هذه الحجة غير مقبولة كما ذكرت ذلك في نهايتك في ترتيب الطرق الضعيفة في أصول الدين وذكرت منها الالزام وهو الاستدلال بموافقة الخصم في صورة على وجوب موافقته على الأخرى لملازمة بينهما يذكرها المستدل فقلت هذا النوع من الحجة لا يصلح لافادة اليقين وهذا ظاهر ولا لافحام الخصم أيضا وبيانه هو أن للخصم أن يقول اني إنما اعترفت بالحكم في محل الوفاق لعله غير موجودة في محل النزاع فان صحت تلك العلة بطل القياس اظهور الفارق وإن بطلت تلك العلة منعت الحكم في محل الوفاق فهذه الحجة دائرة بين منع الحكم في الأصل وبين ظهور الفارق بينه وبين الفرع # وهذا بعينه وارد فيما ذكرته هنا فإن الخصم الذي وافقك على أنه ليس في جهات التحت هو يقول أن الله فوق العرش فوق السموات والعرش فوق السموات والسموات فوق الأرض ولا يوصف بالتحت لأنه يلزم من ذلك أن لا يكون فوق العرش وهذا الخصم قد لا يعلم أو لا يسلم أنه ممكن أن يوصف بعض هذه الأجسام بأنها تكون تحت شيء بوجه من الوجوه فنفوا أن يكون الله تحت

شيء لمنافاته لذلك فهذا الذي التزمته يقولون إنه لا يوجب أن لا يكون تحت شيء من الأشياء بوجه ولا يخلو إما أن تسلم ذلك أو تمنعه فإن منعت ذلك وقلت بل هذا يستلزم أن يكون تحت بعض الأجسام مع كونه فوق العرش منعك المقدمة الجدلية وقالوا لا نسلم أنه حينئذ لا يوصف بما لا ينافي علوه من التحتية الاضافية التقديرية وإن قلت إن هذا لا يوجب تحتية حقيقية ولا إضافية موجودة وإنما يوجب تحتية إضافية فهذا لا يضر فإن الحكم المقدر معلق بشرط والحكم المعلق بشرط معدوم بعدمه كما في الحديث لو أدلى أحدكم دلوه لهبط على الله ومن المعلوم أن إدلاء شيء إلى تلك الناحية ممتنع فهبوط شيء على الله ممتنع فكون الله تحت شيء ممتنع وإنما الغرض بهذا التقدير الممتنع بيان إحاطته من جميع الجهات وهذا توكيد لكونه فوق السموات على العرش لا مناف لذلك # وهذا الكلام مع انه في غاية الانصاف في المناظرة ففيه كمال تحقيق الحقائق على ما هي عليه وتبيين تطابق ما علم بالفطرة العقلية الضرورية وبالخيال العقلي الهندسي وما جاءت به الرسل وكمال ما بعث الله به رسله من بيان أسمائه وصفاته وهذاهو ببيان الحق أن يتيقن ويتشابه ولا يختلف كما يختلف كلام هذا المؤسس وأمثاله الذي هو من عند غير الله فلذلك يكون فيه اختلاف كثير # ومما يوضح ذلك أن المنازع له قد علم على يقينا بالشرع والعقل أن الله فوق العرش فكل قول نافى ذلك فهو باطل فنحن نزهناه عن الوصف بالتحتية لأنه ينافي ذلك ولما فيه من النقص

# فهذا الذي ذكرته من التحتية لبعض الناس لنا فيه جوابان أحدهما أن نمنع كون ذلك تحتية والثاني أن نقول مثل هذه التحتية ليس بممتنع والجواب المركب من الجوابين أن يقال لا يخلو إما أن تكون هذه تحتية حقيقية تنافي علوه وتوجب النقص أو لا تكون فإن لم يكن ذلك بطل ما ذكرته هنا وإن كان كذلك فنحن لا نسلم أنه يمتنع أن يوصف بمثل هذه التحتية وهذا منع على تقدير أما أن تأخذ منا مسلما أنه لا يوصف بالتحتية بحال وتحتج بذلك على أنه لا يوصف بالعلو أيضا فهذا باطل # يظهر بالوجه السادس وهو أنه يقال إنك استدللت بموافقة الخصم لك على أنه لا يوصف بالتحتية على أنه لا يوصف بالفوقية فذكرت أن وصفه بالفوقية أو بغيرها يستلزم أن يكون موصوفا بالتحتية فإن جميع ما يوصف بالفوقية من الموجودات كالسموات والكواكب وغيرها يجب أن يوصف بهذه التحتية التي ذكرتها لما ذكرته من الحجة ثم قلت التحتية متفق على انتفائها فيجب نفي ملزومها وهو الوصف بالفوقية # فيقال لك إذا كان كل ما وصف بالفوقية فلابد من وصفه بهذا لمعنى كان هذا لازما لكل ما هو فوق وعال ولم يكن ذلك محذورا فنحن نلتزم هذا المعنى الذي هو لازم لكل ما يوصف بالفوق وهذا خير من أنه لا يوصف لا بفوقية ولا غيرها فإن ذلك يستلزم عدمه لأن مالا يكون فوق شيء أصلا ولا في شيء من جهاته الست ولا داخل العالم ولا خارجه ولا يشار إليه لا يكون إلا معدوما فثبوت هذا المعنى الذي ذكرته إن سلم أن منه تحتية تجامع الفوقية الحقيقية خير من سلب الفوقية وسائر المعاني السلبية المستلزمة لعدمه فانك نزهته مما ادعيت أنه تحتية لتنفي بذلك ما يستحقه من الفوقية وذلك يستلزم عدمه بالكلية فما في

قولك من النقص والعيب الذي يجب تنزيه الله تعالى عنه أعظم مما ادعيته في قول مخالفك # وإذا قلت له هذه حجة توجب أن مذهبه يستلزم وصفه بالتحتية وهي متفق على نفيها بيننا قال لك ولي أنا حجج أعظم من هذه توجب أن مذهبك يستلزم وصفه بالعدمية التي هي أعظم من التحتية وهي ممتنعة بالضرورة والاتفاق قال تعالى ^ ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ^ فمخالفو الرسل ومنم مخالفو ما جاء به الكتاب والسنة لا يأتون بقياس يردون به بعض ما جاءت به الرسل فيكون قياسا أقاموا به باطلا إلا جاء الله فيما بعث به الرسل بالحق وبقياس أحسن تفسيرا وكشفا وإيضاحا للحق كما أن الحجج الفطرية الضرورية التي تبين أن مذهب المؤسس يستلزم أن يكون الله معدوما هي مع أنها حق فهي أحسن بيانا وإيضاحا وتفسيرا للمطلوب من قياسه هذا الذي بين به أن وصفه بالعلو والفوقية يستلزم وصفه بالسفول والتحتية # وكذلك قول من يقول هذا يوجب أن يكون فلكا من الأفلاك فيقال لهم أنتم قد جعلتم لكل فلك عقلا على حدة والأفلاك بعضها فوق بعض وقلتم إن لكل فلك عقلا ونفسا حتى ينتهي الأمر إلى العقل الفعال الذي لهذا الفلك القريب لنا ومع هذا فلم تجعلوا هذه العقول والنفوس المختصة بفلك فلك من جنس الأفلاك بل زعمهم أنها لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوق ولا تحت مع جعلهم لها درجة بعد درجة فكيف ينكرون أن يكون خالق لجميع فوق الجميع ومحيطا به من جهته المحيطة جميعها وليس هو من جنسها حتى يقال فيه ما يقال في فلك فلك وإن كان بعض متأخري أهل الحديث وهو قد جعله بمنزلة ذلك فهذا خطأ لأن الله ليس كمثله شيء والمخلوقات كلها كما قال ابن

عباس ما السموات السبع والأرضون السبع وما فيهن ما بينهن في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم فهي في قبضته أقل من أن تكون نسبته إليها نسبة الفلك إلى ما فيه # الوجه السابع أنه قد ثبت في الصحيحين عن أبي ذر قال دخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فلما غابت الشمس قال يا أبا ذر هل تدري أين تذهب هذه الشمس قال قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها وكانها قد قيل لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أنها تسجد كل ليلة تحت العرش فقد علم اختلاف حالها بالليل والنهار مع كون سيرها في فلكها من جنس واحد وأن كونها تحت العرش لا يختلف في نفسه وإنما ذلك اختلاف بالنسبة والاضافة علم أن تنوع النسب والاضافات لا يقدح فيما هو ثابت في نفسه لا مختلف # ومن هنا يظهر عما ذكره ابن حزم وغيره في حديث النزول حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له حتى يطلع الفجر فقالوا قد ثبت أن الليل يختلف بالنسبة إلى الناس فيكون أوله ونصفه وثلثه بالمشرق قبل أوله ونصفه وثلثه بالمغرب قالوا فلو كان النزول هو النزول المعروف للزم أن ينزل في جميع أجزاء الليل إذ لا يزال في الأرض ليل قالوا أو لا يزال نازلا وصاعدا وهو جمع بين الضدين # وهذا إنما قالوه لتخيلهم من نزوله ما يتخيلونه من نزول أحدهم وهذا عين التمثيل ثم إنهم بعد ذلك جعلوه كالواحد العاجز منهم الذي لا يمكنه أن يجمع من الأفعال ما يعجز غيره عن جمعه وقد جاءت الأحاديث بأنه يحاسب خلقه يوم

القيامة كل منهم يراه مخليا به ويناجيه لا يرى أنه متخليا لغيره ولا مخاطب لغيره وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال العبد الحمد لله رب العالمين يقول الله حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم قال الله أثنى علي عبدي فكل من الناس يناجيه والله تعالى يقول لكل منهم ذلك ولا يشغله شأن عن شأن وذلك كما قيل لابن عباس كيف يحاسب الله تعالى الخلق في ساعة واحدة فقال كما يرزقهم في ساعة واحدة # ومن مثل مفعولاته التي خلقها بمفعولات غيره فقد وقع في تمثيل المجوس القدرية فكيف بمن مثل أفعاله بنفسه أو صفاته بفعل غيره وصفته # يقال لهؤلاء أنتم تعلمون أن الشمس جسم واحد وهي متحركة حركة واحدة متناسبة لا تختلف ثم إنه بهذه الحركة الواحدة تكون طالعة على قوم وغاربة عن آخرين وقريبة من قوم وبعيدة من آخرين فيكون عند قوم عنها ليل وعند قوم نهار وعند قوم شتاء وعند قوم صيف وعند قوم حر وعند قوم برد فإذا كانت حركة واحدة يكون عنها ليل ونهار في وقت واحد لطائفتين وشتاء وصيف في وقت واحد لطائفتين فكيف يمتنع على خالق كل شيء الواحد القهار أن يكون نزوله إلى عباده ونداه إياهم في ثلث ليلهم وإن كان مختلفا بالنسبة إليهم وهو سبحانه لا يشغله شأن عن شأن ولا يحتاج أن ينزل عن هؤلاء ثم ينزل على هؤلاء بل في الوقت الواحد الذي يكون ثلثا عند هؤلاء وفجرا عند هؤلاء يكون نزوله إلى سماء هؤلاء الدنيا وصعوده عن سماء هؤلاء الدنيا فسبحان الله الواحد القهار ^ سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ^ # ويقال لهؤلاء كما قيل للرازي وأمثاله هل حكم الحس والخيال والعقل الذي به تعلم الجسمانيات مقبول في الربوبية أم مردود فإن كان مقبولا بطل قوله كله

حيث أثبت حيا عالما قادرا لا يتحرك ولا يسكن ولا يقرب ولا يبعد ولا يفعل بنفسه فعلا وزعمت مع ذلك أنه غير عاجز ولا مقيد ولا ممنوع وإن كان مردودا بطل ما ضربته من الأمثال في رد حقيقة ما أخبر به عنه الصادق المصدوق الذي هو أعلم به منك ومن أمثالك
فصل

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:34 AM
# قال الرازي البرهان السادس لو كان تعالى مختصا بشيء من الأحياز والجهات لكان مساويا للمتحيزات وهذا محال فذلك محال بيان الملازمة انه تعالى لو كان مختصا بحيز لكان معنى كونه شاغلا لذلك الحيز بحيث يمنع غيره أن يكون بحيث هو ولو كان كذلك لكان متحيزا وقد بينا في الفصل المتقدم أن المتحيزات بأسرها متماثلة في تمام الماهية فثبت أنه تعالى لو كان متحيزا لكان مثلا لسائر المتحيزات وإنما قلنا إن ذلك محال لأن المثلين يجب تساويهما في جميع اللوازم فلزم إما حدوث الكل وإما قدم الكل وذلك محال # فإن قيل حصول الشيء في الحيز وكونه مانعا لغيره أن يحصل بحيث هو حكم من أحكام الذات ولا يلزم من الاستواء في الأحكام واللوازم الاستواء في الماهية والجواب عنه من وجهين # الأول أن المتحيز له أحكام ثلاثة أحدها أنه حاصل في الحيز شاغل له والثاني كونه مانعا لغيره بأن يحصل بحيث هو والثالث كونه بحال لو ضم إليه أمثاله حصل له حجم كبير ومقدار عظيم ولا شك أن كلما يحصل في حيز فقد حصل له هذه الأمور الثلاثة إلا أن الذات الموصوفة بهذه الأحكام الثلاثة لابد وأن يكون لها في نفسها الحجم والمقدار وهذا المعنى معقول مشترك بين كل

الأحجام ثم إنا قد دللنا على أن هذا المفهوم المشترك يمتنع أن يكون صفة لشيء آخر بل لابد وأن يكون ذاتا وإذا كان كذلك فالمتحيزات في ذواتها متماثلة والاختلاف إنما وقع في الصفات وحينئذ يحصل التقريب المذكور # والوجه الثاني أن السؤال الذي ذكرتم إن صح فحينئذ لا يمكنكم القطع بتماثل الجواهر لاحتمال أن يقال الجواهر وان اشتركت في الحصول في الحيز إلا أن هذا اشتراك في حكم من الأحكام والاشتراك في الحكم لا يقتضي الاشتراك في الماهية وإذا لم يثبت كون الجواهر متماثلة فحينئذ لا يبعد في العقل وجود جواهر مختصة بأحيازها على سبيل الوجوب بحيث يمتنع خروجها عن تلك الأحياز وحينئذ لا يطرد دليل حدوث الأجسام في تلك الأشياء وعلى هذا التقدير لا يمكنكم القطع بحدوث كل الأجسام # فيقال هذه الحجة قد تقدم الكلام على موادها غير مرة والكلام عليها من المقامين المتقدمين أحدهما قول من يقول إنه فوق العرش وهو مع ذلك ليس بجسم ولا هو متحيز كما ذكرنا أن هذا قول طوائف كثيرة من أهل الكلام والفقهاء ومن تبعهم من أهل الحديث والصوفية وغيرهم وهذا قول ابن كلاب والأشعري وأئمة أصحابه وغيرهم فعلى هذا لا يلزم من نفى كونه متحيزا نفي كونه على العرش وقد تقدم ما في ذلك من دعوى الضرورة من الجانبين # المقام الثاني من لا ينفي ذلك بل يسلم اثباته أولا يتكلم فيه بنفي ولا اثبات والكلام في هذا المقام من وجوه # أحدها لا نسلم أنه لو كان مختصا بشيء من الأحياز والجهات لكان مساويا للمتحيزات وما ذكره من الحجة مبني على تماثل المتحيزات وقد تقدم

ابطال ذلك بما لا حاجة إلى اعادته وأن القول بتماثلها من أضعف الأقوال بل من أعظمها مخالفة للحس والعقل ولما عليه جماهير العقلاء # الوجه الثاني قوله لو كان مختصا بحيز لكان معنى كونه شاغلا للحيز كونه بحيث يمنع غيره عن أن يكون بحيث هو يقال قد تقدم أن الحيز قد يراد به ما يحوز الشيء وهي نهاياته وحدوده الداخلة فيه وقد يراد به الشيء الذي يكون منفصلا عنه وهو محيط به وكلاهما أمر وجودي وليس كونه مختصا بالحيز بهذا المعنى أن يكون شاغلا لحيز بل الحيز هنا إما بعضه وإما ما يلاقيه من خارج وليس في شيء من هذين كونه شاغلا لحيز وقد يراد بالحيز ما هو تقدير المكان وهذا هو الحيز عند كثير من أهل الكلام الذين يفرقون بين الحيز والمكان والحيز على هذا أمر عدمي كما تقدم تقرير ذلك # وقوله إنا نعلم بالضرورة أن الأحياز بأسرها متساوية لأنها فراغ محض وخلاء صرف وقوله قبل خلق العالم ما كان إلا الخلاء الصرف والعدم المحض وبينا ذلك # ويكفي أن يقال هنا لا نسلم أن الحيز أمر موجود وإذا لم يكن هناك موجود فقوله شاغل لذلك الحيز ليس فيه معنى زائد على كونه موجودا بنفسه بحيث يشار إليه # وقوله لو كان مختصا بحيز لكان معنى كونه شاغلا لذلك الحيز كونه بحيث يمنع غيره لا يستقيم حتى يبين أن الاختصاص بالحيز هو الشغل لذلك الحيز وهو لم يفعل ذلك فإذا قيل الاختصاص بالحيز هو الاختصاص بما يحوزه من الجوانب لم يكن معناه ذلك وإذا قيل هو الاختصاص بتقدير المكان بالمتحيز فالاختصاص بالحيز بهذا المعنى يوجب كونه متحيزا فلا حاجة إلى ما ذكره من

الدليل على كونه متحيزا وأما كونه منع غيره أن يكون بحيث هو فهذا مبني على تداخل الأجسام وليس هذا داخلا في حقيقة المتحيز فإن المتحيز يعلم أنه متحيز قبل العلم بكونه بحيث يمنع غيره أن يكون بحيث هو # الوجه الثالث قوله الذات الموصوفة بهذه الأحكام الثلاثة لابد وأن يكون لها في نفسها الحجمية والمقدار وهذا المعنى معقول مشترك بين كل الأحجام ثم إنا دللنا على أن هذا المفهوم المشترك يمنع أن يكون صفة لشيء آخر بل لابد وأن يكون هو الذات يقال هذا الذي أحلت عليه الاحتجاج على تماثل المتحيز فايرادك لذلك السؤال ثم كونك تذكر في الجواب من ما قد احلت عليه تكرير محض بلا فائدة فالواجب إما ذكر الحجة الدالة على التماثل إما ابتداء وإما جوابا وإما ترك هذا السؤال للجواب فإنه لم يحصل به التقريب # ثم يقال في الوجه الرابع قد قدمنا أن هذا المشترك وهو المقدار صفة المقدر قائم به لا أنه نفس المقدر وحقيقته قال تعالى ^ وكل شيء عنده بمقدار ^ وقال ^ قد جعل الله لكل شيء قدرا ^ فجعل المقدار القدر للأشياء ولم يجعل ذلك أعيان الأشياء وذواتها كما قال تعالى ^ وما ننزله إلا بقدر معلوم ^ وبينا أن كل واحد من المشترك والمميز يجوز أن يكونا سوءا بالنسبة إلى الذات الموصوفة بهما فليس جعل أحدهما ذاتا والآخر صفة بأولى من العكس وبينا أنه وان قيل إنه الذات فليس جعل أحدهما ذاتا والآخر صفة بأولى من العكس وبينا أنه وإن قيل إنه الذات فليس هو تمام الحقيقة بل الحقيقة مؤلفة مما به الاشتراك وما به الامتياز # فالمتحيز وإن كان جنسا كما قيل في الجوهر بالجنس لا يجب أن يكون متماثل الأنواع فإن التماثل يحتاج إلى الاشتراك في جميع الصفات الذاتية وهو قد سلم أن المتحيزات مختلفة في الصفات فيجوز أن يكون كل جسم وأن كان التقدير

ذاته فله صفات ذاتية مختصة به كما يقول من يقول من المتكلمين المنطقيين وغيرهم إن الجوهر جنس وتحته أنواع إضافية وتحت كل نوع أنواع إلى النوع الشامل الخاص الذي تتفق أفراده في تمام الماهية الحقيقية وقد تقدم بسط هذا فلا نعيده إذ لم يذكر هو الحجة على ذلك بل أحال على ما تقدم # الوجه الخامس قوله إن صح هذا السؤال لم يمكن القطع بتماثل الجواهر لاحتمال أن يقال الجواهر وان اشتركت في الحصول في الحيز إلا أن هذا اشتراك في حكم من الأحكام والاشتراك في الحكم لا يقتضي الاشتراك في الماهية يقال لك هذا أولا مبني على ثبوت الجوهر الفرد وهذا فيه من النزاع المشهور ما قد عرف وأنت قد اعترفت بأنك مع الأذكياء المتوقفين عن نفيه وإثباته وإذا لم يعلم وجود جوهر منفرد لم يصح هذا الكلام ثم إن كان الجوهر الفرد موجودا فلا ريب أنه ليس مما يحس به حتى يعلم بالحس أن الجوهر مماثل له أو غير مماثل وحينئذ فلا يمكن العلم بكون الجواهر متماثلة بل يقال هي غير متماثلة كما قيل في الأجسام وقد قدمنا تنازع الناس هل الجواهر جنس أو جنسان أو ثلاثة أو خمسة أو أكثر من ذلك مع أن الذين يقولون إنها جنس واحد لا يقولون هي متماثلة كما أن الحيوان عندهم جنس وليس متماثلا # قوله فحينئذ لا يبعد في العقل وجود جواهر مختصة بأحيازها على سبيل الوجوب فلا يطرد دليل حدوث الأجسام في تلك الأشياء يقال لا ريب أن المسلك الذي سلكته في حدوث العالم بنيته على هذا الأصل لكن من تأمل ما يذكره من الأدلة في هذه المسألة ونحوها تبين له أن الذي يذكره من جانب المنازعين أقوى من الذي يذكره من جانب المسلمين وعلم بالأضطرار أن اعتقاد حدوث العالم على هذا الدليل ونحوه في غاية الفساد وهذا من أخبث الكلام

الذي كان السلف يذمونه ويذمون أصحابه بل مثل هذه الحجج لا تصلح للمسائل الظنية فكيف تصلح لأصول الدين وقواعد الايمان وأنت تعترف بهذا في مواضع لكن إنما تحتج هنا بذلك تهويلا على من لا يعرف القضية وتوهم الناس أن هذا يقدح في قاعدة من قواعد الدين وليس الأمر كذلك وإنما تظهر به فساد ما سميته أنت وأصحابك أدلة الدين وأصولا له وأنت دائما تقدح فيها فإن كانت هذه الأدلة هي أصول دين المسلمين فأنت من أعظم الناس هدما لها في مواضع وإلا فلا يضر القدح فيها # ثم يقال كون الجواهر متماثلة أمر غير معلوم فإن كان دليل الحدوث مبنيا على تماثلها فهو مبني على مقدمة فاسدة أو غير معلومة # الوجه السادس قوله لا يبعد في العقل وجود جواهر مختصة بأحيازها على سبيل الوجوب يقال له الاحياز التي هي تقدير المكان ليست أمورا وجودية وإذا لم تكن أمورا وجودية لم يجز أن يختص بعضها بمعنى يقتضي اختصاص جوهر به وحينئذ فالعلم يكون الجواهر لا يجب اختصاصها بأحياز معينة لا يحتاج أن يبنى على تماثلها بل يعلم ذلك بدون العلم بتماثلها كما أن كثيرا من أهل الكلام الذين أثبتوا جواز الحركة والسكون والاجتماع والافتراق على الجواهر من غير بناء على تماثلها مع أن هذه الجواهر المشهودة في السموات والأرض يشهد انتقالها عن أحيازها وهذه كافية في إثبات العلم بالصانع لمن سلك هذه الطريق وقد تسلك هنا طرق أخرى ليس هذا موضعها # الوجه السابع قوله وحينئذ لا يطرد دليل حدوث الأجسام في تلك الأشياء يقال له هب أن دليلك لم يطرد لكن من أين قلت أن سائر أدلة الناس تحتاج إلى ذلك ثم غاية ما في هذا أن يكون بعض الأجسام غير معلوم الحدوث بهذا

الدليل فإن كان هؤلاء ممن لا يقول بأن الله جسم فيمكنه العلم بحدوث سائر الأجسام بأدلة أخرى ولو بالسمع وإن كانوا ممن يقولون بأنه جسم فلا ريب أن الأجسام عندهم ليست كلها محدثة كما أن الذوات ليست كلها محدثة والقائمات بأنفسها ليست كلها محدثة والموصوفات ليست كلها محدثة لا سيما وأنت تقول إن كل من قال إنه متحيز وأنه في جهة لزمه القول بأنه جسم منقسم بل تقول لكل من قال أنه فوق العرش لزمه أن يقول بأنه جسم فإذا كان المنازعون لك القائلون بأنه على العرش يلزمهم كلهم القول بأنه جسم فكيف تحتج عليهم بأن هذا يستلزم أن لا يقطع بحدوث كل الأجسام وهذا عندك حقيقة المذهب فهل تحتج على إبطال المذهب بنفس حكاية المذهب مع ظهور القول بالنزاع فيه
فصل # قال الرازي البرهان السابع أنه تعالى لو كان مختصا بالجهة والحيز لكان عظيما لأنه ليس في العقلاء من يقول إنه مختص بجهة ومع ذلك فإنه في الحقارة مثل النقطة التي لا تنقسم ومثل الجزء الذي لا يتجزأ كل من قال إنه مختص بالجهة والحيز قال إنه عظيم في الذات وإذا كان كذلك فنقول الجانب الذي منه يحاذي يمين العرش إما أن يكون هو الجانب الذي منه يحاذي يسار العرش أو غيره والأول باطل لأنه إذا عقل ذلك فلم لا يعقل أن يقال إن يمين العرش عين يسار العرش حتى يقال العرش على عظمته مثل الجوهر الفرد والجزء الذي لا يتجزأ وذلك لا يقوله عاقل والثاني باطل أيضا لأن على هذا التقدير تكون ذات الله مركبة من الأجزاء ثم تلك الأجزاء إما أن تكون متماثلة الماهية أو مختلفة الماهية والأول محال لأن على هذا التقدير يكون بعض تلك الأجزاء المتماثلة متباعدة وبعضها متلاقية والمثلان يصح على كل واحد منها ما يصح على الآخر فعلى هذا يلزم القطع بأنه يصح على المتلاقيين أن يصيرا متباعدين وعلى

المتباعدين أن يصيرا متلاقيين وذلك يقتضي جواز الاجتماع والافتراق على الله وهو محال # والقسم الثاني وهو أن يقال إن تلك الأجزاء مختلفة في الماهية فنقول كل جسم مركب من أجزاء مختلفة في لاالماهية فلابد وأن ينتهي تحليل تركيبه إلى أجزاء يكون كل واحد منها مبرأ عن هذا التركيب لأن التركيب عبارة عن اجتماع الوحدات فلولا حصول الوحدات لما عقل اجتماعها # إذا ثبت هذا فنقول إن كل واحد من تلك الأجزاء البسيطة لابد وأن يماس كل واحد منها بيمينه شيئا ويساره شيئا آخر لكن يمينه مثل يساره وإلا لكان هو نفسه مركبا وقد فرضناه غير مركب هذا خلف وإذا ثبت أن يمينه مثل يساره وثبت أن المثلين لابد وأن يشتركا في جميع اللوازم لزم القطع بان ممسوس يمينه يصح أن يصير ممسوس يساره وبالعكس ومتى صح ذلك فقد صح التفرق والانحلال عن تلك الأجزاء فحينئذ يعود الأمر إلى جواز الاجتماع والافتراق على ذات الله وهو محال فثبت أن القول بكونه في جهة من الجهات يفضي إلى هذه المحالات فيكون القول به محالا # فيقال هذه الحجة هي حجة على نفي كونه جسما فكان ذكره في الفصل الأول على نفي كونه جسما أجود من ذكرها هنا ولكن ذكرها هنا لتكون حجة على من قال إنه على العرش وذكر فيها قول من يقول إنه عظيم وليس بجسم فإن النزاع في هذا مشهور لو صرح به لاحتاج إلى كلام آخر وإذا ثبت أنه ليس على العرش أمكن أن ينفي عنه الجسم فيقول له كان جسما لجاز أن

يكون على العرش مع أن هذا فيه نزاع بين مثبتة الجسم كما تقدم ذكره فإن النزاع في كونه على العرش بين مثبتة الجسم وبين نفاته أيضا # فالقائلون بأنه جسم منهم من يقول هو فوق العرش ومنهم من يقول هو في كل مكان بذاته أو أنه ذاهب في الجهات إلى غير غاية وكذلك القائلون بأنه ليس بجسم منهم من يقول إنه على العرش ومنهم من يقول في كل مكان متناهي أو غير متناهي ومنهم من يقول غير داخل في العالم ولا خارجه فالأقوال أربعة في اختصاصه بما فوق العرش أنه فوق العرش وهو جسم وفوق العرش وليس بجسم وأن كان الخواص من أهل السنة لا يثبتون الجسم ولا ينفونه وأنه ليس فوق العرش وليس بجسم وأنه ليس فوق العرش وهو جسم # وإذا ظهر ما في هذه الحجة فالكلام فيها في المقامين المتقدمين # أحدهما قول من يقول أنه فوق العرش وهو عظيم وليس بجسم أو يقول هو جسم وليس بمنقسم ولا مركب وقد تقدم ذكر ذلك # وأما المقام الثاني فالكلام فيه من وجوه # أحدها قولك والجانب الذي يحاذي يمين العرش إما أن يكون هو الجانب الذي يحاذي يساره أو غيره يقال لا نسلم الحصر بل لا هو هو ولا هو غيره أو يقال لا نقول إنه هو ولا نقول إنه غيره فإن كثيرا من متكلمي الصفاتية أو أكثرهم من الكلابية والأشعرية وطوائف من الفقهاء وأهل الحديث والصوفية منهم من يقول الصفة لا هي الموصوف ولا هي غيره ومنهم من يقول أقول هي هي ولا أقول هي غيره ولا أقول لا هي هو ولا هي غيره # وتوجيه الكلام أنه إما أن يريد بالغيرين ما جاز وجود أحدهما دون الآخر أو ما جاز مفارقة أحدهما الآخر بمكان أو زمان أو وجود أو يريد بالغيرين ما جاز

العلم بأحدهما دون الآخر فإن أراد بالغيرين الأول لم يسلم أن هذا الجانب هو ذاك الجانب ولا هو غيره إلا إذا بين جواز أحدهما دون الآخر وهو يحتج بهذا الامتياز على جواز التفرق فيكون هذا دورا باطلا لأنه لا يثبت أنهما غيران بهذا التفسير حتى يثبت جواز انفصالهما ولا يثبت جواز انفصالهما حتى يثبت أنهما غيران وذلك دور # وإن قيل في جوانب الأجسام المخلوقة إن هذا غير هذا فذلك لجواز وجود أحدهما دون الآخر والله سبحانه وتعالى صمد لا يجوز عليه التفرق والانفصال كما تقدم بيانه وأن هذا الاسم يقتضي الاجتماع والقوة ويمنع التفرق والانفصال وإذا كانت الصمدية واجبة له كان الاجتماع واجبا له والافتراق ممتنعا على ذاته وقد تقدم في ذلك كلام موجز # ومن قال الغيران ما جاز مفارقة أحدهما الآخر بزمان أو مكان أو وجود فإنه قد يقول إن الصفات مثل العلم والقدرة والحياة ليست كل صفة هي الأخرى ولا هي غيرها لأن محل الصفات واحد # وأما الحدود فقد يقولون إن هذا الجانب فارق ذلك الجانب في المكان وإن كان لا يفارقه في الزمان والوجود فقد يقال إن هذا ليس بافتراق في المكان وهذه منازعات لفظية اصطلاحية # وأيضا فإن المغايرة بين الصفة والموصوف وبين البعض والكل أبعد من المغايرة بين صفة وصفة وبعض وبعض ولهذا يقولون إن الواحد من العشرة ليس هو العشرة ولا غيرها وأن يد الإنسان ليست هي الانسان ولا غيره ولا يقولون إن الواحد من العشرة ليس هو الواحد الآخر لجواز وجود أحدهما دون الآخر بخلاف وجود الجملة دون أجزائها فإنه ممتنع وهذا فيما يجوز عليه

التفرق من الأجسام المخلوقة وأما الخالق سبحانه فلا يجوز عليه التفرق فلا يقولون إن هذا الجانب منه غير هذا الجانب فيمنعون المقدمة الأولى # وإن قال أريد بالغير ما هو أعم من هذا وهو ما جاز العلم بأحدهما دون الآخر أو ما أمكن الاشارة الحسية إلى أحدهما دون الآخر أو ما أمكن رؤية أحدهما دون الآخر كما قال من قال من السلف لمن سأله عن قوله تعالى ^ لا تدركه الأبصار ^ ألست ترى السماء قال بلى قال فكلها ترى قال لا قال فالله أعظم فيقال له وإذا كان يمين الرب غير يساره بهذا التفسير فقولك تكون ذات الله مركبة من الأجزاء أتعنى به ورود المركب عليها بمعنى أن مركبا ركبها كما قال ^ في أي صورة ما شاء ركبك ^ أو أنها كانت متفرقة فتركبت أم تعنى أن اليمين متميزة عن اليسار وهو التركيب في الاصطلاح الخاص كما تقدم بيانه # فإن أراد الأول لم يلزم ذلك وهو ظاهر فإن الأجسام المخلوقة أكثرها ليس بمركب بهذا الاعتبار فكيف يجب أن يقال إن الخالق مركب بهذا الاعتبار وهذا مما لا نزاع فيه وهو يسلم أنه لا يلزم من التصريح بأنه جسم هذا التركيب إذ هو عدم لزومه ظاهرا

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:34 AM
# وأما إن أراد بالتركيب الامتياز مثل امتياز اليمين عن شماله قيل له هذا التركيب لا نسلم أنه يستلزم الأجزاء فإنه هذا مبني على إثبات الجزء الذي لا ينقسم والنزاع فيه مشهور وقد قرر أن الأذكياء توقفوا في ذلك وإذا لم يثبت أن الأجسام المخلوقة فيها أجزاء بالفعل امتنع أن يجب ذلك في الخالق # وأيضا فالقائلون بثبوت الأجزاء يعلمون أن الجسم البسيط لم يكن مركبا من الأجزاء بمعنى أنها كونت ثم ركب منها فيكون قوله مركبا من

الأجزاء امتياز شيء من شيء وغايته أن يقال امتياز بعض عن بعض كما ورد عن طائفة من السلف التكلم بلفظ البعض # فقوله بعد ذلك إما أن تكون متماثلة في الماهية أو مختلفة والأول محال لأنه على هذا التقدير يكون بعض تلك الأجزاء المتماثلة متباعدة وبعضها متلاقية والمثلان يصح على كل واحد منهما ما يصح على الآخر فيلزم القطع بأنه يصح على المتلاقيين أن يصيرا متباعدين وعلى المتباعدين أن يصير متلاقيين # يقال التماثل في الماهية لا يوجب أن يكون أحدهما عين الآخر ولا أن يساويه في الأحكام اللازمة للتعيين وما يتبع ذلك # وبيان ذلك أنه إن قيل المتماثلان يجوز على عين كل منهما ما يجوز على عين الآخر فليس في العالم شيئان متماثلان بهذا الاعتبار فإن عامة ما يقدر من المتماثلين مثل الحبتين من الحنطة والهنابين ونحو ذلك قد علم أن عين هذا ليست عين هذا وأن الحيز الذي لهذه العين ليس عين الحيز الذي للعين الأخرى ولا الأعراض التي قامت بها هي عين تلك الأعراض وأن ما امتازت به أحدهما عن الأخرى من عينها وصفتها وحيزها لا يجوز أن يكون للأخرى حيز يكون لتلك فإن هذا يستلزم أن يصير عين هذه عين تلك وحيزها حيزها وصفتها صفتها بعينها وذلك يرفع تعددها ويوجب اتحادهما # ومن المعلوم أن التماثل يوجب التعدد فإن المتماثلين ليسا شيئا واحدا بل هما عدد فإذا كان التماثل يوجب التعدد فلو اقتضى اتحاد عينها لكان التماثل يوجب الاتحاد ويوجب التعدد وذلك يقتضي الجمع بين النقيضين فإن العدد اثبات ما زاد على الواحد والاتحاد نفي ما زاد على الواحد والجمع بين النفي

والاثبات جمع بين النقيضين فعلم أن اثبات كون عين هذا المثل هو عين ذلك المثل أو كونه في حيزه وصفته ينافي التماثل وهذا ظاهر # وإذا كان كذلك فمعلوم أن الجسم الواحد الذي يقال له إن له أبعاضا وأجزءا كالجوانب والوسط إذا فرض في غاية البساطة التي توجب تماثل أبعاضه وأجزائه كالنار البسيطة والهواء البسيط والفلك البسيط وما هو أعظم بساطة من ذلك لابد أن يتميز جوانبه عن وسط لابد ان يتميز جانب عن جانب ولو بالحيز والصفة وأنه مع مماثلته للجانب الآخر لا يستلزم أن يكون هذا في حيز ذاك وذاك في حيز هذا وعين هذا عين صفة الآخر كما لا يستلزم أن يكون عينه عين الآخر إذ لابد من امتياز أحدهما عن الآخر بعينه وصفته وحيزه يخصه والآخر والامتياز الذي يوجبه التعدد لا يرفعه التماثل فلو جوزنا أن يصير لكل منهما ما للآخر من أعيان الصفات والأحياز لزم زوال التعدد وإذا كان لابد من هذا الامتياز مع التماثل فما هو لازم للشيئين المتغايرين مع تماثلهما ومع اختلافهما من امتياز أحدهما على الآخر بعين ذاته وعين صفاته التي منها التحيز لا يجب أن يشاركه الآخر فيها لأن ذاك يرفع المغايرة وإذا كان كذلك لم يجب في كل جسم مخلوق وإن كان بسيطا أن يكون طرفه في موضع وسطه ووسطه في موضع طرفه وما لهذا من الصفة المعينة والحيز المعين لهذا وما لهذا لهذا لا سيما إذا لم تكن تلك الأبعاض المتماثلة منفصلة ولا يتميز بعضها عن بعض بالمباينة وإنما هو شيء واحد متصل # وأيضا فإذا كانت أبعاضه متماثلة فجواز لفرق المتباعدين وتباعد المتفرقين مشروط بجواز التفرق عليه وإلا فإذا قدر جسم بسيط لا يجوز تفريقه وأبعاضه متماثلة لم

يجز أن يقال في هذا إنه يجوز على المتباعدين أن يصيرا متلاقيين وعلى المتلاقيين أن يصيرا متباعدين فإن جواز ذلك مشروط بجواز الافتراق # وأيضا فإذا كانا متماثلين ومن حقيقة أحدهما امتناع المفارقة عليه لزم أن يكون من حقيقة الآخر امتناع المفارقة عليه فيكون تماثلهما مانعا من جواز تباعد المتلاقيين وتلاقي المتباعدين فإن أحدهما إذا فارق ملاقيه ثبت جواز المفارقة عليه وذلك يمنع أن يكون مثلا لما لا يجوز المفارقة عليه # وأيضا فالمتماثلان في الحقيقة والصفة إذا كانت مقاديرها متفاوتة لم يجب أن يساوي أحدهما الآخر فيما هو من حكم المقدار كالدينار الصغير مع الدينار الكبير # ومما يوضح ذلك أن هذا الافتراق يغير حقيقة الشيء كما يغير ويبدل صفته فإن النار والهواء إذا تبدلت صفة النارية والهوائية فيه خرج عن أن يكون نارا وهواءا أو أن تكون الأجزاء النارية نارا وهواءا وكذلك متى تفرق المجتمع الذي حقيقته باجتماعه متى تفرق وتمزق خرج عن حقيقته فجميع المركبات مثل بدن الانسان إذا قطع قطعا صغارا جدا بل كثير من الأجسام تتبدل حقيقته بالتفريق كما تتبدل بالتحويل وإن كان في نفسه بسيطا # وفي الجملة فأصل هذا الكلام أنه فرض تماثلا وقال فيه يلزم أن يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر فيقال له التماثل الذي سلمناه لم يدخل فيه ما يستلزم جواز التفريق أو جواز حلول كل بعض محل الآخر ولا يدخل هذا في مسمى التماثل المفروض # وإن قلت بل هو داخل في مسمى التماثل الذي فرضته كان النزاع لفظيا وعاد الكلام إلى القسم الثاني فيقال لك لا يكون مماثله بهذا الاعتبار الذي

ذكرته كما قد يقال ابتداءا لا يحب أن تكون الأبعاض متماثلة بل يجوز أن تكون غير متماثلة كما أن الصفات مثل الحياة والعلم والقدرة ليست متماثلة فيقول هؤلاء في القدر ما قاله الباقون في الوصف ويقولون أبعاض المقدار كآحاد الصفات وإذا كان حاملا لصفات ليست متماثلة كان أيضا جامعا لأبعاض ليست متماثلة فما الدليل على بطلان ذلك ونفي ذلك مما ذكره الأئمة من قول الجهمية حيث قالوا عنهم إنهم قالوا لا يكون شيئين مختلفين وليس له أعلا ولا أسفل ولا نواحي ولا جوانب ولا يمين ولا شمال ولا هو خفيف ولا ثقيل ولا له لون ولا له جسم معما في الكتاب والسنة وفي اتفاق سلف الأمة وأئمتها من وصفه باليدين والوجه بل وغير ذلك من الصفات التي تقتضي أن لها حقائق لا تسد هذه مسد هذه ولا يسد العلم مسد القدرة فكذلك الوجه واليد لا يسد أحدهما مسد الآخر # قوله والقسم الثاني وهو أن يقال إن تلك الأجزاء مختلفة في الماهية فنقول كل جسم مركب من أجزاء مختلفة في الماهية فلابد وأن ينتهي تحليل تركيبه إلى أجزاء يكون كل واحد منها مبرءا عن هذا التركيب لأن التركيب عبارة عن اجتماع الوحدات يقال هب أنه تحلل تركيبه إلى أجزاء يكون كل واحد مبرءا عن هذا التركيب لكن لا يجب أن تكون تلك الأجزاء متماثلة في الصفة والحقيقة وإن كانت جواهر منفردة بل قد يقال إنها متساوية في المقدار بمعنى أنها غير قابلة الانقسام وليست مستوية في الصفة والحقيقة بل حقيقة كل جزء من تلك الأجزاء مخالف لحقيقة الآخر وهذا فيه أن الجواهر المنفردة تكون مستوية في القدر غير مستوية في الحقيقة وهذا قول كثير من الناس أو أكثرهم بل أكثر العالمين على أن الجواهر ليست متماثلة في الحقيقة بل مع تنازعهم في الجوهر هل هو جنس أو جنسان أو ثلاثة أو أكثر من ذلك فإن عامتهم متفقون على أن الجنس الواحد ليس متماثلا بل هو متنوع إلى أنواع

مختلفة فإذا كان القائلون بأنها جنس واحد لا يقولون بتماثلها فالقائلون بأنها أجناس كثيرة مختلفة أبعد عن القول بتماثلها وقد تقدم حكاية النزاع في ذلك كما حكاه الأشعري وغيره # إذا ظهر هذا فقوله بعد ذلك إذا ثبت هذا فنقول إن كل واحد من تلك الأجزاء البسيطة لابد وأن يماس كل واحد منها بيمينه شيئا وبيساره شيئا آخر لكن يمينه مثل يساره وإلا لكان هو نفسه مركبا وقد فرضناه غير مركب وهذا خلف وإذا ثبت أن يمينه مثل يساره وثبت أن المثلين لابد وأن يشتركا في جميع اللوازم فلزم القطع بأن ممسوس يمينه يصح أن يصير ممسوس يساره وبالعكس ومتى صح هذا فقد صح التفرق والانحلال عن تلك الأجزاء فحينئذ يعود الأمر إلى جواز الاجتماع والافتراق على ذات الله تعالى وهو محال # يقال له عن هذا جوابان هب أنك قد فرضته جزءا بسيطا لا تركيب فيه بحال ومثل هذا يقال له فيه إنه لابد أن يماس بيمينه شيئا وبيساره شيئا آخر فإن هذا يقتضي أن فيه شيئين يمينا ويسارا وهذا يوجب تركيبه وقد فرضته غير مركب فهذا جمع بين النقيضين # يوضح ذلك أن مماسته بيمينه شيئا وبيساره شيئا هي من حجج نفاة الجوهر الفرد فإنهم احتجوا بذلك على جواز انقسام ذلك فقد تقدم ذكر ذلك في كلامك وذكرت أن هذا الكلام حجتهم وإذا كان هذا حجة على نفي الجوهر الفرد لم يصح الاستدلال به مع القول بثبوث الجوهر الفرد وهو الجزء البسيط الذي لا تركيب فيه بحال

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:35 AM
# بل يقال لك من رأس قولك كل جسم مركب من أجزاء مختلفة الماهية فلابد وأن ينتهي تحليل تركيبه إلى أجزاء يكون كل واحد منها مبرءا عن هذا التركيب لا يخلو إما أن تقول بثبوت الجوهر الفرد الذي لاتركيب فيه أو تقول بأنه مامن شيء من المتحيزات إلا وفيه تركيب يقبل لأجله الانقسام فإن قلت بالأول لم يصح أن تقول لابد وأن يماس بيمينه شيئا وبيساره شيئا آخر فإن هذا قول بانقسامه وتركيبه إلى أجزاء يكون كل واحد منهما مبرءا عن التركيب بل يقال هذا أبدا فيه من التركيب ما يقبل لأجله الانقسام في الكم والكيف لكن هذا الجواب يصح إذا أراد بالأجزاء البسيطة الجوهر الفرد # وأما إن أراد البسيطة عن ذلك التركيب وإن كانت مركبة من أجزاء متشابهة فنذكر الجواب الثاني # فيقال هب أن كل جزء من تلك الأجزاء يصح أن يكون ممسوس يمينه ممسوس يساره وبالعكس لكن لم قلت إن كل واحد من تلك الأجزاء يصح أن يماس بيمينه ويساره ما يصح أن يماسه الجزء الآخر بيمينه ويساره وذلك لأن تلك الأجزاء إذا كانت مختلفة في الحقيقة مع تساويها في المقدار لم تكن مستوية في الحقيقة والصفة فلا يجب أن يكون حكم كل واحد منها حكم الآخر وإن كان حكم جانب كل واحد حكم جانب الآخر لا سيما والذي يجب أن ينتهي إليه تحليل المركب من أجزاء مختلفة الحقائق إنما هي المبرأة عن ذلك التركيب إلى أجزاء بسيطة وإن كانت أجساما بسيطة لا يجب أن تنتهي إلى الجوهر الفرد والأجزاء البسيطة تكون مختلفة الحقائق كما هو التقدير أنه مركب من أجزاء مختلفة الحقائق وقد تقدم أنه إذا سلم لك وجود الجوهر الفرد الذي ينتهي إليه تحليل التركيب لم يسلم لك أن الجواهر مستوية في الحقيقة

# وهذا أمر يشهد له الحس فإن أجزاء الماء وإن تفرقت وتصاغرت ليست في الحقيقة مثل أجزاء التراب ولا أجزاء الذهب وإن تصاغرت مثل أجزاء الفضة وإن كانت هذه الأجزاء الصغار ليست هي الجواهر المنفردة بل تلك أصغر منها فإما أن يستدل بما شهد في المحسوسات على مالم يعلم منها وبقياس غائبها عن الإدراك على شاهدها فهذا من أوضح القياس وأثبته وهو قياس الأجزاء المتساوية في الحقيقة بعضها على بعض في حكم تلك الحقيقة فإن تفاوتها بالصغر والكبر لا يوجب اختلاف حقيقتها وصفتها وإما أن لا يقال إن ذلك الجزء لا ينقسم لا يعلم حكمه # أما أن يقال أن الأمور المختلفة في الحقيقة يجب أن تكون أجزاؤها المساوية لها في الحقيقة متماثلة في الحقيقة فهذا مما يعلم ببديهة العقل بطلانه وهذا المستدل قد فرض أجزاء مختلفة في الحقيقة وقال لابد أن ينتهي تحليل تركيبها إلى أجزاء صغار لا تنقسم فيقال هب أن الأمر كذلك إلا أن أجزاء الأجسام المختلفة في الحقيقة لا يقال يجب أن تكون متماثلة بل إذا قيل يجب أن تكون مختلفة لأن بعض الجسم مساو لكله في الحقيقة كان هذا الكلام أصح وأولى بالقبول من أن يقال يجب أن تكون أجزاء الأجسام المختلفة متماثلة في الحقيقة ولهذا كان من قال إن الأجسام متماثلة قال إن الجواهر متماثلة ومن قال أنها مختلفة قال إن الجواهر مختلفة إما أن يقال إن الجواهر متماثلة في الحقيقة ولكن مجرد ضم بعضها إلى بعض حتى زادت وبعد الجمع منها اختلفت في الحقيقة أو يقال إنها كانت متماثلة في الحقيقة فبتفريقها اختلفت في الحقيقة # الوجه الثاني أن يقال لاريب أن مضمون هذه الحجة أنه لو كان على

العرش لكان جسما عظيما وإذا كان جسما وجب جواز التفرق عليه وقد تقدم أن القائلين بأنه على العرش منهم من يمنع المقدمة الأولى ومنهم من يمنع الثانية # ثم يقال قد أخبر الله تعالى في كتابه أنه الصمد وقد قال عامة السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم إن الصمد هو الذي لا جوف له وقالوا أمثال هذه العبارات التي تدل على أن معناه أنه لا يتفرق واللغة تدل على ذلك فإن هذا اللفظ وهو لفظ صمد يقتضي الجمع والضم كما يقال صمدت المال إذا جمعته وقد قال من قال من حذاق أهل الكلام وغيرهم إن هذا تفسير المجسمة لأن الأجسام نوعان أجوف ومصمت كالطعام منها أجوف ومنها مصمت فالحجر ونحوه مصمت قالوا هذا يقتضي أنه جسم مصمت لا جوف له # وهذا يدل على أن صمديته تنافي جواز التفرق والانحلال عليه # فلا يخلو إما أن تكون هذه الآية قد دلت على ذلك أو لم تدل عليه فإن كانت دلت على ذلك وعلى أنه مصمت لا جوف له يمتنع عليه التفرق بطل قولك إن كل جسم يصح عليه التفرق والانحلال وإن لم تكن دلت على ذلك فأنت لم تذكر دليلا عقليا على امتناع التفرق عليه ولا نصا ولا إجماعا وإذا كان كذلك لم تكن حجتك تامة فإن هذه إحدى مقدمات الدليل فإذا لم يكن مدلولا عليها لم يكن المذكور دليلا وإذا لم يكن دليلا لم يصح نفي كونه جسما بهذا الدليل # فإن قال أنا أثبت امتناع التفريق عليه بالإجماع أو موافقة الخصم قيل له الذي يوافقك على دليل وافقك على أنه مجتمع يمتنع عليه الافتراق ولم يوافقك

على أنه لا يوصف باجتماع ولا افتراق وحينئذ فهو يقول أنا ما علمت امتناع الافتراق عليه إلا بوجوب اجتماعه كما أني لم أعلم امتناع الموت عليه إلا لوجوب حياته ولم أعلم امتناع الجهل والعجز عليه إلا لوجوب علمه وقدرته ولم أعلم امتناع العدم عليه إلا لوجوب وجوده فإن نازعني منازع فيما أثبته وقال ليس بمجتمع أو ليس بعالم أو ليس بحي ولا قادر أو ليس بموجود وطلب مني أن أوافقه على أنه لا يجوز عليه الافتراق والعدم والموت والجهل والعجز ونحو ذلك كان قد طلب مني موافقته على امتناع أحد الضدين دون ثبوت الآخر الذي هو من صفات الكمال أو الذي ليس هو من صفات النقص أو الذي ليس هو عندي من صفات النقص وكان حينئذ من جنس الملاحدة الذي يطلبون أن أوافقهم على أنه ليس بميت ولا عاجز ولا جاهل مع منازعتهم لنا في أنه حي عالم قادر # ومن طلب الموافقة على ثبوت الشيء بدون لازمه ليحتج بذلك على نفي اللازم لم يكن علينا أن نوافقه بل لم يكن لنا أن نوافقه فإن نفي اللازم يقتضي نفي الملزوم فإذا وافقناه على ثبوت الملزوم كنا في الحقيقة موافقين له على نفي الملزوم الذي وافقناه في الظاهر على ثبوته وإذا كانت الموافقة على ثبوت الشيء تقتضي نفيه لم تجز الموافقة عليه # فإذا قال الملحد أنتم توافقون على أنه ليس بميت ولا جاهل ولا عاجز وأنا لا أوافقك على أنه حي عالم قادر وغرضه أن يستدل بنفي هذه الصفات على انتفائها وانتفاء أضدادها بأن يقول كونه حيا عالما قادرا وميتا جاهلا عاجزا يقتضي أنه موصوف بالحياة والموت والعلم والجهل والقدرة والعجز وهذه أعراض والموصوف بالأعراض يجب أن يكون ممكنا أو يكون جسما متحيزا وذلك يقتضي حدوثه وهو محال لم يكن علينا أن نوافقه على ثبوت هذا السلب المستلزم لثبوت كونه حيا عالما قادرا مع منعه لذلك فإن تحقق هذا السلب بدون هذا

الاثبات محال وليس علينا أن نوافقه على شيء يتوسل به إلى القول الباطل بل ليس لنا ذلك إذا كانت يتوسل به إلى إبطال حق علمناه فإن هذه الموافقة مثل مصالحة الكفار على مافيه فساد الاسلام وهذا لايجوز # وهذا كما يذكر عن أبي الهذيل العلاف أنه قال دخلت دار النظر وفيها يهودي قد ناظر قوما من المتكلمين في نبوة النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم الستم توافقوني على أن موسى رسول الله فقالوا بلى قال وأنا أخالفكم على أن محمدا رسول الله والمتفق على ثبوته خير من المختلف في ثبوته أو نحو هذا الكلام قال فقلت تعال ناظرني قال قد انقطع شيوخك معي فقلت ناظرني فأعاد حجته فقلت له من موسى الذي وافقك على ثبوته أموسى بن عمران الذي أنزل الله عليه التوراة التي فيها خبر محمد صلى الله عليه وسلم وموسى الذي بشر بمحمد صلى الله عليه وسلم وأخذ الله عليه الميثاق ليؤمنن به ولينصرنه وأخذ الميثاق على قومه ليؤمنن به ولينصرنه قال أبو الهذيل أو نحو هذا الكلام أم موسى الذي قال تمسكوا بالسبت مادامت السموات والأرض وذكر أن شريعته لاتنسخ أبدا أما الأول فإني أوافقك على ثبوته وثبوته مستلزم لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأما الثاني فلا أؤمن به ومثل هذا كثير في المناظرة # وقد ذكر هذا المؤسس أبو عبد الله الرازي في نهايته أنه لا يجوز الاحتجاج بهذه الالزامات كما تقدم بيانه وهو الاحتجاج بموافقته على مقدمة لمأخذ إن سلمت ذلك المأخذ بطل الاحتجاج بالمقدمة وإن لم تسلم المأخذ منعت المقدمة # وهكذا الأمر هنا فإن المنازع الذي يسلم لك أنه لا يجوز الافتراق والانحلال عليه إنما سلم لك ذلك لأنه صمد يجب أن يكون سيدا مجتمعا ويمتنع أنه يكون

متفرقا فإن كان هذا المأخذ صحيحا بطل احتجاجك بذلك على امتناع كونه مجتمعا وإن كان هذا المأخذ فاسدا لم يكن قد سلم لك امتناع الافتراق عليه فلا ينفعك هذا التسليم لافي النظر ولافي المناظرة وكان له أن يقول أنا لا أسلم لك امتناع الافتراق عليه لوجوب كونه صمدا والصمد يوجب الاجتماع وإن فرض أنه لا يقتضي الاجتماع فهو لا ينفي الافتراق أو لا ينفي الاجتماع والافتراق جميعا فإن أحدا من الناس لا يمكنه أن يدعي أن هذا الاسم يدل على نفي الاجتماع والافتراق جميعا أو على نفي الافتراق وحده إلا بناءا على أن المجتمع يفتقر إلى أجزائه ونحو ذلك مما تقدم الكلام عليه وأما القياس فلم يذكر حجة على امتناع الافتراق عليه فظهر أن هذا الذي ذكره ليس بحجة أصلا وهذا يتقرر # بالوجه الثالث وهو أن يقال لا ريب أن الله سبحانه مقدس منزه عن جواز الافتراق والتمزق عليه سبحانه لكن إقرار الفطر بذلك ليس بأعظم من إقرارها بتنزهه عن العدم والتلاشي بل علم القلوب بوجوب وجوده وامتناع عدمه أعظم من إقرارها بامتناع تفرقه وانحلاله وهي لما يستلزم عدمه أعظم نفيا منها لما يقال إنه يستلزم تفرقه وانحلاله وإذا كان كذلك فقد استقر في الفطر أن القول بكونه لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوق العالم ولا يشار إليه ولا يمكن الاحساس به أدل على عدمه من دلالة كونه مجتمعا على جواز التفرق عليه فإن الأول عند عامة الناس بديهي فطري وأما الثاني فلا تمكن معرفته إلا بدقيق النظر إن كان صحيحا # وإن كان كذلك فالمتناظران في هذه المسألة يقول النافي فيها للمثبت كون ما نفيته من أنه لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوق العالم ولا كذا ولا كذا

يستلزم عدمه إنما هو من حكم الوهم والخيال وأما كون وجوده فوق العرش يستلزم جواز الانحلال عليه فمعلوم بالقياس العقلي البرهاني والمثبت يقول أما لزوم ما ذكرته للعدم فمعلوم بالفطرة الضرورية العقلية وأما لزوم ما ذكرته أنا للانحلال فإنما هو شبهات مركبة من ألفاظ مشتركة وحينئذ فإن تحاكما إلى فطر العالم السليمة قضت للمثبت على النافي لأن إقرار الفطر بما يقول المثبت معلوم وإقرارها بما يقوله النافي غير معلوم # وإن تحاكما إلى المقاييس العقلية فيقال قول هذا الرازي وأمثاله المتقدم في مقدمته إن الإنسان إذا تأمل في أحوال الأجرام السفلية والعلوية وتأمل في صفاتها فذلك له قانون فإذا أراد أن ينتقل منها إلى معرفة الربوبية وجب أن يستحدث لنفسه فطرة أخرى ومنهجا آخر وعقلا آخر بخلاف العقل الذي اهتدى به إلى معرفة الجسمانيات إما أن يكون هذا الكلام حقا وإما أن يكون باطلا فإن كان حقا بطلت هذه الحجة وأمثالها مما بناه على الجوهر الفرد نفيا وإثباتا وعلى كون الأجسام توصف بالاجتماع والافتراق وإن الجواهر والأجسام متماثلة أو مختلفة لأن هذه الأمور كلها جسمانيات فالعقل الذي ينظر في هذه الأمور لا يجوز أن ينظر به في الالهيات وهذا المؤسس وأمثاله من هؤلاء المتفلسفة والمتكلمة إنما يتكلمون في التجسيم نفيا وإثباتا بالنظر الذي نظروا به في الجسمانيات المخلوقة فيكون كلامهم كله في ذلك باطلا ولهذا اعترف أساطين الفلاسفة أن كلامهم لا يفيد في الالهيات العلم واليقين وإنما ينظر فيها بالأولى والأحرى والأخلق وإن كان هذا الكلام باطلا لم يصح أن يبطل به ما استقر في الفطر استقرار ضروريا من أن رب العالمين فوق العالم وأنه يمتنع وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه # وهذا الكلام في غاية الانصاف فإن هؤلاء القوم يريدون أن يبطلوا

ما استقر في الفطر بما لا يصح إلا بما استقر في الفطر وبما هو دونه فإن كان ما استقر في الفطر حقا لم يكن لهم دفعه وإن كان باطلا لم يكن لهم الاحتجاج به على إبطال ما استقر في الفطر فإن هذا يكون قدحا في الأصل فإثبات الفرع والقدح في الأصل قدح في الفرع وهذه عادة القوم المخالفين للفطرة والشرعة ولهذا كلامهم كله كما قيل % حجج تهافت كالزجاج تخالها % % حقا وكل كاسر مكسور %
# ومما يوضح هذا أن عامة الحجج التي احتج بها على نفي كونه جسما ونفي كونه على العرش مثل تماثل الأجسام وتماثل الجواهر ومثل كون الجسم المتناهي يقبل الزيادة والنقصان يكون ممكنا ومثل كون الجسم مركبا إما تركيب الصفات وإما تركيب المقادير مثل كون الصفة الواحدة لا تقوم بالجسم ومثل كون الجسم لا يخلو عن الحركة والسكون ومثل كون تحيز الجسم أمر وجودي أو أمر عدمي ومثل كون الجسم أو البعد لابد وأن يكون متناهيا أو غير متناهي ومثل كون علو بعض الأجسام يستلزم أن يكون تحت قوم ومثل أن الجسم يجوز عليه الافتراق والانحلال ومثلما يأتي من كون الجهة أعلا من الشيء بل جميع ما يتكلمون به في هذا الباب من لفظ المتحيز والجهة والجسم والجوهر والاجتماع والافتراق والحركة والسكون سواء تكلموا به في صفات الباري نفيا وإثباتا أو تكلموا به في المخلوقات وصفاتها نفيا وإثباتا أو في أدلة حدوثها وإمكانها أو غير ذلك كل هذه الأمور إنما هو كلام في الجسم وأحكام الجسم وما يتبع ذلك # فإن كان هذا الكلام والعقل الذي به يعرف مثل هذا الكلام غير مقبول في العلم الالهي بطل جميع ما ذكره الفلاسفة والمتكلمون جميعا مما يتعلق بهذا وإذا بطل لم يصح أن ينفوا بمثل هذا الكلام ما علم بالفطرة ولا ما دلت عليه

الشريعة وهذا من أعظم المفاسد وحينئذ فلا يصح قولهم إنه ليس بجسم ولا متحيز ولا في جهة وأنه ليس فوق العالم يشار إليه # وإن كان مثل الكلام والعقل الذي به ينظر في الأجسام وصفاتها مقبولا في العلم الالهي بطلت مقدمته كلها وكان من أعظم العلوم في العقل أن الباري فوق العالم وأنه يمتنع أن يكون لا داخل العالم ولا خارجه بل يمتنع أن يكون شيء من الموجودات كذلك كما تقدم وهذا بين وله الحمد والمنة # وأما أن يخالفوا ما فطر الله عليه عباده وما أنزل به كتبه وأرسل به رسله بمقاييس لا تدل لهم إلا بمقدمات كثيرة مركبة لابد فيها من الاستدلال بما هو في الفطرة دون ما دفعوه أو مثله مع مافيها من الألفاظ المشتركة وغيرها فهذا لا يفعله إلا جاهل أو ظالم أو من جمع الأمرين بل هو من أعظم العالمين جهلا وظلما لكونه يتكلم في الله وأسمائه وآياته بمثل هذا العقل الفاسد وكان من أعظم المطففين في أصول الدين فإذا كان المطففون في الأموال قد قال الله تعالى فيهم ^ ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين ^ وقد جاء في الحديث الصلاة مكيال فمن وفى وفي له ومن طفف فقد علمتم ما قال الله في المطففين فكيف في أصول الدين بل في أعظم أبواب أصول الدين وهو الكلام في رب العالمين وأسمائه وصفاته يكون فيه هذا التطفيف والاخبار العظيم فيبطلون ما فطر الله عباده عليه وأنزل به كتبه بمقاييسهم ويمنعون غيرهم أن يحتج بها عليهم وهي عليهم أدل منها لهم وهذا من أعظم الجهل والظلم والحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به كثيرا من عباده وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:36 AM
# يقرر هذا أن الكلام في الشيء نفيا وإثباتا مسبوق بتصوره فليس للإنسان أن ينفي شيئا عن شيء أو يثبته له إلا بعد تصوره تصورا يمكن معه النفي والإثبات فإذا قال القائل عن موجود إنه جسم أو هو جوهر أو متحيز أو في جهة أو فوق العالم أو غير ذلك أو قال ليس بجسم ولا جوهر ولا متحيز ولا في جهة ولا فوق العالم أو قال إن له علما وقدرة أو حياة أو قال ليس له علم ولا قدرة ولا حياة فكل واحد من هذين لابد أن يتصور ما نفاه وما أثبته فمن أثبت لله سبحانه وتعالى أمرا من الصفات فإنما أثبته بعد أن فهم نظير ذلك من الموجودات وأثبت القدر المطلق مع وصفه له بخاصة تمتنع فيها الشركة ومن نفى عن الله شيئا من هذه الأمور فإنما نفى ما علم نظيره في الموجودات ونفى عن الله أن يكون له مثلما للمخلوق من ذلك لم ينف ما يختص به الرب مما لم يعلم نظيره فإن هذا لم يتصوره حتى يحكم عليه بالنفي # فالنافي لا ينفي شيئا قط إلا ما له نظير فيما أدركه لأن نفس المنفي ما علمه أصلا لأن النفي المحض لا يعلم بنفسه فإن النفس لا تباشر المعدوم حتى تشعر به وإنما تباشر الموجود وتقيس له نظيرا فينفي ذلك النظير عما هو منتف عنه مثل نفيها لجبل ياقوت وبحر زئبق ونحو ذلك بعد أن علمت البحر والزئبق والجبل والياقوت ثم قدرت معلوما مؤلفا من شيئين نظيرهما موجود ثم نفته وكذلك النفي عن الله من الشركاء والأولاد والنوم وغير ذلك يعلم وجوده في العالم ثم يقدر نظير هذا الموجود في حق الله تعالى في الذهن وينفي عن الله تعالى فأما نفيه قبل العلم به من جهة القياس فممتنع فإنه لا يكون معلوما ولا يعلم المعدوم إلا بنوع قياس فإذا كل ناف فلابد له من القياس على ما في الموجودات الجسمانية وأما المثبت فإنه وإن احتاج إلى نوع قياس فإنه يثبت معه الفارق الذي يقطع المماثلة بالأمور المخلوقة فهو وإن كان جامعا فمعه فارق أقوى من جامعه بخلاف الثاني فإن عمدته على الجامع وهو القدر المشترك الذي ينفيه

# وإذا ظهر ذلك فيقال لارسطو الذي ذكر عنه هذا المؤسس الذي قال من أراد النظر في العلم الالهي فليحدث لنفسه فطرة أخرى وقد قرره المؤسس بأن الانسان إذا تأمل في أحوال الاجرام السفلية والعلوية وتأمل في صفاتها فذلك له قانون فإذا أراد أن ينتقل منها إلى معرفة الربوبية وجب أن يستحدث لنفسه فطرة أخرى ونهجا آخر وعقلا آخر بخلاف العقل الذي به اهتدى إلى معرفة الجسمانيات أنت يا معلم هؤلاء الصابئة الفلاسفة المبتدعين لما تكلمت في أقسام العلم بالمقولات العشر وهي الجوهر وأعراضه التسعة الكم والكيف والاضافة والأين ومتى والوضع وأن يفعل وأن ينفعل والملك فهذا وإن كلاما في الوجود المطلق الذي قد يقولون إنه العلم الأعلى وهو الناظر في الوجود ولواحقه من حيث هو وجود ومنه العلم الالهي وهم يجعلون العلم الالهي يعم هذا كله فهذا نزاع بينكم فهذه المقولات العشرة إذا أثبتها للعقول والنفوس ونفس الانسان ونفيتها عنها أو نفيت شيئا منها أو نفيتها عن واجب الوجود أو أثبتها أو شيئا منها له أتحكم في هذا النفي والاثبات بالفطرة التي علمت بها هذه الأمور أم بفطرة أخرى فإن قال بفطرة أخرى كان هذا اعترافا بان الفطرة التي يحكم فيها على الشيء بنفيه وإثباته غير الفطرة التي يتصور بها الشيء فتكون فطرة التصديق غير فطرة التصور ومن المعلوم أن الحاكم بالتصديق العالم به الناطق به إن لم يكن هو العالم بالتصور المدلول له الناطق به كان حكمه باطلا فيلزم أن يكون جميع ما ذكروه في العلم الالهي باطلا لكون الحاكم بالتصديق فيه ليس هو المتصور # وإن قلتم بل بالفطرة التي عرفت بها هذه الأمور يحكم بنفيها وإثباتها بطلت تلك القعقعة التي تشبه قعقعة الشنان التي يقعقع بها للصبيان لتخوفوا بما لا حقيقة له عند الانسان وعلم إنما خالفتم به الفطرة والشرعة فكله هذيان بل من

الافك والبهتان و ^ الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا وينذر الذي قالوا اتخذ الله ولدا ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ^ ^ وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ^ وليس هذا موضع استقصاء الكلام في هذا وإنما الغرض التنبيه على تناقض هؤلاء وابطال حججهم # وحينئذ يقال في # الوجه الثالث قوله إنه إذا كان على العرش وكان عظيما فلابد أن يكون له جانبان جانب عن يمين العرش وجانب عن يساره ويكون أحدهما غير الآخر العلم بهذا إما أن يكون من العقل الجسماني ومقتضى الحس والخيال أو لا يكون فإن كان من هذا القسم وهو مقبول نظيره وما هو أولى منه فتبطل هذه الحجة لأن هذا العقل يحكم بأن الموجود لابد أن يكون داخل العالم أو خارجه وإن لم يكن مقبولا بطلت هذه الحجة # وإن قيل إن هذا ليس من حكم العقل الجسماني ومقتضى الحس والخيال وهو قد حكم بأن الموجود العظيم الذي فوق غيره لابد أن يكون جسما يتميز منه

جانب عن جانب بأن يقال إن الحكم بأن الموجود إما أن يكون داخل العالم أو خارجه وأنه يمتنع وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه أولى بأن لا يكون من حكم العقل الجسماني ومقتضى الحس والخيال لأن الحكم الأول فيه تصريح بأنه جسم فإن كان الحكم بأن الشيء جسم ليس من مقتضى العقل الجسماني ومقتضى الحس فالحكم بما لم يصرح فيه بالجسم بل حكم فيه على الوجود مطلقا أولى بذلك ولهذا يكون مثل هذا الحكم من العلم الأعلى عندهم ومن العلم الالهي وأما الأول ففيه نوع من العلم الطبيعي الجسماني قطعا # الوجه الرابع أنه إذا كان جسما فأنت قد ذكرت في نهايتك النزاع بين الناس في الجسم هل هو في نفسه واحد أو منقسم بعد اتفاقهم على قبولية الانقسام وهي مسألة الجوهر الفرد فقلت في مسائل المعاد المسألة الأولى في الجزء الذي لا يتجزأ لاشك في أن الأجسام التي شاهدناها قابلة للانقسامات والانقسامات التي يمكن حصولها فيها إما أن تكون متناهية أو لا تكون فيخرج من هذا التقسيم أربعة أقسام أولها أن الانقسامات حاصلة وتكون متناهية ثانيها أن تكون حاصلة وتكون غير متناهية وثالثها أن لا تكون حاصلة ولكن ما يمكن حصوله منها يكون متناهيا ورابعها أن لا تكون حاصلة ولكن ما يمكن حصوله منها يكون غير متناهيا قال والأول مذهب جمهور المتكلمين والثاني هو مذهب النظام والثالث هو مذهب بعض المتأخرين وهذا الذي أشار إليه هو الشهرستاني والرابع هو مذهب الفلاسفة # قال فتخلص من هذا أن الخلاف بيننا وبين الفلاسفة في هذه المسألة يقع في مقامين أحدهما أن الجسم مع كونه قابلا للانقسام هل يعقل أن يكون

واحدا وثانيهما أنه بتقدير أن يكون هل يعقل أنه يكون قابلا للانقسامات الغير متناهية قال فنحن نتكلم في كل واحد من القسمين ثم نذكر بعده شبه النفاة ونتكلم عليها # قال والمعتمد في أن يكون قابلا للانقسام لابد أن يكون منقسما هو أن وحدة الجسم إما أن يكون غير كونه جسما أو جزءا داخلا فيه أو أمرا خارجا عنه فإن كان الأول أو الثاني لزم أن يكون تفريق الجسم إعداما له وذلك محال وإن كان الثالث كانت الوحدة صفة قائمة بالجسم والعرض لا يحدث في المحل ولا يحصل فيه إلا إذا كان المحل متعينا متميزا عن غيره ولا يعقل من وحدته إلا تعينه وفي نفسه وتميزه عن غيره فيلزم أن يكون قيام الوحدة بالجسم متوقفا على كون الجسم واحدا ثم الكلام في تلك الوحدة كالكلام في الأول ويلزم التسلسل وهو محال وبتقدير إمكانه فلابد أن ينتهي إلى وحدة تقوم بالذات لا بتوسط وحدة أخرى وإلا لم تكن الذات موصوفة بالوحدة أصلا وذلك هو المطلوب # فهذا الدليل الذي ذكره على امتناع أن يكون شيء من الأجسام واحدا أو على امتناع أن يكون شيء من الموجودات واحدا ومعلوم أن ذلك خلاف الكتاب والسنة وإجماع المسلمين بل إجماع العقلاء قال الله تعالى ^ وإن كانت واحدة فلها النصف ^ وقال ^ ذرني ومن خلقت وحيدا ^ والقول بأن هذا واحدا من الانسان الواحد والحيوان الواحد والشجرة الواحدة والدرهم الواحد من أشهر الأمور عند العامة والخاصة من أعرف الأمور عند بني آدم وهو من أوائل العلوم البديهية الحسية عندهم وهو علم العدد أن الواحد نصف الاثنين

# فلو لم يكن في الأجسام ما يوصف بأنه واحد والناس لم يشهدوا إلا لأجسام مع أن العلم بأن الواحد المطلق نصف الاثنين موقوف على أن الواحد في الخارج نصف الاثنين إذ العلوم الكلية الذهنية مسبوقة بالعلوم المعينة الوجودية فلو لم يكن في الأجسام ما هو واحد امتنع حكم الذهن بأن الواحد نصف الاثنين وهذا من أوائل العلوم البديهية التي يضرب بها المثل في النظر والمناظرة فيكون احتجاجه على أن الجسم لا يكون واحدا في مقابلة ذلك فيكون من أفسد حجج السوفسطائية لقدحها في أظهر الأمور الحسية اليديهية # ثم يقال هذه الحجة تستلزم أن لا يكون الله واحدا ولا يكون الجوهر الفرد واحدا إلا به ثم يقال في وحدة ذلك مثل ما قلته في وحدة الجسم وذلك يستلزم أن تكون الوحدة بالذات وبالجوهر الفرد متوقفا على كونه واحدا فالكلام في تلك الوحدة كالكلام في الأولى وذلك يستلزم التسلسل وهو محال # وإذا كانت هذه الحجة تستلزم هذا الكفر فهي تستلزم أيضا نقيض المطلوب لأن المقصود بنفي وحدة الجسم اثبات تركيبه من الأجزاء المفردة التي كل منها واحدا فإذا نفيت وحدة الجوهر الفرد استلزمت إبطاله وإذا بطل الجوهر الفرد امتنع كون الجسم مركبا من الجواهر المنفردة فيلزم أن يكون واحدا فصارت هذه الحجة المذكورة لنفي وحدة الجسم مستلزمة لوحدته ونافية لوحدة الجوهر الفرد أيضا وكل هذا تناقض # ثم من العجب تولك بعد أن ثبت أن الوحدة تستلزم التسلسل وهو محال ثم قلت وبتقدير إمكانه فلابد أن ينتهي إلى وحدة تقوم بالذات لا بتوسط

وحدة أخرى وإذا كانت الوحدة مستلزمة للتسلسل المحال فكيف يكون تقدير امكانه مبينا لك جواز اتصاف شيء بالوحدة من غير توسط وحدة أخرى # وكذلك من العجب قولك فلابد وأن ينتهي إلى وحدة تقوم بالذات لا بتوسط وحدة أخرى وإلا لم تكن الذات موصوفة بالوحدة وهو المطلوب فليس هذا هو المطلوب لأن هذا الذي قدرته مع قولك إنه محال يفيد أن الذات توصف بالوحدة مع غير أن تتوقف هذه الوحدة على وحدة أخرى للذات وهذا لم ينازعك فيه أحد ولا ينفي وحدة الجسم فإن وحدة الجسم ليست موقوفة على وحدة أخرى تقوم بالجسم غاية ما في هذا الباب أن وحدة الجسم معها وحدات أخر تقوم بالجوهر إذا أفردت وهذه الوحدة ليست شرطا في ثبوت الأولى ولا هي سابقة عليها ولا تلك متوقفة عليها ولا هي وحدة الجسم التي وصفت بها الأولى والتسلسل الذي ذكرته إنما يمنع أن تكون وحدة الشيء متوقفة على وحدة أخرى لذلك الشيء وليس الأمر كذلك هنا لكن مع وحدة الجسم وحدة كل موصوف بالوحدة من الأجسام والجواهر وغير ذلك والموصوف بأنه واحد إذا كان مستلزما إمكان أن ينقسم إلى ما يوصف بأنه واحد لم يكن وحدة موقوفة على وحدة أخرى تقوم به فليتدبر اللبيب كيف ذكر الحجة التي مضمونها نفي كل وحدة في العالم واحالتها ثم أخذ ثبوت الوحدة مسلما وادعى أن ثبوت الوحدة بلا واسطة ينفي وحدة الجسم وكلاهما عجب نفي الوحدة مطلقا ودعوى أن الوحدة بلا واسطة وحدة أخرى ينفي وحدة الجسم # ثم يقال عن هذه الشبهة الفاسدة الباردة تعين الواحد جسما كان أو غيره وتميزه عن غيره لا يخلو إما أن تكون هي وحدته أو لا تكون فإن لم يكن هو وحدة الجسم بطل قولك لا نعقل من وحدته إلا تعينه في نفسه وتميزه عن غيره فبطلت الحجة وإن كان هو وحدته بطل قولك لا تحصل فيه

الوحدة إلا إذا كان متعينا متميزا عن غيره تعنى قبل ذلك وحينئذ فقد بطلت الحجة أيضا فسواء كانت الوحدة هي التعين والتمييز أو كانت غيره لم يلزم أن يكون قيام الوحدة بالجسم متوقفا على وحدة أخرى وهذا ظاهر وسواء كانت الوحدة أمورا وجوديا أو عدميا فليس المقصود هنا بسط الكلام على هذا # وإنما الغرض التنبيه على أن ما يستدل به على أن الجسم فيه انفسام وتركيب وكثرة وأنه ليس بواحد من أفسد الحجج فإنه قد بنى على هذا الأصل الفاسد كثيرا من تجهمه وتعطيله الذي جحد فيه حقيقة أسماء الله وصفاته وما هو عليه في ذاته # أما كون الجسم قابلا للانقسامات التي لا تتناهى أو غير قابل فهذا ليس لنا فيه هنا غرض وهو احتج على نفي ذلك بالحركة وأنها موجودة في الحاضر وإلا لم تكن موجودة في الماضي والمستقبل وأن وجودها الحاضر لا ينقسم وإلا لكان الحاضر ماضيا ومستقبلا وإذا لم تنقسم الحركة إلى غير نهاية لم تنقسم المسافة التي تكون الحركة عليها فلا يكون في الجسم الذي هو مسافة انفسام لا يتناهى # وعارض ذلك بعشرة أوجه مثل تميز اليمين عن الشمال وانقسام الجزء الموضوع على جزئين وغير ذلك من الوجوه ثم قال في الجواب وأما المعارضات التي ذكروها فاعلم أنا نميل إلى التوقف في هذه المسألة بسبب تعارض الأدلة فإن إمام الحرمين صرح في كتاب التلخيص في أصول الفقه أن هذه المسألة من محارات العقول وأبو الحسين البصري وهو أحذق المعتزلة توقف فيها فنحن

أيضا نختار التوقف فإذن لا حاجة إلى الجواب فهذا نقوله في الانقسام الممكن هو متوقف فيه ونقول وقوله في نفي وحدة الجسم وثبوت الانقسام الحاصل قد ظهر فساده لكل أحد # وإذا كان الأمر كذلك فقوله لو كان على العرش لكان منقسما مركبا أو لو كان جسما منقسما مركبا أو لو كان على العرش لكان عظيما ولكان منقسما مركبا إلى الأجزاء قد تبين فساده وظهر أن قوله إذا كان عظيما فلابد أن يكون أحد جانبيه غير الآخر ويكون على هذا التقدير ذات الله مركبة من الأجزاء كلام باطل لم يقرر تركيبا موجودا في الأجسام المشاهدة ولا أن فيها أجزاء موجودة بل ادعى فيها ما يضحك عليه الصبيان # وأما قبولها للتجزئة إلى غير غاية فقد توقف فيه فأكثر ما يبقى معه أن الجسم وإن كان واحدا لكنه يقبل التجزية إلى حد محدود وهذا قول الشهرستاني مع أنه يستخف بهذا القول أحيانا وقد اضطر إلى موافقته لكن هذا أكثر ما فيه أنه يمكن في الجسم من حيث الجملة أن ينقسم بمعنى أن ذات الجسم من حيث هو جسم لا تكون مانعة من الانقسام وهذا حق فإن من الأجسام ما ينقسم حقيقة فلو كان حقيقة الجسم مانعة من الانقسام لم يصح الانقسام على شيء من الأجسام لكن هذا لا يثبت له قبول كل جسم للانقسام فضلا أن يكون العلي العظيم الكبير المتعال الذي هو على عرشه العظيم مركبا من الأجزاء كما ادعاه فإنه إذا كان الجسم واحدا وقبول القسمة لم يثبت إلا لبعض الأجسام لم يلزم أن يكون رب العالمين منقسما ولا قابلا للقسمة فلا يكون مركبا من الأجزاء لا الأجزاء الموجودة ولا الأجزاء المقدرة الممكنة ثم إذا كان في الأجسام المشهودة قد اضطربوا أو تحيروا في تركيبها وانقسامها وعدوا ذلك من محارات العقول كيف

يصح منهم الحكم على رب العالمين بمثل هذه الأمور نفيا وإثباتا وهذا بين ولا حول ولا قوة إلا بالله # الوجه الخامس أن يقال هب أنه يلزم أن يكون فيه أجزاء وأبعاض بمعنى أن فيه ما يميز منه شيء عن شيء كما أن الفلك يتميز منه شيء من شيء وجانب من جانب وهذا هو المعني بالتركيب من الأجزاء فهذا يكون بمنزلة الصفات القائمة من العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر وسائر الصفات # فقولك في تلك الأمور التي سميتها أجزاءا إما أن تكون متماثلة أو مختلفة فيقال لك مثله في الصفات التي سمتها نفاة الصفات كابن سينا وغيره أجزاءا ويقولون واجب الوجود ليس فيه أجزاء لا أجزاء حد ولا أجزاء كم وإن كانت هذه تسمية باطلة كما قررناه في غير هذا الموضع فتسميته أيضا تشبيها كما قد قررناه والنزاع هنا ليس في اللفظ بل في المعنى # فيقال لك في تلك الصفات إن كانت متماثلة وجب أن تقوم كل صفة مقام الأخرى فيقوم العلم مقام القدرة والحياة مقام الكلام وهذا باطل # وإن كانت مختلفة فكل صفة تشارك الأخرى في كونها صفة وتفارقها في خصوصيتها وما به الاشتراك غير ما به الافتراق فتكون كل صفة مركبة من جزئين جزء به الاشتراك وجزء به الامتياز ثم كل واحد من ذينك الجزئين يشارك غيره في جزء ويفارقه في جزء وهلم جرا فالقول في تركب كل مركب من جزئين وتركب كل جزء من جزئين يعم ما يقال إنه مركب تركيب المقدار والكم وما هو مركب تركيب الصفة والكيفية فإن أوجب أحد التركيبين الانحلال إلى ما تركب فيه أوجبه الآخر وإلا فلا

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:37 AM
# وحينئذ فيعارض ما ذكرته في تركيب المقدار مثله سواء فيقال لك إن لم يوجب التركيب الانحلال إلى ما تركب فيه لم يجب فيه ذلك في الموضعين فبطلت الحجة وإن أوجب ذلك بانحلال المقدار إلى جزء لا تركب فيه فانحلال الصفة إلى جزء هو صفة لا تركب فيها # وإذا قيل في أجزاء المقدار إنها متماثلة وإلا كانت مركبة قيل في أجزاء الكيفية إنها متماثلة وإلا كانت مركبة وإذا قيل إن تماثلها يوجب أن يجوز على كل واحد ما يجوز على الآخر قيل إن تماثل تلك يوجب أن يجوز على كل واحد ما يجوز على الآخر وحينئذ فيجب أن يوصف العلم بما توصف به القدرة وتوصف الحياة بما يوصف به الكلام ويسد كل منهما مسد الآخر وهذا مع أنه محال فذلك يستلزم جواز الاكتفاء بصفة عن سائر الصفات وذلك يستلزم عدم وجوب هذه الصفات للذات وهذا أبلغ مما ألزمه في المقدار من جواز انحلال الذات وتفرقها فإن عدم كيفيات الموجود أو الجسم أبلغ في عدمه وتلاشيه من تفرق أجزائه ولهذا كثير من الأجسام يفرق ثم يجتمع كما يتفرق الماء ثم يجتمع وأما إذا بطلت كيفيته مثل بطلان المائية والنارية فإنه يكون فاسدا مستحيلا # وهذا وإن كان إلزاما لمن يثبت الصفات فهو لازم لكل أحد أيضا فإنه لابد في إثبات وجود ووجوب ونحو ذلك وأي معنى أثبت جعل فيه نظير هذا التركيب وهذا لازم لابن سينا ونحوه من الملاحدة أيضا فإنه يقال في الوجود والوجوب إن الموجود يشارك غيره من الموجودات في مسمى الوجود ويفارقها في خصوصه والوجوب بالذات يشارك الوجوب بالغير في مسمى الوجوب ويفارقه في كونه بالذات وكذلك يقال في العاقل والمعقول والعقل والعناية وكونه فاعلا أو مبدءا أو علة أو غير ذلك إذ لابد لكل من أثبت موجودا

