المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وعود الشيطان


الابن البار
07 Jul 2013, 05:13 PM
الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ

فَقَوْلُهُ - تَعَالَى - : الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُخَيِّلُ إِلَيْكُمْ بِوَسْوَسَتِهِ أَنَّ الْإِنْفَاقَ يَذْهَبُ بِالْمَالِ وَيُفْضِي إِلَى سُوءِ الْحَالِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ إِمْسَاكِهِ وَالْحِرْصِ عَلَيْهِ اسْتِعْدَادًا لِمَا يُوَلِّدُهُ الزَّمَنُ مِنَ الْحَاجَاتِ ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - تَعَالَى - : وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ فَإِنَّ الْأَمْرَ هُنَا عِبَارَةٌ عَمَّا تُوَلِّدُهُ الْوَسْوَسَةُ مِنَ الْإِغْرَاءِ ، وَالْفَحْشَاءُ الْبُخْلُ ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ كُلُّ مَا فَحُشَ ; أَيِ اشْتَدَّ قُبْحُهُ ، وَكَانَ الْبُخْلُ عِنْدَ الْعَرَبِ مِنْ أَفْحَشِ الْفُحْشِ ، قَالَ طَرَفَةُ :

[ ص: 63 ]
أَرَى الْمَوْتَ يَعْتَامُ الْكِرَامَ وَيَصْطَفِي عَقِيلَةَ مَالِ الْفَاحِشِ الْمُتَشَدِّدِ


وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ بِمَا أَنْزَلَهُ مِنَ الْوَحْيِ وَبِمَا أَوْدَعَهُ فِي النُّفُوسِ الزَّكِيَّةِ مِنَ الْإِلْهَامِ الصَّحِيحِ ، وَالْعَقْلِ الرَّجِيحِ ، وَفِي الْفِطَرِ السَّلِيمَةِ مِنْ حُبِّ الْخَيْرِ ، وَالرَّغْبَةِ فِي الْبِرِّ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا فَإِنَّهُ جَعَلَ الْإِنْفَاقَ كَفَّارَةً لِكَثِيرٍ مِنَ الْخَطَايَا وَسَبَبًا يَفْضُلُ بِهِ الْمَرْءُ قَوْمَهُ وَيَسُودُهُمْ أَوْ يَسُودُ فِيهِمْ بِمَا يَجْذِبُ إِلَيْهِ مِنْ قُلُوبِ مَنْ يَكُونُ سَبَبًا فِي رِزْقِهِمْ ، وَهَذَا الْفَضْلُ مِنَ الْجَاهِ بِالْحَقِّ - هَكَذَا قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ - وَالْمَأْثُورُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ الْفَضْلَ هُوَ مَا يُخْلِفُهُ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَى الْمُنْفِقِ مِنَ الرِّزْقِ ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - : وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [ 34 : 39 ] وَفِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ فِيهِ الْعِبَادُ إِلَّا وَمَلَكَانِ يَنْزِلَانِ يَقُولُ أَحَدُهُمَا : اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا ، وَيَقُولُ الْآخَرُ : اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا أَيْ تَلَفًا لِمَالِهِ ، بِأَنْ يَذْهَبَ حَيْثُ لَا يُفِيدُهُ . وَمَعْنَى هَذَا الدُّعَاءِ عِنْدِي : أَنَّ مِنْ سُنَّةِ اللَّهِ أَنْ يُخْلِفَ عَلَى الْمُنْفِقِ بِمَا يُسَهِّلُ لَهُ مِنْ أَسْبَابِ الرِّزْقِ وَيَرْفَعُ مِنْ شَأْنِهِ فِي الْقُلُوبِ ، وَأَنْ يُحْرَمَ الْبَخِيلُ مِنْ مَثَلِ ذَلِكَ ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ وَعْدُ اللَّهِ - تَعَالَى - بِشَيْئَيْنِ : أَحَدُهُمَا لِخَيْرِ الْآخِرَةِ وَهُوَ الْمَغْفِرَةُ ، وَالثَّانِي لِخَيْرِ الدُّنْيَا وَهُوَ الْخُلْفُ الَّذِي يُعْطِيهِ ، وَأَقُولُ : إِنَّ مِنْ هَذَا الْخُلْفِ الرِّزْقَ الْمَعْنَوِيَّ وَهُوَ الْجَاهُ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ مُلْكِ الْقُلُوبِ ، فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ فَهُوَ إِذَا وَعَدَ أَنْجَزَ لِسَعَةِ فَضْلِهِ ، ثُمَّ إِنَّهُ يَعْلَمُ أَيْنَ يَضَعُ مَغْفِرَتَهُ وَفَضْلَهُ ، بِمِثْلِ هَذَا يُفَسِّرُونَ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ . وَأَقُولُ : إِنَّ اسْمَ عَلِيمٌ يُفِيدُ هُنَا أَنَّهُ - سُبْحَانَهُ - يَعْلَمُ غَيْبَ الْعَبْدِ وَمُسْتَقْبَلَهُ وَالشَّيْطَانُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ فَوَعْدُهُ تَغْرِيرٌ لَا يَعْبَأُ بِهِ الْعَاقِلُ النِّحْرِيرُ .

