عرض مشاركة واحدة
قديم 03 Apr 2010, 04:02 AM   #99
محمد الغماري
وسام الشرف


الصورة الرمزية محمد الغماري
محمد الغماري غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 8176
 تاريخ التسجيل :  Jan 2010
 أخر زيارة : 08 Aug 2011 (06:14 AM)
 المشاركات : 1,647 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


# فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه انه # قال قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ومسمى الصلاة في اللغة قد قالوا انه مسمى الدعاء والدعاء نوعان كما تقدم والنصف الذي للرب جل وعلا هو الثناء عليه والمقصود بذلك نفسه سبحانه وتعالى فهو بذلك نفسه سبحانه وتعالى فهو بذلك معبود مقصود مدعو لنفسه والنصف الاخر الذي للعبد هو السؤال والطلب منه وهو بذلك يقصد لذلك الأمر ويسأل ويطلب منه وهو الصمد في الأمرين لا يصلح ان يصمد لغيره لا هذا الصمد ولا هذا الصمد وهو ايضا أحد في هذين لا يصلح لغيره ان يكون هو المعبود ولا ان يكون هو المتوكل عليه المستعان به المسؤول منه فهو الأحد الصمد في النصف الذي له كقوله ^ اياك نعبد ^ وهو الأحد الصمد في النصف الذي للعبد كقوله ^ اياك نستعين ^ ولهذا قال من قال من السلف ان الله سبحانه انزل مائة كتاب واربع كتب جمع معانيها في الأربعة وجمع معاني الأربعة في القرآن وجمع معاني القرآن في المفصل وجمع معاني المفصل في أم القرآن وجمع معاني ام القرآن في قوله ^ اياك نعبد واياك نستعين ^ # وقد بسطنا الكلام على هذا في مواضع في غير هذا الكتاب وبينا تعلق العبادة بالالهية فان الاله هو المعبود وتعلق الاستعانة بربوبيته فان رب العباد الذي يربهم وذلك يتضمن انه الخالق لكل ما فيهم ومنهم والالهية هي العلة الغائية والربوبية هي العلة الفاعلية والغائية هي المقصودة وهي علة فاعلية للعلة الفاعلية ولهذا قدم قوله ^ اياك نعبد ^ على قوله ^ اياك نستعين ^ وتوحيد الالهية يتضمن توحيد الربوبية فانه من لم يعبد الا الله يندرج في ذلك انه لم يقر بربوبية غيره بخلاف توحيد الربوبية فانه قد أقر به عامة المشركين في توحيد الالهية كما قال تعالى ^ وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون ^ ذكر البخاري في صحيحه عن عكرمة وغيره تسألهم من خلق السموات والأرض فيقولون الله وهم مع هذا يعبدون غيره

# وقد اخبر عنهم بذلك في قوله ^ ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ^ وفي قوله ^ قل لمن الأرض ومن فيها ان كنتم تعلمون سيقولون لله قل افلا تذكرون قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون الله قل افلا تتقون قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه ان كنتم تعلمون سيقولون الله قل فانى تسحرون بل اتيناهم بالحق وانهم لكاذبون ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من اله اذا لذهب كل اله بما خلق ولعلى بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون ^ فأخبر عن هؤلاء الذين نزه نفسه عن اشراكهم واخبر أنهم كاذبون في عدولهم عن الحق الذي جاء به ورد عليهم انه ^ ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من اله ^ انه اذا سألهم ^ لمن الأرض ومن فيها ^ ^ سيقولون لله ^ واذا سألتهم ^ من رب السموات ورب العرش العظيم سيقولون الله ^ واذا سألتهم ^ من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه سيقولون الله ^ # فالاول اقرارهم بأن الأرض وما فيها لله والثاني اقرارهم بأن السموات السبع والعرش العظيم لله والثالث اقرارهم بأن ملكوت جميع الأشياء بيده وانه الذي يمنع المخلوق وينصره فيجيره من الضرر والأذى فيجير على من يشاء ولا يجير عليه احد فاذا أراد بأحد ضررا لم يمنعه مانع واذا رفع الضر عن احد لم يستطع احد ان يضره وفي كون ملكوت كل شيء بيده بيان انه هو المدبر النافع له فهو الذي يأتي بالمنفعة وهو الذي يدفع المضرة كما قال في الاية الأخرى ^ قل أرأيتم ما تدعون من دون الله ان ارادني الله بضر هل هن كاشفات ضره او ارادني برحمة هل هن ممسكات رحمته ^ وكما قال في الاية الأخرى ^ وان يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو وان يردك بخير فلا راد لفضله ^