من أن يثبت وجودا واجبا ويلزمه فيه هذه اللوازم وقد بينا هذا فيما تقدم # وابن سينا كان من الملاحدة وكان أبوه من دعاتهم وذكر أنه بسبب ذلك اشتغل فيما اشتغل به من علوم الفلاسفة الصابئة الأوائل فإن أصول الملاحدة مبنية على ما أخذوه من هؤلاء الصابئة وما أخذوه من المجوس وهؤلاء الصابئة المبتدعون يقولون أن العالم متولد عن الله والمجوس يجعلون له شريكا في خلقه فالطائفتان كما قال تعالى ^ وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم ^ ^ وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ^ وهو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فإن المجوس تجعل ابليس وهو أصل الظلمة هو شريك النور في التخليق فيجعلون الجن شركاءه وليس هذا موضع بسط ذلك ولكن ننبه على أن كتاب الله لما كان دعوة لجميع الخلق ففيه تفصيل كل شيء وهو الحاكم بين جميع الناس فيما اختلفوا فيه # ولهذا أراد النصير الطوسى ونحوه من ملاحدة المسلمين واليهود على أن يضعوا للدولة الكافرة المشركة الجاهلة دولة هولاكو عقيدة واتفقوا على أن تكون عقيدة ابن سينا ولهذا كانت الملاحدة تميل إلى هؤلاء المشركين كثيرا وكان ملكهم هولاكو يقرب الملاحدة ويستعين بهم على المسلمين لما عرف مباينتهم في الباطن للاسلام وأهله مع منافقتهم لهم في الظاهر # الوجه السادس قوله إن تلك الأجزاء إما أن تكون متماثلة الماهية أو مختلفة الماهية يقال قد تبين أن ما ذكرته لا يستلزم أن تكون هنا أجزاء

موجودة وغاية ما يلزم ما ذكرته تمييز شيء عن شيء وجانب عن جانب والذي يكون كذلك يقال في صفاته ما يقال فيه فإذا قيل إنه مع أنه واحد فهو ذو أبعاض يتميز منه شيء من شيء فكذلك يقال في صفاته القائمة به وفي حيزه وفيما يلاقيه ففي الجملة متى فرض تميز شيء منه عن شيء وقيل إن ذلك أبعاض ولكل بعض خاصة تميز بها ثم يقال وسواء كان هناك أجزاء وأبعاض موجودة يتميز بعضها عن بعض أو لم يكن # فإذا قيل كل بعض إما أن يماثل الآخر أو لا يماثله قيل إن أردت بالمماثلة أن يقوم مقامه فيما يختص بعينه فلا يكون في العالم شيئين متماثلين وإن أردت بالتماثل أن يقوم مقامه فيما يكون لنوعه لا لعينه قال لك المنازع إنها متماثلة وإذا قال ذلك لم يجز أن تقول فيصح أن يكون الملاقي مباعدا والمباعد ملاقيا لأن ذلك الملاقي من صفات عينه مجاورته لما جاورته وحيزه المعين وتلك الصفة لا يقوم فيها غيره مقامه وإن كان مثله كما تقدم فلا يلزم من كونهما متماثلين إن يصير الملاقي مباعدا والمباعد ملاقيا # وقولنا المثلان يصح على كل منهما ما صح على الآخر إنما هو فيما ليس في خصائص العين والملاقاة والمباعدة من خصائص العين فإن الملاقي إذا صار مباعدا خرج عن حيزه المعين وعن أن يكون ملاقيا لما كان ملاقيا له ووجب أن يصير ملاقيا لغيره وكذلك المباعد وحينئذ فتختلف صفات عينه بالتفريق فلا يكون ذلك لازما لكونهما مثلين فلا يلزم من التماثل ذلك # الوجه السابع أن يقال هذه التي سميتها أجزاءا سواء كانت أجزاءا مقدرة أو هي متميزة تميزا حقيقيا لا يخلو إما أن تريد بكل واحد منها الجزء الذي

لا يتجزأ وهو الجوهر الفرد أو ما هو أكبر من ذلك فإن أردت بالأجزاء الجواهر المنفردة وقد قلت إما أن تكون متماثلة الماهية أو مختلفة فيقال لك هب أنها مختلفة في الماهية ما الذي يلزم قولك و القسم الثاني وهو أن يقال إن تلك الأجزاء مختلفة في الماهية فنقول كل جسم مركب من أجزاء مختلفة الماهية فلابد وأن ينتهي تحليل تركيبه إلى أجزاء يكون كل واحد منها مبرءا عن هذا التركيب يقال هذا باطل على هذا التقدير لأن كل واحد من تلك الأجزاء المختلفة الماهية إذا كان جزءا لا ينقسم وهو الجوهر الفرد امتنع حينئذ أن يكون مركبا وأن يتحلل إلى أجزاء أخر فإنه لا تركيب فيه بحال أكثر ما يمكنك أن تقول فيه ما قلته في الأجزاء التي يتحلل إليها من لزوم مماسته بيمينه شيئا وبيساره شيئا آخر لكن يقال لك هذا أولا في الجزء الذي لا ينقسم # وقولك لكن يمينه مثل يساره إلا لكان هو نفسه مركبا وقد فرضناه غير مركب كلام متناقض ينقض بعضه بعضا فإنه إذا كان له يمين ويسار كان مركبا # وقولك يمينه مثل يساره والمثلان غير أن يقضى أن فيه غير أن وهذا تركيب أيضا وتماثل جانبيه لا يخرجه عن أن يكون مركبا فقولك وقد فرضناه غير مركب تناقض # وكذلك قولك ودعواك أنه تماثل يمينه يساره وإلا لكان هو نفسه مركبا يقتضي أنه مع تماثل جانبيه يكون غير مركب ومع عدم تماثلهما يكون مركبا وليس الأمر كذلك بلا نزاع # وأيضا فإنه على هذا التقدير الأجزاء مختلفة في الحقيقة وإذا كانت مختلفة في الحقيقة لم يلزم أن يجوز على كل واحد منها ما جاز على الآخر بل يمتنع تساويهما

فيما يجب ويجوز ويمتنع فلو وجب أن يقوم كل منها مقام الآخر لكانت متماثلة والتقدير إنها مختلفة هذا تناقض فعلم أنه يمتنع مع كون الأجزاء غير منقسمة وهي مختلفة في الحقيقة أن يقوم بعضها مقام البعض وحينئذ فيبطل لزوم تفرقها # بل يقال إذا كان تفرقها يوجب قيام بعضها مقام بعض امتنع تفرقها مع كونها مختلفة لأن الحقائق الختلفة يمتنع أن يقوم بعضها مقام بعض هذا إن أراد بالأجزاء الجواهر المنفردة وهو المفهوم من اطلاقه # وإن أراد بالأجزاء الأجزاء الكبار قيل # الوجه الثامن وهو أن المعنى أنه مركب من أجزاء كبار بحيث يلزم إذا كانت مختلفة أن يكون الجزء منها ينحل إلى أجزاء لا تنقسم وقد قلت إما أن تكون متماثلة أو مختلفة فيقال لك نقدر إنها متماثلة وهي وإن كانت متماثلة في الصفة فلها قدر في نفسها ليست أجزاء منفردة إذ التقدير كذلك وإذا كانت كذلك لم يلزم أن يكون الطرف منها وسطا لأن الطرف يكون غير منقسم وغير المنقسم لا يسد مسد الجزء الكبير الذي قد ينقسم وإذا لم يكن كذلك لم يلزم جواز تباعد المتلاقيين وتلاقي المتباعدين لتباين مقاديرهما واشكالهما وإن الذي يقوم مقام غيره لابد أن يكون مساويا له في الصفة والقدر جميعا لاسيما وعلى هذا التقدير فيمكن أن يكون بعضها أكبر من بعض لأنه أكثر ما يلزم أن يكون كل جزء منها يمكن انقسامه ليصح الحكم عليها بالتحليل إلى الذي لا ينقسم حتى يتوجه كلامه في القسم الثاني وإذا لم يجب إلا ذلك لم يلزم تساويها في المقدار وإذا لم يلزم تساويها في المقدار لم يجب أن يقوم بعضها مقام بعض فلا يلزم جواز التفرق والانحلال فحاصله أن هذه الأجزاء إن قدرها

منقسمة جاز اختلاف مقاديرها وأحكامها فلم يلزم قيام بعضها مقام بعض وعلى التقديرين يبطل ما ذكره من لزوم التفرق والانحلال # الوجه التاسع أن يقال الذات التي هي واجبة الوجود بنفسها وصفاتها لازمة لها لا يجوز أن توصف بما توصف به الذات الممكنة الجائزة وذلك لأن الأجسام المخلوقة لها أبعاض وصفات فيجوز أن الله يفرق بين أبعاضها ويجوز أن يزيل صفاتها عنها كما يجوز أن يعدمها والله سبحانه وتعالى لا يجوز عليه العدم ولا يجوز أن تفارقه صفاته الذاتية فبتقدير أن يكون على العرش وهو عظيم يتميز منه جانب عن جانب ويكون ما هو داخل في مسمى اسمه من الأمور اللازمة التي لا يجوز أن تفارق ذاته ويكون ما هو موصوف به من الاجتماع والاتصال أمرا واجبا لذاته لأنه الصمد كما تقدم وهذا ظاهر # وإن كان واجبا فبتقدير تماثل الأبعاض مع هذا لا يستلزم جواز التفرق لأن وجوب الاجتماع والاتصال يوجب أن يكون مكان كل واحد وحيزه داخلا في عينه الحاصلة والمثلان لا يجب أن يوصف أحدهما بما يوصف به خصوص عينه ولأن الموجب للاجتماع والاتصال ما تستحقه الذات من وجوب وجودها بصفاتها اللازمة وإذا كان كذلك فصار المتلاقيان متباعدين والمتباعدين متلاقيين بغير اجتماع الذات واتصالها عما كان عليه فلم يقم أحدهما مقام الآخر ولا يسد مسده فلا تكونان مثلين # وهذا يتقرر بالوجه العاشر وهو أن يقال هب أن الأجزاء متماثلة فقولك والمثلان يصح على كل واحد منهما ما يصح على الأخر فعلى هذا يلزم القطع بأنه يصح على المتلاقيين أن يصيرا متباعدين وعلى المتباعدين أن يصيرا

متقاربين وذلك يقتضي جواز الاجتماع والافتراق إنما يكون كذلك لو كانا بعد تغيرهما بالتباعد والتلاقي يبقى تماثلهما وليس كذلك بل إذا تفرق أجزاء الذات المجتمعة تغيرت الأجزاء ولم تبق بعد الافتراق كما كانت حال الاجتماع وهذا مشهود في الأجرام المخلوقة فإن اجتماع بعضها ببعض يوجب لها من القوة وغيرها من الصفات ما لا يوجد عند الافتراق حتى إن من أحكامها واحكام الذات التي هي أبعاضها ما لا يصح إلا عند الاجتماع والتفرق يبطل ذلك وإذا كانت بالتفرق تخرج عما كانت عليه حين الاجتماع لم يلزم من تماثلها جواز تفرقها لأن التفرق يخرجها عن المماثلة فيكون إذا كانت متماثلة وجب أن تصير غير متماثلة # يقرر هذا الوجه الحادي عشر وهو أن كل جسم مؤلف هو يشتمل على جواهر منفردة كما ذكر وهي متماثلة كما ذكر والمثلان يصح على كل واحد منهما ما صح على الآخر فيقال لا يخلو إذا تفرقت هذه الأجزاء أن تكون حين افتراقها كما كانت حين اجتماعها أو لا تكون فإن كانت كذلك لزم أن يكون كل جسم في العالم إذا افترقت أجزاؤه إلى الجوهر المنفرد أن يكون حال تلك الجواهر حين ما كانت متصلة وهي تلك الذات كحالها حين تفرقها وفساد هذا معلوم بالحس والبديهة فإن الجسم ليس هو إلا تلك الجواهر وتركيبها فإذا فرض أن حالها مع زوال التركيب كحالها مع التركيب وجب أن تكون موصوفة حال افتراقها بما كانت موصوفة به حال اجتماعها وهذا معلوم الفساد بالحس والبديهة لأن عامة الأجسام إذا تفرقت أجزاؤها بطل عامة صفاتها وأحكامها # وإذا كانت حين افتراقها بخلاف ما كانت حين اجتماعها لم يلزم من تماثلها جواز افتراقها لأن ذلك يقتضي اختلاف حالها وليس الشيء إلى مثله

بأقرب منه إلى نفسه فإذا كان الشيء إذا خالف غيره بشيء لم يجب أن يكون مثله فالشيء الواحد إذا وجب بانتقاله من حيز إلى حيز اختلاف حقيقته أن لا يجب ذلك فيه بطريق الأولى # وحينئذ فيقال الوجه الثاني عشر وهو أن تماثلها يوجب اشتراكها فيما يجب ويجوز ويمتنع عليها والواحد منها يمتنع عليه أن يفارق عينه لأن ذلك يقتضي استحالته وتغيير حقيقته والواجب الوجود لا يجوز عليه ما يفضي إلى استحالته وتغيير حقيقته فإذا مع تماثلها يجب اشتراكها في امتناع استحالتها وتغيير حقيقتها وذلك يقتضي تماثلها في امتناع الافتراق عليها لأن الافتراق يبطل حقيقتها # وهذا يظهر بالوجه الثالث عشر وهو أن صفات الجسم المخلوق وأعراضه يجوز أن يرفعها الله تعالى فإن اقتضى ذلك استحالته وتغير حقيقته لأن الله تعالى قادر على ذلك ولا محذور فيه وأما صفات الرب كحياته وعلمه وقدرته فلا يجوز أن تفارق ذاته لأن ذلك يلزم استحال الرب وتغير حقيقته وذلك محال فزوال صفاته الذاتية محال ولا يلزم إذا كان غيره من الموجودات يجوز أن تفارقه صفاته أن يقال في حق الله تعالى يجوز أن تفارقه صفاته وكذلك إذا كان غيره من ذوات الأقدار يجوز أن تتفرق أبعاضه لأن ذلك يقتضي تغير حقيقته وهو محال وإذا قيل الأبعاض متماثلة كان هذا مما يوجب اشتراكها فيما يمتنع عليها من العدم وتغير الحقيقة كما أن الصفات مشتركة في ذلك وإن كانت غير متماثلة فالأبعاض المتماثلة أولى بالاشتراك في ذلك # الوجه الرابع عشر أن يقال قولك أما ثم تكون متماثلة الماهية أو مختلفة الماهية تقسيم غير حاصر لأن التماثل والاختلاف فرع التغاير ونحن لا نسلم أن

الواحد منها يقال إنه عين الآخر حتى يقال إنه مثله أو خلافه بل لا يقال إنه غيره لا مثله ولا خلافه ولا يقال هو هو كما يقوله كثير من الصفاتية أو أكثرهم في العلم والقدرة والحياة أن أحدها وإن لم يكن عين الآخر فلا يقال إنه غيره ولا أنه مثله ولا خلافه لأن التماثل والاختلاف فرع التغاير فإن الغيران إما أن يكونا مثلين أو خلافين والخلافان إما أن يكونا ضدين أو خلافين غير ضدين وإذا كان كذلك فالمتغايران ما يجوز وجود أحدهما دون الآخر ولا ينقض هذا بالخالق والمخلوق فإن الله يجوز وجوده بدون المخلوق وصفات الحق لا يجوز وجود بعضها دون بعض فلا تكون متغايرة ولا توصف بتماثل ولا اختلاف # الوجه الخامس عشر هب أن يقال إنها غير متماثلة بل هي مختلفة أو بعضها يختلف وبعضها غير مختلف حيث وردت النصوص بأسماء تقتضي حقائق غير متماثلة كقوله تعالى ^ ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ^ وقوله ^ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ^ وقوله ^ ولتصنع على عيني ^ وقول النبي صلى الله عليه وسلم # المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين وقوله # يقبض السموات بيمينه والأرض بيده الأخرى وفي رواية في الصحيح والأرض بشماله إلى سائر ما ورد في هذا الباب مما يطول وصفه فأما أن يجب تحللها إلى أجزاء متماثلة أو لا يجب فإن وجب ذلك جاز على كل شيئين مختلفين أن يصيرا متماثلين بل وجب منهما أن يكونا متماثلين فإنه إذا وجب تحللها إلى الأجزاء المتماثلة التي يجوز على كل واحد منهما ما يجوز على الآخر فقد وجب أن يجوز على أجزاء كل واحد ما جاز على أجزاء الآخر ومن الجائز على أجزاء كل واحد التباعد والتلاقي كما ذكره فيجب فيه جواز تفرق أجزائه وجواز أن يسد كل واحد منهما مسد الآخر

وذلك يستلزم أن يجوز على كل مختلفين أن يكونا متماثلين وإذا جاز على المختلفين أن يكونا متماثلين فقد اشتركا في أنه يجوز أن يجب ويمتنع ويجوز على أحدهما ما جاز على الآخر فإذا اشتركا في جواز ذلك لزم من ذلك محالات منها أن يشتركا في جواز الممتنع والجائز لا يكون ممتنعا بل هو نقيضه فيكونا قد اشتركا في جواز النقيضين عليهما # وأيضا فإنه إذا جاز على أحدهما ما يجوز على الآخر ووجب ما يجب له وامتنع عليه ما يمتنع عليه ولو بواسطة يتماثلان فيها لزم أن يكونا متماثلين وذلك يقتضي أن يكون كل مختلفين متماثلين وهذا قلب للحقائق وتبديلها وهو من أعظم السفسطة وهذا على أصله لازم من وجه آخر فإن عنده جميع الأجسام متماثلة فإذن ليس في الأشياء التي لها أجزاء أشياء مختلفة بحال فقوله تلك الأجزاء إما أن تكون متماثلة أو مختلفة إنما هو تقدير وإلا فعلى أصله لا تكون متماثلة ليس في الأجسام عنده ما هو غير متماثل وإن كان في هذا من السفسطة ومكابرة الحس والعقل ما فيه مع مخالفة النصوص من القرآن التي تثبت عدم تماثل الأجسام كقوله تعالى ^ يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ^ ونحو ذلك مما تقدم ذكره وإن لم يجب تحللها إلى أجزاء غير منقسمة بطل ما ذكرته # الوجه السادس عشر يقال قوله كل جسم مركب من أجزاء مختلفة الماهية فإنه لابد أن ينتهي تحليل تركيبه إلى أجزاء لا تركب فيها يصح أن يمس كل منهما بيمينه ما يمسه يساره لا يخلو إما أن يدخل رب العالمين في هذه القضية على تقدير كونه على العرش أو لا يدخله فإن لم يدخله لم يكن هذا حجة ولم يكن في هذا الكلام فائدة وإن أدخله في هذا القياس الشمولي

فقد ضرب لله مثلا بكل جسم حقير وغير حقير حين مثله بالبعوضة ونحوه مما فيه أجزاء مختلفة وهذا فيه اشراك بالله تعالى وعدل لله وجعل انداد له وجعل سمي له وكل ذلك ممتنع على الله تعالى # ولا يقال هذا إنما هو اشراك به وتمثيل على هذا التقدير لأنه يقال بطلان هذا التقدير يكون ممكنا امكانا ذهنيا فيجوز أن يكون ثابتا في نفس الأمر فلا يجوز أن يجعل لله شريك على تقدير يجوز أن يكون ثابتا في نفس الأمر قبل أن يعلم انتفاؤه وإذا علم انتفاؤه لم يكن هذا موجبا للعلم بانتفائه لكن قد يقال هذا دليل ثان فيقال هذا التقدير عند منازعك حق لأن القرآن والعقل قد دل على أن الله فوق العرش فإذا كنت قد جعلت له أندادا وأمثالا وسميا على هذا التقدير الذي ثبت بالكتاب والعقل فقد يثبت بالكتاب والعقل أنك جعلت لله عدلا وسميا ومثلا أيضا فيقال لك في # الوجه السابع عشر من أين لك إذا كان الله فوق العرش وقلت كونه يجب أن يكون جسما فيه حقائق غير متماثلة أن يكون مساويا لجميع الأجسام المؤلفة من أجزاء مختلفة ليس العلم بهذا إلا محض قياس الله تعالى على خلفه وتمثيله بهم وهو باطل # وتقرير ذلك بالوجه الثامن عشر وهو أن يقال ما تنازع فيه الناس من الصفات نفيا واثباتا هل يسوغ لمن يثبته أن يمثل الله بما ثبت له من تلك الصفات من جميع المخلوقات أم لا يسوغ ذلك فإن ساغ ذلك ساغ أن يقال لو كان عالما لكان بمنزلة جميع العلماء ولو كان حيا لكان يمنزلة جميع الأحياء بل يقال هذا فيما لا نزاع فيه

مثل أن يقال لو كان موجودا لكان بمنزلة سائر الموجودات بل يقال لو كان في الوجود وجود واجب لكان بمنزلة سائر الموجودات ومعلوم أن هذا باطل بالبديهة والحس فبطل إذا كان جسما فيه حقائق أن يكون كسائر الأجسام المختلفة الأجزاء # فإن قلت الفرق بينهما أن الأجسام متماثلة بخلاف العالمين والقادرين والموجودات قيل هذا باطل كما تقدم ثم إنه غير نافع لأن هذا التقدير الذي نتكلم عليه أن تكون فيه أجزاء مختلفة الماهية وإذا كانت أجزاء الجسم مختلفة الماهية مخالفة لغيره من الأجسام بطريق الأولى والأحرى وإذا كان الكلام على تقدير أن لا تكون الأجسام أجزاؤها متماثلة لم يجز أن تحتج على هذا التقدير بما يستلزم تماثل الأجسام لأنه يكون جمعا بين النقيضين فظهر أنه إذا قيل هذا التقدير فكل جسم مركب من أجزاء مختلفة لم تعلم هذه القضية الكلية إلا بمحض تمثيل الله يخلقه المستلزم أن يمثل إذا سمي باسم أو وصف بوصف بكل مسمى أو موصوف بذلك الاسم والصفة وأن يكون مثله في حقيقته وفساد هذا معلوم بالبديهة والحس وهو من أعظم الكفر # ولهذا كانت الأمثال المستعملة في جانب الربوبية في الكتاب والسنة وكلام العلماء هي من باب الأولى وهو أن ينزه بعض خلقه عن بعض كالشريك والبنات والفقر فيقال الله أحق بهذا التنزيه عن ذلك أو يوصف بعض خلقه بصفة كمال كالعلم والقدرة والكلام فيقال الله أحق بذلك وهذه طريقة الأنبياء واتباعهم أما ادخال الله وغيره من المخلوقات تحت قضية كلية تتضمن قياس شمول وكل قياس شمول متضمن لقياس تمثيل فإن هذا لا يجوز لا لما يثبت من الصفات ولا لما ينفى # الوجه التاسع عشر يقال لك لا نسلم أن كل جسم مركب من أجزاء مختلفة الماهية فلابد وأن ينتهي تحليل تركيبه إلى أجزاء مبرأة عن التركيب يصح أن

يماس كل واحد ما يماسه الآخر فإن اعتصمت في هذا بقياس الغائب على الشاهد ذكرت لك الفوارق من وجوب أحدهما وقدمه وغناه وغير ذلك دون الآخر كما يفعل في سائر الأقيسة الفاسدة وليس معك حجة على هذا العموم سوى ما يحتاج فيه إلى القياس # وهذا يظهر بالوجه العشرين وهو أن يقال ما تعنى بتحليل تركيبه إلى آخره أتعني به لابد أن يتفرق أو يقبل التفرق إلى تلك الأجزاء فهذا ممنوع وهو محل النزاع فكيف تحتج بالشيء على نفسه فتصادر على المطلوب أم تعنى بالتحليل اشتماله على الأجزاء كاشتمال الأصل على هذا الجزء وغيره فلا يخلو إما ان يريد بالجزء المبرأ عن التركيب أن يكون بسيطا عن ذلك التركيب وإن كان أجزاء متشابهة أو يريد أنه لا تركيب فيه بحال فإن أردت هذا فيكون مضمون الكلام أنه لابد وأن يكون فيه الجوهر الفرد وأنت قد وافقت أذكياء العالم على التوقف في اثبات الجوهر الفرد وإن كان ثبوته غير معلوم لك لم يجز أن تدعي في جسم من الأجسام المختلفة وجوب اشتماله على الأجزاء التي لا تركب فضلا عن أن تدعي ذلك في رب العالمين # وأيضا فإنك قد ذكرت بعد هذا أن كل واحد من تلك الأجزاء البسيطة لابد أن يماس كل واحد بيمينه شيئا وبيساره شيئا آخر لكن يمينه مثل يساره وهذا تصريح منك بأنه يقبل القسمة وأنه يشتمل على شيئين متماثلين وهذا ينفي الجوهر الفرد فقوله لابد وأن ينتهي تحليل تركيبه إلى أجزاء يكون كل واحد منها مبرءا عن هذا التركيب لأن التركيب عبارة عن اجتماع الوحدات مع قوله إذا ثبت هذا فنقول إن كل واحد من تلك الأجزاء البسيطة لابد وأن يماس كل واحد منها بيمينه شيئا غير ما يماسه بيساره إثبات

التركيب في البسيط المبرأ عن التركيب وهو الجوهر الفرد فيكون لازمه بين إثبات الجوهر ونفيه وذلك تلازم بين النقضين # وإن أراد المبرأ من التركيب من الأجزاء المختلفة وبالبسيط بما ليس فيه ذلك التركيب وذلك لا يستلزم أن يكون كل جزء جوهر فردا بل يكون كل من تلك الأجزاء بسائط بحيث يكون في البسيط أجزاء مختلفة وهذا هو أقرب إلى ارادته فيقال لك تلك الأجزاء البسيطة هي في أنفسها مختلفة الحقائق كما ذكرت وإذا كانت مختلفة الحقائق لم يمتنع أن تشترك فيما يجب ويجوز ويمتنع وإذا امتنع أن تشترك في ذلك لم يلزم أن يماس أحدهما ما يماس الآخر وإذا فرض أن جوانب أحدهما متساوية إما لاستدارتها واما لتساوي يمينها ويسارها لكن إن ما يجب أن يمس بيمينه ما يمس بيساره إذا كان ذلك الممسوس يجوز أن ينتقل عن يمين هذا إلى يسار هذا ينتقل عن مماسة ما كان يماسه إذا كان يمين هذا إلى مماسة ما يماسه إذا كان عن يساره فإنه مع مماسته لهذا لابد أن يماس غيره وذلك إنما يصح أن لو كان يمين الأول ويساره من الآخر متماثلة والتقدير أن الأجزاء مختلفة في الحقائق فلا يلزم وان كان كل منهما بسيطا متشابهة الأجزاء إنما يباين جوهرا منها ما باين غيره إذ هذا غير معلوم إلا إذا كانت متماثلة والتقدير أنها مختلفة فوجب القطع بأن ما كان عن يمين أحدهما لا يلزم جواز كونه عن يساره نقيض ما ذكره فإنه إنما ذكر تساوي جانبي الممسوس الوسط وأغفل اختلاف جانبي المماسين وأن هذا المنتقل لابد أن يزيل واحدا عن حيزه وإن يماس حيزا يخالف في الحقيقة الحيز الذي كان يماسه وهذا بين ولا حول ولا قوة إلا بالله

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:38 AM
# قال الرازي البرهان الثامن لو كان علو الباري على العالم بالحيز والجهة لكان علو تلك الجهة أكمل من علو الباري تعالى لأنه بتقدير أن يحصل ذات الله في يمين العالم أو يساره لم يكن موصوفا بالعلو على العالم أما تلك الجهة التي في جهة العلو فلا يمكن فرض وجودها خالية عن هذا العلو فثبت أن تلك الجهة عالية على العالم لذاتها وثبت أن الحاصل في تلك الجهة يكون عاليا لا لذاته لكن تبعا لكونه حاصلا في تلك الجهة العالية على العالم وإذا كان كذلك فحينئذ يلزم أن يكون الباري ناقصا لذاته مستكملا بغيره وذلك محال فثبت أنه يمتنع أن يكون علوه على العالم بالجهة والحيز وذلك هو المطلوب # والكلام على هذا من وجوه # أحدها أن يقال ومن الذي قال إن علو الباري على العالم شيء موجود منفصل عنه أو بشيء منفصل عنه مطلقا هذا لا يقوله المنازع ولا يحتاج أن يقوله بل عندهم أن ذات رب العالمين فوق العالم وأنه سبحانه وتعالى العلي الأعلى المتعال بذاته لا يحتاج علوه إلى شيء غيره أصلا ولا يكون علوه بشيء منفصل عنه وما علمت أحدا من هؤلاء يقول إنه يحتاج في علوه إلى شيء منفصل عنه # وقول القائل إنه على العالم بالجهة والحيز لا يقتضي وجود شيء غير نفسه وغير العالم فإن الجهة من الأمور الاضافية كما تقدم والحيز يراد به ما هو داخل في مسمى اسمه وليس شيئا خارجا عنه ويراد به تقدير المكان وليس ذلك شيئا وجوديا بل لا حقيقة له بحال إلا أنه مقدر مفروض كما يقدر الزمان قبل العالم

وإنما يقصدون بهذه العبارة أنه بذاته فوق العالم ليست فوقيته مجرد القدرة كما تقوله الجهمية وإذا كان كذلك فليس هناك شيء هو أعلا من الله تعالى أو شيء يحتاج الله إليه في علوه بل الأمر عندهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أنت الظاهر فليس فوقك شيء وقد تقدم الكلام على هذا غير مرة # واعتراف هذا بأن الجهة والحيز أمرا وجوديا وأنه ليس وراء العالم إلا العدم المحض فكيف يقال إن علو العدم المحض أكمل من علو الباري والعدم المحض لا حقيقة له بحال ولا وجود بل أحقر حقير في العالم وأسفل سافل هو خير منه ولا يوصف لا بعلو في الحيز ولا بسفول ولا شيء من ذلك # الوجه الثاني قوله إن بتقدير أن يحصل ذات الله في يمين العالم أو يساره لم يكن موصوفا بالعلو على العالم وتلك الجهة لا يمكن فرض وجودها خالية عن هذا العلو يقال له قد قررت فيما تقدم أن العالم كري الشكل وإذا كان كذلك لم يكن له يمين ولا يسار بل ليس له إلا جهة المحدب وهو المحيط والباري خارج العالم فيمتنع أن يكون الباري إلا فوق العالم # فقولك بعد هذا إذا كان عن يمين العالم أو يساره أسقط من قولك إذا كان داخل العالم فإن العالم له داخل وأما يمين أو يسار فليس له وفرض وجود موجود داخل العالم ممكن وفرض وجود موجود عن يمينه ويساره غير ممكن كما قررته # الوجه الثالث هب أن بعض سطوح العالم سميته يمينا أو يسارا مع كونه مستديرا بالنسبة والاضافة لكن سطوح العالم مستوية في العلو فليس شيء أعلا مما تقدره يمينا أو يسارا وقد ذكرنا فيما مضى قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا سألتم الله

الجنة فسلوه الفردوس فإنه أعلا الجنة وأوسط الجنة وسقفها عرش الرحمن فجعل الأعلى هو الأوسط وذكرنا أن هذا لا يتأتى إلا في الجسم المستدير لأنه يمكن أن يجعل وسطه أعلاه وكذلك ما يفرض متيامنا فيه أو متياسرا هو أيضا يكون أعلاه وإن لم يكن وسطه فقوله بتقدير أن تحصل ذات الله في يمين العالم أو يساره لم يكن موصوفا بالعلو على العالم كلام باطل وقد قرره هو وكما اتفق عليه أهل الحساب بل قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن عرشه على سمواته مثل القبة وقد قدمنا دلالة الكتاب والسنة والاجماع مع الحساب العقلي على أن الأفلاك مستديرة فبطل ما ذكره # الوجه الرابع هب أنه يمكن فرض متيامنا عن العالم أو متياسرا وأنه لا يكون كذلك حينئذ فوق العالم فقد لا يسلم المنازع أن هذا الفرض يمكن في حق الله تعالى لأنه العلي الأعلى الذي يستحق العلو لذاته ولا يلزم من جواز انخفاض غيره عن بعض الموجودات جواز انخفاضه هو وإذا كان هذا الفرض غير معلوم الجواز أو هو ممتنعا في حق الله تعالى لم يكن ما يلزم عليه لازما لأن التقدير الممتنع يلزمه حكم ممتنع كما لو فرض أنه معدوم أو أنه غير عالم أو أن العالم فوقه أو أنه محتاج إلى خلقه وغير ذلك # الوجه الخامس أن هذا الفرض هب أنه ممكن أو يقدر تقديرا فلم قيل أن ما يكون متيامنا عن العالم أو متياسرا ولو كان غير الله يكون فوقه شيء قوله لأن تلك الجهة التي في جهة العلو لا يمكن فرض وجودها خالية عن العلو يقال هذا تخليط فقولك الجهة التي في جهة العلو يقتضي شيئين أحدهما في الآخر وقولك لا يمكن فرض وجودها يقتضي أنها شيء موجود وقولك خالية عن العالم يقتضي أن فوق العالم شيء غير الله وهو موجود موصوف في العلو وهذا باطل بل كفر باجماع المسلمين فإن الله خالق كل شيء والعالم

اسم لكل موجود سوى الله تعالى فلو كان فوقه شيء موجود غير الله لكان ثم موجود غير الله لم يخلقه الله بل هو مستغن عن الله لاسيما وقد جعل الله محتاجا إليه وهذا لا يقوله عاقل فضلا عن أن يقوله مسلم وقد تقدم الكلام على هذا بأبسط من هذا لما ذكر أن الله يحتاج إلى حيز في الأدلة العقلية ولما ذكر أن الحيز منها في الأدلة السمعية وفي غير ذلك # الوجه السادس أنا قد قررنا غير مرة أن ليس فوق العالمين إلا رب العالمين وليس هناك غيره ولا شيء يشاركه في العلو غيره بوجه من الوجوه فضلا عن أن يكون هناك ما هو عال عليه فقوله الجهة التي في جهة العلو لا يمكن فرض وجودها خالية عن هذا العلو يقال له لا جهة هناك إلا الله فهو الذي يشار إليه موجودا والاشارة إلى موجود غيره هناك ممتنعة فإن كنت تعتقد أن هناك موجودا يشار إليه فأبطل ما تعتقده وإلا فالناس لا يعتقدون هذا ومنازعة الانسان فيما لا يعتقده تضييع زمان ونوع من الكذب والبهتان # الوجه السابع قولك إن الحاصل في الجهة يكون عاليا لا لذاته لكن تبعا لكونه حاصلا في تلك الجهة العالية على العالم ممنوع بل باطل لأنه استحق العلو بذاته لا لأمر منفصل عنه كما استحق الأزلية بنفسه لا لأمر منفصل عنه فقول القائل علوه تبع لعلو الجهة كقوله إنه قديم تبع لقدم الزمان وكل من الخيالات الفاسدة بل هو الأول بنفسه الذي ليس قبله شيء وهو الآخر بنفسه الذي ليس بعده شيء وهو الظاهر بنفسه الذي ليس فوقه شيء وهو الباطن بنفسه الذي ليس دونه شيء # الوجه الثامن هب أن الجهة في العلو أو الدهر في القدم شيء موجود تبع له فوجوده تبع لوجود الحق لا أن علو الحق وقدمه تبع له فإن ذلك يكون

داخلا في مسمى نفسه كما يقال إن الحيز هو جوانب المتحيز فإن كون الدهر هو عبارة عن قدمه فقدمه وحيزه داخل في مسماه وصفة من صفاته فلا يكون هو سبحانه تبعا لصفاته ولو قدر شيئا خارجا عن صفاته لكان وجوده تابعا لوجود الحق وكان الحق هو الموجب له فكيف يكون عاليا لا لذاته لكن تبعا لكونه حاصلا في تلك الجهة وهو الغني عن كل ما سواه وكل ما سواه مفتقر إليه سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون والعادلون به علوا كبيرا # فإن كلام هذا وأمثاله عدل بالله وإشراك به وجعل أنداد له وضرب أمثال له حيث جعل علوه وفوقيته على العالم بمنزلة علو الملك على سريره أو هو في هواء سطحه الذي قد سفل الرجل عنه فيكون دونه ويكون ذاك باقيا على علوه وجعل علوه محتاجا إلى ما يعلو به كما يحتاج الانسان إلى السطح أو السرير فكلامه في علو الله يوجب أنه جعله مثل هذا العلو يجمع من التمثيل لله والعدل به ابتداءا ومن جحد علوه المستلزم لجحود ذاته انتهاءا ولهذا كان السلف والأئمة يصفون هؤلاء بالأمرين بأنهم ممثلون عادلون بالله وبأنهم معطلون جاحدون لله ولا حول ولا قوة إلا بالله وهذا الذي قاله السلف والأئمة يلزمهم لزوما لا محيد عنه وقد يظهر هذا تارة وكثيرا ما يظهر الأمران ولا ريب أنهم إنما عدلوا به في هذه المعاني لينفوها عنه ظانين أن هذا تنزيه لله وتقديس لم يقصدوا أن يثبتوا له مثلا ولكن قدروا المثل لينفوه لكن لزمهم التمثيل من وجهين # أحدهما أنهم سووا بين الله وبين غيره في هذه المقاييس الشمولية المنطقية وهي الأمثال التي ضربوا له فجعلوه فردا من أفراد تلك الأمور العامة وحكموا عليه بمثل ما حكموا به على الأفراد حيث قالوا كلما كان فوق غيره فلابد أن

يكون كذا أو كلما كان كذا فلابد أن يكون كذا وأيضا فإنهم مثلوه بغيره على ذلك التقدير وهو لا يكون مثلا لغيره لا تحقيقا ولا تقديرا من التقادير التي يقع فيها شبهة ونزاع على ذلك التقدير يعلم أن له من الخصوص ما يقطع مماثلته لغيره # الوجه الثاني أن هذه المعاني التي ينفونها هي ثابتة في نفس الأمر معلومة بالكتابة والسنة وبالفطرة والعقل وبالقياس أيضا فإذا مثلوه فيها بالمخلوقات فقد صرحوا بجعل أنداد له والأمثال والأسماء ثم إنهم عطلوا فجحدوا الحقائق هي ثابتة للرب وعطلوا ما في الكتاب والسنة والاجماع من بيان ذلك والدلالة عليه وعطلوا في القلوب من المعرفة الفطرية والقياسية فصاروا معطلين للحقيقة الخارجية والعلوم الثابتة بالنبوات المعروفة بالقلوب فعطلوا الشرع والعقل جميعا مع دعواهم العقليات كما عطلوا التوحيد مع دعواهم أنهم هم الموحدون # الوجه التاسع أن يقال قد قلت لو كان علو الباري على العالم بالحيز والجهة لكان علة الجهة أكمل من علو الباري ولم تذكر على ذلك حجة إلا قولك لأنه بتقدير أن يحصل ذات الله في يمين العالم أو يساره لم يكن موصوفا بالعلو على العالم أما تلك الجهة التي في جهة العلو لا يمكن فرض وجودها خالية عن هذا العلو فثبت أن تلك الجهة عالية عن العالم لذاتها وثبت أن الحاصل في تلك الجهة يكون عاليا لا لذاته لكن تبعا لكونه حاصلا في الجهة

# فيقال لك أنت قد قدرت تقديرا أن الباري عن يمين العالم أو عن يساره ولم تذكر دليلا على امتناع ذلك في الجهة وكل واحد من هاتين الدعوتين ممنوعة فلا نسلم لك إمكان هذا التقدير في حق الباري ولا امتناعه في الجهة أو لا اسلم لك مجموع إمكان هذا وامتناع هذا بل قد يشتركان في الامكان أو الامتناع فهذا المنع له ثلاث موجبات أحدها إمكانها جميعا والثاني امتناعهما جميعا والثالث تيامن الجهة وتياسرها وامتناع تيامن الباري وتياسره فلم تذكر حجة تنفي واحدا من هذه الوجوه ونحن نذكر توجيه هذه الأجوبة فنقول # الوجه العاشر أن الجهة والحيز إما أن تكون وجودية أو عدمية فإن كانت عدمية لم يجز أن توصف بعلو على العالم ولا سفول ولا يقال إن علو الباري تبع لها ولا أنه محتاج إليها ولا شيء من هذه الأمور فبطلت الحجة # وإن كان الحيز والجهة أمرا وجوديا فمن المعلوم أنه إذا قدر تيامن الرب وتياسره فبتقدير تيامن ذلك الشيء الموجود المسمى بالحيز والجهة أولى بالتيامن والتياسر فإن ذلك إن كان من صفات الرب الداخلة في مسمى اسمه فهي تبع له وإن كان شيئا منفصلا كالعماء أو العرش أو ما يقدر فإن تقدير التحول على هذا أولى من تقديره على الله فإن انتقال هذا وتحوله أولى بالجواز من انتقال الله تعالى وتحوله ولهذا لم ينازع في هذا المسلمون الذين ينازعون في جواز الحركة والانتقال على الله بل يجوزون ذلك على العرش وغيره وينازعون في جوازه على الله فظهر أن تقدير تيامن الحيز والجهة وتياسره أولى من تقدير ذلك في الرب # وإذا كان كذلك فقوله إنه بتقدير أن يحصل ذات الرب في يمين العالم أو يساره لا يكون موصوفا بالعلو وتلك الجهة التي في جهة العلو لا يمكن فرضها خالية

عن العلو باطل قطعا بل إن كانت شيئا يحتمل الصفات يوصف بالعلو ويكون في الجهة فإن خلوه عن صفة العلو أولى من خلو الله عن صفة العلو على كل تقدير وإن كان شيئا لم يحتمل هذه الصفة ولا يكون في جهة فهذا عدم لا يقال فيه إنه عال عن العالم فضلا عن أن يقال إن علوه لذاته وعلو الباري تبع له # الوجه الحادي عشر إن كثيرا من المسلمين من الصفاتية الذين يقولون إن الرب فوق العالم وفوق العرش يقولون إنه لا يجوز عليه الحركة والانتقال ولا يتصور أن يتيامن أو يتياسر فضلا عن أن يكون خاليا عن صفة العلو فيكون ما قدرته في حق الباري ممتنعا بل أصحابه الذين يقولون إنه فوق العرش يقولون بذلك وإذا كان هذا التقدير ممتنعا عندهم كان أدن أحواله أن يكون كما ادعيته من علو الجهة أنها عالية لذاتها لا يمكن فرضها خالية عن هذا العلو فكيف وقد تقدم بينان أن الأمر ليس كذلك وإذا كان على أسوء التقديرين يكون كل منهما مما يمنع زواله فيكون علو كل منهما لذاته فلا يكون علو الجهة أكمل من علو الله ولا يكون مستكملا بها بل إن امتنع عليه الحركة والزوال امتنع تحوله عن العلو فإذا كنت في هذا المقام لو اشركت بالله فجعلت الجهة له عدلا وشبها في مشاركتها له في العلو الذاتي لكان هذا الاشراك خيرا من أن يفضل علو الجهة على علوه ويجعل علوها بنفسه وعلوه بها # فتبين أن الذي قلته أقبح من هذا الشرك ومن جعل الأنداد لله كما أن جحود فرعون الذي وافقتموه على أنه ليس فوق السموات رب العالمين إله موسى جحوده لرب العالمين ولأنه في السماء كان أعظم من شرك المشركين الذين كانوا يقرون بذلك ويعبدون معه آلهة أخرى كحصين الخزاعي لما كان مشركا وأمثاله الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم كم تعبد اليوم إله قال سبعة آلهة ستة في

الأرض وواحد في السماء فلا ريب أن شرك هذا أخف من جحود فرعون مع أن هذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم فمن الذي تعد لرغبتك ورهبتك قال الذي في السماء فهو يعتقد أن الاله الذي في السماء أعظم من تلك الآلهة فأنتم لم ترضوا أن تجعلوا علو الله أكمل من علو غيره ولا جعلتموه مثل علوه بل جعلتم علو الغير أكمل من علوه وهو يحتاج إلى ذلك الغير الذي هو مستغن عنه وكل هذا إفك وبهتان عظيم على رب العالمين # الوجه الثاني عشر أن المسلمين المزيد يجوزون عليه النزول والمجيء والاتيان والحركة قد يوافقون الأولين في أنه لا يكون إلا عاليا حتى يقولوا أنه ينزل إلى السماء الدنيا ولا يخلو منه العرش ويقولون وصفه بهذه الصفات لا ينافي علوه فهؤلاء أيضا يوجبون له العلو ويقولون إنه عال بذاته ويمتنع أن يكون غير عال وإن جوزوا عليه الحركة والانتقال وإذا كان كذلك فهؤلاء يقولون لا نسلم إمكان خروج الله عن صفة العلو لوجه من الوجوه حتى نقدر له تيامن أو تياسر يخرجه عن أن يكون موصوفا بالعلو بل هذا يمتنع عندهم فإذا كان كذلك كان قولهم مثل قول اخوانهم المتقدمين في توجيه المنع فيقولون لا نسلم أن علو الجهة يكون أكمل من غيره وأنه محتاج إليها هذا لو كانت الجهة أمرا يمكن وصفه بالعلو بحيث يحتمل أن يكون في ذاته عاليا وإلا فإذا لم يكن كذلك بطل أصل الكلام # الوجه الثالث عشر أن يقال هب أنه سلم لك أنه قد يتيامن أو يتياسر بحيث لا يكون موصوفا بالعلو لكن لا يسلم أن الجهة التي توصف بالعلو لا يمكن فرض وجودها خالية عن العلو فإن الذي يحتمل صفة لا يكون إلا موجودا إذ المعدوم لا يحتمل الصفات ولا يقال إنه في جهة العلو ولا في جهة

السفل ولا في شيء من الجهات وإذا كان موجودا كان تقدير خروجه عن صفة العلو أولى من تقدير كون الله ليس موصوفا بالعلو على كل وجه من الوجوه فإن التحول والانتقال وجوازه على المخلوق أولى من جوازه على الخالق # الوجه الرابع عشر أن كونه موصوفا بعلو ذاته على العالم إما أن يكون واجبا له أو لا يكون فإن كان واجبا له فأنتم معاشر الجهمية من أعظم الناس سلبا لهذا الواجب عنه وتقولون إن علوه إنما هو القدرة فقط فالذي يقول إنه تارة يكون عاليا بذاته على العالم وتارة يكون غير عال بل إما متيامنا أو متياسرا وغير ذلك مع كونه عاليا بالقدرة التي أثبتموها في الحالين هو أعظم وصفا لله بصفة الكمال منكم حيث أثبت له العلو الذي أثبتموه وزاد عليكم بأن أثبت له من العلو الذي هو كمال مالم تثبتوه أنتم ثم هو موع هذا إذا وصفه وزاد عليكم بأن أثبت له من الذي هو كمال مالم تثبتوه أنتم ثم هو مع هذا إذا وصفه بما يقتضي أن يكون علو الجهة أكمل منه مثل تجويز عدم العلو عليه بعض الأوقات هو أحسن حالا منكم حيث سلبتموه هذا العلو الذي هو كمال فمن اثبته له ولو لم يجعله أكمل فيه من غيره هو أحسن حالا فليس لكم أن تبطلوا قوله بتصحيح قولكم فإن كان علو ذاته على العالم ليس بصفة الكمال لم يصح أن يقال علو الجهة أكمل من علوه لأن التفضيل في الكمال يقتضي الاشتراك فيه فإذا كان كل واحد من علو ذاته على العالم ومن علو الجهة على العالم ليس هو صفة كمال لم يكن أحدهما أكمل من الآخر فبطلت هذه الحجة وظهر أن هذه الحجة باطلة على التقديرين ولله الحمد

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:39 AM
# الوجه الخامس عشر أن يقال أنتم تقولون ليس علوه إلا علو القدرة فإذا قدر أنه جعل نفسه متيامنا عن العالم أو متياسرا بل جعل نفسه في غمام بل جعل نفسه تحت العرش ونحو ذلك مما فيه علو شيء فوقه مع كونه مقتدرا على ذلك وعلى كل شيء ومقتدرا على تغيير كل شيء وتحويله وجعل العالي سافلا وجعل السافل عاليا لم يخرج بذلك عما يستحقه من صفة العلو عندكم وخروجه عن العلو بالجهة لا ينافي الكمال عندكم فلا يكون في ذلك نقص بحال حتى يكون مستكملا وغير مستكمل ولو قيل إنه في الجهة أو قيل أنه واجب أن يكون في الجهة أو واجب أن يكون متحيزا فإن الذي يقول هذا قد لا يقول إن ذلك صفة كمال بل هو جائز عليه كما يجوز من أفعاله وكما تجوز رؤيته وذلك ليس بنقص # فأنتم موافقون على أن كونه غير عال بالجهة ليس بصفة نقص فالذي يقول إنه عال إذا قال لكم سواء في حقه علا على العالم أو لم يقل وسواء كان في الجهة أو لم يكن هو في الحالين غير موصوف بصفة نقص بل هو موصوف بالقدرة على هذا كله فإن هذا القائل أثبت له من صفة القدرة التي هي العلو عندكم أعظم مما أثبتوه ولم يثبت له نقصا بحال وإذا كان كذلك لم يجب أن يكون علوه بالجهة لا كمالا ولا نقصا إذا كانت قدرته كاملة على التقديرين وهو العلو عندكم وإذا كان كذلك لم يكن ما هو أعلى منه لو كان موجودا أكمل منه ولم يكن هو مستكملا بذلك الغير لأن ذلك فرع كون ذلك كمالا وهذا قد وافقتموه على أنه ليس بكمال وهو قد وافقكم على ما هو كمال وأثبته أكمل مما أثبتموه فلا يلزم من قال أنه على العرش أن يكون غيره أكمل منه ولا أنه مستكمل بغيره

# الوجه السادس عشر أن يقال هب أن العلو بالجهة كمال فأنتم تقولون إن العلو بالقدرة أكمل منه فإذا وافقكم موافق على هذا وقال علو القدرة أكمل من العلو بالجهة وكل شيء موجود سواء كان حيزا أو جهة أو شيئا غير ذلك فإن الله قادر عليه مدبر له قاهر له فإذا قدر أنه تيامن أو تياسر أو نزل حتى يجعل شيئا أعلى منه بالجهة فهو أعلى من ذلك الشيء بالقدرة والربوبية والتدبير وهو الذي جعله في تلك الجهة بمشيئته واختياره وذلك الشيء مفتقر إلى الله عز وجل والله غني عنه وإذا كان كذلك لم يلزم أن يكون أكمل من الله في العلو ولا أن يكون الرب مستكملا به وأن الرب خرج عن صفة العلو مع لزومها لذلك بل الرب موصوف بالعلو الحقيقي عندكم على ذلك والقهر له والتدبير وذلك موصوف بأنه تحت حكم الله وأمره فإذا شاء الرب أن يرفع جهته مع كونه مدبرا لم يلزم أن يكون هذا نقصا على الأصول التي سلمتموها كما يضربون به المثل فيقولون إن الملك هو أعلا من رعيته وإن كان مكان بعض رعيته فوق مكانه ولهذا يقال لمجلسه المجلس العالي والسامي وإن كان مجلس رعيته أعلا حيزا منه # فإذا كان الأمر كذلك فقولك لو كان علو الباري على العالم بالحيز والجهة لكان علو تلك الجهة أكمل من علو الباري أتريد به أن علوه ليس إلا بالجهة فقط ليس هو قادرا على العالم مدبرا له أم تريد أن علوه بالجهة مع ماله من العلو بالقدرة فإن أردت الأولى فهو أعظم الكفر وأبطل الباطل ولا يقوله مسلم ولا عاقل يقر بالصانع بل المؤمنون متفقون على أن الله قادر على العالم وليس العالم قادر عليه فإذا ضموا إلى ذلك أنه عال بالجهة والحيز وفرض أن من العالم ما علا عليه بعض الأعيان بالجهة فقط بل لو علا عليه دائما بالجهة فقط مع علو الرب عليه بالقدرة لكان علو الرب أكمل من علو ذلك فكيف

إذا كان الرب هو الذي دبره وهو الذي علا وبمشيئته وأمره يكون جميع شئوونه # الوجه السابع عشر قولك أن يكون للباري ناقصا بذاته مستكملا بغيره إنما يصح إذا كان الحيز والجهة غيرا له وذلك إنما يصح لو كان الحيز والجهة أمرا منفصلا عنه فأما إذا كان الحيز هو حده ونهايته فالجهة كونه بحيث يشار إليه لم يكن هناك غيرا له عند الصفاتية الذين يقولون ليست صفاته غيره ومن سمى هذا غيرا كان قوله مستكملا بغيره كقوله مستكملا بعلمه وقدرته وحياته وذلك مثل قوله مستكملا بنفسه وهذا ليس بممتنع بل هو واجب فالكلام في كماله كالكلام في وجوده # قد تقدم الكلام في قول القائل هو واجب بنفسه وما يدخل في ذلك من صفاته وأنه لا يكون موجودا إلا بما تستحقه ذاته من صفاته بل لا يكون موجود قط إلا كذلك ففرض عدم ذلك جحد لجميع الموجودات وتكلمنا على لفظ الغير والحيز والافتقار ونحو ذلك وكذلك القول في قول القائل هو مستكمل بغيره إذا فسر ذلك الغير بما هو من صفاته اللازمة لم يكن ذلك ضارا بل هذا أمر واجب فإن الكمال لا يكون إلا بأمور وجودية لا يكون بالأمور العدمية وهو سبحانه كامل بتلك الأمور الوجودية التي حقيقته وذاته عليها # الوجه الثامن عشر أن ذلك الغير الذي جعلته مستكملا به أهو غير غني عن الله أم غير مفتقر إلى الله إن قلت إنه غني عن الله فليس في الوجود شيء غني عن الله بل جميع الكائنات مفتقرة إليه وإن قلت بل هو المفتقر إلى الله كان معنى قولك أنه يكون مستكملا بما هو مفتقر إليه والأمر المفتقر إليه إما أن يكون من

لوازم ذاته وإما أن يكون كائنا بمشيئته واختياره فيعود الأمر إلى أنه مستكمل بذاته ومشيئته التي هي من لوازم ذاته فيكون ذلك الاستكمال بذاته كما تقدم وحينئذ فلا يصح قولك ناقص لذاته مستكمل بغيره لأن ذاته مستلزمة لذلك الكمال فلا يتصور نقصها # الوجه التاسع عشر أنك زعمت في نهايتك أن امتناع النقص على الله لم يعلم بالعقل وإنما ثبت امتناع النقص عليه إذا أثبته بالاجماع وقد تقدم بعض حكاية ألفاظه في ذلك وقال في مسألة السمع والبصر لما احتج أصحابه بأن ضد ذلك نقص فقال في الأسولة على الحجة ولئن سلمنا أن ضد السمع والبصر نقص فلم قلتم إن النقص على الله محال قال واعلم أن أجود ما قيل في بيان هذه المقدمة الاجماع وعلى هذا تصير الدلالة سمعية لأن الذي يدل على كون الاجماع حجة إما الآيات وإما الأخبار # وإذا كان الأمر كذلك كان المستمسك في الابتداء بالآيات الدالة على كونه سميعا بصيرا أولى من ذكر هذه الطريقة الطويلة والاجماع لم ينعقد على أمور معينة بل كل مسلم ينزه الله عما يعتقده نقصا # وإذا كان هذا فالجهة فيها نزاع عظيم بين الناس وأكثر المسلمين بل أكثر العالمين بل سلف الأمة وأئمتها يقولون بأن الله تعالى فوق العالم وعلى العرش فإن كان هذا نقصا لم يكن قد انعقد الاجماع على نفيه وأنت فقد زعمت أن العقل لا ينفى عنه النقص فلا يكون معك حجة على نفي هذا الذي سميته نقصا لا من عقل ولا من سمع ولا يصح قولك وذلك محال هذا لو كان هذا الذي سميته نقصا مستمرا فكيف إذا كان فيه استكمال بالغير فإنه من المعلوم أن الناقص المستكمل بغيره خير من الناقص الذي ليس مستكملا لا بنفسه ولا بغيره

# وبهذا الوجه وأمثاله يتبين أن هؤلاء الجهمية مع ما هم عليه من التعطيل الذي زخرفوه بشوب التنزيه فإنهم لا ينزهون الله تعالى عما يجب تنزيهه عنه من النقايص والعيوب بل يصفونه بالفقر والحاجة وبغير ذلك من الصفات كما بيناه في غير هذا الموضع ويعترف أئمة كلامهم أن العقل لا يقتضي تنزيه الله عن النقص وإنما يأخذون مقدمات سلمها لهم المسلمون فيحتجون بها على المسلمين في ابطال بعض دينهم وهذا شأن المنافقين الذين يجادلون بكتاب الله تعالى كما في الحديث موقوفا على عمر ومرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكما في حديث عبد الملك بن عمير عن ابن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إني أخاف عليكم ثلاثا وهي كائنة زلة العالم وجدال منافق بالقرآن ودنيا تفتح عليكم ورواه ابن أبي حاتم والنجاد وغيرهما من حديث يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد ما أتخوف على أمتي ثلاث زلة عالم وجدال منافق بالقرآن ودنيا تقطع أعناقكم فاتهموها على أنفسكم وهذا مشهور من حديث كثير بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إني أخاف على أمتي من بعدي من أعمال ثلاثة قيل وما هي يا رسول الله قال زلة العالم وحكم جائر وهوى متبع وروي من حابر وحديث الأئمة المضلين نحفوظ وأصله في الصحيح فروى ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قال أخوف ما أخالف على أمتي بعدي الأئمة المضلون ويروى من حديث أبي الدرداء وشداد بن أوس # وأما اللفظ الذي ذكرناه فهو محفوظ عن عمر بن الخطاب من حديث ابن المبارك ووكيع وغيرهما عن مالك بن مغول سمعت أبا حصين يذكر عن زياد

ابن حدير قال قال عمر بن الخطاب يهدم الاسلام زلة عالم وجدال منافق بالقرآن وأئمة مضلون وفي مسند الإمام أحمد ثنا يزيد بن هارون ثنا ديلم بن غزوان العبدي ثنا ميمون الكردي عن أبي عثمان النهدي قال إني جالس تحت منبر عمر بن الخطاب وهو يخطب الناس فقال في خطبته سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة كل منافق عليم اللسان وفي رواية أخرى يتكلم بالحكمة ويعمل بالفجور ورواه من حديث مالك بن دينار عن ميمون ولفظه حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل منافق عليم ورووا عن عمر بن الخطاب أنه قال أخوف ما أخاف على هذه الأمة الذين يتأولون القرآن على غير تأويله # ومن المشهور عن عمر أنه قال إذا جادلكم أهل البدع بشبهات القرآن فخذوهم بالسنة فإن أهل السنة أعلم بكتاب الله تعالى منهم فإن المنافق لا يعتقد وجوب اتباع الكتاب والسنة واتباع الاجماع إذ ليس في باطن الأمر متدينا باتباع النص والاجماع بل يأخذ من النص ولاجماع ما يحتج به على المؤمنين في تنفيق نفاقه وترويج غشه وتلبيسه # وإذا كان كذلك فما يرفع الله به الدرجات كما رفع درجات ابراهيم ويوسف عليهم السلام أن يحتج عليهم بالحجج الدافعة لهم وأن يكادوا كيدا حسنا لدفع كيدهم وعدوانهم على الايمان وأهله فلا يمكنون من القدح في الايمان بما يسلمه لهم المؤمنون بل إذا عارضوا ما يقوله المؤمنون من الحق بحجج فسلم لهم المؤمنون بعض مقدماتها بين لهم أن تلك الحجج عليهم لا لهم أو أنها على فساد قولهم وفعلهم أدل منها على ما عارضوه من الحق # بل لو كان المتنازعان مبطلين كأهل الكتاب والمشركين إذا تجادلوا أو تقاتلوا كان المشروع نصر أهل الكتاب على المشركين بالقدر الذي يوافقهم

عليه المؤمنون إذا لم يكن في ذلك مفسدة تقاوم هذا المصلحة فإن ذلك من الحق الذي يفرح به المؤمنون كما قال تعالى ^ الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء ^ فإنها نزلت كما استفاض في التفسير والمغازي والحديث في اقتتال الروم النصارى والفرس المجوس وكانت المجوس قد غلبت النصارى على أرض الشام وغيرها فغلبت الروم وفرح بذلك مشركو قريش لأن المجوس إليهم أقرب من النصارى لأن كلاهما لا كتاب له واغتم لذلك المؤمنون لأن النصارى إليهم أقرب لأنهم أهل كتاب فذكر ذلك أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن الروم سوف تغلب فارس بعد ذلك في بضع سنين وناظرهم أبو بكر على هذا قبل تحريم ذلك وظهرت الروم على فارس بعد ذلك # فهؤلاء الجهمية قد سلم لهم المؤمنون أن الله غني عن كل ما سواه فإنه سبحانه مقدس عن كل نقص وأنه أحد لا مثل له والجهمية في الحقيقة لا يعتقدون فيه هذا المعنى ولا هذا التنزيه ولا هذه الوحدانية بل يثبتون له أمثالا ويصفونه بالحاجة وما يستلزم الحاجة ولا ينزهونه عن النقائص والعيوب وقد يصرحون بذلك تارة وتارة بأنه ليس على ذلك دليل عقلي فالاتحادية منهم كصاحب الفصوص وغيره يصرحون بأنه موصوف بكل ما يوصف به كل موجود من عيب ونقص وغير ذلك وهؤلاء المتكلمة منهم كالرازي يصرحون بأن العقل لا ينفي عنه النقائص وبذلك يظهر أن تسميته لما عطله من الصفات تقديسا كتسمية الملاحدة تعطيلهم تقديسا وقد علموا أن المسلمين يقولون إنه منزه عن النقص فأخذوا هذا اللفظ يجحدون به ما يستحق من صفات الحمد زاعمين أن ذلك نقص كما زعم أن علوه على العرش نقص

أو يستلزم النقص كما زعم أنه يستلزم الحاجة وأنه مستلزم لعدم الوحدانية # فتبين لهم صورة الحال وهو أن هذه الأمور التي يوافق المسلمون على نفيها وإن كنتم لا تقيمون على نفيها حجة عقلية هي على فساد قولكم أدل منها على فساد قول من نازعكم من أهل الاثبات وإن كان مخطئا في بعض ما يقوله إذا كان خطاه أقل من خطاكم وهو مع ضلاله عن بعض الهدى أقرب إليه منكم # وإذا كان الأمر كذلك فهؤلاء الذين يزعمون أنهم ينفون عن الله النقص بكونه على العرش قد بينا أنهم يصفونه بالنقص إما تصريحا وإما لزوما ويصرحون بأن العقل لا ينفي النقص عن الله كانوا لم ينفوا ذلك إلا بالإجماع فلم يجمع المسلمون على قولهم فلا يكون لهم حجة على نفي كونه على العرش لو كان فيه ما زعموه من النقص والاستكمال بالغير فكيف والنقص إنما هو لازم على قولهم كما قد بين ذلك غير مرة # وقيل لك ثانيا هب أن هذا متناقض لكن إذا كانوا قد جمعوا في قولهم من إثبات كونه على العرش وبين نفي كونه جسما فلما أن يكون إثبات هذا أو نفي هذا متناقضا أو لا يكون فإن لم يكن متناقضا صح قولهم وبطل قولك في نفي الجهة فإذا كان هذا متناقضا لم يكن الزامهم لوازم أحد النقيضين بأولى من الزامهم النقيض الآخر فإن حقيقة هذا عند من يقول إنهم تناقضوا أنهم قد قالوا هو فوق العرش ليس فوق العرش وهو جسم وهو ليس بجسم ومثل هذا إما أن يجعل لهم قولين فيكون لهم قول بأنه فوق العرش ولوازمه وهو أنه جسم وقول بأنه ليس بجسم ولوازمه وهو أنه ليس فوق العرش

أو يذكر قولهم المتناقض على جهته ولا يلزمون لوازم النفي دون لوازم الاثبات ولا لوازم الاثبات دون لوازم النفي بل يثبت اللازم كما أثبت الملزوم وإن قيل إن فيها تناقضا وإذا كان كذلك لم يجز أن يلزموا بأن يكون متحيزا أو غير متحيز فإن ذلك لا يلزمهم ما داموا جامعين بين النفي والاثبات وهذا بين # ولهذا لا يزال هؤلاء وأمثالهم يميلون إلى النفاة من وجه وإلى المثبتة من وجه # وقيل لك ثالثا هب أن هؤلاء متناقضين في إثبات موجود ليس بجسم فوق العالم فقولك بإثبات موجود لا داخل العالم ولا خارجه أعظم تناقضا فإن قولك موجود يقضي ثبوت أحد الأمرين فإذا نفيتهما فقد نفيت لازم الوجود المعلوم بالفطرة الضرورية لاسيما وقد علم بالضرورة الفطرية أن الله فوق العالم وأن ما يكون لا داخل ولا خارجه فإنه لا يكون إلا معدوما # وقالوا لك رابعا لا نسلم أن هذا تناقض بل قد علمناه بالضرورة الفطرية والضرورة الدينية والأدلة السميعة والعقلية أنه فوق العرش وعلمنا بما وافقتنا عليه من الأدلة العقلية وما تذكر في موافقتنا عليه من الأدلة الشرعية أنه ليس بجسم وموجب الأدلة الصحيحة لا تتناقض وإذا لم تتناقض فإذا قدرنا فوق العالم ما ليس بجسم لم يمكن أن يكون في حيز كما يكون الاجسام وحينئذ ما تذكره من اللوازم في هذه الحجة وفي نظائرها من الحجج مثل لزوم كونه منقسما أو جوهرا فردا وكونه في حيز أو أكثر من حيز ممنوعة

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:40 AM
فصل
# وقد ذكر في نهايته على نفي الجهة حجة أخرى فنذكرها وإن كان موادها داخلة فيما ذكرناه ليكمل ما ذكره في ذلك فقال المسألة الثانية في أنه ليس في الجهة قال وقبل الخوض في الاستدلال لابد من البحث عما لا يكون جسما هل يعقل حصوله في الجهة أم لا فإن لم يعقل حصوله كانت الدلالة على نفي الجسمية كافية في نفي الجهة قال وزعم من أثبت الجهة نفى الجسمية أنا نعلم بالضرورة اختصاص الأكوان بالجهة المخصوصة مثل الكون القائم بأعلى الجدار والكون القائم بأسفله ولا يضرنا في ذلك ما يقال الأكوان إنما تحصل في الجهات على طريق التبعية لمحلها لأنا نقول الحصول في الجهة أعم من الحصول في الجهة بالاستقلال أو التبعية وتسليم الخاص يتضمن تسليم العام فإذا سلمتم اختصاص الأكوان والجهات على سبيل التبعية فقد سلمتم اختصاص الأكوان بالجهات ومتى ثبت ذلك ثبت أنه لا يلزم من نفي كون الشيء جسما نفي اختصاصه بالجهة والحيز وإذا ثبت ذلك وجب علينا بعد الفراغ من نفي الجسمية عن الله إقامة الدليل على نفي حصوله في الجهة والحيز # يقال هذا الذي ذكره يمكن الجواب عنه بأن يقال لا يحصل في الجهة إلا الحيز أو ما قام به أو يقال لا يحصل في الجهة على سبيل الاستقلال إلا الجسم لا يحصل في الجهة على سبيل الاستقلال أو التبعية إلا الجسم أو ما قام به وأي هذه العبارات قيل لم يكن ما ذكره دليلا على إمكان أن يكون في الجهة قائم بنفسه غير الجسم # ونحن نذكر حجته قال فنقول الباري تعالى لو كان حصوله في جهة لكان إما أن يكون في أكثر من حيز واحد أو لا يكون إلا في حيز واحد

والأول باطل لأن الحاصل في أحد الحيزين إما أن يكون هو الحاصل في الحيز الثاني أو غيره والأول باطل وإلا لكان الشيء الواحد حاصلا دفعة واحدة في حيزين وهو محال ولو عقل ذلك فليعقل مثله في الجسم حتى يحصل الجسم الواحد دفعة واحدة في حيزين وأنه محال والثاني أيضا محال أما أولا فلأنه يلزم منه انقسام ذاته وهو محال على ما مر وأما ثانيا فلأن اختصاص كل جزء منه بحيزه إما أن يكون واجبا أو جائزا والقسمان باطلان على ما سيأتي # وأما إن قيل بأنه في حيز واحد فهو باطل لوجهين الأول بأنه يكون أقل القليل ويتعالى الله عنه والثاني فلأن حصوله في ذلك الحيز إما أن يكون واجبا أو غير واجب والأول باطل إذ لو صح حصوله في ذلك الحيز وامتنع حصوله في سائر الأحياز لكانت حقيقة ذلك الحيز مخالفة لحقيقة سائر الأحياز ولو كان كذلك لكانت الأحياز أمورا وجودية لأن العدم الصرف يستحيل أن يخالف بعضه بعضا ولو كانت الأحياز أمورا وجودية لكان إما يمكن الإشارة الحسية إليها أو لا يمكن فإن أمكن فذلك الشيء إما أن يكون منقسما فيكون الباري الحال فيه منقسما أولا يكون منقسما فيكون ذلك الشيء مختصا بجهة دون جهة فيكون للحيز حيز آخر ويلزم التسلسل وإن لم يمكن الإشارة الحسية إلى الحيز الذي حصل الباري تعالى فيه وجب استحالة الاشارة الحسية الى الباري تعالى لأنا نعلم بالضرورة أن مالا يمكن الإشارة الحسية إلى جهته استحالت الاشارة الحسية إليه فإذا لا يكون الباري في الجهة وهو المطلوب وأما إن لم يكن حصول الباري واجبا فاختصاصه بها لابد وأن يكون لفاعل مختار سواء إن كان بواسطة معنى أولا بواسطة معنى وكل ما كان فعلا لفاعل مختار فهو محدث فاختصاص الباري بالحيز محدث فهو إذا في الأزل ما كان حاصلا في الحيز والشيء الذي لا يكون كذلك استحال أن

يصير محتاجا إلى الحيز فثبت أن الباري يمتنع أن يكون في الأحياز والجهات # قال ويمكن أن يعتمد في هذه المسألة أيضا على أنه لو كان في الجهة لكان منقسما لأن الجانب الذي منه يلينا غير الجانب الذي لا يلينا وذلك يوجب انقسام ذاته لكنا بينا أن الانقسام عليه تعالى محال فحصوله في الجهة والحيز أيضا محال قال وهذا الكلام إنما يدفع القول بنفي الجزء الذي لا يتجزأ ولم يذكر في نهايته على نفي الجهة إلا هذا الكلام وقد تقدم ما ذكره على نفي الجسم # وهذه الحجة هي مثل الحجة الرابعة التي ذكرها في تاسيسه لكن فيها حشو وزيادة مستغنى عنها لا حاجة إليها وهؤلاء القوم من أعظم الناس إتيانا بحشو القول الكثير الذي نقل فائدته أو تعلم مضرته كما يروى فيهم عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه ذكر قال أنا ضمين وذمتي رهينة لا يهيج على التقوى زرع قوم ولا يظمأ على الهدى سبخ أصل وإن أبغض الناس إلى الله تعالى رجل قمش علما حتى إذا ارتوى من ماء آجن وامتلأ من غير طائل سماه أشباهه من الناس عالما فإن نزلت به احدى الشبهات هيأ له حشو الرأي من قيله فلا هو سكت عما لا يعلم فيسلم ولا تكلم بما يعلم فيغنم تصرخ منه الدماء وتبكي منه الفروج الحرام وهو من أحق الناس بهذا هؤلاء المتكلمون في أصول الدين بغير كتاب الله وسنة رسوله ويوقعون بين الأمة العداوة والبغضاء بما لا أصل له حتى قد يكفروا من خالفهم ويبيحوا قتلهم وقتالهم كما يفعل أهل الأهواء من الخوارج والرافضة والجهمية والمعتزلة كما فعله هذا المؤسس في كتابه هذا وأمثاله حيث كفر الذين خالفوه وهم أحق بالإيمان بالله ورسوله منه بدرجات لا تحصى ولا حول ولا قوة إلا بالله

# ولهذا كان التكفير لمن يخالفهم من أهل السنة والجماعة من شعار المارقين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما استفاض عنه من الأحاديث الصحيحة في صفة الخوارج يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية وفي رواية يقتلون أهل الإيمان ويدعون أهل الأوثان # وهؤلاء الذي يدعون الإيمان لأنفسهم دون أهل السنة والجماعة من المسلمين كالخوارج والروافض والجهمية والمعتزلة لهم نصيب من قوله تعالى ^ وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولاخوف عليهم ولا هم يحزنون ^ وبعضهم مع بعض كما قال الله تعالى ^ وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ^ فهم كما قال الامام أحمد مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون على مفارقة الكتاب قد جمعوا وصفي الاختلاف الذي ذمه الله في كتابه فإنه ذم الذين خالفوا الأنبياء والذي اختلفوا على الأنبياء فآمن كل منهم ببعض وكفر ببعض قال في الأولين ^ ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد ^ وقال في الثاني ^ ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد ^ وقال تعالى ^ ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ^ وقال ^ إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ^ وقال ^ ولا يزالون مختلفين

إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ^ # وهؤلاء الجهمية معروفون بمفارقة السنة والجماعة وتكفير من خالفهم واستحلال دمه كما نعت النبي صلى الله عليه وسلم الخوارج لكن قولهم في الله أقبح من قول الخوارج وإن كان للخوارج من المباينة للجماعة والمقاتلة لهم ما ليس لهم مع أن أهل المقالات ذكروا أن قول الخوارج في الصفات هو قول الجهمية والمعتزلة هذا ذكره الأشعري وغيره من المعتزلة وهذا والله أعلم يكون قول من تأخر من الخوارج إلى أن حدث التجهم في أول المأة الثانية وأما الخوارج الذين كانوا في زمن الصحابة وكبار التابعين فأولئك لم يكن قد ظهر في زمنهم التجهم أصلا ولا عرف في الأمة إذ ذاك من كان ينكر الصفات أو ينكر أن يكون على العرش أو يقول أن القرآن مخلوق أو ينكر رؤية الله تعالى ونحو ذلك مما ابتدعته الجهمية من هذه الأمة # وقد تكلمنا على هذه الحجة في غير هذا الموضع بما فيه كفاية ونذكر ما يليق بهذا الموضع وذلك من وجوه # أحدها أن قوله لو كان حصوله في جهة لكان إما أن يكون في أكثر من حيز واحد أو لا يكون إلا في حيز واحد يقال له أما الذين يقولون إنه فوق العرش وليس بجسم وهم أئمة أصحابك والكلابية وطوايف كثيرة من الفقهاء وأهل الحديث والصوفية وقد ذكر الأشعري أنه قول أهل السنة وأصحاب الحديث فيمنعون التلازم ويقولون لا نسلم أنه إذا كان في جهة بمعنى أنه نفسه فوق العرش لكان إما أن يكون في حيز واحد أو في أكثر من حيز فإن هذا التلازم إنما فيما إذا كان فوق العالم جسما أما إذا وافقتمونا على أنه ليس بجسم فإن التقدير يكون إذا كان فوق العالم ما ليس بجسم أو إذا كان في الجهة ما ليس بجسم فإنه إما أن يكون في حيز واحد أو أكثر ومعلوم أن ما ليس بجسم لا يكون في الحيز الاصطلاحي لافي واحد ولافي أكثر وهذا ظاهر واضح

# فإن قلت هذا متناقض فإنه إذا كان فوق العالم أو في الجهة وجب أن يكون جسما قيل لك أولا قد صدرت هذا الكلام في هذه المسألة بأنه لايلزم من نفي كون الشيء جسما نفي اختصاصه بالحيز وإذا سلمت لهم لم يكن لك أن تنازعهم فيه فإن هذا رأس المسألة فيكون التقدير باتفاق منك ومنهم أن ما ليس بجسم إذا كان في الجهة بمعنى أنه يكون فوق العالم هل يكون في حيزين يعني الحيز الاصطلاحي وهم يقولون أنه لا يكون في الحيز الاصطلاحي مع كونه فوق العالم ومع كونه في الجهة وهي جهة العلو # الوجه الثاني أن يقال قولك في حيز واحد أوفي أكثر من حيز يقتضي تعدد الأحياز وذلك ممنوع فإن الأحياز إما أن تكون وجودية أو عدمية وهي ليست وجودية كما قررته في هذه الحجة وفي غيرها وإذا كانت عدمية فالعدم المحض لا يتعدد ولا يقال فيه إما أن يكون واحدا أو اثنان فامتنع أن يقال إما أن يكون في حيز واحد أو في حيزين # ويتقوى هذا بالوجه الثالث وهو أن الحيز إما أن يكون وجوديا أو عدميا فإن كان وجوديا جاز اختصاصه بأمر وجودي على سبيل الوجوب كاختصاصه بصفاته الواجبة له الوجودية وحينئذ فيبطل ما ذكره في الحجة من امتناع كونه في الحيز واجبا أو جائزا وإن كان الحيز عدميا لم يصح أن يقال إما أن يكون في حيز واحد أو في حيزين وهذا يقتضي بطلان أحد طريقيه الذي ذكرهما في هذه الحجة أحدهما إما أن يكون في حيز أو حيزين والثاني امتناع كونه واجبا أو جائزا # يوضح هذا الوجه الرابع وهو أن أحياز المتحيز الوجودية اللازمة له هي حدوده ونهايته والعدمية هي ما يقال إنه تقدير المكان فإن أراد بالحيز الأمر

الوجودي منعت الحجة التي منع فيها أن يكون له حيز واجب وأن أراد به الأمر العدمي منع انقسامه إلى واحد وكثير # فإن قيل الحيز العدمي الذي هو تقدير المكان يتجدد ويتعدد باتحاد الحال وتعدده فإذا كان الحال فيه جوهرا واحدا كان واحدا وإن كان جواهر متعددة كان متعددا # قيل الجواب عن هذا هو الوجه الخامس وهو أن هذه المسألة قد صدرها بالكلام في الحيز مع من يقول أنه ليس بجسم ومع هذا فإنه يكون مختصا بالجهة وقد قال هو لما ذكر الحجة إذا ثبت ذلك ثبت أنه لا يلزم من نفي كون الشيء جسما نفي اختصاصه بالجهة والحيز # وإذا كان كذلك فيقال إما أن يكون الحال فيه جسما أو جوهرا فردا أو لا يستلزم ذلك فإن كان الحيز مستلزما لذلك لم يكن المختص بالحيز إلا جسما أو جوهريا فردا وحينئذ فيلزم من نفي كونه جسما وكونه جوهرا فردا أن لا يكون متحيزا كما قد يفعله المؤسس وغيره أحيانا وهو خلاف الفرض فإن الفرض نفي الحيز والجهة بدون البناء على نفي الجسمية خلافا لمن يقول ليس بجسم ولكنه في الحيز والجهة فإذا كان هذا الدليل لا يتم إلا بنفي الجسمية بطل هذا الدليل من أصله ومتى كان الحيز مستلزما للجسم أو للجوهر الفرد لزم من نفي اللازم وهو الجسم والجوهر الفرد نفي الملزوم وهو الحيز وإن كان الحيز ليس مستلزما للجسم والجوهر الفرد لم يلزم أن يكون الحال فيه جسما ولا جوهرا فردا وحينئذ فلا يلزم أن يقال ينقسم بانقسام الحال فيه إن كان جوهرا فردا كان

الحيز واحدا وإن كان جسما كان أكثر من واحد فإن الحال فيه على هذا التقدير لا يكون جسما ولا جوهرا فردا وإن كان كذلك ظهر أن تقسيمه الحيز إلى واحد وإلى أكثر من واحد غير لازم على هذا التقدير ولا يصح الدليل على التقدير الأول وذلك يظهر بطلانه على التقديرين # الوجه السادس أن يقال هب أنه لم يسلم أن الحيز مستلزم لكون الحال فيه جسما ولم يسلم أن نفي الجسم لا يستلزم نفي الحيز لكن يقال انقسام الحيز إلى واحد أو أكثر من واحد إما أن لا يعلم إلا بأن يعلم أن محله جسم أو جوهر أو يعلم قبل العلم بحال محله فإن لم يعلم اتحاده وتعدده إلا بالحال فيه لم يلزم إذا قيل إن الله في حيز أن يكون الحيز منقسما إلى واحد وعدد حتى يثبت أنه يجب أن يكون الله جسما أو جوهرا فردا فيكون العلم بانقسام الحيز إلى واحد وعدد متوقفا على العلم بأن الباري تعالى يجب أن يكون على هذا التقدير جسما أو جوهرا فردا وهو لم يبين ذلك وإذا تبين ذلك كان نفي الجسم كافيا له في نفي كونه متحيزا فلم يحتج حينئذ إلى تقسيم الحيز إلى واحد أو أكثر من ذلك فظهر أن هذا الذي ذكره لم يذكر عليه حجة ولو ذكر عليه حجة لم يحتج إلى ذكره وعلى التقديرين فلا يصلح ذكره لامع الحجة ولا بدون الحجة على هذا التقدير وإن كان العلم بانقسامه إلى واحد أو عدد يعلم بدون أن يعلم أن محله جوهر أو جسم فليذكر ذلك أو لم يذكره فيتوجه المنع ثم إنه لا يصلح أن تحتج على ذلك إلا بكون الحيز ينقسم بانقسام الحال فيه والحال فيه لا يكون إلا جوهرا أو جسما لأن التقدير أن انقسامه لا يتوقف العلم به على هذه الحجة

# الوجه السابع أن يقال وصف الشيء بأنه واحد وبأنه أكثر من واحد إما أن يستلزم كونه موجودا أو لا يستلزم كونه موجودا فإن استلزم كونه موجودا لزم من هذا التقسيم أن يكون وجوديا وأنت قد ذكرت في تمام الحجة أنه ليس بوجودي وإن كان الوصف بأنه وجودي وإن كان الوصف بأنه واحد وبأكثر من واحد لايستلزم أنه موجود بطل ما ذكره فيما تقدم حكايته عنه من أن الجسم منقسم ليس بواحد فإنه بنى ذلك على أن الوحدة صفة قائمة بالجسم قال والعرض لا يحدث في المحل ولا يحصل فيه إلا إذا كان المحل متعينا متميزا عن غيره فإنه إذا ثبت أن كون الموصوف واحدا أو أكثر لا يستلزم أن يكون موجودا لم يلزم أن تكون الوحدة والكثرة صفة وجودية فإن المعدوم لا يوصف بالصفة الوجودية فإذا لم يجب أن تكون الوحدة وجودية لم يجب أن يقوم بالجسم ولا أن يكون عرضا فلا يمتنع أن يكون الجسم واحدا وإذا كان الجسم واحدا مع عظمته ولم يكن فيه كثرة وجودية لم يصح أن يستدل بحلوله في الحيز على انقسام الحيز وتعدده وحينئذ فإذا لم يلزم من حلول الجسم في الحيز أن يكون الحيز متعددا منقسما في نفسه لم يلزم من حلول الرب في الحيز أن يكون منقسما وجاز حلوله في الحيز الذي لا يقال إنه أكثر من واحد ولا يكون أقل القليل ولايكون جوهرا فردا # وبالجملة فإذا لم يكن الجسم مشتملا على كثرة مع كونه في الحيز فالباري أولى أن يكون كذلك وحيزه أولى بذلك وهو يبطل ما ذكره # الوجه الثامن أن يقال الحيز في نفسه ليس إلا واحدا وليس هو في نفسه منقسما ولا متكثرا وإذا كان كذلك لم يصح أن يكون الحال فيه إما أن يحل في حيز واحد أو في أحياز متعدده فإن هذا مقتضى أن الحيز فيه كثرة وهذا

ممنوع وتوجيه ذلك أن الناس قد تنازعوا في الجسم هل واحد في نفسه أو هو متكثر فيه انقسامات حاصلة على قول كما تقدم حكايته وتقدم أن المؤسس لم يذكر على انقسامه وعدم وحدته حجة وإذا كان الأمر كذلك مع أن الجسم يقبل الانقسام بلا نزاع فالحيز الذي لا يعقل فيه وجود الانقسام أولى أن لا يكون فيه كثرة ولا انقسام وهذا ظاهر # بل يقال في الوجه التاسع إن انقسام الحيز في نفسه قبل حلول شيء فيه ممتنع قطعا سواء قيل إن الجسم واحد أو منقسم في نفسه وذلك لأن الحيز هنا ليس المراد به شيئا موجودا كما قد قرره وإنما هو تقدير المكان وهذا هو مسمى الحيز في اصطلاح كثير من المتكلمين وإذا كان كذلك فمن الممتنع أن يتميز بعضه عن بعض قبل حلول ما يتقدر به وهذا معلوم بالحس والضرورة العقلية ولا يقول قائل إن ذلك يتميز بالإشارة فإن الإشارة إلى العدم محال وإنما يشار إلى موجود وإذا كان الحيز لا يتعدد ولا ينقسم قبل حلول الحال فيه كان تعدده تابعا لتعدد الحال فيه فإن لم يثبت كون الحال فيه جسما منقسما لم يكن منقسما وإذا كان المنازع له يقول إن الحال فيه ليس هو جسما أو هو جسم وليس بمنقسم في نفسه بطل انقسام الحيز ومن المعلوم أن القائلين بأنه متحيز يقولون هذا تارة وهذا تارة كما تقدم ذكر ذلك عنهم # ومن قال إنه منقسم بمعنى يتميز بعضه عن بعض فجوابهم ما يقال في الوجه العاشر أن يقال الحيز الواحد هو ما يحل فيه الجوهر الفرد كما فسرته فيما بعد فإن الحال فيه يكون أقل القليل ويتعالى الله عن ذلك وإذا كان كذلك كان ثبوته مبنيا على ثبوت الجوهر الفرد وأنت قد اعترفت أنك وأذكياء الطوائف متوقفون فيه لتعارض الأدلة فيه وإذا لم يعلم ثبوت الجوهر الفرد لم يعلم ثبوت حيز واحد بهذا الصغر واذا لم يعلم ذلك بطل العلم بأن الحيز

إما واحدا بهذا التفسير وإما أكثر من واحدا بهذا التفسير وإما أكثر من واحد # الوجه الحادي عشر أن يقال لك ما مرادك بالحيز الواحد وبأي شيء يتميز الحيز الواحد عما هو أكثر منه فإن أردت به ما يحله الجوهر الفرد لم يثبت توحد الحيز حتى يثبت الجوهر الفرد ويثبت حلوله فيه ومن المعلوم أن الحيز لو كان ثابتا في نفس الأمر فليس هو مما يحس حتى يعلم حلوله في الحيز أو عدم حلوله بل أكثر ما يقال إنه داخل الجسم في حيز علمنا أن الجواهر التي خلقت فيه أيضا لكن هذا لا يفيد تميز الحيز الواحد عن غيره ولا العلم به وإذا كان الحيز الواحد الذي أردته لا يتميز ولا يعلم به كان العلم بحلول الشيء فيه أو عدم حلوله باطلا لأن العلم بحلول الشيء في محله فرع تصور المحل فإذا كان المحل لا يعلم توحده ولا يتميز كان الحكم بثبوت الحلول فيه أو عدمه حكما باطلا فيكون الدليل باطلا # الوجه الثاني عشر أن يقول لك المنازع إما أن تريد بالحيز الواحد ما يحل فيه الجوهر الفرد أو ماهو أكبر منه فإن أردت الأول فحلول الرب فيه محال كما ذكرته وكان المنازع يقول لك يحل في أكثر من واحد بهذا التفسير # وأما قولك الحاصل في أحد الحيزين إما أن يكون هو الحاصل في الآخر أو غيره يقال لك لا هو هو ولا هو غيره أو لا يقال هو هو ولا هو غيره كما تقدم تقرير ذلك على أصل كثير من متكلمي الصفاتية أو أكثرهم غير مرة بأن الغيرين ماجاز وجود أحدهما دون الآخر أو ماجاز مفارقته له في مكان أو زمان أو وجود وحينئذ فلا يرد ما ذكرته على كونه هو هو وكونه غيره وإن أردت بالواحد

ما هو أكبر من محل الجوهر الفرد لم يكن الحال مستلزما لأن يكون أقل القليل وقد بطل حجة الصغير وسيأتي الكلام على الوجوب والجواز # الوجه الثالث عشر أن يقال هذه الحجة مشتملة على حجتين إحداهما حجة الانقسام أو الصغر وهي تعم الأقسام والثانية ما يخص قسما قسما مع ذلك ونحن نتكلم على الحجتين جميعا فإحداهما حجة الانقسام والتركيب والأخرى هي من جنس حجة تماثل الأجسام وهاتان الحجتان هما جماع ما يذكره النفاة في هذا الباب فإنه يعود إلى ما يذكره من التركيب وإلى ما يذكره من التمثيل وقد تقدم فيما يمتنع من ذلك وبينا أن سورة الإخلاص ^ قل هو الله أحد الله الصمد ^ تنزهه عن الممتنع من هذين فاسمه الأحد منع التشبيه الممتنع عليه واسمه الصمد منع الانقسام والتركيب الممتنع عليه ولكن هؤلاء النفاة غلوا في ذلك وتعدوا حدود الله فيه فزادوا على الحق من الباطل شيئا كثيرا كما أن من المثبتة من غلا في الاثبات وتعدى حدودا الله حتى زاد على إثبات الحق زيادات باطلة والله يهدينا الصراط المستقيم وليس هذا موضع الشرح والبسط لما تضمنته هذه السورة العظيمة من أصول التوحيد والايمان فإنها كثيرة عظيمة إذ الأحدية والصمدية ينتظمان أصول التوحيد والإيمان والدين في أسماء الله وصفاته في دينه إذ دينه الحق يتبع ما هو عليه سبحانه في نفسه # ولما كان الدين عند الله هو الاسلام والاسلام هو الاستسلام لله وحده وله ضدان الاشراك والاستكبار فالمستكبر استكبر عن الاسلام له والمشرك استسلم لغيره وإن كان قد استسلم له فمعنى الأحد يوجب الاخلاص لله المنافي للشرك ومعنى الصمد يوجب الاستسلام لله وحده المنافي للاستكبار فإن الصمد يتضمن صمود كل شيء إليه وفقره إليه

# وأيضا فدين الله واحد لا تفرق فيه والصمد يناسب اجتماعه فالله سبحانه وتعالى هو الاله الواحد ودينه واحد وعباده المؤمنون مجتمعون يعتصمون بحبله غير مفترقين واسمه الأحد يقتضي التوحيد والصمد يقتضي الاجتماع وعدم التفرق فإن الصمد فيه معنى الاجتماع وعدم التفريق والتوحيد أبدا قرين الاجتماع لأن الاجتماع فيه الوحدة والتفرق لابد فيه من التثنية والتعدد كما أن الاشراك مقرون بالتفرق قال تعالى ^ فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون ^ ولهذا كان شعار الطائفة الناجية هو السنة والجماعة دون البدعة والفرقة فإن أصل توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له وأصل البدع الاشراك بالله شركا أصغر أو أكبر # وهؤلاء الملبسون يقولون لا ينقسم أو لا يتجزأ أو لا يتبعض ونحو ذلك ولو لم يريدوا إلا ما هو حق لكانوا محسنين لكن حقيقة قولهم أنه ليس هناك شيء يتصور أن يكون مجتمعا فضلا أن يكون متفرقا ولا شيء موجود يتميز عن غيره فضلا عن أن يكون منقسما فأخذوا لفظ التفرق والانقسام فوضعوه على غير المعاني المعروفة ونفوا به ما يستلزم نفي الحقيقة بالكلية كما فعل غيرهم في نفي العلم والقدرة ونحوهما أو نفي الأسماء كالحي والعليم والقدير ونحو ذلك فنفي الصفات يستلزم نفي الأسماء كما قد ذكرناه في غير هذا الموضع # والمقصود هنا الكلام على هاتين الحجتين الانقسام والجواز بحسب ما ذكره في نهايته وإن كان قد تقدم الكلام عليها فنقول

قوله إذا كان في أكثر من حيز لزم انقسامه لا نسلم أنه يستلزم انقسامه ولا نسلم أيضا أن الحيز الكبير ينقسم حتى يكون مافيه منقسما ولو كان هو منقسما لم نسلم أن كل ما في المنقسم يجب أن يكون منقسما # الوجه الرابع عشر أنه قد تقدم غير مرة أن هذا الانقسام أكثر ما يراد به امتياز بعضه عن بعض وبينا أن هذا مثل امتياز الصفات وبينا أن هذا مما يجب أن يقر به كل أحد في كل موجود وأن نفي هذا يستلزم جحد الموجودات جميعها الواجب والممكن وبينا أن ما يذكر في ذلك من الافتقار والغير والحيز فهو ألفاظ مجملة مشتركة مشتبهة يراد بها حق وباطل فيجب أن ينفى ما فيها من الباطل دون الحق الذي يريده بعض الناس بهذه الألفاظ وقد تقدم بسط ذلك بما يغني عن إعادته وهو أحال على ما تقدم فأحلنا أيضا عليه # الوجه الخامس عشر أن المنازع يقول به هب أن في حيز واحد فلم قلت أن ذلك محال قولك إنه يكون أقل القليل ويتعالى الله عنه يقال لا نسلم أنما هو حيز واحد لا يتسع إلا مقدار الجوهر الفرد بل يكون واحدا وهو عظيم وهذا في الحيز أولى منه في الجسم فإذا كان قال طوائف إن الجسم يكون عظيما ويكون واحدا فالحيز أولى وأيضا فمن قال إنه فوق العرش وهو عظيم وليس بجسم أو هو جسم وليس بمركب فإنه يقول بثبوت حيز واحد عظيم # الوجه السادس عشر أن المنازع يقول الجوهر الفرد لا يخلو إما أن يكون ثابتا أو لا يكون فإن كان ثابتا لم تكن قد ذكرت دليلا عقليا على نفي

كونه بقدره كما اعترفت بذلك فيما تقدم في نهايتك في المسلك الثاني على نفي الجسم أن المنازع إذا أصر على المطالبة بالدليل على أنه حال كونه بقدر الجوهر فطريق دفعه أن يتمسك بالوجوه التي استدل بها على نفي الجزء الذي يتجزأ حتى تنقطع المطالبة وإذا لم يكن لك طريق إلا هذا فهذا الطريق باطلة إذا قدر ثبوت الجوهر الفرد فإنه بتقدير ثبوته تكون الوجود التي احتج بها على نفيه باطلة وإذا لم يكن الجوهر الفرد ثابتا لم يجز أن يقال إن الحال في الجزء الواحد هو أقل القليل بل لم يكن الحيز الواحد إذا فسر بذلك وجود أصلا وإذا كان كذلك فعلى التقديرين لا تكون قد ذكرت حجة على أنه لا يكون في الحيز الواحد وإنما تعتصم في مثل ذلك بالإجماع إجماع العقلاء وإجماع المسلمين داخل في ذلك # فيقال لك هؤلاء المنازعون يقول إنه عظيم في نفسه أعظم من كل عظيم وأكبر من كل كبير وأعلى من كل عال قد وسع كرسيه السموات السبع والأرضين السبع ويقولون لك ^ ماقدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه ^ قال ابن عباس ما السموات السبع والأرضون السبع وما بينهما في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم أو كما قال فهذا مستند ثان نفى كونه بقدر الجوهر الفرد فإن سلمت ذلك لم يكن لك أن تقول ليس فوق العرش ولا هو في نفسه كبير وعظيم ولم يكن ما سلموه يستلزم أن لا يكون فوق العرش وإن قيل إنه في حيز واحد أو جهة واحدة وإن لم تسلم ذلك بل زعمت أنما فوق السماوات رب ولا هناك إله أصلا وأن محمدا لم يعرج به إلى الله تعالى بل صعد إلى علو العالم فقط وأن رب العالمين ليس داخل العالم ولا خارجه قالوا لك

نحن نقول إن من وصفه بهذا فقد جعله معدوما والمعدوم أحقر من الجوهر الفرد وإذا كان كذلك لم نسلم لك مادمت مصرا على هذا النفي أنه أحقر من الجوهر الفرد فإن ذلك يستلزم تسليم النقيضين فيكون قد سلمنا أنه معدوم وأنه ليس أحقر من الجوهر الفرد وذلك باطل وإذا لم يسلم له على هذا التقدير أنه أحقر من الجوهر الفرد لم يكن له أن يحتج بالاجماع كما تقدم نظير هذا # وتقدم ما قرره في أول نهايته أن الاحتجاج بمثل هذا الاجماع الذي يختلف فيه المأخذ لا يصح نظرا ولا مناظرة فإن المناظر ليس له أن يحتج بموافقة موافق بناءا على مأخذ لا يعتقد صحته والمناظر يجيبه خصمه بأنك إن وافقتني على المأخذ وإلا منعتك الحكم على هذا التقدير لأنه عندي تقدير غير واقع فلا يكون له حجة بحال ولو احتج بها في الفطرة في إعظام الله أن يكون كذلك قيل له هذه الفطرة التي فيها أن الله تعالى فوق العالم وهي تحيل الله أن يقال ليس فوق العالم ولا داخله ولا خارجه كما يحيله أن يقال هو بقدر الجوهر الفرد فإن كان ما الفطرة من هذا حقا فكذلك الآخر وحينئذ فلا يبقى معه حجة على نفي كونه بقدر الجوهر الفرد لا عقلية ولا سمعية لأن السمع إما نص وإما إجماع والسمعيات التي وصف الله فيها نفسه بأنه علي وعظيم وكبير معناها عندهم القدرة والقهر لا يعنون بها عظم قدره في نفسه فلا ينافي ما زعموه صغر المقدار لا سيما مع ما يعتمدونه من القول بأن الملك العظيم والآدمي العظيم يكون بقدر الجوهر الفرد لأن الحياة ولازمها لا تحل إلا في قدر ذلك كما تقدم وإذا لم يكن لهم على ذلك حجة بطلت هذه الحجج التي ذكرها وظهر عجزهم عن تنزيه الله تعالى أن يكون فيه نقص فلا يقدرون أن ينزهوه على أصولهم العقلية عن نقص ولا عن صغر

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:41 AM
# الوجه السابع عشر قوله في الحجة الثانية حصوله في ذلك الحيز إما واجب وإما جائز يقال إن أريد بالحيز ما هو داخل في مسمى اسمه مثل

ما يدخل في صفاته في مسمى اسمه ومثل ما يدخل حدود الشيء ونهايته في مسى اسمه فيقال حصوله فيه واجب ويكون وجوديا والكلام في قوله يكون منقسما قد تقدم غير مرة بأن الانقسام لفظ مجمل تختلف فيه الاصطلاحات فهو منفي بالمعنى الذي لا يلزم من هذا والمعنى الذي يلزم لا محذور فيه بل هو واجب لكل موجود # الوجه الثامن عشر قول من يقول لا يجوز عليه الحركة والانتقال فإنه يقول حصوله في الحيز المعين يكون واجبا # وأما قوله لو كان كذلك لكانت حقيقة ذلك الحيز مخالفة لحقيقة غيره فيكون وجوديا يقول لا نسلم وذلك لأن الاختصاص لا يجب أن يكون لمعنى في الحيز يجوز أن يكون لمعنى في الرب وهو ما توافقهم عليه من امتناع الحركة والانتقال وعدم ذلك ليس بنقص عندك ولا عندهم كما تقدم وتقدم أن ما الزمتهم من كونه يكون كالزمن هو لك ألزم أيضا فأنت وهم مشتركون في ذلك وهو بك الصق منه بهم # الوجه التاسع عشر أن يقال هب أنه وجودي وحقيقته مخالفة لحقيقة غيره وأنه يمكن الاشارة الحسية إليه فقولك إنه إن كان منقسما كان الحال فيه منقسما يمنعون الملازمة كما تقدم ويقولون في الانقسام بما تقدم من الجواب المفصل # الوجه العشرون قولك أولا يكون منقسما فيكون مختصا بجهة دون جهة فيكون للحيز حيز آخر ويلزم التسلسل يقال هب أن هذا الحيز أمر وجودي فلم لا يجوز أن يكون حيز هو عدمي والتسلسل إنما يلزم أن لو كان لكل حيز وجودي حيز وجودي

الوجه الحادي والعشرون قولك وإن لم تمكن الاشارة الحسية إلى الحيز الذي حصل فيه الباري وجب استحالة الاشارة إلى الباري لأنا نعلم بالضرورة أن ما لا تمكن الاشارة الحسية إلى جهته استحالت الاشارة الحسية إليه فإذا لا يكون الباري في الجهة # يقال لك الضروري بأن ما لا يشار إلى جهته لا يشار إليه ليس بأن ما لا يشار إليه لا يشار إلى جهته ثم كثير من الناس بل أكثرهم يقولون ذلك مثل العلم الضروري بأن ما يشار إليه وإلى جهته لا يكون إلا جسما وكثير من الناس إن ذلك مثل العلم الضروري بأن مالا يشار إليه ولا إلى جهته ولا يكون داخل العالم ولا خارجه لا يكون إلا معدوما بل المقرون بأن هذا علم ضروري أعظم من المقرين بذلك # وإذا كان كذلك فإن نازعتهم في هذا العلم الضروري لم يكن عليهم أن يسلموا لك ذلك العلم الضروري الذي يلزمهم بتسليمه نفي هذا العلم الضروري لأن تسليم العلم الضروري يستلزم نفي علم ضروري تسليم لتنافي العلمين الضروريين وذلك باطل ولا يجب تسليم الباطل وإن لم تنازعهم في هذا العلم الضروري لم يكن ما ذكرته حجة عليهم فإنه إذا سلم أنه فوق العالم وأنه يمتنع أن يكون لا داخل العالم ولا خارجه حصل المطلوب # الوجه الثاني والعشرون قولك وإن لم يكن حصوله في الجهة واجبا فاختصاصه بها لابد أن يكون لفاعل مختار فاختصاص الباري به محدث فهو في الأزل ما كان في الحيز والذي يكون كذلك يستحيل أن يصير حاصلا في الحيز وفي نسخة محتاجا إلى الحيز

# فيقال لك إذا كان الحيز أمرا وجوديا كالعرش والغمام كان اختصاص الله بكونه فوق العرش تابعا لخلقه العرش وذلك حاصل بمشيئته واختياره وهو محدث وهو وإن لم يكن في الأزل على العرش لكن لم قلت إذا لم يكن في الأزل على العرش أنه يستحيل أن يصير بعد ذلك على العرش هذا لم تذكر عليه دليلا وأما إن كان المدعي أنه يستحيل أن يصير محتاجا إلى الحيز فهذا حق لكن كونه فوق العرش لا يوجب احتياجه إلى شيء بل هو الحامل بقدرته للعرش ولكل شيء # الوجه الثالث والعشرون أن يقال العلو على العرش للناس فيه قولان مشهوران أحدهما أنه نسبة وإضافة بينه وبين العرش من غير فعل محدث يقوم بذات الرب وهؤلاء قد يقولون الاستواء من صفات الذات وعلى هذا التقدير فتجديده بخلق العرش كتجديد سائر النسب والاضافات وذلك جائز باتفاق العقلاء كتجديد المعية والثاني أنه استوى على العرش بعد أن لم يكن مستويا عليه كما دل على ذلك القرآن والذي قال هذا يقول في استوائه إلى السماء ونزوله ومجيئه وإتيانه ونحو ذلك مثلما يقول في الاستواء وإن ذلك من أفعال ذات الله تعالى وهؤلاء هم جمهور أهل الحديث وكثير من أهل الكلام والفقهاء والصوفيه وغيرهم وعامة كلام السلف يدل على هذا وهذا متصل بمسألة حلول الحوادث به وهو قد ذكر أنه ليس في الأدلة العقلية ما ينفي حلول الحوادث به وذكر أن الطوائف جميعهم يلزمهم القول به وإذا كان كذلك لم يمتنع أن يستوي عليه بعد أن لم يكن مستويا # وإذا كان على القولين لا يمتنع أن يصير فوق العرش وإن لم يكن في الأزل عرش يكون الله فوقه بطل ما ادعاه من أنه إذا كان اختصاص الباري بالحيز محدثا فهو إذا في الأزل ما كان حاصلا في الحيز والشيء الذي يكون كذلك استحال أن

أن يصير حاصلا في الحيز فإن ذلك لا يستحيل على الوجه الذي بيناه وأما إن كان قد قال استحال أن يصير محتاجا إلى الحيز فهذا حق لكن تجدد الأمور الجائزة لا يقتضي أنه محتاج إليها # الوجه الرابع والعشرون أنه يقال قولك في أصل هذه الحجة الثانية حصوله في الحيز إما أن يكون واجبا أو غير واجب يقال لك أتريد بالحيز نوع الحيز أم تريد الحيز المعين فإن اللام تكون للجنس وتكون للحيز المعين فإن أردت به النوع لم يصح ما ذكرته في القسم الأول وهو قولك لو صح حصوله في ذلك الحيز وامتنع حصوله في سائر الأحياز لكانت حقيقته محالفة لحقيقة غيره لأن الحيز على هذا التقدير هو النوع ولا يختص بشيء دون شيء كما أن القائل إذا قال لو كان الجسم مختصا بالحيز لم يرد به حيزا بعينه بل يريد به أنه مختص بأنه لا يكون إلا متحيزا فيمتنع أن يكون غير متحيز # أردت به الحيز المعين لم يصح ما ذكرته في القسم الثاني وهو أنما كان كذلك ما كان في الأزل حاصلا في الحيز المعين والذي يكون كذلك يستحيل أن يصير حاصلا في الحيز وذلك أن الحيز تقدير المكان ليس أمرا موجودا فلم قلت إنه إذا لم يكن في الأزل في حيز معين امتنع أن يكون بعد ذلك في حيز معين فإن هذا مبني على مسألة حلول الحوادث وقد تقدم القول فيه # الوجه الخامس والعشرون أن قولك الشيء الذي يكون كذلك استحال أن يصير حاصلا يمنعه المنازع ويقول لا نسلم أن كل اختصاص بحيز معين وهو تقدير المكان يكون محدثا وأنه يمتنع أن يصير في حيز لم يكن فيه بل الحي القادر سبحانه يختص بما يشاء من الأحياز ولا يلزم من ذلك اختصاصه بحيز معين ولا يلزم من ذلك أن أصل التحيز محدث بل هو

سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء من الأجسام ولا يكون الجسم مخلوقا في حيز ولا يختص بحيز بل له أن ينقله من حيز إلى حيز # وهؤلاء يقولون حياته وقدرته توجب ذلك ونفي إمكان ذلك يقتضي نفي حياته وقدرته كما تقدم بعض حكاية قولهم ويقولون اختصاصه بحيز دون حيز هو نسبة وإضافة إلى ذلك الحيز والأمور الإضافية لا يمنع تجددها ولا زوال المتقدم منها بإتفاق العقلاء فإن الحيز العدمي الذي هو تقدير المكان يجري فيه القولان في العرش ونحوه فمن قال الاستواء عليه مجرد نسبة أمكن أن يقول ذلك هنا ومن قال إن فيه حركة قال بذلك هنا # الوجه السادس والعشرون قولك حصوله في الحيز إما أن يكون واجبا وإما أن يكون غير واجب يقول لك المنازع قولا مفصلا الاختصاص بأصل الحيز واجب أما تعين حيز دون حيز فهو ممكن ليس بواجب وذلك لأن الحيز في الاصطلاح المشهور للمتكلمين هو تقدير المكان وهم يقولون إن كل متحيز يستلزم نوع التحيز وأما الحيز المعين فيجوز أن ينتقل عنه المتحيز كما لو شاء الله تحويل العالم من حيز إلى آخر # ثم لهم هنا قولان أحدهما أن اختصاصه بذلك الحيز المعين مجرد نسبة وإضافة وإذا كان تجدد النسب والإضافات له وزوالها من الأمور الموجودة جائزة باتفاق العقلاء فحدوث هذه النسب وزوالها عما هو تقدير المكان بطريق الأولى والأحرى
فصل
# الثاني أي يقال أكثر ما ذلك الحركة وهذا جائز كما تقدم في قولهم استوى على العرش بعد أن لم يكن مستويا عليه وإنه يجىء يوم القيامة ويأتي ونحو ذلك


فصل قال الرازي الفصل الخامس في حكاية الشبه العقلية في كونه تعالى مختصا بالحيز والجهة # الشبهة الأولى لهم أنهم قالوا العالم موجود والباري موجود وكل موجودين فلابد أن يكون أحدهما محايثا للآخر أو مباينا عنه بجهة من الجهات لست ولما لم يكن الباري محايثا للعالم وجب كونه تعالى مباينا عن العالم بجهة من الجهات الست وإذا ثبت ذلك وجب كونه تعالى مختصا بجهة فوق أما قولهم إن كل موجودين فلا بد أن يكون أحدهما محايثا للآخر أو مبينا عنه بجهة فلهم فيها طريقان # الطريق الأول ادعاء البديهة إلا أنه سبق الكلام على هذه الطريقة في أول الكتاب # الطريق الثاني أنهم يستدلون عليه وهو الطريق الذي اختاره ابن الهيصم في المناظرة التي حكاها عن نفسه مع ابن فورك قال الرازي وأنا أذكر محصل تلك الكلمات على الترتيب الصحيح على أحسن وجه يمكن تقرير تلك الشبهة وهو أن يقال لاشك أن كل موجودين في الشاهد فإن أحدهما لابد وأن يكون محايثا للآخر أو مباينا عنه بالجهة وكون كل موجودين في الشاهدكذلك إما أن يكون لخصوص كونه جوهرا أو لخصوص كونه عرضا أو لأمر مشترك بين الجوهر والعرض وذلك المشترك إما الحدوث وإما الوجود

والكل باطل سوى الوجود فوجب أن تكون العلة لذلك الحكم هو الوجود والباري تعالى موجود فوجب الجزم بأنه تعالى إما أن يكون محايثا للعالم أو مباينا عنه بالجهة # قال وأعلم أن هذا الكلام لا يتم إلا بتقرير مقدمات نحن نذكرها وتلك الوجوه التي يمكن ذكرها في تقرير تلك المقدمات # أما المقدمة الأولى وهي قولنا إن كل موجودين في الشاهد فلابد وأن يكون أحدهما محايثا للآخر أو مباينا عنه بالجهة لابد له من علة والدليل عليه هو أن المعدومات لا يصح فيها هذا الحكم وهذه الموجودات يصح فيها هذا الحكم فلولا امتياز ما صح فيه هذا الحكم عما لا يصح فيه هذا الحكم بأمر من الأمور وإلا لما كان هذا الامتياز واقعا # وأما المقدمة الثانية فهي في بيان أن هذا الحكم لا يمكن تعليله بخصوص كونه جوهرا ولا بخصوص كونه عرضا فالدليل عليه أن المقتضى لهذا الحكم لو كان هو كونه جوهرا لصدق على الجوهر أن ينقسم إلى ما يكون محايثا لغيرة وإلى ما يكون مباينا عنه ومعلوم أن ذلك محال لأن الجوهر يمتنع أن يكون محايثا لغيره وبهذا الطريق تبين أن المقتضي لهذا الحكم ليس كونه عرضا لامتناع أن يكون العرض مباينا لغيره بالجهة # المقدمة الثالثة في بيان أن هذا الحكم غير معلل بالحدوث ويدل عليه وجوه # الأول أن الحدوث عبارة عن وجود سبقة عدم والعدم غير داخل في العلة وإذا سقط العدم عن درجة الاعتبار لم يبق إلا الوجود

# والثاني وهو الذي عول عليه ابن الهيصم في المناظرة التي زعم أنها دارت بينه وبين ابن فورك فقال لو كان هذا الحكم معللا بالحدوث لكان الجاهل بكون السماء حادثة جاهلا بأن السماء بالنسبة إلى سائر الموجودات التي في هذا العالم إما أن تكون محايثة لها أو مباينة عنها بالجهة لأن المقتضي للحكم إذا كان أمرا معينا فالجاهل بذلك المقتضي يجب أن يكون جاهلا بذلك الحكم ألا ترى الوجود لما كان هو المستدعي للتقسيم إلى القديم والمحدث لا جرم كان اعتقاد أنه غير موجود مانعا من التقسيم بالقدم والحدوث فلما كان التقسيم إلى الأبيض والأسود معلقا بكونه كان ملونا كان اعتقاد أن الشيء غير ملون مانعا من اعتقاد التقسيم إلى الأسود والأبيض ولما رأينا الدهري الذي يعتقد قدم السموات والأرض لا يمنعه ذلك من اعتقاد أن السموات والأرضين إما أن تكون محايثة وإما أن تكون مباينة بالجهة علمنا أن هذا الحكم غير معلل بالحدوث # الوجه الثالث في بيان أن المقتضي لها الحكم ليس هو الحدوث وقد ذكره ابن الهيصم أيضا في تلك المناظرة وتقريره أن كونه محدثا وصف يعلم بالاستدلال وكونه بحيث يجب أن يكون إما محايثا أو مباينا بالجهة حكم معلوم بالضرورة والوصف المعلوم الثبوت بالاستدلال لا يجوز أن يكون أصلا للحكم الذي يعلم ثبوته بالضرورة فثبت بهذه الوجوه أن المقتضي لهذا الحكم ليس هو الحدوث # المقدمة الرابعة وهي في بيان أنه لما كان المقتضي لهذا الحكم في الشاهد هو الوجود والباري موجود وكان المقتضي لكونه تعالى إما محايثا للعالم أو مباينا عنه بالجهة حاصلا في حقه فكان هذا حاصلا هناك

# فاعلم أنا نفتقر في هذه المقدمة إلى بيان أن الوجود حقيقة واحدة في الشاهد والغائب وذلك يقتضي كون وجوده تعالى زائدا على حقيقته فإنه ما لم يثبت هذا الأصل لم يحصل المقصود فهذا غاية ما يمكن ذكره في تقرير هذه الشبهة ومن نظر في تقريرنا لهذه الشبهة وتقريرهم لها علم أن التفاوت بينهما كبير # قال والجواب أن مدار هذه الشبهة على أن كل موجودين في الشاهد فلا بد أن يكون أحدهما محايثا للآخر أو مباينا بالجهة وهذه المقدمة ممنوعة وبيانه من وجوه # الأول أن جمهور الفلاسفة يثبتون موجودات غير محايثة لهذا العالم الجسماني ولا مباينة عنه بالجهة وذلك لأنهم بثبتون العقول والنفوس الفلكية الناطقة ويثبتون الهيولي ويزعمون أن هذه الأشياء موجودات غير متحيزة ولا حالة في المتحيز فلا يصدق عليها أنها محايثة لهذا العالم ولا مباينة عنه بالجهة وما لم يبطلوا هذا المذهب بالدليل لا يصح القول بأن كل موجودين في الشاهد إما أن يكون أحدهما محايثا للآخر أو مباينا عنه # الثاني أن جمهور المعتزلة يثبتون إرادات وكراهات موجودة لا في محل ويثبتون فناءا لا في محل وتلك الأشياء لا يصدق عليها أنها محايثة للعالم أو مباينة عن العالم بالجهة فما لم يبطلوا ذلك لا تتم دعواهم # الثالث أنا نقيم الدليل على أن الاضافات أعراض موجودات في الأعيان ثم نبين أنها تمتنع أن تكون محايثة للعالم أو مباينة عنه بالجهة وذلك يبطل كلامهم وإنما قلنا إن الاضافات أعراض موجودات في الأعيان وذلك لأن

المعقول من كون الإنسان أبا لغيره مغاير لذاته المخصوصة بدليل أنه يمكن أن يعقل ذاته مع الذهول عن كونه أبا وابنا والمعلوم غير ما هو غير معلوم # وأيضا فإنه يمكن ثبوت ذاته منفكة عن الأبوة والنبوة مثل عيسى عليه السلام وآدم فإنه ما كان أبا لأحد ولا ابنا لأحد من الذكور والثابت غير ما هو ثبات فكونه أبا وابنا مغايرا لذاته المخصوصة ثم هذا المغاير إما أن يكون وصفا سلبيا أو ثبوتيا والأول باطل لأن عدم الأبوة هو الوصف السلبي والأبوة واقعة له ورافع العدم الوجود فثبت أن الأبوة وصف وجودي مغاير لذات الأب إذ ثبت هذا فنقول إنه مستحيل أن يقال الأبوة محايثة لذات الأب وإلا لزم أن يقال إنه قائم بنصف الأب نصف الأبوة وبثلثه ثلث الأبوة ومعلوم أن ذلك باطل ومحال أن يقال إنها مباينة عن ذات الأب بالجهة والحيز وإلا لزم كون الأبوة جوهرا قائما بذاته مباينا عن ذات الأب بالجهة وذلك أيضا محال فثبت بهذا الدليل وجود موجود لا يمكن أن يقال إنه محايث لغيره ولا أن يقال مباين عنه بالجهة وإذا ثبت هذا بطل قولهم # السؤال الثاني سلمنا أن كل موجودين في الشاهد فلابد وأن يكون أحدهما محايثا للآخر أو مباينا عنه بالجهة لكن كون الشيء بحيث يصدق عليه قولنا إما أن يكون وإما أن لا يكون إشارة إلى كونه قابلا للانقسام إليهما لكن قبول القسمة حكم عدمي والعدم لا يعلل وإنما قلنا إن قبول القسمة حكم عدمي لأن أصل القبول حكم عدمي فوجب أن يكون قبول القسمة حكما عدميا وإنما قلنا إن أصل القبول حكم عدمي لأنه لو كان أمرا ثابتا لكان صفة من صفات الشيء المحكوم عليه بكونه قابلا والذات قابلة لتلك الصفة القائمة بها فيكون قبول ذلك القبول زائدا عليه ولزم التسلسل وإنما قلنا إنه لما كان أصل القبول عدميا كان قبول القسمة أيضا كذلك لأن القبول للقسمة قبول مخصوص فتلك

الخصوصية إن كانت صفة موجودة لزم قيام الوجود بالعدم وهو محال وإن كانت عدمية لزم القطع بأن قبول القسمة عدمي وإذا ثبت أنه حكم عدمي امتنع تعليله لأن العدم نفي محض فكان التأثير فيه محالا فثبت أن قبول القسمة لا يمكن تعليله # السؤال الثالث هب أنه من الأحكام الوجودية فلم لا يجوز أن يكون معللا بخصوص كونه جوهرا أو بخصوص كونه عرضا قوله لأن كونه جوهرا يمنع من المحايثة وكونه عرضا يمنع من المباينة بالجهة وما كان علة لقبول الانقسام إلى قسمين يمنع كونه مانعا من أحد القسمين قلنا ما الذي تريدون بقولكم الوجود في الشاهد ينقسم إلى المحايث وإلى المباين بالجهة إن أردتم أن الوجود في الشاهد قسمان أحدهما أن يكون محايثا لغيره بالجهة وهو العرض والثاني أن يكون مباينا لغيره بالجهة وهو الجوهر فهذا مسلم لكنه في الحقيقة إشارة إلى حكمين مختلفين معللين بعلتين مختلفتين فإن عندنا وجوب كونه محايثا لغيره معلل بكونه عرضا ووجوب كون القسم الثاني مباينا عن غيره بالجهة معلل بكونه جوهرا فبطل قولكم إن خصوص كونه عرضا وجوهرا لا يصلحان لعلة هذا الحكم # وإن أردتم به أن إمكان الانقسام إلى هذين القسمين حكم واحد وأنه ثابت في جميع الموجودات التي في الشاهد فهو باطل لأن إمكان الانقسام إلى هذين القسمين لم يثبت في شيء من الموجودات التي في الشاهد فضلا عن أن يثبت في جميعها لأن كل موجود في الشاهد فهو إما جوهر وإما عرض فإن كان جوهرا امتنع أن يكون محايثا لغيره بالجهة فلم يكن قابلا لهذا الانقسام وإن كان عرضا امتنع أن يكون مباينا لغيره بالجهة فلم يكن قابلا لهذا

الانقسام فثبت بما ذكرنا أن الذي قالوه مغالطة والحاصل أن هذا المستدل أوهم أن قوله الموجود في الشاهد إما أن يكون محايثا لغيره أو يكون مباينا عنه بالجهة إشارة إلى حكم واحد ثم بني عليه أنه لا يمكن أن يعلل هذا الحكم بخصوص كونه جوهرا ولا بخصوص كونه عرضا ونحن بينا أنه إشارة إلى حكمين مختلفتين معللين بعلتين مختلفتين # السؤال الرابع سلمنا أنه لا يمكن تعليل هذا الحكم بخصوص كونه جوهرا ولا بخصوص كونه عرضا فلم قلتم إنه لابد من تعليله إما بالحدوث وإما بالوجود وما الدليل على هذا الحصر أقصى ما في الباب أن يقال سبرنا وبحثنا فلم نجد قسما آخر إلا أنا بينا في الكتب المطلولة أن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود وشرحنا أن هذا السؤال هادم لكل دليل مبني على تقسيمات منتشرة غير محصورة بين النفي والاثبات # السؤال الخامس سلمنا أن عدم الوجدان يدل على عدم الوجود ولكن لا نسلم قولكم أنا وجدنا لهذا الحكم علة سوى الحدوث والوجود بيانه من وجهين # أحدهما أن من المحتمل أن يقال المقتضى لقولنا إن الشيء إما أن يكون محايثا للعالم أن مباينا عنه هو كونه بحيث تصح الاشارة الحسية إليه وذلك لأن كل شيئين تصح الاشارة الحسية إليهما فإما أن تكون الاشارة إلى أحدهما عين الاشارة إلى الآخر وذلك كما في اللون والمتلون وهذا هو المحايثة وإما أن تكون غير الاشارة إلى الآخر وهذا هو المباينة بالجهة فثبت أن المقتضي لقبول هذه القسمة هو كون الشيء مشارا إليه بحسب الحس وعلى هذا التقدير ما لم يقيموا الأدلة على أنه مشار إليه بحسب الحس لا يمكن أن يقال إنه يجب أن يكون محايثا للعالم أو مباينا عنه بالجهة لكن كونه تعالى مشارا إليه بحسب الحس هو مما وقع

النزاع فيه وحينئذ تتوقف صحة الدليل على صحة المطلوب وذلك يفضي إلى الدور وهو باطل

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:42 AM
# الثاني لاشك أن ما سوى الله تعالى إما أن يكون محايثا لغيره أو مباينا عن غيره بالجهة ولاشك أن الله تعالى محالف لهذين القسمين بحقيقته المخصوصة إذ لو لم يكن مخالفا لهما بحقيقته المخصوصة لكان مثلا للجواهر أو الأعراض ويلزم منه كونه تعالى محدثا كما أن الأعراض والجواهر محدثة وذلك محال # وإذا ثبت هذا فنقول إن الجواهر والأعراض يشتركان في الأمر الذي وقعت به المخالفة بينهما وبين ذات الباري فلم لا يجوز أن يكون المقتضي لقبول الانقسام إلى المحايث وإلى المباين هو ذلك الأمر وعلى هذا التقدير سقط هذا السؤال لأنه لا مشترك بين الجواهر والأعراض إلا الحدوث # السؤال السادس سلمنا الحصر فلم لا يجوز أن يكون المقتضي لهذا الحكم هو الحدوث قوله أولا الحدوث ماهية مركبة من العدم والوجود قلنا كل محدث فإنه بصدق عليه كونه قابلا للعدم والوجود وأيضا كون الشيء منقسما إلى المحايث والمباين أيضا معناه كونه قابلا للانقسام إلى هذين القسمين فالقابلية إن كانت صفة وجودية كانت في الموضعين كذلك وإن كانت عدمية فكذلك ولا يبعد تعليل عدم بعدم أما قوله ثانيا لو كان المقتضى لهذا الحكم هو الحدوث لكان الجهل بحدوث الشيء يوجب الجهل بهذا الحكم قلنا الكلام عليه من وجهين # الأول لم قلتم إن الجهل بالمؤثر يوجب الجهل بالأثر ألا ترى أن جهل الانسان بأسباب المرض والصحة لا يوجب جهله بحصول المرض والصحة وجهل نفاة الأعراض بالمعاني الموجبة لتغير أحوال الأجسام لا يوجب جهلهم بتلك

التغيرات وجهل الدهري بكونه تعالى قادرا على الخلق والتكوين لا يوجب جهله بوجود هذا العالم # الثاني لو كان الجهل بالعلة يوجب الجهل بالمعلول لكان العلم بالعلة يوجب العلم بالمعلول وعلى هذا التقدير لو كان المقتضي لكون الموجودين في الشاهد إما متحايثين أو متباينين بالجهة هو الوجود لزم أن من علم كون الشيء موجودا أن يعلم وجوب كونه محايثا للعالم أو مباينا له لكن الجمهور الأعظم وهم أهل التوحيد يعتقدون أنه تعالى موجود ولا يعلمون أنه تعالى لابد وأن يكون إما محايثا للعالم أو مباينا له فوجب على هذا المساق أن لا يكون المقتضي لهذا الحكم هو كونه موجودا وهذا السؤال قد اورده الأستاذ ابن فورك من أصحابنا على ابن الهيصم ولم يقدر أن يذكر عنه جوابا سوى أن قال يمتنع أن يحصل العلم بالأثر مع الجهل بالمؤثر ولا يمتنع أن يحصل العلم بالمؤثر مع الجهل بالأثر وطال كلامه في تقرير هذا الفرق ولم يظهر منه شيء معلوم يمكن حكايته قوله ثالثا كونه محدثا وصف استدلالي وكونه إما محايثا أو مباينا أمر معلوم بالبديهة والوصف الاستدلالي لا يجوز أن يكون علة للحكم المعلوم بالبديهة قلنا ممنوع فإنا بينا أن المؤثر في كثير من الأشياء استدلالي والأثر بديهي # السؤال السابع سلمنا أن المؤثر في هذا الحكم ليس هو الحدوث وأنه هو الوجود لكن لم قلتم إنه يلزم حصوله في حق الله تعالى وبيانه أن المطلوب إنما يلزم لو كان الوجود أمرا واحدا في الشاهد والغائب أما إذا لم يكن الأمر كذلك بل كان وقوع لفظ الوجود على الشاهد والغائب ليس إلا بالاشراك اللفظي كان هذا الدليل ساقطا بالكلية ثم إن الكرامية لا يمكنهم أن يقولوا بأن الوجود في الغائب والشاهد واحد إذ لو كان كذلك لزمهم إما القول بكون

الباري تعالى مثلا للمحدثات من جميع الوجوه أو القول بأن وجوده زائدا على ما هيته والقوم لا يقولون هذا الكلام # السؤال الثامن سلمنا أن ما ذكرتم يدل على الوجود هو العلة لهذا الحكم لكن هاهنا دليل آخر يمنع منه وهو أن المقتضي لقبول الانقسام في الجوهر والعرض لو كان هو الوجود لزم في الجوهر وحده أن يقبل الانقسام إلى الجوهر والعرض وأنه محال ولزم أيضا في العرض وحده أن يقبل الانقسام إلى الجوهر والعرض ومعلوم أن ذلك محال فإن قالوا إن كل جوهر وعرض فإنه يصح كونه منقسما إلى هذين القسمين نظرا إلى كونه موجودا وإنما يمتنع ذلك الانقسام نظرا إلى مانع منفك وهو خصوصية ماهيته قلنا هذا اعتراف بأنه لا يلزم من كون الوجود علة لصحة أمر من الأمور أن يصح ذلك الحكم على كل ما كان موصوفا بالوجود لاحتمال أن يكون ماهية المخصوص مانعة من ذلك الحكم وإذا كان كذلك فلم لا يجوز أن يقال الوجود وإن اقتضى كون الشيء إما محايثا لغيره أو مباينا عنه إلا أن خصوصية ذاته تعالى كانت مانعة من هذا الحكم فلم يلزم من كونه تعالى موجودا كونه بحيث يكون إما محايثا للعالم أو مباينا عنه بالجهة # السؤال التاسع أنما ذكرتموه من الدليل قائم في صور كثيرة مع أن النتيجة اللازمة عنه باطلة قطعا وذلك يدل على أن هذا الدليل منقوض وبيانه من وجوه # الأول أن كل ما سوى الله فهو محدث فيكون صحة الحدوث حكما مشتركا بينهما فنقول هذه الصحة حكم مشترك فلابد لها من علة مشتركة والمشترك إما الحدوث أو الوجود ولا يمكن أن يكون المقتضي لصحة الحدوث هو الحدوث لأن صحة الحدوث سابقة على الحدوث بالرتبة والسابق بالرتبة على

الشيء لا يمكن تعليله بالمتأخر عن الشيء فثبت أن صحة الحدوث غير معللة بالحدوث فوجب كونها معللة بالوجود والله تعالى موجود فوجب أن يثبت في حقه صحة الحدوث وهو محال # الثاني أن كل موجود في الشاهد فهو إما حجم قائم بالحجم ثم يذكر التقسيم إلى آخره حتى يكون الباري تعالى إما حجما أو قائما بالحجم والقوم لا يقولون به # الثالث أن كل موجودين في الشاهد فلابد وأن يكون أحدهما محايثا للآخر أو مباينا عنه في أي جهة كان ثم يذكر التقسيم المتقدم حتى يظهر أن هذا الحكم معلل بالوجود والباري تعالى موجود فوجب أن يصح على الباري كونه محايثا للعالم أو مباينا عنه في أي جهة كان من الجوانب التي للعالم وذلك يقتضي أن لا يكون اختصاص الله بجهة فوق بل يلزم صحة الحركة على ذات الله تعالى من الفوق إلى السفل وكل ذلك عند القوم محال # الرابع أن كل موجودين في الشاهد فإنه يجب أن يكون أحدهما محايثا للآخر أو مباينا عنه بالجهة والمباين بالجهة لابد وأن يكون جوهرا فردا أو يكون مركبا من الجواهر وكون كل موجودين في الشاهد على أحد هذه الأقسام الثلاثة أعني كونه عرضا أو جوهرا فردا أو جسما مؤتلفا لابد وأن يكون معللا بالوجود فوجب أن يكون الباري تعالى على أحد هذه الأقسام الثلاثة والقوم ينكرون ذلك لأنه تعالى ليس بعرض ولا بجوهر ولا بجسم مؤتلف مركب من الأجزاء والأبعاض # الخامس أن كل موجود يفرض مع العالم فهم إما أن يكون مساويا للعالم أو زائدا عليه في المقدار أو أنقص منه في المقدار وانقسام الوجود في

الشاهد إلى هذه الإقسام الأربعة حكم لابد له من علة ولا علة إلا الوجود والباري تعالى موجود فوجب أن يكون الباري تعالى على أحد هذه لأقسام الثلاثة والقوم لا يقولون به فثبت بما ذكرنا أن هذه الشبهة منقوضة # قال واعلم أنا إنما طولنا في الكلام على هذه الشبهة لأن القوم يعولون عليها ويظنون أنها حجة قاهرة ونحن بعد أن بالغنا في تنفيحها وتقريرها أوردنا عليها هذه الأسولة القاهرة والاعتراضات القادحة ونسأل الله تعالى أن يجعل هذه التحقيقات والتدقيقات سببا لمزيد من الأجر والثواب بمنه وفضله # قلت والكلام على هذا مع العلم بأن المقصود ذكر القول والفصل والحكم العادل فيما يذكره النفاة من الحجج والجواب عما ذكره من جهة منازعة ليس المقصود استيفاء حجج المثبتة بل إذ تبين أن هذا الذي هو الإمام المطلق في المتأخرين من هؤلاء النفاة المتكلمين والفلاسفة وعرف فرط معاداته لهؤلاء المثبتة الذين ذكرهم وذكر حججهم مع ما هم عليه من ضعف الحجج وقلة المعرفة بالسنن ومذاهب السلف ومع ما فيهم من الانحراف ثم تبين ظهور حججهم العقلية التي ذكرها دع السمعية على ما استوفاه من حجج النفاة العقلية والسمعية مع استعانته بكل من هو من النفاة حتى المشركين الصابئين مثل ارسطو وأبي معشر وشعيتهما من الفلاسفة والمنجمين والمعتزلة وغيرهم ومع أنه لم يبق ممكنا فيما فيه شبهة حجة عرف من الحق ما يهدي به الله من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ولا حول ولا قوة إلا بالله # وقد ذكر أن لهم طريقين على أن كل موجودين فلابد وأن يكون أحدهما محايثا للآخر أو مباينا له أحدهما ادعاء البديهة وقد ذكر أنه سبق

الكلام في ذلك فأحال على ما تقدم وقد قدمنا القول على ما ذكره هناك في مقدمة كتابه مما يبين الحق لمن له أدنى نظر ولا حول ولا قوة إلا بالله # وما ذكره هنا من حكاية كلام ابن الهيصم في مناظرته لابن فورك لم يبلغنا عن الوجه المفصل لكن ذكر بعض المصنفين من النفاة أيضا أنهما تناظرا بحضرة ولي السلطان محمود بن سبكتكين وكان من أحسن ملوك أهل المشرق اسلاما وعقلا ودينا وجهادا وملكا في آخر المائة الرابعة وكانت ملوك في خلافة الظاهر وكانت قد انتشرت إذا ذاك دعوة الملاحدة المنافقين الذين كانوا إذ ذاك بمصر وقد بنوا القاهرة وغيرها ولهم دعاة من أقاصي الأرض بالمشرق وغيره وكان والد ابن سينا منهم وقال ابن سينا وبسبب ذلك اشتغلت في علوم الأوائل وكان بعض المشرق وكثير من جنده يميل إليهم وفي ذلك الوقت صنف الناس الكتب في كشف أسرارهم وهتك أستارهم مثل الكتاب الذي صنفه القاضي أبو بكر الباقلاني وغيره وقد صنف مثل ذلك وبعده كتب آخر وإنما المقصود التنبيه على ما يتعلق بما نحن فيه # وكان هذا مما دعا القادر إلى إظهار السنة وقمع أهل البدع فكتب الاعتقاد القادري المنسوب إليه وهو في الأصل من جمع الشيخ أبي أحمد القصار وهو من أجل المشايخ وأعلمهم وله لسان صدق عظيم وأمر القادر باستتابة من خالف ذلك من المعتزلة وغيرهم وقام الشيخ أبو حامد الاسفرائيني إمام الشافعية والشيخ أبو عبد الله ابن حامد إمام الحنابلة على ابن الباقلاني بسبب ما ينسب إليه من بدعة الأشعري وجرت أمور بلغتنا مجملة غير مفصلة وصنف ابن الباقلاني كتابه المعروف في الرد على من ينسب إلى الأشعري خلاف قوله واعتمد السلطان محمود بن سبككتين في مملكته نحو هذا وزاد

عليه بأن أمر بلعنة أهل البدع على المنابر فلعنت الجهمية والرافضة والحرورية والمعتزلة والقدرية ولعنت أيضا الأشعرية حتى جرى بسبب ذلك نزاع وفتنة بين الشافعية والحنفية وغيرهم قوم يقولون هم من أهل البدع فيلعنون وقوم يقولون ليسوا من أهل البدع فلا يلعنون وجرت لابن فورك محنة بأصبهان وجرت له مناظرة مع ابن الهيصم بحضرة هذا السلطان محمود وكان يحب الاسلام والسنة مستنصرا بالاسلام عارفا به غزا المشركين من أهل الهند وفتح الهند وروي أنه قتل عشرة آلاف زنديق # فكان مما حكاه ميمون النسفى الحنفي في كتابه وهو من نفاة العلو أن السلطان فهم كلام الطائفتين وفهم ما ذكرته المثبتة من أن أقوال النفاة توجب تعطيله وأنهم قالوا لو أردنا أن نصف المعدوم لم نصفه إلا بهذه الصفة بأنه لا داخل العالم ولا خارجه أو كلاما هذا معناه وابن فورك عجز عن جواب هذا حتى كتب فيه إلى أبي اسحاق الأسفرائيني وأن الاسفرائيني لم يجب أيضا بما يدفع به ذلك إلا أن قال يلزم من الاثبات أن يكون جسما أو نحو هذا # مع أن المعروف عن أبي بكر بن فورك هو ما عليه الأشعري وأئمة أصحابه من إثبات أن الله فوق العرش كما ذكر ذلك في غير موضع من كتبه وحكاه عن الأشعري وابن كلاب وارتضاه وذكر البيهقي عنه في كتاب الصفات أنه قال استوى بمعنى علا وقال في قوله ^ أأمنتم من في السماء ^ أي من فوق السماء واحتج البيهقي لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ حين حكم في بني قريظة لقد حكمت فيهم بحكم الله الذي حكم به فوق سبع سماوات وبقول ابن عباس إن بين السماء السابعة إلى كرسيه سبعة آلاف نور وهو فوق ذلك

# قال أبو بكر محمد بن الحسن الحضرمي القيرواني الذي له الرسالة التي سماها برسالة الايماء إلى مسألة الاستواء لما ذكر اختلاف المتأخرين في الاستواء وذكر أقوالا متعددة قول الطبري أبي جعفر بن جرير صاحب التفسير وأبي محمد بن أبي زيد والقاضي عبد الوهاب وجماعة من شيوخ الحديث والفقه قال وهو ظاهر بعض كتب القاضي أبي بكر وأبي الحسن يعني الأشعري وحكاه عنه أعني القاضي أبا بكر والقاضي عبد الوهاب نصا وهو أنه سبحانه وتعالى مستو على عرشه بذاته قال وأطلقوا القول في بعض الأماكن فوق عرشه قال أبو بكر الحضرمي وهو الصحيح الذي أقول به من غير تحديد ولا تمكن في مكان ولا كون فيه ولا مماسة # قال أبو عبد الله القرطبي صاحب التفسير الكبير في كتاب شرح الأسماء الحسنى بعد أن حكى كلام الحضرمي هذا قول القاضي أبي بكر في كتاب تمهيد الأوائل له وقاله الاستاذ ابن فورك في شرح أوائل الأدلة وهو قول عمر بن عبد البر والطلمنكي وغيرهما من الأندلسيين وقول الخطابي في شعار الدين ثم قال بعد أن ذكر في الاستواء أربعة عشر قولا وأظهر الأقوال ما تظاهرت عليه الآي والأخبار والفضلاء الأخيار أن الله على عرشه كما أخبر في كتابه وعلى لسان نبيه بلا كيف بائن من جميع خلقه هذا مذهب السلف الصالح فيما نقل عنهم الثقاة # ونقل أبو بكر بن فورك في كتاب مقالة أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب وموافقته الأشعري وما بينهما من النزاع اليسير أو اللفظي فقال الفصل الأول في ذكر ما حكى شيخنا أبو الحسن رضي الله عنه في كتاب المقالات من جمل مذاهب أصحاب الحديث وأبان ما أبان في آخره أنه يقول بجميع ذلك

ثم سرد ابن فورك المقالة التي تقدم ذكرنا لها من كلام الأشعري بعينها وما فيها من ذكر العرش واستواء الله عليه والصفات الخبرية وغير ذلك كما تقدم ثم قال في آخرها فهذا يحقق لك من ألفاظه أنه يعتقد لهذه الأصول التي هي قواعد أصحاب الحديث وأساس توحيدهم # ولا ريب أن هذا قول الأشعرية المتقدمين وأئمتهم كلهم ما علمت بينهم في ذلك نزاعا وإنما أنكر ذلك من أنكره من متأخريهم وجميع كتب الأشعري تنطق بذلك كما ذكرنا فيما تقدم من كتبه وفيما لم يصل إلينا مما يحيل هو عليه مثل ما ذكره أبو القاسم بن عساكر في تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى أبي الحسن الأشعري بعد أن قال فلا بد أن نحكي عنه معتقده على وجهه بالأمانة لتعلم حاله وصحة عقيدته في الديانة فاسمع ما ذكره في الابانة فإنه قال الحمد لله الواحد العزيز الماجد المتفرد بالتوحيد المتمجد بالتمجيد الذي لا تبلغه صفات العبيد وليس له مثل ولا نديد وذكر تمام الخطبة إلى أن قال فإن قال قائل قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة فعرفونا قولكم الذي به تقولون وديانتكم التي بها تدينون قيل له قولنا الذي نقول به وديانتنا التي بها ندين التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون وبما كان عليه الامام أحمد بن حنبل نضر الله وجهه قائلون ولمن خالف قوله مخالفون لأنه الامام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق عند ظهور الضلال وأوضح به المنهاج وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وشك الشاكين فرحمة الله عليه من إمام مقدم وكبير مفهم وعلى جميع أئمة المسلمين وذكر تمام الاعتقاد كما ذكرناه عنه فيما تقدم لما ذكر ما ذكره الأشعري في الأبانة

# ثم قال ابن عساكر بعد أن فرغ من سياق ذلك فتأملوا رحمكم الله هذا الاعتقاد ما أوضحه وأبينه واعترفوا بفضل هذا الإمام الذي شرحه وبينه # قال الحافظ ابن عساكر قال أبو الحسن في كتابه الذي سماه العمدة في الرؤية ألفنا كتابا كبيرا في الصفات تكلمنا فيه على أصناف المعتزلة والجهمية فيه فنون كثيرة من الصفات في إثبات الوجه لله واليدين وفي استوائه على العرش # ولشهرة هذا من مذهب الأشعري قال أبو الحسن علي بن مهدي الطبري المتكلم صاحب أبي الحسن الأشعري في كتابه الذي ألفه في مشكل الآيات في باب قوله ^ الرحمن على العرش استوى ^ اعلم أن الله سبحانه وتعالى في السماء فوق كل شيء على عرشه بمعنى أنه عليه ومعنى الاستوى الاعتلاء كما تقول العرب استويت على ظهر الدابة واستويت على السطح بمعنى علوته واستوى الشمس على رأسي واستوى الطير على قمة رأسي بمعنى علا في الجو فوجد فوق رأسي فالقديم جل جلاله عال على عرشه قوله ^ أأمنتم من في السماء ^ وقوله ^ يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ^ وقوله ^ إليه يصعد الكلم الطيب ^ وقوله ^ يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه ^ # قال وزعم البلخي أن استواء الله على العرش هو الاستيلاء عليه مأخوذ من قول العرب استوى بشر على العراق استولى عليها وقال إن العرش يكون الملك فيقال ما أنكرت أن يكون عرش الله جسما خلقه وأمر ملائكته بحمله قال ^ ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ^ وأمية يقول % مجدوا الله فهو للمجد أهل % ربنا في السماء أمسى كبيرا % % بالبناء الأعلى الذي سبق النا % س وسوى فوق السماء سريرا %

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:43 AM
# قال ومما يدل على أن الاستواء هاهنا ليس بالاستيلاء لأنه لو كان كذلك لم ينبغ أن يخص العرش بالاستيلاء عليه دون سائر خلقه إذ هو مستول على العرش وعلى سائر خلقه وليس للعرش مزية على ما وصفته فبان بذلك فساد قوله # ثم يقال له أيضا إن الاستواء ليس هو الاستيلاء الذي من قول العرب استوى فلان على كذا أي استولى إذا تمكن فيه بعد أن لم يكن متمكنا فلما كان الباري لا يوصف بالتمكن بعد أن لم يكن متمكنا لم يصرف معنى الاستواء إلى الاستيلاء # ثم قال حدثنا أبو عبد الله نفطويه ثنا أبو سعيد قال كنا عند ابن الاعرابي فأتاه رجل فقال ما معنى قوله ^ الرحمن على العرش استوى ^ قال هو على عرشه كما أخبر فقال ليس هو كذلك إنما معناه استولى قال ابن الاعرابي اسكت ما يدريك ما هذا العرب لا تقول للرجل استولى على العرش حتى يكون له في مضاد فأيهما غلب قيل استولى عليه والله لا مضاد له وهو على عرشه كما أخبر # قال أبو الحسن بن مهدي الطبري فإن قيل فما تقولون في قوله ^ أأمنتم من في السماء ^ قيل له معنى ذلك أنه فوق السماء على العرش كما قال ^ فسيحوا في الأرض ^ بمعنى على الأرض وقال ^ لأصلبنكم في جذوع النخل ^ أي على جذوع النخل فكذلك قوله ^ أأمنتم من في السماء ^ # قال فإن قيل فما تقولون في قوله تعالى ^ وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ^ قيل له إن بعض القراء يجعل الوقف في ^ السموات ^ ثم يتبدى ^ وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ^ وكيف ما كان فلو أن قائلا قال

فلان بالشام والعراق ملك لدل على الملك بالشام والعراق لا أن ذاته فيهما قال فإن قيل ما تقول في قوله ^ ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ^ الآية قيل له كون الشيء مع الشيء على وجوه منها بالنصر ومنها بالصحبة ومنها بالمماسة ومنها بالعلم فمعنى هذا عندنا أن الله تعالى مع كل الخلق بالعلم # قال قال البخلي فإن قيل لنا ما معنى رفع أيدينا إلى السماء وقوله ^ والعمل الصالح يرفعه ^ قلنا تأويل ذلك أن أرزاق العباد لما كانت تأتي من السماء جاز أن نرفع أيدينا إلى السماء عند الدعاء وجاز أن يقال أعمالنا ترفع إلى الله لما كانت حفظة الأعمال إنما مساكنهم في السماء قيل له إن كانت العلة في رفع أيدينا إلى السماء أن الأرزاق فيها وأن الحفظة مساكنهم في السماء جاز أن نخفض أيدينا في الدعاء نحو الأرض من أجل أن الله يحدث فيها النبات والأقوات والمعاش وأنها قرارهم ومنها خلقوا أو لأن الملائكة معهم في الأرض فلم تكن العلة في السماء بما وصفه وإنما أمرنا الله تعالى برفع أيدينا قاصدين إليه لرفعها نحو العرش الذي هو مستو عليه # فإذا كان ابن فورك وسائر أئمة الأشعرية موافقين الكرامية وغيرهم على أن الله عز وجل نفسه فوق العرش وهم جميعا متفقون على مخالفة المعتزلة الذين ينفون ذلك ويتأولون الاستواء بمعنى الاستيلاء ونحو ذلك وهم جميعا متفقون على الاستدلال على أن الله فوق العالم بالآيات التي ذكرها هذا الرازي من ناحية مخالفية مثل قوله ^ إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ^ وقوله ^ يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ^ وقوله ^ أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ^ مثل ذلك في الآيات كما ذكرنا بعض ذلك وقد تنازع ابن فورك وأصحابه مع ابن الهيصم وأصحابه فإما أن يكون نزاعهم لفظيا أو معنويا

# فإن كان لفظيا لم يكن ذلك منافيا لاتفاقهم من جهة المعنى وإن كانت المعاني متفقة لم يضر اختلاف الألفاظ إلا إذا كان منهيا عنها في الشريعة # وإن كان النزاع معنويا فهو أيضا قسمان أحدهما اختلاف تنوع بأن يكون هؤلاء يثبتون شيئا لا ينفيه هؤلاء وهؤلاء ينفون شيئا لا يثبته هؤلاء فهذا أيضا ليس باختلاف معلوم إلا إذا كان كل منهما يدفع ما يقوله الآخر من الحق فإذا كان أحدهما يثبت حقا والآخر ينفي باطلا كان على كل منهما أن يوافق الآخر وإذا اختلفا كانا جميعا مذمومين وهذا من الاختلاف الذي ذمه الله تعالى في كتابه حيث قال سبحانه وتعالى ^ وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد ^ وقال ^ ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ^ وأمثال ذلك # وإن كانا قد تنازعا حقيقيا هما فيه متناقضان على حقيقة التناقض بحيث أن يكون أحدهما ينفي غير ما أثبته الآخر فهذا بعد اتفاقهم على إثبات أنه فوق العرش وفوق العالم ومخالفتهم جميعا للمعتزلة الذين سلك هذا الرازي وأمثاله مسلكهم في كتابه هذا التأسيس إنما يكون بأن يقول المثبت كونه فوق العرش يستلزم أن يكون في جهة أو يكون متحيزا أو أن يكون منقسما ونحو ذلك ويقول الثاني كونه على العرش لا يستلزم ذلك بل يجوز أن يكون على العرش ولا يكون جسما وهذا الثاني قول الأشعرية فالخلاف بينهم وبين الأشعرية إنه إذا كان على العرش هل يستلزم ذلك أن يكون جسما أو لا يستلزم ذلك # فإن كان هذا هو الخلاف المحقق بين ابن فورك وأصحابه وبين ابن الهيصم وأصحابه فإما أن يكون الصواب مع ابن فورك أو مع ابن الهيصم

# فإن كان الصوب مع ابن فورك ثبت حينئذ أنه إذا كان على العرش لم يستلزم ذلك أن يكون جسما ولا أن يكون مركبا أو منقسما ولا غير ذلك وإذا صح هذا بطل ما ذكره هذا المؤسس وأمثاله من أن كونه فوق العرش يستلزم التجسيم وحينئذ فيبطل جميع ما ذكره من الحجج في هذا الكتاب على ابطال كونه على العرش وإذا أقر بأنه فوق العرش فهو أعظم المقصود وحينئذ فيكون كلامه من جنس الأشعرية الأكابر المتقدمين # وإن كان الصواب مع ابن الهيصم وهو أن كونه فوق العرش يستلزم أن يكون جسما وهذا هو الذي يقوله هذا المؤسس وأمثاله من الأشعرية المتأخرين وهو الذي يقوله المعتزلة والفلاسفة الجهمية وأمثالهم فيكون هذا المؤسس وهؤلاء كلهم متفقون على أن الصواب في المناظرة كان مع ابن الهيصم دون ابن فورك # ومعلوم أن أهل الاثبات الذين يقولون هو على العرش ولا يتكلمون في الجسم بنفي ولا إثبات لا ينفون هذا الكلام أيضا وإن خالفهم بعضهم لفظا فيها ولا ينازع في ذلك نزاعا معنويا فيكون جماهير الخلائق من مثبتة الصفات ونفاتها مع ابن الهيصم # فقد ظهر بما ذكره أن تصويب بن فورك ومتقدمي الأشعرية يقتضي تخطئة الرازي ومتأخري الأشعرية الذي خالفوا متقدميهم في قولهم إن الله ليس على العرش وأن تصويب ابن الهيصم وتخطئة ابن فورك هو أولى بتخطئة هؤلاء المتأخرين النفاة لكونه على العرش وإذا كان كذلك ثبت خطأ هذا الرازي وذويه سواء كان المصيب هو ابن فورك أو هو ابن الهيصم وثبت اتفاق الطائفتين المتقدمتين من الأشعرية والكرامية على خطأ هؤلاء المتأخرين من

الأشعرية الموافقين للمعتزلة في نفي أن يكون الله فوق العرش وهذا هو المقصود الأكبر فيما ذكرناه # وأيضا فهذا الرازي وذووه يقولون هم وغيرهم إن العلم بأن كونه على العرش يستلزم أن يكون متحيزا أو أن يكون جسما علم ضروري وإذا كان كذلك كانوا مقرين بأن الكرامية أصوب من شيوخهم المتقدمين وأن ذلك معلوم بالاضطرار وإذا كان كذلك ثبت أن قول الكرامية هو الصواب دون قولهم وقول شيوخهم المتقدمين وذلك أيضا يستلزم أن يكون الله فوق العرش # وهذا يبين إنما تنازع فيه متقدمو الأشعرية ومتأخروهم ثبت به خطؤ إحدى الطائفتين منهم ولم يثبت خطؤ الكرامية في قولهم إن الله فوق العرش فإنه إن كان الصواب مع متقدميهم فهم والكرامية متفقون على أن الله فوق العرش وإن كانت الكرامية مخطئة على هذا التقدير في قولهم هو جسم فهذا لا يضر وإن كان الصوب مع متأخريهم أن كونه على العرش يستلزم التجسيم فهم والمتقدمون من الأشعرية متفقون على أن الله فوق العرش فيكون التجسيم حينئذ لازما للطائفتين جميعا فلا تكون إحداهما مصيبة والأخرى مخطئة # وإذا ثبت خطؤ احدى طائفتي الأشعرية تيقنا بالاتفاق إما مثبتو العلو وإما الملازمون بين العلو والجسم ولم يثبت خطؤ الكرامية المنازعين لهم في قولهم إنه على العرش لا على قول الأولين المثبتين العلو ولا على قول الآخرين الملازمين بين العلو والجسم ظهر أن الكرامية المنازعين الأشعرية في مسألة العلو والجسم أقرب إلى الصواب منهم فإن من ظهر خطؤه على كل تقدير أولى بالخطأ ممن لم يظهر خطؤه في المسألة الواحدة وهي المقصودة الكبرى على التقديرين جميعا وخطاهم في المسألة الأخرى وهي مسألة الجسم إنما يظهر على إحدى التقديرين فقط وهذا بين ظاهر

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:44 AM
# فإن الأشعرية قد ثبت لزوم الخطأ لهم بالضرورة إما لأوليهم وإما لآخريهم إذا كان النزاع معنويا تضادا كما تقدم وأما الكرامية فهم في مسألة كونه على العرش لم يظهر خطؤهم على التقديرين جميعا وفي مسألة الجسم إنما يكونون مخطئين على قول الأولين فقط إذ الآخرون من الأشعرية يوافقونهم على أن العلو يستلزم التجسيم وظهر بذلك أن كلما تنازع فيه هؤلاء لم يظهر فيه نفي أن يكون الله على العرش وذلك لأن هذا هو الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وهو القائل سبحانه وتعالى ^ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ^ الآية ودين الحق الذي بعث به رسوله ظاهر على كل تقدير # وأيضا فإن هذا معلوم بالفطرة والبديهة وقد ظهر بذلك أن متقدمي الأشعرية وأئمتهم هم أولى بالحق والصواب من متأخريهم وإن كان في قولهم ما يذكر أنه خطؤ فالخطاء الذي مع المستأخرين أعظم وأكثر وهذا لأن الكلام الذي فيه بدعة كلما كان أقرب إلى الفطرة والشرعة كان أقرب إلى الهدى ودين الحق وكلما بعدت البدعة عن ذلك تغلظت # وهذا مما يبين أن فطر الناس وبدائههم ممن ليس به هوى ولا تقليد سواء كان في الأمراء أو الملوك أو غيرهم فإنهم يعرفون بفطرتهم وبديهة عقولهم أن ما ذكره من أنه لا داخل العالم ولا خارجه إنما هو صفة المعدوم وأن الموجودين لابد أن يكون أحدهما قائما بالآخر محايثا له أي يكون حيث هو يكون أو يكون مباينا له منفصلا عنه في جبهه غير جهته # وما زال أئمة السنة يذكرون هذا مثل ما ذكره عبد العزيز الكناني صاحب الشافعي صاحب الحيدة المشهور بالرد على الجهمية والقدرية وغيرهم

قال في رده على الجهمية باب قول الجهمي في قول الله عز وجل ^ الرحمن على العرش استوى ^ زعمت الجهمية أنما قول الله ^ الرحمن على العرش استوى ^ أنما المعنى استولى كقول العرب استوى فلان على مصر استوى فلان على الشام يريد استولى عليهما باب البيان لذلك يقال له هل يكون خلق من خلق الله أتت عليه مدة ليس الله بمستول عليه فإذا قال لا قيل له فمن زعم ذلك فهو كافر ويقال له يلزمك أن تقول إن العرش قد أتت عليه مدة ليس الله بمستول عليه بعد خلق السموات والأرض قال وذلك أن الله أخبر أنه خلق العرش قبل السماوات والأرض ثم استوى عليه الله تعالى ^ وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ^ فأخبر أن العرش كان على الماء قبل خلق السموات والأرض ثم قال ^ خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فسأل به خبيرا ^ وقوله ^ الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ^ وقوله عز وجل ^ ثم استوى إلى السماء وهي دخان ^ وقوله عز وجل ^ ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات ^ فأخبر أنه استوى على العرش فيلزمك أن تقول المدة التي كان العرش فيها قبل خلق السموات والأرض ليس الله بمستول عليه إذا كان استوى على معناه عندك استولى فإنما استولى بزعمه في ذلك الوقت لا قبل # قال وقد روى عمران بن الحصين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أقبلوا البشرى يا بني تميم قالوا قد بشرتنا فاعطنا قال اقبلوا البشرى يا أهل اليمن قالوا قد قبلنا فاخبرنا عن أول هذا الأمر كيف كان قال كان الله قبل كل شيء وكان عرشه على الماء وكتب في اللوح ذكر كل شيء وروي عن أبي رزين العقيلي وكان يعجب النبي صلى الله عليه وسلم مسألته أنه قال يا رسول الله

أين كان الله قبل أن يخلق السموات والأرض قال كان في عماء فوقه هواء وتحته هواء ثم خلق عرشه على الماء # قال فقال الجهمي أخبرني كيف استوى على العرش أهو كما تقول العرب استوى فلان على السرير فيكون السرير حوى فلانا وحده إذا كان عليه فيلزمك أن تقول إن العرش قد حوى الله وحده إذا كان عليه لأنا لا نعقل الشيء على الشيء إلا هكذا باب من البيان لذلك يقال له أما قولك كيف استوى فإن الله لا يجري عليه كيف وقد أخبرنا أنه استوى على العرش ولم يخبرنا كيف استوى فوجب على المؤمنين أن يصدقوا ربهم باستوائه على العرش وحرم عليهم أن يصفوا كيف استوى لأنه لم يخبرهم كيف كذلك ولم تره العيون في الدنيا فتصفه بما رأت وحرم عليهم أن يقولوا عليه من حيث لا يعلمون فآمنوا بخبره عن الاستواء ثم ردوا علم كيف استوى إلى الله ولكن يلزمك أنت أيها الجهمي أن تقول إن الله محدود وقد حوته الأماكن إذ زعمت في دعواك أنه في الأماكن لأنه لا يعقل شيء في مكان إلا والمكان قد حواه كما تقول العرب فلان في البيت والماء في الجب فالبيت قد حوى فلانا والجب قد حوى الماء ويلزمك أشنع من ذلك لأنك قلت أشنع من ذلك لأنك قلت أفضع مما قالت به النصارى وذلك أنهم قالوا إن الله حل في عيسى وعيسى بدن انسان واحد فكفروا بذلك وقيل لهم ما أعظمتم الله تعالى إذ جعلتموه في بطن مريم وأنتم تقولون إنه في كل مكان وفي بطون النساء كلهم وبدن عيسى وأبدان الناس كلهم ويلزمك أيضا أن تقول في أجواف الكلاب والخنازير لأنها أماكن وعندك أنه في كل مكان تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا # قال فلما شنعت مقالته قال أقول بأن الله في كل مكان لا كالشيء في الشيء ولا كالشيء على الشيء ولا كالشيء مع الشيء خارجا عن الشيء ولا مباينا

للشيء باب البيان لذلك يقال له إن أصل قولك القياس والمعقول فقد دللت بالقياس والمعقول على أنك لا تعبد شيئا لأنه لو كان شيئا ما خلا في القياس والمعقول أن يكون داخلا في الشيء أو خارجا عنه فلما لم يكن في ذلك شيئا استحال أن يكون كالشيء أو خارجا عن الشيء فوصفت لعمري ملتبسا لا وجود له وهو دينك وأصل مقالتك التعطيل # وأما الحجة التي ذكرها عن ابن الهيصم فلم يذكر ألفاظها لكن ذكر أنه نظمها أحسن من نظمه ونحن في جميع ما نورده نحكي ألفاظ المحتجين بعينها فإن التصرف في ذلك قد يدخله خروج عن الصدق والعدل إما عمدا وإما خطأ فإن الانسان إن لم يتعمد أن يلوي لسانه بالكذب أو يكتم بعض ما يقوله غيره لكن المذهب الذي يقصد الانسان إفساده لا يكون في قلبه من المحبة له ما يدعوه إلى صوغ أدلته على الوجه الأحسن حتى ينظمها نظما ينتصر به فكيف إذا كان مبغضا لذلك والله أعلم بحقيقة ما قاله ابن الهيصم وما نقله هذا عنه لكن نحن نتكلم على ما وجدناه مع العلم بأن الكرامية فيهم نوع بدعة في مسألة الايمان وغيرها كما في الأشعرية أيضا بدعة لكن المقصود في هذا المقام ذكر كلامهم وكلام النفاة # ولا ريب أن أئمة الأشعرية وهم الذين كانوا أهل العراق كأبي الحسن الكبير وأبي الحسن الباهلي وأبي عبد الله بن مجاهد وصاحبة القاضي أبي بكر وأبي علي بن شاذان ونحوهم لم يكونوا في النفي كأشعرية خراسان مثل أبي بكر بن فورك ونحوه بل زاد أولئك في النفي أشياء على مذهب

أبي الحسن ونقصوا من إثباته أشياء ولهذا يوجد في كلام أبي الحسن الأشعري وكلام أبي سعيد بن كلاب الذي ذكره أبو بكر بن فورك فيما جمعه من كلامهما وبيان مذهبهما أشياء تخالف ما انتصر له ابن فورك في مواضع # وهذه الحجة القياسية التي ذكرها عن ابن الهيصم هي مأخوذة من حجة أهل الاثبات في مسألة رؤية الله وأنهم كانوا يحتجون على جواز رؤية الله بأن الله قادر على أن يرينا نفسه لأنه موجود وما لم تمكن رؤيته لا يكون إلا معدوما وهذه الحجة كانوا يتكلمون فيها كنحو كلام أهل الاثبات في مسألة العلو تارة يحتجون فيها بالعلم الضروري بأن الله تعالى قادر على ذلك وتارة يثبتون ذلك بالقياس فإن الرؤية مما يشترك فيها الجواهر والأعراض فيكون عليها أمر مشترك بينهما ولا مشترك إلا الوجود والحدوث لا يكون علة فثبت أن المصحح للرؤية هو الوجود # وهذه الطريقة القياسية مشهورة عن أبي الحسن الأشعري وللناس عليها اعتراضات معروفة كما ذكر ذلك الشهرستاني وغيره ولذلك عدل طائفة من أتباعه كالقاضي أبي بكر إلى أن أثبتوا إمكان الرؤية بالسمع كما أن وقوعها معلوم بالسمع بلا نزاع وأبو عبد الله الرازي قد ذكر طريقة الأشعري هذه في الرؤية في نهايته وذكر ما فيها من القوادح التي يظهر معها وهاها # وإذا علم ذلك فينبغي أن يعلم لأمران أحدهما أن الطريقة التي سلكها أهل الاثبات في مسألة العلو بدعوى الضرورة تارة وبالقياس الذي احتج به ابن الهيصم وغيره تارة أصح من الطريقة التي يسلكونها في مسألة الرؤية بدعوى الضرورة تارة وبالقياس أخرى كما قد ذكرنا فيما قبل أن العلم بأن الله

تعالى فوق خلقه أعرف في الفطرة وأشهر في الشريعة وأعظم استقرارا عند سلف الأمة وأئمتها من العلم بأنه يرى وأن الجهمية كانوا يكتمون إنكار ذلك ويتظاهرون بإنكار الرؤية ونحوها ليتوسلوا بما يظهرونه من إنكار الرؤية والقول القرآن على ما يكتمونه من إنكار وجود الله فوق العرش وكان أئمة السلف يعلمون ذلك منهم فيعرفونهم في لحن القول ويستدلون بما أظهروه على ما أسروه لعلمهم بأصل كلامهم وأنهم إنما أنكروا رؤيته وأنكروا أنه يتكلم حقيقة لأن رؤيته وكلامه مستلزم لوجوده فوق العالم فإذا سلموا الكلام والرؤية وغيرهما لزمهم تسليم أنه فوق العرش وغير ذلك إذ يقال لو كان على العرش لجازت رؤيته ولكان متكلما ومالا يجوز أن يرى يمتنع أن يكون فوق العرش # فلما كانت مسألة العلو هي في نفسها أعظم وأدلتها أقوى وأكثر والمقرون بها أكثر وأكثر من السلف والأئمة والعامة كانت الطريقة التي يسلكها أهل الإثبات فيها أقوى من الطريقة التي يسلكوها في مسألة الرؤية # وبيان ذلك أن اعتراف الفطر بأن الله فوق العالم أعظم من اعترافها بأنه يرى ودلالة الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة على ذلك أعظم من دلالة هذه الأصول على رؤية الله تعالى واعتراف القلوب بأن مالا يكون داخل العالم ولا خارجه لا يكون إلا معدوما أعظم من أعترافها بأن مالا يمكن رؤيته لايكون إلامعدوما وما في القلوب من البديهة والضرورة إلى الأول أعظم مما فيها من الضرورة والبديهية إلى الثاني وكذلك اعترافها بديهة وضرورة بأن كل موجودين لابد أن يكونا متباينين أو متحايثين أعظم من اعترافها بأن كل موجود فلابد وأن تمكن رؤيته # وإذا كان الأمر كذلك ظهر أن الطريقة القياسية التي سلكها ابن الهيصم ونحوه في مسألة العلو أقوى من الطريقة التي سلكها الأشعري ونحوه وابن الهيصم

أيضا في عين مسألة الرؤية وكلاهما سلك طريقة ينصر بها الاثبات الذي جاء به الكتاب والسنة واتفق عليه سلف الأمة # وكل ما ذكره الرازي من القوادح في هذه الطريقة التي سلكها ابن الهيصم فإنما هي قدح في الأصول العقلية التي سلكها أئمة الأشعرية وغيرهم فهدمه وهدم ابن فورك ونحوه بما ذكروه لأصول أصحابهم وأئمتهم أعظم من هدمهم للأصول التي تذكرها الكرامية وغيرهم في مسألة العرش وهذا بين يعرفه من شدى شيئا من النظر في هذه المواضع ومن عرف ما اعتمده من الأصول في مسألة الرؤية وعلم ما اعتمده هؤلاء في مسألة العرش # الأمر الثاني أنا نذكر أن الطريقة التي سلكها أهل الاثبات في الرؤية ليست من الضعف كما يظنه اتباع الأشعري مثل الشهرستاني والرازي وغيرهما بل لم يفهموا غورها ولم يقدروا الأشعري قدره بل جهلوا مقدار كلامه وحججه وكان هو أعظم منهم قدرا وأعلم بالمعقولات والمنقولات ومذاهب الناس من الأولين والآخرين كما تشهد به كتبه التي بلغتنا دع ما لم يبلغنا فمن رأى ما في كتبه من ذكر المقالات والحجج ورأى ما في كلام هؤلاء رأى بونا عظيما # وإذا ظهر أن طريقهم في الرؤية أقوى مما يظنه هؤلاء كان ذلك تنبيها على أن طريقة ابن الهيصم في العلو أولى أن تكون أقوى منها وأن يكون القدح فيها دون القدح في تلك ثم نبين إن شاء الله تعالى بالكلام المفصل أن عامة ما ذكره الرازي من القدح فيها قدح باطل ولا حول ولا قوة إلا بالله

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:45 AM
# والله هو المسئول أن يوفقنا للكلم الطيب والعمل الصالح وهو الذي يقوله وإن كان فيه حكم بين هؤلاء الذين يخوضون أحيانا بكلام مذموم عند السلف لكن قد ذكرنا غير مرة أن من حكم الشريعة إعطاء كل ذي حق حقه كما في السنن عن عائشة قالت أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم وأن من كان منهم أقرب إلى الحق والسنة عرفت مرتبته ووجب تقديمه في ذلك الأمر على ما كان أبعد عن الحق والسنة منه قال تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم ^ وأمرت لأعدل بينكم ^ وقال تعالى ^ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ^ وقال في حق أهل الكتاب ^ وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ^ وقال ^ فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم عما جاءك من الحق ^ فكيف الحال بين طوائف أهل القبلة بل الحكم بين من فيه فجور ومن فيه بدعة بالعدل ووضعهم مراتبهم وترجيح هذا من الوجه الذي هو فيه أعظم موافقة للشريعة والحق أمر واجب ومن عدل عن ذلك ظانا أنه ينبغي الاعراض عن الجميع بالكلية فهو جاهل ظالم وقد يكون أعظم بدعة وفجورا من بعضهم # قال أبو الحسن الأشعري في الابانة بعد أن احتج بحجج كثيرة جيدة على اثبات الرؤية من الكتاب والسنة والاجماع ومقصوده الأكبر في الابانة ذكر الحجج السمعية دون القياسية المبنية على الكلام في الجواهر والأعراض فإنه يختصرها فقال بعد ذلك ومما يدل على جواز رؤية الله بالأبصار أنه ليس موجودا غير مستحيل أن يريناه وإنما لا يجوز أن يرى المعدوم فلما كان الله موجودا مثبتا كان غير مستحيل أن يرينا نفسه عز وجل

وإنما أراد من نفي الرؤية لله عز وجل بالأبصار التعطيل فلما لم يمكنهم ذلك صراحا أظهروا ما يؤول بهم إلى التعطيل وجحدوا الله تعالى تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا # قال ومما يدل على جواز رؤية الله تعالى بالأبصار أن الله تعالى يرى الأشياء وإذا كان للأشياء رائيا وليس يجوز أن يرى الأشياء من لا يرى نفسه وإذا كان لنفسه رائيا فجائز أن يرينا نفسه وذلك أنه من لا يعلم نفسه لا يعلم شيئا فلما كان الله تعالى عالما بالأشياء كان عالما بنفسه فكذلك من لا يرى نفسه لا يرى الأشياء فلما كان الله رائيا للأشياء كان رائيا لنفسه وإذا كان رائيا لها فجائز أن يرينا نفسه كما أنه لما كان عالما بنفسه جاز أن يعلمناها وقد قال الله عز وجل ^ أنني معكما أسمع وأرى ^ فاخبر أنه سمع كلامهما ويراهما ومن زعم أن الله لا يرى بالأبصار يلزمه أن لا يجوز أن يكون الله عز وجل عالما ولا قادرا ولا رائيا لأن العالم القادر الرائي جائز أن يرى # قلت وهذا المعنى الذي ذكره الأشعري من أن الموجود يقدر الله على أن يريناه وأن المعدوم هو الذي لا يجوز رؤيته فنفي رؤيته يستلزم نفي الوجود هو مأخوذ من كلام السلف والأئمة كما ذكره حنبل عن الامام أحمد ورواه الخلال عنه في كتاب السنة قال القوم يرجعون إلى التعطيل في كونهم ينكرون الرؤية # وذلك أن الله على كل شيء قدير وهذا لفظ عام لا تخصيص فيه فأما الممتنع لذاته فليس بشيء باتفاق العقلاء وذلك أنه متناقض لا يعقل وجوده فلا يدخل في مسمى الشيء حتى يكون داخلا في العموم مثل أن يقول القائل