وَمِنْ مَبَاحِثِ اللَّفْظِ فِي الْآيَةِ : اسْتِعْمَالُ الْوَعْدِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَهُوَ شَائِعٌ لُغَةً ، ثُمَّ جَرَى عُرْفُ النَّاسِ أَنْ يَخُصُّوا الْوَعْدَ بِالْخَيْرِ وَالْإِيعَادَ بِالشَّرِّ ، فَإِذَا ذَكَرُوا الْوَعْدَ مَعَ الشَّرِّ أَرَادُوا بِهِ التَّهَكُّمَ ، عَلَى أَنَّ مَا يَعِدُ بِهِ الشَّيْطَانُ مِنَ الْفَقْرِ هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ الْإِنْفَاقِ ، وَيَلْزَمُهُ الْوَعْدُ بِالْغِنَى مَعَ الْبُخْلِ الَّذِي يَأْمُرُ بِهِ .

ثُمَّ قَالَ : يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ فَيُبَيِّنُ لَنَا بَعْدَ ذِكْرِ مَا يَعِدُ هُوَ - جَلَّ شَأْنُهُ - بِهِ وَمَا يَعِدُ بِهِ الشَّيْطَانُ مَا نَحْنُ فِي أَشَدِّ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ مَا يَقَعُ فِي النَّفْسِ مَعَ الْإِلْهَامِ الْإِلَهِيِّ وَالْوَسْوَاسِ الشَّيْطَانِيِّ ، وَتِلْكَ هِيَ الْحِكْمَةُ .

فَسَّرَ الْأُسْتَاذُ الْحِكْمَةَ هُنَا بِالْعِلْمِ الصَّحِيحِ يَكُونُ صِفَةً مُحْكَمَةً فِي النَّفْسِ حَاكِمَةً [ ص: 64 ] عَلَى الْإِرَادَةِ تُوَجِّهُهَا إِلَى الْعَمَلِ ، وَمَتَى كَانَ الْعَمَلُ صَادِرًا عَنِ الْعِلْمِ الصَّحِيحِ كَانَ هُوَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ النَّافِعُ الْمُؤَدِّي إِلَى السَّعَادَةِ . وَكَمْ مِنْ مُحَصِّلٍ لِصُوَرٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْمَعْلُومَاتِ خَازِنٍ لَهَا فِي دِمَاغِهِ لِيَعْرِضَهَا فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ لَا تُفِيدُهُ هَذِهِ الصُّوَرُ الَّتِي تُسَمَّى عِلْمًا فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْحَقَائِقِ وَالْأَوْهَامِ ، وَلَا فِي التَّزْيِيلِ بَيْنَ الْوَسْوَسَةِ وَالْإِلْهَامِ ; لِأَنَّهَا لَمْ تَتَمَكَّنْ فِي النَّفْسِ تَمَكُّنًا يَجْعَلُ لَهَا سُلْطَانًا عَلَى الْإِرَادَةِ ، وَإِنَّمَا هِيَ تَصَوُّرَاتٌ وَخَيَالَاتٌ تَغِيبُ عِنْدَ الْعَمَلِ ، وَتَحْضُرُ عِنْدَ الْمِرَاءِ وَالْجَدَلِ .

قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ مَا مَعْنَاهُ : وَالْمُرَادُ بِإِيتَائِهِ الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ - إِعْطَاؤُهُ آلَتُهَا الْعَقْلُ كَامِلَةً مَعَ تَوْفِيقِهِ لِحُسْنِ اسْتِعْمَالِ هَذِهِ الْآلَةِ فِي تَحْصِيلِ الْعُلُومِ الصَّحِيحَةِ ; فَالْعَقْلُ هُوَ الْمِيزَانُ الْقِسْطُ الَّذِي تُوزَنُ بِهِ الْخَوَاطِرُ وَالْمُدْرَكَاتُ ، وَيُمَيِّزُ بَيْنَ أَنْوَاعِ التَّصَوُّرَاتِ وَالتَّصْدِيقَاتِ ، فَمَتَى رَجَحَتْ فِيهِ كِفَّةُ الْحَقَائِقِ طَاشَتْ كِفَّةُ الْأَوْهَامِ ، وَسَهُلَ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْوَسْوَسَةِ وَالْإِلْهَامِ .

أَقُولُ : وَهَذَا الْقَوْلُ يَتَّفِقُ مَعَ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ " أَنَّ الْحِكْمَةَ هِيَ الْفِقْهُ فِي الْقُرْآنِ " أَيْ مَعْرِفَةُ مَا فِيهِ مِنَ الْهُدَى ، وَالْأَحْكَامِ بِعِلَلِهَا وَحِكَمِهَا; لِأَنَّ هَذَا الْفِقْهَ هُوَ أَجَلُّ الْحَقَائِقِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي النَّفْسِ الْمَاحِيَةِ لِمَا يَعْرِضُ لَهَا مِنَ الْوَسَاوِسِ حَتَّى لَا تَكُونَ مَانِعَةً مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ . وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ فَقِهَ مَا وَرَدَ فِي الْإِنْفَاقِ وَفَوَائِدِهِ وَآدَابِهِ مِنَ الْآيَاتِ لَا يَكُونُ وَعْدُ الشَّيْطَانِ لَهُ بِالْفَقْرِ وَأَمْرُهُ إِيَّاهُ بِالْبُخْلِ مَانِعًا لَهُ مِنْهُ ، وَلَكِنَّ الْفِقْهَ فِي الْقُرْآنِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِكَمَالِ الْعَقْلِ وَحُسْنِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْفَهْمِ وَالْبَحْثِ عَنْ فَوَائِدِ الْأَحْكَامِ وَعِلَلِهَا وَدَلَائِلِ الْمَسَائِلِ وَبَرَاهِينِهَا ، فَالْخَبَرُ : فَسَّرَ الْحِكْمَةَ بِالْأَخَصِّ ، رِعَايَةً لِلْمَقَامِ . وَالْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فَسَّرَهَا بِالْأَعَمِّ بَيَانًا لِشُمُولِ هِدَايَةِ الْقُرْآنِ ، فَالْآيَةُ بِإِطْلَاقِهَا رَافِعَةٌ لِشَأْنِ الْحِكْمَةِ بِأَوْسَعِ مَعَانِيهَا هَادِيَةً إِلَى اسْتِعْمَالِ الْعَقْلِ فِي أَشْرَفِ مَا خُلِقَ لَهُ . وَمَنْ رُزِئَ بِالتَّقْلِيدِ كَانَ مَحْرُومًا مِنْ ثَمْرَةِ الْعَقْلِ وَهِيَ الْحِكْمَةُ ، مَحْرُومًا مِنَ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ لِصَاحِبِ الْحِكْمَةِ بِقَوْلِهِ : وَمِنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا فَيَكُونُ كَالْكُرَةِ تَتَقَاذَفُهُ وَسْوَسَةُ شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَجَهَالَةُ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ ، يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ قَدْ يَسْتَغْنِي بِعُقُولِ النَّاسِ عَنْ عَقْلِهِ ، وَبِفِقْهِ النَّاسِ عَنْ فِقْهِ الْقُرْآنِ ، بِدَعْوَى أَنَّهُ جَمَعَ كَلَّ مَا أَوْجَبَهُ الْقُرْآنُ مَعَ زِيَادَةٍ فِي الْبَيَانِ ، وَقَدْ يَجِدُ فِي فِقْهِ النَّاسِ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ غَيْرَ الزَّكَاةِ الَّتِي لَا تَجِبُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ وَهُوَ مَالِكٌ لِلنِّصَابِ ، وَأَنَّهُ إِذَا هُوَ وَهَبَ امْرَأَتَهُ مَالَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ اسْتَوْهَبَهَا إِيَّاهُ بَعْدَ دُخُولِ الْحَوْلِ الْجَدِيدِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ ، وَيُمْكِنْ عَلَى هَذَا أَنْ يَمْلِكَ أُلُوفًا مِنَ الدَّنَانِيرِ وَتَمُرَّ عَلَيْهِ السُّنُونَ وَالْأَحْوَالُ لَا يُنْفِقُ مِنْهَا شَيْئًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيَكُونُ مُؤْمِنًا عَامِلًا بِفِقْهِ النَّاسِ ، وَلَكِنَّهُ إِذَا عَرَضَ نَفْسَهُ عَلَى الْقُرْآنِ وَفَقِهَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ وَلَا غُرُورٍ بِعَظَمَةِ شُهْرَةِ الْمُحْتَالِينَ الْمُحَرِّفِينَ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَكُونُ بِهَذَا الْمَنْعِ عَدُوًّا لِلَّهِ - تَعَالَى - وَلِكِتَابِهِ ، مَحْرُومًا مِنَ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ الَّذِي أَتَاهُ اللَّهُ - تَعَالَى - لِأَهْلِهِ .