# واذا كانوا مقرين بهذا فهذا اقرار منهم بعموم ربوبيته وتدبيره لكل شيء وهو اعظم من اقرار القدرية والصابئة والمتفلسفة الطبيعية ونحوهم ممن يجعل الرب لبعض الكائنات شيئا غير الله وهو مع هذا قد اخبر انهم مشركون نزه نفسه عن شركهم لكونهم عبدوا معه غيره لا لكونهم اعتقدوا ان للعالمين ربا معه # وكذلك قوله ^ قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير ام ما يشركون امن خلق السموات والأرض وانزل لكم من السماء ^ الى آخر الايات يستفهم فيها كلها استفهام انكار هل يفعل هذه الأمور احد من الالهة التي يعبدون من دون الله فان قوله ^ أ اله مع الله ^ اسم واحد وقع صفة لا له ليس هو جملة واحدة كما ظنه طائفة من المفسرين واعتقدوا ان المعنى مع الله اله فان القوم كانوا يجعلون مع الله آلهة اخرى وقد ذكر ذلك في السورة بقوله ^ آلله خيرا اما يشركون ^ فلا يفيد استفهامهم عما هم معترفون به وأيضا فان جواب المستفهم عنه لا يكون الا مفردا لا يكون جملة فاذا قيل من فعل هذا فانه يقال فلان ام فلان لا يذكر جملة بل لو كان كذلك لم ينتظم الكلام ولكن المقصود ان هذه الآلهة التي تدعونها من دون الله هل هي التي فعلت هذه الامور ام الله وحده فعلها فان القوم كانوا مقرين بأن الله وحده هو الفاعل لهذه الامور وهذا شأن استفهام الانكار فانه يتضمن نفي المستفهم عنه والانكار على من اثبته والقوم كانوا معترفين بذلك لكن كانوا مع ذلك مشركين به الالهة التي يعلمون انها لم تفعل ذلك فانكر عليهم ذلك وزجروا عنه ومثل هذا في القرآن كثير # ومن عرف هذا عرف الشرك الذي ذمه الله في كتبه وارسل رسله جميعا بالنهي عنه كما قال تعالى ^ واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من

دون الرحمن آلهة يعبدون ^ وقال تعالى ^ ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ^ والعبادة تتضمن كمال المحبة وكمال الخضوع قال تعالى ^ ومن الناس من يتخذ من دون الله اندادا يحبونهم كحب الله والذين امنوا اشد حبا لله ^ # فهذه السورة يعني الفاتحة التي قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انها اعظم سوره في القرآن وانه لم ينزل في التوراة ولا في الانجيل ولا في القرآن مثلها قد ذكر فيها جماع الكتب الالهية بقوله ^ اياك نعبد واياك نستعين ^ ومما يشبهها قوله ^ عليه توكلت واليه أنيب ^ وقوله ^ فاعبده وتوكل عليه ^ وقوله ^ عليه توكلت واليه متاب ^ وهذان هما نوعا الدعاء كما تقدم وهما جميعا مختصان بالله حقان له لا يصلحان لغيره بل دعاء غيره بأحد النوعين شرك كما قال تعالى ^ وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله احدا وانه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا قال انما ادعو ربي ولا اشرك به احدا ^ وقال تعالى ^ فلا تدع مع الله الها اخر فتكون من المعذبين ^ وقال تعالى ^ ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ^ وقال ^ وما ظلمناهم ولكن ظلموا انفسهم فما اغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء امر ربك وما زادوهم غير تتبيب ^ # فغير الله لا يجوز ان يكون مستعانا به متوكلا عليه لانه لا يستقل بفعل شيء اصلا فليس من الأسباب ما هو مستقل بوجود المسبب لكن له شريك فيه وما ثم علة تامة الا مشيئة الله فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وكذلك لا يجوز ان يكون غيره معبودا مقصودا لذاته اصلا فان ذلك لا يصلح له ولهذا كان الشرك غالبا على بني آدم كما قال تعالى ^ وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون ^ فيكون احدهم عبدا لغير الله متألها له مما يحبه ويجله ويكرمه ويخافه ويرجوه حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح تعس عبد الدرهم تعس

# عبد الدينار تعس عبد الخميصة ان اعطي رضي وان منع سخط تعس وانتكس واذا شيك فلا انتقش وهذا باب واسع ليس هذا موضع بسطه # وقد قدمنا ان كلا النوعين يوجب اختصاص الرب سبحانه وتعالى بأنه الأحد وبأنه الصمد فن كونه احدا يوجب ان لا يشرك به في العبادة ولا الاستغاثة فلا يدعى غيره والاسم الصمد جاء معرفا ليبين انه هو الصمد الذي يستحق ان يصمد اليه نوعي الصمد وهذان الاسمان لم يذكرا في القرآن الا في هذه السورة التي قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه انها تعدل ثلث القرآن مثل ما # روي عن ابي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه ايعجز احدكم ان يقرأ ثلث القرآن في ليلة فشق ذلك عليهم وقالوا اينا يطيق ذلك يا رسول الله قال ^ قل هو الله احد ^ ثلث القرآن رواه البخاري وروي عنه ايضا عن قتادة بن النعمان ان رجلا كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر ^ قل هو الله احد ^ يرددها لا يزيد عليها فلما اصبح اتى رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله فلانا بات الليلة يقرأ من السحر ^ قل هو الله احد ^ يرددها لا يزد عليها كأن الرجل يتقالها فقال النبي صلى الله عليه وسلم # فو الذي نفسي بيده انها لتعدل ثلث القرآن وروي مسلم عن ابي هريرة قال خرج الينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اقرأ عليكم ثلث القرآن فقرأ ^ قل هو الله احد ^ حت ختمها وروى مسلم ايضا عن ابي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم # قال ايعجز احدكم ان يقرأ في ليلة ثلث القرآن قالوا وكيف يقرأ ثلث القرآن قال ^ قل هو الله احد ^ تعدل ثلث القرآن وعن عائشه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله احد فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سلوه لأي شيء يصنع ذلك فسألوه