هل يقدر أن يعدم نفسه أو يخلق مثله فإن القدرة تستلزم وجود القادر وعدمه ينافي وجوده فكأنه قيل هل يكون موجودا معدوما وهذا متناقض في نفسه لا حقيقة له وليس بشيء أصلا وكذلك وجود مثله يستلزم أن يكون الشيء موجودا معدوما فإن مثل الشيء ما يسد مسده ويقوم مقامه فيجب أن يكون الشيء موجودا معدوما قبل وجوده مفتقرا مربوبا فإذا قدر أنه مثل الخالق تعالى لزم أن يكون واجبا قديما لم يزل موجودا غنيا ربا ويكون الخالق فقيرا ممكنا معدوما مفتقرا مربوبا فيكون الشيء الواحد قديما محدثا فقيرا مستغنيا واجبا ممكنا موجودا معدوما ربا مربوبا وهذا متناقض لا حقيقة له وليس شيء أصلا فلا يدخل في العموم وأمثال ذلك # أما خلق قوة في العباد يقدرون بها على رؤيته فإن ذلك يقتضي كمال قدرته وما من موجود قائم بنفسه إلا والله قادر على أن يرينا إياه بل قد يقال ذلك في كل موجود سواء قام بنفسه أو قام بغيره # وهنا طريقة أخرى وهي أن نقول كل موجود فالله قادر على أن يجعلنا نحسه بأحد الحواس الخمس وما لا يكون ممكن إحساسه باحدى الحواس الخمس فإنه معدوم وهذه الطريقة مما بين الأئمة أن جهما يقول بأن الله معدوم لما زعم أنه لا يحس بشيء من الحواس لأن الموجود لابد أن يمكن إحساسه باحدى الحواس كما ذكر الامام أحمد أصل قوم جهم # قال وكذلك الجهم وشيعته دعوا الناس إلى المتشابه من القرآن والحديث واضلوا بكلامهم بشرا كثيرا فكان مما بلغنا من أمر الجهم عدو الله أنه كان صاحب خصومات وكلام وكان أكثر كلامه في الله فلقي أناسا من المشركين يقال لهم السمنية فعرفوا الجهم فقالوا نكلمك فإن ظهرت حجتنا عليك دخلت في ديننا وإن ظهرت حجتك علينا دخلنا في دينك

وكان مما كلموا به الجهم أن قالوا ألست تزعم أن لك الها قال الجهم نعم فقالوا له فهل رأيت إلهك قال لا قالوا فهل سمعت كلامه قال لا قالوا فشممت له رائحة قال لا قالوا فوجدت له حسا قال لا قالوا له فوجدت له مجسا قال لا قالوا فما يدريك أنه إله قال فتحير الجهم فلم يدر من يعبد أربعين يوما ثم إنه استدرك حجة مثل زنادقة النصارى وذلك أن زنادقة النصارى يزعمون أن الروح الذي في عيسى هي روح الله من ذات الله فإذا أراد أن يحدث أمرا دخل في بعض خلقه فتكلم على لسان خلقه فيأمر بما شاء وينهى عما شاء وهو روح غائب الأبصار فاستدرك الجهم حجة مثل هذه الحجة فقال للسمني ألست تزعم أن فيك روحا قال نعم قال فهل رأيت روحك قال لا قال فهل سمعت كلامه قال لا قال فوجدت له حسا أو مجسا قال لا قال فكذلك الله لا يرى له وجه ولا يسمع له صوت ولا يشم له رائحة وهو غائب عن الأبصار ولا يكون في مكان دون مكان ووجد ثلاث آيات من المتشابه من القرآن قوله ^ ليس كمثله شيء ^ ^ وهو الله في السموات وفي الأرض ^ ^ ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ^ فبنى أصل اضلاله على هؤلاء الآيات وتأول القرآن على غير تأويله وكذب بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وزعم أن من وصف الله بشيء مما وصف به نفسه في كتابه أو حدث به رسوله كان كافرا وكان من المشبهة فأضل بكلامه بشرا كثيرا واتبعه على قوله رجال من أصحاب أبي حنيفة وأصحاب عمرو بن عبيد بالبصرة ووضع دين الجهمية فإذا سألهم الناس عن قول الله عز وجل ^ ليس كمثله شيء ^ يقولون ليس كمثله شيء من الأشياء وهو تحت الأرضين السابعة كما هو على العرش لا يخلو منه مكان ولا يكون في مكان دون مكان ولا يكلم ولا يتكلم ولا ينظر

إليه أحد في الدنيا ولا في الآخرة ولا يوصف بصفة ولا بفعل ولا له غاية ولا له منتهى ولا يدرك بعقل وذكر تمام كلامه وقد كتبناه قبل هذا إلى أن قال فعند ذلك تبين للناس أنهم لا يثبتون شيئا ولكن يدفعون عن أنفسهم الشنعة بما يقرون في العلانية وذكر تمام الكلام # والمقصود أنه بين أن وصفه بأنه لا يعرف بشيء من الحواس هو أصل كلامه الذي لزمه به التعطيل وأنه لا يثبت شيئا لأن مالا يكون كذلك لا يكون شيئا # وهذا أمر مستقر في فطر المؤمنين لا يشكون في أن الله تعالى قادر على أن يريهم نفسه وإنما يشكون هل يكون ذلك أو لا يكون كما سأل المؤمنون النبي صلى الله عليه وسلم هل نرى ربنا يوم القيامة فقال نعم هل تضارون في رؤية الشمس وهذا ثابت في الأحاديث الصحيحة المستفيضة المتواترة فإنما كانوا شاكين هل يرون ربهم لم يكونوا شاكين هل يقدر على أن يريهم نفسه وكذلك في المعاد يعلمون أنهم عاجزون عن رؤيته كما أنهم عاجزون عن رؤية الأشياء البعيدة والأشياء اللطيفة مع علمهم عن أن يقدموا بسمعه م وبصرهم على أكثر مما هم قادرين عليه كما يعجزون أن الله قادر على أن يريهم ذلك وكذلك من قبلهم من الأمم ولهذا سأل موسى ربه الرؤية وسأل قومه أن يروا الله جهرة كما سألوا سائر الآيات فإنهم وإن كانوا مذمومين على مسألة الآيات فليسوا مذمومين على علمهم بأن الله قادر عليها كما يسأل الرجل ما لا يصلح وهو من الاعتداء في الدعاء مثل أن يسأل منازل الأنبياء ونحو ذلك فإن الله قادر على ذلك ولكن مسألة هذا عدوان # ولهذا لا يوجد أن أحدا من الأمم السليمة الفطرة قال إن رؤية الله ممتنعة عليه يعني أنه لا يجوز أن يكون مرئيا بحال وليس في مقدوره أن يرى أحدا

نفسه بل هم إذا نفوا الرؤية كان لعظمته من جهة القدر أو الوصف مثل قوله ^ لا تدركه الأبصار ^ أي لا تحيط به ومثل قوله صلى الله عليه وسلم نور أنى أراه وقال رأيت نورا وهذا في المخلوقات فالخالق أعظم فإن السماء ينفى عنها إدراك البصر لسعتها والشمس لبرهانها وشعاعها الذي يعشى البصر فيكون ذلك لعجز البصر عن وصف المرئي وقدره # أما أن يقال إن موجودا عظيما يمتنع في نفسه أن يكون مرئيا كما يمتنع ذلك في المعدوم فهذا خلاف ما فطر الله عليه عباده بل حيث كان الوجود أكمل كان أحق بأن يجوز أن يرى ويشهد لكن بشرط قوى الرائي وكماله ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة أنكم ترون ربكم كما ترون الشمس والقمر لا تضامون في رؤية وفي رواية كما ترون الشمس صحوا ليس دونها سحاب فقوله لا تضامون ولا تضارون نفي لأن يلحقهم ضيم أو ضير كما يلحقهم في الدنيا في رؤية الشيء إما لظهوره كالشمس أو لخفائه كالهلال # أما المعدوم فالاحساس به برؤية أو غيرها يقتضى أن يكون موجودا معدوما فإن كونه معدوما يقتضى أنه ليس في الخارج فرؤيته في الخارج تقتضي أنه في الخارج فيقتضي الجمع بين النقيضين الوجود والعدم وهذا باطل ممتنع لا حقيقة له أصلا فلا يدخل في مسمى الشيء حتى يقال إن الله عليه قدير فإنه سبحانه على كل شيء قدير وهذا ليس بشيء أصلا نعم صورة المعدوم الثابتة في العلم قد تنازع الناس في جواز رؤيتها وتنازعوا كذلك في جواز رؤية الله للمعدومات لثبوتها في علمه والنزاع فيها مشهور

# وأما الحجة القياسية المشهورة في هذا الباب التي احتج بها الأشعري وغيره فإن هذا الرازي قد ذكرها في نهايته وأورد عليها اعتراضات كثيرة تهدمها وكذلك من قبله كالشهرستاني وغيره ولم يقفوا على غورها ولا أعطوها حقها وليس هذا موضع بسطها لكن ننبه عليها فإنا قد قدمنا فيما تقدم أن الأمثال المضروبة إذا كانت من باب الأولى جاز استعمالها في حق الله تعالى كما ورد به القرآن والسنة واستعملها السلف والأئمة كما يقال إذا كان العبد ينزه نفسه عن شريك أو أنثى فتنزيه ربه أولى وإذا كان العبد عالما قادرا فالله أولى # وكذلك هذه فإن حاصلها أنه إذا جاز رؤية الموجود المحدث الممكن فرؤية الموجود الواجب القديم أولى وإذا كان المخلوق الناقص في وجوده يجوز أن يرى ويحس به فالرب الكامل في وجوده أحق بأن يرى فإن كون الشيء بحيث يرى كمال في حقه لا نقص لأن كونه لا يرى ولا يحس به لا يثبت في الشاهد إلا للمعدوم فكل صفة لم نعلمها تثبت إلا لمعدوم فإنها لا تكون صفة نقص إلا بالنسبة إلى وجود آخر هو أكمل منها وكل صفة لا تثبت للمعدوم ولا يختص بها الناقص فإنها لا تكون إلا صفة كمال وهذه طريقة في المسألة يتبين بها أن جواز الرؤية من صفات الكمال التي هو الباري أحق بها من المخلوقات # ونظيرها في مسألة العلو أن علو الشيء بنفسه على غيره صفة كمال كما أن قدرته عليه صفة كمال وإذا كان كذلك فالله أحق بهذه الصفة من جميع ما يوصف بها غيره فيجب أن يكون عاليا بنفسه وكذلك تميزه بذاته عن غيره هي صفة لا يوصف بها المعدوم ولا تختص بالناقصات فتكون صفة كمال فيجب إنصاف الله بها وذلك يوجب مباينته للعالم

# لكن قد علم أنا لم نكتب هنا ما يحتج به أهل الإثبات ولكن تكلمنا على ما ذكره الرازي ولوازمه فبينا أن هذه الحجة القياسية المذكورة في الرؤية مضمونها أنا إنما نرى الأشياء لكونها موجودة والله سبحانه وتعالى موجود بل هو أكمل في الوجود فيجب أن تكون رؤيته جائزة # وتلخيصها أن يقال لا ريب أنا نرى الموجودات من الجواهر والأعراض كالألوان والمقادير مثل الطول والقصر ونحوهما دون المعدومات واختصاص الرؤية بالموجود دون المعدوم يقتضي أن المقتضي لجواز الرؤية مختص بالموجود ومعنى هذا أنه لا يجوز أن يكون الموجود والمعدوم في الرؤية سواء إذا لو كانا متماثلين في ذلك لم يجز اختلافهما في رؤية أحدهما دون الآخر فليس المراد بقولنا إن علة الرؤية والمقتضي لها مختص بالموجود إثبات علة أو سبب زائد على حقيقة الموجود مقتض لصحة رؤيته كما توهمه من قال في الأحكام ما يعلل منها ما لايعلل فيجوز أن تكون الرؤية من الأحكام التي لا تعلل بل المراد أن كون أحد الجنسين تصح رؤيته دون الآخر يقتضي اختلافهما في ذلك وعدم تماثلهما سواء كان سبب هذا الاختلاف نفس ذات الموجود أو صفة له أو غير ذلك وهذا لا ينازع فيه من فهمه # وإذا كان المقتضي لجواز الرؤية مختصا بالموجود فإما أن يكون قدرا مشتركا بين المرئيات من الجواهر والأعراض أو أمرا مختصا ببعضها لكن الثاني باطل فإن الحكم المشترك يجب أن يكون سببه مشتركا لأنه لو كان سببه مختصا كان الحكم موجودا مع وجوده وموجودا مع عدمه فلا يكون الحكم متوقفا عليه بل يكون ذلك الوصف عديم التأثير فيه لا أثر له في وجوده إذ هو موجود مع عدمه كوجوده مع وجوده وهذا بين وقد نبهنا

عليه فيما تقدم في تماثل العلل والمعلولات وتكلمنا على النقض وعدم التأثير وبينا الفرق بين العلة التامة التي لا تتبعض وغير التامة وعلى هذا فرؤية كل شيء خاص من نوع أو شخص يشارك رؤية غيره في مطلق الرؤية ويفارقها في خصوص رؤية ذلك النوع أو البعض كما أن المرئي يشارك غيره في كونه موجودا مرئيا ويفارقها بخصوص نوعه أو شخصه فيكون الحكم المطلق المشترك وهو مطلق الرؤية معلقا بالقدر المشترك بين المرئيات والحكم الخاص وهو الرؤية الخاصة معلقا بالقدر المختص في كل نوع وشخص على حدته # وبهذا التحقيق يندفع ما يقال هناك إن الرؤية قد تكون معلقة بخصوص المرئي مثل أن تكون رؤية الجواهر والأعراض معلقة تخص الأعراض فإنه إذا فهم أن الرؤية جنس تحتها أنواع كالمرئيات وأن العام المطلق يضاف إلى العام المطلق والخاص المقيد يضاف إلى الخاص المقيد اندفع هذا وغيره ويزول ما ينقض العلة ويبين عدم تأثيرها # وإذا كان كذلك وأن المقتضي لها مشترك فالمشترك بين المرئيات من الأعيان القائمة بأنفسها والصفات القائمة بغيرها إما الوجود ولوازمه وإما غير ذلك والذي هو غير ذلك هو أخص من الوجود وما كان غير ذلك فلابد أن يستلزم العدم سواء قيل هو الحدوث أو غير ذلك مثل بعض لوازم الحدث لأن المشترك إذا لم يكن هو الوجود ولا شيئا من لوازمه التي يلزم من عدمها عدم الوجود كان أخص من الوجود بحيث يكون وجود خاص لئلا يلزم من عدم هذا الوجود الخاص عدم الوجود بالكلية إذ كل ما هو مساو للوجود في العموم أو هو أعم منه كالمعلوم والمذكور يلزم من نفيه نفي الوجود وهو من لوازم الوجود والكلام هنا في القسم الثاني الذي ليس الوجود ولا شيئا من لوازمه ولم نقل ولا شيئا من لوازمه وهذا الوجود الخاص الذي يقدر أنه سبب الرؤية لا يجوز أن يكون

هو الوجود الواجب فإنا تكلمنا في رؤية المشهودات المخلوقة مع أن علة الرؤية إذا كانت هو الوجود الواجب كان ذلك أبلغ في جواز رؤية الله تعالى فإنه سبحانه هو الوجود الواجب لكن ليس الأمر كذلك # وإذا كان الأمر كذلك فهذا المقتضي للرؤية على هذا التقدير الذي هو أخص من الوجود إما أن يكون ما يدخل فيه الوجود الواجب أو لا يكون فإن كان المقتضي لجواز الرؤية ما يتناول الوجود الواجب ثبت أن المقتضي لجواز الرؤية أمر مشترك بين الوجود الواجب وبين غيره من المرئيات وهذا هو المطلوب # وإن كان المقتضي الأخص لا يدخل فيه الوجود الواجب وجب أن يكون مختصا بما عدا الوجود وهذا سواء كان هو الامكان أو الحدوث أو ما هو أخص من الإمكان والحدوث مثل التحيز أو المقابلة عند من يقول ذلك هو المقتضي للرؤية وهو منتف في حق الله أو المشروط بالثمانية التي يذكرها المعتزلة أو غير ذلك وكل هذه الأمور إذا قيل بانتفائها عن واجب الوجود واختصاصها بالمخلوق فإنها مستلزمة للعدم وأقل ما يكون القبول العدم فإن كل مالا يدخل في الوجود الواجب فهو قابل للعدم بل هو معدوم تارة وموجود أخرى وإذا كان كذلك ظهر أن المقتضي للرؤية إذا لم يكن هو الوجود أو لوازمه كان مستلزما للعدم وإن شئت لقبول العدم وبهذا التقسيم الدائر بين النفي والاثبات انقطع ما يورد هنا من السؤالات # وإذا كان كذلك لم يجز أن يكون المقتضي لرؤية المرئيات أمر يشترط فيه العدم أو قبوله لأن كونه معدوما أو قابلا للعدم لا يكون مقتضيا لأمر وجودي فالرؤية أمر وجودي والأمر الوجودي لا تكون علته أمر عدمي والعلم بهذا بديهي لمن تصوره لكن قد يكون الأمر العدمي مستلزما لوجود مثل عدم

الموانع المستلزمة لكمال العلة بوجود شروطها التي هي أجزاء العلة التامة فيضاف الحكم إلى ذلك العدم ويكون ذلك إضافة إلى علة ناقصة والعلة الناقصة تكون جزءا وشرطا من العلة التامة والعدم وإن كان في الظاهر جزءا من العلة التامة فلابد أن يستلزم أمرا وجوديا وإلا فيمتنع أن يكون العدم علة للوجود أو جزءا من علة الحقيقة بوجه من الوجوه وإذا كان كذلك امتنع أن يكون المقتضي للرؤية التي هي أمر موجودا أمرا يستلزم العدم أو قبول العدم لأنه يكون العدم أو قبول العدم جزءا من علة الأمر الموجود وهذا باطل # فإن قيل هذا أو قبوله إنما كان علة للأمر الموجود لأنه يستلزم أمرا وجوديا كان ذلك الوجود هو جزء العلة في الحقيقة فلا يكون علة الرؤية إلا الوجود أو لوازم الوجود لا يكون ما يستلزم العدم أو قبوله وإذا لم تكن العلة ما يستلزم العدم أو قبوله بطل أن يكون علة الرؤية الحدوث أو شيئا يختص بالمحدثات أو ببعضها أو الامكان أو وصفا يختص بالممكنات أو ببعضها ووجب أن يكون قدرا مشتركا بين القديم والمحدث بين الواجب والممكن بل أن يكون القديم الواجب أحق به فإنه إن كان هو الوجود فظاهر وإن كان شيئا من لوازم الوجود فذلك الوصف متى انتفى انتفى الوجود فلا يكون ثابتا إلا بثبوت الوجود ومن المعلوم أن الوجود وجميع لوازم الوجود مشتركة بين الواجب والممكن والقديم والمحدث وإذا كان كذلك ثبت أن المقتضي للرؤية أمر ثابت في حق الله تعالى القديم الواجب الوجود فتكون رؤية الله جائزة بل تكون أحق بجواز الرؤية لأن وجوده أكمل من وجود غيره # ومن فهم هذه الحجة على هذا الوجه ظهر له أنها برهانية وأمكنه دفع تلك السؤالات الكثيرة التي تورد إذا ذكرت على هذا النظم ولولا أن هذا ليس

موضع ذلك وإلا كنا نفعل ذلك مفصلا لكن فالجواب عما أورده على هذه الحجة في احتجاج ابن الهيصم بها في مسألة العلو فظهر أصل الجواب في مسألة الرؤية وقد ظهر أن حجة ابن الهيصم لم يقررها هو تقريرا جيدا # فإذا أردت تلخيص هذه الحجة فقل الرؤية مختصة بالموجود دون المعدوم وهذا الاختصاص إما أن يكون للموجود أو لما يساويه في العموم والخصوص أو لما هو أعم منه أو لما هو أخص منه فإن جازت لموجود أو لما يساويه أو لما هو أعم منه جاز رؤية كل موجود لثبوت الوجود أو ما يساويه أو ما هو أعم منه لكل موجود وإن كان لما هو أخص من الوجود فإذا كان لما يندرج فيه الواجب جاز رؤيته أيضا لوجود نقيضها وهو الوصف الذي يوجد للواجب وغيره وإن كان لا يندرج فيه الواجب فما سوى الواجب فهو محدث عند أهل الملل قد كان معدوما وهو قابل للعدم بلا نزاع فيكون المقتضي للرؤية لا بد أن يشترط فيه العدم أو قبوله ولا يجوز ذلك لأن الأمور الوجودية لا يشترط في علتها العدم ولا قبول العدم وطرد هذه الحجة يوجب ثبوت كل أمر وجودي # ويقال على هذا جميع النقائص التي يجب تنزيهه تعالى عنها فإنما هو لاستلزامها العدم وأما الوجود من حيث هو وجود فهو كمال فلا يجوز نفيه عنه وهذه الطريق توافق قول من يقول الكمال وهو الوجود وتوابعه كالسمع والبصر والكلام فإنها وجود ليس فيها عدم والنقائص التي هي ضد هذه فيها العدم وهو عدم هذه الأمور

# وكلام السلف والائمة موافق لهذه الطريقة حيث كانوا ينزهونه عن النقائص التي يشبه فيها المعدوم او الموات العادم لصفات الكمال وهذا موافق ما قدمناه قبل هذا من ان ما كان صفة للعدم لم يجز ان يوصف الله به وانما يوصف من السلوب بما كان مستلزما للوجود اذ العدم المحض ليس فيه ثناء وحمد وصفات الله فيها الثناء والحمد وهذا يطابق ان الموجود من حيث هو فيه الثناء والحمد والحمد لله رب العالمين # ونكتة هذه الحجة ان كل حكم ثبت لمحض الوجود فالوجود الواجب اولى به من الممكن وكذلك من الامثال المضروبة وهي الاقيسة العقلية ولله المثل الاعلى ان كل كمال ثبت لموجود فالواحب اولى به من الممكن وكل كمال يوجد في المربوب فالرب اولى به من العبد وهذا مما سلكه الفلاسفة لكن يعبرون بمعنى التولد فيقولون كل كمال ثبت للمعلول فانه من اثر العلة والعلة اولى به من المعلول وهذه اقيسة عقلية وامثال مضروبة ولله المثل الاعلى تستعمل في عامة الامور الالهية كما ورد الكتاب والسنة بنحو ذلك كما قد بيناه في غير هذا الموضع # وقولنا في هذه الحجة كل حكم ثبت لمحض الوجود يخرج الاحكام التي تتضمن العدم مثل الاكل والشرب فان ذلك يستلزم كون الآكل والشارب اجوف بحيث يحصل الغذاء الذي هو اجسام في محل خال لا سيما اذا كان قد خرج غيره بالتحلل ويكون بدل المتحلل فيكون متضمنا خروج شيء من الجسم وذلك نقص منه وهو صفة عدمية ووجود اجزاء فيه وذلك يستلزم خاليا وهو نقص فيه وهو صفة عدمية وهذا ينافي الصمدية فان الصمد هو الذي لا جوف له فلا يأكل ولا يشرب ولا يلد ولا يخرج منه شيء ولا غيره

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:46 AM
من جنس الفضلات التي تخرج من الانسان فان دخول جسم فيه او خروج جسم منه يتضمن النقص المستلزم لامر عدمي وهذا ينافي الصمدية وليس هو من الاحكام الثابتة لمحض الوجود بل من الاحكام المتضمنة وجودا او عدما فلا جرم لم يكن سبب ذلك وصفا يتناول الواجب والممكن بل وصف يختص بالممكن المحدث وهو الحاجة والافتقار في الطعام لا خلاف بدل ما يتحلل من البدن وفي الانزال لدفع الضرر الحاصل بسبب المني بمنزلة اخراج الدم عند الحاجة فوجود جسم فيه يضاره ويضاده عجز وفقر من خصائص المخلوق وحاجته الى جسم خارج يستوفيه يتم به وجوده فقر وحاجة من خصائص المخلوق # ولهذا كان اهل الجنة يأكلون ويشربون وينكحون ولا يبولون ولا يبصقون ولا يتمخطون ولا يتغوطون ولا يمنون وانما يتحلل الطعام عنهم برشح كرشح المسك لان تلك الفضلات مضادة للبدن مؤذية له وليس في الجنة اذى واما الاكل والشرب فانما هو استكمال بعد نقص وهذا من لوازم المخلوقات وهذا مبسوط في غير هذا الموضع ولهذا قال سبحانه ( ما المسيح بن مريم الا رسول قد خلت من قبله الرسل وامه صديقة كانا يأكلان الطعام ) فأكل الطعام ينافي الصمدية ويوجب الفقر والحاجة المنافي للربوبية من وجوه متعددة # وهذا سائر الاحكام التي تعرض لبعض الموجودات والرب منزه عنها مثل السنة والنوم هما من الاحكام المتضمنة امرا عدميا فليس هو من احكام الوجود المحض ولهذا كان اهل الجنة مع كونهم موجودين لا ينامون فان النوم اخو الموت وهو يتضمن امرا عدميا وكذلك العجز والجهل والصمم والعمي وسائر ما ينافي صفات الكمال وان وصف به بعض الموجودات فانه متضمن امرا عدميا وهذا معنى النقص فان النقص يتضمن امرا عدميا

وكل ما تضمن عدما محضا فان الله لا يوصف به فانه يقتضي العدم المحض اذ هو الوجود الواجب وانما يوصف بالصفات السلبية المتضمنة امرا وجوديا # واما طرد هذه الحجة في الادراكات الاربعة هي السمع واللمس والشم والذوق فانه وان كان طردها طائفة من الصفاتية كالاشعري وائمة اصحابه فلا يحتاج الى ذلك عند التأمل بل يفصل الامر فيه واذا فصل تفصيلاا يقتضيه العقل الصريح كان ذلك موافقا لما جاءت به الايات وعليه ائمة الحديث وذلك ان السمع لم يتعلق بالجواهر والاعراض كالرؤية وانما يتعلق بنوع من الاعراض وهو الاصوات مثلا فاذا لم يكن متعلقا بشيء قائم بنفسه كيف يمكن طرده في كل موجود قائم بنفسه حتى يقال انه يمكن سمعه # واما اللمس فانه يتعلق بالجواهر والاعراض وهو الذي اورده من جهة الالزام فلزم لزوما واضحا لكن قاسوا عليه بقية الادراكات فلا جرم جاءت الاحاديث بثبوت المماسة كما دل على ذلك القرآن وقاله ائمة السلف وهو نظير الرؤية وهو متعلق بمسألة العرش وخلق آدم بيده وغير ذلك من مسائل الصفات وان كان قد نفاه طوائف من اهل الكلام والحديث من اصحاب الامام احمد وغيرهم وليس هذا موضع الكلام فيه وانما الغرض التنبيه على مجامع هذه الحجة # واما الذوق فهو مس خاص وكذلك الشم مس خاص فان الهواء وهو جسم يدخل الى المنخرين الى الزائدة التي في الدماغ بخلاف السمع والبصر فانه ليس معهما مماسة المرئي والمسموع ولهذا كانت اصول الاحساس ثلاثة السمع والبصر والمس قال تعالي ^ ( وما كنتم تشترون ان يشهد عليكم سمعكم ولا ابصاركم ولا جلودكم ) ^

# ولما كان اللمس جنسا تحته انواع مختلفة في الحيوان وليس طريقا عاما الى حصول العلم الكلي المجرد في القلب بل نفس الاحساس وما يتبعه من ملائمة ومنافرة فيه خصوص في سببه ومقصوده بخلاف السمع والبصر فانهما طريقتان الى حصول العلم العام الكلي في القلب والبصر يحصل به العلم بنفس الحقائق الموجودة والسمع يحصل به العلم بما يقال من اسمائها وصفاتها كان السمع والبصر في كتاب الله مخصوصين بالذكر دون غيرهما من الاحساس # فيقال اما قوله في الوجه الاول مدارها على ان كل موجودين في الشاهد فلا بد وان يكون احدهما محايثا للاخر او مباينا عنه بالجهة قوله وهذه المقدمة ممنوعة فنقول منع هذه من اعظم السفسطة فان الشاهد ما نشهده بحوسنا الظاهرة او الظاهرة والباطنة وليس فيما نشهده شيء الا محايث لغيره وهي الصفات التي هي الاعراض او مجانب له بالجهة وهي الاعيان القائمة بانفسها وهي الجواهر فمن منع ان يكون المشهود لا يخلو عن احد هذين الوصفين فقد منع ان تنقسم المشهودات الى الجواهر والاعراض ومعلوم ان هذا خلاف اتفاق الخلائق من الاولين والاخرين وخلاف ما يعلم بالضرورة والحس فان الشيء المشهود اما قائم بنفسه وهو مباين له واما قائم بغيره وهو محايث له # واما الوجوه التي ذكرها فعنها اجوبة # احدها ان الاستدلال على ذلك غير مقبول لانه قدح في اظهر الحسيات الضروريات # الثاني ان هذا المؤسس وسائر طوائف اهل الحق متفقون على بطلانها وهو من اعظم الناس ابطالا لما ذكره الفلاسفة في وجود جواهر غير محايثة لغيرها ولما

# ذكره المعتزلة من وجود اعراض غير محايثة لغيرها بل ما زال الناس يذكرون ان هذا من اعظم المحالات المتناقضة التي اثبتتها المعتزلة حيث اثبتوا ارادات وكراهات لافي محل وان قولهم هذا يوجب عليهم وجود بقية الاعراض لافي محل وينقض عامة اصولهم # الوجه الثالث ان يقال ما ذكروه من الحجة على ان الموجودين لا بد وان يكونا متباينين او متحايثين هو حجة على هؤلاء وغيرهم فيكون التزام بطلان هذه الاقوال طردا لدليل والمستدل اذا استدل بدليل يبطل مذهب منازعيه في الصورة التي تنازعا فيها وفي غيره مما لم يذكره لم يكن للمنازع ان ينقض دليله بمجرد مذهبه في صورة النزاع ولا يجب على المستدل ان يخص كل صورة صورة بدليل خاص اذا كان العام يتناول الجميع # وبهذا ظهر خطاه في قوله ( ما لم تبطلوا هذا المذهب بالدليل لا يصح القول بأن كل موجودين في الشاهد فاما ان يكون احدهما محايثا للاخر او مباينا عنه ) وكذلك قوله ( ما لم تبطلوا قول المعتزلة بثبوت ارادات وكراهات وفناء لافي محل ) فان الدليل الذي ذكروه على ان كل موجودين لا بد ان يكون احدهما مبيانا للاخر او يكون بحيث هو سواء كان هو الضرورة او الحجة القياسية حجة على هؤلاء وعلى غيرهم فلا يكون مجرد دعوى هؤلاء أو دعى غيرهم معارضة لما ذكر من الدليل لكن ان اقاموا حج على جوهر غير مباين لغيره او ثبوت عرض غير محايث لغيره كان ذلك الدليل معارضا لكن هذا لم يذكر والجواب عنه اذا ذكر هو جواب المؤسس وسائر بني آدم # وذلك يظهر بالوجه الرابع وهو ان قوله ان جمهور الفلاسفة يثبتون هذه الاشياء ويصفونها بما ذكر ليس كذلك بل هذا تثبته طائفة من الفلاسفة

# وهو المشاؤون اتباع ارسطو ومن وافقهم وهؤلاهم الذين سلك سبيلهم الفارابي وابن سينا وهذا المؤسس من كتب ابن سينا يأخذ مذاهب الفلاسفة وكثير ما يقول اتفق الفلاسفة ولا يكون عنده الا ما ذكره ابن سينا وليس ما يذكره ابن سينا قول جميع الفلاسفة بل الفلاسفة اعظم تفرقا واختلافا واكثر طوائف من ان يحصر قولهم كلام ابن سينا او غيره وقد حكى من صنف في المقالات من المسلمين مثل ابي الحسن الاشعري والنوبختي والباقلاني وغيرهم من مقالات الفلاسفة اضعاف اضعاف ما يذكره ابن سينا وهذا المؤسس # وكذلك حكايته عن جمهور المعتزلة اثبات ارادات وكراهات وفناء لافي محل وهذا انما هو قول بعض البصريين وهم ابو علي وابو هاشم ونحوهما وليس هؤلاء جمهور المعتزلة بل لهم في الارادة والكراهة وفي الفناء اقوال كثيرة معروفة هذا واحد منها # واما الوجه الثالث الذي ذكره على وجود موجودات في الاعيان وهي الاضافات وانه يمتنع ان تكون محايثة للعالم او مباينة عنه بالجهة فهذا يعلم فساده بالضرورة والحس واتفاق العقلاء فلا يستحق الجواب فان بعض الناس قد تنازع في الامور التي لم يشهدها كالعقول والارادات اما هذه الاعيان المشهودة فانه لم يقل عاقل انه يوجد فيها امور لا مباينة للغير ولا محايثة له فاذا كان على هذا ألوجه لم يستحق الجواب لكن نبين وجه الفائدة فنقول # الابوة هي كون الانسان تولد منه نظيره والبنوة كونه يولد من نظيره او ما يشبه هذا فان الولادة داخلة في مسمى الابوة والبنوة وكون الشيء ولده غيره او ولد غيره وصف محسوس قائم بالوالد والولد وفي الحقيقة هو صفة ثبوتية فيها اضافة واما العمومة والخؤولة ففيها ولادتان ولادة الاب للشخص وولادة

جده لعمه وبنوة العم فيها ولادة ثالثة وهي ولادة العم لابنه فتفرع النسب يكون متعدد الولادة وقد يكون احدى الولادات موجودا لكن يتوقف الوصف على الاخرى كما يتوقف الامر في العمومة والخؤولة على نحو ذلك # ومن هنا يظن الظان انها اضافة محضة والتحقيق ان احد الوصفين وجد قبل الاخر ومن المعلوم ان كونه ولد وانفصل عن ابيه او امه ليس هو سببا يتبعض حتى يقال ثلث ولادة وربع ولادة اذا خرج جميعه واذا لم تكن منقسمة لم تكن الابوة والبنوة منقسمة حتى يقال ثلث الابوة او ثلث البنوة كما لا يقال نصف الحيوانية والانسانية والناطقية ونحو ذلك # فظهر ان الابوة التي هي وجودية محايثة لذات الاب كغيرها وكيف لا يكون ذلك والابوة من اعظم الصفات القائمة بالاب المغيرة له تغيرا مشهودا بالحس لما يوجد فيه محبة الولد والحنو عليه والعطف عليه وامثال ذلك مما لا يوجبه سائر الصفات فهي بأن تكون قائمة به اولى من غيرها # واما السؤال الثاني وهو قوله كون الشيء بحيث يصدق عليه قولنا اما ان يكون واما ان لا يكون اشارة الى كونه قابلا للانقسام اليهما وقبول القسمة حكم عدمي فلا يكون معللا فعنه اجوبة # احدها ان المراد بذلك ان الموجود يلزمه احد الوصفين اي ان كل موجودين فانه يلزم احدهما ان يكون محايثا للاخر او مباينا عنه فلزوم احد الوصفين للوجود وقيامه به وكونه لا يفارقه هو المعني بقولهم اما ان يكون محايثا او يكون مباينا وهذه القضية التي يسمونها مانعة الخلو مع كونها مانعة

# الجمع اي ان الموجود لا يخلو عن احد هذين والخلو عن الصفات امر عدمي فنقيضه يكون وجوديا فثبوت احد هذين الوصفين للموجود امر وجودي ليس المراد بهذا التقسيم ان الموجودين ينقسمان الى ما يكون محايثا وما يكون مباينا فان العرضين القائمين بمحل كل منهما للاخر ليس محايثا له والجوهر ان كل منهما محايث للاخر ليس محايثا له فهذا ليس من باب تقسيم الكلي الى جزئياته وانما هو من باب التقسيم المانع من الجمع بين القسمين والخلو منهما # وبهذا يظهر غلطة في السؤال الثالث ايضا واذا كان هذا التقسيم ليس هو القسمة الى امرين كتقسيم الكلي والكل وانما هو بيان لزوم احد القسمين ونفي خلو المحلين عنهما جميعا بطل قوله هذا اشارة الى كونه قابلا للانقسام اليهما بل هذا اشارة الى لزوم احدهما # الوجه الثاني قوله قبول القسمة حكم عدمي يقال لا نسلم ان اصل القبول حكم عدمي بل كون الوجود قابلا لشيء نقيضه عدم كونه ليس بقابل له والقبول رافع لهذا العدم ورافع العدم وجود وهذه الحجة هي التي احتج بها على ان الابوة وجودية فان صحت صح ان القبول وجودي وان بطل ذلك في القبول بطل في الابوة ايضا # الوجه الثالث قوله لو كان امرا ثابتا لكان صفة من صفات الشيء المحكوم عليه بكونه قابلا والذات قابلة للصفة القائمة بها فيكون قبول ذلك القبول زائدا عليه ويلزم التسلسل يقال قبول الانقسام ونحوه من الصفات كون ذلك ممكنا في نفس الذات وامكان الشيء لا يحتاج الى امكان آخر

وهذه الصفة لازمة للذات ليست الذات قابلتها بمعنى انه يمكن وجودها ويمكن عدمها بل كونها قابلة امر لازم لها واجب لها وهذا القبول يراد به عدم الامتناع بمعنى الامكان العام الذي يدخل فيه الواجب والاولى بمعنى الامكان الخاص فاذا كان احد القبولين هو الامكان الخاص والاخر هو العام وهو بمعنى الوجوب كان ذلك بمعنى الوجوب ووجوب الصفة للموصوف ليس فيه تسلسل وانما جاء الغلط من لفظ الاشتراك والقبول # الوجه الرابع هنا ان القبول امر عدمي فقوله يمتنع تعليله قيل المراد بالتعليل هنا التلازم ليس المراد به ان يكون احد الامرين غنيا عن الاخر موجبا له وبهذا الاعتبار يصح ان يكون كل من الامرين لازما ملزوما # فقد تبين بهذه الوجوه الثلاثة ان التقسيم لزوم لا قبول ولو كان قبولا لم يكن عدميا ولو كان عدميا فمعناه ان الموجود لا بد له ان انه يكون مع غيره من الموجودات اما محايثا له واما مباينا له وهذا لازم لكون الموجود اما قائم بنفسه واما قائم بغيره وكل قائم بنفسه فهو مباين للقائم بنفسه وكل قائم بغيره فهو محايث لذلك الغير ولما شاركه في القيام بذلك الغير # واما السؤال الثالث فقوله ما الذي تريدون بقولكم الموجود في الشاهد منقسم الى المحايث والمباين فعنه جوابان احدهما ان يقال له لم يقولوا هكذا وانما قالوا الموجودان لا بد وان يكون كل منهما مباينا للاخر او محايثا له والموجود بنفسه مع الموجود الاخر اما مباينا له او محايثا له لم يقولوا

# ان الموجودات تنقسم الى قسمين احدهما مباين والاخر محايث وفرق بين كون الموجود بالنسبة الى غيره يلزمه احد الامرين وبين كون الموجود ينقسم الى الامرين واذا كان كذلك فلزوم احد الامرين حكم واحد وليس هو حكمين مختلفين والفرق ظاهر بين ان يكون الموجود ينقسم الى قائم بنفسه مباين لغيره وهو الجوهر والى قائم بغيره محايث له وهو العرض وبين ان يقال كل موجود مع غيره فلا بد ان يكون مباينا له او محايثا له او يقال الموجود من حيث هو موجود يلزمه ان يكون قائما بنفسه او بغيره فان هذا حكم واحد لموجود وذاك حكمان مختلفان فهذا الواحد هو ما به الاشتراك وهو مورد التقسيم وذانك الاثنان هما ما به الامتياز وهو ما به يمتاز احد القسمين عن الاخر بالحكم الواحد المشترك وهو لزوم احدهما والانقسام اليهما يلزم الوجود المشترك والحكم المختص يلزم القسم الخاص فخصوص كونه قائما بنفسه حكم النوع الخاص وهو الجوهر وخصوص كونه قائما بغير حكم النوع الآخر الخاص وهو العرض وريب ان خصوص كونه جوهرا وعرضا يصلحان لما يختص بالجوهر والعرض وأما لزوم احد الحكمين لكل موجودين او كل موجود وكون الموجود والموجودين لا يخلو عن احد هذين الوصفين فهذا الحكم المشترك بينهما لا يصلح تعليله بخصوص الجوهر وخصوص العرض وهذا ليس هو ان الموجود في الشاهد منقسم الى هذين القسمين فليس هو قسمة الكل الى اجزائه فظهر ان الذي قالوه ليس بغلط ولكن هو غلط او اغلط # وهذا مثل ان يقال الموجود لا بد ان يكون اما قديما او محدثا واما ان يكون خالقا او مخلوقا فان هذا يختص بالموجود فالمعدوم لا يكون قديما ولا محدثا ولا خالقا ولا مخلوقا فلزوم احد القسمين حكم مشترك بينهما والموجود من حيث هو مشترك بينهما

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:47 AM
# الجواب الثاني ان يقال هب انهم قالوا الموجود في الشاهد ينقسم الى المحايث والمباين فان انقسام الشيء الى قسمين حكم واحد ولكن ما يختص احد القسمين حكم يخالف الاخر فهب ان وجوب المباينة معلل بكونه جوهرا ووجوب المحايثة معلك بكونه عرضا لكن القدر المشترك وهو لزوم الانقسام وقبوله ووجوب الانقسام الى جوهر والى عرض حكم مشترك بينهما وهذا الحكم المشترك يجب تعليلة بالقدر دون المختص لان وجوب الانقسام ولزومه وقبوله وكونه بحيث ينقسم الى قسمين هو مورد التقسيم ومورد التقسيم مشترك بين الاقسام فيجب تعليله بالمشترك فالمقسوم هو الموجود من حيث هو لا وجود الجوهر خاصة ولا وجود العرض خاصة والموجود وان لم يكن في الخارج الا متميزا فهذه قسمة الكلي الى جزئياته وكل كلي ينقسم الى جزئياته فهذا حاله بخلاف الكلي الموجود في الخارج كالانسان مثلا اذا قسم الى اجزائه من الرأس واليد ونحو ذلك # واما قوله في السؤال الرابع لم قلتم انه لا بد من تعليله اما بالوجود واما بالحدوث وما الدليل على الحصر فانه يمكن ان يقال هنا ثلاثة اشياء # احدها ان يقال البحث التام والسبر التام والاستقراء التام قد يفيد اليقين تارة كما يفيد الظن القوي اخرى وهذا مما يقال في مواضع وقول القائل الشهادة على النفي غير معلومة ليس بصحيح بل النفي قد يعلم تارة كما يعلم الاثبات # الثاني ان يقال هذا يفيد الاعتقاد القوي والظن الغالب وهذا فيه انصاف وعدل وهو خير من دعوى البراهين القطعية التي يظهر عند التحقيق انها شبهات وخيالات فاسدة

# ومن قال لا يجوز ان يحتج في هذا الباب الا بالقطعى الذي لا يحتمل النقيض قيل له اولا انت اول من خالف هذا فانت دائما تحتج بما لا يفيد الظن الغالب فضلا عن اليقين # وقيل له ثانيا لا نسلم بل الواجب على كل انسان ان يأتي بما هو الحق فان كان عنده علم قاطع قال به وان كان عنده ظن غالب قال به والمسائل التي تنازع بنو آدم فيها لان يحصل للانسان فيها ظن غالب خير من ان يكون في الحيرة والجهالة او يكون في التقليد او الحجج الفاسدة كما هو الواقع كثيرا وسنتكلم ان شاء الله على هذا الكلام على الاحاديث # وقيل له ثالثا هذا اذا انضم الى غيره حصل من مجموعهما اليقين وان لم يكن اليقين حاصلا بأحدهما كغير ذلك من الادلة السمعية والعقلية # الثالث ان هذا يمكن تقريره بالتقسيم الدائر بين النفي والاثبات كما قررناه في مسألة الرؤية وهو ان يقال المشترك بينهما اما ان يكون هو الوجود او ما هو من لوازمه اولا الوجود ولا شيئا من لوازمه وما ليس هو الوجود ولا شيئا من لوازمه يكون اخص من الوجود لان ما هو مساوله في العموم والخصوص وما هو اعم منه لازم له واما الاخص منه كالحدوث والامكان فليس بلازم له لان الوجود قد لا يكون ممكنا ولا محدثا بخلاف الاعم مثل جواز كونه مذكورا ومعلوما فان ذلك يلزم من انتفائه انتفاء كونه موجودا لانه اعم منه # وان شئت قلت اما ان يكون هو الوجود او ما يساويه في العموم والخصوص او اعم منه او اخص فاذا كان اخص منه فاما ان يتناول الوجود

# الواجب اولا يتناوله فان تناوله فهو في ذلك كالوجود وان لم يتناوله فانه مستلزم الحدوث فان كل مالا يدخل في مسمى واجب الوجود فهو محدث فثبت ان العلة اما ان تكون هي الحدوث او ما يشترط فيه الحدوث مثل ما هو اخص من الحدوث واما ان يكون هو الوجود او ما يتناول واجب الوجود وهذا التقسيم دائر بين النفي والاثبات واليه يرجع حقيقة قولهم اما الوجود واما الحدوث # وهذا التحرير يظهر الجواب عن السؤال الخامس وهو قوله لا نسلم انا ما وجدنا لهذا الحكم علة سوى الحدوث او الوجود بيانه من وجهين الاول ان من المحتمل ان يقال المقتضي لقولنا ان الشيء اما ان يكون محايثا للعالم او مباينا عنه بالجهة كونه بحيث يصح الاشارة الحسية لان كل شيئين صح الاشارة اليهما فاما ان تكون الاشارة الى احدهما عين الاشارة الى الاخر او غيره # فيقال له كونه بحيث تصح الاشارة الحسية اليه اما ان يكون مطابقا للوجود في العموم والخصوص بحيث يقال الموجود لا بد ان تصح الاشارة الحسية اصلا او تبعا وان كل موجودين فلا بد ان تكون الاشارة الى احدهما عين الاشارة الى الاخر او غيره او يكون اخص منه فان كان مطابقا له حصل المقصود وكذلك اذا كان اعم منه بطريق الاولى لانه حينئذ تكون الحجة دليلا على شيئين على صحة الاشارة الحسية اليه وعلى كونه مباينا للعالم وان كانت صحة الاشارة اليه اخص من الوجود بحيث تصح الاشارة الحسية الى بعض الموجودات دون بعض فان كان واجب الوجود داخلا في ذلك صحت الحجة ايضا

# وان لم يكون داخلا في ذلك كانت صحة الاشارة مستلزما للحدوث فيكون التعليل بصحة الاشارة الحسية تعليلا بما يستلزم الحدوث والتعليل بنفس الحدوث كالتعليل بما يستلزم الحدوث كما سنبينه ان شاء الله # اما قوله في الوجه الثاني ان الجواهر والاعراض مشتركان في الامر الذي به وقعت المخالفة بينهما وبين الباري فلم لا يجوز ان يكون هذا هو المقتضى لقبول الانقسام الى المباين والمحايث وحينئذ يبطل قوله لا مشترك بينهما الا الحدوث # يقال هذه المخالفة لذات الباري المشتركة بينهما هي مستلزمة للحدوث فانها من خصائصها لا توجد في الاري وما يختص المحدث مستلزم للحدوث واذا كان كذلك كان حكمه حكم الحدوث فان قولهم هو الوجود او الحدوث كل وصف يستلزم الحدوث فحكمه كحكمه في ذلك وكل وصف لازم للوجود بحيث يلزم من عدمه عدم الوجود هو كالوجود فان رفع التعليل به يقتضي رفع التعليل بالوجود كما تقدم بيانه # قوله في السؤال السادس لم لا يجوز ان يكون المقتضي لهذا الحكم هو الحدوث قوله اولا الحدوث ما هية مركبة من العدم والوجود قلنا كل محدث فانه يصدق عليه كونه قابلا للعدم والوجود وايضا كون الشيء منقسما الى المحايث والمباين معناه كونه قابلا للانقسام الى القسمين فالقابلية ان كانت صفة وجودية كانت في الموضعين كذلك وان كانت عدمية فكذلك ولا يبعد تعليل عدم بعدم # يقال اما الحدوث او ما يستلزم الحدوث فلا يجوز ان يكون هو علة للامر الوجودي لان ذلك مستلزم للعدم وما يستلزم العدم لا يجوز ان

# يكون علة للامر الوجودي فلا يعلل الامر الوجودي الذي يختص بالموجودات دون المعدومات الا بأمر وجودي يختص بالموجودات # وكذلك لو اريد بالتعليل الملازمة فان الامر الوجودي لا يكون مستلزما للامر المستلزم للعدم لانه يوجب ان يكون العدم مستلزما الوجود والعدم لا يكون مستلزما للوجود فلا تكون الرؤية ولا صحة المحايثة والمباينة مستلزما لما يتضمن العدم سواء كان هو الحدوث او ما يستلزم الحدوث اذ كل منهما مستلزم للعدم والوجود لا مستلزما للعدم الا بطريق استلزامه لوجود يمنع غيره فيكون العدم ضد الوجود اما ان يكون وجود جنس الامر الوجودي معلقا بوجود يشترط فيه ان يكون معدوما فلا # قوله كل محدث يصدق عليه كونه قابلا للوجود والعدم وكذلك كون الشيء منقسما الى المحايث والمباين الى آخره يقال له هذا غلط من وجوه # احدها ان المحدث الذي يجوز رؤية هو الموجود دون المعدوم فان المعدوم لا يجوز رؤيته ولا يجوز تعليل رؤية الوجود المنقسم الى محايث ومباين بأنه محدث منقسم الى موجود ومعدوم فان المحدث الذي يدخل فيه المعدوم لا يرى محال فهو اعم مما يرى والعلة لا تكون اعم من المعلول وايضا فالمحدث الذي يصدق عليه انه قابل للوجود والعدم انما هو حقيقته الذهنية التي لا وجود لها في الخارج فهي تقبل ان تكون موجودة وان تكون معدومة واما الوجود فلا يقبل ذلك # الثاني انه ليس قبول الحقيقة لان تكون موجودة ومعدومة مثل قبولها لان تكون محايثة لغيرها او مباينة له لان ذلك القبول لا يقوم بشيء موجود بل

# هو حكم ذهني واما هذا الثاني فهو صفة لامر موجود فان المحايثة والمباينة صفة لامر موجود وليس كل واحد من الوجود والعدم صفة لوجود # الثالث ان الشيء الذي قبل الوجود والعدم هو شيء بعينه يقبل الوجود والعدم تارة ليس المحدث ينقسم الى موجود ومعدوم واما المحايثة والمباينة فليستا صفتين متعاقبتين على حقيقة واحدة بل الحقيقة الموجودة المطلقة تنقسم الى محايث ليس موصوفا بالمباينة والى مباين ليس موصوفا بالمحايثة فليس هذا نظير ذلك # الرابع انا قد بينا ان الحكم الواحد هو لزوم احدهما للوجود وهذا حكم واحد وجودي ولا يقال ان احد الامرين من الوجود والعدم يلزم المحدث بل المحدث بعد حدوثه لا يكون الا موجودا وقبل وجوده لم يكن الا معدوما وان اريد به الحقيقة انه يلزمها احد الامرين فيقال هو يلزمها اما الوجود واما العدم ولزوم احد الامرين واحد وجود والثاني عدم لا يكون وجوديا بخلاف لزوم احد امرين وجوديين المباينة والمحايثة فان لزوم احد هذين يكون وجوديا # الخامس ان الصواب المتفق عليه بين اهل السنة وعقلاء الخلق ان العدم ليس بشيء في الخارج وانما كان له وجود في العلم واذا كان كذلك فالمحدث تارة يكون شيئا وتارة لا يكون شيئا فلا يكون كونه شيئا وكونه ليس بشيء علة لكونه محايثا او مباينا فان هذين يختصان بما هو شيء وما هو شيء لا يكون علة ما يستلزم في احد حاليه ان لا يكون شيئا او لا يكون علة انقسام حالية الى ان يكون شيئا تارة وغير شيء اخرى # واما ما اورده على قوله ان الجهل بالعلة يوجب الجهل بالمعلول من معارضة ذلك بأن يقال العلم بالعلة يوجب العلم بالمعلول فيقال عنه جوابان

# احدهما القول بموجب ذلك فان كل ذي فطرة سليمة لم يتقلد مذهبا يصده ويغير فطرته اذا علم ان الشيء موجود علم انه اما ان يكون محايثا لغيره واما ان يكون مباينا له كما يعلمون ان القائم بنفسه لا يكون الا داخل العالم او خارجه واذا قيل له موجود لا داخل العالم ولا خارجه او قيل له شيئان موجودان ليس احدهما مباينا للاخر ولا هو بحيث هو وفهم ذلك انكرته فطرته # وقوله الجمهور الاعظم وهم اهل التوحيد يعلمون ان الباري جل وعلا موجود ولا يعملون انه لا بد وان يكون محايثا للعالم او مباينا له قلنا ليس الامر كذلك بل النفاة مغمورون في جانب اهل التوحيد ايضا فيكون بالنسبة الى جماهير بني آدم من المسلمين وغيرهم وجمهورهم تقلد هذا القول عن بعض حتى تغيرت فطرته ليس في هؤلاء احد من سلف الامة ولا ائمتها ولا فيهم الا من هو مجروح من المسلمين ببدعة وان كان متأولا فيها ومغفورا له خطاه او فيه ما هو اكثر من البدعة وهو الغالب على ائمة هذا القول من نوع ردة عن الاسلام ونفاق فيه وغير ذلك وقد اتفق سلف الامة وائمتها على انهم من اضل الخلق واجهلهم فلا يضرهم خلافهم في ذلك # الوجه الثاني ان يقال العلم امر وجودي واما عدم العلم فوصف عدمي والامر الوجودي يتوقف على السبب التام بخلاف العدمي فانه يكفي فيه عدم السبب او نقصه واذا كان كذلك فليس مجرد علم الانسان بالدليل علة كان او غيرها يوجب علمه بالمدلول معلولا كان او غيره ان لم يستحضر في ذهنه دلالة الدليل على المدلول ويتفطن لما فيه من الدلالة وهذا كما ان خلقا يسمعون كلام الله وهو الدليل الهادي ويشهدون آيات الله بالليل والنهار وهم عنها معرضون لعدم التفكر والتدبر اما اذا علم الرجل الحكم فلا بد له من سبب يوجب العلم

# في قلبه وكون الشيء اما محايثا وإما مباينا واما قديما واما محدثا ونحو ذلك ليس هو الوصف المحسوس المشهود بالحس من المحايثة والمباينة وانما هو الوصف المعقول وهو لزوم احد الوصفين للموجود وكون الموجود ينقسم الى هذين فان الموجود المطلق وجوده ذهني وكذلك الانقسام الى قسمين هو حكم عقلي وكذلك لزوم احد الوصفين لا بعينه حكم عقلي ليس بحسي فاذا كان هذا الحكم يحكم به العقل بمجرد علمه وجود الشيء المحايث والمباين قبل علمه بكونه محدثا علم ان العلم بهذا الانقسام العقلي لا يتوقف على الحكم بالحدوث بل يعلم بمجرد العلم بكونه موجودا فلو كان المقتضى له ليس هو الوجود بل هو الحدوث او ما يشترط فيه الحدوث كان الحكم بذلك بدون العلم بمقتضيه وملزومه حكما للذهن بلا حجة فانه انما يستدل على الشيء بعلته او معلوله او يستدل باحد المعلولين على الاخر فاذا كانت جميع وجوه الادلة منتفية انتفى العلم فاذا كان العلم بهذا الانقسام موجودا بدون هذه الوجوه علم انها ليست ادلة فلا تكون داخلة في التعليل # وكذلك قوله الاثر المعلوم بالبديهة لا يجوز ان يكون علة وصف استدلالي انما هو العلة التي توجب العلم بالحكم ولكن يجوز ان يكون المؤثر فيما ادركه الحس ما لم يذكره الحس ولكن الانقسام ليس من الامور الحسية بل من الاحكام العقلية والعقل لا يحصر شيئا قبل الاحاطة بأفراده ولا يلزم بين شيئين قبل العلم بوجه الملازمة فان لم يكن الوجود هو المقتضى لهذا الحصر والتقسيم ولهذه الملازمة لم يجز حكم الذهن بذلك حتى يعلم دليلا يدله على هذا الحصر والتقسيم وهذه الملازمة ولا يجوز ان يكون الحكم بديهيا ودليله نظريا استدلاليا ومن يدير عقله علم انه يحكم بهذا التقسيم وهذا اللزوم بمجرد العلم بالوجود قبل العلم بالحدوث وغيره فان لم يكن الوجود مقتضيا له لم يكن له ان يحكم

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:48 AM
# الا بما احسه وهذان هذا مباين لهذا وهذا محايث له اما ان يحكم حكما عاما على جميع الموجودات اما ان يكون محايثا واما ان يكون مباينا قبل علمه بتساويهما في ذلك فهو حكم بلا اصل وهذا الكلام يحتاج الى تقرير ان العلة الخارجة هي العلة الذهنيه والا فيمكن النزاع في ذلك # واما قوله في السؤال السابع لو كان الوجود واحدا في الشاهد والغائب ليس الاشتراك اللفظي وهذا لا يمكن الا بأن يكون الباري مثلا للمحدثات او يكون الوجود زائدا على الماهية والمخالفون لا يقولون بواحد منهما # فيقال مثل هذا الكلام تكرر في تصانيف هذا الرجل وهو غلط عظيم في اظهر الامور واول الامور المعقولة من العلم الالهي و العلم الكلي وهو وجود الحق ووجود الخلق ولهذا يغلط به من نقل مذاهب الناس # فان مذهب عامة الناس بل عامة الخلائق من الصفاتية كالاشعرية والكرامية وغيرهم ان الوجود وهو مقولا بالاشتراك اللفظي فقط وكذلك سائر اسماء الله التي سمي بها وقد يكون لخلقه اسم كذلك مثل الحي والعليم والقدير فان هذه ليست مقولة بالاشتراك اللفظي فقط بل بالتواطىء وهي ايضا مشككة فان معانيها في حق الله تعالى اولى وهي حقيقة فيهما ومع ذلك فلا يقولون ان ما يستحقه الله تعالى من هذه الاسماء اذا سمي بها مثل ما يستحقه غيره ولا انه في وجوده وحياته وعلمه وقدرته مثلا لخلقه ولا يقولون ايضا ان له او لغيره في الخارج وجودا غير حقيقتهم الموجودة في الخارج بل اللفظ يدل على قدر مشترك اذ اطلق وجرد عن الخصائص التي تميز احدهما وهو لا يستعمل

كذلك في اسماء الله فقط ولا هو موضوعا في اللغة كذلك وانما يذكر كذلك في مواضع تجرد عن الخصائص كما تجرد في المناظرة لامور يحتاج اليها فيقدر تجريده عن الخصائص تقديرا كما يقدر اشياء لم توجد وهو حينئذ دال على قدر مشترك بين المسميين ولكن ذلك المشترك ليس مجموع حقيقة كل منهما الموجودة في الخارج فان لفظ الموجود اذا جرد يدل على الموجود المطلق لم يكن الوجود المطلق حقيقة الا في الذهن واما الوجود الخارجي فوجود كل موجود معين مميز عن الاخر مختص به وذلك الجسم المطلق والحيوان المطلق والانسان المطلق # وقد تقدم غير مرة ان حقيقة ذلك ان هذه الحيوانية الخارجية المعينة تشبه هذه الحيوانية وهذه الانسانية الخارجية تشبه هذه الانسانية فبينهما مشابهة من هذا الوجه وان كانت بينهما مخالفة من وجوه اخرى واذا قيل هذا موجود وهذا موجود ففيه اثبات اصل الوجود والثبوت والكون لكل منهما وان ما لهذا يشبه ما لهذا من هذا الوجه وهذا المعنى الذي اشتركا فيه واشتبها في غاية البعد عن حقيقة كل منهما كما ان حقيقة كل منهما يكون في غاية البعد عن حقيقة الاخر فوجود احدهما في الخارج هو عين حقيقته فاذا قيل ان سائر الحقائق والماهيات تشاركها في مسمى الحقيقة والماهية او تشبهها في ذلك كان هذا الشبه البعيد في غاية البعد عن الحقيقتين ولكن الامور العظمية الاختلاف بالحقيقة قد تشتبه في امر ما وهو الذي اشتركت فيه واعم هذه الامور هو الوجود والثبوت والكون فمن كان نظره في هذا كان نظره في ابعد الاشياء عن حقيقة الرب

# وكثير من هؤلاء يعتقد انه قد ادرك حقيقته او انه لا حقيقة له الا ذلك وهؤلاء من اعظم الخلق تمثيلا لربهم بكل شيء وتشبيها له بكل شيء وقد جعلوا كل شيء ندا له وكفوا حيث جعلوا حقيقته هي الوجود المطلق وذلك يثبت لكل موجود فهم اعظم الخلق اشراكا بالله ومن هنا قال الاتحادية منهم انه وجود كل شيء وانه وجود الموجودات كلها ونحو ذلك مما هو من اعظم الاشراك والتعطيل # واصل هذا ان الاشتراك او الاشتباه في امر ما لمسمى الوجود او الحي او غير ذلك لا يقتضي التماثل بوجه من الوجوه بل يقتضي نوع اشتباه وقد يكون بعيدا عن التماثل وهذا الرازي كثيرا يظن ان الاشتراك في شيء هو التماثل فحكم على المشتبهين في شيء بحكم المتماثلين ثم انه في موضع آخر يناقض ذلك حتى يجعل الامور المتماثلة في الحكم لا تتماثل في العلة والامور المتماثلة في العلة لا تتماثل في الحكم اذ هو متناقض في عامة كلامه # ثم ان هؤلاء المتفلسفة والمتصوفة وسائر الملاحدة من القرامطة وغيرهم الذين يقولون حقيقته هي الوجود المحض او المطلق او نحو ذلك يزعمون انهم ابعد الخلق عن التشبيه وانهم هم الموحدون المحققون للتوحيد حتى ينفوا الصفات والاسماء نفيا منهم زعموا التشبيه هم اعظم الخلق تشبيها وتمثيلا واشراكا وجعل اندادا لله معماهم عليه من التعطيل وابعد الخلق عن ان يوحدوا الله تعالى بوحدانيته التي انفرد بها عن سائر مخلوقاته # فانهم اذا جعلوا حقيقته الوجود المطلق فهذا القدر ثابت لكل موجود فقد جعلوا حقيقته ما هو ثابت لكل شيء فقد حقيقة الله تشركه فيها

# البعوضة والنملة بل الكلب والخنزير وقد يصرحون بأن وجود الكلب والخنزير عين وجوده وهذا من اغلظ الاشراك والكفر برب العالمين وهو تعطيل الله اذ لا وجود للوجود المطلق الا في المعين فاذا لم تثبت له حقيقة موجودة مختصة به منفصلة عن الموجودات لزم تعطيله ثم ان حقيقته التي اختص بها وامتاز بها عن خلقه لا يثبتونها وبها وجبت له الوحدانية والوجود من حيث هو وجود كالثبوت والكون وكونه حقا وهذا القدر ثابت لكل ما خلقه وسواه وهو سبحانه رب كل موجود سواه وخالقه وباريه ليس كمثله شيء من ذلك ^ سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ^ # وهذا الموضع قد اوسعنا القول فيه في مواضع غير هذا وهو منشأ الاشراك والضلال في طوائف من الفلاسفة والاتحادية وسائر الملاحدة الذين يعمهم معنى الجهمية وان كان لبعضهم عن بعض في ذلك مزية # ومنشأ هذا من القياس الفاسد والتمثيل برب العالمين والتسوية بينه وبين غيره كما قال تعالى فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود ابليس اجمعون قالوا وهم فيها يختصمون تا الله ان كنا لفي ضلال مبين اذ نسويكم برب العالمين وما اضلنا الا المجرمون ) واصل الاشراك الذي هو من القياس الفاسد هو ابليس اول من قاس قياسا فاسدا وهو امام المشركين وقائدهم ولا ينجو منه الا المخلصون الذين اثبتوا لله ما يختص به من الصفات والعبادات كما قال ( فبعزتك لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين ) وقال تعالى ( انه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون انما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون ) وهذا باب واسع ليس هذا موضعه

# وذلك انهم يجردون اسماء هذا وصفاته واسماء هذا وصفاته فيسوون بينهما ويجردون القدر المشترك بينهما فيثبتونه حقيقة خارجة وقد يجعلون هذا الذي جردوه هم بأذهانهم فقدروه في انفسهم هو الحقيقة الموجودة في الخارج ثم قد يجعلون هذا ثابتا لكل موجود في الخارج كقولهم هو في كل مكان بذاته وقولهم هو نفس وجود الموجودات وهو الوجود المطلق ونحو ذلك واما السؤال الثامن فقوله في المعارضة ان المقتضي لقبول الانقسام في الجوهر والعرض لو كان هو الوجود لزوم في الجوهر وحده أن يقبل الأنقسام الى الجوهر والعرض وكذلك في العرض وهو محال فيقال هذا غلط ظاهر ومغالطة قبيحة وذلك ان هذا الموجود اما ان يراد به الموجود المعين الخارجي فيكون المعنى انه يلزمه احد الحكمين اما المحايثة واما المباينة لا يقال فيه انه منقسم اليهما وعلى هذا فالجوهر الموجود يلزمه احدهما والعرض الموجود يلزمه احدهما فاما ان يراد به الوجود المطلق الكلي الذي هو مورد التقسيم الى الاقسام فهذا اذا قيل انه ينقسم الى محايث ومباين فهو كقولنا ينقسم الى جوهر وعرض ولا يلزم من قبول القسمة ان يكون احد قسميه القسمة التي يقبلها هو بل هذا جمع بين النقيضين # واما قوله في السؤال التاسع ان ما ذكرتموه من الدليل قائم في صور كثيرة مع ان النتيجة اللازمة عنه باطلة وهذا يدل على انه منقوض وبيانه من وجوه # الاول ان كل ما سوى الله محدث فتكون صحة الحدوث حكما مشتركا فلا بد لها من علة مشتركة والمشترك الحدوث او الوجود والحدوث لا يكون على صحة نفسه فوجب كونها معللة بالوجود فيلزم ان يكون الله محدثا

# فيقال صحة الحدوث ليست من احكام الامور الوجودية بل من احكام الامور التي يمكن وجودها سواء كانت موجودة او لم تكن بخلاف المحايثة والمباينة فانها مختصة بالوجود دون العدم واما صحة الحدوث فهي مشتركة بين الوجود الممكن وبين كل معدوم ممكن فبينها وبين لزوم المحايثة او المباينة عموم وخصوص اذ صحة الحدوث يعم المعدوم الممكن بخلاف لزوم المحايثة او المباينة وبخلاف الرؤية واما لزوم المحايثة او المباينة والرؤية فلا يعلم انتفاؤه عن الله بخلاف صحة الحدوث فانه يعلم بالضرورة انتفاؤه في حق الله تعالى واذا كان كذلك فيجب ان تكون علة صحة الحدوث ما يطابقه في العموم وذلك ليس هو الحدوث فانه اخص منه اذ ليس كلما صح حدوثه كان محدثا ولا الوجود فانه ليس كل موجود يصح حدوثه والمطابق له هو الامكان الخاص فصحة الحدوث معللة بعلة مشتركة وهي الامكان الخاص وهذه علة مطردة منعكسة كتعليل الموجود بالرؤية وبلزوم المحايثة والمباينة # وقوله في الوجه الثاني ان كل موجود في الشاهد فهو اما حجم او قائم بالحجم ثم نذكر التقسيم الى آخره حتى يلزم ان يكون الباري اما حجما او قائما بالحجم والقوم لا يقولون بذلك فعنه جوابان # احدهما ان المعني بالحجم في اللغة الظاهرة هو الشيء الكثيف المتحد كالحجر والتراب خلاف الهوى فانه لا يسمى في اللغة المشهورة حجما فان كان مقصوده هذا فليس كل موجود في الشاهد اما حجما او قائما بالحجم # فان اراد به ان كل موجود في الشاهد فهو اما جسم واما عرض او اما جوهر واما عرض ويذكر التقسيم الى آخره # فيقال له لفظ الجوهر والعرض في الاصطلاح الخاص ليس نفيهما

# عن الله من الشريعة كما انه ليس اثباتهما من الشريعة بل سلف الامة وائمتها انكروا على من تكلم بنفيها كما انكروا التكلم باثباتها او اكثر وعدوا ذلك بدعة فليس لاحد ان ينفي بهذين اللفظين الذين ليس لهما اصل لا في نص ولا في اجماع ولا اثر الا بحجة منفصلة غير هذا اللفظ اذ الحجج التي يستدل فيها باللفظ لا بد ان يكون لفظها منقولا عمن يجب اتباع قوله وهو الكتاب والسنة او الاجماع فكيف باللفظ الذي لا ينقل عن امام في الدين ولا احد من سلف الائمة # واما المعاني المرادة بهذين اللفظين فلا بد من تفسيرها فان الناس متنازعون فيما يريدون بهذه الالفاظ من المعاني ومتنازعون في لزوم تلك المعاني لبعض وغير ذلك واذا كان كذلك فان فسر مفسر معنى الجوهر والعرض بما لم يعلم انتفاؤه في حق الله تعالى كان ذلك طرد الدليل فلا ينتقض به ولا ينتقض الدليل حتى يبين ان هذا التقسيم يمكن في بعض المعاني التي يجب نفيها عن الله تعالى ولم يفعل ذلك # وذلك يظهر بالوجه الثاني وهو ان قوله وهم لا يقولون به قياس الزامي وقد تقدم انه قال ان هذا الدليل ليس بحجة لافي النظر ولا في المناظرة وذلك ان هذا الدليل ان كان مستلزم ثبوت مسمى الجسم والعرض كان حجة عليهم في هذا الموضع كما هو حجة على اولئك في المواضع الاخر فاذا ذكروا فرقا فان كان ذلك الفرق صحيحا لم يصح النقض بالجسم والعرض وان لم يكن الفرق صحيحا لم يكن نفيهم لمسمى الجسم والعرض صحيحا على التقديرين فلا يلزم بطلان هذه الحجة

# واما قوله في الوجه الثالث ان كل موجودين فلا بد وان يكون احدهما محايثا للاخر او مباينا عنه في اي جهة كان وساق التقسيم الى آخره حتى يلزم كونه محايثا للعالم او مباينا عنه في اي جهة كان وذلك يقتضي ان لا يختص بجهة فوق بل يلزم صحة الحركة على ذاته من الفوق الى السفل وكل ذلك عند القوم محال فعنه اجوبة # احدها انه ليس كل موجودين فلا بد وان يكون احدهما محايثا للآخر او مباينا عنه في اي جهة كان بل من الاجسام الموجودة ما يمتنع مع بقاء حقيقته ان يكون من الاخر الا في جهة معينة كما ان رأس الانسان يمتنع ان يكون الا فوق وبطن قدمه يمتنع ان يكون الا في اسفله ولو غير ذلك خرج عن حقيقته وكذلك العرش يمتنع ان يكون في اسفل سافلين واسفل سافلين يمتنع ان يكون فوق العرش # الثاني ان يقال ما تعني بقولك فلا بد وان يكون محايثا او مباينا عنه في اي جهة كان اتعني ان العقل يشهد انه لا بد من وجوب المباينة ولو بأي جهة كان او تعني انه لا بد مع وجوب المباينة من جواز المباينة من جميع الجهات فهذان معنيان متغايران فان وجوب مطلق المباينة من غير تعيين جهة غير وجوب المباينة ووجوب جوازها بكل جهة فان عني ان كل موجودين فانه لا بد وان يتحايثا او بيان احدهما الاخر وانه لا بد مع ذلك ان يجوز مباينته من جميع الجهات فهذا القدر ليس معلوما بالبديهة ولا بالحس وكثير من الناس ينازع في كثير من ذلك

# وبالجملة ليس هذا هو العلم البديهي الذي يعلم في المشهودات فانا لا نعلم ان كل ما هو قائم بنفسه يجوز ان يكون في جميع الجهات من كل قائم بنفسه هذا لا يعلم بالبديهة بحال واذا لم يكن معلوما بالبديهة لم يجب ان يعلل بعلة تعم الموجود حتى نعلم ثبوته وحينئذ فمن الناس من يقول ليس هذا ثابتا لجميع المخلوقات ومنهم من يثبته للمخلوق دون الخالق واذا كان الأمر كذلك فان المنازع يقول قد قام الدليل على أن هذا ليس ثابتا لجميع الموجودات وليس هو مما علم بالبديهة أنه يشترك فيه جميع المشهودات فلا يكون نظير حجتنا اذا علم اختصاصه ببعض الموجودات فانه يعلل بما يختص به # الوجه الرابع أن الاستدلال بما يجب لكل موجودين والواجب لكل موجودين أن يكونا متباينين أو متحايثين أما كون أحدهما يصح أن يكون مباينا للآخر من جميع جهاته فهذا ليس هو الواجب لكل موجودين والحجة كانت فيما يلزم الموجود من المحايثة أو المباينة واللازم له أصل المباينة أما المباينة من جميع الجهات فليس ذلك بلازم وان كان جائزا بل يجوز ان يجعل الله بعض الأشياء لا تباين الا بجهة معينة # الخامس أن يقال ليس للعالم الا جهتان وهي العلو والسفل فأما العلو فانه مختص بالله تعالى وأما أسفل سافلين فذلك سجين وهو المركز الذي لا يسع الا الجوهر الفرد وكل قائم بنفسه فانه يصح أن يكون مباينا عنه بجميع الجهات لأن كل ما سواه يصح أن يكون فوقه وان كان كذلك فيقال بموجب المعارضة وهو أن الله تعالى يجوز أن يكون مباينا للعالم من جميع جهاته لأن جميع جهاته هي العلو ليس له جهة أخرى فظهر القول بموجب الحجة ألا ترى أن سطح العرش مباين للعالم كذلك

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:49 AM
# السادس أن قوله ذلك يستلزم صحة الحركة عليه من الفوق الى السفل وهم لا يقولون بذلك فنقول هذا قياس الزامي وفي صحة الحركة نزاع مشهور وهم يدعون ثبوت الفارق فان صح ما يدعونه من الفارق والا كانت هذه الحجة حجة عليهم في المسألتين جميعا ولا يتفصل ذلك كما تقدم نظيره # وأما قوله في الرابع ان كل موجودين في الشاهد فانه يجب أن يكون أحدهما محايثا أو مباينا عنه بالجهة والمباين بالجهة لا بد وأن يكون جوهرا فردا أو مركبا من الجواهر وكون كل موجودين في الشاهد على أحد هذه الاقسام الثلاثة أعنى كونه عرضا أو جوهرا فردا او جسما مؤتلفا لا بد أن يكون معللا بالوجود فوجب أن يكون الباري على أحد هذه الأقسام الثلاثة والقوم ينكرون ذلك لأنه عندهم ليس بعرض ولا بجوهر ولا بجسم مؤتلف من الأجزاء والابعاض # فيقال له أما تسمية صفاته عرضا فان منهم من سمي صفاته أعراضا مع أن النزاع في ذلك لفظي وذلك أن الجهمية من المعتزلة وغيرهم الذين ينفون الصفات لما رأوا أن الصفات تقوم بالأجسام وهي الأعراض أيضا وبها او ببعضها احتجوا على حدوث الموصوف الذي قامت به وقالوا انها لا تقوم الا بمتحيز ولا تقوم الا بمحدث نفوها عن الله تعالى وقالوا من أثبتها فقد قالوا انه يقوم به الأعراض وهي لا تقوم الا بمتحيز فيكون متحيزا محدثا فسلك معهم مثبتة الصفات ثلاثة مسالك # احدها قول من يقول له صفات لكن ليست اعراضا أو لا تسمى أعراضا لأن العرض ما يعرض لمحله ويزول عنه وصفاته لازمة لذاته ليست زائلة عنها وهذا مما قوى عند هؤلاء أن يقولوا الأعراض لا تبقى زمانين أصلا ليكون هذا فرقا بين صفات الله تعالى وصفات المخلوقين من تسمية صفات المخلوقات أعراضا

# دون صفات الخالق وبهذا وأمثاله انتحلوا دعوى السنة في قولهم الأعراض لا تبقى زمانين لأن هذا مما وكدوا به في اعتقادهم مذهب أهل السنة في ثبوت صفات الله تعالى وهذه طريقة الكلابية والأشعرية ومن وافقهم من الفقهاء من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم # والمسلك الثاني طريقة من لا ينازعهم في تسمية صفات الله تعالى أعراضا كما لا ينازعهم في تسمية من قامت به الصفات جسما ولا يقول أيضا بأن الأعراض لا تبقى بل الأعراض التي في الحس باقية هي باقية كالألوان وغيرها بخلاف ما ليس باقيا كالحركة وهؤلاء يقولون هب أن الأعراض قامت به وهب أنه جسم فليس يلزم من ذلك محذور وهذا قول طوائف من الصفاتية من الكرامية والشيعة ومن وافقهم من الفقهاء وغيرهم # والمسلك الثالث ان لا يقولوا صفاته أعراض ولا يقولوا ليست أعراضا كما لا يقولون انه جسم ولا أنه ليس بجسم للأن ذلك كله بدعة مذموم عند سلف الأمة وأئمتها ولأن النزاع في ذلك ان كان في معنى وجب اثبات المعنى الحق دون المعنى الباطل فيسأل النفاة المثبتة ما أرادوا بذلك فان أثبتوا حقا وباطلا أقروا الحق دون الباطل وكذلك النفاة ان نفوا حقا وباطلا نفي الباطل دون الحق ومن أثبت حقا او نفى باطلا أقر ومن أثبت باطلا أو نفى حقا منع وان كان النزاع في اللفظ فما يوصف به الباري نفيا واثباتا من الأسماء والصفات فالمتبع فيه الشريعة فلا وصف الله الا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله لا من الاثبات ولا من النفي والله سبحانه وتعالى قد أخبر أنه أحد صمد ونزه نفسه عن الوالد والولد والشريك والكفو والسمي والحاجة والنوم والموت وغير ذلك ما دل عليه القرآن

# ولم يذكر هو ولا رسوله ولا أهل العلم والايمان به أنه ليس بجسم ولا جوهر ولا متحيز ولا في جهة ولا أن صفاته ليست بعرض ولا قائمة بالغير ولا نحو ذلك وكذلك في الاثبات له الأسماء الحسنى التي يدعى بها وليس في تلك الأسماء انه جسم ولا جوهر ونحو ذلك ولا أن صفاته تسمى أعراضا ونحو ذلك فلم يكن واحد من هذين مشروعا على الاطلاق ولا هو أيضا منهيا عنه على الاطلاق بل اذا اثبت الرجل معنى حقا ونفى معنى باطلا واحتاج الى التعبير عن ذلك بعبارة لاجل افهام المخاطب لأنها من لغة المخاطب ونحو ذلك لم يكن ذلك منهيا عنه لأن ذلك يكون من باب ترجمة أسمائه وآياته بلغة أخرى ليفهم أهل تلك اللغة معاني كلامه وأسمائه وهذا جائز بل مستحب أحيانا بل واجب أحيانا وان لم يكن ذلك مشروعا على الاطلاق كمخاطبة أهل هذه الاصطلاحات الخاصة في أسماء الله وصفاته وأصول الدين باصطلاحهم الخاص اذا كانت المعاني التي تبين لهم هي معاني القرآن والسنة تشبه قراءة القرآن بغير العربية وهذه الترجمة تجوز لافهام المخاطب بلا نزاع بين العلماء وأما قراءة الرجل لنفسه فهذا لا يجوز عند عامة أهل العلم لافي الصلاة ولافي خارج الصلاة وجوزه بعضهم مطلقا لكن لمن لم يحسن العربية لكن المخاطبة ليست كاقراء القرآن لكن تشبه ذكره والثناء عليه والدعاء له بما لم يوقت الشارع فيه شيئا بعينه ولهذا يكره أيضا عند كثير من العلماء أو أكثرهم تغيير العربية الا للحاجة ومنهم من لم يكرهه # اذا تبين ذلك فجوابه من وجوه # احدها أن هذا الوجه الذي ذكره هو من الوجوه الالزامية وهذه ليست بحجة لا للناظر ولا للمناظر كما تقدم غير مرة وذلك أن هذه الحجة اما أن توجب أن كل موجودين في الشاهد على أحد هذه الأقسام أولا توجبه فان لم

# توجبه فلا يضر وان أوجب ذلك ولم يذكر الفارق فرقا بين الموضعين والا كانت حجة عليهم في الموضعين وكان له أن يقول أنا انما أثبت الجسم والجوهر والعرض لكذا وكذا فان كان هذا فرقا صحيحا بطل الالزام وان لم يكن فرقا صحيحا تاما امتنع الحكم اذ ليس في ذلك نص ولا اجماع عام # الوجه الثاني أن يقال كون الموجود في الشاهد جوهرا فردا او ليس بجوهر فرد ليس ذلك بمشهود ولا معلوم بحس ولا ضرورة كالعلم بأن الموجود في الشاهد اما مباين واما محايث بل في ذلك نزاع عظيم بين المتكلمين وهذا المؤسس هو من المتوقفين في اثبات الجوهر الفرد وقد حكى التوقف فيه عمن حكاه من أذكياء الطوائف كأبي الحسين البصري وأبي المعالي الجويني واذا لم يكن هذا معلوما بالحس والاضطرار لم يكن نظير تلك الحجة # الوجه الثالث أن من ينكر الجوهر من أهل الكلام والفلسفة او من توقف فيه يمنع الانقسام الى هذه الثلاثة وهؤلاء طوائف كثيرون # الوجه الرابع أن قوله ان المباين بالجهة لا بد وأن يكون جوهرا فردا او يكون مركبا من الجواهر وكون كل موجودين في الشاهد على أحد هذه الأقسام الثلاثة أعنى كونه عرضا او جوهرا فردا او جسما مؤتلفا لا بد وأن يكون معللا بالوجود يقال له ليس كون الأشياء القائمة بأنفسها في الشاهد مركبة من الجواهر وأنها اما جوهر فرد واما جسم مؤتلف مما يعلم لا بحس ولا بضرورة كما يعلم أن الموجود اما أن يقوم بنفسه واما ان يقوم بغيره بل في ذلك نزاع عظيم بين الناس نفيا واثباتا ووقفا واذا كان كذلك لم يكن نظيرا له

# الوجه الخامس أن من يقول الجسم واحد في نفسه ليس مركبا من الجواهر من أهل الكلام والفلسفة سواء قالوا ينقسم الى جزء لا يقبل القسمة او قالوا يقبل القسمة الى ما لا يتناهي ينازعون في هذا الانقسام ويقولون لا نسلم ان القائم بنفسه لا يكون الا مركبا من الأجزاء او جوهرا فردا وهؤلاء طوائف كثيرة # الوجه السادس أن يقال قد مر الكلام على معنى القسمة والتركيب وأن حاصله يعود الى تميز شيء من شيء كامتياز صفة من صفة وأن ذلك مما يجب الاعتراف به في حق كل موجود فانه يمتنع أن يكون شيء من الموجودات بدون ذلك وان كان كذلك لم يكن ما يلزم الوجود مما سموه انقساما وتركيبا محالا فاذا اوجبت الحجة القول به قيل به # الوجه السابع أن يقال ان عنيت بكونه عرضا انه صفة قائمة بالموصوف ويكون منقسما اي فيه نوع تميز فهذا يلتزمه أهل الاثبات للعلو وان عنيت بكونه عرضا انه يعرض ثم يزول وبكونه منقسما مركبا انه يقبل التفرق والاجتماع بعد التفرق فيقال هذا وصف له بعدم بعد الوجود وبوجود بعد عدم واذا كان هذا كذلك لم يمتنع ان يكون الموجب لذلك متضمنا للعدم فان الممتنع تعليل الامر الوجودي كالرؤية ولزوم احد الوصفين الموجودين بما فيه عدم اما الوصف المشتمل على عدم فلا يمتنع تعليله بالوصف المشتمل على عدم # يوضع ذلك الوجه الثامن وهو أن العرض الذي يختص به المخلوق جوهر عند من يقول ذلك ويفرق بين صفة الخالق وصفة المخلوق مما يمتنع بقاؤه ويجب عدمه بعد وجوده وأقل ما في ذلك أنه يجوز عدمه بعد وجوده والجسم المخلوق اما أن يكون متفرقا في نفسه منقسما قسمة حقيقية بحيث يكون بعضه منفصلا