[ ص: 65 ] قَرَأْنَا وَاطَّلَعْنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ الَّتِي هِيَ عُمْدَةُ الْمُقَلِّدِينَ الْمَنْسُوبِينَ إِلَى الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ ، فَلَمْ نَرَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا عُشْرَ مِعْشَارِ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ مِنَ التَّرْغِيبِ فِي إِنْفَاقِ الْمَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَبَيَانِ فَوَائِدِهِ وَمَنَافِعِهِ وَكَوْنِهِ مِنْ أَكْبَرِ آيَاتِ الْإِيمَانِ وَالتَّنْفِيرِ مِنَ الْإِمْسَاكِ وَالْبُخْلِ وَبَيَانِ كَوْنِهِ مِنْ آيَاتِ الْكُفْرِ ، وَلَكِنَّهَا تُطِيلُ فِيمَا لَمْ يُعْنَ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ مِنْ بَيَانِ النِّصَابِ فِي كُلِّ مَا تَجِبُ بِهِ الزَّكَاةُ وَالْحَوْلُ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَسْتَقْصِي كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا مَا يَنْفُذُ إِلَى الْقَلْبِ فَيَجْذِبُهُ إِلَى الرَّبِّ بَعْدَ أَنْ يُنْقِذَهُ مِنْ وَسَاوِسِ الشَّيَاطِينِ ، وَيَزُجُّ بِهِ فِي وِجْدَانِ الدِّينِ ، وَهَذَا مَا عَابَهُ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ عَلَى هَذَا الْعِلْمِ الَّذِي سَمَّوْهُ فِقْهًا . وَقَالَ : إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِقْهِ الْقُرْآنِ فِي شَيْءٍ ، فَهَلْ يَصِحُّ مَعَ هَذَا أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ يُمْكِنُ الِاسْتِغْنَاءُ بِهِ عَنْ فَهْمِ الْقُرْآنِ وَفِقْهِ حُكْمِهِ وَأَسْرَارِهِ ؟ أَلَمْ تَرَ أَنَّ أَوْسَعَ النَّاسِ مَعْرِفَةً بِهِ هُمْ فِي الْغَالِبِ أَشَدُّهُمْ بُخْلًا وَحِرْصًا ، حَتَّى لَا تَكَادَ تَرَى أَحَدًا مِنْهُمْ مُشْتَرِكًا فِي جَمْعِيَّةٍ خَيْرِيَّةٍ أَوْ مُنْفِقًا فِي مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ أَوْ خَاصَّةٍ ، بَلْ مِنْهُمُ الَّذِينَ يَحْتَالُونَ وَيُعَلِّمُونَ النَّاسَ الْحِيَلَ لِمَنْعِ الزَّكَاةِ الْمُعَيَّنَةِ الَّتِي أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَصِفُ الْجَمْعِيَّاتِ الْخَيْرِيَّةَ بِالْبِدْعَةِ وَيَلْمِزُ أَهْلَهَا فِي عَمَلِهِمْ ، يَعْتَذِرُ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ يَدَهُ عَنْ مُسَاعَدَتِهِمْ إِلَّا تَمَسُّكًا بِالشَّرْعِ وَمُحَافَظَةً عَلَى أَحْكَامِهِ ، فَإِذَا قِيلَ لِهَؤُلَاءِ : إِنْ صَحَّ مَا تَزْعُمُونَ فَلِمَ لَا تُنْشِئُونَ جَمْعِيَّاتٍ خَيْرِيَّةً لِخِدْمَةِ الْأُمَّةِ وَإِعْلَاءِ شَأْنِ الْمِلَّةِ ؟ شَكَوْا مِنْ كُلِّ أَحَدٍ إِلَّا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، عَلَى أَنَّهُمْ لَوْ فَعَلُوا لَأَسْرَعَ الْجَمَاهِيرُ إِلَى تَلْبِيَتِهِمْ ; لَأَنَّ السَّوَادَ الْأَعْظَمَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَزَالُ يَعْتَقِدُ بِأَنَّهُمْ هُمُ الْمُحَافِظُونَ عَلَى الدِّينِ ، أَفَرَأَيْتَ مَنْ لَا يَعْمَلُ الْخَيْرَ وَلَا يَأْمُرُ بِهِ ، بَلْ يَصُدُّ عَنْهُ يَكُونُ قَدْ أُوتِيَ الْحِكْمَةَ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِيمَنْ أُوتِيهَا إِنَّهُ : أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا أَوْ يَكُونُ قَدْ أَوُتِيَ فِقْهَ الْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ أَخَصُّ مَا فُسِّرَتْ بِهِ الْحِكْمَةُ ؟ لَا نَعْنِي بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ عِلْمَ الْأَحْكَامِ الْمَعْرُوفَ بِالْفِقْهِ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ بِالْمَرَّةِ ، وَإِنَّمَا نَعْنِي أَنَّهُ لَا يُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ فَهْمِ الْقُرْآنِ حَتَّى فِي الْأَحْكَامِ .

