موسوعة دراسات وأبحاث من الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح

موسوعة دراسات وأبحاث من الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح (https://www.1enc.net/vb/index.php)
-   دراسات وبحوث وتحليل المنتدى ـ الإدارة العلمية والبحوث Studies and Research and Analysis Forum (https://www.1enc.net/vb/forumdisplay.php?f=99)
-   -   شرح حديث من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت (https://www.1enc.net/vb/showthread.php?t=41348)

سلطانه 23 Jun 2018 01:43 AM

شرح حديث من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت
 
حديث: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه رواه البخاري ومسلم.

تخريج الحديث

رواه إماما المحدثين أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردذبه البخاري، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري في صحيحيهما الذين هما أصح الكتب المصنفة.


رواي الحديث

أبوهريرة هو عبد الرحمن بن صخر من ولد ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم ابن دوس اليماني أسلم سنة سبع من الهجرة بين الحديبية وخيبر وكان عمره حينذاك نحواً من ثلاثين سنة توفي سنة 57 رضي الله عنه وأرضاه ..

أهمية الحديث ومكانتة

هذا الحديث أدب من الآداب العظيمة، وهو صنو حديث: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه من جهة أنه أصل في الآداب العامة، وهذا الحديث دل على أن من صفات المؤمن بالله وباليوم الآخر، الذي يخاف الله ويتقيه، ويخاف ما يحصل له في اليوم الآخر، ويرجو أن يكون ناجيا في اليوم الآخر، أن من صفاته أنه يقول الخير أو يصمت.

شرح الحديث

ومن صفاته أنه يكرم الجار. ومن صفاته أنه يكرم الضيف. ومن صفاته أنه يكرم الجار، هذا بعموم ما دل عليه الحديث، الحديث دل على أن الحقوق منقسمة إلى: حقوق لله، وحقوق للعباد.
وحقوق الله -جل وعلا- مدارها على مراقبته، ومراقبة الحق -جل وعلا- أعسر شيء أن تكون في اللسان، ولهذا نبه بقوله: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت على حقوق الله -جل وعلا-، والتي من أعسرها من حيث العمل والتطبيق: حفظ اللسان، وهنا أمره بأن يقول خيرا أو أن يصمت، فدل على أن الصمت متراخ في المرتبة عن قول الخير؛ لأنه ابتدأ الأمر بقول الخير فقال: فليقل خيرا فهذا هو الاختيار، هو المقدم أن يسعى في أن يقول الخير.

والمرتبة الثانية: أنه إذا لم يجد خيرا يقوله أن يختار الصمت؛ وهذا لأن الإنسان محاسب على ما يتكلم به، وقد قال -جل وعلا-: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ .

فهذا الحديث فيه: فليقل خيرا وعلق هذا بالإيمان بالله واليوم الآخر، وقول الخير متعلق بالثلاثة التي في آية النساء قال: إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ فالصدقة واضحة والإصلاح أيضا واضح، والمعروف هو ما عرف حسنه في الشريعة، ويدخل في ذلك جميع الأمر بالواجبات والمستحبات، وجميع النهي عن المحرمات والمكروهات، وتعليم العلم والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. .. إلخ.

فإذن قوله -عليه الصلاة والسلام-: فليقل خيرا يعني: فليقل أمرا بالصدقة، فليقل أمرا بالمعروف، فليقل بما فيه إصلاح بين الناس، وغير هذه ليس فيها خير، ما خرج عن هذه فإنه ليس فيها خير، وقد تكون من المباحة، وقد تكون من المكروهة، وإذا كان كذلك فالاختيار أن يصمت، وخاصة إذا كان في ذلك إحداث لإصلاح ذات البين، يعني أن يكون ما بينه وبين الناس صالحا على جهة الاستقامة بين المؤمنين الأخوة.

قال -عليه الصلاة والسلام- هنا: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت يعني أن حفظ اللسان من الفضول بقول الخير، أو بالصمت إن لم تجد خيرا أن هذا من علامات الإيمان بالله واليوم الآخر؛ لأن أشد شيء على الإنسان أن يحفظه لسانه، لهذا جاء في حديث معاذ المعروف أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قال له -عليه الصلاة والسلام-: وكف عليك هذا فاستعجب معاذ فقال: يا رسول الله أوإنا مؤاخذون بما نقول؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على مناخرهم -أو قال: على وجوههم- إلا حصائد ألسنتهم فدل على أن اللسان خطير تحركه، إذا لم يكن تحركه في خير فإنه عليك لا لك.