# عن بعض واما أن يكون قابلا لذلك وعلى التقديرين فلا يكون هذا الحكم صفة للموجود من حيث هو موجود فان الموجود من حيث هو موجود لا يكون واجب العدم ولا واجب التفرق والانفصال واذا كان كذلك كان نفس هذا الوصف المذكور يوجب ان يختص ما يجوز عليه العدم والتفرق # الوجه التاسع ان وجوب العدم او التفرق لا يجوز تعليله بالوجود فان الوجود نفسه لا يوجب التفرق والعدم فان العدم ينافي الوجود والشيء لا يكون موجبا لما ينافيه وكذلك التفرق هو نوع من عدم الكمال فان الاجتماع صفة كمال وقوة والافتراق ينقص تلك القوة والكمال وكذلك يسمى الشيء جميلا والجمال مشتق من الاجمال الذي هو الجمع والضم ولهذا يقال كل ألم في العالم فأصله من تفرق واجتماع فكون الشيء موجودا او مقصودا بحث يحصل به الفرح والسرور لا يناسب تفرقه واختلاله وانما يناسب اجتماعه واكماله ولهذا كان الاسم الصمد فيه معنى الاجتماع المنافي للتفرق وفيه اجتماع الخلق اليه بحيث يكون هو المقصود لهم في العبادة في الدعاء والعبد لا بد له من قصد يقصده والشيء انما يقصد لنفسه او لغيره والله هو المقصود المعبود لنفسه وهو المدعو المسؤول الذي يسأل منه كل شيء واذا كان كذلك تبين أن هذا الحكم لا يجوز تعليله بالوجود المطلق ولا بما يشتمل على الوجود الواجب # وأما قوله في الوجه الخامس اذ كل موجود يفرض مع العالم فهو اما أن يكون مساويا للعالم او زائدا عليه في المقدار او انقص منه في المقدار فانقسام الموجود في الشاهد الى هذه الاقسام الثلاثة حكم لا بد له من علة ولا علة الا الوجود والباري تعالى موجود فوجب ان يكون الباري تعالى على احد هذه الأقسام الثلاثة والقوم لا يقولون به ثبت بما ذكرنا ان هذه الشبهة منقوضة # فيقال له عن هذه ايضا وجوه

# احدها ان هذه أيضا حجة الزامية لا حقيقية فالذي ينفي هذه الأقسام عن الباري اما أن يذكروا فرقا صحيحا اولا يذكروه فان ذكروه بطل الزامهم بذلك في حجة المباينة والمحايثة وان لم يذكروا فرقا صحيحا كان ذلك حجة عليهم في الموضعين كما تقدم نظيره وحينئذ فلا يكون هذا حجة لا في نظر ولا في مناظرة فان هذا ليس هو متفقا على نفيه بل أكثر اهل الاثبات يلتزم أحد الاقسام # الوجه الثاني أن يقال هذا التقسيم باطل فان كل ما نشهده فهو جزء من العالم سواء كان قائما بنفسه او بغيره فكيف يقال فيما هو بعض العالم اما ان يكون مساويا للعالم أو أزيد منه أو أنقص منه ومن المعلوم أنه لا يكون الا أنقص منه واذا كان لا يصح ان يكون مساويا له ولا أزيد وبهذا يظهر ان هذا ليس نظير الحجة فان تلك مضمونها ان كل موجود يلزمه احد الأمرين اما المحايثة لغيره واما المباينة له والوجود ينقسم الى قسمين محايث ومباين ولا يمكن ان يقال الوجود المشهود يلزمه احد هذه الأقسام انما يلزمه واحد منها معين وهو النقص # الوجه الثالث ان هذا الذي ذكره انما هو فيما تقدم وجوده ويفرض مع العالم ومعلوم أنما يقدر وجوده ويفرض لا يعلم حكمه بالحس ولا بالبديهة كما يعلم حكم الموجود المشهود المحسوس مع الموجود المشهود المحسوس فان تلك الحجة مبناها على ما علم بالحس والضرورة ثم النظر هل ذلك معلل بما يتناول الوجود الواجب او بما يخص غيره وأما الموجودات المقدرة فحكمها لا يعلم بحس ولا ضرورة وانما يعلم بالقياس على ما علم وجوده

# الوجه الرابع أن هذا إذا كان في الوجود المقدر مع العالم فذلك الموجود اما أن يكون هو الله او غيره فان كان غيره فقد علم انه معدوم لأن كل ما يقدر وجوده سوى الله فهو من العالم فلا يمكن تقدير موجود غير الله خارج عن مجموع خلقه وان كان المراد بهذا الموجود هو الله كان المعنى ان الله لا يخلو اما أن يكون اكبر من العالم او اصغر او بقدره واذا كان هذا هو المعنى المقدر فاحتجاجه بهذا على ان الباري موصوف بأحد هذه الأقسام هو استدلال بالشيء على نفسه فالدليل هو غير المدلول ويكون التقدير ان الرب الموجود مع العالم اما أن يكون مساويا له او اكبر او اصغر واذا كان كذلك فهو اما ان يكون مساويا او اكبر او اصغر وملعوم ان هذا باطل فضلا ان يكون نظير الحجة # وقد ظهر بما نبهنا عليه في الكلام على هذه الحجة ان قوله ونحن بعد ان بالغنا في تنقيحها وتقريرها اوردنا عليها هذه الاسئلة القاهرة والاعتراضات القادحة ليس الأمر كما قاله فان الحجة لم يستوف تقريرها كما يجب وليس ما ذكره من الأعتراض كما زعم هذا مع أنا لم نستوف الكلام في تقريرها ولا في الأجوبة عن اسولته لأن المقصود حكاية ما ذكره هو من الحجة وذكر ما ينبه على الحكم العادل بينه وبين خصومه
فصل # قال الرازي الشبهة الثالثة للكرامية في اثبات كونه تعالى في الجهة قالوا ثبت أنه تعالى تجوز رؤيته والرؤية تقتضي مواجهة المرئي او مواجهة شيء هو في حكم مقابلته وذلك يقتضي كونه تعالى مخصوصا بجهة قال

# والجواب اعلم ان المعتزلة والكرامية توافقوا على ان كل مرئي لا بد وأن يكون في جهة الا ان المعتزلة قالوا لكنه ليس في الجهة فوجب أن لا يكون مرئيا والكرامية قالوا لكنه مرئي فوجب ان يكون في الجهة واصحابنا نازعوا في هذه المقدمة وقالوا لا نسلم ان كل مرئي فانه مختص بالجهة بل لا نزاع ان الأمر في الشاهد كذلك فلم قلتم ان كل ما كان كذلك في الشاهد وجب ان يكون في الغائب كذلك # وتقريره ان هذه المقدمة اما ان تكون مقدمة بديهية او استدلالية فان كانت بديهية لم يكن في اثبات كونه مختصا بالجهة حاجة الى هذا الدليل وذلك لأنه ثبت في الشاهد أن كل قائم بالنفس مختص بالجهة وثبت ان الباري جل وتعالى قائم بالنفس فوجب القطع بأنه تعالى مختص بالجهة لأن العلم الضروري حاصل بأن كلما ثبت في الشاهد وجب أن يكون في الغائب كذلك فاذا كان هذا الوجه حاصلا في اثبات كونه تعالى في الجهة كان اثبات كونه في الجهة بكونه مرئيا ثم اثبات ان كل ما كان مرئيا فهو مختص بالجهة تطويل من غير فائدة ومن غير مزيد شرح وبيان # وأما ان قلنا ان قولنا كل مرئي فهو مختص بالجهة ليست مقدمة بديهية بل هي مقدمة استدلالية فحينئذ ما لم يذكروا على صحتها دليلا تصير هذه المقدمة يقينية وأيضا فكما أنا لا نعقل مرئيا في الشاهد الا اذا كان مقابلا او في حكم المقابل للرائي فكذلك لا نعقل مرئيا الا اذا كان صغيرا او كبيرا او ممتدا في الجهات مؤتلفا من الأجزاء وهم يقولون انه تعالى يرى لا صغيرا ولا كبيرا ولا ممتدا في الجهات والجوانب والأحياز فاذا جاز لكم ان تحكموا بأن الغائب مخالف للشاهد في هذا الباب فلم لا يجوز ايضا ان يقال ان المرئي في الشاهد وان

# وجب كونه مقابلا للرائي الا أن المرئي في الغائب لا يجوز ان يكون كذلك # والكلام على ما ذكره من وجوه # احدها انما ذكره عن المعتزلة والكرامية ليس هو قولهم فقط بل قول عامة طوائف بني آدم من المسلمين واليهود والنصارى والمجوس والمشركين والصابئين وهو قول جماهير مثبتي الصفات ونفاتها ولا يعرف القول باثبات الرؤية مع نفي كون الله تعالى فوق العالم الا عن هذه الشرذمة وهم بعض اتباع الأشعري ومن وافقهم وليس ذلك قول ائمتهم كما يقول هؤلاء وان كانوا هم وغيرهم يقولون ان في كلام أئمتهم تناقضا او اختلافا فقد قدمنا ان تناقض من كان الى الاثبات اقرب هو أقل من تناقض من كان الى النفي اقرب وقدمنا ان العلم بأنه فوق العالم اعظم من العلم بأنه يرى فعلم ذلك بالعقل اعظم في الطرق البديهية والقياسية وعلم ذلك بالسمع أعظم لما في الكتاب والسنة من الدلالات الكثيرة التي لا يحصيها الا الله على أن الله فوق # ولهذا تجد هؤلاء الذين يثبتون الرؤية دون العلو عند تحقيق الأمر منافقين لأهل السنة والاثبات يفسرون الرؤية التي يثبتونها بنحو ما يفسرها به المعتزلة وغيرهم من الجهمية فهم ينصبون الخلاف فيها مع المعتزلة ونحوهم ويتظاهرون بالرد عليهم وموافقة أهل السنة والجماعة في اثبات الرؤية وعند التحقيق فهم موافقون المعتزلة انما يثبتون من ذلك نحو ما اثبته المعتزلة من الزيادة في العلم ونحو ذلك مما يقوله المعتزلة في الرؤية او يقول قريبا منه ولهذا يعترف هذا الرازي بأن النزاع بينهم وبين المعتزلة في الرؤية قريب من اللفظي

# فعلم ان هؤلاء حقيقة باطنهم باطن المعتزلة الجهمية المعطلة وإن كان ظاهرهم ظاهر اهل الاثبات كما أن المعتزلة عند التحقيق حقيقة امرهم امر الملاحدة نفاة الأسماء والصفات بالكلية وان تظاهروا بالرد عليهم والملاحدة حقيقة امرهم حقيقة من يجحد الصانع بالكلية هذا لعمري عند التحقيق وأما عوام الطوائف وان كان فيهم فضيلة وتميز فقد يجمعون بين المتناقضات تقليدا وظنا ولهذا لا يكونون جاحدين وكافرين مطلقا لأنهم يثبتون من وجه وينفون من وجه فيجمعون بين النفي والاثبات # قال الأشعري في الابانة باب الرد على الجهمية في نفيهم على الله وقدرته قال الله تعالى ( انزله بعلمه ) وقال سبحانه ( وما تحمل من انثى ولا تضع الا بعلمه ) وذكر العلم في خمسة مواضع من كتابه فقال سبحانه ^ فأن لم يتجيبوا لكم فعلموا أنما أنزل بعلم الله ^ ( ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء ) وذكر تعالى القوة فقال ( اولم يرو أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ) وقال سبحانه ( ذو القوة المتين ) وقال الله تعالى ( والسماء بنيناها بأيد ) قال وزعمت الجهمية والقدرية ان الله عز وجل لا علم له ولا حياة ولا سمع ولا بصر وأرادوا ان ينفوا ان الله عالم قادر حي سميع بصير فمنعهم خوف السيف من اظهارهم ذلك فأتوا بمعناه لأنهم اذا قالوا لا علم ولا قدرة لله فقد قالوا ليس بعالم ولا قادر ووجب ذلك عليهم وهذا انما اخذوه عن اهل الزندقة والتعطيل لأن الزنادقة قال كثير منهم ليس بعالم ولا قادر ولا حي ولا سميع ولا بصير فلم تقدر المعتزلة ان تفصح بذلك فأتت بمعناه وقالت ان الله عالم قادر حي سميع بصير من طريق التسمية من غير ان نثبت له علما وقدرة وسمعا وبصرا

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:50 AM
# وهؤلاء الذين ذكر قولهم قالوا ليس بعالم ولا قادر ولا حي ولا سميع ولا بصير وهؤلاء شر من الذين تقدم ذكرهم وحكاية الرازي قولهم الذين يقولون لا نقول موجود ولا معدوم ولا حي ولا ميت ولا عالم ولا جاهل فان أولئك امتنعوا من التسمية بالضدين لم ينفوا أن يكون هو تعالى في نفسه موصوفا بأحدهما فهؤلاء الذين نفوا ذلك اعظم من اولئك وقد أخبر ان قول المعتزلة مأخوذ من هؤلاء # وكذلك قال في كتاب المقالات لما قال وهذا ذكر اختلاف الناس في الأسماء والصفات فقال الحمد لله الذي بصرنا خطأ المخطئين وعمى العمين وحيرة المتحيرين الذي نفوا صفات الله رب العالمين وقالوا انه جل ثناؤه وتقدست اسماؤه لا صفات له وأنه لا علم له ولا قدرة له ولا حياة له ولا سمع له ولا بصر له ولا عز له ولا جلال له ولا عظمة له ولا كبرياء له وكذلك قالوا في سائر صفات الله التي توصف لنفسه قال وهذا قول اخذوه عن اخوانهم من المتفسلقة الذين يزعمون ان للعالم صانعا لم يزل ليس بعالم ولا قادر ولا حي ولا سميع ولا قديم وعبروا عنه بأن قالوا نقول عين لم تزل ولم يزيدوا على ذلك غير ان هؤلاء الذين وصفنا قولهم من المعتزلة في الصفات لم يستطيعوا ان يظهروا من ذلك ما كانت الفلاسفة تظهره فأظهروا معناه بنفيهم ان يكون للباري علم وقدرة وحياة وسمع وبصر ولولا الخوف لأظهروا ما كانت الفلاسفة تظهر من ذلك ولأفصحوا به غير ان خوف السيف يمنعهم من اظهار ذلك قال وقد أفصح بذلك رجل يعرف بابن الأيادي كان ينتحل قولهم فزعم ان الباري تعالى عالم قادر سميع بصير في المجاز لافي الحقيقة ومنهم رجل يعرف بعباد بن سليمان يزعم ان الباري تعالى عالم قادر سميع بصير حكيم جليل

# في حقيقة القياس قال وقد اختلفوا فيما بينهم اختلافا تشتت فيه اهواؤهم واضطربت فيه أقاويلهم ثم ذكر بينهم نزاعا كثيرا ليس هذا موضعه # وقال شيخ الاسلام ابو اسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري في كتاب ذم الكلام في آخره لما عقد بابا في ذكر هؤلاء الأشعرية المتأخرين فقال باب في ذكر كلام الأشعري ولما نظر المبرزون من علماء الأمة وأهل الفهم من اهل السنة طوايا كلام الجهمية وما اودعته من رموز الفلاسفة ولم يقع منهم الا على التعطيل البحت وان قطب مذهبهم ومنتهى عقدتهم ما صرحت به رؤوس الزنادقة قبلهم ان والفلك دوار والسماء خالية وان قولهم انه تعالى في كل موضع وفي كل شيء ما استثنوا جوف كلب ولا جوف خنزير ولا حشا فرارا من الاثبات وذهابا عن التحقيق وان قولهم سميع بلا سمع بصير بلا بصر عليم بلا علم قادر بلا قدرة اله بلا نفس ولا شخص ولا صورة ثم قالوا لا حياة له ثم قالوا لا شيء فانه لو كان شيئا لأشبه الأشياء حاولوا مقال رؤوس الزنادقه القدماء إذ قالوا الباري لا صفة لهم ولا لا صفة خافوا على قلوب ضعفاء المسلمين وأهل الغفلة وقلة الفهم منهم اذ كان ظاهر تعلقهم بالقرآن اعتصاما به من السيف واجتنابا به منهم واذ هم يرون التوحيد ويخاوضون المسلمين ويحملون الطيالسة فأفصحوا بمعائبهم وصاحوا بسوء ضمائرهم ونادوا على خبايا نكتهم فيا طول ما لقوا في أيامهم من سيوف لخلفاء وألسن العلماء وهجران الدهماء فقد شحنت كتاب تكفير الجهمية من مقالات علماء الاسلام ورن الخلفاء فيهم ودق عامة أهل السنة عليهم واجماع

# المسلمين على اخراجهم من الملة ثلت عليهم الوحشة وطالت الذلة وأعيتهم الحيلة الا ان يظهروا الخلاف لأوليهم والرد عليهم ويصبغوا كلامهم صيغة تكون ألوح للأفهام وانجع في العوام من أساس اوليهم تحدوا بذلك المساغ وليتخلصوا من خزي الشناعة فجاءت بمخاريق ترئا للعين بغير ما في الحشايا ينظر الناظر الفهم في جذرها فيرى فخ الفلسفة يكسى لحاء السنة وعقد الجهمية ينحل القاب الحكمة يردون على اليهود قولهم يد الله مغلولة فينكرون الغل وينكرون اليد فيكونوا اسوأ حالا من اليهود لأن الله سبحانه اثبت الصفة ونفى العيب واليهود اثبتت الصفة واثبتت العيب وهؤلاء نفو الصفة كما نفوا العيب ويردون على النصارى في مقالتهم في عيسى وامه فيقولون لا يكون في المخلوق غير المخلوق فيبطلون القرآن فلا يخفى على ذوي الألباب ان كلام اولهم وكلام آخرهم كخيط السحارة فاسمعوا الآن يا ذوي الألباب وانظروا ما فضل هؤلاء على اولئك اولئك قالوا قبح الله مقالهم ان الله موجود بكل مكان وهؤلاء يقولون ليس هو في كل مكان ولا يوصف بأين وقد قال المبلغ عن الله عز وجل لجارية معاوية بن الحكم رضي الله عنه اين الله قالت في السماء الحديث وقالوا هو من فوق كما هو من تحت لا ندري اين هو ولا يوصف بمكان فليس هو في السماء وليس هو في الأرض وانكروا الجهة والحد وقال اولئك ليس له كلام انما خلق كلاما وهؤلاء يقولون تكلم مرة فهو متكلم به منذ تكلم لم ينقطع الكلام ولا يوجد كلامه في موضع ليس هو به ثم يقولون ليس هو في مكان ثم قالوا ليس له صوت ولا حروف وقالوا هذا زاج وورق وهذا صوف

# وخشب وهذا انما قصد النفس واريد به التفسير وهذا صوت القاري اما يرى حسن وغير حسن وهذا لفظه او ما تراه مجازا به حتى قال رأس من رؤوسهم او يكون قرآن من لبد وقال آخر من خشب فراوغوا فقالوا هذا حكاية عبر بها عن القرآن والله تكلم مرة ولا يتكلم بعد ذلك ثم قالوا غير مخلوق ومن قال مخلوق كافر وهذا من فخوخهم يصطادون به قلوب عوام اهل السنة وانما اعتقادهم ان القرآن غير موجود لفظية الجهمية الذكور بمرة والجهمية الاناث بعشر مرات # اولئك قالوا لاصفة وهؤلاء يقولون وجه كما يقال وجه النهار ووجه الأمر ووجه الحديث وعين كعين المتاع وسمع كأذن الجدار وبصر كما يقال جدارهما يترائيان ويد كيد المنة والعطية والأصابع كقولهم خراسان بين اصبعي الأمير والقدمان كقولهم جعلت الخصومة تحت قدمي والقبضة كما قيل فلان في قبضتي اي انا املك امره وقال الكرسي العلم والعرش الملك والضحك الرضى والاستواء الاستيلاء والنزول القبول والهرولة مثله شبهوا من وجه وانكروا من وجه وخالفوا السلف وتعدوا الظاهر فردوا الأصل ولم يثبتوا شيئا ولم يبقوا موجودا # ولم يفرقوا بين التفسير والعبارة بالالسنة فقالوا لا نفسرها نجريها عربية كما وردت وقد تأولوا تلك التأويلات الخبيثة وأرادوا بهذه المخرقة ان يكون عوام المسلمين بعد غيابا عنها واعيا ذهابا منها ليكونوا اوحش عند ذكرها واشمس عند سماعها وكذبوا بل التفسير ان يقال وجه ثم لا يقال كيف وليس كيف في هذا الباب من مقال المسلمين فأما العبارة فقد قال الله تعالى ( وقالت

# اليهود يد الله مغلولة غلت ايدهم ) وانما قالوها هم بالعبرانية فحكاها عنهم بالعربية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب كتابه بالعبرانية فيها اسماء الله وصفاته فيعبر بالألسنة عنها ويكتب اليه بالسريانية فيعبر له زيد بن ثابت رضي الله عنه بالعربية والله تعالى يدعى بكل لسان باسمه فيجيب ويحلف بها فيلزم وينشد فيجاز ويوصف فيعرف # ثم قالوا ليس ذات الرسول صلى الله عليه وسلم بحجة وقالوا ما هو بعد ما مات بمبلغ فلا يلزم به الحجة فسقط من اقاويلهم على ثلاثة اشياء انه ليس في السماء رب ولا في الروضة رسول ولا في الأرض كتاب كما سمعت يحيى بن عمار يحكم به عليهم وان كانوا موهوها ووروا عنها واستوحشوا من تصريحها فان حقائقها لازمة لهم وابطلوا التقليد فكفروا آباءهم وامهاتهم وازواجهم وعوام المسلمين وواجبوا النظر في الكلام واضطروا اليه الدين بزعمهم فكفروا السلف وقالت طائفة منهم الفرض لا يتكرر فأبطلت الشرائع وسموا الاثبات تشبيها فعابوا القرآن وضللوا الرسول فلا تكاد ترى منهم رجلا ورعا ولا للشريعة معظما ولا للقرآن محترما ولا للحديث موقرا سلبوا التقوى ورقة القلب وبركة التعبد ووقار الخشوع واستفضلوا الرسول بالنظر فلا هو طالب آثاره ولا يتبع أخباره ولا يناضل على سننه ولا هو راغب في اسوته يتلقد مرتبة العلم وما عرف حديثا واحدا تراه يهزأ بالدين ويضرب له الامثال ويتلعب بأهل السنة ويخرجهم اصلا من العلم لا تنفر لهم عن بطانة الا خانتك ولا عن عقيدة الا رابتك البسوا ظلمة الهوى وسلبوا نعمة الهدى فتنبوا عنهم الأعين وتشمئز منهم القلوب # قالوا وقد شاع في المسلمين ان رأسهم علي بن اسماعيل الأشعري كان لا يستنجي ولا يتوضأ ولا يصلي وقد سمعت محمدا العمري النسابة انبأنا المعافي

# سمعت ابا الفضل الحارثي القاضي بسر حبس يقول سمعت زاهر بن احمد يقول اشهد لمات ابو الحسن الأشعري متحيرا بسبب مسألة تكافىء الأدلة فلا جزى الله امرءا أناط مخاريقه بمذهب الامام المطلبي رحمه الله تعالى وكان من ابر خلق الله قلبا واصونهم سمتا وأهدأهم هديا وأعمقهم علما وأقلهم تعمقا وأوقرهم للدين وابعدهم من التنطع وانصحهم لخلق الله جزاء خير قال فرأيت قوما منهم يجتهدون في قراءة القرآن وحفظ حروفه والاكثار من ختمه ثم اعتقاده فيه ما قد بيناه اجتهاد روغان كالخوارج وذكر باسناده من حديث سفيان الثوري عن الصلت بن بهرام عن المنذر بن هوذة عن خرشة ابن الحر ان حذيفة بن اليمان قال انا آمنا ولم نقرأ وسيجيء قوم يقرؤون القرآن ولا يؤمنون وباسناده من حديث زيد بن ابي انيسة عن القاسم بن عون قال سمعت ابن عمر يقول لقد عشنا برهة من دهرنا وان احدنا يؤتي الايمان قبل القرآن وباسناده من حديث اسماعيل بن مهاجر عن أبيه عن ابن عمر قال انا كنا صدور هذه الأمة وكان الرجل من خيار اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصالحيهم وما يقم الا سورة من القرآن او شبه ذلك وكان القرآن قد ثقل عليهم رزقوا علما به او عملا وان آخر هذه الأمة يخفف عليه القرآن حتى يقرأه الصبي والعجمي لا يعلمون شيئا منه قلت ومثل ذلك معروف عن جندب بن عبد الله البجلي انه قال اوتينا الايمان قبل ان نقرأ القرآن ثم اوتينا القرآن فازددنا ايمانا وانكم تؤتون القرآن قبل الايمان فتوسل أحدكم

# وهذا الرازي لما ذكر مسألة الرؤية في نهايته وذكر فيها حجج النفاة والمثبتة كان ما ذكره من حجج النفاة العقلية والسمعية اظهر مما ذكره من حجج المثبتة وهذه عادته في كثير من مناظرته يحتج للباطل من السفسطة وفروعها بما لا يحتج بمثله للحق وقال في مسألة الرؤية بعد ان ذكر مسالكها العقلية فظهر من مجموع ما ذكرناه ان الادلة العقلية ليست قوية في هذه المسألة قال واعلم ايضا ان التحقيق في هذه المسألة ان الخلاف فيها يقرب ان يكون لفظيا وسنبينه ان شاء الله تعالى # الوجه الثاني ان هذا الرجل قد اعترف هو ومن يوافقه ان الرؤية التي دل عليها الكتاب والسنة واتفاق سلف الأمة بل الادراك المنفي عن الله في قوله ( لا تدركه الأبصار ) يدل على ان الله تعالى في الجهة وذلك يقتضي دلالة الكتاب والسنة واتفاق سلف الأمة على شيئين على رؤية الله تعالى وعلى انه في الجهة وذكر اعتراف فضلاء المعتزلة بأن النبيين كانوا يعتقدون ذلك # اما الأول فانه لما ذكر الحجج السمعية التي للمعتزلة على نفي الرؤية قال وهذه الشبه اربع الأولى وهي الأقوى التمسك بقوله تعالى ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ) قال واعلم ان هذه الآية تارة يتمسكون بها على أنه تعالى لا يرى بالأبصار في الدنيا ولا في الآخرة وتارة على استحالة كوننا رائين له اما الوجه الاول فانما يتم باثبات امور اربعة أحدها ان ادراك البصر هو الرؤية قال ويدل عليه امران احهما انه لا فرق في اللغة بين ان يقال رأيت فلانا ببصري وبين ان يقال ادركته ببصري كما لا فرق بين ان يقال ادركته بأذني وبين ان يقال سمعته بأذني ثانيهما ان اهل اللسان فهموا من هذه الآية نفي الرؤية وذلك يدل على ان العرب يستعملون ادراك البصر بمعنى الرؤية وروي عن عائشة

# لما بلغها ان كعبا قال ان محمدا رأى ربه انكرت ذلك وقالت ثلاث من حدثك بهن فقد كذب من حدثك ان محمدا رأى ربه فقد اعظم الفرية على الله قال تعالى ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ) قال وروي عن ابن عباس مثل ذلك # ثم قال في الجواب عن هذا لا نسلم ان ادراك البصر عبارة عن نفس الرؤية بيانه هو ان الادراك غير موضوع لحقيقة الرؤية اصلا لكنه مستعمل في رؤية الشيء المحدود بطريق المجاز ومتى كان كذلك لم يلزم من الآية هاهنا نفي الرؤية وانما قلنا ان الادراك غير موضوع للرؤية حقيقة لان لفظ الادراك حقيقة في غير الرؤية فوجب أن لا يكون حقيقة فثي الرؤية إنما قلنا أن الأدراك غير حقيقة في الرؤية لأنها حقيقة في اللحوق والبلوغ سواء كان في المكان كما في قوله تعالى ( قال اصحاب موسى انا لمدركون ) او في الزمان كما يقال ادرك قتادة الحسن او في صفة وحالة كما يقال ادرك الكلام وادركت الثمرة اذا نضجت وايضا فانه يقال ادركت ببصري حرارة الليل وان كانت الحرارة لا ترى فعلمنا ان الادراك حقيقة في غير الرؤية فوجب ان لا يكون حقيقة في الرؤية لئلا يؤدي الى الاشتراك الذي هو خلاف الأصل # وانما قلنا ان الادراك لا يستعمل مجازا الا في رؤية الشيء المتناهي لوجهين احدهما انا لما أبصرنا الشيء المتناهي فكان البصر على بعده من ذلك المرئي يتناوله ولم يتناوله غيره فجرى في ذلك مجرى من قطع المسافة الى شيء حتى بلغه ووصل اليه فلما توهم في هذا النوع من الابصار معنى اللحوق سمي ادراكا فأما ادراكنا للشيء الذي لا يكون في جهة اصلا فانه لا يتحقق فيه معنى البلوغ فلا جرم لا يسمى ادراكا الثاني ان الاسم انما يوضع لما يكون معلوما

# للواضع والعرب ما كانوا يتصورون الا رؤية الشيء المحدود اما عند الخصم فلأن الرؤية لا على هذا الوجه مستحيلة وأما عندنا فانه وان أمكن الا يكون كذلك لكنه ما كان معلوما للعرب ولا متصورا لهم واذا ثبت ذلك ثبت انهم لم يستعملوا الادراك الا لرؤية الشيء الذي في جهة فثبت بما ذكرناه ان الادراك لو افاد الرؤية لأفاد رؤية الشيء المتناهي وهذا هو المراد من قول قدماء الأصحاب الادراك هو الاحاطة بالمرئي # واذا ثبت ان الادراك لا يفيد الا رؤية مخصوصة لم يلزم من نفي الادراك نفي مطلق الرؤية لأنه لا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم واما قوله العرب لا تفرق بين الرؤية وبين الادراك قلنا ان ادعيتم ذلك في مطلق الرؤية فهو ممنوع ودليله ما مضى وان ادعيتم ذلك في رؤية مخصوصة فهو مسلم ولا يضرنا قوله اهل اللسان فهموا من هذه الآية نفي الرؤية فدل على ان ادراك البصر هو الرؤية قلنا وقد نقل ايضا ان كثيرا من السلف فهموا الرؤية من قوله تعالى ( وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة ) مع ان النظر عندكم ليس هو الرؤية وكذلك هاهنا # قلت فقد أخبر ان العرب ما كانوا يتصورون الا رؤية الشيء المحدود وان رؤية ما ليس في الجهة لم يكن معلوما لهم ولا متصورا لهم واذا كان كذلك وقد ثبت في النصوص المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال انكم سترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته وقال ايضا انكم سترون ربكم كما ترون الشمس صحوا ليس دونهما سحاب وكما ترون القمر صحوا ليس دونه سحاب وثبت اتفاق سلف الأمة على ان المؤمنين يرون الله يوم القيامة وقد اخبر ان العرب المخاطبين بهذا الكلام لم يكونوا يتصورون من ذلك الا رؤية

# ما كان في الجهة وان ما سوى ذلك لم يكن معلوما ولا متصورا لهم من لفظ الرؤية ومع هذا فالنبي صلى الله عليه وسلم واهل الاجماع من الصحابة والتابعين اخبروا والخلق بأنهم يروا ربهم ولم يقولوا برؤية في غير جهة ولا ما يؤدي هذا المعنى بل قال كما ترون الشمس والقمر فمثل رؤيته بالرؤية لما هو في جهة علم بالاضطرار ان الرؤية التي دل عليها نصوص الرسول واجماع السابقين هي الرؤية التي كان الناس يعرفونها وهي لما يكون في الجهة وهذا بين # وايضا فقد اخبر ان ما لا يكون في جهة لا تسمى رؤيته ادراكا وان لفظ الادراك اذا اريد به الرؤية فهي رؤية مخصوصة وهي رؤية المتناهي الذي يكون في جهة فأما الشيء الذي لا يكون في جهة فلا تسمى رؤيته ادراكا واذا كان كذلك فيكون قوله تعالى ( لا تدركه الأبصار ) اي متناهيا لا تحيط به ولا تدركه متناهيا محدودا وهذا الذي ذكره جيد وان كان لم يستوف حجته فان أئمة السلف بهذا فسروا الآية وما ذكرته المعتزلة عن ابن عباس انه تأول الآية على نفي الرؤية كذب على ابن عباس بل قد ثبت عنه بالتواتر انه كان يثبت رؤية الله وفسر قوله تعالى ( لا تدركه الأبصار ) بأنها لا تحيط وضرب المثل بالسماء فقال الست ترى السماء فقال بلى فقال أكلها ترى قال لا قال فالله اعظم # واذا كان كذلك فمعلوم ان الله نفى ادراك الأبصار له لم ينف ادراكه هو لنفسه ولم ينف مطلق الرؤية فلو كان هو في نفسه بحيث تمتنع رؤيته مطلقا ليس الممتنع الاحاطة دون الرؤية باحاطة لم ينف هذا الخاص وهو الادراك من الأبصار دون ادراكه هو ودون رؤية الأبصار لأن نفي العام يستلزم نفي الخاص ونفي الخاص لا يستلزم نفي العام بل يقتضي جواز الخاص او ايهامه

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:58 AM
# لأن المدح بنفي الخاص مع كون العام منتفيا لا يحسن كما لا يحسن ان يقال لا يقدر بنو آدم على افناء جميعه اولا يقدرون على افناء ذاته وصفاته فان هذا غير مقدور لا لنبي آدم ولا لغيرهم بل هو ممتنع في نفسه وكذلك لا يقال الآدميون لا يقدرون على اعدامه او اماتته او على سلب قدرته وعلمه ونحو هذا لأن هذه الامور ممتنعة في نفسها لا يختص بنو آدم بنفي الاقتدار عليها بل تخصيصهم بذلك يوهم انه هو يقدر على ذلك وهذا كلام باطل فان هذا ليس بشيء اصلا حتى تكون رؤية الله عند النفاة هي من باب الممتنعات مثل عدمه وموته واحداثه ونحو ذلك ولو كان كذلك لم يحسن نفي هذا عن ابصار العباد فقط كما لا يحسن مدحه بأن العباد لا يعدمونه ولا يميتونه بل تخصيصهم بنفي ادراك ابصارهم له يقتضي انه هو يدرك نفسه # واذا كان كذلك ولفظ الادراك يقتضي الرؤية الخاصة لمن يكون في جهة علم ان الاية دلت على انه كذلك # واما ما ذكره عن فضلاء المعتزلة فانه اورد سؤال ابي الحسين البصري واتباعه وهو ان موسى عليه السلام يجوز ان لا يكون عالما باستحالة الرؤية وقال في الجواب قوله لم لا يجوز يقال ان موسى عليه السلام كان جاهلا باستحالة الرؤية قلنا لوجوه ثلاثة الأول الاجماع على ان علم الأنبياء بالله وصفاته اتم من علم غيرهم بذلك فلا يشك احد ان دعوى الاجماع في ذلك اظهر من دعوى اجماع الصحابة على العمل بالقياس واخبار الآحاد فاذا خصصنا هذه الأصول بالاجماع فلأن يتمسك بالاجماع هاهنا اولى # الثاني ان قبل ظهور ابي الحسين لم ينسب احد من الأئمة موسى عليه السلام الى الجهل بل الناس كانوا بين المعترف بصحة الرؤية وبين المنكر

# متأولين لهذه الرؤية اما على سؤال رؤية الآية او على انه عليه السلام سأل الرؤية لقومه واذا كان كذلك كان ابو الحسين مسبوقا بهذا الاجماع فيكون سؤاله مردودا الثالث هو ان ابا الحسين يدعي العلم الضروري بأن المرئي يجب ان يكون مقابلا للرائي او لآلة الرؤية والعلم الضروري حاصل بأن ما كان مقابلا للجسم فهو مختص بجهة وتحيز فهذان العلمان الضروريان ان كانا حاصلين لموسى عليه السلام فيلزم من اعتقاد صحة رؤية الله اعتقاده لكونه جسما متحيزا قال وذلك ما لا يجوز بالاتفاق على الأنبياء عليهم السلام لأن تجويزه يمنع من العلم بحكمته عند ابي الحسين واذا لم يحصل عنده العلمان الضروريان كان ذلك قادحا في كونه عليه السلام عاقلا وذلك لا يقوله عاقل فضلا عن المسلم # قلت فهذا الذي ذكره عن ابي الحسين واتباعه وهم فضلاء المعتزلة قد تضمن ان موسى عليه السلام سأل الله ان يراه بالبصر وهم يقولون يعلم العاقل بالضرورة ان المرئي لا يكون الا في جهة ويعلم العاقل بالضرورة انه لا يكون في الجهة الا الجسم المتحيز وذلك يقتضي ان موسى عندهم كان يعتقد ان الله في جهة وانه جسم # وأما قول هذا بالاتفاق لا يجوز اي بالاتفاق بينه وبين الشيخ ابي الحسين لكن هذا الاتفاق ليس بحجة بالاجماع # الوجه الثالث ان كون الرؤية مستلزمة لأن يكون الله بجهة من الرائي امر ثبت بالنصوص المتواترة ففي الصحيحين وغيرهما الحديث المشهور عن الزهري قال انا سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي ان ابا هريرة اخبرهما ان الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

# هل تضامون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب قالوا لا قال فهل تمارون في رؤية القمر ليس دونه سحاب قالوا لا يا رسول الله قال فانكم ترونه كذلك وذكر الحديث بطوله قال ابو سعيد اشهد لحفظته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا هو في الصحيحين من حديث زيد بن اسلم عن عطاء بن يسار عن ابي سعيد قال قلنا يا رسول الله هل نرى ربنا قال هل تضارون في رؤية الشمس اذا كان صحوا قلنا لا يا رسول الله قال فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر اذا كان صحوا قلنا لا قال فانكم لا تضارون في رؤية ربكم الا كما تضارون في رؤيتهما وساق الحديث بطوله وفي صحيح مسلم من حديث سهيل بن ابي صالح عن ابيه عن ابي هريرة قال قال ناس يا رسول الله انرى ربنا يوم القيامة قال فهل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحاب قالوا لا قال فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس في سحاب قالوا لا قال والذي نفسي بيده لا تضارون في رؤيته الا كما تضارون في رؤية احدهما وذكر الحديث بطوله # فهذا فيه مع اخباره انهم يرونه اخبارهم انهم يرونه في جهة منهم من وجوه احدها ان الرؤية في لغتهم لا تعرف الا لرؤية ما يكون بجهة منهم فأما رؤية ما ليس في الجهة فهذا لم يكونوا يتصورونه فضلا عن ان يكون اللفظ يدل عليه كما قد اعترف هو بذلك فيما تقدم وهو ايضا فانك لست تجد احدا من الناس يتصور وجود موجود في غير جهة فضلا عن ان يتصور انه يرى فضلا عن ان يكون اسم الرؤية المشهور في اللغات كلها يدل على هذه الرؤية الخاصة # الوجه الثاني انه قال فانكم ترون ربكم كما ترون الشمس صحوا وكما ترون القمر صحوا فشبه لهم رؤيته برؤية الشمس والقمر وليس ذلك

# تشبيها للمرئي بالمرئى ومن المعلوم انه اذا كانت رؤيته مثل رؤية الشمس والقمر وجب ان يرى في جهة من الرائي كما ان رؤية الشمس والقمر كذلك فانه لو لم يكن كذلك لأخبرهم برؤية مطلقة نتأولها على ما يتأول من يقول بالرؤية في غير جهة اما بعد ان يستفسرهم عن رؤية الشمس صحوا ورؤية البدر صحوا ويقول انكم ترون ربكم كذلك فهذا لا يمكن ان يتأول على الرؤية التي يزعمونها فان هذا اللفظ لا يحتملها لا حقيقة ولا مجازا # الوجه الثالث انه قال هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب وهل تضارون في القمر ليس دونه سحاب فشبه رؤيته برؤية اظهر المرئيات اذا لم يكن ثم حجاب منفصل عن الرائي يحول بينه وبين المرئي ومن يقول انه يرى في غير جهة يمتنع عنده ان يكون بينه وبين العباد حجاب منفصل عنهم اذا الحجاب لا يكون الا لجسم ولما يكون في جهة وهم يقولون الحجاب عدم خلق الادراك في العين والنبي صلى الله عليه وسلم مثل رؤيته برؤية هذين النورين العظيمين اذا لم يكن دونهما حجاب # الوجه الرابع انه اخبر انهم لا يضارون في رؤيته وفي حديث آخر لا يضامون ونفي الضير والضيم انما يكون لا مكان لحوقه للرائي ومعلوم انما يسمونه رؤية وهو رؤية ما ليس بجهة من الرائي لا فوقه ولا شيء من جهاته لا يتصور فيها ضير ولا ضيم حتى ينفي ذلك بخلاف رؤية ما يواجه الرائي ويكون فوقه فانه قد يلحقه فيه ضيم وضير اما بالازدحام عليه او كلال البصر لخفائه كالهلال واما لجلائه كالشمس والقمر # ومثل هذا الحديث المشهور حديث قيس بن ابي حازم عن جرير بن عبد الله البجلي قال كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فنظر الى القمر ليلة البدر

# فقال انكم ترون ربكم عيانا كاترون هذا لا تضارون في رؤيته فان استطعتم ان لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وقرأ ( فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ) وهذا لفظ البخاري في بعض طرقه وفيه زيادة لفظ عيانا والا فبقية الفاظ الحديث مستفيضة في الصحيحين وغيرهما وفي الصحيحين من حديث يحيى بن سعيد ثنا سعيد بن ابي عروبة ثنا قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيلهمون ذلك فيقولون لو استشفعنا على ربنا فاراحنا من مكاننا هذا فيأتون آدم فذكر الحديث الى ان قالوا ائتوا محمدا عبد قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيأتوني حتى استأذن على ربي فيؤذن لي فاذا رأيت ربي وقعت او خررت ساجدا لربي فيدعني ما شاء الله ان يدعني ثم يقال لي ارفع محمد قل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع فارفع رأسي فاحمده بتحميد يعلمنيه الله ثم اشفع فيحد لي حدا فادخلهم الجنة ثم اعود اليه الثانية فاذا رأيت ربي عز وجل وقعت او خررت ساجدا فيدعني ما شاء الله ان يدعني ثم يقال لي ارفع رأسك قل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع فارفع رأسي فأحمد ربي بتحميد يعلمنيه ثم اشفع فيحد لي حدا فادخلهم الجنة ثم اعود اليه الثالثة فاذا رأيت ربي وقعت او خررت ساجدا لربي فيدعني ما شاء الله ان يدعني فذكر الحديث # فكون الرائي وهو النبي صلى الله عليه وسلم يراه والرائي في مكان ولا يراه والرائي في مكان آخر ويعود الى ذلك المكان دليل على ان المرئي يرى والرائي في مكان ولا يرى اذا كان الرائي في مكان آخر وهذا الاختصاص لا يكون الا بما يكون بجهة من الرائي بخلاف ما يسمونه رؤية فانها من جنس العلم لا اختصاص لها بكون الرائي في مكان دون مكان # وايضا ففي الصحيحين عن ابي عمران الجوني عن ابي بكر بن عبد الله

# ابن قيس وهو ابن ابي موسى الأشعري عن ابيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم # قال جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين ان ينظروا الى ربهم الا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن فأخبر انه لا يمنعهم من النظر الا ما على وجهه من رداء الكبرياء ومن يقول انه يرى لا في جهة عنده ليس المانع الا كون الرؤية لم تخلق في عينه لا يتصور عنده ان يحجب الرائي شيء منفصل عنه أصلا سواء فسر رداء الكبرياء بصفة من صفات الرب او بحجاب منفصل عن الرب فعلى التقديرين لا يتصور عند هؤلاء من ذلك مانعا من الرؤية ولا يمنع من رؤية الله عندهم الا ما يكون في نفس الرائي وكذلك قوله ( في جنة عدن ) سواء كانت ظرفا له او للرداء فعلى التقديرين يخالف مذهب هؤلاء # وأيضا ففي صحيح مسلم عن عبد الرحمن بن ابي ليلى عن صهيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا دخل اهل الجنة الجنة نودوا يا أهل الجنة ان لكم عند الله موعدا يريد ان ينجزكموه قال فيقولون ما هو الم يبيض وجوهنا ويزحزحنا عن النار ويدخلنا الجنة قال فيكشف الحجاب فينظرون اليه فوالله ما اعطاهم الله شيئا هو احب اليهم مما هم فيه ثم قرأ للذين احسنوا الحسنى وزيادة فأخبر انه يكشف الحجاب فينظرون اليه ومن يقول يرى لافي جهة لا يقول ان بينه وبين الخلق حجابا ولا يتصور ان يحتجب عن الخلق ولا ان يكشف الحجاب وقد صرحوا بذلك كله قالوا لان ذلك كله من صفة الجسم المتحيز فاذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر بذلك علم انه يرى في الجهة وليست الرؤية التي أخبر بها ما يزعمونه من الأمر الذي لا يعقل الذي ينافقون فيه أهل الايمان # وعن شعبة عن يعلي بن عطاء عن وكيع بن عدس عن ابي رزين

# قالت قلت يا رسول الله اترى ربنا يوم القيامة قال نعم قال وما آية ذلك في خلقه # قال اليس كلكم ينظر الى القمر ليلة البدر وانما هو خلق من خلق الله الله اعظم واجل وفي رواية حماد بن سلمة عن يعلي بن عطاء عن وكيع بن عدس عن عمه ابي رزين قال قلت يا رسول الله كلنا نرى الله يوم القيامة وما آية ذلك في خلقه # قال يا ابا رزين اليس كلكم يرى القمر مخليا قلت بلى قال والله اعظم وذلك آيته في خلقه رواه احمد وابو داود وابن ماجه ولفظ ابي داود قلت يا رسول الله اكلنا يرى ربه وفي رواية له مخليا به يوم القيامة وما آية ذلك في خلقه قال يا ابا رزين اليس كلكم يرى القمر وفي رواية له ليلة البدر مخليا به قلت بلى قال والله اعظم # قال الخلال سمعت ابا سعيد المصيصي الفقيه قال قال ابو صفوان رأيت المتوكل في النوم وبين يديه ناز مؤججة عظيمة فقلت يا امير المؤمنين لمن هذه النار فقال هذه لا بني المنتصر لأنه قتلني وتدري لم قتلني لأني حدثته ان الله يرى في الآخرة قال ابو سعيد وقال ابراهيم الحربي هذه رؤيا حق وذلك ان المتوكل كتب حديث حماد بن سلمة عن يعلي بن عطاء عن وكيع بن عدس بيده عن عبد الأعلى وقال لا اكتبه الا بيدي فقد اخبر النبي صلى الله عليه وسلم ان الله يرى يوم القيامة لما سأله وسأله عن آية ذلك في خلقه والآية العلامة والدلالة وهو ما يعلم به ويدل على جواز ذلك فذكر له النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل بطريق قياس التنبيه والأولى وقد قدمنا غير مرة ان مثل هذا القياس في قياس الغائب على الشاهد هو مما ورد في الكتاب والسنة فقال اليس كلكم يرى القمر مخليا به ليلة البدر قال فالله اعظم وأجل وقال انما هو خلق من خلق الله وذلك آيته في خلقه

محمد الغماري
03 Apr 2010, 03:59 AM
# واثباته صلى الله عليه وسلم جواز الرؤية لجميع الخلق في وقت واحد وكل منهم يكون مخليا به بالقياس على رؤية القمر مع قوله ( والله اعظم واجل ) دليل واضح على ان الناس يرونه مواجهة عيانا يكون بجهة منهم واذا امكن في بعض مخلوقاته انه يراه الناس في وقت واحد كلهم يكون مخليا به فالله اولى ان يمكن ذلك فيه فانه اعظم واجل # الوجه الرابع ان كون الله يرى بجهة من الرائي ثبت باجماع السلف والأئمة مثل ما روي اللآلكائي عن علي بن ابي طالب انه قال ان من تمام النعمة دخول الجنة والنظر الى الله في جنته وعن عبد الله بن مسعود انه قال في مسجد الكوفة وبدأ باليمين قبل الحديث فقال والله ما منكم من انسان الا ان ربه سيخلو به يوم القيامة كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر قال فيقول ما غرك بي يا ابن آدم ثلاث مرات ما ماذا أجبت المرسلين ثلاثا كيف عملت فيما عملت وعن ابي موسى الأشعري انه كان يعلم الناس سنتهم ودينهم قال فشخصت ابصارهم او قال حرفوها عنه قال فما حرف ابصاركم عني قالوا الهلال ايها الامير قال فذاك اشخص ابصاركم عني قالوا نعم قال فكيف اذا رأيتم الله جهرة وعن معاذ بن جبل قال يحبس الناس يوم القيامة في صعيد واحد فينادي اين المتقون فيقومون في كنف من الرحمن لا يحتجب منهم ولا يستتر قلت من المتقون قال قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان واخلصوا لله العبادة فيمرون الى الجنة # وروي اللآلكائي عن ابن وهب قال سمعت مالك بن انس يقول الناظرون ينظرون الى الله عز وجل يوم القيامة باعينهم وعن اشهب قال وسئل

# مالك عن قوله تعالى ( وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة ) اينظر الله عز وجل قال نعم فقلت ان أقواما يقولون ينظر ما عنده قال بل ينظر اليه نظرا وقد قال موسى ( رب ارني انظر اليك قال لن تراني ) وقال الله ( كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) وعن مالك انه قيل له انهم يزعمون ان الله لا يرى فقال السيف السيف # وقد تقدم كلام ابن الماجشون واحتجابه ايضا على الرؤية بحجابه عن الكفار وعن الأوزاعي انه قال اني لأرجو ان يحجب الله جهما واصحابه افضل ثوابه الذي وعده اولياءه حيث يقول ( وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة ) فجحد جهم واصحابه افضل ثوابه الذي وعد اولياءه وعن ابي الوليد مسلم قال سألت الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن انس والليث بن سعد عن هذه الاحاديث التي فيها الرؤية فقال امروها بلا كيف وعن الربيع قال حضرت الشافعي وقد جاءته رقعة من الصعيد فيها ما تقول في قول الله ( كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) قال الشافعي فلما ان حجب هؤلاء السخط كان هذا دليلا عن أنهم يرونه في الرضى قال الربيع قلت يا ابا عبد الله وبه تقول قال نعم وبه ادين الله لو لم يؤمن محمد بن ادريس انه يرىي الله لما عبد الله وعن عبد الله بن المبارك قال ما حجب الله عنه احدا الا عذبه ثم قرأ ( كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم انهم لصال الجحيم ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون ) قال بالرؤية # وقال الشيخ ابو نصر السجزي في كتاب الابانة له وأئمتنا رحمهم الله كسفيان الثوري ومالك بن انس وسفيان بن عيينة وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وعبد الله بن المبارك وفضيل بن عياض واحمد بن حنبل

# وفضيل بن عياض واحمد بن حنبل واسحاق بن ابراهيم الحنظلي متفقون على ان الله سبحانه وتعالى بذاته فوق عرشه وان علمه في كل مكان وانه يرى يوم القيامة بالأبصار فوق العرش وانه ينزل الى سماء الدنيا وانه يغضب ويرضى ويتكلم بما شاء فمن خالف شيئا من ذلك فهو منهم بريء وهم منه برآء # وروى الخلال في كتاب السنة قال حدثنا ابو بكر المروذي قال سألت ابا عبد الله عن احاديث الرؤية فصححها وقال قد تلقتها العلماء بالقبول لنسلم الخبر كما جاء وعن حنبل بن اسحاق قال سمعت ابا عبد الله يقول ادركنا الناس وما ينكرون من هذه الاحاديث شيئا احاديث الرؤية وكانوا يحدثون بها على الجملة يمرونها على حالها غير منكرين لذلك ولا مرتابين وقال حنبل قال ابو عبد الله قال الله تعالى ( وما كان لبشر ان يكلمه الله إلا وحيا او من وراء حجاب او يرسل رسولا فيوحي باذنه ما يشاء ) فكلم الله موسى من وراء حجاب وقال ( رب ارني انظر اليك ) قال الله تعالى ( لن تراني ولكن انظر الى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني ) فأخبر الله تعالى ان موسى عليه السلام يراه في الآخرة وقال عز وجل ( كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) ولا يكون حجاب الا لرؤية فأخبر الله ان من شاء الله ومن اراد يراه والكفار لا يرونه وقال حنبل في موضع اخر القوم يرجعون الى التعطيل في قولهم ينكرون الرؤية # قال وسمعت أبا عبد الله يقول قال الله عز وجل ( وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة ) قال احاديث تروى في النظر حديث جرير بن عبد الله وغيره تنظرون الى ربكم احاديث صحاح وقال ( للذين احسنوا الحسنى وزيادة )

# وهي النظر الى الله عز وجل ثم قال ابو عبد الله نؤمن بها ونعلم انها حق يعني احاديث الرؤية ونؤمن ان الله يرى يرى ربنا يوم القيامة لا نشك فيه ولا نرتاب وسمعت ابا عبد الله يقول قالت الجهمية ان الله لا يرى في الآخرة ونحن نقول ان الله يرى لقوله عز وجل ( وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة ) وقال الله تبارك وتعالى لموسى ( فان استقر مكانه فسوف تراني ) فاخبر الله انه يرى وقال النبي صلى الله عليه وسلم انكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر وهذه الشمس رواه جرير وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال كلكم يخلو به ربه و ان الله يضع كنفه على عبده فيسأله ما عملت هذه الأحاديث تروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تروى صحيحة وعن الله تبارك وتعالى انه يرى في الآخرة وهذه احاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مدفوعة والقرآن شاهد ان الله يرى في القيامة وقول ابراهيم لأبيه ( يا ابت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ) فثبت ان الله يسمع ويبصر وقال الله تعالى ( يعلم السر واخفى ) وقال ( انني معكما اسمع وأرى ) وقال ابو عبد الله فمن دفع كتاب الله ورده والأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واخترع مقالة من نفسه وتأول برأيه فقد خسر خسرانا مبينا وسمعت ابا عبد الله يقول من زعم ان الله لا يرى في الآخرة فقد كفر بالله وكذب بالقرآن ورد على الله امره فيستتاب فان تاب والا قتل # الوجه الخامس ان أئمة هذا الرازي كالأشعري وغيره هو ايضا ممن يثبت الرؤية والاحتجاب ان الله فوق العرش قال الأشعري في مسألة العرش فقال سبحانه ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) وقال عز وجل ( هل ينظرون الا ان يأتيهم الله في ظلل من الغمام ) وقال سبحانه ( ثم دنى فتدلى

# فكان قاب قوسين او أدنى فأوحى الى عبده ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى افتمارونه على ما يرى الى قوله لقد رأى من آيات ربه الكبرى ) وقال تعالى ( يا عيسى اني متوفيك ورافعك الي ) وقال سبحانه ( وما قتلوه وما صلبوه ) ( وما قتلوه يقينا بل رفعه الله اليه ) وأجمعت الأمة على ان الله عز وجل رفع عيسى اليه الى السماء ومن دعاء المسلمين جميعا اذا هم رغبوا الى الله عز وجل في الأمر النازل بهم انهم يقولون يا ساكن العرش ومن حلفهم لا والذي احتجب بسبع سموات قال الحافظ ابو العباس وهذا مأخوذ من قوله ^ ان الله خلق سبع سماوات ثم اختار العليا فسكنها ^ # وقال عز وجل ( وما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحيا او من وراء حجاب او يرسل رسولا فيوحي باذنه ما يشاء ) وقد خصت الآية البشر دون غيرهم ممن ليس من جنس البشر ولو كانت الآية عامة للبشر وغيرهم كان أبعد من الشبهة وادخال الشك على من يسمع الآية ان يقول ما كان لأخذ ان يكلمه الله الا وحيا او من وراء حجاب او يرسل رسولا فيرتفع الشك والحيرة من ان يقول ما كان لجنس من الأجناس ان يكلمه الله الا وحيا او من وراء حجاب او يرسل رسولا ونزل اجناسا لم يعمهم بالآية فدل ما ذكرناه على انه خص البشر دون غيرهم # وقال الله عز وجل ( ثم ردوا الى الله مولاهم الحق ) ( ولو ترى اذ وقفوا على ربهم ) ( ولو ترى اذ المجرمون ناكسو رؤسهم عند ربهم ) وقال سبحانه ( وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم اول مرة ) قال كل ذلك يدل على ان الله ليس في خلقه ولا خلقه فيه وان سبحانه مستو على عرشه جل وعز عمال يقول الظالمون علوا كبيرا جل وعز عما يقول الذين لم يثبتوا له في وصفهم

# حقيقة ولا اوجبوا له بذكرهم اياه وحدانية اذ كان كلامهم يؤول الى التعطيل وجميع اوصافهم تدل على النفي في التأويل يريدون زعموا التنزيه ونفي التشبيه فنعوذ بالله من تنزيه يوجب النفي والتعطيل # قال الله تعالى ( الله نور السماوات والأرض مثل نوره ) فسمي نورا والنور عند الأمة لا يخلو من احد معنيين اما أن يكون نورا يسمع او نورا يرى فمن زعم ان الله يسمع ولا يرى كان مخطئا في نفيه رؤية ربه وتكذيبه لكتابه وقول نبيه صلى الله عليه وسلم قال وروي عن عبد الله بن عباس انه قال تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله فان مابين كرسيه الى السماء ألف عام والله عز وجل فوق ذلك # قال وروت العلماء ايضا عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ان العبد لا تزول قدماه من بين يدي الله حتى يسأله عن ثلاث وروت العلماء ان رجلا اتى النبي صلى الله عليه وسلم بأمة سوداء فقال يا رسول الله اني اريد ان اعتقها في كفارة فهل يجوز عتقها فقال النبي صلى الله عليه وسلم اين الله فقالت في السماء واومئت بيدها الى فوق فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند 1 ذلك اعتقها فانها مؤمنه قال وهذا يدل على ان الله على عرشه فوق السماء # فهذا كله من كلام الأشعري مثل احتجاجه بما ذكره عن المسلمين جميعا من قولهم ان الله احتجب بسبع سموات على انه فوق العرش وهو انما احتجب عن ان يراه خلقه لم يحتجب عن ان يراهم هو فعلم ان هذا يحجب

# العباد عن رؤيته وهذا يقتضي انهم يرونه برفع هذه الحجب وذلك يقتضي انهم يرونه في الجهة فان من يثبت رؤيته في غير جهة من الرائي لا يقول بجواز الحجب المنفصلة ايضا كما تقدم وكذلك احتجاجه بقوله ( ما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحيا او من وراء حجاب ) وان الآية دلت على ان الله يحجب بعض المخلوقات دون بعض فعلم انه لا يحتجب عن بعضهم واحتجابه بذلك على ان الله فوق العرش يقتضي ان يحتجب عمن يراه ببعض مخلوقاته وهذا يستلزم انه لا يرى الا في جهة من الرائي وكذلك احتجاجه في مسألة العلو بأن الله نور وان ذلك يقتضي انه يرى ويقتضي ان رؤيته توجب علوه وكلام الأشعري في مسألة الرؤية والعلو يقتضي تلازمهما وهذا هو الذي ذكره هذا المؤسس عن الكرامية # الوجه السادس ان هذا المؤسس ذكر في نهايته في مسألة الرؤية ما احتج به النفاة من الحجج العقلية والسمعية وذكر ان اعظم حججهم العقلية حجتان احداهما حجة الموانع قالوا لو صح منا رؤية الله في حال من الحالات لصح ان نراه الآن ولو صح ان نراه الآن لوجب ان نراه الآن لكنه لم يجب ان نراه الآن فلا يصح ان نراه في حال من الأحوال وانما قلنا انه لوصح ان نراه في حال من الأحوال لصح ان نراه الآن لأن كونه بحال يصح ان يرى حكم يثبت له اما لذاته واما لبعض ما يلزم ذاته وعلى التقديرين فانه يلزم من استمرار ذاته استمرار هذه الصحة وإنما قلنا انه لو صح ان نراه الآن لوجب ان نراه الآن لأن الحاسة ان كانت صحيحة والمرئي يكون حاضرا ولا يكون على القرب القريب ولا على البعد البعيد ولا يكون في غاية الصغر واللطافة ويكون مقابلا للرائي او لآلة الرؤية او لا تكون الحجب حائلة فانه يجب حصول الرؤية اذ لو لم يجب حصولها عند حصول هذه الأمور لجاز ان يكون بين ايدينا

# جبال شاهقة ونحن لا ندركها وذلك محال على ما سبق بيانه في مسألة الادراك فاذا ثبت ذلك فهذه شرائط لا يمكن اعتبارها في حق الله تعالى لأنها لا تعقل الا في حق الأجسام او ما يقوم بها واذا لم يمكن اعتبار هذه الشرائط في حق الله لرؤيته وجب ان يكون مجرد سلامة الحس وكونه تعالى بحيث يصح رؤيته كافيا في حصول رؤيته فلزم ان تدوم رؤية اصحاب الحواس لله تعالى وذلك باطل بالضرورة فثبت ان القول بأن الله تعالى يصح ان يرى يفضي الى الباطل وما يفضي الى الباطل يكون باطلا # ثم قال في الجواب عما تمسكوا به اولا ان نقول ان مدار هذه الشبهة على ان هذه الحاسة متى كانت سليمة وكان المرئي حاضرا والشرائط تكون حاصلة فانه يجب حصول هذه الرؤية قال ونحن قد بينا فيما مضى ان ذلك غير واجب بأدلة عقلية قاطعة لا يرتاب العاقل فيها وأجبنا عن شكوكهم بأجوبة يقينية لا حاجة بنا الى اعادتها فاذا كان كذلك سقطت هذه الشبهة # وهذا الذي أحال عليه قد ذكره في مسألة السمع والبصر وهي مسألة الادراك فذكر الفصل الاول في حقيقته ثم قال الفصل الثاني في كيفية حصول هذه المدركية زعمت المعتزلة انه مهما كانت الحاسة سليمة والمرئي حاضرا ولا يكون على القرب القريب ولا على البعد البعيد ولا يكون صغيرا جدا ولا لطيفا ولا يكون بين الرائي والمرئي حجب كثيفة وكان المرئي مقابلا للرائي او في حكم المقابلة فعند اجتماع هذه الشرائط يجب حصول الادراك وعندنا ان ذلك غير واجب وهو مذهب ابي الهذيل من المعتزلة ثم ذكر لهم حجتين # ثم قال واما المحالفون فلهم في هذه المسألة مقامان تارة بدعوى الضرورة وتارة بدعوى الاستدلال اما الأول فتارة يدعون ان ذلك العلم

محمد الغماري
03 Apr 2010, 04:00 AM
# الضروري حاصل للعقلاء بعد الاختبار ولا حاجة فيه الى ضرب الأمثال وتارة يثبتون بالاستدلال ان ذلك معلوم بالضرورة وبسط كلامهم في ذلك # ثم قال والجواب ان نقول اما ان تدعي الضروري بخصوص الادراك عند حضور هذه الامور او بعدمه عند عدمها والأول لا نزاع فيه والثاني فيه كل النزاع فان زعمت انا مكابرون في هذا الانكار حلفنا بالأيمان المغلظة انا لما رجعنا الى أنفسنا لم نجد العلم بذلك اكثر من العلم باستمرار الأمور العادية التي توافقنا على جواز تغييرها عن مجاريها # فهذا الجواب الذي ذكره يقتضي انه وافق على ان العلم الضروري حاصل بوجود الرؤية عند وجود هذه الشرائط وهذا هو اول المسألة فانه حكى عن المعتزلة انه متى تجتمع هذه الشرائط يجب حصول الادراك قال وعندنا أن ذلك غير واجب فأذا سلم أن العلم الضروري بحصول الأدراك عند حصول هذه الأمور لا نزاع فيه كان قد وافق على ما ذكر فيه النزاع واذا كان كذلك ظهر ان ما ذكره من الجواب في مسألة الرؤية وهو قوله ان مدار هذه الشبهة على ان هذه الحاسة متى كانت سليمة وكان المرئي حاضرا فانه يجب حصول هذه الرؤية قال ونحن قد بينا فيما مضى ان ذلك غير واجب وكلامه فيما مضى قد وافق فيه على وجوب الرؤية عند وجود الشروط لكن لم يوافق على وجوب عدمها عند عدم الشروط واذا لم يذكر جوابا عن حجتهم الا هذا وهذا ليس بجواب صحيح بقيت حجتهم على حالها واذا كان كذلك لم يصح نفيه لما اتفقت عليه المعتزلة والكرامية # الوجه السابع انه ذكر الحجة الثانية لنفاة الرؤية وهي حجة المقابلة فقال وهي ان الواحد منا لا يرى الا ما يكون مقابلا للرائي او لآلة المرئي

# والله تعالى يستحيل ان يكون كذلك فيستحيل ان يكون مرئيا لنا واحترزنا بقولنا او لآلة الرائي عن رؤية الانسان وجهه في المرآه اما المقدمة الاولى فهي من العلوم الضرورية الحاصلة بالتجربة واما المقدمة الثاني فمتفق عليها ثم قال في الجواب عما تمسكوا به ثانيا من وجوه ثلاثة الأول ما بينا فيما مضى ان المقابلة ليست شرطا لرؤيتنا هذه الأشياء وأبطلنا ما ذكروه من دعوى الضرورة والاستدلال في هذا المقام والثاني سلمنا ان المقابلة شرط في صحة رؤيتنا لهذه الأشياء فلم قلتم انها تكون شرطا في صحة رؤية الله تعالى فان رؤية الله تعالى بتقدير ثبوتها مخالفة لرؤية هذه الأشياء فلا يلزم من اشتراط نوع من جنس اشتراط نوع آخر من ذلك الجنس بذلك الشرط الثالث سلمنا انه يستحيل كوننا رائين لله تعالى ولكنه لا يدل على انه لا يرى نفسه وانه في ذاته ليس بمرئي فأحال على ما تقدم وهو لم يذكر هناك الا مسلكين الأول انا نرى الجسم الكبير من البعد صغيرا وذلك يقتضي انا نرى بعضه دون بعض ومن المعلوم بالضرورة ان الشرائط المذكورة كما انها حاصلة بالنسبة الى الأجزاء التي هي مرئية فكذلك هي حاصلة بالنسبة الى الأجزاء التي هي غير مرئية ولما كان المرئي من الأشياء المجتمعة لهذه الشروط بعض الأجزاء دون بعض علمنا ان حصول الرؤية عند اجتماع الشرائط غير واجب والمسلك الثاني لو وجب حصول الادراك عند حصول هذه الشروط لوجب رؤية الجوهر الفرد وذوات الهباء لكن الثاني ظاهر الفساد فالمقدم مثله بيان الأول انا اذا رأينا جسما كبيرا فلا بد وأن نرى جزءا صغيرا اذ لو لم نرى جزءا صغيرا لم نرى مجموع تلك الأجزاء ثم رؤية الجزء لا تتوقف على رؤية غيره لئلا يلزم الدور فيجب ان تصح رؤيتنا للجوهر الفرد

# فهاتان الحجتان ان كانتا باطلتين فلا كلام وان كانتا صحيحتين فهما يدلان على ان الرؤية لا تجب عند وجود الشروط الثمانية وهو قد سلم في الجواب وجوب الرؤية عند وجود الشروط فلا تدل هاتان الحجتان على ان الرؤية لا تمتنع عند عدم بعض الشروط الثمانية واذا لم يذكر دليلا على عدم هذا الاشتراط اصلا بقي ما ذكره منازعوه من العلم الضروري والاستدلال بأن المرئي لا بد ان يكون مقابلا للرائي او لآلة الرائي سليما عن المعارض فيجب القول بموجبه وهذا بين واضح # ولهذا لما كانت مناظرته لنفاة الرؤية هذه المناظرة الضعيفة كان كلامهم فيها ارجح من كلامه وهذه عادته يعجز عن مناظرة أهل الباطل ويأخذ ما يحتجون به فيحتج به على اهل الحق فلا ينصف اهل الحق ولا ينفعهم ولا يرد اهل الباطل ويدفعهم وانما فيه جدال وحجاج لبس فيه الحق بالباطل مع هؤلاء وهؤلاء واذا كان الامر كذلك لم يمكن له الجواب عما اتفقت عليه المعتزلة والكرامية كما تقدم # الوجه الثامن ان يقال ما ذكره المعتزلة في شروط الرؤية وموانعها بعضه حق وبعضه باطل وهؤلاء الذين وافقوهم على نفي العلو واثبات الرؤية يكابرونهم في الحق كما يدفعون باطلهم ولهذا كان كلا الطائفتين تقول الحق والباطل واذا كان مثبتة الرؤية مع نفي العلو اقرب الى الحق من نفاة الرؤية ونفاة العلو وذلك ان كونهم لم يشترطوا في الحاسة الا مجرد سلامتها ليس بسديد فان الحواس تختلف بالقوة والضعف فقد يكون بصر احد من بصر وسمع اقوى من سمع وشم اقوى من شم وذوق اقوى من ذوق وهذا موجود في البهائم وفي الآدميين ولهذا يرى احدهم من الأشياء الدقيقة اللطيفة مالا يراه الآخر ويرى من الأمور البعيدة مالا يراه الآخر ويرى من النور والشعاع والبياض مالا

# يراه الآخر وكذلك قد يسمع الأصوات البعيدة والأصوات القريبة مالا يمكن الأخر ان يسمعه واذا كان الأمر كذلك فقوة ادراك العباد وحركاتهم في الآخرة يجعلها الله اعظم من قوى ادراكهم وحركاتهم في الدنيا وهذا ظاهر بين # وقولهم لا يكون على القرب القريب ولا على البعد البعيد ولا يكون صغيرا لطيفا هذا انما اشترط لعجز البصر عن ادراك ما يكون كذلك لا لأن ذلك ممتنع في نفسه والا فيمكن ان يقوى بصر العبد حتى يرى القريب والبعيد واللطيف وليس هذا ممتنعا في ذاته يبين ذلك ان القرب والبعد والصغر والكبر من الأمور الاضافية قد يكون صغيرا بالنسبة الى بصر هذا الرائي ما ليس بصغير بالنسبة الى بصر غيره وكذلك في القرب والبعد وكذلك قولهم ان لا يكون بين الرائي والمرئي حجب كثيفة فان رؤية ما وراء الحجاب ليس بممتنع في نفسه بل لعجز البصر عنه فان الله يرى كل شيء ولا تحجبه السموات والأرض وسائر الحجب # وكذلك قولهم ان يكون مقابلا للرائي فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود فاني اراكم من خلفي كما اراكم من بين يدي لكن هذا يدل على انه لا يشترط في الرؤية ان يكون المرئي امامه لكن لا يدل على انه لا يشترط ان يكون بجهة منه فانما خلفه بجهة منه # الوجه الثامن انه قال هنا ان اصحابه نازعوا في هذه المقدمة وقالوا لا نسلم ان كل مرئي فانه يختص بالجهة بل لا نزاع ان الأمر في الشاهد كذلك فلم قلتم ان كل ما كان كذلك في الشاهد وجب ان يكون في الغائب كذلك

# وهذا تسليم لكون الواحد منا لا يرىئ الا ما يكون في الجهة فمنازعته لذلك في هذا الكتاب ودعواه ان ذلك ليس بشرط في رؤية الأشياء المرئية مخالف لما ذكره من تسليم اصحابه وذلك خلاف ما ذكره من انه لا يشترط شيء من هذه الشروط في رؤية الأشياء المرئية # الوجه التاسع ان قوله لم قلتم ان كل ما كان كذلك في الشاهد وجب ان يكون في الغائب كذلك وتقريره ان هذه المقدمة اما ان تكون مقدمة بديهية او استدلالية يقال له المنازع يقول انها بديهية # قوله فان كانت بديهية لم يكن في اثبات كونه تعالى مختصا بالجهة حاجة الى هذا الدليل وذلك لأنه قد ثبت في الشاهد ان كل قائم بالنفس فهو مختص بالجهة وثبت ان الباري قائم بالنفس فوجب القطع بأنه مختص بالجهة لأن العلم الضروري بأن كل ما يثبت في الشاهد وجب ان يكون في الغائب كذلك يقال له ان المنازع لا يقرر الحجة على هذا الوجه ولا يدعي ان كل ما يثبت في الشاهد فانه يجب ان يكون في الغائب كذلك وهذا لا يقوله عاقل والفرق ظاهر بين دعوى الضرورة والبديهة في الشيء المعين الخاص والشيء العام الكلي فاذا قال القائل العلم الضروري بأن كل مرئي في الشاهد والغائب لا بد أن يكون بجهة من الرائي والعلم الضروري حاصل بأن الغائب كالشاهد في هذا الأمر الخاص لم يستلزم هذا ان يقول ان العلم الضوري حاصل بأن كلما يثبت في الشاهد وجب ان يكون في الغائب كذلك والمقدمة المذكورة هي قوله كل مرئي فلا بد وان يكون في الجهة وهذا قالوه قولا عاما مطلقا لم يثبتوه بقياس الغائب على الشاهد حتى يصوغوه الصوغ الذي ذكره ويدخل فيه تلك القضية العامة الكاذبة

الوجه العاشر ان ما ذكره ان كان حجة كان حجة ثانية على المطلوب فانه من الممكن ان يستدل بكونه قائما بالنفس على كونه مختصا بالجهة ويحتج بكونه مرئيا على كونه مختصا بالجهة ويحتج بكونه موجودا على انه اما ان يكون مباينا لغيره او محايثا له وتعدد الأدلة على المطلوب الواحد ليس بممتنع # الوجه الحادي عشر ان ما ذكره من الحجة قد يقال فيه نحن نعلم بالاضطرار ان كلما يقوم بنفسه فانه لا بد ان يكون مختصا بجهة بحيث يمتنع ان يكون لا داخل العالم ولا خارجه ولا يختص الكلام بالشاهد ثم يقاس عليه الغائب بل العلم الضروري حاصل بذلك مطلقا كما تقدم ذكره # الوجه الثاني عشر ان ذلك اذا قررناه بالدليل قرر تقريرا يفيد بأن يقال ثبت في الشاهد ان كل قائم بالنفس فهو مختص بالجهة وهذا مما فارق به الموجود المعدوم فالموجب لذلك اما كونه موجودا قائما بنفسه او ما يندرج فيه الموجود الواجب لنفسه او ما يختص بالممكن او المحدث ويساق الكلام الى اخره كما ذكر في حجة المباينة والمحايثة لا يقول عاقل ان العلم الضروري حاصل بأن كلما ثبت في الشاهد وجب ان يكون في الغائب كذلك ولكن ذكر الحجة على هذا الوجه القبيح الذي يظهر بطلانه لما في ذلك من التنفير والتقبيح لقول منازعيه وهذه ليست حال أهل العلم والعدل بل حال الجاهل او الظالم # الوجه الثالث عشر قوله فاذا كان هذا الوجه حاصلا في اثبات كونه تعالى في الجهة كان اثبات كونه في الجهة بكونه مرئيا ثم اثبات ان كل ما كان مرئيا فهو مختص بالجهة تطويلا من غير فائدة ومن غير مزيد شرح وبيان يقال لو قدر انما ذكرته من حجة القيام بالنفس صحيح لم يكن اثبات الجهة بطريق الرؤية تطويلا من غير فائدة بل هو اثبات لها بطريق آخر غير

محمد الغماري
03 Apr 2010, 04:00 AM
# الأولى فان الاستدلال على كون الشيء في الجهة بكونه قائما بنفسه غير الاستدلال على ذلك بكونه مرئيا مشهودا واذا كان هذان دليلان متغايران لم يجز ان يكون ذكر احدهما متضمنا للآخر ولا ان يكون ذكر الآخر تطويلا اقصى ما يقال ان العلم بالمقدمتين التي في الدليلين يستفاد من وجه واحد وهو الضرورة او قياس الغائب على الشاهد اما مطلقا كما ذكره او قياسا صحيحا ملخصا بالتقسيم الحاصر الجامع بين النفي والاثبات او بغيره كما يسلكه اهل الاثبات واذا كان الدليل على مقدمة في دليل كالدليل على مقدمة في دليل آخر لم يوجب ان يكون احد الدليلين متضمنا للآخر ويكون ذكر الآخر تطويلا بلا فائدة # الوجه الرابع عشر قوله وأما ان قلنا كل مرئي فهو مختص بالجهة ليست مقدمة بديهية بل هي مقدمة استدلالية فحينئذ ما لم يذكروا على صحتها دليلا لا تصير هذه المقدمة يقينية فهذا كلام صحيح لكن كان ينبغي له اذا كان ذاكرا لحجج منازعيه ان يذكر ما يستدل به الناس على ذلك فتركه لذلك تقصير وخيانة في المناظرة ونحن لم نلتزم الكلام في تقرير هذه المسائل ابتداءا وانما تكلمنا على ما ذكره من حججه وحجج منازعيه # الوجه الخامس عشر قوله وأيضا فكما انا لا نعقل مرئيا في الشاهد الا اذا كان مقابلا أوفى الحكم المقابل للرأي فكذلك لا نعقل مرئيا إلا إذا كان صغيرا أو كبيرا او ممتدا في الجهات مؤتلفا من الأجزاء وهم يقولون انه تعالى يرى لا صغيرا ولا كبيرا ولا ممتدا في الجهات والجوانب والأحياز فاذا جاز لكم ان تحكموا بأن الغائب مخالف للشاهد في هذا الباب فلم لا يجوز ان يقال ان المرئي في الشاهد وان وجب كونه مقابلا الا ان المرئي في الغائب لا يجوز ان يكون كذلك

# فيقال له هذا الزام جدلي وليس بحجة في المناظرة ولا النظر كما تقدم فانه يقال لا بد وأن يكون في الجهة ما ذكرته في صورة الالزام ان كانت مساوية لصورة النزاع فما ذكروه في صورة النزاع حجة في موضعين وغايته ان يكونوا اخطؤا في صورة الالزام وهي صورة النقض والمعارضة وان لم تكن مساوية لها لم يكن النقض والمعارضة والالزام صحيحا ويقول لك المناظر الفرق بين صورة النقض وصورة النزاع كيت وكيت فان صح الفرق بطل النقض وان بطل الفرق منعت الحكم في صورة النقض اذ ليس مجمعا عليه بين الأمة # الوجه السادس عشر انهم يقولون نقول انه لا يرى الا كبيرا عظيما لا نقول انه يرى لا صغيرا ولا كبيرا بل نقول انه يرى عظيما كبيرا جليلا كما سمي ووصف نفسه بذلك في الكتاب والسنة ومن لم يقل ذلك من المنازعين كان ما ذكره حجة عليه واما قوله ممتدا في الجهات مؤتلفا من الأجزاء فلا نسلم انا لا نعقل مرئيا في الشاهد الا مؤتلفا من الاجزاء فان المرئيات مثل الشمس والقمر ونحو ذلك هو شيء واحد لا نعلم لا بحس ولا ضرورة انها مركبة من الأجزاء المفردة وهذا مما لا خلاف فيه بين الناس ان هذا التركيب ليس معلوما بالحس ولا بالضرورة بل هي من ادق مسائل النزاع بين الخلق # الوجه السابع عشر ان يقال ما تريد بقولك ممتد مؤتلف اتريد انه مركب من الأجزاء وانه يجوز تفريقه فليس كلما نشاهده كذلك ام تريد به ان منه شيئا ليس هو الشيء الآخر فنحن نقول كل ما يرى في الشاهد والغائب لا بد وان يكون كذلك # الوجه الثامن عشر ان يقال لا يعقل مرئي الا موصوف بما هو المرئي المشهود موصوف به من صفات الموجود التي استحق بها جواز رؤيته او ما هو

بأبلغ في الوجود واستحقاق الرؤية منه فاذا كنا نرى الموجود الذي يجوز عدمه فما لا يجوز عدمه اولى فاذا كنا نرى ما هو في جهة وهو مجتمع يجوز تفريقه وتقسيمه فالمجتمع الذي لا يجوز تفريقه وتقسيمه اولى بالرؤية لكن لا يمكن ان نقول اذا رأينا ما هو بجهة مرئيا ان يكون ما ليس في الجهة اولى بالرؤية واذا رأينا ما هو مجتمع فما ليس بمجتمع ولا متفرق اولى بالرؤية وقد ذكرنا غير مرة ان الأقيسة والأمثال المضروبة في باب الالهيات اذا كانت من باب التنبيه والأولى في النفي والاثبات فهي من جنس ما ورد به الكتاب والسنة
فصل # ثم قال الرازي الشبهة الرابعة تمسكوا برفع الأيدي الى السماء قالوا وهذا شيء يفعله جميع ارباب النحل فدل على انه تقرر في عقول جميع الخلق ان الههم فوق # ثم قال في الجواب ان هذا معارض بما تقرر في عقول جميع الخلق انهم عند تعظيم خالق العالم يضعون جباههم على الأرض ولما لم يدل هذا على كون خالق العالم في الأرض لم يدل على ما ذكروه على انه في السماء وأيضا فالخلق انما يقدمون على رفع الأيدي الى السماء لوجوه اخرى وراء اعتقادهم ان خالق العالم في السماء # فالأول ان اعظم الأشياء نفعا للخلق ظهور الأنوار وأنها انما تظهر من جانب السموات

# والثاني ان مبنى حياة الخلق على استنشاق النفس وليس ذلك الاستنشاق الا من الهواء والهواء ليس موجودا الا فوق الأرض فلهذا السبب كان ما فوق الأرض اشرف مما تحت الأرض # الثالث ان نزول الغيث من جهة الفوق ولما كانت هذه الأشياء التي هي منافع الخلق انما تنزل من جانب السموات لا جرم كان ذلك الجانب عندهم اشرف وتعلق الخاطر بالأشرف اقوى من تعلقه بالأخس فهذا هو السبب في رفع الأيدي الى السماء وأيضا فانه تعالى جعل العرش قبلة لدعائنا كما جعل القبلة قبلة لصلاتنا وأيضا انه تعالى جعل الملائكة وسائط في مصالح هذا العالم قال الله تعالى ( فالمدبرات أمرا ) وقال ( فالمقسمات أمرا ) واجمعوا على ان جبريل عليه السلام ملك الوحي والتنزيل والنبوة وميكائيل ملك الأرزاق وملك الموت ملك الوفاة وكذلك القول في سائر الأمور واذا كان الأمر كذلك لم يبعد ان يكون الغرض من رفع الأيدي الى السماء رفع الأيدي الى الملائكة # وهذه الحجة ذكرها في نهايته فقال وثالثها التمسك بالاتفاق من الأمم المختلفة الآراء على الاشارة الى فوق عند الدعاء وطلب الأجابة من الله وإن ذلك يدل على علمهم الضروري إن الذي يطلب منه تحصيل المطالب وتيسير العسير في تلك الجهة ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم للأمة أين ربك قال فاشارت الى السماء فقال انها مؤمنه # وقال والجواب عما تمسكوا به من الاشارة الى فوق سببه الألف والعادة وجريان الناس على ذلك فانهم ما شاهدوا عالما قادرا حيا الا جسما فكما أن

من لم يشاهد الا انسانا اسود فحين يمثل في نفسه انسانا يخاطبه انما يسبق الى نفسه انه اسود لا غير ومن لم يسمع من اللغات الا العربية فحين يمثل في نفسه معنى انما يسبق الى نفسه التعبير عن ذلك المعنى بلفظ العرب وكذلك سبق الى الوهم ان من يدعو حيا عالما قادرا على ما يشاء معنى الأحياء القادرين ويتبع ذلك انه في مكان ولأن العلو اشرف لأن الأنوار فيه ولأن الرأس لما كان اشرف الأعضاء كان ما يليه اشرف الجهات فيسبق الى فهم الدعي ان يعتقد عظمته اذا كان في جهة وجب ان يكون في جهة العلو فلسبب هذه الأمور وامثالها وقعت الاشارة الى السماء ثم ان الاخلاف اخذوا ذلك عن الاسلاف مع مشاركتهم لهم في هذا التخيل فظهر ان سبب ذلك هو الالف فلا يكون صوابا واما حديث الأمة فهو من الآحاد ثم لو صح لكان سببه ما ذكرنا من الالف # والكلام على ما ذكره من وجوه الأول ان الاستدلال برفع الأيدي والأبصار الى السماء عند الدعاء على ان الله فوق هو حجة اهل الاثبات المثبتين الصفات من السلف والخلف ليس ذلك مختصا بالكرامية بل من اشهر المحتجين به ائمة اصحاب الأشعري وذووه # وقال ابو الحسن الأشعري فان قال قائل ما تقولون في الاستواء قيل له ان الله مستو على عرشه كما قال ( الرحمن على العرش استوى ) وقال سبحانه ( اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) وقال سبحانه ( بل رفعه الله اليه ) وقال سبحانه ( يدبر الأمر من السماء الى الأرض ثم يعرج اليه ) وقال فرعون ( يا هامان ابن لي صرحا لعلي ابلغ الأسباب اسباب السموات فاطلع الى اله موسى واني لأظنه كاذبا ) فاكذب موسى في قوله ان الله فوق السموات

