عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 17 Sep 2012, 05:57 PM
أبو موهبة
من السودان الغالية - جزاه الله تعالى خيرا
أبو موهبة غير متصل
لوني المفضل Cadetblue
 رقم باحث : 9685
 تاريخ التسجيل : Sep 2010
 فترة الأقامة : 5009 يوم
 أخر زيارة : 22 Aug 2022 (11:23 AM)
 المشاركات : 1,653 [ + ]
 التقييم : 13
 معدل التقييم : أبو موهبة is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
من تفسير البغوي - آية السحر - (2)



( تابع إلى ما قبله )
وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي : وَهُوَ الْأَصَحُّ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى امْتَحَنَ النَّاسَ بِالْمَلَكَيْنِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَمَنْ شَقِيَ يَتَعَلَّمُ السِّحْرَ مِنْهُمَا وَيَأْخُذُهُ عَنْهُمَا وَيَعْمَلُ بِهِ فَيَكْفُرُ بِهِ ، وَمِنْ سَعِدَ يَتْرُكُهُ فَيَبْقَى عَلَى الْإِيمَانِ ، وَيَزْدَادُ الْمُعَلِّمَانِ بِالتَّعْلِيمِ عَذَابًا ، فَفِيهِ ابْتِلَاءٌ لِلْمُعَلِّمِ [ وَالْمُتَعَلِّمِ ] وَلِلَّهِ أَنْ يَمْتَحِنَ عِبَادَهُ بِمَا شَاءَ ، فَلَهُ الْأَمْرُ وَالْحُكْمُ .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ( هَارُوتَ وَمَارُوتَ ) اسْمَانِ سُرْيَانِيَّانِ وَهُمَا فِي مَحَلِّ الْخَفْضِ عَلَى تَفْسِيرِ الْمَلَكَيْنِ إِلَّا أَنَّهُمَا نُصِبَا لِعُجْمَتِهِمَا وَمَعْرِفَتِهِمَا ، وَكَانَتْ قِصَّتُهُمَا عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْمُفَسِّرُونَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ رَأَوْا مَا يَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ مِنْ أَعْمَالِ بَنِي آدَمَ الْخَبِيثَةِ فِي زَمَنِ إِدْرِيسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَعَيَّرُوهُمْ وَقَالُوا : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ جَعَلْتَهُمْ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً وَاخْتَرْتَهُمْ فَهُمْ يَعْصُونَكَ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : لَوْ أَنْزَلْتُكُمْ إِلَى الْأَرْضِ وَرَكَّبْتُ فِيكُمْ مَا رَكَّبْتُ فِيهِمْ لَرَكِبْتُمْ مِثْلَ مَا رَكِبُوا فَقَالُوا : سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَعْصِيَكَ قَالَ لَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى : فَاخْتَارُوا مَلَكَيْنِ مِنْ خِيَارِكُمْ أُهْبِطُهُمَا إِلَى الْأَرْضِ ، فَاخْتَارُوا هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَكَانَا مِنْ أَصْلَحِ الْمَلَائِكَةِ وَأَعْبَدِهِمْ ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمُ : اخْتَارُوا ثَلَاثَةً فَاخْتَارُوا عَزَا وَهُوَ هَارُوتُ وَعَزَايَا وَهُوَ مَارُوتُ - غُيِّرَ اسْمُهُمَا لَمَّا قَارَفَا الذَّنْبَ - وَعَزَائِيلَ ، فَرَكَّبَ اللَّهُ فِيهِمُ الشَّهْوَةَ وَأَهْبَطَهُمْ إِلَى الْأَرْضِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَحْكُمُوا بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ [ ص: 130 ] وَنَهَاهُمْ عَنِ الشِّرْكِ وَالْقَتْلِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ ، فَأَمَّا عَزَائِيلُ فَإِنَّهُ لِمَا وَقَعَتِ الشَّهْوَةُ فِي قَلْبِهِ اسْتَقْبَلَ رَبَّهُ وَسَأَلَهُ أَنْ يَرْفَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَأَقَالَهُ فَسَجَدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ ، وَلَمْ يَزَلْ بَعْدُ مُطَأْطِئًا رَأْسَهُ حَيَاءً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَأَمَّا الْآخَرَانِ : فَإِنَّهُمَا ثَبَتَا عَلَى ذَلِكَ وَكَانَا يَقْضِيَانِ بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَهُمَا ، فَإِذَا أَمْسَيَا ذَكَرَا اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ وَصَعِدَا إِلَى السَّمَاءِ ، قَالَ قَتَادَةُ : فَمَا مَرَّ عَلَيْهِمَا شَهْرٌ حَتَّى افْتَتَنَا . قَالُوا جَمِيعًا إِنَّهُ اخْتَصَمَتْ إِلَيْهِمَا ذَاتَ يَوْمٍ الزُّهْرَةُ وَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَكَانَتْ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ وَكَانَتْ مَلِكَةً فِي بَلَدِهَا فَلَمَّا رَأَيَاهَا أَخَذَتْ بِقُلُوبَهُمَا فَرَاوَدَاهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ وَانْصَرَفَتْ ثُمَّ عَادَتْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَفَعَلَا مِثْلَ ذَلِكَ فَأَبَتْ وَقَالَتْ : لَا إِلَّا أَنْ تَعْبُدَا مَا أَعْبُدُ وَتُصَلِّيَا لِهَذَا الصَّنَمِ وَتَقْتُلَا النَّفْسَ وَتَشْرَبَا الْخَمْرَ فَقَالَا لَا سَبِيلَ إِلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ نَهَانَا عَنْهَا ، فَانْصَرَفَتْ ثُمَّ عَادَتْ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَمَعَهَا قَدَحٌ مِنْ خَمْرٍ ، وَفِي أَنْفُسِهِمَا مِنَ الْمَيْلِ إِلَيْهَا مَا فِيهَا فَرَاوَدَاهَا عَنْ نَفْسِهَا فَعَرَضَتْ عَلَيْهِمَا مَا قَالَتْ بِالْأَمْسِ فَقَالَا : الصَّلَاةُ لِغَيْرِ اللَّهِ عَظِيمٌ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ عَظِيمٌ ، وَأَهْوَنُ الثَّلَاثَةِ شُرْبُ الْخَمْرِ ، فَشَرِبَا الْخَمْرَ فَانْتَشَيَا وَوَقَعَا بِالْمَرْأَةِ ، فَزَنَيَا فَلَمَّا فَرَغَا رَآهُمَا إِنْسَانٌ فَقَتْلَاهُ ، قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَسَجَدَا لِلصَّنَمِ فَمَسَخَ اللَّهُ الزُّهْرَةَ كَوْكَبًا - وَقَالَ بَعْضُهُمْ : جَاءَتْهُمَا امْرَأَةٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ تُخَاصِمُ زَوْجَهَا فَقَالَ أَحَدُهَمَا لِلْآخَرِ : هَلْ سَقَطَ فِي نَفْسِكَ مِثْلُ الَّذِي سَقَطَ فِي نَفْسِي ( مِنْ حُبِّ هَذِهِ ) ؟ قَالَ : نَعَمْ فَقَالَ : وَهَلْ لَكَ أَنْ تَقْضِيَ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا بِمَا تَقُولُ ؟ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ : أَمَا تَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعَذَابِ ؟ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ : أَمَا تَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ فَسَأَلَاهَا نَفْسَهَا ، فَقَالَتْ : لَا إِلَّا أَنْ تَقْتُلَاهُ فَقَالَ أَحَدُهُمَا : أَمَا تَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعَذَابِ ؟ فَقَالَ صَاحِبُهُ : أَمَا تَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ فَقَتَلَاهُ ثُمَّ سَأَلَاهَا نَفْسَهَا ، فَقَالَتْ : لَا إِنَّ لِي صَنَمًا أَعْبُدُهُ ، إِنْ أَنْتُمَا صَلَّيْتُمَا مَعِي لَهُ : فَعَلْتُ ، فَقَالَ : أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ مِثْلَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَقَالَ صَاحِبُهُ مِثْلَهُ ، فَصَلَّيَا مَعَهَا لَهُ فَمُسِخَتْ شِهَابًا .