ثُمَّ أَقُولُ إِيضَاحًا لِلْمَقَامِ : إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْخَيْرَ الْكَثِيرَ مَعَ الْحِكْمَةِ فِي قَرْنٍ ، فَهُمَا لَا يَفْتَرِقَانِ كَمَا لَا يَفْتَرِقُ الْمَعْلُولُ عَنْ عِلَّتِهِ التَّامَّةِ ، فَالْحِكْمَةُ : هِيَ الْعِلْمُ الصَّحِيحُ الْمُحَرِّكُ لِلْإِرَادَةِ إِلَى الْعَمَلِ النَّافِعِ الَّذِي هُوَ الْخَيْرُ . وَآلَةُ الْحِكْمَةِ هِيَ الْعَقْلُ السَّلِيمُ الْمُسْتَقِلُّ بِالْحُكْمِ فِي مَسَائِلِ الْعِلْمِ ، فَهُوَ لَا يَحْكُمُ إِلَّا بِالدَّلِيلِ ، فَمَتَّى حَكَمَ جَزَمَ فَأَمْضَى وَأَبْرَمَ ، فَكُلُّ حَكِيمٍ عَلِيمٍ عَامِلٍ مَصْدَرٌ لِلْخَيْرِ الْكَثِيرِ ; وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى : وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ أَيْ وَقَدْ جَرَتْ سُنَّتُهُ - تَعَالَى - بِأَنَّهُ لَا يَتَّعِظُ بِالْعِلْمِ وَيَتَأَثَّرُ بِهِ تَأَثُّرًا يَبْعَثُ عَلَى الْعَمَلِ إِلَّا أَصْحَابُ الْعُقُولِ الْخَالِصَةِ مِنَ الشَّوَائِبِ ، وَالْقُلُوبِ السَّلِيمَةِ مِنَ الْمَعَايِبِ ، وَهُوَ تَذْيِيلٌ يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْحِكْمَةِ ، فَنَسْأَلُهُ - تَعَالَى - أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أُولِي الْأَلْبَابِ الْمُؤَيَّدِينَ بِالْحِكْمَةِ وَفَصْلِ الْخِطَابِ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى :

أبو خالد
07 Jul 2013, 10:55 PM
جزاك الله خير اخي الفاضل

ابن الورد
07 Jul 2013, 10:59 PM
أخي الفاضل الكريم
جزاك الله تعالى كل خير
وجعل كل ماتقدمه في ميزان حسناتكم
اللهم ربنا أنصر به السنة وأنفع به الأمة
وتقبلوا أجمل وأطيب دعواتنا

فرح السنين
20 Jul 2013, 12:40 AM
جزاك الله خير ..

نور الشمس
20 Jul 2013, 04:25 AM
http://www9.0zz0.com/2013/07/20/01/124757697.gif