والتوسع في الكلام المباح قد يؤدي إلى الاستئناس بكلام مكروه أو كلام محرم كما هو مجرب في الوقع، فإن الذين توسعوا في الكلام، وأكثروا منه في غير الثلاثة المذكورة في الآية جرهم ذلك إلى أن يدخلوا في أمور محرمة من غيبة أو نميمة أو بهتان أو مداهنة، أو ما أشبه ذلك مما لا يحل.

فإذن الإيمان بالله واليوم الآخر يحض على حفظ اللسان، وفي حفظ اللسان الإشارة لحفظ جميع الجوارح الأُخر؛ لأن حفظ اللسان أشد ذلك، وقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: من ضمن لي ما بين لَحيَيْهِ وما بين فخذيه ضمنت له الجنة .

ثم قال -عليه الصلاة والسلام- ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره وإكرام الجار يعني: أن يكون معه على صفة الكرم، والكرم هو: اشتمال الصفات المحمودة التي يحسن اجتماعها في الشيء فيقال: هذا كريم؛ لأنه ذو صفات محمودة، وفي أسماء الله -جل وعلا- الكريم، والكريم في أسماء الله -جل وعلا- هو: الذي تفرد بصفات الكمال، والأسماء الحسنى فاجتمع له -جل وعلا- الحسن الأعظم في الأسماء، والعلو في الصفات، والحكمة في الأفعال.

فالكريم: من فاق -يعني في اللغة- من فاق جنسه في صفات الكمال. فالإكرام هو: أن تسعى في تحقق صفات الكمال، أو في تحقيقها، فإكرام الجار: أن تسعى في تحقيق صفات الكمال التي تتطلبها المجاورة.

وإكرام الضيف: أن تسعى في تحقيق صفات الكمال التي تتطلبها الضيافة.

وقوله: "فليكرم جاره" على هذا، يدخل فيه إكرام الجار بالألفاظ الحسنة، إكرام الجار بحفظ الجار في أهله، حفظ الجار في عرضه، في الاطلاع على مسكنه.

ويدخل في هذا حفظ الجار في أداء الحقوق العامة له، في الجدار الذي بينهما، أو النوافذ التي تطل على الجار، أو في موقف السيارات -مثلا- أو في غذاء الأطفال، أو ما أشبه ذلك، فيدخل هذا جميعا في إكرام الجار، ويدخل فيه -أيضا- أن يكرم الجار في المطعم والملبس، وأشباه ذلك يعني أنه إذا كان عنده طعام فإنه يطعم جاره منه.

وقد كان -عليه الصلاة والسلام- ربما طها في بيته بعض اللحم فقال: أرسلوا لجارنا اليهودي من مرقة هذا اللحم وهذا في حق الجار الكافر، ولهذا رأى طائفة من أهل العلم كأحمد في رواية، وكغيره أن إكرام الجار في هذا الحديث عام يدخل فيه إكرام الجار المسلم، وإكرام الجار الكافر.

وإكرام الجار المسلم له حقان: لإسلامه ولجواره، فإذا إكرام الجار كلمة عامة يدخل فيها أداء ما له من الحقوق، وكف الأذى عنه، وبسط اليد له بالطعام وما يحتاجه، وهذا -أيضا- مع قول الله -جل وعلا-: الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ والماعون هو: ما يحتاج إليه في الإعارة.

وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ يعني: يمنعون ما يحتاج إليه المسلمون في الإعارة، فإذا احتاج جارك إلى أن تعيره شيئا من أدوات الطهي أو شيئا من أدوات المنزل، أو من الأثاث، أو ما أشبه ذلك فإن من إكرامه أن تعطيه ذلك.

أما إذا كان يتعدى على أشيائك، ويتلف المال فهذا لا يكون له الحق في إكرامه بذلك؛ لأنه مظنة التعدي.

سلطانه 23 Jun 2018 01:45 AM

رد: شرح حديث من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت
 
الجار هنا قسمان: جار قريب، وجار بعيد، وفي القسمين جاء قول الله -جل وعلا- في سورة النساء: وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ فقوله: وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى فسرت بتفسيرين:

الأول: أن الجار ذي القربى هو من له جوار وقرابة فقدمه على الجار الجنب يعني الذي ليس له قرابة،
التفسير الثاني: أن الجار ذا القربى في قوله: وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى أنه الجار القريب والجار الجنب أنه الجار البعيد؛ لأن كلمة "جنب" في اللغة تعني: البعيد، ومنه سميت "الجنابة" جنابة، وفلان جنب لأنه من البعد، فدل هذا على أن إكرام الجار يدخل فيه الجار القريب والجار البعيد.