قَالَ علي ابْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْكَلْبِيُّ وَالسُّدِّيُّ : إِنَّهَا قَالَتْ لَهُمَا حِينَ سَأَلَاهَا نَفْسَهَا : لَنْ تُدْرِكَانِي حَتَّى تُخْبِرَانِي بِالَّذِي تَصْعَدَانِ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَا بِاسْمِ اللَّهِ الْأَكْبَرِ ، قَالَتْ : فَمَا أَنْتُمْ تُدْرِكَانِي حَتَّى تُعَلِّمَانِيهِ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : عَلِّمْهَا فَقَالَ : إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ، قَالَ الْآخَرُ : فَأَيْنَ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى ؟ فَعَلَّمَاهَا ذَلِكَ فَتَكَلَّمَتْ ، فَصَعَدَتْ إِلَى السَّمَاءِ فَمَسَخَهَا اللَّهُ كَوْكَبًا ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا الزُّهْرَةُ بِعَيْنِهَا وَأَنْكَرَ الْآخَرُونَ هَذَا وَقَالُوا : إِنَّ الزُّهْرَةَ مِنَ الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ السَّيَّارَةِ الَّتِي أَقْسَمَ اللَّهُ بِهَا فَقَالَ " فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِي الْكُنَّسِ " ( 15 - التَّكْوِيرِ ) وَالَّتِي فَتَنَتْ هَارُوتَ وَمَارُوتَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تُسَمَّى الزُّهْرَةَ لِجَمَالِهَا فَلَمَّا بَغَتْ مَسْخَهَا اللَّهُ تَعَالَى شِهَابًا ، قَالُوا : فَلَمَّا أَمْسَى هَارُوتُ وَمَارُوتُ بَعْدَمَا قَارَفَا الذَّنْبَ [ ص: 131 ] هَمَّا بِالصُّعُودِ إِلَى السَّمَاءِ فَلَمْ تُطَاوِعْهُمَا أَجْنِحَتُهُمَا ، فَعَلِمَا مَا حَلَّ بِهِمَا (مِنَ الْغَضَبِ ) فَقَصَدَا إِدْرِيسَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَأَخْبَرَاهُ بِأَمْرِهِمَا وَسَأَلَاهُ أَنْ يَشْفَعَ لَهُمَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَا لَهُ : إِنَّا رَأَيْنَاكَ يَصْعَدُ لَكَ مِنَ الْعِبَادَاتِ مِثْلَ مَا يَصْعَدُ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَاسْتَشْفِعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَفَعَلَ ذَلِكَ إِدْرِيسُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَخَيَّرَهُمَا اللَّهُ بَيْنَ عَذَابِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ ، فَاخْتَارَا عَذَابَ الدُّنْيَا إِذْ عَلِمَا أَنَّهُ يَنْقَطِعُ فَهُمَا بِبَابِلَ يُعَذَّبَانِ .
وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ عَذَابِهِمَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : هُمَا مُعَلَّقَانِ بِشُعُورِهِمَا إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ ، وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ : رُءُوسُهُمَا مُصَوَّبَةٌ تَحْتَ أَجْنِحَتِهِمَا ، وَقَالَ قَتَادَةُ ( كُبِّلَا ) مِنْ أَقْدَامِهِمَا إِلَى أُصُولِ أَفْخَاذِهِمَا ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ : جُعِلَا فِي جُبٍّ مُلِئَتْ نَارًا ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ : مَنْكُوسَانِ يُضْرَبَانِ بِسِيَاطٍ مِنَ الْحَدِيدِ .
وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَصَدَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ لِتَعَلُّمِ السِّحْرِ فَوَجَدَهُمَا مُعَلَّقَيْنِ بِأَرْجُلِهِمَا ، مُزْرَقَّةً أَعْيُنُهُمَا ، مُسْوَدَّةً جُلُودُهُمَا ، لَيْسَ بَيْنَ أَلْسِنَتِهِمَا وَبَيْنَ الْمَاءِ إِلَّا أَرْبَعُ أَصَابِعَ وَهُمَا يُعَذَّبَانِ بِالْعَطَشِ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ هَالَهُ مَكَانُهُمَا فَقَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَلَمَّا سُمِعَا كَلَامَهُ قَالَا لَهُ : مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ ، قَالَا مِنْ أَيِّ أُمَّةٍ أَنْتَ ؟ قَالَ : مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَا أَوَقَدْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَا : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَأَظْهَرَ الِاسْتِبْشَارَ فَقَالَ الرَّجُلُ : وَمِمَّ اسْتِبْشَارُكُمَا ؟ قَالَا إِنَّهُ نَبِيُّ السَّاعَةِ وَقَدْ دَنَا انْقِضَاءُ عَذَابِنَا .
قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ ) أَيْ أَحَدًا ، وَ " مِنْ " صِلَةٌ ( حَتَّى ) يَنْصَحَاهُ أَوَّلًا وَ ( يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ ) ابْتِلَاءٌ وَمِحْنَةٌ ( فَلَا تَكْفُرْ ) أَيْ لَا تَتَعَلَّمِ السِّحْرَ فَتَعْمَلَ بِهِ فَتَكْفُرَ ، وَأَصْلُ الْفِتْنَةِ : الِاخْتِبَارُ وَالِامْتِحَانُ ، مِنْ قَوْلِهِمْ : فَتَنْتُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ إِذَا أَذَبْتُهُمَا بِالنَّارِ ، لِيَتَمَيَّزَ الْجَيِّدُ مِنَ الرَّدِيءِ وَإِنَّمَا وَحَّدَ الْفِتْنَةَ وَهُمَا اثْنَانِ ؛ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ مَصْدَرٌ ، وَالْمَصَادِرُ لَا تُثَنَّى وَلَا تُجْمَعُ ، وَقِيلَ : إِنَّهُمَا يَقُولَانِ " إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرُ " سَبْعَ مَرَّاتٍ .
قَالَ عَطَاءٌ وَالسُّدِّيُّ : فَإِنْ أَبَى إِلَّا التَّعَلُّمَ قَالَا لَهُ : ائْتِ هَذَا الرَّمَادَ ( وَأَقْبِلْ عَلَيْهِ ) فَيَخْرُجُ مِنْهُ نُورٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ فَذَلِكَ نُورُ الْمَعْرِفَةِ ، وَيَنْزِلُ شَيْءٌ أَسْوَدُ شِبْهُ الدُّخَانِ حَتَّى يَدْخُلَ مَسَامِعَهُ وَذَلِكَ غَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى ، قَالَ مُجَاهِدٌ : إِنْ هَارُوتَ وَمَارُوتَ لَا يَصِلُ إِلَيْهِمَا أَحَدٌ وَيَخْتَلِفُ فِيمَا بَيْنَهُمَا شَيْطَانٌ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ اخْتِلَافَةً وَاحِدَةً ، ( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ) أَنْ ( يُؤْخَذَ ) كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ [ ص: 132 ] صَاحِبِهِ ، وَيُبَغَّضُ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى صَاحِبِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( وَمَا هُمْ ) قِيلَ أَيِ السَّحَرَةُ وَقِيلَ : الشَّيَاطِينُ ( بِضَارِّينَ بِهِ ) أَيْ بِالسِّحْرِ ( مِنْ أَحَدٍ ) أَيْ أَحَدًا ، ( إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ) أَيْ : بِعِلْمِهِ وَتَكْوِينِهِ ، فَالسَّاحِرُ يَسْحَرُ وَاللَّهُ يُكَوِّنُ .
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : مَعْنَاهُ إِلَّا بِقَضَائِهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ ، ( وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ ) يَعْنِي : أَنَّ السِّحْرَ يَضُرُّهُمْ ( وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا ) يَعْنِي الْيَهُودَ ( لَمَنِ اشْتَرَاهُ ) أَيِ اخْتَارَ السِّحْرَ ( مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ) أَيْ فِي الْجَنَّةِ مِنْ نَصِيبٍ ( وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ ) بَاعُوا بِهِ ( أَنْفُسَهُمْ ) حَظَّ أَنْفُسِهِمْ ، حَيْثُ اختارواالسحر وَالْكُفْرَ عَلَى الدِّينِ وَالْحَقِّ ( لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) فَإِنْ قِيلَ : أَلَيْسَ قَدْ قَالَ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى " لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ " بَعْدَمَا أَخْبَرَ أَنَّهُمْ عَلِمُوا قِيلَ : أَرَادَ بِقَوْلِهِ " وَلَقَدْ عَلِمُوا " يَعْنِي الشَّيَاطِينَ . وَقَوْلُهُ " لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ " يَعْنِي الْيَهُودَ وَقِيلَ : كِلَاهُمَا فِي الْيَهُودِ يَعْنِي : لَكِنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَعْلَمُوا بِمَا عَلِمُوا فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا
( وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا ) بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ ( وَاتَّقَوْا ) الْيَهُودِيَّةَ وَالسِّحْرَ ( لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ ) لَكَانَ ثَوَابُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ خَيْرًا لَهُمْ ( لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) .





 توقيع : أبو موهبة


رد مع اقتباس