# وقال سبحانه وتعالى ( أأمنتم من في السماء ان يخسف بكم الأرض فاذا هي تمور ) والسموات فوقها العرش وانما أراد العرش الذي هو على السموات الا ترى ان الله ذكر السموات فقال ( وجعل القمر فيهن نورا ) ولم يرد ان القمر يملؤهن جميعا وانه فيهن جميعا قال ورأينا المسلمين جميعا يرفعون ايديهم اذا دعوا نحو العرش كما لا يحطونها اذا دعوا نحو الأرض وهذا الاحتجاج منه باجماع المسلمين على رفع ايديهم في الدعاء على ان الله فوق السموات لأنهم انما يرفعوها اليه نفسه لا الى غيره من المخلوقات # وقال صاحبه ابو الحسن علي بن مهدي الطبري قال البلخي فان قيل لنا ما معنى رفع أيدينا الى السماء وقوله ( والعمل الصالح يرفعه ) قلنا تأويل ذلك ان ارزاق العباد لما كانت تأتي من السماء جاز ان نرفع ايدينا الى السماء عند الدعاء وجاز ان يقال اعمالنا ترفع الى الله لما كانت حفظة الأعمال انما مساكنهم في السماء قال الطبري قيل له ان كانت العلة في رفع ايدينا الى السماء ان الأرزاق منها وان الحفظة مساكنهم فيها جاز ان نخفض ايدينا في الدعاء نحو الأرض من اجل ان الله يحدث فيها النبات والأقوات والمعايش وانها قرارهم ومنها خلقوا ولأن الملائكة معهم في ] الأرض فلم تكن العلة في رفعها الى السماء ما وصفه وانما امرنا الله تعالى برفع ايدينا قاصدين اليه برفعها نحو العرش الذي هو مستو عليه # وقال القاضي ابو بكر الباقلاني في كتابه التمهيد وفي الابانة فان قال قائل اتقولون انه في كل مكان قيل له معاذ الله بل هو مستو على عرشه كما اخبر في كتابه فقال ( الرحمن على العرش استوى ) وقال تعالى ( اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) وقال ( أأمنتم من في السماء

# ان يخسف بكم الأرض فاذا هي تمور ) قال ولو كان في كل مكان لكان في بطن الانسان وفمه والحشوش والمواضع التي يرغب عن ذكرها ولوجب ان يزيد بزيادة الامكنة اذا خلق منها ما لم يكن وينقص بنقصانها اذا بطل منها ما كان واحتيج ان يرغب اليه الى نحو الأرض والى خلفنا والى يميننا والى شمالنا وهذا قد أجمع المسلمون على خلافه وتخطئة قائله # وهذا تصريح بأن الأيدي انما ترفع الى الله نفسه وانه يجب ان يصح رفعها اليه حيث كان وانه انما اختص رفعها بجهة العلو لأن الله هناك اذ لو لم تجب صحة رفعها الى جهته لم يجب اذا كان في كل مكان ان يصح ان يرغب اليه الى نحو الأرض والى خلفنا وأيماننا وشمائلنا فان ذلك انما يلزم اذا لزم ان يشار اليه حيث كان وهذا الذي قاله ابلغ من جواز الاشارة اليه فانه أوجب ان يصح الاشارة والرغبة الى غير جهة الفوق لو كان فيها وهذه الحجة انما تصح اذا كانت الاشارة بالأيدي الى فوق اشارة اليه نفسه اذ لو لم يكن كذلك لقال له منازعه فعندك الاشارة بالدعاء ليست اليه واذا كان كذلك لم تكن الاشارة اليه واجبة بحال وانما هو معنى يختص بجهة فوق غير كون الله تعالى هناك واذا كنت موافقي على هذا يلزم اذا كان في كل مكان ان يشار في الدعاء الى سائر الجهات كالسفل واليمين واليسار لأن عندك الاشارة بالأيدي ليست اليه وانما هي لأمر يختص بالجهة العالية غير الله وهذا من احتجاج الأولين والآخرين # قال ابو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة في كتاب مختلف الحديث له نحن نقول في قوله تعالى ( ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ) انه معهم يعلم ما هم عليه كما تقول لرجل وجهته الى بلد شاسع احذر التقصير فاني معك تريد انه لا يخفى علي تقصيرك وكيف يسوغ لأحد ان يقول انه سبحانه وتعالى

بكل مكان على الحلول مع قوله ^ الرحمن على العرش استوى ^ ومع قوله ^ اليه يصعد الكلم الطيب ^ وكيف يصعد اليه شيء هو معه وكيف تعرج الملائكة والروح اليه وهي معه ولو ان هؤلاء رجعوا الى فطرهم وما ركبت عليه خلقتهم من معرفة الخالق لعلموا ان الله هو العلي وهو الأعلى وان الأيدي ترفع بالدعاء اليه والأمم كلها عربها وعجمها يقولون ان الله في السماء ما تركت على فطرها وفي الانجيل ان المسيح قال للحواريين ^ ان انتم غفرتم للناس فان اباكم الذي في السماء يغفر لكم ظلمكم انظروا الى طير السماء فانهن لا يزرعن ولا يحصدن وابوكم الذي في السماء هو يرزقهن ومثل هذا في الشواهد كثير ^ # وقال الامام ابو بكر بن اسحاق بن خزيمة في كتاب التوحيد باب ذكر البيان ان الله عز وجل في السماء كما أخبرنا في محكم تنزيله وعلى لسان نبيه وكما هو مفهوم في فطر المسلمين علماؤهم وجهالهم وأحرارهم ومماليكهم وذكرانهم وانائهم بالغوهم وأطفالهم كل من دعا الله عز وجل فانما يرفع رأسه الى السماء ويمد يديه الى الله تعالى الى الأعلى لا الى الأسفل # وقال ابو سليمان الخطابي في كتاب شعار الدين وهو في اصول الدين القول في انه مستو على العرش هذه المسألة سبيلها التوقيف المحض ولا يصل اليه الدليل من غير هذا الوجه وقد نطق الكتاب في غير آية ووردت به الأخبار الصحيحة فقبوله من جهة التوقيف واجب والبحث عنه وطلب الكيفية له غير جائز وقد قال ابو عبدالله مالك بن أنس رحمه الله وسئل عن قول الله ^ الرحمن على العرش استوى ^ فقال الاستواء معلوم والكيف غير معقول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة وذكر المواضع التي في القرآن من ذكر العرش وقوله ^ أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ^ وقال ^ أم امنتم من في السماء ان يرسل عليكم حاصبا ^ وقال تعرج الملائكة والروح

محمد الغماري
03 Apr 2010, 04:01 AM
# اليه في يوم كان مقداره خمسين الف سنة ^ وقال ^ بل رفعه الله اليه ^ وقال ^ اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ^ وقال حكاية عن فرعون انه قال ^ يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فاطلع الى اله موسى ^ فوقع قصد الكافر الى الجهة التي أخبره موسى عنها لذلك لم يطلبه في طول الأرض وعرضها ولم ينزل الى طبقات الأرض سفلا فدل ما تلوناه من هذه الآيات على ان الله في السماء ومستو على العرش ولو كان بكل مكان لم يكن لهذا الأختصاص معنى ولا فيه فائدة قال وقد جرت عادة المسلمين خاصتهم وعامتهم ان يدعوا ربهم عند الابتهال والرغبة اليه ويرفعوا أيديهم الى السماء وذلك لاستفاضة العلم عندهم بأن المدعو في السماء سبحانه وتعالى # قال واعترض من خالف هذا بقوله ^ وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ^ وبقوله ^ وهو الذي في السماء اله وفي الأرض اله ^ وبقوله ^ ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم ^ ونحو هذا من آي القرآن وهذا لا يقدح في الآي التي تلوناها قبل ولا يخالفها والخبر عن حال الشيء وصفته من جهة غير الخبر عن نفس الشيء وذاته وانما هذا كقول القائل فلان في السوق معروف وفي البلاد وجائز ان يكون فلان في بيته وقت هذا الكلام غائبا عن السوق وعن البلاد وانما المعنى في هذه الآي اثبات علمه وقدرته في السماء والأرض وهو في الآي المتقدم اخبار عن الذات والاستواء على العرش حسب من غير قران لذلك بصلة او تعليق له بشيء آخر فأحد الكلامين قائم بنفسه والكلام الآخر انما سيق لغيره وتعدى الى ما سواه وهو يجمع قضيتين اثنتين والكلام الأول قضية واحدة # قال وزعم بعضهم ان معنى الاستواء ها هنا الاستيلاء نزع فيه ببيت

# مجهول لم يقله شاعر معروف يصح الاحتجاج بقوله ولو كان معنى الاستواء ها هنا الاستيلاء لكان الكلام عديم الفائدة لأن الله قد أحاط ملكه وقدرته بكل الأشياء وبكل قطر وبقعة من السموات والأرض وتحت الثرى فما معنى تخصيصه العرش بالذكر ثم ان الاستيلاء انما يتحقق معناه عند المنع عن الشيء فاذا وقع الظفر قيل استولى عليه فأي منع كان هناك حتى يوصف بالاستيلاء بعده وكذلك لو كان بكل مكان كما زعموا لم يكن لتخصيصه العرش بالذكر فائدة فثبت انه ليس المعنى الا ما أشار اليه التوقيف # فان قيل ان اضافة العرش اليه كاضافة البيت اليه وهو لم يجعله ليسكنه فكذلك لم يجعل العرش للكينونة والاستواء عليه قيل ان العرش لا يشبه البيت فيما ذكرتموه وذلك لأن البيوت تتخذ غرفا وعادة لتكون وقاية من الحر والبرد وما اشبههما من وجوه الأذى والله متعال عن هذه الصفات والعرش والسرير انما يتخذ لتمجد وليستكبر بهما فقياسكم للجمع بين الاثنين قياس فساد # وقال القاضي ابو يعلى في كتاب ابطال التأويلات لأخبار الصفات لما تكلم على حديث العباس قال فاذا ثبت انه على العرش فالعرش في جهة وهو على عرشه قال وقد منعنا في كتابنا هذا في غير موضع اطلاق الجهة عليه والصواب جواز القول بذلك لأن احمد قد اثبت هذه الصفة التي هي الاستواء على العرش واثبت انه في السماء وكل من اثبت هذا اثبت الجهة وهم اصحاب ابن كرام وابن مندة الأصبهاني المحدث والدلالة عليه ان العرش في جهة بلا خلاف فقد ثبت بنص القرآن انه مستو عليه فاقتضى انه في جهة ولأن كل عاقل من مسلم وكافر اذا دعا فانما يرفع يديه ووجهه الى نحو السماء وفي هذا

# كفاية ولأن من نفى الجهة من المعتزلة والأشعرية يقول ليس هو في جهة ولا خارجا منها وقائل هذا بمثابة من قال باثبات موجود مع وجود غيره ولا يكون وجود احدهما قبل وجود الآخر ولا بعده ولأن العوام لا يفرقون بين قول القائل طلبته فلم أجده في موضع ما وبين قوله طلبته فاذا هو معدوم قال وقد احتج ابن منده على اثبات الجهة بأنه لما نطق القرآن بأن الله على العرش وانه في السماء وجاءت السنة بمثل ذلك وبأن الجنة مسكنه وانه في ذلك وهذه الأشياء أمكنة في نفسها فدل على انه في مكان # الوجه الثاني ان الاشارة الى فوق الى الله في الدعاء وغير الدعاء باليد والأصبع او العين او الرأس او غير ذلك من الاشارات الحسية قد تواترت به السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم واتفق عليه المسلمون وغير المسلمين قال تعالى ^ قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام ^ وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم ما من حاكم يحكم بين الناس الا حبس يوم القيامة وملك آخذ بقفاه حتى يوقفه على جهنم ثم يرفع رأسه الى الله عز وجل فان قال ألقه ألقاه في مهوى فيهوي اربعين خريفا رواه الامام احمد في مسنده وابن ماجه في سننه بمعناه وعن ابي هريرة ان رجلا اتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية سوداء عجمية فقال يا رسول الله علي عتق رقبة مؤمنة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم اين الله فأشارت الى السماء بأصبعها السبابة فقال لها من انا فاشارت بأصبعها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم والى السماء اي انت رسول الله فقال اعتقها رواه احمد في مسنده والبرقي في مسنده ايضا ورواه ابن خزيمه في التوحيد وقد اشترط فيه ان لا يحتج فيه الا بحديث صحيح واسناده عن يزيد بن هارون اخبرنا المسعودي عن عوف بن عبد الله عن اخيه عبيد الله بن عبد الله عن ابي هريرة مثله وقال لجارية سوداء لا تفصح فقال ان علي رقبة مؤمنة وقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم من

# ربك فأشارت بيدها الى السماء ثم قال من أنا فقالت بيدها ما بين السماء الى الأرض تعنى رسول الله والباقي مثله ورواه ايضا من حديث ابي داود الطيالسي عن المسعودي بهذا الاسناد مثله وقال ايضا بجارية عجماء لا تفصح وقال اعتقها وقال فقال المسعودي مرة اعتقها فانها مؤمنة وقد روي نحو هذا المعنى عن عبيد الله بن عبد الله الزهري مسندا عن ابي هريرة ومرسلا ورواه الامام احمد وابن خزيمة ايضا من حديث معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن رجل من الأنصار انه جاء بأمة سوداء فقال يا رسول الله ان علي رقبة مؤمنة فان كنت ترى هذه مؤمنة فاعتقها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم اتشهدين ان لا اله الا الله قالت نعم قال اتشهدين اني رسول الله قالت نعم قال اتؤمنين بالبعث بعد الموت قالت نعم قال اعتقها ورواه مالك عن ابي شهاب عن عبيد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم # قال ابن خزيمة لست انكر ان يكون خبر معمر ثابتا صحيحا ليس بمستنكر لمثل عبيد الله بن عبد الله ان يروي خبرا عن ابي هريرة عن رجل من الأنصار لو كان متن الخبر متنا واحدا فكيف وهما متنان وهما على حديثان لا حديث واحد حديث عون بن عبد الله في الامتحان انما اجابت السوداء بالاشارة لا بالنطق وفي خبر الزهري أجابت السوداء بنطق نعم بعد الاستفهام لما قال لها اتشهدين ان لا اله الا الله في الخبر انها قالت نعم وكذلك عند الاستفهام لما قال لها اتشهدين اني رسول الله قالت نعم نطقا بالكلام والاشارة باليد ليس النطق بالكلام وفي خبر الزهري زيادة الامتحان بالبعث بعد الموت لما استفهمها اتؤمنين بالبعث بعد الموت # وهذا الذي قاله ابن خزيمة يحققه ان هذا الحديث رواه القاضي ابو أحمد

# العسال في كتاب المعرفة له من حديث محمد بن عمرو عن ابي سلمة عن ابي هريرة ولهذا يقال انه حديث حسن صحيح ومثلما روي ابو عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ربكم حيى كريم يستحيي من عبده اذا رفع يديه اليه ان يردهما صفرا رواه ابو داود وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن غريب قال ورواه بعضهم ولم يرفعه وهذا لا يضر لأنه اذا كان موقوفا على سلمان فمثل هذا الكلام لا يقال الا توقيفا وقد أخبر في هذا الحديث ان العبد يشير بيديه ويرفعهما الى الله سبحانه وكذلك الحديث الذي في عن الفضل بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة مثنى مثنى تشهد في كل ركعتين وتخشع وتضرع وتمسكن ثم تقنع يديك يقول ترفعهما الى ربك مستقبلا ببطونهما وجهك وتقول يا رب يا رب ومن لم يفعل ذلك فهو خداج فاخبر فيه انه يقنع يديه اي يرفعهما وأنه يرفعهما الى ربه # وفي الحديث المشهور الذي في صحيح مسلم عن جعفر بن محمد عن ابيه عن جابر في صفة حجة الوداع وهو الحديث الطويل المشهور اكثر حديث روي في حجة الوداع قال فلما كان يوم التروية توجهوا الى منى فاهلوا بالحج وركب النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس وقال ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا الا كل من امر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وان أول دم اضع من دماءنا دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع ربا

# عباس بن عبد المطلب فانه موضوع كله واتقوا الله في النساء فانكم اخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن ان لا يوطئن فرشكم احدا تكرهونه فان فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده ان اعتصمتم به كتاب الله وانتم تسألون عني فما انتم قائلون قالوا نشهد انك قد بلغت واديت ونصحت فقال بأصبعه السبابة يرفعها الى السماء وفكتها الى الناس اللهم اشهد اللهم اشهد ثلاث مرات ثم اذن بلال ثم اقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ثم ركب حتى أتى الموقف وذكر تمام الحديث فأشار بأصبعه السبابة وحدها الى فوق بابلاغ الاشارة اللهم اشهد ثلاث مرات يجمع بين الاشارة الحسية المرئية والعبارة الحسية المسموعة # وفي صحيح البخاري عن عكرمة عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر وقال يا أيها الناس أي يوم هذا قالوا هذا يوم حرام قال فأي بلد هذا قالوا بلد حرام قال فأي شهر هذا قالوا شهر حرام قال فان دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا فأعادها مرارا ثم رفع رأسه فقال اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت قال ابن عباس والذي نفسي بيده انها لوصيته الى أمته فليبلغ الشاهد الغائب لا ترجعوا بعدي كفارا بضرب بعضكم رقاب بعض وقد أخبرنا هنا أنه رفع رأسه وقال اللهم أشهد وعن سعد ابن ابي وقاص قال مر علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو باصبعي فقال أحد أحد وأشار بالسبابة رواه الامام أحمد وأبو داود والنسائي واخرج الترمذي والنسائي من حديث أبي عن ابي هريرة نحوه وقال حسن غريب قالوا

# ومعناه أشر بواحدة فان الذي تدعوه واحد وهذا نص بين في أن الاشارة الى الله حيث قال له أحد أحد أي احد الاشارة فاجعلها باصبع واحدة فلو كانت الاشارة الى غير الله لم يختلف الأمر بين ان يكون بواحدة او اكثر فعلم ان الاشارة لما كانت الى الله وهو اله واحد أمره ان لا يشير الا باصبع واحدة لا باثنين # وكذلك استفاضت السنن بأنه يشار بالأصبع الواحدة في الدعاء في الصلاة وعلى المنابر يوم الجمعة وفي غير ذلك فعن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ورفع أصبعه اليمنى التي تلي الابهام فدعا بها ويده اليسرى على ركبته باسطها عليها وفي رواية كان اذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه كلها وأشار بأصبعه التي تلي الابهام ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى رواهما احمد ومسلم والنسائي وروي الثاني ابو داود ايضا وعن عبد الله بن الزبير قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى تحت فخذه اليمنى وساقه وفرش قدمه اليمنى ووضع يده اليسرى على ركبة فخذه اليسرى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بأصبعه وأشار بعض الرواة بالسبابة رواه أحمد ومسلم وابو داود وعن ابن الزبير أيضا قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا جلس في التشهد وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بالسبابة ولم يجاوز بصره اشارته رواه احمد وابو داود والنسائي وعن وائل ابن حجر انه قال في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قعد فافترش رجله اليسرى ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى وحد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى ثم قبض ثنتين من أصابعه وحلق حلقة ثم رفع أصبعه فرأيته يحركها يدعو بها وفي رواية يقول هكذا وحلق الأبهام والوسطى وأشار بالسبابة ورواه احمد وابو داود

والنسائي وابن ماجه وعن مالك بن نمير الخزاعي عن ابيه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واضعا ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى رافعا اصبعه السبابى قد حناها شيئا رواه ابو داود والنسائي وابن ماجه # وعن حصين بن عبد الرحمن قال رأى عمارة بن رؤيبة بشر بن مروان وهو يدعو في يوم جمعة فقال عمارة قبح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر ما يزيد على هذه يعني السبابة وفي رواية رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المبنر ما يزيد على هذه يعني السبابة وفي رواية رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يخطب اذا دعا يقول هكذا فرفع السبابة وحدها وهذا الحديث رواه احمد ومسلم وابو داود وفي سنن ابي داود عن ابن عباس قال المسألة ان ترفع يديك حذو منكبيك او نحوهما والاستغفار ان تشير باصبع واحد والابتهال ان تمد يديك جميعا وفي رواية والابتهال هكذا ورفع يديه وجعل ظهورهما مما يلي وجهه رواه أيضا مرفوعا عن بن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأما رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه في الدعاء فهو في الحديث اكثر من ان يبلغه الاحصاء # وأما حديث أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه الا في الاستسقاء فانه كان يرفع يديه حتى يرى بياض أبطيه رواه الجماعة اهل الصحاح والسنن والمسانيد مثل البخاري ومسلم وابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والامام احمد في مسنده وغيرهم وفي رواية لمسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفه الى السماء رواه ابو داود ولفظه ان ابي صلى الله عليه وسلم يستسقي هكذا يعني ومد يديه وجعل بطونهما مما يلي الأرض حتى رأيت ابطيه فهذا هو رفعهما الى فوق رأسه وهو الابتهال المذكور في حديث ابن

# عباس ومن صوره هذا الرفع الى فوق الرأس ان تصير كفيه من جهة السماء اذ لا يمكن مع استيفاء الرفع أن تكون بطونهما من نحو السماء # الوجه الثالث انه قد نهى عن رفع البصر في الصلاة الى فوق امرا بالخشوع الذي اثنى الله على اهله حيث قال ^ قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ^ وقال ^ واستعينوا بالصبر والصلاة وانها لكبيرة الا على الخاشعين ^ والخشوع يكون مع تحفض البصر كما قال تعالى ^ يوم يدعون الى السجود فلا يستطيعون خاشعة ابصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون الى السجود وهم سالمون ^ وقال تعالى ^ يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم الى نصب يوفضون خاشعة ابصارهم ترهقهم ذله ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون ^ وقال ^ فتول عنهم يوم يدع الداع الى شيء نكر خشعا ابصارهم ^ ^ مهطعين الى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر ^ كما وصف الأصوات بالخشوع في قوله ^ وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع الا همسا ^ وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما بال اقوام يرفعون ابصارهم الى السماء في صلاتهم فاشتد قوله في ذلك حتى قال لينتهن او لتخطفن ابصارهم رواه البخاري واكثر اهل السنن وعن ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لينتهين اقوام يرفعون ابصارهم الى السماء في الصلاة او لتخطفن ابصارهم رواه مسلم وغيره ولو كان الله ليس فوق بل هو في السفل كما هو في الفوق لا لاختصاص لأحد الجهتين به لم يكن رفع البصر الى السماء ينافي الخشوع بل كان يكون بمنزلة حفظها # الوجه الرابع ان الذين يرفعون ايديهم وابصارهم وغير ذلك الى السماء وقت الدعاء تقصد قلوبهم الرب الذي هو فوق وتكون حركة جوارحهم

# بالاشارة الى فوق تبعا لحركة قلوبهم الى فوق وهذا امر يجدونه كلهم في قلوبهم وجدا ضروريا الا من غيرت فطرته باعتقاد يصرفه عن ذلك وقد حكى محمد بن طاهر المقدسي عن الشيخ ابي جعفر الهمذاني انه حضر مجلس ابي المعالي فذكر العرش وقال كان الله ولا عرش ونحو ذلك وقام اليه الشيخ ابو جعفر فقال يا شيخ دعنا من ذكر العرش واخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا فانه ما قال عارف قط يا الله الا وجد في قلبه ضرورة لطلب العلو لا يلتفت يمنة ولا يسرة قال فضرب ابو المعالي على رأسه وقال حيرني الهمداني فاخبر هذا الشيخ عن كل من عرف الله انه يجد في قلبه حركة ضرورية الى العلو اذا قال يا الله وهذا يقتضي انه في فطرتهم وخلقتهم العلم بأن الله فوق وقصده والتوجه اليه الى فوق # الوجه الخامس ان الناس مع اختلاف عقائدهم واديانهم يشيرون الى السماء عند الدعاء لله تعالى والرغبة اليه وكلما عظمت رغبتهم واشتد الحاحهم قوي رفعهم واشارتهم ولهذا لما كان دعاء الاستسقاء فيه من الرغبة والالحاح ما ليس في غيره كان رفع النبي صلى الله عليه وسلم واشارته فيه اعظم منه في غيره وهذا يفعلونه اذا دعوا الله مخلصين له الدين عندما يكونون مضطرين الى الله عند الرغبة والرهبة مثل ركوب البحر وغيره وفي تلك الحال يكونون قاصدين الله قصدا قويا بل لا يقصدون غيره ويقرنون بقصد قلوبهم وتوجهها اشارتهم بعيونهم ووجوهم وايديهم الى فوق ومعلوم ان الاشارة تتبع قصد المشير وارادته فاذا لم يكونوا قاصدين الا الله ولا مريدين الا اياه لم تكن الاشارة الا الى ما قصدوه وسألوه فانه في تلك الحال لا يكون في قلوبهم الا شيئان المسؤول والمسؤول منه ومعلوم ان هذه الاشارة باليد وغيرها ليست الى الشيء المسؤول المطلوب من الله ولا يخطر بقلوبهم ان هذه الاشارة الى ذلك ولا ادعاه المنازع في ذلك في

محمد الغماري
03 Apr 2010, 04:01 AM
# اكثر الاوقات لا يكون فوق فلم يبق ما تكون الاشارة اليه الا المدعو المقصود والا كانت الاشارة الى ما لم يقصده الداعي ولم يشعر به وهذا ممتنع وهذا واضح لمن تدبره # الوجه السادس انهم يقولون بألسنتهم ارفعو أيديكم الى الله ونحو ذلك من العبارات وهذا اخبار عن انفسهم انهم يقصدون الاشارة الى الله ورفع الايدي اليه واذا كان هذا الخبر لم يتواطؤا عليه ولم يجمعهم عليهم احد كان اتفاقهم في الخبر عما في نفوسهم كاتفاقهم في سائر الاخبار التي تجري مجرى هذا من الأمور الحسية والضرورية وغير ذلك # الوجه السابع ان هذا الرفع يستدل به من وجوه احدها ان العبد الباقي على فطرته يجد في قلبه امرا ضروريا اذا دعا الله دعاء المضطر انه يقصد بقلبه الله الذي هو عال وهو فوق الثاني انه يجد حركة عينه ويديه بالاشارة الى فوق تتبع اشارة قلبه الى فوق وهو يجد ذلك ايضا ضرورة الثالث ان الأمم المختلفة متفقة على ذلك من غير مواطأة الرابع انهم يقولون بألسنتهم انا نرفع ايدينا الى الله ويخبرون عن انفسهم انهم يجدون في قلوبهم اضطرارا الى قصد العلو فالحجة تارة بما يجده الانسان من العلم الضروري وتارة بما يدل على العلم الضروري في حق الناس وتارة بأن الناس لا يتفقون على ضلالة فانه اذا كان اجماع المسلمين وحدهم لا يكون الا حقا فاجماع جميع الخلق الذين منهم المسلمون اولى ان لا يكون الا حقا # وبهذه المجامع يظهر الجواب عما تذكر الجهمية وجماعة شيئان احدهما ان يكون الناس مخطئين في هذا الرفع لاعتقادهم ان الله فوق وليس هو فوق

# وهذا جوابه في نهايته والثاني ان يكون الرفع الى بعض المخلوقات اما الملائكة او الجهة الشريفة او العرش الذي هو القبلة ومن تدبر ما بيناه علم امتناع هذين الوجهين ونحن نفصل ذلك # الوجه الثامن قوله ان الرفع الى فوق لأن الجهة العالية اشرف من السافلة بظهور الانوار منها وان الهوى الذي هو مادة النفس منها وان النظر منها مضمونة ان ما يحتاج اليه الآدميون من الرزق الذي هو الماء والهواء ومن النور يأتي من الجهة العالية فكانت اشرف # فيقال له أولا لا ريب ان حاجتهم الى الأرض وما فيها اكثر فان عليها قرارهم ومنها تخرج ارزاقهم التي هي النبات وفيها الحيوان وهي كما قال الله تعالى ^ فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون ^ ولهذا كان نظر ابصارهم الى الأرض وما فيها أكثر من نظرهم الى السماء وما فيها فعلم ان النظر الذي يكون لأجل الحاجة الى المنظور اليه لتعلق القلب به هو الى الأرض اكثر منه الى السماء # ويقال له ثانيا الاحتجاج انما هو يرفع ايديهم وابصارهم حين الدعاء لله وحده لا شريك له فاما دعوى غير الله فانما يرفعون أيديهم ان رفعوها الى جهة ذلك المدعو واما في غير صد الله ودعائه وذكره فانهم لا يلتزمون الاشارة الى السماء بل انما يشير احدهم ان اشار الى شيء معين مثل الشمس والقمر وغير ذلك واذا كان الأمر كذلك كان ماذا ذكره من الاشارة الى الجهة لشرفها من أبطل الباطل فان ذلك انما يتوجه لو كان المذكور هو اشارتهم الى فوق مطلقا وهذا خلاف الواقع بل انما يشيرون الاشارة المذكورة اذا دعوا الله مخلصين له الدين وأين هذا من هذا #

# ويقال له ثالثا قد تقدم انهم يعلمون ويخبرون أنهم انما يشيرون الى الله لا الى محض الجهة # الوجه التاسع قوله ان الاشارة قد تكون الى الملائكة التي هي مدبرة امر العباد يقال له اولا اشارة الانسان الى الشيء مشروطة بشعوره به وقصد الاشارة اليه فان لم يشعر به ولم يقصد الاشارة اليه محال ان يشير اليه والداعون لله مخلصين له الدين لا تخطر لهم الملائكة في تلك الحال فضلا عن ان يقصدوا الاشارة اليها وكل منهم يعلم من نفسه ويسمع من غيره بل ويعلم منه بغير سمع أنه لم يقصد الاشارة الى الملائكة واذا كانوا يعلمون من انفسهم انهم لم يشيروا الى الملائكة ولا الى محض الجهة كان حمل اشارتهم على هذا مع علمهم بأنهم لم يقصدوا ذلك مثل من يحمل سجود المسلمين في اوقات صلواتهم على انهم يسجدون للكواكب والملائكة بل الاشارة في الدعاء الى الله ابلغ وذلك ان السجود في الظاهر مشترك بين من يسجد لله ويسجد لغيره وأما الذي يقول بلسانه انه يدعو الله وهو مع ذلك يشير مع دعائه فالظن به أنه اشار الى غير الله اقبح من الظن بالمسمين أنهم يسجدون لغير الله # ويقال له ثانيا الاشارة الى الملائكة حين دعاء الله وحده لا شريك له اشراك بالله بل دعاء الملائكة ومسألتهم اشراك بالله فكيف بالاشارة اليهم حين دعاء الله وحده لا شريك له # وقيل له ثالثا الاحتجاج ليس بمطلق الاشارة الى فوق بل الاشارة عند دعاء الله وحده لا شريك له ومن المعلوم انه لا يجوز في تلك الحال رفع الأيدي الى الملائكة فكيف يحمل حال الأنبياء والمرسلين وسائر عباد الله المخلصين على أنهم رفعو أيديهم الى غير الله حين مسألتهم لله وحده

# وقيل له رابعا لا يجوز لأحد ان يرفع يديه داعيا لا الى الملائكة ولا الى غير الملائكة بل هذا من خصائص الربوبية ومن جوز رفع الأيدي عند الدعاء الى غير الله فهو من المشركين الذين يدعون غير الله قال تعالى ^ وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله احدا وانه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا قال انما أدعو ربي ولا أشرك به احدا ^ وقال تعالى ^ قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد اذ هدانا الله ^ الآية وقال تعالى ^ ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ^ وقال ^ والذين لا يدعون مع الله الها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله الا بالحق ^ الاية وقال ^ ومن الناس من يعبد الله على حرف فان أصابه خير اطمئن به وان أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والاخرة ذلك هو الخسران المبين يدعو من دون الله مالا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد ^ وقال تعالى ^ ولا تدع مع الله الها آخر فتكون من المعذبين ^ وقال تعالى ^ ومن يدع مع الله الها آخر لا برهان له به فانما حسابه عند ربه ^ وقال تعالى ^ ولا يأمركم ان تتخذوا الملائكة والنبيين اربابا ^ # ولهذا كانت الاشارة اليه من تمام دعائه وذلك من تحقيق كونه الصمد الذي يصمد العباد اليه فان قصده بالباطن والظاهر والقلب وسائر الجسد اكمل من قصده بالقلب فقط فيكون الاشارة اليه من تمام كونه صمدا ويكون اسم الصمد مستلزما لذلك فكونه موجودا يوجب المباينة التي تقتضي الاشارة اليه وكونه صمدا مقصودا يقتضي الدعاء المتضمن الاشارة اليه والاشارة الى غيره بالدعاء اشراك به واخراج له عن أن يكون احدا # فظهر أن هؤلاء الجهمية منكرين لحقيقة كونه احدا صمدا وأنهم جاحدون لحقيقة دعائه مسوغين للاشراك به فان أهل السنة هم الموحدون له والمكملون

# لحقيقة الاقرار بأنه الأحد الصمد وهذا ظاهر ولله الحمد # ويبين هذا أن هؤلاء الجهمية ومن دخل فيهم من الملاحدة والفلاسفة والصابئين وغيرهم لا يعتقدون حقيقة الدعاء لله ولا يؤمنون ان الله على كل شيء قدير لا سيما من يقول منهم انه موجب بالذات لا يمكنه ان يغير سببا ولا يحدثه فالدعاء عندهم انما يؤثر تأثير النفوس البشرية وتصرفها في هيولي العالم واذا كان كذلك فهم في الحقيقة لا يقصدون الله ان يفعل شيئا ولا يحدث شيئا ولا يطلبون منه شيئا ولكن يقوون نفوسهم قوة يفعلون بها والعلم الضروري حاصل بالفرق بين ما يفعله الحيوان بنفسه وبين ما يطلبه من غيره فاذا كان دعاء العباد عندهم لا معنى له الا أنهم يفعلون بأنفسهم لم يكونوا داعين لله قط ومن لم يكن داعيا لله فانه لا يشير اليه عند الدعاء بل ذلك عبث بل قوله يا الله افعل كذا عبث وهذا حقيقة مذهب القوم ابطال ما بعثت به الرسل من أنواع الأدعية وابطال ما فطر الله عليه عباده من ذلك وهؤلاء هم أصل التهجم والتعطيل فمن وافقهم في شيء من ذلك كان من الجاحدين لأن يكون الله هو الموجود المقصود المدعو المعبود # ولهذا تجد غالب هؤلاء النفاة لأن يكون الله فوق العرش فيهم من الانحلال عن دعاء الله ومسألته وعبادته بقدر ذلك الا من يكون منهم جاهلا بحقيقة مذهبهم يوافقهم بلسانه على قول لا يفهم حقيقته وفطرته على الصحة والسلامة فانه يكون فيه ايمان ونفاق فأما اذا استحوذ على قلبه تغيرت فطرته وهؤلاء يعرضون عن دعاء الله وعبادته مخلصين له الدين عند الاختيار ويجادلون في ذلك لكن عند الاضطرار هم كما قال الله تعالى ^ ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام ان يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره ان في ذلك لآيات لكل صبار شكور او يوبقهن بما كسبوا ويعفو عن كثير ويعلم الذين

# يجادلون في آياتنا مالهم من محيص ^ لا سيما على اشهر القرائتين وهي قراءة النصب في قوله ويعلم فان ذلك من باب قولهم لا تأكل السمك وتشرب اللبن ومثل هذا في الاعراب قوله ^ ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ^ ومعنى آية الشورى أنه سبحانه ان شاء اسكن فيظللن رواكد على ظهره وان شاء او بقهن بما كسبوا ويعفو عن كثير ويعلم الذين يجادلون في آياتنا وهذا كله في جواب ان يشأ اي وان يشأ يهلكهن بذنوبهم ويعف ايضا عن كثير منها ويجتمع مع ذلك علم المجادلين في أياتنا بأنه مالهم من محيص فهو ان شاء جمع بين أن يهلك بعضا ويعف عن بعض وبين علم المجادلين في آياته حينئذ أنه ما لهم من محيص # الوجه العاشر قوله وأيضا انه تعالى جعل العرش قبلة لدعائنا كما جعل الكعبة قبلة لصلاتنا يقال له هذا باطل معلوم بالاضطرار بطلانه عقلا ودينا وذلك يظهر بوجوه # احدها ان المسلمين مجمعون على أن القبلة التي يشرع للداعي استقبالها حين الدعاء هي القبلة التي شرع استقبالها حين الصلاة فكذلك هي التي شرع استقبالها حين ذكر الله كما تستقبل بعرفة والمزدلفة وعلى الصفا والمروة وكما يستحب لكل ذاكر لله وداع ان يستقبل القبلة كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان قد يقصد أن يستقبل القبلة حين الدعاء وكذلك هي التي يشرع استقبالها بالبول والغائط فليس للمسلمين كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد بل ولا لغيرهم قبلتان أصلا في العبادات التي هي من جنسين كالصلاة والنسك فضلا عن العبادات التي هي من جنس واحد وبعضها متصل ببعض فان الصلاة فيها الدعاء في الفتاتحة وغيرها والدعاء نفسه هو صلاة قد سماه الله في كاباه صلاة حيث قال ^ وصل عليهم ان صلاتك سكن لهم وفي

# الصحيح عن عبد الله بن ابي اوفى ان النبي صلى الله عليه وسلم كان اذ اتاه قوم بصدقتهم صلى عليهم وان ابي اتاه بصدقه فقال اللهم صلى على آل ابي او في وقد قال تعالى ^ يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ^ وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم امته الصلاة عليه في غير حديث في الصحاح وغيرها وفي جميعها انما يعلمهم الدعاء له بصلاة الله وبركاته كما قال قولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك حميد مجيد # وقد بسطنا الكلام على هذا في غير هذا الموضع حيث تكلمنا على مسمى الصلاة في اللغة الذي هو الدعاء وان الصلاة المشروعة هي دعاء كلها فان الدعاء هو قصد المدعو تارة لذاته وتارة لمسألته أمرا منه وهذا كالشخص يدعو غيره ويطلبه ويقصده تارة لذاته وتارة لأمر يطلبه منه والصلاة تتضمن هذين النوعين عبادة الله والثناء عليه والسؤال له # وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم النوعين في الحديث الذي في صحيح مسلم عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال # يقول الله سبحانه وتعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين نصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل فاذا قال العبد ^ الحمد لله رب العالمين ^ قال الله حمدني عبدي فاذا قال ^ الرحمن الرحيم ^ قال الله اثنى علي عبدي فاذا قال العبد ^ مالك يوم الدين ^ قال الله مجدني عبدي او قال فوض الي عبدي فاذا قال العبد ^ اياك نعبد واياك نستعين ^ قال الله هذه الآية بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فاذا قال ^ اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ^ فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل

محمد الغماري
03 Apr 2010, 04:02 AM
# فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه انه # قال قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ومسمى الصلاة في اللغة قد قالوا انه مسمى الدعاء والدعاء نوعان كما تقدم والنصف الذي للرب جل وعلا هو الثناء عليه والمقصود بذلك نفسه سبحانه وتعالى فهو بذلك نفسه سبحانه وتعالى فهو بذلك معبود مقصود مدعو لنفسه والنصف الاخر الذي للعبد هو السؤال والطلب منه وهو بذلك يقصد لذلك الأمر ويسأل ويطلب منه وهو الصمد في الأمرين لا يصلح ان يصمد لغيره لا هذا الصمد ولا هذا الصمد وهو ايضا أحد في هذين لا يصلح لغيره ان يكون هو المعبود ولا ان يكون هو المتوكل عليه المستعان به المسؤول منه فهو الأحد الصمد في النصف الذي له كقوله ^ اياك نعبد ^ وهو الأحد الصمد في النصف الذي للعبد كقوله ^ اياك نستعين ^ ولهذا قال من قال من السلف ان الله سبحانه انزل مائة كتاب واربع كتب جمع معانيها في الأربعة وجمع معاني الأربعة في القرآن وجمع معاني القرآن في المفصل وجمع معاني المفصل في أم القرآن وجمع معاني ام القرآن في قوله ^ اياك نعبد واياك نستعين ^ # وقد بسطنا الكلام على هذا في مواضع في غير هذا الكتاب وبينا تعلق العبادة بالالهية فان الاله هو المعبود وتعلق الاستعانة بربوبيته فان رب العباد الذي يربهم وذلك يتضمن انه الخالق لكل ما فيهم ومنهم والالهية هي العلة الغائية والربوبية هي العلة الفاعلية والغائية هي المقصودة وهي علة فاعلية للعلة الفاعلية ولهذا قدم قوله ^ اياك نعبد ^ على قوله ^ اياك نستعين ^ وتوحيد الالهية يتضمن توحيد الربوبية فانه من لم يعبد الا الله يندرج في ذلك انه لم يقر بربوبية غيره بخلاف توحيد الربوبية فانه قد أقر به عامة المشركين في توحيد الالهية كما قال تعالى ^ وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون ^ ذكر البخاري في صحيحه عن عكرمة وغيره تسألهم من خلق السموات والأرض فيقولون الله وهم مع هذا يعبدون غيره

# وقد اخبر عنهم بذلك في قوله ^ ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ^ وفي قوله ^ قل لمن الأرض ومن فيها ان كنتم تعلمون سيقولون لله قل افلا تذكرون قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون الله قل افلا تتقون قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه ان كنتم تعلمون سيقولون الله قل فانى تسحرون بل اتيناهم بالحق وانهم لكاذبون ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من اله اذا لذهب كل اله بما خلق ولعلى بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون ^ فأخبر عن هؤلاء الذين نزه نفسه عن اشراكهم واخبر أنهم كاذبون في عدولهم عن الحق الذي جاء به ورد عليهم انه ^ ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من اله ^ انه اذا سألهم ^ لمن الأرض ومن فيها ^ ^ سيقولون لله ^ واذا سألتهم ^ من رب السموات ورب العرش العظيم سيقولون الله ^ واذا سألتهم ^ من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه سيقولون الله ^ # فالاول اقرارهم بأن الأرض وما فيها لله والثاني اقرارهم بأن السموات السبع والعرش العظيم لله والثالث اقرارهم بأن ملكوت جميع الأشياء بيده وانه الذي يمنع المخلوق وينصره فيجيره من الضرر والأذى فيجير على من يشاء ولا يجير عليه احد فاذا أراد بأحد ضررا لم يمنعه مانع واذا رفع الضر عن احد لم يستطع احد ان يضره وفي كون ملكوت كل شيء بيده بيان انه هو المدبر النافع له فهو الذي يأتي بالمنفعة وهو الذي يدفع المضرة كما قال في الاية الأخرى ^ قل أرأيتم ما تدعون من دون الله ان ارادني الله بضر هل هن كاشفات ضره او ارادني برحمة هل هن ممسكات رحمته ^ وكما قال في الاية الأخرى ^ وان يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو وان يردك بخير فلا راد لفضله ^

# واذا كانوا مقرين بهذا فهذا اقرار منهم بعموم ربوبيته وتدبيره لكل شيء وهو اعظم من اقرار القدرية والصابئة والمتفلسفة الطبيعية ونحوهم ممن يجعل الرب لبعض الكائنات شيئا غير الله وهو مع هذا قد اخبر انهم مشركون نزه نفسه عن شركهم لكونهم عبدوا معه غيره لا لكونهم اعتقدوا ان للعالمين ربا معه # وكذلك قوله ^ قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير ام ما يشركون امن خلق السموات والأرض وانزل لكم من السماء ^ الى آخر الايات يستفهم فيها كلها استفهام انكار هل يفعل هذه الأمور احد من الالهة التي يعبدون من دون الله فان قوله ^ أ اله مع الله ^ اسم واحد وقع صفة لا له ليس هو جملة واحدة كما ظنه طائفة من المفسرين واعتقدوا ان المعنى مع الله اله فان القوم كانوا يجعلون مع الله آلهة اخرى وقد ذكر ذلك في السورة بقوله ^ آلله خيرا اما يشركون ^ فلا يفيد استفهامهم عما هم معترفون به وأيضا فان جواب المستفهم عنه لا يكون الا مفردا لا يكون جملة فاذا قيل من فعل هذا فانه يقال فلان ام فلان لا يذكر جملة بل لو كان كذلك لم ينتظم الكلام ولكن المقصود ان هذه الآلهة التي تدعونها من دون الله هل هي التي فعلت هذه الامور ام الله وحده فعلها فان القوم كانوا مقرين بأن الله وحده هو الفاعل لهذه الامور وهذا شأن استفهام الانكار فانه يتضمن نفي المستفهم عنه والانكار على من اثبته والقوم كانوا معترفين بذلك لكن كانوا مع ذلك مشركين به الالهة التي يعلمون انها لم تفعل ذلك فانكر عليهم ذلك وزجروا عنه ومثل هذا في القرآن كثير # ومن عرف هذا عرف الشرك الذي ذمه الله في كتبه وارسل رسله جميعا بالنهي عنه كما قال تعالى ^ واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من

دون الرحمن آلهة يعبدون ^ وقال تعالى ^ ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ^ والعبادة تتضمن كمال المحبة وكمال الخضوع قال تعالى ^ ومن الناس من يتخذ من دون الله اندادا يحبونهم كحب الله والذين امنوا اشد حبا لله ^ # فهذه السورة يعني الفاتحة التي قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انها اعظم سوره في القرآن وانه لم ينزل في التوراة ولا في الانجيل ولا في القرآن مثلها قد ذكر فيها جماع الكتب الالهية بقوله ^ اياك نعبد واياك نستعين ^ ومما يشبهها قوله ^ عليه توكلت واليه أنيب ^ وقوله ^ فاعبده وتوكل عليه ^ وقوله ^ عليه توكلت واليه متاب ^ وهذان هما نوعا الدعاء كما تقدم وهما جميعا مختصان بالله حقان له لا يصلحان لغيره بل دعاء غيره بأحد النوعين شرك كما قال تعالى ^ وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله احدا وانه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا قال انما ادعو ربي ولا اشرك به احدا ^ وقال تعالى ^ فلا تدع مع الله الها اخر فتكون من المعذبين ^ وقال تعالى ^ ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ^ وقال ^ وما ظلمناهم ولكن ظلموا انفسهم فما اغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء امر ربك وما زادوهم غير تتبيب ^ # فغير الله لا يجوز ان يكون مستعانا به متوكلا عليه لانه لا يستقل بفعل شيء اصلا فليس من الأسباب ما هو مستقل بوجود المسبب لكن له شريك فيه وما ثم علة تامة الا مشيئة الله فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وكذلك لا يجوز ان يكون غيره معبودا مقصودا لذاته اصلا فان ذلك لا يصلح له ولهذا كان الشرك غالبا على بني آدم كما قال تعالى ^ وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون ^ فيكون احدهم عبدا لغير الله متألها له مما يحبه ويجله ويكرمه ويخافه ويرجوه حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح تعس عبد الدرهم تعس

# عبد الدينار تعس عبد الخميصة ان اعطي رضي وان منع سخط تعس وانتكس واذا شيك فلا انتقش وهذا باب واسع ليس هذا موضع بسطه # وقد قدمنا ان كلا النوعين يوجب اختصاص الرب سبحانه وتعالى بأنه الأحد وبأنه الصمد فن كونه احدا يوجب ان لا يشرك به في العبادة ولا الاستغاثة فلا يدعى غيره والاسم الصمد جاء معرفا ليبين انه هو الصمد الذي يستحق ان يصمد اليه نوعي الصمد وهذان الاسمان لم يذكرا في القرآن الا في هذه السورة التي قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه انها تعدل ثلث القرآن مثل ما # روي عن ابي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه ايعجز احدكم ان يقرأ ثلث القرآن في ليلة فشق ذلك عليهم وقالوا اينا يطيق ذلك يا رسول الله قال ^ قل هو الله احد ^ ثلث القرآن رواه البخاري وروي عنه ايضا عن قتادة بن النعمان ان رجلا كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر ^ قل هو الله احد ^ يرددها لا يزيد عليها فلما اصبح اتى رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله فلانا بات الليلة يقرأ من السحر ^ قل هو الله احد ^ يرددها لا يزد عليها كأن الرجل يتقالها فقال النبي صلى الله عليه وسلم # فو الذي نفسي بيده انها لتعدل ثلث القرآن وروي مسلم عن ابي هريرة قال خرج الينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اقرأ عليكم ثلث القرآن فقرأ ^ قل هو الله احد ^ حت ختمها وروى مسلم ايضا عن ابي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم # قال ايعجز احدكم ان يقرأ في ليلة ثلث القرآن قالوا وكيف يقرأ ثلث القرآن قال ^ قل هو الله احد ^ تعدل ثلث القرآن وعن عائشه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله احد فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سلوه لأي شيء يصنع ذلك فسألوه

# فقال انها صفة الرحمن عز وجل فأنا احب ان اقرأ بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اخبروه ان الله يحبه رواه البخاري ومسلم # وقد قال من قال من العلماء هي ثلث القرآن لأن القرآن ثلاثة اقسام قسم توحيد وقسم قصص وقسم امر ونهي وهذه فيها التوحيد وهذا الذي قاله انما يتم اذا كانت جامعة للتوحيد والأمر كذلك فان هذين الاسمين يستلزمان سائر اسماء الله الحسنى وما فيها من التوحيد كله قولا وعملا والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذين الاسمين # فقال ^ الله الواحد الصمد ^ تعدل ثلث القرآن وذلك ان كونه احدا وكونه الصمد يتضمن انه الذي يقصده كل شيء لذاته ولما يطلب منه وانه مستغن بنفسه عن كل شيء وانه بحيث لا يجوز عليه التفرق والفناء وانه لا نظير له في شيء من صفاته ونحو ذلك مما ينافي الصمدية وهذا يوجب ان يكون حيا عالما قديرا ملكا قدوسا سلاما مهيمنا عزيزا جبارا متكبرا # اذا تبين ذلك فالدعاء الذي ذكره الرازي هنا هو احد نوعي الدعاء وهو دعاء المسألة والطلب منه قال تعالى ^ واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان ^ وهذا في الكلام نظير الذكر الذي هو ثناء وتحميد لله تعالى ولهذا يقال في الفاتحة نصفها ثناء ونصفها دعاء ومن المعلوم ان استقبال القبلة في هذا كاستقبالها في الذكر او اوكد والقبلة التي تستقبل بهذا الدعاء هي قبلة الصلاة بعينها ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا اجتهد في الدعاء يستقبلها كما فعله في اثناء الاستسقاء الذي رفع فيه يديه رفعا تاما فعن عباد بن تميم عن عمه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يستسقي فصلى بهم ركعتين جهر بالقراءة فيهما وحول رداءه ورفع يديه فدعى واستسقى واستقبل القبلة رواه الجماعة اهل الصحاح والسنن والمساند كالبخاري ومسلم وابو داود والترمذي النسائي وابن ماجه وغيرهم فاخبر انه استقبل القبلة التي هي قبلة الصلاة في اثناء دعاء الاستسقاء واذا كانت قبلة الدعاء هي قبلة

# الصلاة بعينها كان قول الجهمي ان العرش والسماء قبلة للدعاء قول مخالف لاجماع المسلمين ولما علم بالاضطرار من دين الاسلام فيكون من ابطل الباطل # الوجه الثاني في ذلك وهو الحادي عشر ان توجه الخلائق بقلوبهم وأيديهم وابصارهم الى السماء حين الدعاء امر فطري ضروري عقلي لا يختص به اهل الملل والشرائع بل يفعله المشركون وغيرهم ممن لا يعرف العرش ولا يسمع به ولا يعلم ان فوق السماء لله عرشا فلو كان الرفع انما هو الى العرش فقط الذي هو قبلة لم يقصد ذلك الرفع الا من علم ان هناك عرشا كمالا يقصد التوجه الى القبلة الا من علم ان الكعبة التي يستقبلها المسلمون هناك لان القصد والارادة لا يكون الا بعد الشعور بالمقصود فمن لم يشعر ان هناك عرشا امتنع ان يقصد الرفع الى العرش وهذا تحقيق ما تقدم من ان العلو لله علم بالفطرة والعقل واما استواؤه على العرش فانما علم بالسمع # الوجه الثالث في ذلك وهو الثاني عشر ان يقال كون العرش او السماء قبلة للدعاء لا يثبت بغير الشرع فان اختصاص بعض الجهات والامكنة بانه يستقبل دون غيرها هو امر شرعي ولهذا افترقت اهل الملل كما قال تعالى ^ ولكل وجهة هو موليها ^ فلو كان الله جعل العرش او السماء قبلة للدعاء كان في الشريعة ما يبين ذلك ومعلوم انه ليس في الكتاب والسنة ولا شيء من الآثار عن سلف الأمة ولا أئمتها ولا في الاثارة عن الأنبياء المتقدمين كموسى وعيسى وغيرهما من المرسلين صلوات الله عليهم اجمعين ان العرش او السماء قبلة للدعاء فعلم ان دعوى ذلك من من اعظم الفرية على الله وان هذا من جملة افتراء الجهمية ونحوهم على الله وعلى رسله ودينه # الوجه الرابع وهو الثالث عشر ان القبلة امر تتميز به الملل ويقبل النسخ والتبديل كما قال تعالى ^ قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها

# فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وان الذين اوتوا الكتاب ليعلمون انه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون ولئن اتيت الذين اوتوا الكتاب بكل اية ما تبعوا قبلتك وما انت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت اهوائهم من بعد ما جاءك من العلم انك اذا لمن الظالمين الذين آتيناهم الكتاب ^ الى قوله تعالى ^ ولكل وجهة هو موليها فاسبتقوا الخيرات اينما تكونوا يأت بكم الله جميعا ^ فاخبر سبحانه أن لكل أمة وجهة يستقبلونها وولى محمدا قبلة يرضاها فأمره بأن يولي وجهه شطر المسجد الحرام بعد أن كان قد أمره ان يصلي الى البيت المقدس هو وأمته فصلى الى بيت المقدس بعد مقدمه المدينة بضعة عشر شهرا وصلى اليها قبل مقدمه المدينة وقد روي أنه كان بمكة يجعل الكعبة بينه وبين المسجد الأقصى واذا كانت القبلة أمرا يقبل النسخ والتبديل وهو مختلف في أمر الملل فيجب على هذا التقدير اذا كان العرش او السماء قد جعل قبلة للدعاء أن يجوز تغيير ذلك وتبديله حتى يجوز ان يدعى الله الى نحو الأرض ويجوز أن يدعوه الانسان من الجهات الست ويمد يده وعينيه الى سائر جهاته وأن يكون ذلك قبلة لبعض الداعين دون بعض وهذا مع أنه قد ذكر غير واحد اجماع المسلمين على تخطئة قائله وفاعله فالعلم بذلك اضطراري فان بني آدم مفطورون على أن لا يتوجهوا بقلوبهم وأيديهم الى غير الجهة العالية ولا يقصدوا الله من تحت اقدامهم ويمدوا أيديهم الى تلك الجهة السافلة ولا الى غير الجهة العالية # الوجه الخامس وهو الرابع عشر أن الله تعالى قد قال ^ ولله المشرق والمغرب فأين ما تولوا فثم وجه الله ^ فأخبر ان العبد حيث استقبل فقد استقبل قبلة الله ليبين انه حيث أمر العبد الاستقبال والتولية فقد استقبل وولي قبلة الله ووجهته ولهذا ذكروا أن هذه الاية فيما لا يتعين فيه استقبال الكعبة كالمتطوع

# الراكب في السفر فانه يصلي حيث توجهت به راحلته والعاجز الذي لا يعلم جهة الكعبة أو لا يقدر على استقبال الكعبة فانه يصلي بحسب امكانه الى أي جهة امكن وذكروا ايضا أنه نسخ ما تضمنته من تسويغ الاستقبال الى بيت المقدس كما كان ذلك قبل النسخ واذا كان هذا في القبلة المعروفة للصلوات التي يجب فيها استقبال قبلة معينة في الفريضة وفي التطوع في المقام فينبغي أن يكون في قبلة الدعاء اولى وأحرى فان الدعاء لا يجب فيه استقبال قبلة معينة باجماع المسلمين ولا يجب أن يستقبل القبلة المعروفة ولا أن يرفع يديه لا عند من يقول ان السماء والعرش قبلة الدعاء ولا عند من لا يقول بذلك واذا كان هذا لازما اقتضى جواز الاشارة في الدعاء الى غير فوق فيجب ان تجوز الاشارة بالأيدي حين الدعاء الى الأرض والتيامن والتياسر وقد تقدم قول من حكى اجماع المسلمين على خلاف ذلك وعلى تخطئة من يجوز ذلك كالقاضي ابي بكر وأيضا فمن المعلوم بالفطرة الضرورية أن احدا لا يقصد ذلك ولا يريده فعلم بطلان ما زعموه من كون العرش او السماء قبلة للدعاء # الوجه السادس وهو الوجه الخامس عشر أن القبلة ما يستقبله الانسان بوجهه وكذلك يسمى وجهة ووجها وجهة لاستقبال الانسان له بوجهه وتوجهه اليه كما قال تعالى ^ ولكل وجهة هو موليها ^ والاستقبال ضد الاستدبار فالقبلة ما يستقبله الانسان ولا يستدبره فأما ما يرفع الانسان اليه يده أو رأسه أو بصره فهذا باتفاق الناس لا يسمى قبلة لأن الانسان لم يستقبله كما لا يستدبر الجهة التي تقابله ومن استقبل شيئا فقد استدبر ما يقابله كما أن من استقبل الكعبة فقد استدبر ما يقابلها ومعلوم ان الداعي لا يكون مستقبلا للسماء ومستدبرا للأرض بل يكون مستقبلا لبعض الجهات اما القبلة او غيرها مستدبرا

# لما يقابلها كالمصلى فظهر ان جعل ذلك قبلة باطل في العقل واللغة والشرع بطلانا ظاهرا لكل أحد # الوجه السابع وهو السادس عشر ان القبلة امر يحتاج الى توقيف وسماع ليس في الفطرة والعقل ما يخص مكانا دون مكان باستقباله في الصلاة والدعاء او غير ذلك فلو كان الداعون انما يقصدون برفع أيديهم وابصارهم وغير ذلك استقبال بعض المخلوقات مثل العرش والسماء وغير ذلك من غير أن يكون الرفع الى الخالق تعالى لم يفعلوا ذلك الا عن توقيف وسماع ومن المعلوم أنهم يفعلون ذلك بفطرتهم وعقولهم من غير أن يوقفهم عليه احد ولا تلقوه عن أحد # الوجه الثامن وهو السابع عشر أن القبلة لا يجد الناس في أنفسهم معنى يطلب تعيينها ولا فرقا بين قبلة وقبلة ولهذا لما أمر المسلمون باستقبال المسجد الأقصى ثم امروا باستقبال المسجد الحرام كان هذا جميعه عندهم سائغا لا يجد المؤمنون في أنفسهم حرج من ذلك ولا تفريقا بينه فلو كان الرفع والتوجه الى جهة السماء لكونه قبلة لكان ذلك عند الناس مؤمنهم وغير مؤمنهم منزلة التيامن والتياسر والسفل والقفا ومن المعلوم أنهم يجدون في أنفسهم طلبا ضروريا لما فوق فهذه المعرفة والطلب الضروري الذي يجدونه يطلب العلو دون السفل يمنع أن يكون لكونه قبلة وضعية بل ذلك يقتضي ان المطللوب المدعو هناك كما يجدونه ايضا في أنفسهم ويقرون به بألسنتهم # الوجه التاسع وهو الوجه الثامن عشر أنه قد اعترف في نهايته بأن الناس انما يرفعون الى الله واعرض عن هذه الأجوبة الثلاثة التي ذكرها هنا وهو أن الرفع للجهة التي تتعلق بها منافعهم من الأنوار والأرزاق أو لمن فيها من الملائكة او لكون العرش قبلة الدعاء وذلك أنه قد علم علما يقينيا ان

# الخلائق انما يقصدون بالرفع الرفع الى الله لكن تكلم في المقدمة الثانية وهو ان ذلك يدل على علمهم الضروري بأن الذي يطلب منه تحصيل المطالب وتيسير العسير في تلك الجهة بما تقدم ذكره ونحن نتكلم عليه # الوجه التاسع عشر أن الاشارة مع العبارة هي لمن ذكر في العبارة سواء كان ذلك في الجمل الخبرية او الجمل الطلبية وسواء في ذلك الاشارة بلفظ هذا او نحوه من الفاظ الاشارة والفاظ الدعاء والنداء وذلك ان المتكلم اذا قال فعل هذا الرجل او هذا الرجل ينطلق او اكرم هذا الرجل ونحو ذلك فان العبارة وهي لفظ هذا يطابق ما يشير الله المتكلم ولهذا سمي النحاة هذه أسماء الاشارة وهذه الألفاظ بنفسها لا تعين المراد الا باشارة المتكلم الى المراد بها ولهذا من سمع هذا وذاك وهؤلاء و أولئك ولم يعرف الى اي شيء أشار المتكلم لم يفهم المراد بذلك فالدلالة على العين هي بمجموع اللفظ وبالاشارة اذ هذه الألفاظ ليست موضوعة لشيء بعينه وانما هي موضوع لجنس ما يشار اليه وأما تعيين المشار اليه فيكون بالإشارة مع اللفظ كما ان أداة أل التعريف موضوعة لما هو معروف من الأسماء أما كون الشيء معروفا فذاك يجب ان يكون معروفا بغير اللام اما بعلم متقدم او ذكر متقدم # وكذلك المعرف بالنداء فان النداء والدعاء من أسباب التعريف فالمنادى المعرفة يكون مفهوما وان كان نكرة كان منصوبا فاذا نادى المنادي رجلا مطلقا قال يا رجلا كقول الأعمى يا رجلا خذ بيدي ومن نادى رجلا بعينه قال يا رجل كقول موسى عليه السلام ثوبي حجر ثوبي حجر وهذا المنادى المعين يشير اليه الداعي المنادي فيقصده بعينه بخلاف المطلق الذي يدل عليه لفظ النكرة كقوله رجلا خذ بيدي فانه هنا لم يشر الى شيء بعينه فهذا التعريف

محمد الغماري
03 Apr 2010, 04:03 AM
# بالنداء انما هو يتعين في الباطن بقصد الداعي وفي الظاهر باشارته والمنادي الداعي ونحوه من ذوي الطلب والاستدعاء او المخبر المحدث قد يشير اشارة ظاهرة الى المنادي وغيره من المقصودين اما لتعريف المخاطبين اذا لم يعرفوا المعين الا بذلك مثل من ينادي رجلا بعينه في رجال فيقول يا رجل او يا هذا او يا زيد ويكون هناك جماعة اسمهم زيد ولا بد أن يشير اليه اما بتوجيه وجهه نحوه او بعينه او براسه أو يده أو غير ذلك وتارة يشير توكيدا وتحقيقا لخطابه وإذا كان متميزا بالاسم ولا يجوز ان يدعو احدا وتكون الاشارةخ الى غير من دعا فلا يجوز ان يقول يا زيد ويشير الى غير من قصده او يا هذا ويشير الى غير من قصده # فاذا قال الداعي اللهم وأشار برأسه او عينه او وجهه أو يده أو أصبعه لم تكن اشارته الا الى الله الذي دعاه وناداه وناجاه لا الى غيره اذ المدعو المنادى من شأن الداعي ان يشير اليه وليس هنا من يشير اليه الداعي بقوله اللهم او يا الله ونحو ذلك الا الله فهو الذي يشير اليه بباطنه وظاهره واشارته اليه بباطنه وظاهره هي قصده وصمده ذلك من معنى كونه صمدا اي يصمد العباد له واليه ببواطنهم وظواهرهم وهو من معنى كونه مقصودا مدعوا معبودا وهو من معنى الهيته فيدعونه ويقصدونه ببواطنهم وظواهرهم فكما لا يجوز ان يكون القصد بالقلب اذا قالوا يا الله لغيره بل هو المقصود بالباطن فكذلك هو ايضا المقصود بالظاهر اذا قالوا ي الله وأشاروا بظواهرهم بحركة ظاهرة بالاشارة اليه والتوجه نحوه وقصده كحركة بواطنهم بالاشارة اليه والتوجه نحوه وقصده لكن الظاهر تبع للباطن ومكمل له فمن دفع هذه الاشارة اليه فهو كدفع الاشارة اليه بالقلب وذلك دفع لقصده الدافع لدعائه المتضمن لدفع عبادته ولكونه صمدا

# فهؤلاء المعطلة حقيقة قولهم منع أن يكون صمدا مدعوا معبودا مقصودا كما أن حقيقة قولهم منع أن يكون في نفسه حقا صمدا موجودا فقولهم مستلزم لعدم نفسه وتعطيله ولعدم معرفته وعبادته وقصده وان كانوا من وجه آخر يقرون بوجوده وعبادته ودعائه وقصده اذ ليسوا معطلين مطلقا بل جامعين بين الاقرار والانكار والاثبات والنفي ولهذا كان أهل المعرفة بالله متفقين على أنه لا يتم معرفة عبد بربه ويتم قصده له وتوجهه اليه ودعاه له الا باقراره بأنه فوق العالم وأنه باقراره بذلك تثبت الالهية في قلبه ويصير له رب يعبده ويقصده وبدون ذلك لا يبقى قلبه مستقرا مطمئنا الى اله يعبده ويقصده بل يبقى عنده من الريب والاضطراب ما يجده من جرب قلبه في هذه الأسباب كما قال الشيخ ابو جعفر الهمداني ما قال عارف قط يا الله الا وجد في قلبه ضرورة تطلب العلو لا تلفت يمنة ولا يسرة # وكذلك المخاطب له بمثل قوله ^ اياك نعبد واياك نستعين ^ هو مثل الداعي بقوله ^ اهدنا الصراط المستقيم ^ فان الخطاب كله سواء كان بالأسماء المضمرة منفصلها ومتصلها مرفوعها ومنصوبها ومخفوضها كقوله انت ربي وأنا عبدك وقوله ^ اياك نعبد ^ وقوله اسلمت نفسي اليك ووجهت وجهي اليك وفوضت امري اليك وقوله خلقتني ورزقتني وقوله نستعينك ونستهديك ونستغفرك # الوجه العشرون أن كون الرب الها معبودا يستلزم أن يكون بجهة من عابده بالضرورة وذلك ان العبادة تتضمن قصد المعبود وارادته وتوجه القلب اليه وهذا امر يحسه الانسان من نفسه في جميع مراداته ومقصوداته ومطلوباته ومحبوباته التي قصدها وأحبها وطلبها دون قصده وحبه وطلبه للآلهة كما قال تعالى ^ ومن الناس من يتخذ من دون الله اندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ^

# والانسان يحس من نفسه أنه اذا قصد شيئا او احبه غير نفسه فلا بد وان يكون بجهة منه وانه اذا قيل له اقصد او اطلب او اعبد أو احب من لا يكون بجهة منك ولا هو فيك ولا فوقك ولا تحتك ولا أمامك ولا وراءك ولا عن يمينك ولا عن شمالك كان هذا امرا بالممتنع لذاته ليس هو امرا بممكن لا يطيقه والممتنع لذاته يمتنع الأمر الشرعي به باتفاق المسلمين ويكون حقيقة الأمر اعبد من يمتنع ان تعبد واقصد من يمتنع ان تقصد وادع من يمتنع ان يدعى ووجه وجهك الى من يمتنع التوجه اليه وهذا امر بالجمع بين النقيضين # وقد ذكرنا نظير هذا غير مرة وبينا ان قول الجهمية يستلزم الجمع بين النقيضين وان يكون موجودا معدوما معبودا غير معبود مأمورا بعبادته منهيا عنها فحقيقته امر بعبادة العدم المحض والنفي الصرف وترك عبادة الله سبحانه وهذا رأس الكفر وأصله وهو لازم لهم لزوما لا محيد عنه واذا كان فيه ايمان لا يقصد ذلك لكن الذي ابتدع هذا النفي ابتداءا وهو عالم بلوازمه كان من أعظم المنافقين الزنادقة المعطلين للصانع ولعبادته ودعائه # ولهذا تجد هذا السلب انما يقع كثيرا من متكلمي الجهمية الذين ليس فيهم عبادة لله ولا انابة اليه وتوجه اليه وان صلوا صلوا بقلوب غافة وان دعوه دعوه بقلوب لاهية لا تتحقق قصد المعبود المدعو فانها متى صدقت في العبادة والدعاء اضطرت الى قصد موجود يكون بجهة منها فتنتقل حينئذ الى حال عبادة الجهمية فتجعله في كل مكان او الوجود المطلق ويتوجه بقلبه الى الجهات الست فبينما كان في نفيه عن الجهات الست صار مثبتا له في الجهات الست وهذا حال الجهمية دائما يترددون بين هذا النفي العام المطلق وهذا الاثبات العام المطلق وهم في كلاهما حائرون ضالون لا يعرفون الرب الذي امروا بعبادته

# وكل من جرب نفسه وامتحنها من المؤمنين علم من نفسه علما يقينيا ضروريا يجده من نفسه كما يجد حبه وبغضه ورضاه وغضبه وفرحه وحزنه انه متى صدق في عبادة الله ودعائه والتوجه اليه بقلبه لزم ان يقصده بجهة منه فان كان على فطرته التي فطر عليها او ممن هو مع ذلك مؤمن بما جاءت به الرسل قصد الجهة العالية وان كان ممن غيرت فطرته قصد الجهات كلها وقصد كل موجود فلهذا قال الشيخ ابو جعفر الهمداني لأبي المعالي ما قال عارف قط ي الله الا وجد من قلبه ضرورة تطلب الجهة العالية لا تلتفت يمنة ولا يسرة # فتبين ان قوله ^ اياك نعبد واياك نستعين ^ بل وقوله ^ اهدنا الصراط المستقيم ^ لا يصدق في قول ذلك الا من يقر ان الله فوقه ومن لم يقر بذلك يكون فيه نفاق عنده قصد بلا مقصود وعبادة بلا معبود حقيقي وان كان مثبتا له من بعض الوجوه لكن قلبه لا يكون مطمئنا الى انه يعبده # يوضح ذلك ان عبادة القلب وقصده وتوجهه حركة منه وحركة الانسان بل كل جسم لا يكون الا في جهة اذ الحركة مستلزمة للجهة وتقدير متحرك بلا جهة كتقدير حركة بلا متحرك وهذا مما لا نزاع فيه بين العقلاء لكن غلاة المتفلسفة قد يزعمون ان القلب والروح ليس جسما وانه لا داخل البدن ولا خارجه وهذا معلوم فساده بالحس والعقل والسمع كما قد بيناه في غير هذا الموضع وغلاة المتكلمين يزعمون ان الروح انما هو عرض من اعراض البدن ليست شيئا ينمارق البدن ويقوم بنفسه وهذا ايضا فاسد في الشرع والعقل كما بيناه في غير هذا الموضع واذا عرف فساد القولين علم ان الروح التي فينا جسم يتحرك ثم نقول القلب الذي هو مضغة يحس الانسان من نفسه بصمود وارتفاعه الى فوق عند اضطراره الى الله تعالى

# الوجه الحادي والعشرون قوله في نهايته الاشارة الى فوق سببها الالف والعادة وجريان الناس على ذلك وقد ذكر مستند هذه العادة أنه مستند فاسد # يقال هذه المقدمة تقرر بوجوه # احدها ان ذلك يستلزم علما ضروريا بأن مدعوهم فوق كما تقدم من انهم يجدون هذا العلم الفطري الضروري وانهم يخبرون بألسنتهم انهم يجدونه وان افعالهم واقوالهم تدل على انهم يجدونه وهذا العلم يلزم نفوسهم لزوما لا يمكنهم الانفكاك عنه اعظم من لزوم العلم الضروري بالأمور الحسابية والطبيعية مثل كون الواحد ثلث الثلاثة وان الجسم لا يجتمع في مكانين وذلك ان ذلك علم مجرد ليسوا مضطرين اليه بل قد لا يخطر ذلك ببال احدهم وأما هذا العلم فهم مع كونهم مضطرين اليه هم مضطرون الى موجبه ومقتضاه وهو الدعاء والسؤال والذل والخضوع للمدعو المعبود الذي هو فوق فهم مضطرون الى العلم والى العمل الذي يتبع هذا العلم وهو السؤال والطلب وان كان فيهم من يكون عند ظنه الاستغناء ويحمله الاستكبار على الأعراض عن هذا العلم والاعتراف والطلب والارادة والدعاء او يحمله عليه اعتقاد فاسد او عادة فاسدة فهذا لا يخرجه عن ان يكون ضروريا فان هذا من اعظم السفسطة التي يدعو اليها أهل التقليد للآباء وطلب العلو والفساد في الأرض ومن المعلوم انه مع قوة الصارف المعارض للداعي لا يكون حاله كحال الداعي الذي لم يعارضه صارف # وما ذكر من مبادىء العلم الحسابي والطبيعي كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين وان الجسم لا يكون في مكانين ونحو ذلك ليس الداعي الى هذا العلم قويا في النفوس ولا الصارف عنه قويا في النفس ولهذا تجد عامة من يصير هذا العلم

# قائما بنفسه من عنده نوع نظر وبحث فيما يتعلق بذلك وتجد الحاجة لمثل هذا النوع فساد خاص في عقله او غرض خاص وأما العلم الالهي فهو أجل واشرف فانه ضروري لبني آدم علما وارادة فطروا على ذلك موجود هذا العلم والأرادة الضروريتين في أنفسهم اكثر وأكثر من وجود ذلك والمعارض لهذا لا بد وأن يكون قويا اما اعتقاد فاسد كاعتقاد الجهمية المتأولين الذين لم يكابروا العقل وليس لهم غرض في خلاف الدين واما ارادة فاسدة قوية كارادة فرعون وقومه الذين قال الله فيهم ^ وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ^ وقال له موسى ^ لقد علمت ما أنزل هؤلاء الا رب السموات والأرض بصائر ^ وهذه الارادة الفاسدة هي الهوى الذي يصد عن معرفة الحق وهو مرض في القلب يمنعه ما فطر عليه من صحة الادراك والحركة كما يمنع مرض العين ما فطرت عليه من صحة الادراك والحركة وكذلك المرض في سائر الأعضاء فهؤلاء الذين لا يجدون في انفسهم علما ضروريا وقصدا ضروريا لمن هو فوق العالم قد مرضت قلوبهم وفسدت فطرتهم ففسد احساسهم الباطن كما يفسد الاحساس الظاهر مثل المرة التي تفسد الذوق والحول والعشي الذي يفسد البصر وغير ذلك ولهذا انما يكون الاعتبار في هذا بذوي الفطر السليمة من الفساد والاحالة # فان قيل قد تكرر ما ذكرتموه من كون الناس مضطرين الى الاقرار بأن صانع العالم فوق ولا ريب ان هذا قد قاله طوائف كثيرة من أهل الكلام والحديث والفقه والتصوف وهو من أشهر حججهم وادلتهم عند خاصتهم وعامتهم لكن هذا مستلزم أن يكون الاقرار بالصانع فطريا ضروريا فانه اذا كان الاقرار بعلوه فطريا ضرويا فالاقرار به نفسه اولى ان يكون فطريا ضروريا لان العلم بالموصوف لا يجوز أن يتأخر عن العلم بالصفةخ والعلم بالقضية المرادية

# لا يجوز ان يتأخر عن العلم بفردها فاذا كان العلم بمضمون قولنا هو فوق علما ضروريا فالعلم به وبمعنى فوق أولى أن يكون ضروريا وليس الأمر كذلك فان الأقرار بالصانع انما هو معلو بالنظر والاستدلال كا هو مشهور عند العلماء النظار ولهذا تنازعوا في اول الواجبات هل العل نفسه او النظر المفضي اليه على قولين وان كان النزاع قد يقال انه لفظي لكون العلم واجبا لنفسه والنظر واجبا وجوب الوسائل التي تجب لغيرها وهذا نزاع مشهور في عامة الطوائف وهو قولان لاصحاب الامام احمد وغيرهم # قيل له من الناس من قد يقول في مثل هذا أن العلم بالتصديق والقضية المؤلفة اذا كان بديهيا ضروريا فقد يكون ذلك لكون تصور المفردين بديهيا وهذا هو البديهي تصورا وتصديقا وقد يكون تصور المفردين كسبيا نظريا ولكن بعد حصول تصورهما يكون العلم بنسبة احدهما الى الأخر بديهيا ضروريا لا يفتقر الى وسط بينهما يكون دليلا على المطلوب واذا كان كذلك لم يجب اذا كان العلم بأنه فوق بديهي ضروري أن يكون العلم بمعناه وبمعنى فوق بديهيا ضروريا لكن هذا القول لم يجب به لأن القائلين بأن العلم بهذا بديهي ضروري قالوا انه فطري لبني آدم بدون نظر قياسي يكون سابقا على هذا العلم فهم جعلوه من الفطري الضروري البديهي المطلق # ولأن البديهي للتصديق دون التصور انما يقف على ما يحصل به تصور المفردين لا يقف على ما يحصل به وجود المفردين في الخارج فهب أن العلم بمسمى اسم الله فطري لكن العلم بوجوده هو أيضا علم بتصديق كالعلم بعلوه ولأن دعوى كون التصور مطلوبا يعلم بالحدود باطل كما بيناه في غير هذا الموضع

# وبيتا ان الحدود لا تفيد الا لتمييز بين المحدود وغيره لا تفيد المستمع تصور ما لم يتصوره بدونها وأن التصورات لو لم تعلم الا بالحدود لأفضى الى الدور ولأن الحاد يجب أن يتصور المحدود قبل أن يحده وان الحد من باب الاقوال والعبارة والقول لا يفيد المستمع ان لم يكن متصورا لمفردات الكلام قبل ذلك بنفسها او بنظيرها اذ العلم بالمعنى الذي قصده المخاطب يفتقر الى العلم بأن اللفظ دال على المعنى موضوع له والعلم بكون اللفظ موضوعا للمعنى يقف على العلم بالمعنى وباللفظ فلا يجوز ان يكون تصور ذلك المعنى مستفادا من اللفظ الذي لا يدل الا بعد أن يعلم المعنى وأن اللفظ موضوع له ودال عليه ولان المعرف للمفرد بالقول اما أن يعرفه بلفظ مفرد مطابق له وهو الاسم او يعرفه بذكر صفة مخصوصة به ولفظ تلك الصفة بمنزلة الاسم في العموم والخصوص كالناطق والانسان واما أن يعرفه بذكر الخاص بعد العام فتصور العام وشموله لتلك الأفراد مسبوق بتصور تلك الأفراد فلو كان تصور تلك الأفراد مستفادا من العام لزم الدور اذ علم المتكلم والمستمع بأن الانسان حيوان مسبوق بتصور الانسان والحيوان اذ لا يعلم أن الانسان حيوان الا من يعلم الانسان ولا يعلم ان الحيوان جسم الا من يعلم الحيوان والجسم فلو كانت معرفة الانسان لا تستفاد الا بعد معرفة الحيوان ومعرفة الحيوان لا تعلم الا بعد معرفة مفرداته التي يوصف بها لزم الدور وذلك أن الأجناس الكلية لا وجود لها كلية الا في الأذهان والذهن انما يجردها اذا أحس بها معينة موجودة مشخصة في الخارج لكن يقال انه قد ينتزعها من بعض الأعيان مثل ان يتصور الحيوان من جهة معرفته بالفرس ولا يتصور كون الانسان هو أيضا كذلك فيقال له ذلك المعنى الذي يوصف به الفرس يكون نظيره للأمر الذي يحد لك وهو الانسان لكن هذا أيضا يلزم الدور فانه ليس علم الانسان بانطباق بعض الانواع بأنه حيوان أولي من العلم بانصاف النوع الآخر به

# وأهل هذه الحدود لا يقولون المحدود هو نوع الانسان دون الفرس ولا بالعكس بل الحدود لهذه الأنواع كلها سواء بل علم الانسان عندهم بنفسه وبنوعه وبصفاته هي عنده اسبق واظهر من علمه بصفات غيره ن الأنواع وبالجملة فليس موضع هذا وانما المقصود هنا أنا لا نجيب بذلك الجواب بل نقول هب أن العلم بأنه فوق اذا كان فطريا ضرويا أولى فأي محذور في ذلك # قوله المشهور عند النظار أن العلم بالصانع انما يحصل بالنظر والاستدلال وهو ترتيب الأقيسة العقلية # يقال له ليس هذا قول أحد من سلف الأمة ولا ائمتها ولا قاله أحد من الأنبياء والمرسلين ولا هو قول كل المتكلمين ولا غالبهم بل هذا قول محدث في الاسلام ابتدعه متكلمو المعتزلة ونحوهم من المتكلمين الذين اتفق سلف الأمة وأئمتها على ذمهم وقد نازعهم في ذلك طوائف من المتكلمين من المرجئة والشيعة وغيرهم وقالوا بل الاقرار بالصانع فطري ضروري بديهي لا يجب ان يتوقف على النظر والاستدلال بل قد يقولون يمتنع ان يحصل بالقياس والنظر وهذا قول جماهير الفقهاء والصوفية واهل الحديث والعامة وغيرهم بل قد اتفق سلف الأمة وأئمتها على ان معرفة الله والاقرار به لا يقف على هذه الطرق التي يذكرها اهل طريقة النظر بل بعض هذه الطرق لا تفيد عندهم المعرفة فضلا عن أن يكون الله لا يقر به مقر ولا يعرفه عارف الا بالطريقة المشهورة له من اثبات حدوث العالم بحدوث صفاته مع دعواهم أن الله لا يعرف الا بهذه الطريقة وهذه مسألة عظيمة ليس هذا موضع بسطها وقد بسطناها في غير هذا الموضع # وياق ان أصل المعرفة والاقرار بالصانع لا يقف على النظر والاستدلال بل يحصل بديهة وضرورة ولهذا يقر بالصانع جميع الأمم مع عظيم شركهم

# وكفرهم وأنهم لا يسلكون من هذه الطرق المشهورة عند النظار مثل الاستدلال بالحدوث على المحدث وبالامكان على الواجب ولهذا يوجد له عند كل أمة اسم يسمونه والتسمية مسبوقة بالتصور فلا يسمى أحد الا ما عرفه ثم المستمع لذلك الاسم يقبل بفطرته ثبوت المسمى به من غير طلب حجة على وجوده ويكون قبولها لذلك كقبولها لأسماء سائر ما أدركه بحسه وعقله مثل الشمس والقمر والواحد والاثنين بل هذا أكمل واشرف ودلائل هذا كثيرة ليس هذا موضعها # ومع هذا فالطرق النظرية تفيد العلم والمعرفة ولا منافاة بين كون الشيء يعلم بالبديهة والضرورة ويكون عليه أدلة وهي نوعان # احدهما الآيات كما يذكر الله ذلك في القرآن والآية هي دليل عليه بعينه لا تدل على قدر مشترك بينه وبين غيره منفس الكائنات وما فيها وهو عين وجودها في الخارج مستلزم لوجود الرب وهو آية له ودليل عليه وشاهد بوجوده بعينه لا قدر مشترك بينه وبين غيره # الثاني ضرب الأمثال والقياس وهو نوعان أحدهما قياس الأولى والأخرى فهذا أيضا مما يذكره الله في القرآن لكن عامة ما يستعمل هذا في صفاته كاثبات وحدانيته في الهيته وقدرته ونحو ذلك # والثاني الأقيسة المطلقة اقيسة الشمول المنطقية واقيسة التمثيل وهذه التي يسلكها هؤلاء النظار المتكلمون من المتفسلفة ومتكلمي أهل الملل وهي اضعف الطرق وأقلها فائدة وطريقة المتكلمين أجود فانهم يثبتون بها ان للعالم محدثا وأما المتفلسفة فما يثبتون أولا الا وجودا واجبا ليس فيه انه صانع العالم ولا باريه ثم ان كلا من الصنفين لا بد أن يستعمل طريقته قضية كلية مثل

# قول أولئك العالم محدث او العالم فيه حوادث من جواهر وصفات وغير ذلك وكل محدث فلا بد له من محدث فان هذه قضية كلية وهي مع كونها معلومة بالبديهة والضرورة فقد يثبتها كثير من المعتزلة بقياس التمثيل وهو القياس على محدثات الآدمي من الدور والبنيان # ومن المعلوم أن علم الانسان بأن كل محدث لا بد له من محدث هو علم يندرج فيه أن هذا المحدث لا بد له من محدث وهذا المحدث لا بد له من محدث ومن المعلوم أن علمه بهذه الأفراد المعينة أسبق الى حسه وعقله من علمه بهذه القضية الكلية العامة كما في نظائر ذلك كما أن علمه هذا الانسان يحس ويلتذ ويتألم قبل علمه بأن كل انسان يحس ويلتذ ويتألم اذ الأمور الموجودة الحسية يكون العلم بها قبل أن يعقل عامة كلية واذا كان كذلك فعلم الانسان بأن هذا المحدث الذي علم حدوثه كما يشهده من الحوادث او يعلم حدوثه بدليل او قياس علمه بأن هذا المحدث لا بد له من محدث لا يحتاج الى أن يعلم قبل ذلك أن كل محدث فلا بد له من محدث فلا يحتاج في العلم بالمحدث الى هذه القضية الكلية والقياس المشتمل عليها وان كان ذلك أيضا من جملة الأقيسة والأمثال المضروبة التي يثبت بها ذلك لكن ينبغي أن يكون على وجه أالأولى بأن يقال اذا كان هذا المحدث الصغير لا بدل له محدث فهذا المحدث الكبير أولى # وأيضا فنحن لم نشهد محدثا تاما مطلقا اذ لا محدث تام على الحقيقة الا الله سبحانه فظن من ظن من المعتزلة أنه انما يعرف ان المحدث يفتقر الى محدث الا بالقياس على احداث الآدميين غلط وذلك أن حكم الاصل أضعف من حكم الفرع فان الانسان وان زعموا انه يحدث تصرفاته فلا ريب انه يفتقر فيما يبنيه وينسجه الى آلة خارجة عن قدرته فليس هو نظير حكم الفرع بل يستعمل قياس الأولى ليعلم ان حكم الفرع أقوى وأحق