ما حد الجار البعيد؟ بعضهم حده بسبعة يعني سبعة بيوت، وبعضهم حده بأربعين بيتا من يمين وشمال، وأمام وخلف، وهذه كلها تقديرات لم يصح فيها شيء عن المصطفى -عليه الصلاة والسلام-، وهذا محكوم بالعرف فما كان فيه العرف أنه قريب فهو قريب، وما كان فيه العرف أنه جار بعيد فيدخل في ذلك، وهذا يتنوع بتنوع البلاد والأعراف، فيه تفاصيل أُخر تقرءونها في المطولات -إن شاء الله-.

قال: ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه إكرام الضيف أن تبذل للضيف من الصفات المحمودة ما به يحصل له الحق، والصفات المحمودة التي تعطى للضيف، وبشاشة الوجه، وانطلاق الأسارير، والكرم باللسان يعني أن يضاف بألفاظ حسنة، ومنها أيضا من إكرام الضيف أن تطعمه، وهو المقصود؛ لأن الأضياف يحتاجون لذلك، وقوله هنا: فليكرم جاره فليكرم ضيفه فليقل خيرا كلها أوامر، وهي على الوجوب.

وإكرام الضيف واجب كما دل عليه الحديث بإطعامه، وهذا فيه تفصيل وهو أنه يجب أن يضاف الضيف بالإطعام يوما وليلة، كما جاء في الحديث أنها جائزة الضيف يوم وليلة، وتمام الضيافة ثلاثة أيام بلياليها، يعني يومين بعد اليوم والليلة الأولى، فيجب أن تكرم الضيف يوما وليلة، يعني بأن تعطيه ما يحتاجه.

قال العلماء: هذا في حق أهل القرى الذين ليس ثم مكان يمكن الضيف أن يستأجر له، أما في المدن الكبار الذي يوجد فيها الخان، ويوجد فيها الدور التي تؤجر فإنه لا تجب الضيافة؛ لأنه لا يضيف مع ذلك إلا إذا كان محتاجا لها، ولا مكان له يؤويه فإنه يجب على الكفاية أن يعطيه كفايته، وأن يضيفه يوما وليلة، وتمام الثلاثة مستحب، يعني في مكان لا يوجد فيه دار يمكنه أن يستأجرها.

أما مثل الآن في مدننا الكبار هذه فإنها لا تجب، وإنما تستحب، في القرى في الأطراف، وأهل الخيام، ونحو ذلك إذا نزل بهم الأضياف فإنه يجب عليه أن يقريهم يوما وليلة، وتمام الضيافة ثلاثة أيام بلياليها.

إذا تقرر هذا فما الذي يقدمه؟ الذي يقدمه للضيف ما تيسر له، يعني ما يطعمه هو وأهله، ولا يجب عليه أن يتكلف له في ذبح، أو تكلف طعام كثير، أو ما أشبه ذلك، فالذي يجب ما يطعمه به، ويسد عوزة هذا الضيف، أو ما يسد جوعه يعني من الطعام المعتاد الذي يأكله.

وقد جاء في الأثر: أن قوما من أهل الكتاب أرسلوا لعمر -رضي الله عنه-، عمر بن الخطاب فقالوا له: إن المسلمين إذا مروا بنا كلفونا ذبح الدجاج لهم، وإن هذا لا نطيقه، فأرسل إليهم عمر بما حاصله أن أطعموهم مما تأكلون ولا تتكلفوا لهم.

وهذا ظاهر من حيث الأصول في أن الإكرام لا يعني التكلف، وهذا الوجوب في حق من عنده فضل في ماله، يفيض ويزيد عن حاجته الضرورية، وحاجة من يعوله، أما إذا كان محتاجا هو ومن يعوله محتاج لهذا الطعام، فإن من يعوله أولى من الضيف في الشرع.

تم بحمد الله شرح هذا الحديث

من شرح الشيخ صالح عبدالعزيز ال الشيخ
المصدر | منتدى الخير للرقية الشرعية


الساعة الآن 02:05 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2011-2012
جميع الحقوق محفوظة لمركز دراسات وأبحاث علوم الجان العالمي