# وكذلك قول القائل ان الممكن لا يترجح أحد طرفيه على الآخر الا بمرجح قضية كلية مضمونها أن جميع الممكنات وهي التي لا تستحق بنفسها الوجود ولا يمتنع عليها العدم فلا تكون موجوده الا بمرجح لكن العلم بها ليس باسبق ولا بأظهر من العلم بافرادها فان الانسان متى تصور أن الشيء الفلاني لا يستحق الوجود في نفسه ولا يمتنع أن ذلك الشيء الفلاني لا يوجد بنفسه بل نفس تصور الممكن يوجب هذا العلم فانه اذا قيل الشيء يجوز وجوده من غيره والشان انما هو في تعيين الأمور التي هي ممكنة وهذا قد يعلم بالحدوث المشهود او المستدل عليه فتكون طريقتهم تابعة لطريقة الأولين واما علم ذلك بغير هذه الطريق ففيها من الخفاء والنزاع ما ليس هذا موضعه # ولهذا كثر في هؤلاء من يجحد الصانع مع اقراره بوجود واجب ثم مع ذلك فأؤلئك انما يستفيدون بطريقهم العلم بالقدر المشترك بينه وبين سائر المحدثين اذ القضية الكلية لا تدل الا على القدر المشترك فيكونوا قد علموا من احداثه ما علموه من احداث سائر الحيوانات حتى البعوضة ومعلوم أن هذا علم قليل نزر بما يستحقه الرب ولم يعلموا من احداث ربهم الا ما اشركوا به فيه جميع الحيوانات فيكونون أبعد عن معرفة الله تعالى من المشركين الذين قال فيهم ^ وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون ^ # ونحن نعلم أن المحدث تعظم قدرته وفعله الأمر المحدث كما يعلم أن باني الدار العظيمة وناسج الثوب العظيم اعظم من باني الدار الصغيرة وناسج الثوب الصغير لكن القضية الكلية التي ذكروها تفيد أنه أعظم من سائر المحدثين

بقدر عظمة العالم على جميع مصنوعات اولئك وهذا بعض ما يستحقه الرب من التعظيم وعدم المماثلة لكن نفس الاحداث ايضا فيه من التفاوت اعظم من هذا التفاوت فما احدثه الرب وان كان اعظم فنفس احداثه ايضا اعظم وهو ليس من جنس احداث المخلوقين وما ذكروه من القياس لا يفيد هذا الا بدليل آخر اذ القضية الكلية لا تدل الا على القدر المشترك ثم قياسهم يدل على ذات ما موصوفة بهذاه الاحداث # ففي الجملة ليس في هذا القياس علم بخصوص الربوبية ولهذا كان ما ورد به القرآن من كونه رب العالمين وخالق كل شيء ونحو ذلك له من الربوبية على هذا ما لم يتسع هذا الموضع لذكره اذ غيره ليس ربا مطلقا ولا خالقا مطلقا ايضا فكان ما اثبته له من فعل العالم أثبته على الوجه المختص به لم يثبته باسم لا يفيد الا القدر المشترك كما فعله هؤلاء الذين قاسوا احداثه على احداثهم وأما الآخرون فانما يستفيدون الاقرار بوجود واجب الوجود قدرمشترك بينه وبين سائر الموجودات فكان معلوم هذا أبعد عن معرفة الله وما يخصه من معلوم اولئك اذ كونه محدثا فيه تعرض لربوبيته وفعله وان كانوا قد اشركوا بينه وبين الحيوانات وأما هؤلاء فانهم اشركوا بينه وبين سائر الموجودات باثبات وجوده ثم تمييزه بكون وجوده واجبا كتميز أولئك بأنه محدث العالم ولا ريب أن تمييز هؤلاء اجود فان كونه محدث العالم مستلزم غناه ووجوده بنفسه وأما العلم بمجرد كونه موجودا بنفسه فلا يفيد العلم بأنه صانع العالم ولا بأنه رب السموات والأرض ولا يفيد أيضا العلم بمغايرته لشيء من الموجودات التي لم يعلم حدوثها اذ كون وجوده واجبا لا ينفي بنفسه أن يكون بعض الذوات التي ليست محدثة ثم اذا قرروا أن الاجسام كلها ممكنة أو أن السموات والأرض كلها ممكنة وواجب الوجود غيرها او قرروا أن واجب الوجود

# لا يكون اثنين لم يستفيدوا بذلك الا مجرد ان الوجود المشترك بينه وبين غيره وجد بنفسه ولم يحتج الى فاعل فيكونون قد مثلوه بسائر الموجودات ولكن فرقوا بينه وبينها بالغنى عن الغير فقط وهذا الوصف قد يزعمون انه عدمي وقد يزعمون أنه اضافي وعلى هذين التقديرين فلا يكونون اثبتوا لرب العالمين الا ما أثبتوه لسائر الموجودات وهذا يجمع كل شرك في العالمين وان زعموا أنه ثبوتي نقضوا ما أثبتوه وحده واجب الوجود بحيث اثبتوا لواجب الوجود امرين ثبوتيين وهذا باب واسع يطول الكلام فيه # فظهر أن قيستهم قد يستغنى عنها كما قد يتفطن بها بعض الناس لما كان ذاهلا عنه لكن مع امكان ان يتفطن بدونها ومع ذلك فلا تفيد المعرفة الضرورية التي تحصل بالفطرة او بالآيات او بقياس الأولى فضلا عن أن تفيد المعرفة التي تحصل بعد ذلك بالشرعة لكن تفيد نوعا من المعرفة الفاجرة وتبطل ما يقابل ذلك من النكرة والجهل والكفر فتثبت شيئا من الاقرار بالصانع وتمنع شيئا من الانكار له وأما أن تفيد ما تفيده الآيات المشهوده والمسموعة وما في ضمن ذلك من الأمثال المضروبة التي مبناها على ألأولوية # وقد نقلوا عن أساطين الفلاسفة القدماء انهم قالوا العلم الالهي لا سبيل فيه الى اليقين وانما نتكلم بالأولى والأخلق والأحرى وحملوا ذلك على أنهم ارادوا انه ليس فيه الا الظن الغالب فان كانوا ارادوا هذا فناهيك بهذا الافلاس من معرفة الله تعالى ولكن يحتمل أنهم ارادوا أن اليقين الذي يستفاد بالمقاييس الشمولية والتمثيلية المستعملة في الموجودات لا توجد في حق الله تعالى لكن هؤلاء احق واولى واحرى بما يثبت من صفات الكمال وبما ينفي من صفات النقص

# ومعلوم ان ذلك الرجحان والفضل غير معلوم قدره ووصفه بالقياس فحينئذ لا لنا سبيل الى اليقين بالحقيقة التي دل عليها القياس العقلي فهذا ان أرادوه فهو جيد لهم ومن قال ذلك فقد قال الحق واعطى النظر القياسي حقه اذ لا يمكن به في معرفة الربوبية غير هذا او هو معرفة مجملة غير مفصلة # وبكل حال فقد لا يحتاج الى هذه الطرق النظرية استغني عنها بالفطرة البديهية الضرورية عاما وخاصا وبالآيات المشهودة والمسموعة وعلم جماهير الخلق من هذا الباب وهو اثبت وأرسخ من علم أؤلئك فان أولئك عندهم من الشك والارتياب وأنواع التلون والاضطراب مالا يوجد عند عامة هؤلاء فضلا عمن كان من ذوي الالباب والآيات لا يحتاج فيها الى القياس كما أن الشعاع آية على الشمس وليس ذلك بقياس الشمس على غيرها من المؤثرات وبقياس الشعاع على غيره من الآثار بل عند الناس علم فطري بالحس والعقل أن نفس الشعاع مستلزم للشمس على وجه لا يشرك الشمس في ذلك غيرها وما من مخلوق الا وهو نفسه آية على خالقه على وجه لا يشركه فيه غيره كما قيل % وفي كل شيء له آية % تدل على أنه واحد %
# لكن الكلام في هذا يحتاج الى بسط طويل ليس هذا موضعه # وانما الغرض التنبيه على أن ما ذكره اهل الاثبات من اقرار العباد بفطرهم أن ربهم فوقهم اذا كان مستلزما لاقرارهم بربهم بفطرهم وان الاقرار به فطري فليس في لزوم ذلك شيء من الاستبعاد اذ على القول بذلك جماهير اصناف العباد وانما يستبعد ذلك من غير متبدعة المتكلمين فطرته وسلكوا به في مسالكهم الحرجة الضيقة وأوهموه أنهم العارفون بالحجة والدليل دون الأولين والآخرين من كل صنف وجيل وهذا كما تزعمه القرامطة الباطنية انهم خلاصة أهل

محمد الغماري
03 Apr 2010, 04:04 AM
# المعرفة والتحقيق دون من لم يسلك هذه الطريق ويزعم الاتحادية انهم خلاصة الخاصة من أهل الله دون سائر عباد الله ويزعم الرافضة انهم هم أولياء الله المتقون فدعاوى هؤلاء المتكلمين ودعاوي الرافضة والاتحادية والقرامطة والباطنية هي من دعاوي شر البرية فالحمد لله الذي هدانا بالاسلام ومن علينا بالقرآن وارسل الينا رسولا من انفسنا يتلو علينا آياته ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة ةوان كنا من قبل لفي ضلال مبين # والله سبحانه فطر عباده على شيئين اقرار قلوبهم به علما وعلى محبته والخضوع له عملا وعبادة واستعانة فهم مفطرون على العلم به والعمل له وهو الاسلام الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة وفي رواية على هذه الفطرة وفي الصحيحين عن الزهري عن ابي سلمة عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم # ما من مولود الا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه او ينصرانه او يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ثم يقول ابو هريرة فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم واخرجاه من حديث همام عن ابي هيريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم # قال من يولد يولد على هذه الفطرة فابواه يهودانه او ينصرانه كما تنتجون الابل هل تجدون فيها من جدعاء حتى تكونوا انتم تجدعونها قالوا يا رسول الله أرأيت من يموت صغيرا قال الله اعلم بما كانوا عاملين وروي البخاري من حديث شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال نصلي على كل مولود يتوفى وان كان لعنة من أجل أنه ولد على فطرة الاسلام يدعي أبواه الاسلام أو أبوه خاصة وان كانت أمه على غير الاسلام واذا استهل صارخا ولا نصلى على من لم يستهل من أجل انه سقط فان ابا هريرة كان يحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من مولود الا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه او ينصرانه

# او يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيتمه جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ثم يقول أبو هريرة فطرة الله التي فطر الناس عليها أخرجه البخاري من هذا الوجه وان كان منقطعا لما فيه من كلام الزهري الذي فيه تفسير الحديث بأنه على فطرة الاسلام والبخاري قد أخرجه متصلا من حديث يونس عن الزهري عن ابي هريرة كما تقدم وأخرجه مسلم من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة بنحوه وفي آخره ثم يقول أبو هريرة اقرؤا ان شئتم فطرة الله التي فطر الناس عليها وأخرجه مسلم من حديث الاعمش عن أبي صالح عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مولود الا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويشركانه فقال رجل يا رسول الله أرأيت لو مات قبل ذلك قال الله أعلم بما كانوا عاملين وفي رواية ابن نمير عن الأعمش # ما من مولود يولد الا وهو على الملة وفي رواية أبي معاوية عن الأعمش # الا على هذه الملة حتى يبين عنه لسانه لفظ ابن ابي شيبة عنه ولفظ ابي كريب عن ابي معاوية ليس من مولود ولد الا على الفطرة حتى يعبر عنه لسانه ورواه مسلم من حديث الدراوردي عن العلاء بن عبد الرحمن عن ابيه عن ابي هريرة # قال كل انسان تلده أمه على الفطرة وأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه فان كانا مسلمين فمسلم كل انسان تلده امه يلكزه الشيطان في حضنيه الا مريم وابنها # وأعلم أن المتكلمين يحكون هذا القول عمن يذكرونه من أهل الحديث وأهل الكلام لكن يزعمون أن الأكثرين على قولهم بأن الاقرار بالصانع نظري ونقلهم ذلك بحسب ما يحكونه كما نقل هذا الرازي عن أكثر أهل التوحيد انكار أن يكون الله فوق العرش ونقل عن اكثر المسلمين انكار

# النفس وأنه لا يعاد الا البدن بل ذكر من نقل اجماع الصحابة على أن الله يغنى جميع الأجسام ولم يجزم بنفي ذلك وأمثال هذه النقول التي ينقلونها بحسب ما عندهم # واعجب من ذلك أن كثيرا منهم يظن أن هذا مما لا خلاف فيه بل القول بأن معرفة الله التي هي الاقرار بالصانع لا تحصل الا بالنظر متفق عليه بين النظار فاذا ذكر له أن في ذلك خلافا بين أهل الكلام بعضهم مع بعض تعجب من ذلك وذلك لأن من سلك طريقة من هذه الطرائق لا يكاد يعرف غيرها فلهذا تجد في كتب أهل الكلام مما يدل على غاية الجهل بما قاله الرسول والصحابة والتابعون وأئمة الاسلام مما يوجب أن يقال كأن هؤلاء نشؤوا في غير ديار الاسلام ولا ريب أنهم نشؤا بين من لم يعرف العلوم الاسلامية حتى صار المعروف عندهم منكرا والمنكر معروفا ولبسهم فتن ربي فيها الصغير وهرم فيها الكبير وبدلت السنة بالبدعة والحق بالباطل # ولهذا أنا أنقل من مقالات كبارهم حكاية الخلاف في ذلك ليستأنس بذلك من يعتمد على نقلهم وان كان في ذلك النقل من التحريف ما فيه كما ذكره الاستاذ أبو اسحاق الاسفرائيني في بيان ما يدرك عقلا وما لا يدرك عقلا قال قال أهل الحق العلم والعقل واحد واختلاف الناس في العقول لكثرة العلوم وقلتها واذا كمل عقل الانسان وسلم من الآفة أمكنه الاستدلال بما وجد من الأفعال على حدوث العالم اذ في مجرد العقول ادلة عليه وعلى افتقاره الى محدث احدثه وفيها أدلة على قدم محدثه وأوصافه التي تدل عليها أفعاله وما يجوز منه ويستحيل عليه ونفي ما يدل على حدوثه عنه وجواز وصفه بالقدرة عليه وغير ذلك من المسائل التي لا تتعلق بحقيقة شرع يرد فيه فان لصانع العالم أن يبعث الرسل ويأمر الخلق بالشرائع تعبدا وله أن لا يبعثهم ولا يكلفهم استغناءا

# وليس في العقول بمجردها أدلة على تغيير الشرائع وايجاب العادات وكيفية العقود قال وعلى ذلك أكثر أهل القبلة الا في قولهم ان له سبحانه أن لا يبعث الرسل فانه تحيله القدرية أو بعضهم على تفصيل له رمزنا اليه كما تقدم # قال فزعمت طائفة من مقلدي أصحاب الحديث وفرقة من نظارهم وجماعة من المعتزلة أن المعرفة بالمحدث وحاجته الى المحدث من طريق الضرورة وورود الرسول بايجاب الاقرار وبيان الشرائع وقال جمهور أهل الحق ان المعرفة من طريق الدلالة قالوا وفي العقل دليل على أنه لا يجب على العاقل الاستدلال عليه ولا يجب شكر الخالق قبل الشرع ولا يجب ترك الظلم من جهة الصانع على معنى أنه يستحق منه العقوبة أو اللوم قال وزعمت القدرية أن الاستدلال على حدوث العالم وقدم الصانع صانعه وأوصافه والشكر له بعد معرفته وترك الظلم من جهته واجب عليه بمجرد فعله ووردت الرسل بتأكيد ما فيه الى ما في عقله ايجابه وربما يكون ورود الشرع لطفا لبعضهم لكون الايمان عنده وذكر تمام الكلام # قلت فقد ظهر بذلك أن مراده بأهل الحق هم أصحابه وكذلك عادة أبي المعالي اذا قال قال أهل الحق فهم أصحابه وهذا مما يقوله كثير من الناس في خطابه وهو من باب اخبار الرجل عن اعتقاده اذ كل أحد يمكنه أن يقول عن طائفته ذلك يعرفهم بهذا التعريف والغرض أنما ذكره من أن المعرفة من طريق الدلالة ذكره عن جمهورهم لا عن جمهور المسلمين وأما قوله ابتداءا على هذا أكثر أهل القبلة فانه يعني به عن المتكلمين الذين هم عنده علماء أهل القبلة كاصحابه المعتزلة ونحوهم وان لم يحمل على ذلك والا كان كذبا صريحا فان هذا الكلام الذي ذكره لا يقدر هو ولا غيره أن ينقله لا بلفظه ولا بمعناه عن امام من أئمة المسلمين لا أئمة العلم ولا أئمة العبادة ولا عن أحد من سلف الأمة

# ولا عن أحد له في الأمة لسان صدق عام بل كلام هؤلاء كله صريح في انكار ما أوجبه هؤلاء وجعلوه طريقة المعرفة حتى الأشعري بنفسه قد ذكر اجماع السلف على ذلك كما في رسالته الى أهل الثغر بيان الأبواب كما قد حكينا لفظه عند احتجاج المنازع بالحركة ونحوها كما تقدم # نقول الوجه الثاني في تقرير المقدمة المذكورة أن يقال اجماع المسلمين حجة فكيف باجماع جميع الأمم من المسلمين واليهود والنصارى والمشركين وغيرهم فمن اعتقد ان الأمم المختلفة الملل والأجناس اذا اجتمعت على مثل هذا الأمر من غير أن يجمعها عليه جامع خاص تكون مخطئة فلا ريب أنه مع كونه قد قدح في اجماع المسلمين مصاب في عقله كما هو مصاب في دينه حيث جوز أن يكون الأولون والآخرون مخطئين وهو المصيب وصار هذا بمنزلة ان يخبر جميع الناس بأنهم رأوا الهلال ويقول بعض الناس ان حسهم غلط ولا هلال هناك او يخبر جميع الناس برؤية شيء من الكواكب أو سماع شيء من الأصوات او ذوق شيء من المطعومات ويطعن طاعن فيما يخبر به أصناف الأمم من ذلك فان هذا من اعظم السفسطة وفساد العقل الوجه الثالث أن من المجمعين على ذلك الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين فانه قد تواتر عنهم رفع الأيدي في الدعاء فان كان مستند ذلك عادة فاسدة أصلها اعتقاد فاسد كان الأنبياء قد وافقوا الناس على الدين الفاسد والاعتقاد الفاسد في الله تعالى وهذا من أعظم الكفر # الوجه الرابع أن القدح في هذا مستلزم القدح في جميع العلوم والمعارف فانه اذا جوز ان يكون الناس كلهم مخطئين فيما يجدونه في قلوبهم من هذه المعرفة والقصد الضروريين كان القدح في سائر العلوم الضرورية أولى وحينئذ فيبطل جميع

# ما يقوله المتكلمون من القدح في هذا والانتصار لضده اذ غايتهم أن يبنو ذلك على مقدمات ضرورية # الوجه الثالث والعشرون ان يقال لا نسلم أن سبب اشارة الناس الى فوق فوق هو ما ذكره ولم يذكر على ذلك حجة بل ادعاه دعوى مجردة فقال سبب ذلك الالف والعادة فانهم ما شاهدوا عالما قادرا حيا الا جسما فيسبق الى الوهم ان من يدعا عالما قادرا حيا على ما يشاهده عليه الأحياء القادرين ويتبع ذلك أنه في مكان ولأن العلو اشرف فيسبق الى وهم الداعي ان من يعتقد عظمته اذا كان في جهة وجب ان يكون في جهة العلو فمسبب هذه الأمور وأمثالها وقعت الاشارة الى السماء ثم ان الاخلاف أخذوا ذلك عن الأسلاف مع مشاركتهم لهم في هذا التخيل فظهر أن سبب ذلك الالف ولا يكون صوابا # فيقال له هذا الذي قلته مجرد دعوى لم تذكر عليه حجة وما ذكرته من التمثيل بالأسود والعربية انما غايته تجويز ان يكون للانسان اعتقاد غير مطابق سببه ذلك فلم قلت ان هذا من ذاك وهذا بمنزلة أن يقال هؤلاء غلطوا في وجدهم طعم هذه الفاكهة مرا لأن المرور يجد طعم الحلو مرا او غلطوا في رؤيتهم لهذين الشخصين لأن الأحول يرى الواحد اثنين فيقال له هب أن الحس يغلط لفساد يعرض له فلم قلت ان حس هؤلاء مع كثرتهم قد غلط لفساد عرض له واعجب من ذلك قوله فظهر أن سبب ذلك الالف ولم يظهر شيئا من ذلك الا أنه ظهر أنه ادعى ذلك وظهور كونه ادعاه غير ظهور صحة دعواه # الوجه الرابع والعشرون أن يقال هب أن سبب ذلك الالف والعادة التي تلقاها الأخلاف عن الاسلاف لكن العادة التي تعم بني آدم مع تباين حالهم

# وأديانهم واختلاف علومهم واراداتهم لا تكون الاعادة صحيحة كما اعتادوه من الأمور الطبيعية والخلقية فانهم جميعهم يعتادون الأكل والشرب والنكاح واللباس وكل هذه العادات صحيحة مبنية على علوم صحيحة ولها منافع صحيحة كذلك اعتيادهم مدح الصدق والعدل والعلم ومحبته وتحسينه وذم الكذب والظلم والجهل وبغضه وتقبيحه هذه عادة صحيحة حسنة باتفاق الخلائق لا ينازع في ذلك من يقول بتحسين العقل وتقبيحه ولا من ينفيه اذهم جميعا متفقون على أن اعتقاد محبة هذا وحمده وبغض هذا وذمه عادة صحيحة ليست فاسدة ولا مبنية على اعتقاد فاسد سواء كان ذلك لانتفاعهم بذلك في الدنيا او لغير ذلك # فظهر أن ما أضعف به الحجة فادها به قوة اذ العادات العامة لجميع الأمم من أعظم العادات وأصحها وبنو آدم لا يؤتون من جهة ما اتفقوا عليه لأنهم لا يتفقون إلا على حق وانما يؤتون من جهة تفرقهم واختلافهم كما قال تعالى ^ ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ^ ولهذا كانوا مفطورين على الاقرار بالصانع والدين له فهذا الذي اجتمعوا عليه حق ولكن تفرقوا في الشرك فكل قوم لهم رأي وهوى يخالفون به الآخرين قال تعالى ^ فاقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون منيبين اليه واتقوه واقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون ^ ولهذا وصف الله نبيه وأمته بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر والمعروف الذي تطلبه القلوب وتريده بفطرتها اذا علمته والمنكر الذي تبغضه وتكرهه اذا علمته

# فاذا كان بنو آدم متفقين على هذه العادة التي مضمونها الرفع الى الله حين الدعاء وكان ذلك يتضمن قصدهم للاله الذي هناك كان هذا من أعرف المعروف عند جميع بني آدم # الوجه الخمس والعشرون ان يقال هذا العمل يتضمن ثلاثة أشياء الرفع الذي فيه الاشارة الحسية الظاهرة والقصد والارادة التي في القلب التي يقصد بها الصمد الأعلى والاعتقاد الذي هو أصل الذي هو أصل العمل فان كل عمل اختياري لا بد فيه من ارادة وشعور وأنت تزعم أن الثلاثة فاسدة وان هذا العمل التابع للارادة سبب الارادة فيه هو تخييل غير مطابق فيقال لك لو كان الأمر كذلك لكان النهي عن ذلك من اعظم الواجبات في الدين اذ ذاك من أعظم المنكرات لتضمنه اعتقادا فاسدا في حق الله تعالى ودعاءا فاسدا متعلقا به وعبادة غير صالحة له ومن المعلوم ان الله قد بعث الأولين والآخرين من النبيين مبشرين ومنذرين ولم ينه أحدا من الأنبياء والمرسلين لبني آدم عن شيء من ذلك لا عن هذا الرفع ولا عن هذا الصمد ولا عن هذا الاعتقاد بل كان الأنبياء موافقين لهم على هذا العمل وذلك يوجب العلم الضروري من دين النبيين أن ذلك عندهم ليس من المنكر بل من المعروف وذلك يبطل كونه مبنيا على اعتقاد فاسد في حق الله تعالى مستلزما له ودالا عليه فان كل ما كان متفرعا عن الاعتقاد الفاسد او كان مستلزما له مثل أن يكون دليلا عليه فانه يجب النهي عنه فان العقائد الفاسدة والمقاصد الفاسدة في حق الله تعالى تجب ازالتها وازالة فروعها وأصولها التي توجبها # واذا كان كذلك فالجهمية تنهى عن هذا الاعتقاد وهذه الارادة فهم ناهون عن معرفة الله تعالى وعبادته وليس هذا مختصا بهذا الموضع بل هم كذلك اذ أصل قولهم هو قول المشركين المنكرين لملة ابراهيم ولهذا كان أولهم الجعد ابن درهم الذي ضحى به أمير المشرق يوم النحر وقال ضحوا تقبل الله ضحاياكم

# فاني مضح بالجعد بن درهم فانه زعم أن الله لم يتخذ ابراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما ثم نزل فذبحه وشكره العلماء على ذلك وكان هذا في زمن التابعين وذلك أن الله بعث الرسل تدعوا الخلق الى عبادته الجامعة لمعرفته بأسمائه وصفاته وآياته ولمحبته والانابة اليه واخلاص الدين له حتى يكون الدين كله لله والجهمية تصد القلوب عن معرفته ومحبته وعبادته بحسب تجهمهم اذهم بين المستقل والمستكثر ولا تجد أحدا فيه شعبة من التجهم الا وفيه من نقص التوحيد والايمان بحسب ذلك ولهذا كانت المعتزلة من أبعد الناس عن طريقة أولياء الله المتقين العارفين بطريق الله علما السالكين فيه عملا وحالا وقصدا # الوجه الخامس والعشرون أن يقال هب أن سببه هذه العادة هل سببها علم صحيح واعتقاد مطابق او سببها تخيل فاسد اما الأول فهو حجة في المسألة وأما الثاني فممنوع وهو لم يذكر على ذلك حجة الا قولهم انهم ما شاهدوا عالما قادرا حيا الا جسما الا أنهم قاسوا العالم القادر الحي الغائب على ما شاهدوه من العلماء والأحياء القادرين فصاروا بمنزلة من لم ير من الناس الا السود ولم يسمع الا العربية فاذا مثل في نفسه انسانا أو لغة لم يسبق الى نفسه الا الأسود والعربية # ومعلوم أن هذا قياس فاسد وذلك أن من لم ير انسانا الا أسود ولم يسمع لغة الا العربية انما يسبق الى نفسه الأسود اذا مثل انسانا يخاطبه وانما يسبق الى نفسه العربية اذا مثل في نفسه التعبير لأن الذي مثله في نفسه من جنس الذي شاهده والتخيل يتبع الاحساس وكان الذي تخيله من جنس الذي أحسه لما علم

# أن جنسهما واحد والباري سبحانه وتعالى ليس هو عندهم ولا عند غيرهم من جنس الآدميين حتى تكون نسبته الى ما شاهدوه من الأحياء العالمين القادرين نسبة ما لم ير من الآدميين الى من رئي بل هؤلاء الذين يدعون الله برفع الأيدي الى فوق عامتهم لم يخطر بقلبه أن الله من جنس الآدميين مشارك لهم في الحقيقة حتى يكون لحما ودما ونحو ذلك بل هؤلاء كلهم ينزهون الله تعالى عن ذلك ولا يعرف في عامة المقرين بالصانع من قال بشيء من ذلك الا ما ذكره أرباب المقالات عن شرذمة من المشبهة ومع هذا فلا بد أن يجعل هؤلاء له من المقدار والصفات ما يفرقون بينه وبين الآدميين فعلم أن هذا الذي احتج به باطل # الوجه السادس والعشرون أن يقال هذا قد أخبر عن بني آدم الأولين والآخرين الذين يدعون الله برفع أيديهم اليه وتوجه قلوبهم الى جهته العالية أنهم مثلوه بما شاهدوه من الأحياء العالمين القادرين كما يمثل أحدهم ما يراه من هذا الجنس بما رآه ومن المعلوم أن هذا الضلال الذي ذكره عن بني آدم هو الضال فيه في الأصل المشبه به والفرع الذي قاسه عليه وذلك أن قوله كما أن من لم يشاهد انسانا الا أسود فحين يمثل في نفسه انسانا يخاطبه انما يسبق الى نفسه انه أسود لاغير # يقال له هذا على قسمين أحدهما أن لا يعلم وجود انسان الا أسود والثاني أن يكون وان لم يشاهد الأسود قد علم بالخبر أو غيره أن في الأناسي من هو أبيض وكذلك اذ مثل انسانا يخاطبه قد مثل انسانا مطلقا لا يقدره من أحد الصنفين وقد يمثل مخاطبه انسان من الصنف الأبيض او يخاطبه انسان من الصنف الأسود # فيقال له هذا المثل الذي ضربته انما يسلم لك فيمن لا يعلم وجود انسان غير ابيض فانه اذا مثل مخاطبه انسان انما يكون مثله بمبلغ علمه فاذا لم يكن عالما

# بوجود أبيض لم يتمثل مخاطبه أبيض بل وقد يتمثل مخاطبه انسان مطلق ولا يخطر بقلبه لونه وقد يخطر بقلبه لونه فلا يكون الا ما علمه من ألوان الناس وهو السواد أما اذا علم وجود البيض من الناس ومثل في نفسه أنه يخاطبهم وان كان لم يرهم بعد كما لو قيل لملك السودان قد قدم عليك رسل البيض وهم بيض فهنا اذا زور في نفسه ما يخاطبه به لم يمثل أنه يخاطبه به لم يمثل أنه يخاطب أسود وكذلك لو علم وجود الصنفين وقدر مخاطبه انسان مطلق لم يتمثل لونه بل قد يصنف الكتب ويقف الوقوف وقد يكتب ذلك بالعربية وقد لا يكون رأى غير البيض ومع هذا فلا يتمثل حين المخاطبة المطلقة لون المخاطبين ولهذا يندرج في خطابه البيض والسود واللفظ يطابق المعنى وهو ما عناه وقصده بكلامه ولو لم يقصد الا البيض مثلا لم يتناول لفظه لغيرهم وليس الأمر كذلك باجماع الناس # وأما التمثيل باللغة فليس هو من أمثلة هذه المسألة وذلك أن من لم يسمع غير العربية لا يقدر أن يتكلم بغيرها ولا يتمثل في عبارات نفسه لغة غيرها فلا يكون التعبير بغير العربية متمثلا في نفسه لا سابقا ولا لاحقا ولو علم أن للناس لغة غير العربية او سمعها ولم يحفظها لم يقدر بذلك على التعبير بغير العربية متمثلا في نفسه لا سابقا ولا لاحقا ولو علم أن للناس لغة غير العربية أو سمعها ولم يحفظها لم يقدر بذلك على التعبير بها ولا على تمثيلها فاللغات بمنزلة تعلم الانسان الصناعات والأعمال كالخياطة والنجارة والحراثة اذا لم يكن يحسنها الانسان الا على صفة لم يتمثل في نفسه اذا رآها أن يعملها الا الصفة التي يحسنها فأين ما يقدره الانسان وليصورة في نفسه من مراده ومقصوده الذي يفعله بقدرته من الألفاظ والحركات

# من الأمور الخارجة عن قدرته وارادته فعلم أن هذا ليس من هذا الباب وأما الأول فانه يشبه لكن الحكم المذكور فيه ليس على اطلاقه وانما هو في حق من لا يعمل وجود انسان الا أسود ويقصد خطاب اسود واذا كان الأمر كذلك ظهر فساد ما ذكره من المثالين # الوجه السابع والعشرون أن يقال لو كان ما ذكرته في المشبه به لم يكن ما ذكرته في المشبه نظيرا له فان الخلق الذين يدعون الله ويقرون بأنه حي قادر عالم انما يدعون من يعتقدون أنه رب العالمين الذي يقدر على مالا يقدر عليه بنو آدم مثل انزال المطر وانبات النبات وتسكين الريح اذا هاجت في البحر وغير ذلك مما يطلب من الله فقد علموا أن الحي العالم القادر الذي هو رب العالمين الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى اذا اقلت سحابا ثقالا ساقه لبلد ميت وأنزل به الماء فخرج به من كل الثمرات ليس من جنس ما يعهدونه من بني آدم بل المطلوب منه ما لا يقدر عليه هؤلاء وأيضا فكثير منهم قد لا يتصور ان كلا منهما حي قادر عالم ولا يتمثل في نفسه قدرا مشتركا بينهما فكيف يجوز أن يحكى عن بني آدم من الأولين والآخرين أنهم قاسوا الله على ما شاهدوه من الآدميين # الوجه الثامن والعشرون أنك لو سألت من سألته من الادعين لربهم هل اعتقدت بقلبك أن الله من جنس ما شاهدته في الآدميين الذين هم أحياء قادرون عالمون لقال لك من سألته هذا شيء لم يخطر بقلبي ولكان نفرته عن هذا وانكاره على من يقول هذا أو يعتقده أعظم من نفرته عمن يجعل الملائكة من جنس الذباب والعصافير وبالجملة فبنو آدم يعلمون من أنفسهم أنه لم يكن دفعهم لهذا الاعتقادر المتضمن تمثيل الله بالبشر وانه من جنسهم فدعوى ذلك عليهم افتراء عليهم

# الوجه التاسع والعشرون أن يقال هو دائما يسمعون ذكر الملائكة والجن وهم أحياء عالمون قادرون ومع هذا فقد علموا أنهم يتصورون بصور الآدميين كما تمثل جبريل لمريم بشرا سويا وكا تمثل ابليس في صورة سراقة ابن جعثم ومع هذا لما أخبروا بأن جبريل عليه السلام له ستمائة جناح وسمعوا قول الله في الملائكة ^ أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع ^ لم يكن فيهم من يعتقد أن الملائكة والجن من جنس الآدميين مطلقا لما استشعروه من نوع فرق وقد علم ما بين الله وبين البشر من عدم المماثلة أعظم مما بين البشر والملائكة فكيف يقال ان رفع ايديهم انما كان لاعتقادهم ان الله من جنس ما يشاهدونه من الأحياء القادرين وهب أن ذلك قد يخطر بقلب الواحد والاثنين منهم فكيف يجعل هذا الاعتقاد شاملا لبني آدم الذين يرفعون أيديهم الى الله عز وجل من الأولين والآخرين وأن الآخرين اخذوه عن الأولين وشاركوهم في التخيل # الوجه الثلاثون أن يقال قوله فيسبق الى الوهم أن من يدعو حيا عالما قادرا على ما يشاهد عليه الأحياء القادرين أتريد بذلك أنه يسبق الى الوهم أنه مثله مطلقا بحيث يجوز عليه ما يجوز عليه ويمتنع عليه ويجب له أو أنه يشابهه من بعض الوجوه أما الأول فأنت وسائر العلماء يعلمون أن هذا لم يقله احد قط وقد ذكرت ذلك في كتبك واعترفت بأن أحدا من العقلاء لم يقل بالمماثلة هكذا واذا كان هذا لم يقله أحد لم يجز أن يجعل هذا اعتقاد الداعين الذين يرفعون أيديهم الى الله مع العلم بأنه لم يقله أحد من المشبهة ولا من غيرهم # وأما ان كان مقصوده أنهم يثبتون المشابهة من بعض الوجوه فهذا حق وقد ذكر في هو نهايته اجماع المسلمين على ثبوت المشابهة من بعض الوجوه

محمد الغماري
03 Apr 2010, 04:04 AM
# فان ذلك مما لا يمكن النزاع فيه كما حكيناه عنه فيما تقدم وحينئذ فيكون ما عليه بنو آدم من الاعتقاد الذي هو مستند رفع أيديهم الى الله حين الدعاء اعتقادا صحيحا في الأصل ليس بفاسد # لكن قد علم أن الناس هنا في طرفي نقيض منهم من يغلو في الاثبات حتى يثبت مماثلة الله لخلقه في بعض الأمور ومنهم من يلغو في التعطيل حتى لا يمثله الا بالمعدوم والموات لكن الاعتقاد الذي يدعوهم الى رفع ايديهم لا يجب أن يكون من التمثيل الباطل اذ لا يختص أهله بالرفع الى الله واذا كان كذلك لم يكن مستند الناس كلهم في الرفع الى الله باطلا واذا لم يكن مستندهم كلهم باطلا بل كان مستند بعضهم حقا ثبت أن الله يرفع اليه الأيدي وأن فاعل ذلك يكون اعتقاده صحيحا وذلك يقتضي صحة الاشارة الحسية اليه الى فوق وهو المطلوب # الوجه الحادي والثلاثون أن يقال مضمون ما ذكرته أن الناس لما لم يشاهدوا حيا عالما قادرا الا جسما سبق الى اعتقادهم انهم اذا دعوا حيا قادرا عالما كان جسما ويتبع ذلك انه في مكان والعلو أشرف من غيره فيسبق الى فهم الداعي أن من اعتقد عظمته اذا كان في جهة وهي أن يكون في جهة العلو وحاصل هذا أن الأمم المختلفة من الأولين والآخرين المجمعون على رفع ايديهم الى الله في الدعاء انما فعلوا ذلك لاعتقادهم ان الله جسم ووجه هذا الاعتقاد أنهم لم يشهدوا حيا عالما قادرا الا جسما فاعتقدوا فيمن يدعونه ذلك واثبتوا له المكان اذ الجسم لا بد له من حيز وخصوه بالعلو لأنه اشرف فمضمون هذا ذكر مستند العباد في رفع الأيدي # فيقال له لا يخلو اما أن يكون هذا مستندهم اولا يكون فان لم يكن هذا مستندهم بطل هذا الجواب وصحت الحجة وثبت أنهم

# انما رفعوا أيديهم الى الله لعلمهم الضروري بأن الذي يطلب منه تحصيل المطالب وتيسير العسير في تلك الجهة وان كان هذا مستندا لهم كان قد حكى اتفاق الأمم الذين يرفعون أيديهم في الدعاء على أن الله جسم اذ لم يشهدوا موجودا الا جسما وحينئذ فهذا أبلغ في الحجة عليه فان الأمم المتفقين على رفع الأيدي اذا كانوا يعتقدون ان الله جسم كان هذا من ابلغ حجج القائلين بالجسم لأن هؤلاء الذين يرفعون ايديهم فيهم الأنبياء وفيهم هذه الأمة التي لا تجتمع على ضلالة فصار ما جعله جوابا حجة عليه # الوجه الثاني والثلاثون أن يقال هب انما ذكرته مستندهم فلم تذكر حجة على بطلان هذا أكثر ما قلت فظهر أن سبب هذا الالف فلا يكون صوابا ومعلوم ان مجرد إعتياد الأمم كلهم للشيء إن لم يدل على انه حق يدل على أنه باطل فليس في كون الفوا ذلك واعتادوه ما يدل على أنه ليس بصواب حتى تقول فظهر ان سبب ذلك الالف فلا يكون صوابا # الوجه الثالث والثلاثون انك قد ذكرت ان مستند هذا الالف هو اعتقاد الدعاة ان الحي العليم القادر لا يكون الا جسما ومعلوم أن هذا بلفظه قول طوائف كثيرة من أهل الكلام من الشيعة والكرامية وغيرهم وأما بمعناه فالمؤسس وغيره يقول أن هذا قول من رقال إن الله فوق العرش أو إنه يشار إليه في الدعاء ومعلوم أن القول بكون الله فوق العرش أو أنه يشار اليه بالأيدي والدعاء هو قو سلف الأمة وأئمتها وعامتها واذا كان هؤلاء كلهم يقولون بالمعنى الذي سميته تجسيما لم يضر القول بذلك ولم يجزرده الا بحجة وانت لم تذكر في جواب هذه الحجة ما يصلح أن يكون جوابا # وقد قدمنا في الوجه الذي قبل هذا ان الاشارة الى الله في الدعاء ان استلزم اعتقاد الداعي أن الله جسم فقد ثبت أن هذا قول من قوله حجة والا بطلت

# حكايته وأما هنا فان كون الحي القادر لا يكون الا بائنا عن غيره بالجهة له حد يتميز به عن غيره وهو معنى كونه جسما عنده وهذا المعنى ما اتفق عليه سلف الامة وأئمتها وان تنوعت الفاظهم فيه فكلها متوافقة متطابقة وبالجملة فلا يمكنه أن ينازع أن هذا قول خلق كثير من أهل الحديث والفقه والتصوف والكلام فلا بد من دليل ابطاله فان قال دليل ابطاله ما ذكره من نفي كون الله جسما قيل قدمنا ما يتبين معه فساد تلك الأدلة # ثم يقال هذا لا يصلح أن يكون جوابا لما تذكره وهو الوجه الرابع والثلاثون يقال له هذا الذي ذكرته مضمونه الدعاة الرافعي أيديهم لاعتقادهم أن الله جسم حيث لم يشهدوا مدعوا حيا عالما قادرا الا جسما ومعلوم أن الدعاة الرافعي أيديهم لو لم يكن فيهم من قوله حجة وخلاف قوله كفر فلا نزاع في أنهم جماهير بني آدم من الأولين والآخرين وفيهم من العلماء والعباد من لا يحصيه الا رب العباد فلو لم يكن هذا دليلا من أعظم الأدلة على أن الله جسم بمقتضى ما قررته لكان هذا مما يجب الجواب عن حجة قائله فان مخالفة جماهير بني آدم ليست هينة ولا يصلح ما ذكرته من الحجة على نفي الجسم جوابا لان هذا الدليل الذي ذكرته عنهم يقتضي أنهم احتجوا على كونه جسما بما ذكرته عنهم وهذه معارضة لما ذكرته فان لم تبين فساد هذه المعارضة لم يكن بطلان حجته لحجتهم بأولى من العكس وأنت لم تذكر حجة على فساد حجتهم بحال # فان قيل هذه الحجة مبناها على قياس الغائب على الشاهد وهو باطل قيل قياس الغائب على الشاهد باتفاق الأمم ينقسم الى حق وباطل فان لم تبين أن هذا من الباطل لم يصلح رده بمجرد ذلك

# الوجه الخامس والثلاثون أن تقرير ما ذكرته من مستندهم مثل تقرير المسلك القياسي في العلو وهو أن يقال لم نشهد موجودا قائما بنفسه الا جسما او لم نشهد حيا عالما قادرا الا جسما فاختصاص القائم بنفسه او الحي القادر بكونه جسما دون أن يكون عرضا أو يكون لا جسما ولا عرضا اما أن يكون لكونه موجودا قائما بنفسه او لما يندرج فيه واجب الوجود او لما يختص الممكن او المحدث فان كان الأول والثاني وجب في كل موجود قائم بنفسه أن يكون جسما وحينئذ فتصح حجتهم والثاني باطل لأنه يوجب تعليل الأمر الوجودي وهو القائم بالنفس او كون القائم بنفسه حيا عالما قادرا بما فيه أمر عدمي والعدم لا يصلح أن يكون علة للوجود وقد تقدم الكلام على هذه الحجة وأنه لم يقدح فيها بقادح واذا كان كذلك كان قد ذكر لهم حجة توجب أنه فوق وأنه جسم غير ما ذكروه من العلم الضروري وان لم يقدح في ذلك بشيء وذكر أن الأخلاف اخذوا ذلك عن الاسلاف واتفقوا عليه وتسمية ذلك تخيلا لا يوجب فساده ان لم يبين أنه خيال فاسد # فظهر انما ذكره تقرير لقولهم بالقياس العقلي والأثر النبوي والاجماع الشرعي مع ما ذكروه من الضرورة العقلية وأنه زاد في التقرير على كونه فوق أنه مع ذلك جسم ولا ريب أن هذا قوله وقول أكثر الناس من النفاة والمثبتة فانهم يقولون ان كونه فوق العرش يستلزم المعنى الذي يسميه المتكلمون جسما ويسميه أهل الحديث حدا # الوجه السادس والثلاثون أن العلوم الكلية والعقلية لبني آدم جميعها من هذا الباب فان الانسان يشهد بحسه الباطن والظاهر أمورا معينة جزئية على

# صفات ثم يعقل بما يجعله الله في عقله من العبرة والقياس ان الأعيان التي لم يشهدها هي كالأعيان المشهودة في تلك الصفات وعلم عقله بالتماثل والاختلاف كاحساسه بالأعيان قد يكون علما قطعيا وقد يكون ظنا غالبا وقد يكون صوابا وقد يكون خطئا وكل من الحس والعقل يعرض له الغلط لأسباب والناس متنازعون أي الادراكين اكمل ادراك الحس او العقل وأيهما الذي يرجح على الآخر وبكل حال فلا يقوم بنفسه قضية كلية عقلية ضرورية أو غير ضرورية الا بتوسط قياس واعتبار حتى مثل علمه بأن الواحد نصف الاثنين وان الجسم لا يكون في مكانين وأن الضدين لا يجتمعان هو في ذلك كله قد أدرك بحسه ذلك في بعض الأجسام والأجساد والألوان المتضادة وعقل أن ما لم يحسه مثل ما أحسه في ذلك وأن الحكم لا يفترق واحد وواحد وجسم وجسم ولون ولون وضد وضد يحكم بذلك حكما عاما كليا # واذا كان كذلك لم يكن له حجة عقلية في العلم الالهي أصلا الا ولا بد فيها من قضية كلية والقضية الكلية لا بد فيها من قياس الغائب على الشاهد فان كان هذا باطلا بطل جميع كلامهم بالأدلة العقلية في العلم الالهي وحينئذ فيبطل ما ذكروه في نفي الجسم وغيره فلا يكون لهم جواب عما احتج به المنازع وان لم يكن باطلا لم يكن له ابطال هذه الحجة بما ذكره من أن مضمونها قياس الغائب على الشاهد فحاصله أنه ان كان ما يسلكونه من الطرق الكلامية العقلية في الالهيات طرقا صحيحة فهذه الطريق منها فتكون حجة عليهم وان لم تكن صحيحة لم تكن حجة لهم كما لا تكون عليهم فلا يكون كلامهم حقا دون كلام خصومهم ولا يكون ما دفع به الضرورة التي ذكرها منازعوهم حقا

# الوجه السابع والثلاثون أن المنازعين لهم يحتجون بالدلائل السمعية الكثيرة وبما يذكرونه من الضرورة العقلية وبما ذكروه من الأقيسة العقلية فان كانت الأقيسة العقلية صحيحة كما تقدم ذكرها مقبولة في هذا الباب لم يجز رد ما يذكرونه من الأقيسة العقلية الا بما يبين فساد القياس الخاص الذي أوردوه لا بمجرد كونه قياسا للغائب على الشاهد وان كانت مردودة كان ما يذكره النفاة كله مردودا وحينئذ فتبقى الأدلة السمعية سليمة عن معارض عقلي فيبطل ما يذكرونه من كونها عارضت القواطع العقلية وحينئذ يمتنع تأويلها ويجب اعتقاد مضمونها ويكون ما ذكروه من الضرورة العقلية لا دليل على فسادها وهذا بين لمن تدبره ومبناه على العدل والانصاف وقد قدمنا فيما مضى التنبيه على هذا وأن مبنى كلامهم في الالهيات انما هو القياس على ما وجدوه في المشهودات لا طريق لهم غير ذلك اصلا # الوجه الثامن والثلاثون ان القول بان الله ليس بجسم ولا جوهر ولا متحيز ولا داخل العالم ولا خارجه ونحو ذلك ليس هو قول أحد من سلف الأمة ولا أئمتها ولا له أصل في شيء من كتب الله المنزلة ولا آثار انبيائه بل متواتر عن السلف والأئمة انكار هذا الكلام وتبديع أهله كما قال ابو العباس بن سريج توحيد اهل العلم وجماعة المسلمين أشهد أن لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وتوحيد اهل الباطل الخوض في الأعراض والأجسام وانما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بانكار ذلك وذلك ان التوحيد الذي بعث الله به رسله هو عبادة الله وحده لا شريك له وهو معنى شهادة أن لا اله الا الله وذلك يتضمن التوحيد بالقول والاعتقاد وبالارادة والقصد وأما الخوض في الأعراض والأجسام كما خاض فيه المتكلمون كقولهم ليس بجسم ولا عرض ونحو ذلك فأول من ابتدعه في الاسلام الجهمية واتباعهم من المعتزلة لا يعرف في هذه الأمة حدوث القول في الله بأنه ليس بجسم

# ولا جوهر ونحو ذلك الا من جهة هؤلاء وكذلك الاستدلال على حدوث العالم بطريق الجسم والعرض انما ابتدعها في الاسلام هؤلاء وهذا أصل علم الكلام الذي اطبق على ذمة أئمة الاسلام من الأولين والآخرين ولما ابتدع هؤلاء القول بأنه ليس بجسم ولا جوهر عارضهم الطائفة الأخرى من الشيعة وغيرهم فقالوا بل هو جسم # والسلف والأئمة لم يثبتوا هذه الاسماء لله ولا نفوها عنه لما في كل من الاثبات والنفي من الابتداع في الدين من اجمال واشتراك ويثبت به باطل وينفي به حق مع أن السلف والأئمة لم يختلفوا أن نفاة الجسم اعظم ضلالا وابتداعا من مثبتيه بل الأئمة والسلف تواتر عنهم من ذم الجهمية مالا يحصيه الا الله ولهم أيضا كلام في ذم المشبهة لكن أقل من ذم الجهمية بكثير وأما لفظ الجسم فلا يحفظ عن أحد منهم ذمه ولا انكاره كما لا يحفظ عنهم مدحه واقراره ولكن المحفوظ عنهم من الألفاظ الاثبات فقول نفاة الجسم انها هي التجسيم ويعدون أعلام الدين وأئمة الدين من المجسمين والمشبهين كما هو موجود في كتب مقالاتهم كما يعدون منهم مالكا وأصحابه وحماد بن سلمة وأصحابه والشافعي وأحمد بن حنبل واسحاق بن راهويه وأمثال هؤلاء الأئمة # ولما تكلم بنفي الجسم ابو الهذيل امام المعتزلة واتباعه وتكلم في اثباته هشام بن الحكم واشياعه قال هؤلاء الجسم هو الموجود هو القائم بنفسه ولا يعني بالجسم الا القائم بنفسه ولا يعقل قائم بنفسه الا الجسم وقالوا دعوى وجود قائم بنفسه ليس بجسم كدعوى قائم بنفسه لا تقوم به صفة فان المعتزلة يقولون ان الباري تعالى قائم بنفسه وأنه يمتنع أن يكون

# محلا للصفات والحوادث قالوا وهذان مثل دعوى قائم بنفسه لا يباين غيره ولا يتميز عنه قالوا واثبات موجود قائم بنفسه ليس هو جسما ولا يقوم به صفة مثل اثبات قائم بنفسه ليس حي ولا ميت ولا عالم ولا جاهل ولا قادر ولا عاجز كا يقوله من يقوله من الملاحدة والفلاسفة هذا كله جحد لما يعلم بضرورة العقل ومخالفة للبديهة والحس وما زال الأئمة يصفون مقالة الجهمية بأنها مخالفة للعقول وأن العقل يعلم أنهم يصفون العدم لا الوجود ولهذا عندهم نفاة التجسيم من المجسمة لموافقتهم لهم في أصل الاثبات وان خالفوهم في بعض التفاصيل # واذا كان كذلك فهذا الذي مستندا للداعين من الأولين والآخرين أنه هو الرجوع الى القياس العقلي وهو قياس ما غاب عنهم من الموجود على ما شاهدوه لا ينافي ما ذكروه من أن ذلك يقتضي علمهم الضروري بأن الذي يدعي ويسأل هو في جهة فوق لأن العلوم الضرورية الكلية لا بد فيها من قياس كما تقدم وهم كما قد يقولون يعلم بالضرورة ان الله فوق ويقولون أيضا يعلم بالضرورة أن مالا يكون داخل العالم ولا خارجه فانه معدوم ويقول من يفهم معنى الجسم على اصطلاح المتكلمين يعلم بالضرورة انه لا يكون موجود قائم بنفسه الا ما سميتموه الجسم ويقولون كل من رجع الى فطرته وفهم معنى ذلك ولم يصده عن موجب الفطرة ظن التقليد او اقيسة فاسدة وهوى من تعصب للمذهب المألوف فانه يعلم ذلك ويثبتون ذلك بالمقاييس العقلية التي هي أقوى من مقاييس النفاة # واذا كان كذلك فنفي التجسيم لا يمكن ان يكون بنص ولا اجماع بل ولا بأثر عن أحد من سلف الأمة وأئمتها وليس مع نفاته الا مجرد

# ما يذكرونه من الأقيسة العقلية فاذا كان رفع الأيدي الى السماء في الدعاء مستلزما لاعتقاد الدعاة التجسيم وهم يثبتون ذلك بالأقيسة العقلية أيضا كان جانبهم أرجح لو لم يجيبوا عن حجج النفاة فكيف اذا اجابوا عنها واذا بينوا ان نقيض قولهم مستلزم للتعطيل لتعطيل وجود الباري ذاته وصفاته وتعطيل معرفته وعبادته ودعائه # الوجه التاسع والثلاثون أن يقال ليس قول القائل بأن رفع الأيدي الى السماء مستلزم التجسيم بأعظم مما يقال لكل من أثبت شيئا من الأسماء والصفات فان الملاحدة من المتفلسفة واتباعهم الذين يجمعون بين النقيضين فيقولون لا موجود ولا معدوم ولا حي ولا ميت أو يقولون لا يقال موجود ولا معدوم ولا حي ولا ميت يزعمون أن هذه الأسماء لا تقال الا لما هو جسم ونفاة الصفات من العلم والقدرة وغيرها يقولون ان هذه الصفات لا تقوم الا بجسم ومنكروا الرؤية والقائلون بخلق القرآن يقولون لا يمكن أن يرى الا جسم ولا يقوم الكلام الا بجسم وهو يبينون ذلك اعظم من بيان هذا المؤسس ان الرافعين لأيديهم في الدعاء مستندهم اعتقاد أن المدعو جسم # وحينئذ فلا يخلو اما أن يكون ما ذكره النفاة من لزوم التجسيم لهؤلاء المثبتة حقا او باطلا فان كان ذلك حقا كان التجسيم حقا اذ الاثبات للأسماء والصفات حق معلوم بالضرورة العقلية وبالنصوص السمعية وقول النفاة مستلزم للجمع بين النقيضين ولغير ذلك من السفسطة وان كان ما يذكره هؤلاء النفاة من لزوم التجسيم باطلا فانتفاء هذا اللازم في حق الداعين اولى وأوكد # الوجه الاربعون أن يقال ومن المعلوم ان هذاب الباب كثيرا ما يقال فيه ان الناس يتناقضون فيه فيثبت أحدهما شيئا من وجود واجب او اسم او صفة وينفي

# لوازمه او ينفي الجسم ونحوه ويثبت ملازمه ولا ريب أن باب الاثبات حجته العقلية الضرورية والنظرية اعظم من حجج النفي فان النفاة ليس معهم حجج ضرورية وليس معهم قياس عقلي الا ومع أولئك ما هو أقوى واكثر هذا اذا لم يعرف الانسان القدح في مقاييسهم والا فمن عرف القدح فيها تبين له أن حاصلها تهويل لا تحصيل وأما الحجج السمعية فهي مع المثبتة أضعافا مضاعفة وليس مع النفاة ما يفيد ظنا # واذا كان كذلك فالذي تسميه النفاة تجسيما اذا كان لازما أمكن المثبتة أن تلزمه ويكون مقرره الأدلة العقلية والسمعية وأما النفاة فلا يمكنهم النفي الا تركوا العقل والسمع وهذه حال أهل النار الذين ^ قالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا من اصحاب السعير ^ واذا لم يكن لازما لم يحتج الى اثباته وان دفع الشك في لزومه وكان في تناقض المثبت مع نفي الجسم قولان فلا ريب ان تناقض المثبت اقل بكثير من تناقض النافي ومتابعته الأدلة السمعية والعقلية اكثر وتقريره للفطرة والشرعة أظهر واذا كان ما في جانبه من الخطأ أقل لم يحزأن يرجع الى من خطأه اكثر بل على ذلك ان يوافقه على ما معه من الصواب ثم ان رجعا جميعا الى تمام الصواب والا كان استكثارهما من الصواب اولى وأحب من استكثار الخطأ
فصل # قد ذكر ابو عبد الله الرازي في نهاية العقول له لمثبتي الجهة حججا أخرى فنذكر هنا أيضا ما ذكره من الجانبين في الكتابين فقال واحتج مثبتو الجهة بأمور اربعة أولها أنا نعلم بالضرورة ان كل موجودين قائمين بأنفسهما فلا بد وأن يكونا متباينين وتعلم بالضرورة أن التباين بين الشيئين لا يخلو عن

# احد الوجوه الثلاثة التباين بالحقيقة او بالزمان او بالمكان واذا ثبت ذلك فنقول التباين بين الباري تعالى وبين العالم لا يمكن ان يكون بالحقيقة او بالزمان او بهما فقط لأن الجوهر يباين العرض الحال فيه بالحقيقة وبالزمان وكذلك العرضان الحالان في محل واحد قد تباينا تباينا بالحقيقة والزمان مع أنا نعلم بالضرورة أن بين الباري وبين العالم من التباين ما ليس بين الجوهر وما حل فيه وبين العرضين الحالين في المحل الواحد اذ لا بد من زيادة بيان على هذين القسمين ولا ثالث يعقل الا التباين بالمكان فوجب أن يكون التباين بين الباري تعالى وبين العالم بالمكان وذلك يقتضي كون الباري تعالى في الجهة # ثم قال والجواب عما تمسكوا به اولا أن المحل مباين للحال في الحقيقة والزمان ولكن أحدهما حال في الآخر محل له ويشتركان أيضا في الحدوث والامكان والحاجة الى المؤثر وأما الباري تعالى كما خالف العالم في الحقيقة وفي الزمان فليس حالا فيه ولا محلا له ولا بينهما مشاركة في الحدوث والامكان والحاجة فلما كان كذلك كان الاختلاف بين الباري تعالى وبين العالم اتم من الاختلاف بين الحال وبين المحل فاذا ادعيتم ثبوت التباين بينهما من غير هذه الوجوه حتى تقولوا يجب أن يكون ذلك التباين بالمكان فهو محل النزاع # قلت وهذه الحجة التي ذكرها عن ابن الهيصم من بعض الوجوه والكلام على هذا من وجوه # أحدها ان هذا الذي ذكره من الجواب تقرير لحجة المنازع وتوكيد لها ليس بجواب عنها ومثل هذا يفعله هذا وامثاله في مواضع قال تعالى ^ أو من ينشؤ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ^ قالوا هي المرأة لا تتكلم بحجة لها الا كانت عليها وهؤلاء فيهم من التخنث بمشابهتهم المشركين الذين قال الله ^ ان يدعون

# من دونه الا اناثا وان يدعون الا شيطانا مريدا ^ ما شابهوا به النساء وكذلك ان حجة المنازع مبنية على مقدمات احداهن ان الله مباين للعالم والثانية ان المباينة ليست بالحقيقة او الزمان أو المكان والثالثة أن مباينته للعالم أعظم من أن يكون بمجرد الحقيقة او الزمان واذا اثبتت هذه المقدمات لزم أن يكون مباينا له بالمكان # ويظهر ذلك بنظم ذلك في قياسين أحدهما ان يقال الباري مباين للعالم وكل مباين لغيره فلا بد وأن يكون مباينا بالحقيقة او الزمان او المكان فينتج ان الباري سبحانه لا بد أن يكون مباينا للعالم بالحقيقة او الزمان أو المكان ثم يقال ومباينته للعالم ليست بمجرد الحقيقة والزمان وكل مباينة ليست بمجرد الحقيقة والزمان فلا بد أن تكون بالمكان فينتج أنه لا بد من المباينة بالمكان # اذا تبين نظم الدليل فقولهم الباري مباين للعالم لا منازعة فيه وقد ذكروا ان ذلك معلوم بالضرورة في كل موجودين قائمين بأنفسهما ولم ينازعهم في ذلك وقولهم كل مباين لغيره فلا بد وأن تكون مباينته بأحد الوجوه الثلاثة قد ذكروا أن ذلك معلوم بالضرورة قالوا ويعلم بالضرورة أن التباين بين الشيئين لا يخلو عن أحد الوجوه الثلاثة التباين بالحقيقة أو بالزمان أو بالمكان وقد سلم لهم ذلك ولم ينازعهم فيه فاثبتوا بذلك أن الباري لا بد أن يكون مباينا للعالم بالحقيقة أو الزمان أو المكان # وأما القياس الثاني قولهم مباينته ليست بمجرد الحقيقة والزمان أثبتوا ذلك بأن قالوا المباينة بالحقيقة وبالزمان بين الحال والمحل وبين الحالين في المحل مع أنا نعلم بالضرورة أن بين الباري وبين العالم من التباين ما ليس

# بين المحل والحال فيه وبين الحالين في المحل والمحل هو الجوهر والحال فيه هو العرض واذا كان التباين الذي بينه وبين العالم زائدا على تباين هذين وهذان متباينان بالحقيقة وبالزمان لم يكن التباين بينه وبين العالم بمجرد الحقيقة والزمان فانه اذا كانت مباينته للعالم أعظم من مباينة المباين لغيره بالحقيقة والزمان لم تكن من جنسها وهذا بين فانه اذا كانت حقيقة المباينة بمجرد الحقيقة والزمان لم يمتنع أن يكون أحدهما حالا في الآخر او يكونان جميعا حالين في محل واحد وهذا تقوله الحلولية من الجهمية فان القائل اذا قال الباري مباين للعالم وهو مع هذا حال فيه أو محل له ومباينته له بانه قبله وأن حقيقته تخالف حقيقته كما يباين الجوهر العرض والعرض الجوهر لم تكن المباينة بالحقيقة والزمان مانعة من هذه المحايثة فاذا كانت المحايثة منتفية لم يكن بد من اثبات مباينة تتقي هذه المحايثة والمباينة بالحقيقة والزمان لا تنفي المحايثة # ولهذا لما زعم الجهمية أنه ليس مباينا بالمكان اضطربوا بعد ذلك فقال جمهور علمائهم لا هو محايث للعالم ولا هو خارج عنه وقال كثير من عامتهم وعبادهم وعلمائهم بل هو محايث فانه اذا ارتفعت المباينة بالمكان لم يبق الا المحايثة ولا ريب أن قول هؤلاء اقرب الى المعقول لكنه اقرب الى العقل ابتداءا حيث جعلوه موجودا محاثيا للعالم لكنه أعظم تناقضا وجهلا من وجه آخر فان ما به نفوا أن يكون على العرش هو أعظم نفيا لكونه محايثا للعالم ولأن في كونه في نفس المخلوقات من الكفر والضلال ما فيه شناعة تزيد على النفي المطلق الذي لا يفهم بحال وأيضا فالأدلة الدالة على أنه فوق العالم وأنه مباين للعالم تمنع المحايثة أيضا

# والمقصود هنا أنهم اذا لم يثبتوا الا المبيانة بالحقيقة أو بالزمان لم يكن العلم بهذه المباينة مانعا من جواز المحايثة عليه لأن العرض والجوهر بينهما تباين بالحقيقة وبالزمان مع تحايثهما وهذا قد اتفقوا على نفيه وقد ذكروا انهم يعلمون بالاضرار ان بين الباري تعالى وبين العالم من التباين ما ليس بين الجوهر والعرض الحال فيه وهذا بين اذ لولا زيادة التباين لجاز أن يكون العالم كالعرض في الخالق والخالق جواهر قائمة بنفسها أو يكون الخالق كالعرض القائم بالجوهر ومعلوم أن هذا أشد استحالة باتفاق العقلاء فان الباري قائم بنفسه وهو المقيم لكل قائم فضلا عن أن يكون كالعرض في الجوهر والعالم جواهر قائمة بانفسها فثبت بذلك أن مباينته للعالم ليست بمجرد الحقيقة والزمان واذا ثبت ذلك فالمقدمة الثانية وهو أن المباينين الذين ليس تباينهما بمجرد الحقيقة والزمان فلا بد أن يكونا متباينين بالمكان وقد تقدمت وتقدم ما ذكر وسلم فيها من العلم الضروري # اذا تبين ما ذكره من حجتهم فقوله في الجواب ان المحل مباين للحال في الحقيقة والزمان ولكن احدهما حال في الآخر والآخر محل له ويشتركان ايضا في الحدوث والامكان والحاجة الى المؤثر كلام صحيح لكن مضمونهما أنهما مع التباين بالحقيقة والزمان متحايثان مشتركان في الحيز وفي أمور أخرى وهي الحدوث والامكان والحاجة الى المؤثر وهذا الكلام انهما مع هذا التباين متحايثان ومشتركان ومجتمعان في أمور اخرى فتكون المباينة بينهما دون المباينة بين العالم والباري وهكذا قال القوم انا نعلم بالضروة ان بين الباري سبحانه

# ومن العالم من التباين ما ليس بين الجوهر الذي هو المحل وبين ما حل فيه فما ذكره تقرير لذلك # وقوله واما الباري كما خالف العالم في الحقيقة وفي الزمان فليس حالا فيه ولا محلا له ولا بينهما مشاركة في الحدوث والامكان والحاجة فلما كان كذلك كان الاختلاف بين الباري تعالى وبين العالم أتم من الاختلاف بين الحال والمحل فيقال له هذا توكيد لما قالوه لأنهم ذكروا أن مباينة الباري تعالى أتم فانه غير محايث اذ ليس هو حالا في العالم ولا محلا له بخلاف الجوهر والعرض واما عدم المشاركة في الحدوث فيعود الى المباينة بالزمن فان القديم قبل المحدث والى المباينة بالحقيقة فان حقيقة القديم مخالفة لحقيقة المحدث وأما عدم المشاركة في الامكان والحاجة الى المؤثر فيعود الى المباينة بالحقيقة فان الواجب بنفسه الغنى عن غيره حقيقته مخالفة لحقيقة الممكن في نفسه المفتقر الى غيره فهذا الذي ذكره مضمونه أن مباينة الباري أتم من مباينة الجوهر للعرض لأنه مع المخالفة بالحقيقة وبالزمان غير محايث وهكذا قال القوم ان مباينة العالم أزيد من مباينة الجوهر للعرض فهذا الكلام تقرير لمقدمة من مقدمات دليلهم # وقوله بعد ذلك فاذا ادعيتم ثبوت التباين بينهما من غير هذه الوجوه حتى تقولوا يجب أن يكون ذلك التباين بالمكان فهو محل النزاع يقال أولا ليس هذا جوابا للقوم فانك لم تمنعهم شيئا من مقدمات دليلهم ولا عارضتهم ولكن ذكرت كلاما اجنبيا وذكرت أنهم ينازعونك في المباينة بالمكان ولا ريب أنهم ينازعونك في ذلك لكن قد أقاموا حجة ولم تمنع شيئا من مقدماتها ولكن حكيت مذهبك وحكاية المذهب ليست جوابا لم احتج على بطلانه

محمد الغماري
03 Apr 2010, 04:05 AM
# ثم يقال لم يدعوا ثبوت التباين من غير هذه الوجوه لكن قالوا هذا التباين الذي ثبت بعدم المحايثة وهو أحد الوجوه يستلزم أن يكون بالمكان أو قالوا ان التباين الثابت بهذه الوجوه يجب أن يكون بالمكان أو قالوا ان التباين الثابت بهذه الوجوه لا يجوز ان يكون بمجرد الحقيقة او الزمان فتعين كأن يكون بالمكان اذ لم يبق قسم ثالث # وأيضا فلا ريب أن التباين حاصل بغير هذه الوجوه فانه قد قرر في غير هذا الموضوع ما هو القول الحق وهو أن حقيقة الله غير معلومة للبشر وأنه مخالف لخلقه بحقيقته الخاصة وليست هي ما علمه الناس من قدمه ووجوبه وغناه فهو أيضا مباين للعالم بحقيقته الخاصة الخارجة عما ذكره والتحقيق أنه مباين للعالم بأمور كثيرة لا يحصيها العباد غير ما ذكره ولا ينظر الى من ينازع من أهل العلم في أخص وصف الله الذي به يميز هل هو القدرة على الخلق أو هو الاستغناء او القدم أو أنه ذاته المخصوصة بل كل ما ثبت للرب تعالى من الأسماء والصفات يختص به مثل انه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وما شاء كان وما لم يشاء لم يكن وأنه أرحم الراحمين وأنه خير الناصرين وأنه اذا أراد شيئا قال له كن فيكون وكل هذه الأمور وغيرها من أخص وصفه ليست له صفة يماثله غيره فيها بوجه من الوجوه بل كل صفة له فانها تختص به وتوجب امتيازه بها عن خلقه ولكن ليس هذا موضع ذكر ذلك فان مباينة الله لخلقه بالحقيقة مما لا نزاع فيه وكذلك تقدمه على خلقه # وانما المقصود أنه المباين مباينة زائدة على المباينة بالحقيقة وعلى المباينة بالزمان والمخالفة بينه وبين الخلق أتم من الاختلاف بين الحال وبين المحل وهو قرر ذلك مع أن هذين يتباينان بالحقيقة كما تقدم واذا كانوا القوم بينوا انما ذكره من التباين يستلزم التباين بالمكان والزمان لأن هذه يشاركه فيها المحل والحال فيه

# وهذه المباينة لا تمنع أن يكون أحدهما حالا في الآخر فلا بد من المباينة بشيء غير ذلك وليس غير ذلك الا المباينة بالمكان والزمان فاذا كانت المباينة بينه وبين خلقه ليست مجرد الحقيقة والزمان وكان قد قرر هذا التباين كان ما ذكره توكيدا لحجتهم # الوجه الثاني أن قوله وأما الباري كما خالف العالم في الحقيقة وفي الزمان فليس حالا فيه ولا محلا له ولا بينهما مشاركة في الامكان والحدوث والحاجة فيقال له قولك ليس بحال ولا محل سلب محض والأمور السلبية لا تتباين بها الحقائق ولا تختلف ولا تتماثل الا أن تكون مستلزمة لأمور وجودية لأن المتماثلين ما قام بأحدهما من الأمور الوجودية مثل ما قام بالآخر والخلافين اختص احدهما بأمور وجودية خالف بها الآخر اذ عدم ما به التماثل والاختلاف مستلزم لعدم التماثل والاختلاف فعدم كونه حالا ومحلا لم يستلزم أمرا وجوديا يحصل به مخالفة وقد علم أنه لا يستلزم الاختلاف في الحقيقة وفي الزمان لان المتماثلين في الحقيقة والزمان قد لا يكون أحدهما حالا في الآخر ولا محلا له كالجسمين المتماثلين # وأيضا فهو قد ذكر أن هذا من المباينة الزائدة على المباينة بالحقيقة والزمان والأمر كذلك واذا كان الأمر كذلك وعدم كونه حالا او محلا هو عدم المحايثة والمباينة فعدم المحايثة مع المباينة بالحقيقة والزمان اذا كان مستلزما لأمر وجودي لم يكن الا المباينة بالجهة وهذا يتقرر بوجهين أحدهما أنه لم تبق مباينة وجودية بعد المباينة بالحقيقة والزمان الا المباينة بالمكان كما تقدم والثاني أن عدم المحايثة يستلزم المبيانة اذ لا يعقل الا متحايثان او متباينان كما تقدم قبل هذا

الوجه الثالث قوله اذا ادعيتم ثبوت التباين بينهما من غير هذه الوجوه حتى تقولوا يجب أن يكون ذلك التباين بالمكان فهو محل النزاع يقال له هم قالوا التباين بالوجوه الزائدة على الحقيقة والزمان لا تكون الا بالمكان وقد قرروا ذلك لم يقولوا بالتباين من غير هذه الوجوه حتى يقولوا يجب أن يكون ذلك التباين بالمكان بل قولهم ان هذا التباين الذي سلمه هو الذي هو زائد على الحقيقة والزمان هو مستلزم التباين بالمكان واذا لم يكن لهم حاجة الى ثبوت التباين من غير هذه الوجوه التي سلمها تبين ان هذا الجواب فاسد # الوجه الرابع ان يقال التباين بين الله سبحانه وتعالى وبين العالم هو باكثر مما ذكرته فانه مباين للعالم بأنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وبأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وغير ذلك من الصفات ومباين العالم بقدرته وعظمته وعلوه وكبريائه وهذه الأمور ليست مباينة بالزمان فاما ان أن يقول هي من التباين بالحقيقة أولا يقول فان قال هي التباين بالحقيقة فالمباينة بوجوبه وقدمه وغناه أولى أن يكون من التباين بالحقيقة فيبطل ما ذكره من كون تلك المباينات زائدة على التباين بالحقيقة وان لم يقل هي من التباين بالحقيقة فقد ثبت تباين زائد على ماذكره فأحد الأمرين لازم اما زيادة على ما ذكره او انحصار ما ذكره غير المحايثة في الحقيقة والزمان وقد علم أن التباين بين الباري والعالم أزيد من التباين بالحقيقة والمحل وزعم أنها بهذه الأمور دون غيرها وقد تبين أن هذه الأمور هي كغيرها فلا يكون ما ذكره من الجواب عن تلك الحجة صحيحا # الوجه الخامس أن قوله وأما الباري تعالى كما خالف العالم في الحقيقة وفي الزمان فليس حالا فيه ولا محلا له ولا بينهما مشاركة في الحدوث والامكان

# والحاجة لهما كان كذلك كان الاختلاف بين الباري وبين العالم أتم من الاختلاف بين الحال وبين المحل يقال له أما عدم المشاركة في الحدوث والامكان والحاجة فمرجعها الى ثبوت الوجوب والى القدم وذلك لا يخرج عن المخالفة بالحقيقة او الزمان كما تقدم وأما كونه ليس حالا فيه ولا محلا له فيقال له ان أردت بهذا أنه مباين عنه بالجهة والمكان فهو المطلوب وأن أردت بذلك أنه ليس حالا ولا محلا ولا مباينا بالجهة فهذا غير معقول ولا متصور فاما أن يقول انه معقول والمنازع مكابر فهم يحلفون الايمان المعلطة أن هذا غير معقول لهم وهم أمم عظيمة وفيهم من الصدق والديانة ما يمنع أقدامهم على الكذب ولقد خاطبت بهذا طوائف مع ذكائهم وصحة فطرتهم فلم يكن فيهم من يتصور ذلك او يعقله وان ادعيت انه معقول لطائفة دون طائفة فهذا لا يستقيم عندك لاشتراك الناس في المعقولات وان قيل ان ذلك لاختصاص بعضهم زيادة ذكاء او فطنة فمعلوم أن هذا لا يختص به أهل هذا القول دون ذاك بل الاستقراء يدل على أن المنازعين له أكمل عقولا وأحد اذهانا واوضح ادراكا وأقل تناقضا وأقل ما يمكن أن تقابل دعواه بمثلها # الوجه السادس أن يقال هب أن هذا معقول وممكن امكانا ذهنيا فما الدليل على انه ليس بحال في محل ولا محياثا للعالم اذا قلت انه ليس بخارج العالم فان المنازع لك يقول نفي كونه محايثا للعالم انما علم بأنه مباين للعالم بالجهة فاذا قدر أنه غير مباين للعالم الا بالحقيقة والزمان دون الجهة لهذا القدر لا يمنع أن يكون حالا في العالم او محلاله كالجوهر مع عرضه فان تباينهما بالحقيقة والزمان لا يمنع ذلك من تحايثهما فلا بد لك من دليل يبين عدم محايثة العالم اذا اثبت مباينته بالجهة وانت لم تذكر على ذلك حجة حتى يتم ما ذكرته من المباينة فان قلت المنازع سلم لي ذلك فهو انما سلم عدم المحايثة التي هي المبيانة بالجهة فاما نفي المحايثة من

# غير مباينة بالجهة فهذا عند المنازع غير معقول ولا هو حقا عنده فهو لا يسلم لك عدم المحايثة على هذا التقدير ولم تذكر عليها حجة فلا يكون ما ذكرته من المباينة ثابتا بحجة ولا تسليم فلا يصح في النظر ولا المناظرة # الوجه السابع أن يقال هذا الموضع من اصعب المواضع على الجهمية فانهم لما نفوا مباينته للعالم بالجهة ذهب بعضهم الى عدم محايثته أيضا كما ذكره هذا وهو المشهور من قول متكلميهم وذهب بعضهم الى محايثته للعالم وانه بكل مكان وهو قول كثير من عبادهم وبعض متكلميهم فتعارض كل طائفة بقول الأخرى فان قال مثبتوا المحايثة للعالم لا أعقل موجودا لا داخل العالم أو خارجه وليس بخارجه فيكون داخله وهذا معنى حجة طائفة من الجهمية الاتحادية ونحوهم يقال له اذا لم تعقل موجودا الا كذلك دل على أنه اما خارج العالم واما داخله لا يتعين أن يكون داخله وكونه ليس بخارج العالم انما اثبت بهذه الحجة ونحوها فاذا كنت طاعنا فيها كطعن اهل الاثبات بطل اصل قولك ولم يكن لك بعد هذا ان تنفي كونه خارج العالم # وامانا في المحايثة للعالم مثل الرازي ونحوه فقد احتجوا على كونه ليس بحال في محل بما ذكره الرازي في نهايته فقال المسألة الثالثة في أنه لا يمكن أن يكون حالا في محل ولنا فيه مسالك ثلاثة الأول لو حل في محل لكان اما أن يحل في أكثر من حيز واحد أو يحل في حيز واحد وساق الحجة مختصرة ومضمونها أن الأول يستلزم أن يكون منقسما أو يكون الواحد في حيزين الثاني يستلزم أن يكون بقدر الجوهر الفرد وقد تقدم الكلام على هذه الحجة بعينها في نفي التحيز المسلك الثاني لو حل في جسم فاما أن يقال انه أبدا كان حالا فيه فيلزم اما قدم المحل أو حدوثه وهما باطلان او يقال حل بعد ان لم يكن حالا فيه وحينئذ اما أن يكون واجبا او جائزا فان كان واجبا

# فذاك الوجوب اما أن يكون للمحل او للحال او الثالث والاول باطل لأن الأجسام متساوية في الماهيةخ وجميع اللوازم على ما مر فلو اقتضى شيء منها حلول الله فيه لاقتضى الآخر مثل ذلك فيلزم أن يحل الباري في كلها فيلزم اما انقسام ذاته او حلول واحد في اكثر من محل وأنهما محلان والثاني باطل ايضا لأن اقتضاء الحلول ان لم يكن بشرط حدوث المحل كان حالا في المحل قبل حدوث المحل وهذا محال وان كان بشرط حدوثه فعند حدوث الجواهر الكثيرة لم يكن بأن يحل في واحد منها أولى بأن يحل في غيره فيعود المحال المذكور والثالث أيضا باطل لأن ذلك الثالث أن كان لازما للحال أو المحل عادت المحالات وان لم يكن لازما لها فهو اما موجب واما مختار والموجب لا بد وأن يكون لا جسما ولا جسمانيا والا فليس اختصاصه بهذا الاقتضاء اولى من الاختصاص بسائر الأجسام بل يكون الجسم الذي هو محل اولى بذلك ويعود المحال وان لم يكن ذلك الموجب جسما ولا جسمانيا فليس بأن يقتضي حلول الله في بعض الجواهر أولى من أن يقضي حلوله في غيره فيلزم أن يحل في كل الجواهر فيعود المحال # وأما ان كان مختارا فذلك المختار لا بد وأن يفعل فعلا والا لما افترق الحال بين ما قبل الحلول وبين ما بعده وذلك الفعل لا بد وأن يكون هو الحلول او ما يقتضي الحلول لكن حلول الشيء في غيره ليس أمرا وجوديا حتى يصح أن يجعل اثرا للفاعل او موجودا لأن حلول الشيء في الشيء لو كان صفة موجودة لكانت تلك الصفة أيضا حالة في الشيء الذي صار حالا فيه

# فيكون حلول الحلول زائدا عليه ولزم التسلسل فثبت أن القول بحلول الله في غيره يفضي الى أقسام فاسدة فيكون القول به فاسدا فليس في النسخة ذكر القسم الآخر وهو أن يكون جائزا فلا أدري هل سقط من النسخة أم من التصنيف ولكن ما ذكره يدل على نظيره # وهذه الحجة مبنية على تماثل الأجسام وقد تقدم بيان فساده من وجوه كثيرة ومبنية على امتناع ما سماه انقساما وقد تقدم أيضا بيان فساده وقوله عند حدوث الجواهر الكبيرة لم يكن بأن يحل في واحد منها أولى من أن يحل في غيره فهذا مبني على تماثل الأجسام وقد تقدم وبتقدير تماثلها فهو مبني على أن الرب لا يخص أحد المثلين لمجرد مشيئته وهذا خلاف أصله وأيضا فان تخصيص بعض الأجسام ببعض الصفات أمر موجود فان كل هذا قبل عدم تماثلها وان كان التخصيص بعد التماثل فقد ثبت جواز تخصيص أحد المثلين بما يحل فيه وعلى التقديرين يبطل ما ذكره من القسم الثاني وكذلك ما ذكره في القسم الثالث من أنه ليس اقتضاء المقتضى للحلول في بعض اولى من الحلول في بعض يرد عليه هذه الوجوه الثلاثة # وما ذكره من التخصيص باختيار المختار من أن المختار لا بد وأن يفعل فعلا والحلول ليس بأمر وجودي فهو ابطل من غيره فان هذا لو صح لم يمتنع عليه الحلول في غيره فانه لا يمتنع عليه أن يكون بينه وبين المخلوقات تعلقات غير وجودية وأيضا لو صح ذلك لكان التحيز والعلو على العرش ونحو ذلك أمورا عدمية وبطل نفي ذلك عنه لأن وصفه بالسلوب متفق عليه بين العالمين وأيضا فلو كان ذلك أمرا عدميا لكان نقيضه وجوديا فكان عدم الحلول أمرا

# وجوديا ولو كان أمرا وجوديا لم يصح أن يكون صفة المعدوم ومن المعلوم أن المعدوم يوصف بأنه ليس حالا في غيره وليس غيره حالا فيه وذلك يمنع أن يكون سبب الحلول وجوديا ويقتضي أن الحلول وجودي # وأما قوله لو كان وجوديا لكانت الصفة حالة في الشيء ولكان للحلول حلول وهو يقتضي التسلسل فيقال الأول هو حلول الشيء القائم بنفسه والثاني حلول الصفة بالموصوف فهذا من باب حلول الاجسام في محالها وهذا من باب حلول الاعراض في الأجسام وأحد النوعين مخالف للآخر وذلك لا يقتضي أن يكون لحلول الصفة بالموصوف حلول فيها لأن العرض لا يقوم بالعرض # ثم قال المسلك الثالث وهو أنه تعالى ان كان محتاجا الى ذلك المحل كان ممكنا لذاته لأن المحتاج الى الغير ممكن لذاته ولكان ذلك المحل غنيا عنه فكان واجبا لذاته او لشيء آخر غيره فيلزم وجود موجودين ولمعنى الوجود وهو محال وان لم يكن محتاجا الى ذلك المحل كان غنيا عنه والغنى بذاته عن المحل يستحيل أن يعرض له ما يحوجه الى المحل لأن العرضيات لا تزيل الصفات الذاتية قال وفي هذا المسلك مباحث وهو أعم من المسلكين السالفين لأنهما ينفيان حلول الله في الجسم وهذا المسلك ينفي حلوله في المحل سواء كان ذلك المحل جسما او غير جسم # قلت وهذا المسلك ان دل فانما يدل على أنه لا يحل في محل على طريق الحاجة اليه وأما الحلول على غير طريق الحاجة فلا ينفيه هذا المسلك فكيف وليس بمستقيم فان قوله ولكان ذلك المحل غنيا عنه ليس بلازم اذ الممكن لن يكون وجوده مستلزما لمحل يكون ذلك المحل محتاجا اليه وواجب

# به لا بنفسه فلا يكون فيما يسميه حاجة الى ذلك المحل ما ينافي وجوبه بنفسه لأن الحاجة هنا معناها الملازمة كما يقوله في صفاته اللازمة وأيضا فهو قدح في الحجة المانعة من وجود واجبين # وقد تقدم الكلام على هذا مبسوطا وان لهذا الكلام ثلاثة أوجه أحدها ان يكون ذلك المحل داخلا في صفات الرب كما تقدم بيان ذلك في لفظ الحيز والنزاع في كونه في المحل لا يعني به هذا الثاني انه يراد بالمحل ما اراده هو بالحيز المنفصل عنه وقد زعم هو في موضع انه وجودي والتحقيق انه عدمي الوجه الثالث انه لو قدر انه وجودي فالمقصود هنا ان استلزام ذاته لذلك المحل لا ينافي وجوبه لذاته ولا يقتضي انه ممكن مفتقر اليه فان المتفلسفة القائلين بأن ذاته تستلزم لوجود العالم يعلمون أن ذلك لا ينافي وجوب وجوده بنفسه فهذا أولى وان كان انتفاء هذا المحل معلوما بأدلة اخرى عقلية او سمعية لكن المقصود بيان أنما ذكره ليس بدليل فاذا تبين انه ليس لهم حجة صحيحة تنفي حلوله في المحل اذا قالوا ليس مبانيا للعالم بالجهة كان قولهم حينئذ ليس هو حالا في العالم ولا العالم محلا له اذا لم يقولوا بكونه مباينا العالم قولاا بلا علم ولا حجة فلا يكون مقبولا وكذلك يقتضي انهم لا يثبتون له في المباينة قدرا زائدا على المباننة بالحقيقة والزمان وان كل من قال انه ليس بخارج العالم لم يثبت مباينة زائدة على المباينة التي يشاركها فيه المحل والحال فيه وهذا معلوم الفساد بالضرورة كما تقدم # الوجه الثامن أن اخوانهم الجهمية الموافقون لهم على نفي كونه خارج العالم اذا قالوا لهم هو في كل مكان وحال في كل مكان لم يمكنهم نفي ذلك عنه بهذه

# الحجج كما تقدم وأولئك اذا قالوا هو في كل مكان لم يمكنهم الاحتجاج على ذلك بما نفي كونه خارج العالم وكان قول طائفة من الطائفتين مانعا من صحة قول الآخرين وذلك يقتضي بطلان قول الطائفتين وبطلانهما جميعا يوجب أن يكون خارج العالم # وايضاح ذلك أن من يقول في كل مكان يجعله مقدرا محدودا بقدر العالم فجميع ما يحتج به على نفي كونه فوق العرش ينفي أن يكون بكل مكان بطريق الأولى والأحرى لأن في هذا القول من وصفه بالصفات الممتنعة عليه وتجويز النقائص عليه وقبوله للزيادة والنقصان وغير ذلك ما ليس في كونه خارج العالم ومن قال انه ليس داخل العالم ولا خارجه اما أن يثبت مباينته للعالم بقدر زائد على المباينة بالحقيقة والزمان او لا يثبته فان اثبت المباينة الزائدة وجب أن يكون مباينا للمكان وان لم يثبتها لم يمكنه نفي حلوله في العالم مع مبيانته بالحقيقة والزمان اذ لا يكون له حجة على نفي حلوله في العالم كما تقدم وهذا باطل وما استلزم الباطل فهو باطل وان قال هو داخل العالم وهو خارجه ايضا كما يقوله بعض الناس فانه يرد عليه كل ما يورد على من قال هو خارج العالم سواء قال هو جسم مع ذلك او ليس بجسم # فقد تبين أن من قال أن الله ليس خارج العالم يلزمه أن لا يكون الله مباينا للعالم منفصلا عنه وهذا باطل عند المنازع ونحوه ومن التزمه وقال بالحلول كان ما يلزمه من الفساد والتناقض اكثر مما يلزم خصمه فيكون قوله من أبطل الباطل وابطال قول هؤلاء زيادة زدناها اذ هو لم يتعرض لذلك هنا وانما أفرد له مسألة ولهذا كان الأئمة كأبن المبارك والامام أحمد واسحاق بن ابراهيم وغيرهم يقولون ان الله فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه ويقولون بجد

# لأن نفي المباينة لخلقه يستلزم حلوله فيهم واتحاده بهم # وأما نفي المباينة ونفي المحايثة فانه جمع بين النقيضين من جنس كلام الملاحدة الذين يقولون ليس بعالم ولا جاهل ولا قادر ولا عاجز اذ كلام هؤلاء النفاة كله من واد واحد هو الالحاد في اسماء الله وآياته بالقرمطة وتحريف الكلم عن مواضعه وبالسفسطة في العقليات بدعوى عدم النقيضين او دعوى اجتماعهما لكن فيهم من يلحد في أمور يقر الآخر باثباتها والا فينفي علوه على العرش فقول القائل ليس داخل العالم ولا خارجه هو مثل نفي علمه وقدرته بقول القائل لا عالم ولا جاهل ولا قادر ولا عاجز كل هذا من باب واحد ومن لم يثبت انه عالم قادر لزمه أن يكون جاهلا عاجزا كما أن من لم يثبت أنه فوق العالم لزمه أن يكون حالا في العالم وكونه حالا في العالم هو من صفات النقص كوصفه بعدم العلم والقدرة # الوجه التاسع أن الجهمية بعد اشتراكه في أن الله ليس فوق العرش وأنه ليس خارج العالم اختلفوا فقالوا ما يمكن أن يخطر بالبال من الأقوال والممكن أن يقال اما أن يكون في كل مكان أو هو جسم بقدر العالم او هو جسم فاضل عن العالم متناه او هو في كل مكان وليس بجسم او يقال انه في كل مكان بذاته وهو مع ذلك فوق العرش وليس بجسم او يقال ليس لمساحته نهاية ولا غاية وهو ذاهب في الجهات الست وليس بجسم او يقال هو مع ذلك جسم أو يقال ليس داخل العالم ولا خارجه وهذه الأقوال قد ذكرها أرباب المقالات كما تقدم ذلك

# واذا كان كذلك فهؤلاء الذين يقولون هو في كل مكان بذاته ليس مع ذلك خارج العالم أو هو مع ذلك خارج العالم ببعد متناه او أنه لا نهاية له سواء قالوا هو جسم او قالوا ليس بجسم أو قالوا ليس داخل العالم ولا خارجه فهذه الأقوال السبعة يقابل بعضها بعضا كما تراه وهم كما قال الامام أحمد مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون على مفارقة الكتاب وهم مع ذلك لا بد أن يقولوا هو مخالف للعالم في حقيقته ليست حقيقته مثل حقيقة العالم كما تقدم وأنه متقدم عليه أيضا فهم يثبتون المباينة بالحقيقة والزمان وأما المباينة بالجهة فلا يثبتها أحد منهم لكن منهم من ينفي المحايثة ومنهم من لا ينفيها بل يثبت المحايثة للعالم فمن نفي المحايثة للعالم لزمه أن يثبت المباينة بالجهة والا جمع بين النقيضين ولم يمكن أن ينفي المحايثة مع نفي المباينة بالجهة كما تقدم ومن أثبت المحايثة لم يجعله مباينا للعالم بالجهة بل غايته أن يجعل مباينته للعالم بالحقيقة والزمان وهذه المباينة تثبت للجوهر مع عرضه ونحن نعلم بالاضطرار أن مباينة الله للمخلوق أعظم من مباينة المخلوق بعضه لبعض ومن مباينة الجوهر للعرض فكل من هؤلاء لا يذكر بجحد الضرورة العقلية # الوجه العاشر أن هؤلاء جميعا فروا بزعمهم من التشبيه ومن المعلوم أن هذا فيه من تشبيههم اياه بكل شيء من الجواهر والأجسام بل ومن المعدومات ما ليس في قول أهل الفطرة والشرعة فان نفي المباينة والمحايثة صفة للمعدوم والقول بالمحايثة تمثيل له بكل جوهر فان أحدهما محايث للآخر مع مباينته له بالحقيقة والزمان على أن فيهم من يجعل الأشياء حالة فيه ومنهم من يجعله حالا فيها فيكون هؤلاء مثلوه بالجواهر وهؤلاء مثلوه بالأعراض

# الوجه الحادي عشر انه قد ثبت بالشرع والعقل ان الله سبحانه ليس كمثله شيء وان حقيقته لا تماثلها حقيقة وذلك انه لو كان له مثل والمثلان يجوز ويجب ويمتنع على احدهما ما يجوز ويجب ويمتنع على الآخر لوجب للمخلوق ما يجب له من الوجوب والقدم والخلق وسائر خصائص الربوبية ولجاز عليه ما يجوز على المخلوق من العدم والحاجة والحدوث وسائر صفات النقص ولا ممتنع على المخلوق ما يمتنع عليه من العدم ونحو ذلك وذلك يستلزم ان يكون الشيء موجودا معدوما قديما محدثا خالقا مخلوقا واجبا ممكنا الى غير ذلك من الأمور المتناقضة واذا كان كذلك فمن المعلوم ان عدم مماثلته لشيء من المخلوقات اعظم من عدم مماثلة المخلوق للمخلوق اذ المخلوقات تشترك في كثير مما يجوز ويجب ويمتنع عليها واذا كان عدم مماثلته للعالم أعظم فالمباينة والمخالفة ونحوهما تتبع عدم المماثلة فكلما كان الشيء عن مماثلة الشيء أبعد كانت مباينته له ومخالفته له أعظم وذلك يوجب أن يكون مباينته له أعظم من مباينة كل جوهر وكل عرض لكل جوهر ولكل عرض فاذا لم يكن مباينا الا بالحقيقة والزمان لم يكن كذلك فعلم ان ذلك باطل # الوجه الثاني عشر يقال لو كان لا يباين العالم الا بالحقيقة والزمان وهذه المباينة يشاركه فيها الجواهر وما يقوم بها من الأعراض لم يكن لمباينته للعالم قدر زائد على مباينة الجوهر للعرض واذا انتفت المباينة الزائدة ثبتت المماثلة والمشابهة في المباينة فان الشيئين اذا كان كل منهما لا يباين ما يباينه الا بالحقيقة والزمان كانت نسبة كل منهما الى ما يباينه كنسبة الآخر الى ما يباينه فتكون نسبته الى العالم كنسبة كل من الجواهر والأعراض المخلوقه الى الآخر اكثر ما يقال ان حقيقته اكثر مباينة لحقيقة غيره من لجوهر للعرض والعرض للعرض كما ان تقدمه للعالم اعظم من تقدم بعض العالم لبعض لكن بكل حال اذا كانت مباينته من جنس المباينة بالحقيقة والزمان لم يخرج عما يجوز على هذا

الجنس كما انه اذا كان موجودا وقائما بنفسه لم يخرج عما يجوز على جنس الموجود والقائم بنفسه فاذا كان الموجود والقائم بنفسه لا يكون الا واجبا او ممكنا ولا يكون الا قديما او محدثا لم يخرج عن أحد القسمين # واذا كان التباين بالحقيقة أو الزمان لا يخرج عن ان يكون محلا لحال يقوم به او حالا في محل والحال مفتقر الى محله والمحل لا يوجد بدون وجود الحال فيه اذ العرض مفتقر الى الجوهر مستلزم للعرض وقد يقال هو محتاج اليه ايضا لزم اذا جعل حالا في العالم ان يكون مفتقرا الى العالم محتاجا اليه لا يقوم وجوده الا بالعالم مع ان العالم قائم بنفسه بدونه وهذا يقتضي ان يكون غنيا عن الله تعالى والله مفتقر اليه وان يكون هو الى العالم أحوج من العالم اليه او ان يكون كل منهما محتاجا الى الآخر # وهذا قد صرح به الاتحادية كصاحب الفصوص وقال بان العالم والحق كل منهما محتاج الى الآخر ونحو ذلك مما قد ذكرناه في غير هذا الموضوع ويقال ان أعيان العالم هي ثابتة في العدم مستغنية عن الحق وأن وجود الحق ظهر فيها وهذا من جنس حلوله في تلك الأعيان لكن هما متحدان لا يتميز الحال عن المحل ولهذا يقول بنوع من الحلول وبنوع من الاتحاد وهو في ذلك متناقض كتناقض النصارى في الحلول والاتحاد الخاص بالمسيح وذلك لأنه يجعل الثبوت غير الوجود كما يقوله من يقول المعدوم شيء وهذا باطل وان كان محققوا هؤلاء لا يرضون بالحلول الذي يقتضي اثنين حالا ومحلا بل عندهم ما ثم الا وجود واحد ومنهم من يقول هو الوجود المطلق وان كان المطلق لا وجود له في الخارج الا معينا مخصصا فيكون هو وجود المخلوقات بعينه ومنهم من يصرح

محمد الغماري
03 Apr 2010, 04:06 AM
# بذلك فيقول هو عين الموجودات لا يفرق بين ثبوت ووجود ولا بين مطلق ومعين فهؤلاء يجعلونه نفس المخلوقات فالحلول والاتحاد المطلق يشبه الحلول والاتحاد المعين # وكما أن النصارى في المسيح منهم من يقول اللاهوت والناسوت جوهر واحد وصفة واحدة كاليعقوبية القائلين بأن اللاهوت والناسوت اتحدا كاتحاد الماء واللبن وبأن نفس المصلوب المسمر هو خالق العالم ومنهم من يقول بالحلول كحلول الماء في الظرف كالنسطورية القائلين بأنهما جوهران وطبيعتان واقنومان ومنهم من يقول بالحلول من وجه بالاتحاد من وجه كالملكية الذين يقولون كالنار في الحديدة # فهؤلاء الذين يقولون بالحلول والاتحاد المطلق في المخلوقات جميعها من الجهمية قولهم ذلك شر من مقالة النصاري في الاتحاد فان قولهم من جنس قول المشركين والمعطلين وهم شر حال من النصارى وذلك من وجهين # أحدهما أن النصارى قالوا بالاتحاد والحلول في شخص واحد وهؤلاء قالوا انه في العالم كله حتى ذكروا عن صاحب الفصوص أنه قال النصارى ما كفروا الا لأنهم خصصوا وقال ذلك التلمساني وغيره من شيوخهم وقد صرح في غير موضوع بأن المشركين عباد الأوثان انما أخطئوا من حيث عبادة بعض الأشياء دون البعض والمحقق عندهم من يعبد كل شيء ويرى كل شيء عابدا للحق ومعبودا له وكل من عبد شيءا غير الله عنده فما عبد الا الله وهذا يجمع كل شرك في العالم مع قوله ان الشريك هو الله كما زعمت النصارى ان الله هو المسيح بن مريم ولهذا كثيرا ما يصرح شيوخ الجهمية بأن الله في العالم كالزبد في اللبن وهذا قول اليعقوبية في المسيح وقد قالوا في مجموع الوجود ما يقوله النصارى في المسيح

# الوجه الثاني ان النصارى يقولون بأن الاتحاد والحلول فعل من أفعال الرب وان اللاهوت اتحد بالناسوت مرة وانفصل عنه أخرى وهؤلاء عندهم ما يتصور أن يتميز وجود الحق عن المخلوقات ولا يباينها ولا ينفصل عنها وهؤلاء الاتحادية هم أكفر وأضل ممن يقول ان الله تعالى بذاته في كل مكان ونحو ذلك من المقالات الشنيعة المتقدمة ولكن هم مشاركون لهم في أصل المقالة وزائدون عليهم في الضلالة # والمقصود هنا التنبيه على ان اولئك الجهمية الذين لا يثبتون المباينة يضطرون الى ان يجعلوا الرب مفتقرا الى العالم اذا جعلوه حالا فيه مع استغناء العالم عنه وان جعلوه محلاله مع أن ذاته لا تباين ذات العالم بل تحايثه كما هو قولهم بانهم يقولون بأنه لا وجود للرب الا بوجود العالم ولا يمكن وجود الرب بدون وجود العالم كما لا يمكن وجود المحل الذي هو الجوهر او الهيولي بدون ما يحل فيه من الأعراض او الصورة فيكون العالم مقويا لوجود الرب والرب محتاج اليه أيضا وهو اعظم من قدم جميع العالم # الوجه الثالث عشر أن هؤلاء الجهمية يقولون انه لا تحله الصفات ولا تقوم به فانه اذا قامت به الصفات والأعراض كان محتاجا اليها وكانت مقومة له ومنافية لوحدته ووجوب وجوده وقدمه فاذا قال منهم طائفة بأن المخلوقات كلها تحله وتقوم به كان هذا مع فيه من الكفر والضلال في الاختلاف والتناقض اعظم من ان يوصف وكذلك قالوا انه لا يكون فوق العرش لئلا يكون حالا بغيره وقائما بغيره وكأننا في كل مكان ونحو ذلك مع انه متميز عن العرش منفصل

# عنه فاذا قالوا أنه حال في المخلوقات مختلط بالقاذورات كان هذا مع ما فيه من الكفر والضلالات من أعظم المتناقضات # والمقصود ان هؤلاء الجهمية لا يفرون من شيء من الحق لما يظنونه شبهة الا وقعوا في اضعاف مضاعفة من الباطل التي يلزمها ذلك المحذور عندهم فهم دائما متناقضون فان كل من نفي عن الله ان يكون فوق العرش لا بد أن يحتج بحجة تقتضي السلب والنفي فهو مع قوله بالمحايثة او قوله بالمباينة بلا محايثة يكون مثبتا لكل ما سلبه ولأضعافه او يلزمه ذلك فلم يستفيدوا الا التناقض في المقال وجحدوا الخالق الذي هو من أعظم الضلال ونفس تناقض القولين يقتضي فساده فكيف بما زاد على ذلك # فانهم اذا قالوا الوجود الواجب لا يكون الا واحدا ليس هو صفة ولا قدرة ونحو ذلك مما أصل قولهم فكل ما يقولونه بعد ذلك من كونه بكل مكان او كونه داخل العالم وخارجه او كونه هو الوجود القائم بالكائنات ونحو ذلك مما يناقض هذا فان المحايث لجواهر العالم وأعراضه يجب ان يوصف بما توصف به الجواهر والأعراض من التركيب والانقسام وغير ذلك وان لم يوصف بذلك مع قولهم بالمحايثة له كان هذا مع فساده في ضرورة العقل ناقضا لجميع اصولهم فانهم اذا جعلوا ذاتين محايثتين وجعلوا احداهما منقسمة ومركبة وغير ذلك دون الأخرى وجعلوا الواحد الذي لا تركيب فيه محايثا لكل مركب كان هذا مفسدا لكل حجة لهم وقولهم انه غير محايث له مع قولهم انه لا يباينه الا بالحقيقة والزمان جمع بين النقيضين حيث جعلوا مباينته غير زائدة على مباينة المحل للحال فيه وقالوا مع ذلك انه غير مباين بغير هذه المباينة كما تقدم

# ولو أن هذا الموضع ليس هو موضع الرد على من يقول هو بذاته في كل مكان اذ المؤسس وذووه لا يقولون هذا لكنا نوسع المقال فيه وانما المقصود هنا قول من يقول انه لا داخل العالم ولا خارجه وان كان القولان جميعا خارجين من مشكاة واحدة وهي التعطيل لكونه فوق العرش فانهم لاما جحدوا هذا الحق الذي فطر الله عليه عباده وبعث به رسله وانزل به كتبه واجتمع عليه المؤمنون به تفرقوا بعد ذلك وفسادا احد القولين مستلزم لفساد اصل القول الآخر وكل من القولين يناقض الآخر وكل منهما لا يمكنه افساد قول خصمه مع مقامه على قوله فيلزم اما القول بباطل خصمه واما الرجوع الى الحق ومتى ابطل قول خصمه ابطالا محققا لزم ابطال قوله # وأدلة ابطال قول الحولية والاتحادية الذين يقولون انه في كل مكان ونحو ذلك كثيرة ليس هذا موضعها وكل آية في القرآن تبين ان لله ما في السموات والأرض وما بينهما ونحو ذلك فانها تبطل هذا القول فان السموات والأرض وما بينهما وما فيهما اذا كان الجميع له وملكه ومخلوقه امتنع ان يكون شيء من ذلك ذاته فان المملوك ليس هو المالك والمربوب ليس هو الرب والمخلوق ليس هو الخالق ولهذا كان حقيقة قول الاتحادية ان المخلوق هو الخالق والمصنوع هو الصانع لا يفرقون بينهما حتى انه يمتنع عندهم انه يكون الله رب العالمين كما يمتنع ان يكون رب نفسه اذ ليس العالمون شيئا خارجا عن نفسه عندهم # وقد قدمنا فيما مضى طرفا من كلام السلف والأئمة في الرد على هؤلاء مثل الأثر المشهور عن ابن المبارك انه قيل له بماذا نعرف ربنا قال بأنه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه لا نقول كما تقول الجهمية انه ها هنا في الأرض وقول الامام احمد هكذا هو عندنا وروي عن ابي حاتم في كتاب الرد على الجهمية حدثنا علي بن الحسن بن مهران حدثنا سبشار بن موسى الخفاف

# قال جاء بشر بن الوليد الى ابي يوسف فقال له تنهاني عن الكلام وبشر المريسي وعلي الأحوال وفلان يتكلمون فقال وما يقولون قال يقولون الله في كل مكان فبعث أبو يوسف وقال علي بهم فأتوا اليهم وقد قام بشر فجيء بعلي الأحول والشيخ يعني الآخر فنظر ابو يوسف الى الشيخ وقال لو أن فيك موضع ادب لأوجعتك فأمر به الى الحبس وضرب علي الأحول وطوف به # وقال ايضا حدثنا علي بن الحسن بن يزيد السلمي سمعت ابي يقول حبس رجل في التجهم فتاب فجيء به الى هشام بن عبيد الله الرازي ليمتحنه فقال له أتشهد أن الله على عرشه بائن من خلقه قال لا أدري ما بائن من خلقه فقال ردوه فانه لم يتب بعد وقال عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق لما روي حديث ابن عباس ما بين السماء السابعة الى كرسيه سبعة آلاف نور فهو فوق ذلك قال من زعم ان الله هاهنا فهو جهمي خبيث ان الله سبحانه فوق العرش وعلمه محيط بالدنيا والآخرة وقال عبد الرحمن بن ابي حاتم سألت ابي وأبا زرعة عن مذهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان من ذلك فقالا أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازا وعراقا ومصرا وشاما ويمنا فكان من مذاهبهم أن الله على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه بلا كيف احاط بكل شيء علما وقال عثمان بن سعيد الرازي قد اتفقت الكلمة من المسلمين أن الله فوق عرشه فوق سماواته وقال ايضا قال أهل السنة ان الله بكماله فوق عرشه يعلم ويسمع من فوق العرش لا يخفي عليه خافية من خلقه لا يحجبهم عنه شيء وقال محمد بن عثمان بن ابي شيبة في كتاب العرش له ذكروا أن الجهمية يقولون ليس بين الله وبين خلقه

# حجاب أي يحجبهم عن أن يروه وانكروا العرش وأن يكون الله فوقه وقالوا انه في كل مكان الى أن قال فسرت العلماء وهو معكم يعني بعلمه ثم تواترت الأخبار ان الله خلق العرش فاستوى عليه بذاته فهو فوق العرش بذاته متخلصا من خلقه بائنا منهم # وقال عمرو بن عثمان المكي رفيق الجنيد في كتاب آداب المريدين والتعرف لأحوال العباد في باب ما يجيء به الشيطان للتائبين من الوسوسة أما الوجه الثالث الذي يأتي به للتائبين اذا هم امتنعوا عليه واعتصموا بالله فانه يوسوس لهم في أمر الخالق ليفسد عليهم اصول التوحيد وذكر كلاما طويلا الى أن قال فهذا من أعظم ما يوسوس به في التوحيد بالتشكيك أو في صفات الرب بالتمثيل والتشبيه أو بالجحد لها والتعطيل وأن يدخل عليه مقاييسس عظمة الرب بقدر عقولهم فهلكوا ان قبلوا وتضعضع أركانهم ان لم يلجؤا بذلك الى العلم وتحقيق المعرفة لله عز وجل من حيث أخبر عن نفسه ووصف به نفسه وما وصفه به رسول الى أن قال فهو تعالى القائل انا الله لا الشجرة الجائي بعد أن لم يكن جائيا لا أمره المستوي على عرشه بعظمته وجلاله دون كل مكان الذي كلم موسى تكليما وأراه من آياته عظيما فسمع موسى كلام الله الوارث لخلقه السميع لأصواتهم الناظر بعينه الى أجسامهم يداه مبسوطتان وهما غير نعمته وقدرته خلق آدم بيده وذكر أشياء أخر # وذكر زكريا بن يحيى الساجي امام البصرة في زمانه وعنه أخذ الاشعري كثيرا مما اخذه من مذاهب أهل السنة والحديث والفقه قال القول في السنة التي رأيت عليها أصحابنا أهل الحديث الذين لقيناهم أن الله على عرشه في سمائه

# يقرب من خلقه كيف شاء وقال نظيره ابو بكر بن محمد اسحاق بن خزيمة رضي الله عنه من لم يقر بأن الله فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه فانه ايستتاب فان تاب والا ضربت عنقه والقي على مزبلة لئلا يتأذى بريحه اهل القبلة وأهل الذمة # وقال ابو عبد الله بن بطة في الابانة الكبرى اجمع المسلمون من الصحابة والتابعين ان الله على عرشه فوق سماواته بائن من خلقه # وقال الحافظ ابو نعيم الاصبهاني في الاعتقاد الذي جمعه طريقتنا طريق السلف المتبعين للكتاب والسنة واجماع الأمة ومما اعتقدوه ان الله سبحانه لم يزل كاملا بجميع صفاته القديمة لا يزول ولا يحول لم يزل عالما بعلم بصيرا ببصر سميعا بسمع متكلما بكلام ثم أحدث الأشياء من غير شيء وان القرآن كلام الله وكذلك سائر كتبه المنزلة كلامه غير مخلوق وان القرآن من جميع الجهات مقروءا ومتلوا ومحفوظا ومسموعا ومكتوبا وملفوظا كلام الله حقيقة لا حكاية ولا ترجمة وأنه بالفاظنا كلام الله غير مخلوق وان الواقفة واللفظية من الجهمية وأن من قصد القرآن بوجه من الجوه يريد به خلق كلام الله فهو عندهم من الجهمية وان الجهمي عندهم كافر الى ان قال وأن الاحاديث التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم في العرش واستواء الله عليه يقولون بها ويثبتونها من غير تكييف ولا تمثيل وان الله بائن من خلقه والخلق بائنون منه لا يحل فيهم ولا يمتزج به وهو مستو على عرشه في سمائه من دون ارضه وذكر سائر اعتقاد السلف واجماعهم على ذلك

# وقال يحيى بن عمار السبحستاني في رسالته وفيه لا نقول كما قالت الجهمية انه مداخل الأمكنة وممازج لكل شيء ولا يعلم أين هو بل نقول هو بذاته على العرش وعلمه محيط بكل شيء وسمعه وبصره وقدرته مدركة لكل شيء وهو معنى قوله وهو معكم أين ما كنتم هذا الذي قلنا أن الأمكنة غير خالية من علمه وقدرته وأنه مدرك لها بسمعه وبصره وهو بذاته على العرش سبحانه وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم # وقال معمر بن زياد شيخ الصوفية في عصر أبي نعيم ويحيى بن عمار احببت أن اوصي أصحابي بوصية من السنة واجمع ما كان عليه أهل الحديث وأهل المعرفة والتصوف من المتقدمين والمتأخرين فذكر أشياء في الوصية الى أن قال فيها وأن الله استوى على عرشه بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل والاستواء معقول والكيف مجهول وأنه مستو على عرشه بائن من خلقه والخلق بائنون منه بلا حلول ولا ممازجة ولا ملاصقة وأنه عز وجل سميع بصير عليم خبير يتكلم ويرضى ويسخط ويضحك ويعجب ويتجلى لعباده يوم القيامة ضاحكا وينزل كل ليلة الى سماء الدنيا كيف شاء بلا كيف ولا تأويل فمن انكر النزول او تأول فهو مبتدع ضال # وقال أبو عثمان اسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني في كتاب الرسالة في السنة له ويعتقد أصحاب الحديث ويشهدون أن الله فوق سمواته على عرشه كما نطق به كتابه وعلماء الأمة وأعيان الأئمة من السلف لم يختلفوا أن الله تعالى على عرشه وعرشه فوق سماواته

# وقال ابو بكر البيهقي في كتاب الاعتقادر له في باب القول في الاستواء قال الله تعالى ^ الرحمن على العرش استوى ^ ثم استوى على العرش وهو القاهر فوق عباده يخافون ربهم من فوقهم اليه يصعد الكلم الطيب أأمنتم من في السماء أراد فوق السماء كما قال ^ ولأصلبنكم في جذوع النخل ^ وقال ^ فسيحوا في الأرض ^ يعني على الأرض وكل ما علا فهو سماء والعرش على السموات فمعنى الآية أأمنتم من على العرش كما صرح به في سائر الآيات وقال فيما كتبنا من الآيات دلالة على ابطال قول من زعم من الجهمية بأن الله بذاته في كل مكان وقوله ^ وهو معكم أينما كنتم ^ انما أراد بعلمه لا بذاته # وقال ابو عمر بن عبد البر لما تكلم على حديث النزول قال هذا حديث ثابت من النقل صحيح الاسناد لا يختلف اهل الحديث في صحته وهو منقول من طرق سوى هذه من أخبار العدول عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه دليل على أن الله في السماء على العرش من فوق سبع سماوات كما قالت الجماعة وهو من حجتهم على المعتزلة في قولهم ان الله في كل مكان قال والدليل على صحة قول اهل الحق قول الله تعال وذكر بعض الآيات الى أن قال وهذا اشهر واعرف عند العامة والخاصة من أن يحتاج الى أكثر من حكايته لأنه اضطرار لم يوقفهم عليه أحد ولا أنكره عليهم مسلم # وقال ابو اسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري الملقب شيخ الاسلام في كتاب الصفات له باب اثبات استواء الله على عرشه فوق السماء السابعة بائنا من خلقه من الكتاب والسنة فذكر رحمه الله دلالات ذلك من الكتاب والسنة الى أن قال ففي أخبار شتى أن الله تعالى فوق السماء السابعة على العرش بنفسه وهو ينظر كيف يعملون وعلمه وقدرته واستماعه ونظره ورحمته في كل مكان

وهذا باب واسع لا يحصيه الا الله تعالى فان الذين نقلوا اجماع السلف او اجماع اهل السنة أو اجماع الصحابة والتابعين على أن الله فوق العرش بائن من خلقه لا يحصيهم الا الله وما من أحد من هؤلاء المذكورين الا وشهرته في الاسلام بالعلم والدين أعظم من أن يتسع لها هذا الموضع وان كان بعضهم أفضل من بعض وفي شيء دون شيء وما زال علماء السلف يثبتون المباينة ويردون قول الجهمية بنفيها مع أن نفيها بالحقيقة أو الزمان لا ينكره أحد وانما ينكرون المباينة بالجهة ثم هم مضطربون في ثبوت المحايثة وعدمها كما تقدم واثبات المحايثة اقرب الى الفطر ابتداءا من نفي المباينة والمحايثة فلهذا كان هذا هو الذي تتظاهر به الجهمية وان كان منهم من يتأول قوله انه في كل مكان بمعنى علمه وقدرته لكن منهم من يقول ان ذاته في كل مكان وهو قول طوائف من علمائهم وعبادهم حتى انهم قالوا انه نفس وجود الأمكنة ومعلوم ان في هذا من الفساد أمور كثيرة من وصف الله تعالى بالنقائص والعيوب وما هو منزه عنه وقد التزم ذلك جميعه من التزمه من هؤلاء كالاتحادية وقالوا ان من كماله أن يكون هو الموصوف بكل مدح وذم ولعن وشتم وهو الناكح المنكوح والشاتم والمشتوم وأمثال ذلك مما هو من أعظم الكفر والسب والشتم والالحاد والمحادة لرب العالمين فكان السلف يحتجون على الجهمية بما يلزم قولهم ممن كونه مخالطا للأجسام المذمومة من النجاسات والشياطين # وقد اخذ هذه الحجة عنهم من اتبعهم في ذلك من متكلمة الصفاتية ونحوهم كما ذكر القاضي ابو بكر الباقلاني في غير موضع من كتبه قال فان قال قائل فهل تقولون ان الله في كل مكان قيل له معاذ الله بل مستو على العرش كما أخبر في كتابه فقال ^ الرحمن على العرش استوى ^ وقال ^ اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ^ وقال ^ أأمنتم من في السماء أن يخسف

# بكم الأرض فاذا هي تمور ^ وذكر آيات أخر الى أن قال ولو كان في مكان لكان في بطن الانسان وفمه وفي الحشوش والمواضع التي يرغب عن ذكرها ولو وجب أن يزيد بزيادة الأمكنة اذا خلق منها ما لم يكن وينقص بنقصانها اذا بطل منها ما كان ولصح أن يرغب اليه الى نحو الأرض والى خلفنا والى يميننا وشمالنا وهذا قد اجمع السملمون على خلافه وتخطئه قائله # فذكر بعد ما ذكره من النصوص ثلاث حجج قياسية عقلية أحدها أن ذلك يستلزم أن يكون في الأمكنة والأجسام القبيحة المذمومة كالحشوش وأن يكون في جوف الانسان وفمه وهذا مما يعلم الانسان بفطرته وبديهة عقله أن الله سبحانه منزه عنه يعلم بضرورة حسه وعقله أن الله ليس في جوفه وأن ذاته لا تصلح أن تلاصق النجاسات والأجواف بل ملائكته عليهم السلام مثل جبريل ونحوه قد نزههم أن يدخلوا بيتا فيه كلب أو جنب وانما يحضر الحشوش الشياطين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ان هذه الحشوش محتضرة # والحجة الثانية أنه كان يجب ان يزيد بزيادة الأمكنة اذا زيد فيها بالخلق وينقص بنقصها اذا نقص منها وهذا على قول من يقول منهم أنه في كل مكان لا يفضل عن العالم فان الأمكنة اذا زادت زاد واذا نقصت نقص بالضرورة # والحجة الثالثة ان ذلك يوجب دعاءه والرغبة اليه الى جهة السفل واليمين والشمال وذلك مخالف لاجماع المسلمين لأن الرغبة اليه هنا كالرغبة اليه هناك # والأشعري قبله قد احتج في كتاب الابانة المشهور بهذا التنزيه

محمد الغماري
03 Apr 2010, 04:07 AM
# فاحتج بتنزيهه عن أن يكون مستويا على الأقذار على المنع أن يكون الاستواء هو الاستيلاء واحتج على نفي كونه في كل مكان بتنزيهه عن أن يكون في النجاسات وقال وقد قال قائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية ان معنى قوله ^ الرحمن على العرش استوى ^ انه استولى وملك وقهر وأن الله في كل مكان وجحدوا أن يكون الله على عرشه كما قال أهل الحق وذهبوا في الاستواء على العرش الى معنى القدرة ولو كان هذا كما قالوه كان لا فرق بين العرش والأرض السابعة السفلى لأن الله عز وجل قادر على كل شيء والأرض والسموات وكل شيء في العالم فالله قادر عليه فلو كان الاستواء بمعنى الاستيلاءلكان الله مستويا على العرش وعلى الأرض وعلى السماء وعلى الحشوش والانتان والأقذار لأن الله سبحانه وتعالى قادر على الأشياء كلها ولما لم نجد أحدا من المسلمين يقول أن الله مستو على الحشوش والأخلية لم يجز أن يكون معنى الاستواء على العرش الاستيلاء الذي هو عام في الأشياء كلها ووجب أن يكون معنى الاستواء يختص بالعرش دون سائر الأشياء قال وزعمت المعتزلة والجهمية والحرورية أن الله عز وجل في كل مكان فلزمهم أن يكون في بطن مريم وفي الحشوش تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا # ويقال لهم اذا لم يكن الله مستويا على العرش بمعنى يختص به العرش دون غيره كما قال ذلك نقلة الآثار وكان الله في كل مكان فهو سبحانه تحت الأرض والأرض فوق والسماء فوق الأرض وفي هذا ما يلزمكم أن تقولوا ان الله تحت ما هو ما فوقه وفوق التحت والأشياء فوق وإنه فوق الإشياء كلها تحته وفي هذا ما يوجب أنه تحت ما هو تحته وهذا المحال الفاسد المتناقض تعالى الله ربنا جل جلاله عن ذلك علوا كبيرا

# فاحتج ابو الحسن بما يعلم بالاضطرار انه ليس في الأجواف والحشوش وخص بطن مريم بالذكر لأن ذلك مشاركة للنصارى الذين يقولون ان الله حل في بطن مريم لما تدرع اللاهوت بالناسوت مع ان هذا حين تقوله علماء النصارى لعامتهم تنكره فطرتهم وتدفعه عقولهم لما يجدون في انفسهم من العلم الضروري بنفي ذلك فانهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة فابواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه فالنصارى مولودون على الفطرة التي تنكر ذلك ولكن الدين الذي وجدوا عليه آباءهم هو الذي اوجب تغيير فطرتهم وهذه حال هؤلاء الجهمية اجمعين فما منهم من أحد الا حين يذكر قول الجهمية تنكره فطرته وترده ضرورة عقله لكن يتبع سادته وكبراءة في خلاف طاعة الرسول حتى يغيروا فطرته لأجل المذهب الذي وجد عليه أباه وأمه أو من يجري مجري ذلك من سيد مالك او معلم او نحو ذلك # وهم اعنى متكلمة الصفاتية أخذوا ما أخذوه من هذه الحجج عن السلف والأئمة وان كان في كلام السلف ولأئمة ما لم يهتدوا اليه هؤلاء من التحقيق # قال الامام أحمد فيما كتبه في الرد على الزنادقة والجهمية ومما أنكرت الجهمية الضلال ان الله سبحانه على العرش قلت لم أنكرتم أن الله سبحانه على العرش وقد قال سبحانه ^ الرحمن على العرش استوى ^ وقال ^ ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا ^ قالوا هو تحت الأرض السابعة كما هو على العرش فهو على العرش وفي السموات وفي الأرض وفي كل مكان لا يخلو منه مكان ولا يكون في مكان وتلوا آيات من القرآن ^ وهو الله في السموات وفي الأرض ^ فقلنا عرف المسلمون أماكن كثيرة ليس فيها من عظم الرب شيء فقلنا أحشاءكم وأجوافكم وأجواف الخنازير والحشوش والاماكن القذرة ليس فيها من عظم الرب سبحانه وتعالى شيء

# فهذا الذي ذكره الامام احمد متضمن اجماع المسلمين ويتضمن أن ذلك من المعروف في فطرتهم التي فطروا عليها وقوله من عظم الرب كلمة شديدة فان اسمه العظيم يدل على العظم الذي هو قدره كما بيناه في غير هذا الموضوع وذكر الاحشاش والاجواف لأن علم المسلمين بذلك ببديهة حسهم وعقلهم ولأن في ذلك ما يجب تنزيه الرب عنه اذ كان من أعظم كفر النصارى دعواهم ذلك في واحد من البشر فكيف من يدعيه في البشر كلهم وكذلك ما ذكره من أجواف الخنازير والحشوش والاماكن القذرة فان هذا كما تقدم مما يعلم بالضرورة العقلية الفطرية أنه يجب تنزيه الرب وتقديسه أن يكون فيها أو ملاصقا لها او مماسا وتخصيص هذه الأجسام القذرة والاجواف بالذكر فيه اتباع لطريقة القرآن في الأمثال والأقيسة المستعملة في باب صفات الله سبحانه # فان الامام احمد ونحوه من الأئمة هم في ذلك جارون على المنهج الذي جاء به الكتاب والسنة وهو المنهج العقلي المستقيم فيستعملون في هذا الباب قياس الأولى والأمرى والتنبيه في باب النفي والاثبات فما وجب اثباته للعباد من صفات المدح والحمد والكمال فالرب أولى بذلك وما وجب تنزيه العباد عنه من النقص والعيب والذم فالرب سبحانه أحق بتنزيهه وتقديسه عن العيوب والنقائص من الخلق وبهذا جاء القرآن في مثل قوله ^ ضرب لكم مثلا من انفسكم ^ وفي مثل قوله ^ واذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ^ وغير ذلك فانه احتج على نفي ما يثبتونه له من الشريك والولد بأنهم ينزهون أنفسهم عن ذلك لأنه نقص وعيب عندهم فاذا كانوا لا يرضون بهذا الوصف ومثل السؤ بوكيف يصفون ربهم به ويجعلون لله مثل السوء بل ^ للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثلى الأعلى ^ ومما يشبه هذا في حقنا قول النبي صلى الله عله وسلم ليس لنا مثل السوء ولهذا شبه الله من ذمه بالحمار تارة وبالكلب أخرى

# والأقيسة العقلية وهي الأمثال المضروبة كالتي تسمى أقيسة منطقية وبراهين عقلية ونحو ذلك استعمل سلف الأمة وأئمتها منها في حق الله سبحانه وتعالى ما هو الواجب وهو ما يتضمن نفيا واثباتا بطريق الأولى لأن الله تعالى وغيره لا يكونان متماثلين في شيء من الأشياء لافي نفي ولا في اثبات بل ما كان من الاثبات الذي ثبت لله تعالى ولغيره فانه لا يكون الا حقا متضمنا مدحا وثناءا وكمالا والله احق به ليس هو فيه مماثلا لغيره وما كان من النفي الذي ينفي عن الله وعن غيره فانه لا يكون الا نفي عيب ونقص والله سبحانه احق بنفي العيوب والنقائص عنه من المخلوق فهذه الأقيسة العادلة والطريقة العقلية السلفية الشرعية الكاملة # فاما ما يفعله طوائف من اهل الكلام من ادخال الخالق والمخلوقات تحت قياس او تمثيل يتساويان فيه فهذا من الشرك والعدل بالله وهو من الظلم وهو ضرب الامثال لله وهو من القياس والكلام الذي ذمه السلف وعابوه ولهذا ظن طوائف من عامة أهل الحديث والفقه والتصوف انه لا يتكلم في أصول الدين ولا يتكلم في باب الصفات بالقياس العقلي وان ذلك بدعة وهو من الكلام الذي ذمه السلف وكان هذا مما اطمع الأولين فيهم لما رأوهم ممسكين عن هذا كله اما عجزا او جهلا وأما لاعتقاد أن ذلك بدعة وليس من الدين وقال لهم الأولون ردكم أيضا علينا بدعة فان السلف والأئمة لم يردوا مثل ما رددتم وصار اولئك يقولون عن هؤلاء انهم ينكرون العقليات وانهم لا يقولون بالمعقول واتفق اولئك المتكلمون مع طوائف من المشركين والصائبين والمجوس وغيرهم من الفلاسفة الروم والهند والفرس وغيرهم على ما جعلوه معقولا يقيسون فيه الحق تارة والباطل اخرى وحصل من هؤلاء تفريط وعدوان ومن هؤلاء تفريط وعدوان اوجب تفرقا واختلافا بين الأمة ليس هذا موضعه

# ودين الاسلام هو الوسط وهو الحق والعدل وهو متضمن لما يستحق ان يكون معقولا ولما ينبغي عقله وعلمه ومنزه عن الجهل والضلال والعجز وغير ذلك مما دخل فيه أهل الانحراف فسلك الامام احمد وغيره مع الاستدلال بالنصوص وبالاجماع مسلك الاستدلال بالفطرة والأقيسة العقلية الصحيحة المتضمنة للأولى وذلك ان النجاسات مما أمر الشارع باجتنابها والتنزه عنها وتوعد على ذلك بالعقاب كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح تنزهوا عن البول فان عامة عذاب القبر منه وهذا مما علم بالاضطرار من دين الاسلام وهي مما فطرت القلوب على كراهتها والنفور عنها واستحسان مجانبتها لكونها خبيثة فاذا كان العبد المخلوق الموصوف بما شاء الله من النقص والعيب الذي يجب تنزيه الرب عنه لا يجوز أن يكون حيث تكون النجاسات ولا أن يباشرها ويلاصقها لغير حاجة واذا كان لحاجة يجب تطهيرها ثم انه في حال صلاته لربه يجب عليه التطهير فاذا أوجب الرب على عبده في حال من جاته ان يتطهر له وينزه عن النجاسة كان تنزيه الرب وتقديسه عن النجاسة اعظم واكثر للعلم بأن الرب احق بالتنزيه عن كلما ينزه عن غيره # وأيضا فالمعبود اعظم من العابد وهذا معلوم في بداية العقول لا سيما وهو سبحانه ^ القدوس السلام ^ والقدوس مأخوذ من التقديس وهو التطهير ومنه سمي القدوس قدوسا والجهمية تدعي انها تقدسه بنفي الصفات ويسمون كلامهم تأسيس التقديس ومنهم من يقول بمخالطته للنجاسات والباقون يلتزمون ذلك فهم منجسون لا مقدسون ومن أنكر الأمور في بداية العقول أن يكون العابد واجبا عليه التنزيه عن النجاسات التي تخرج منه مع أن المعبود مختلط بها ملاصق لها واذا كان العلم بأن الرب سبحانه أحق بالتنزيه والتعظيم من العبد والمعبود أحق بذلك من العابد كان هذا القياس وأمثاله من اظهر الأقيسة في بديهة العقول بل قد قال تعالى لخليله ^ وطهر بيتي للطائفين والعاكفين والركع

# السجود ^ فاذا أمر عبده بتطهير بيته الذي يطاف به ويصلى فيه واليه ويعكف عنده من النجاسة الم يكن هو أحق بالطيب والطهارة والنزاهة من بيته وبدن عبده وثيابه # ولهذا كان هؤلاء الاتحادية والحلولية يصفونه بما توصف به الأجسام المذمومة ويصرحون بذلك وهؤلاء من أعظم الناس كفرا وشتما لله وسبا لله سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا وحصل بما ذكره الأئمة ان هؤلاء الجهمية أصل قولهم الذي به يموهون على الناس انما هو التنزيه ويسمون انفسهم المنزهون وهم ابعد الخلق عن تنزيه الله واقرب الناس لتنجيس تقديسه وهذا يظهر بوجوه كثيرة لكن المذكور هنا كونهم يقولون انه في كل مكان من الأمكنة النجسة القذرة فأي تنزيه وتقديس يكون مع جعلهم له في النجاسات والقاذورات والكلاب والخنازير بل وتصريحهم بذلك حتى حدثني من شهد أحذق محققيهم التلمساني وآخر من طواغيتهم وقد اجتاز بكلب جرب ميت فقال ذلك للتلمساني وهذا الكلب ايضا ذلك فقال او ثم شيء خارج عن الذات # وهذا التلمساني هو وسائر الاتحادية كابن عربي الطائي صاحب الفصوص وغيره وابن سبعين وابن الفارض والقونوي صاحب ابن عربي شيخ التلمساني وسعيد الفرغاني انما يدعون الكشف والشهود لما يخبرون عنه وأن تحققهم لا يوجد بالنظر والقياس والبحث وانما هو شهود الحقائق وكشفها ويقولون ثبت عندنا في الكشف ما يناقض صريح العقل ويقولون لمن

# يسلكونه لا بد أن يجمع بين النقيضين وأن يخالف العقل والنقل ويقولون القرآن كله شرك وانما التوحيد في كلامنا ويقولون لا فرق عندنا بين الاخوات والبنات والزوجات فان الوجود واحد لكن هؤلاء المحجوبون قالوا حرام فقلنا حرام عليكم ومن شعر هذا التلمساني قبحه الله % يا عاذلي انت تنهاني وتأمرني % والوجد اصدق نهاء وأمار % % فان اطعك واعصى الوجد عدت عمي % عن العيان الى اوهام اخبار % % وعين ما انت تدعوني اليه اذا % حققته تره المنهي يا جاري %
# يقول انت تدعوني الى أن اعبد الله ولا اعبد غيره وما ثم غيره بل هو الذي تظنه غيرا وقد بسطت الكلام على ذلك في غير هذا الموضع # وأصل ذلك ان علم الانسان كله انما يحصل بطريق الاحساس والمشاهدة الباطنة والظاهرة او بطريق القياس والاعتبار العقلي او بطريق السمع والخبر والكلام كما قال تعالى ^ ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا ^ والعبد الصالح يحصل له من المشاهدة الباطنة ما ينكشف له به أمور كانت مغطاة عنه ويفهم من كلام الله ورسوله والسلف معاني يشهدها لم يكن قبل ذلك يشهدها بل يظهر له قوله تعالى ^ سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق ^ ثم قال ^ او لم يكف بربك انه على كل شيء شهيد ^ اي اولم يكف بشهادته وعلمه التي اخبرهم عنها في كتابه # وهؤلاء المنافقون المرتدون الزنادقة ومن وقع في بعض ضلالاتهم من الغالطين الضالين هم في الشهود الذي يحصل لهم ويجعلونها من جنس شهود المؤمنين مثل ما هم في المخاطبة التي تقع لهم ويجعلونها من جنس مخاطبة المؤمنين التي قال فيها

# النبي صلى الله عليه وسلم انه كان في الأمم محدثون فان يكن في امتي احد فعمر وقد رواه البخاري في صحيحه من حديث ابراهيم بن سعد عن ابيه عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال البخاري ورواه زكريا بن ابي زائدة عن سعد عن ابي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يقول قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون فان يكن في امتي منهم احد فان عمر بن الخطاب منهم قال ابن وهب تفسير محدثون ملهمون قال ابو مسعود الدمشقي الصواب من حديث ابراهيم بن سعد عن ابي هريرة كما ذكره البخاري وأما حديث ابن عجلان عن سعد فانه يقول فيه عن عائشه # والمخاطبة التي تقع لهؤلاء المنافقين والغالطين المتشبهين بالمؤمنين هي من الشياطين التي تنزل على امثالهم من كل افاك اثيم ومن حديث النفس ولهذا يكثرون من الشعر والكهانةالتي يقترن بأهلها الشياطين كثيرا قالوا لابن عمر ولابن عباس ان المختار يزعم انه ينزل عليه فقال صدق ^ هل انبئكم على من تنزل الشياطين ^ وقالوا للآخر انه يزعم انه يوحي اليه فقال صدق ^ وان الشياطين ليوحون الى أوليائهم ليجادلوكم ^ فلهم وحي وتنزيل ولكن من الشياطين كما تنزل على اشباههم من السحرة والكهان وبينهم قدر مشترك في كثير من الأمور # واما المشاهدة فان احدهم يشهد بباطنه الوجود المطلق الساري في الكون كله الذي لا يختص بشيء دون شيء وهذا شهود صحيح لكن ضلوا في ظنهم ان ذلك هو الله رب العالمين وان ما وراء السموات والأرض شيئا اخر حيث يقولون ما فوق العرش رب ولا فوق العالم اله ويقول احدهم لو زالت السموات والأرض زالت حقيقة الله فكانوا في هذا الشهود والذوق والوجود كما ذكرته لمن خاطبته من اهل المعرفة والتحقيق في بيان الشبهة التي ضل بها

هؤلاء مع كثرة ما فيهم من العبادة والصدق في ذلك والعلم والفضيلة فقلت هم بمنزلة من شاهد شعاع الشمس فظن أن ذلك هو الشمس وليس وراء الشعاع شىء آخر أصلا وجحد أن يكون في الوجود شمس غير ما شهده من الشعاع وهذا مثل بعيد والا فالله سبحانه وتعالى أجل وأعلاه وأعظم وأكبر من جميع المخلوقات أن يكون نسبته إليها كنسبة الشمس إلى شعاعها ولكن هذا كما تقدم من باب قياس الأولى فإنه إذا كان من شهد شعاع الشمس ووجده فظن أنها عين الشمس وحقيقتها من أعظم الجاهلين الضالين فالذي شهد وجود المخلوقات فاعتقد أن عين وجود رب العالمين هو الأرض والسموات أعظم جهلا وضلالا وهؤلاء لم يكن ضلالهم فيما علموه وشهدوه من وجود رب المخلوقات ولكن في نفي ما لم يشهدوه وأنكروه من وجود رب السموات ثم ضلوا فظنوا وجود المخلوق هو وجود خالق الكائنات فوافقوا فرعون في ذلك النفي وامتازوا عنه بهذا الإثبات وهذا حال عامة الكفار وأهل البدع أنما ضلالتهم في التكذيب بما لم يعرفوه من الحق فلا بما علموه من الحق لكن يضمون الى ذلك التكذيب ظنونا كاذبة تنشأ عن الهوى يصدقون لأجلها بالباطل # وذكر الأئمة في الرد على الجهمية ما علمه المسلمون بضرورة حسهم وعقلهم ودينهم من تنزيهه عن أن يكون في أجوافهم وأحشائهم أيضا مع ما ذكروه من تنزهه عن الأنجاس لأن ذلك أقرب إلى حس الإنسان وبديهة عقله فكلما كان المعلوم مما يحسه الأنسان ويعقله بديهة كان أعلم به لاسيما مع تكرر إحساسه به وعقله له # وأيضا فنبهوا بذلك على ما ذكره الله تعالى من كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم وأن الله تعالى حل في بطن مريم فإن هذا تكفير لكل من قال في بشر أنه الله بطريق الأولى فمن قال في الوجود كله ذلك أكفر

وأكفر ولهذا اجتمع جماعة عظيمة بدمشق في سماع فأنشد فيه القوال شعرا لابن اسرائيل و كان شاعرا من شعراء الفقراء في شعره ايمان وكفر وهدىو ضلال و في شعره كثير من كلام الاتحادية لكن التلمساني و ابن الفارض أحذق في الاتحادمنه فأنشد القوال له % وما أنت غير الكون بل أنت عينه % ويفهم هذا السر من هوذايق %
# وكان هناك شيخ يعرف بالشيخ نجم الدين بن الحكيم صحب الشيخ اسماعيل الكوراني فانكر ذلك وتلا قوله تعالى ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم ) و التفت الى القوال و قال له قل % وما أنت عين الكون بل أنت غيره % و يشهد هذا الأمر من هو صادق %
# وهي واقعة مشهورة حدثني بها غيرواحد ممن شهدها ولقد أحسن هذا الشيخ التالي لهذه الآية في الرد على هذا الشعر الذي هو من أقوال الملاحدة و الاتحادية # و أيضا نبهوا بذلك على ضلال من يقول انه الله أو أن الله فيه من أهل الاتحاد و الحلول الخاص فان المسلمين يعلمون بضرورة حسهم و عقلهم أن الله ليس في أجوافهم ولا أحشائهم # ثم احتج الامام أحمد بالنصوص وقال و قد أخبرنا الله أنه في السماء فقال سبحانه ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ) ( أم امنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا ) الآية وقال ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) وقال ( اني متوفيك و رافعك الي ) و قال بل رفعه الله إليه وقال ( وله من في السموات ومن في الأرض ومن عنده ) و قال ( يخافون ربهم من # فوقهم ويفعلون ما يؤمرون )

محمد الغماري
03 Apr 2010, 04:08 AM
وقال ( ذي المعارج تعرج الملائكة والروح اليه ) وقال ( وهو القاهر فوق عباده ) وقال ( وهو العلي العظيم ) وقال فقد أخبر الله أنه في السماء # ثم احتج بحجة أخرى من الأقسية العقلية وقال وجدنا كل شيء أسفل مذموما قال الله تعالى ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن ولانس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الاسفلين ) وهذه الحجة من باب قياس الأولى وهو أن السفل مذموم في المخلوق حيث جعل الله أعداءه في أسفل السافلين وذلك مستقر في فطر العباد حتى إن أتباع المضلين طلبوا أن يجعلوهم تحت اقدامهم ليكونوا من الأسفلين وإذا كان هذا مما ينزه عنه المخلوق ويوصف به المذموم المعيب من المخلوق فالرب تعالى أحق أن ينزه ويقدس عن ان يكون في السفل او يكون موصوفا بالسفل هو اوشى منه أو يدخل ذلك في صفاته بوجه من الوجوه بل هو العلى الأعلى بكل وجه ولهذا يروى عن بشر المريسي انه كان يقول في سجوده سبحان ربي الأسفل وكذلك بلغني عن طائفة من أهل زماننا أن منهم من يقول إن يونس عرج به الى بطن الحوت كما عرج بمحمد إلى السماء وانه قال لاتفضلوني على يونس وأراد هذا المعنى وقد بينا كذب هذا الحديث وبطلان التفسير في غير هذا الموضع ) # وهذه الحجة التي احتج بها الأئمة اجود من حجة التناقض التي احتج بها ابو الحسن فانه يرد على تلك الأسولة ما لم يرد على هذه حيث يمكن ان يقال هو يجمع بين مايتناقض في حق غيره كما قيل لأبي سعيد الخراز بماذا عرفت

# ربك قال بالجمع بين النقيضين ثم تلا قوله تعالى ^ هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ^ وأما هذا القياس قياس الأولى ووجوب تنزيه الرب عن كل نقص ينزه عنه غيره ويذم به سواه فهذا فطري ضروري متفق عليه # ثم ذكر احمد حجة اخرى عقلية قياسية قال وقلنا لهم اليس تعلمون ان ابليس مكانه مكان ومكان الشياطين مكانهم مكان فلم يكن الله ليجتمع هو وابليس في مكان واحد وهذا التنزيه عن مجامعة الخبيث والنجس من الأحياء نظير التنزيه عن مجامعة الخبيث النجس من الجمادات ولهذا نهي عن الصلاة في المواطن التي تسكنها الشياطين كالحمام والحش واعطان الابل ونحو ذلك وان كان المكان ليس فيه من النجاسات الجامدة شيء بل أرواث الابل طاهرة بل قد بثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح من غير وجه انه ذكر ان الكلب يقطع الصلاة وخصه في الحديث الصحيح بالأسود وقال انه شيطان لما سئل عن الفرق بين الأحمر والأبيض والأسود فقال الأسود شيطان وفي الصحيح عنه انه قال ان الشيطان تفلت علي البارحة فاراد أن يقطع علي صلاتي فامكنني الله منه فاخذته فذعته ولها امر النبي صلى الله عليه وسلم بمقاتلة المار بين يدي المصلي وقال ان معه القرين فأما مرور الانسي فقد قال ابن مسعود انه يذهب بنصف اجر الصلاة واما شيطان الجن فقد قال طائفة من الفقهاء من اصحاب أحمد وغيرهم انه يقطع الصلاة اذا علم ذلك كما يقطعها الكلب الاسود أليهم الذي هو شيطان الدواب # وأيضا فالشيطان معلون رجيم كما قال تعالى ^ وان يدعون الا شيطانا مريدا لعنه الله ^ وقد اخبر سبحانه وتعالى ان الشياطين ترجم بالشهب لئلا يسترق السمع

# من الملائكة فقال تعالى ^ انا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون الى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب الا من خطف الخطفة فاتبعه شهاب ثاقب ^ # وقد امر الله عباده بالاستعاذة من الشيطان فقد قال لكبيرهم في السماء ^ اخرج منها مذموما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم اجمعين ^ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض عباد الله وهو عمر بن الخطاب ما رآك الشيطان سالكا فجا الا سلك فجا غير فجك وقد اخبر الله في كتابه عن هرب الشيطان من الملائكة حيث قال ^ واذ زين لهم الشيطان اعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس واني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال اني بريء منكم اني ارى مالا ترون اني اخاف الله والله شديد العقاب ^ فاذا كان ملعونا مبعدا مطرودا عن ان يجتمع بملائكة الله او يسمع منهم ما يتكلمون به من الوحي فمن المعلوم ان بعده عن الله اعظم وتنزه الله وتقدسه عن قرب الشياطين فاذا كان كثير من الأمكنة مملوءا وكان تعالى في كل مكان كان الشياطين قريبين منه غير مبعدين عنه ولا مطرودين بل كانوا متمكنين من سمع كلامه منه دع الملائكة وهذا يعلم بالاضطرار وجوب تنزه الله وتقديسه عنه اعظم من تنزيه الملائكة والأنبياء والصالحين وكلامه الذي يبلغه هؤلاء ومواضع عباداته فان نفسه احق بالتنزيه والتقديس عن جميع هذه الأعيان المخلوقة ومن كلامه الذي يتلوه هؤلاء # ثم أجاب الامام احمد عن حجتهم فقال واما معنى قوله تبارك وتعالى ^ وهو الله في السموات وفي الارض ^ يقول هو اله من في السموات واله من في

# الأرض وهو على العرش وقد احاط بعلمه ما دون العرش لا يخلو من علم الله مكان ولا يكون علم الله في مكان دون مكان وكذلك قوله تعالى ^ لتعلموا ان الله على كل شيء قدير وان الله قد أحاط بكل شيء علما ^ # ثم ذكر الامام احمد حجة اعتبارية عقلية قياسية لا مكان ذلك هي من باب الاولى قال ومن الاعتبار في ذلك لو ان رجلا كان في يده قدح من قوارير صاف وفيه شيء كان بصر ابن آدم قد احاط بالقدح من غيران يكون ابن آدم في القدح فالله سبحانه له المثل الأعلى قد أحاط بجميع خلقه من غير أن يكون في شيء من خلقه قلت وقد تقدم ان كل ما يثبت من صفات الكمال للخلق فالخالق احق به واولى فضرب احمد رحمه الله مثلا وذكر قياسا وهو ان العبد اذا امكنه ان يحيط بصره بما في يده وقبضته من غير ان يكون داخلا فيه ولا محايثا له فالله سبحانه اولى باستحقاق ذلك واتصافه به واحق بأن لا يكون ذلك ممتنعا في حقه وذكر احمد في ضمن هذا القياس قول الله تعالى ^ وله المثل الأعلى ^ مطابق لما ذكرناه من أن الله له قياس الأولى والأخرى بالمثل الأعلى اذ القياس الأولى والأخرى هو من المثل اذ القياس الأولى والأخرى هو من المثل الأعلى واما المثل الساوي او الناقص فليس لله بحال ففي هذا الكلام الذي ذكره واستدلاله بهذه الاية تحقيق لما قدمناه من أن الأقيسة في باب صفات الله وهي أقيسة الأولى كما ذكره من هذا القياس فان العبد اذا كان هذا الكمال ثابتا له فالله الذي له المثل الأعلى احق بذلك # ثم ذكر قياسا آخر فقال وخصلة اخرى لو ان رجلا بني دارا بجميع مرافقها ثم اغلق بابها وخرج منها كان لا يخفى عليه كم بيت في داره وكم سعة كل بيت من غير ان يكون صاحب الدار في جوف الدار فالله سبحانه له المثل الاعلى قد أحاط

# بجميع ما خلق وقد علم كيف هو وما هو من غير ان يكون في جوف شيء مما خلق وهذا ايضا قياس عقلي من قياس الأولى قرر به امكان العلم بدون المخالطة فذكر ان العبد اذا فعل مصنوعا كدار بناها فانه يعلم مقدارها وعدد بيوتها مع كونه ليس هو فيها لكونه هو بناها فالله الذي خلق كل شيء اليس هو احق بأن يعلم مخلوقاته ومقاديرها وصفاتها وان لم يكن فيها محايثا لها وهذا من ابين الأدلة العقلية وهذان القياسان احدهما لاحاطته بخلقه اذ الخلق جميعا في قبضته وهو محيط بهم ببصره والثاني لعلمه بهم لانه هو الخالق كما قال سبحانه ^ الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ^ # وهؤلاء الجهمية نفاة الصفات كثيرا مما يجمعون بين نفي علوه وكونه فوق العالم وبين الريب في علمه فان كثيرا منهم مستريب في علمه لا سيما من تفلسف منهم فتارة يقولون لا علم له وتارة يقولون لا يعلم الا نفسه وتارة يقولون انما يعلم غيره على وجه كلي ولهم من الاضطراب في مسألة العلم ما هو نظير اضطرابهم في علوه وفوقيته وكا ما ذكره الله في كتابه وما كان عليه سلف الأمة وائمتها من الجمع بين هذين ردا لضلال هؤلاء في الأمرين كما قال تعالى ^ هو الذي خلق السموات والأرض في ستة ايام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في ألأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم اينما كنتم والله بما تعملون بصير ^ وهؤلاء جاحدون او مستريبون بأنه فوق العرش وبأنه معنا أينما كنا ومن هؤلاء طوائف موجودون وان كان لهم من الفضيلة والذكاء ما تميزوا به على من لم يشركهم في ذلك ولهم من السمعة والرياسة مالهم ففيهم من الجهل والنفاق هذا وغيره ولا حول ولا قورة الا بالله

# قال الامام احمد ومما تأول الجهمية من قول الله تعالى ^ ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم ^ الآية قالوا ان الله عز وجل معنا وفينا فقلنا لم قطعتهم الخبر من أوله ان الله يقول ^ الم تر ان الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ^ يعني ان الله يعلمه رابعهم ^ ولا خمسة الا هو سادسهم ولا ادنى من ذلك ولا اكثر الا هو معهم ^ يعني بعلمه فيهم ^ اينما كانوا ثم ينبؤهم بما عملوا يوم القياسمة ان الله بكل شيء عليم ^ يفتح الخبر بعلمه ويختم الخبر بعلمه # ثم ذكر حجتين عقليتين على مباينته فقال ويقال للجهمي ان الله اذا كان معنا بعظمة نفسه فقل له هل يغفر الله لكم فيما بينكم وبين خلقه فان قال نعم فقد زعم ان الله بائن من خلقه وان خلقه دونه وان قال لا كفر وذلك ان من اثبت ان شيئا بين الله وبين خلقه فقد جعله مباينا فان المباينة والبين من اشتقاق واحد واذا كان شيء بين شيئين فالثلاثة مباينة بعضها عن بعض وهذا الوسط من هذا وهو ما بينه وبين هذا هو مباينته ومباين المباينين اولى ان يكون مباينا # وقد ذكر في كتابه انه يحجب بعض خلقه عنه فقال تعالى ^ وما كان لبشر أن يكلمه الله الا وحيا او من وراء حجاب ^ وقال ^ كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ^ واختصاص بعض خلقه بالحجاب يمنع ان يكون الجميع محجوبين واذا كان البعض محجوبا والبعض ليس محجوبا امتنع ان يكون فيهم كلهم لان نسبتهم اليه حينئذ تكون نسبة واحدة ووجب ان يكون بينه وبين بعضهم حجابا وذلك يقتضي المباينة كما تقدم

# ومثل هذا قوله ^ ثم ردوا الى الله مولاهم الحق ^ وقوله ^ ولو ترى اذ وقفوا على ربهم ^ وقوله ^ وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم اول مرة ^ ^ ولو ترى اذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم ^ فلفظ اليه وعنده وعليه بحيث يكون بعض الخلق مردودا اليه وبعضهم موقوفا عليه ومعروضا عليه وبعضهم ناكسو رؤوسهم عنده يقتضي ان الخلق ليسوا كلهم كذلك وانهم قبل ذلك لم يكونوا كذلك وأنهم مباينون له منفصلون عنه وأنه بحيث يكون شيء عنده ويرد شيء اليه ويعرض ولون كانت ذاته مختلطة بذواتهم لامتنع ذلك وهذا يقتضي مباينته وامتيازه واختصاصه بجهة وحد وبطلان قول من يقول ان ذاته مختلطة بذواتهم او يجعل الموجودات لا تختلف نسبتها اليه بل ما فوق السماء كما تحتها وعلى قول هذا يمتنع لقاه والعروج اليه والرد اليه والوقوف عليه والعرض عليه وأمثال ذلك مما دل عليه القرآن وعلم بالاضطرار من دين الاسلام ولهذا يجعلون ما جعل له في هذه الآيات انما هو لبعض المخلوقات اما ثوابه واما عقابه واما غير ذلك او يجعلون ذلك عبارة عن حصول العلم به وأمثال ذلك من التأويلات التي هي من جنس تأويل القرامطة # قال الامام احمد واذا اردت ان تعلم ان الجهمي كاذب على الله تعالى حين زعم انه في كل مكان ولا يكون في مكان دون مكان فقل له اليس كان الله ولا شيء فسيقول نعم فقل له حين خلق الشيء هل خلقه في نفسه او خارجا عن نفسه فانه يصير الى ثلاثة اقاويل واحد منها ان زعم ان الله خلق الخلق في نفسه كفر حين زعم انه خلق الجن والشياطين وابليس في نفسه وبأن قال خلقهم خارجا عن نفسه ثم دخل فيهم كان هذا أيضا كفرا حين زعم انه في كل مكان وحش قذر رديء وان قال خلقهم خارجا عن نفسه ثم لم يدخل فيهم رجع عن قوله كله اجمع وهو قول اهل السنة وهذه الحجة

# التي ذكرها الامام احمد مبناها على انه يخلو عن المباينة للخلق والمحايثة لهم وهذا كما انه معلوم بالفطرة العقلية الضرورية كما تقدم فان الجهمية كثيرا مما يضطرون الى تسليم ذلك كقوله انه في كل مكان ولأن الخروج عن هذين القسمين مما تنكره قلوبهم بفطرتهم ومما ينكره الناس عليهم # واذا كان كذلك فالامام احمد بنى الحجة على أن الله تعالى كان وحده متميزا عن الخلق وهذا مخاطبة للمسلمين وسائر اهل الملل الذين يقرون بأنه خلق السموات والأرض في ستة أيام وانها محدثة بعد ان لم تكن فان الأمر اذا كان كذلك فمن أثبت محايثته للخلق اثبت محايثة بعد أن لم تكن محايثة بخلاف ما لو لم يقر بذلك فانه لا يثبت انفراده ومباينته أصلا وهذا لا ريب أنه اعظم كفرا وجحودا للخالق كما تفعله الاتحادية من هؤلاء فان هؤلاء كثيرا اما أن يكونوا متفلسفة لكن المتفلسفة الضالون يقولون بقدم العالم اما معلولا عن علة واجبة كما يقوله ارسطو وذووه واما غير معلول كما يقوله غيرهم وهؤلاء ضموا الى ذلك انه هو العالم او في العالم وأولئك الجهمية الذين ناظرهم الامام احمد وأمثاله كانوا اقرب الى العقل والدين فانهم لم يكونوا يقولون انه عين الموجودات ولا يقولون انه لم يزل محايثا لها ولا كانوا يظهرون انه ليس بمباين للعالم ولا محايث له بل يقولون بنفي الاختصاص بالعرش بقولهم انه في كل مكان ولا يكون في مكان دون مكان واذا كان وحده ثم خلق الخلق فاما ان يقولوا انه محل الخلق او يقولوا انه حل في الخلق او يقولوا انه ليس بحال ولا محل فهذه القسمة حاصرة كما ذكره احمد انه لا بد من قول من هذه الأقوال الثلاثة فان جعلوه محلا للمخلوقات فقد جعلوا ابليس والشياطين

# والنجاسات مما يبعد عن الله ملعون مطرود جعلوه في جوف الله وذلك كفر وان جعلوه حالا فيها فقد جعلوه حالا في كل مكان يتنزه عن مقاربته وملاصقته والقرب منه وذلك أيضا كفر كما تقدم # وفرق الامام احمد في كونه محلا وكونه حالا بين الخبيث الحي وبين الخبيث الموات الجامد فذكر في القسم الأول الخبيث الحي وهم الشياطين وفي الثاني الخبيث الجامد وهي النجس الرديء لانه في هذا القسم يكون التقدير ان المخلوق امكنة له ومحل والمكان والمحل في شأنه ان لا يكون من الحيوانات فالزمهم المكان من الأجسام النجسة الخبيثة القذرة وفي القسم الأول ذكر انه هو المحل والمكان فذكر المتمكن في المكان الحال فيه والعادة ان الحيوانات تكون في الأمكنة فالحيوان يتحرك في المكان واليه ليس المكان هو يتحرك الى الحيوان يجيء اليه واذا انتفى هذان القسمان بقي القسم الثالث هو انه سبحانه وتعالى خلق الخلق خارجا عن نفسه ثم لم يدخل فيهم وهو الحق الذي عليه أهل السنة والجماعة وعموم الخلائق من كل ذي فطرة سليمة # قال الامام احمد بيان ما ذكر الله في القرآن ^ وهو معكم ^ وهذا على وجوه قول الله تعالى لموسى ^ انني معكما اسمع وأرى ^ يقول في الدفع عنكما وقال تعالى ^ ثاني اثنين اذهما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا ^ يعني في الدفع عنا وقال ^ والله مع الصابرين ^ يعني في النصرة لهم على عدوهم وقوله ^ وانتم الأعلون والله معكم ^ في النصرة لكم على عدوكم وقال سبحانه ^ وهو معهم اذ يبيتون ما لا يرضى من القول ^ يقول بعلمه فيهم وقوله ^ كلا ان معي ربي سيهدين ^ يقول في العون على فرعون

# قال فلما ظهرت الحجة على الجهمي بما ادعى على الله عز وجل انه مع خلقه قال هو في كل شيء غير مماس للشيء ولا مباين منه فقلنا اذا كان غير مباين اليس هو مماس فلم يحسن الجواب فقال بلا كيف فخدع الجهال بهذه الكلمة موه عليهم فقلنا له اذا كان يوم القيامة اليس انما هو الجنة والنار والعرش والهواء قال بلى قلنا فأين يكون ربنا قال يكون في كل شيء كما كان حيث كانت الدنيا فقلنا فان مذهبكم ان ما كان من الله على العرش فهو من العرش وما كان من الله في الجنة فهو في الجنة وما كان من الله في النار فهو في النار وما كان من الله في الهواء فهو في الهواء فعند ذلك تبين للناس كذبهم على الله عز وجل # فذكر الامام احمد بعد تفسير المعية التي احتجوا بها من جهة السمع حجتين عقليتين فذكر قول الجهمية انه في كل شيء غير مماس للأشياء ولا مباين لها وهذا قول الجهميةس الذين ينفون مباينته ثم يبقون مع ذلك مماسته فيقولون هو في كل مكان والصنف الآخر كالمؤسس ينفون مباينته الحقيقية وان قالوا انهم يثبتون مباينته بالحقيقة الزمان فان اؤلئك ايضا وان نفوا المباينة فانهم يثبتونها بالحقيقة والزمان فكلا الطائفتين يقولون انهم يثبتون مباينته لكن ينفون ان يكون خارج العالم وكل من الصنفين خصم للآخر فيما يوافقه عليه الجماعة فالأولون يقولون كما تقول الجماعة انه اذا لم يكن مباينا للعالم بغير الحقيقة والزمان كان محايثا له خلافا للطائفة الأخرى ثم يقول بما تقول به الأخرى وليس بمباين للعالم بغير الحقيقة والزمان فيلزم ان يكون محايثا له والآخرون يقولون اذا كان محايثا للعالم كان مماسا له كما تقول الجماعة خلافا لتلك الطائفة ثم يقولون مع

# الجماعة وليس بمماس للعالم فيلزم ان لا يكون فيه ولا مباينا له بغير الحقيقة والزمان فلا يكون خارجا عنه # واحمد رحمه الله ذكر ما يعلم بضرورة العقل من انه اذا كان فيه وليس بمباين فانه لا بد أن يكون مماسا له فانه لا يعقل كون الشيء في الشيء الا مماسا له او مباينا له فانه لما كان خطابه مع الجهمية الذين يقولون انه في كل مكان ذكر انه لا بد من المماسة او المباينة على هذا التقدير وهو تقدير المحايثة فان اولئك لم يكونوا ينكرون دخوله في العالم وانما ينكرون خروجه وذكر دعوى الجهمية بنفي هذين النقيضين قال فقلنا اذا كان غير مباين اليس هو مماس قال لا قال فكيف يكون في كل شيء غير مماس يقول احمد ان هذا لا يعقل فكيف يكون ذلك وذكر ان الخصم لم يحسن الجواب عن ذلك فانه لا يمكنه ان يذكر ما يعقل كونه في كل شيء وهو مع ذلك غير مماس فلما كان هذا غير معقول لجأ الخصم الى ان قال بلا كيف قال احمد رحمه الله فخدع الجهال بهذه الكلمة موه عليهم # فبين احمد أن هذه الكلمة انما يقبلها الجهال فينخدعون بها لأنهم يعتقدون ان ما ذكره هذا ممكن وأن لم نعلم نحن كيفيته وانما كانوا جهالا لأنهم خالفوا العقل والشرع وقبلوا ما لا يقبله العقل واعتقدوا هذا من جنس ما اخبر به الشارع من الصفات التي لا نعلم نحن كيفيتها والفرق بينهما من وجهين # أحدهما ان الله ورسوله عالم صادق فيما اخبر به عن نفسه وهو اعلم من عباده فاذا اخبرنا بأمر فقد علمنا صدقه في ذلك وعلمنا مما أخبرنا به ما أفهمناه وما لم نعلم كيفيته من ذلك لا يضرنا عدم علمنا به بعد أن نعلم صدق المخبر

محمد الغماري
03 Apr 2010, 04:09 AM
# وأما هؤلاء فانما يدعون ما يقولونه بالعقل لا يثبتونه بالشرع فاذا كان العقل الذي به يعتصمون لا يقبل ما يقولونه ولا يثبته بل ينفيه كان ما يقولون باطلا ولم يكن لهم به علم وكانوا أسوأ حالا ممن استشهد بشاهد فكذبه او نزع بآية ليحتج بها وكانت حجة عليه اذ كان مفزعهم العقل والعقل عليهم لالهم # وهذا الذي ذكره الامام احمد هو كما ذكرناه على كلام هذا المؤسس ونحوه من أنهم يدعون بالعقل مالا يقبله العقل بل يرده كدعواهم وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه كما قال اخوانهم بوجود موجود في العالم لا مباين العالم ولا مماس له ثم ان صنف المؤسس وهذا الصنف الآخر كل منهما يقول بأن الالهيات تثبت على خلاف ما يعلمه الناس وتثبت بلا كيفية ويدعون ذلك فيما يثبتونه بالعقل والعقل نفسه لا يقبل ما يقولونه بل يرده بضرورته وفطرته فضلا عن قياسه ونظره # الوجه الثاني ان الشارع لم يخبر بما يعلم بالعقل بطلانه ولا بما يحيله العقل حتى يكون نظيرا لهذا وهؤلاء ادعوا ما يرده العقل ويحله فلهذا كان ما اخبر به الشارع يقال له والكسيف مجهول ويقال فيه بلا كيف لعدم امتناعه في العقل وهؤلاء الجهمية ادعوا محالا في العقل فلم يقبل منهم بلا كيف ولهذا قال الامام احمد انه خدع الجهال بهذه الكلمة موه عليهم حيث لم يثبتوا الفرق بين خبر الشارع وبين كلام هؤلاء الضلال ولم يثبتوا الفرق بين ما يقبله العقل ويرده وهذا الذي ذكره احمد عنهم من قولهم هو فيه غير مباين ولا مماس وقول الآخرين الذين منهم المؤسس لا داخله ولا خارجه قد علم بالفطرة الضرورية انه خروج عن النقيضين كما علم مثل ذلك في قول سائر الجهمية من الملاحدة والباطنية ونحوهم حيث قالوا هو لا حي ولا ميت ولا عاجز ولا قادر

# ولا عالم ولا جاهل وكلام هؤلاء كلهم من جنس واحد يتضمن الخروج عن النقيضين ويتضمن تعطيل ما يستحقه الباري وحقيقته تعطيل ذاته بالكلية وتعطيل معرفته وذكره وعبادته بحيث مانعوه من ذلك # فان قيل ما ذكره الامام احمد وقدرتموه من امتناع كونه في العالم غير مباين ولا مماس معارض بما يذكره المؤلف عن أهل الاثبات من أصحاب الامام احمد وغيرهم القائلون بأنه فوق العرش فانهم يقولون هو فوق العرش غير مباين ولا مماس فما الفرق بين الموضعين قيل هؤلاء الذين يقولون هذا انما يقولونه لأنهم يقولون انه فوق العرش وليس بجسم وهذا قول الكلابية وأئمة الأشعرية وطوائف ممن اتبعهم من أهل الفقه وغيرهم وطوائف كثيرة من أهل الكلام والفقه يقولون بل هو مماس للعرش ومنهم من يقول هو مباين له ولأصحاب احمد ونحوهم من أهل الحديث والفقه والتصوف في هذه المسألة ثلاثة اقوال منهم من يثبت المماسة كما جاءت بها الآثار ثم من هؤلاء من يقول انما اثبت ادراك اللمس من غير مماسة للمخلوق بل اثبت الادراكات الخمسة له وهذا قول اكثر الأشعرية والقاضي ابي يعلي وغيره فلهم في المسألة قولان كما تقدم بيانه وعلى هذا فلا يرد السؤال ومنهم من اصحاب احمد وغيره من ينفي المماسة ومنهم من يقول لا اثبتها ولا أنفيها فلا اقول هو مماس مباين ولا غير مماس ولا مباين # وهذه المباينة التي تقابل المماسة اخص من المباينة التي تقابل المحايثة فان هذه العامة متفق عليها عند أهل الاثبات وهي تكون للجسم مع الجسم وللجسم مع العرض وأما التي تقابل المماسةس فانها لا تكون له مع العرض

# والعرض يحايث الجسم فلا يباينه المباينة العامة وأما الخاصة فلا يقال فيها مباينة ومماسة فامتناع خلوه عن المباينة العامة والمحايثة اولى فان المباينة الخاصة والمماسة نوعان للمباينة العامة فاذا امتنع رفع النوع فامتناع رفع الجنس اولى وليس هذا موضع الكلام في هذه الأقوال # ولكن نذكر جوابا عاما فنقول كونه فوق العرش ثبت بالشرع المتواتر واجماع سلف الأمة مع دلالة العقل ضرورة ونظرا انه خارج العالم فلا يخلو مع ذلك اما أن يلزم ان يكون مماسا او مباينا اولا يلزم فان لزم احدهما كان ذلك لازما للحق ولازم الحق حق وليس في مماسته للعرش ونحوه محذور كما في مماسته لكل مخلوق من النجاسات والشياطين وغير ذلك فان تنزيهه عن ذلك انما اثبتناه لوجوب بعد هذه الاشياء وكونها ملعونة مطرودة لم نثبته لاستحالة المماسة عليه وتلك الأدلة منتفية في مماسته للعرش ونحوه كما روي في مس آدم وغيره وهذا جواب جمهور اهل الحديث وكثير من أهل الكلام وان لم يلزم من كونه فوق العرش ان يكون مماسا او مباينا فقد اندفع السؤال فهذا الجواب هنا قاطع من غير حاجة الى تغيير القول الصحيح في هذا المقام وبين من قال انه فوق العرش ليس بمباين كما يقوله من الكلابية والأشعرية من يقول ومن اتبعهم من اهل الفقه والحديث والتصوف والحنبلية وغيرهم ان كان قولهم حقا فلا كلام وان كان باطلا فليس ظهور بطلانه موجود قائم بنفسه مع وجود قائم بنفسه انه فيه ليس بمماس ولا مباين له وأنه ليس هو فيه ولا هو خارجا عنه

# ثم ذكر احمد الحجة الثانية فقال قلنا لهم اذا كان يوم القيامة أليس انما الجنة او النار والعرش والهواء الى آخره فبين ان موجب قولهم ان يكون بعضه على العرش وبعضه في الجنة وبعضه في النار وبعضه في الهواء لأن هذه هي الأمكنة التي ادعوا ان الله فيها فيتبعض ويتجزى بتبعض الامكنة وتجزيها وذكر انه عند ذلك تبين للناس كذبهم على الله لان الناس في الدنيا آمنوا بالغيب وبأمور أخرى لم يروها في الدنيا وسوف يرونها في الآخرة فاذا ظهر لهم أن هؤلاء يقولون انه يكون في الآخرة كما كان في الدنيا متفرقا متجزءا لم يمكن أن يراه أحد ولا أن يحايث احدا ولا أن يختص أوليائه بالقرب منه دون اعدائه بل يكون في النار مع اعدائه كما هو في الجنة مع اوليائه فظهر بذلك من كذبهم على الله ما يلم يظهر بما ذكروه في أمر الدنيا # وقال عبد العزيز الكناني في رده على الجهمية بعد ان بين انه على العرش وأجاب عما احتجوا به ثم قال ولكن يلزمك انت ايها الجهمي ان تقول ان الله عز وجل محدود حوته الاماكن اذ زعمت في دعواك انه لا يعقل شيء في مكان الا والمكان قد حواه كما تقول العرب فلان في البيت والماء في الجب والبيت قد حوى فلانا والجب قد حوى الماء ويلزمك اشنع من ذلك لأنك قلت افضع مما قالت به النصارى وذلك أنهم قالوا ان الله حل في عيسى وعيسى بدن انسان واحد وكفروا بذلك وقيل لهم ما أعظمتم الله تعالى اذ جعلتموه في بطن مريم وانتم تقولون انه في كل مكان وفي بطون النساء كلهن وبدن عيسى وابدان الناس كلهم ويلزمك ايضا ان تقول انه في اجواف الكلاب والخنازير لأنها أماكن وعندك انه في كل مكان تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا

# فلما شنعت مقالته قال اقول ان الله في كل مكان لا كالشيء في الشيء ولا كالشيء على الشيء ولا كالشيء مع الشيء خارجا عن الشيء ولا مباينا للشيء يقال له أن اصل قولك القياس والمعقول فقد دللت بالقياس والمعقول على انك لا تعبد شيئا لأنه اذا كان شيئا ما خلا في القياس والمعقول ان يكون داخلا في الشيء او خارجا عنه فلما لم يكن في قولك شيئا استحال ان يكون كالشيء في الشيء او خارجا عن الشيء فوصفته لعمري ملتبسا لا وجود له وهو دينك وأصل مقالتك التعطيل