# فقال انها صفة الرحمن عز وجل فأنا احب ان اقرأ بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اخبروه ان الله يحبه رواه البخاري ومسلم # وقد قال من قال من العلماء هي ثلث القرآن لأن القرآن ثلاثة اقسام قسم توحيد وقسم قصص وقسم امر ونهي وهذه فيها التوحيد وهذا الذي قاله انما يتم اذا كانت جامعة للتوحيد والأمر كذلك فان هذين الاسمين يستلزمان سائر اسماء الله الحسنى وما فيها من التوحيد كله قولا وعملا والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذين الاسمين # فقال ^ الله الواحد الصمد ^ تعدل ثلث القرآن وذلك ان كونه احدا وكونه الصمد يتضمن انه الذي يقصده كل شيء لذاته ولما يطلب منه وانه مستغن بنفسه عن كل شيء وانه بحيث لا يجوز عليه التفرق والفناء وانه لا نظير له في شيء من صفاته ونحو ذلك مما ينافي الصمدية وهذا يوجب ان يكون حيا عالما قديرا ملكا قدوسا سلاما مهيمنا عزيزا جبارا متكبرا # اذا تبين ذلك فالدعاء الذي ذكره الرازي هنا هو احد نوعي الدعاء وهو دعاء المسألة والطلب منه قال تعالى ^ واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان ^ وهذا في الكلام نظير الذكر الذي هو ثناء وتحميد لله تعالى ولهذا يقال في الفاتحة نصفها ثناء ونصفها دعاء ومن المعلوم ان استقبال القبلة في هذا كاستقبالها في الذكر او اوكد والقبلة التي تستقبل بهذا الدعاء هي قبلة الصلاة بعينها ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا اجتهد في الدعاء يستقبلها كما فعله في اثناء الاستسقاء الذي رفع فيه يديه رفعا تاما فعن عباد بن تميم عن عمه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يستسقي فصلى بهم ركعتين جهر بالقراءة فيهما وحول رداءه ورفع يديه فدعى واستسقى واستقبل القبلة رواه الجماعة اهل الصحاح والسنن والمساند كالبخاري ومسلم وابو داود والترمذي النسائي وابن ماجه وغيرهم فاخبر انه استقبل القبلة التي هي قبلة الصلاة في اثناء دعاء الاستسقاء واذا كانت قبلة الدعاء هي قبلة

# الصلاة بعينها كان قول الجهمي ان العرش والسماء قبلة للدعاء قول مخالف لاجماع المسلمين ولما علم بالاضطرار من دين الاسلام فيكون من ابطل الباطل # الوجه الثاني في ذلك وهو الحادي عشر ان توجه الخلائق بقلوبهم وأيديهم وابصارهم الى السماء حين الدعاء امر فطري ضروري عقلي لا يختص به اهل الملل والشرائع بل يفعله المشركون وغيرهم ممن لا يعرف العرش ولا يسمع به ولا يعلم ان فوق السماء لله عرشا فلو كان الرفع انما هو الى العرش فقط الذي هو قبلة لم يقصد ذلك الرفع الا من علم ان هناك عرشا كمالا يقصد التوجه الى القبلة الا من علم ان الكعبة التي يستقبلها المسلمون هناك لان القصد والارادة لا يكون الا بعد الشعور بالمقصود فمن لم يشعر ان هناك عرشا امتنع ان يقصد الرفع الى العرش وهذا تحقيق ما تقدم من ان العلو لله علم بالفطرة والعقل واما استواؤه على العرش فانما علم بالسمع # الوجه الثالث في ذلك وهو الثاني عشر ان يقال كون العرش او السماء قبلة للدعاء لا يثبت بغير الشرع فان اختصاص بعض الجهات والامكنة بانه يستقبل دون غيرها هو امر شرعي ولهذا افترقت اهل الملل كما قال تعالى ^ ولكل وجهة هو موليها ^ فلو كان الله جعل العرش او السماء قبلة للدعاء كان في الشريعة ما يبين ذلك ومعلوم انه ليس في الكتاب والسنة ولا شيء من الآثار عن سلف الأمة ولا أئمتها ولا في الاثارة عن الأنبياء المتقدمين كموسى وعيسى وغيرهما من المرسلين صلوات الله عليهم اجمعين ان العرش او السماء قبلة للدعاء فعلم ان دعوى ذلك من من اعظم الفرية على الله وان هذا من جملة افتراء الجهمية ونحوهم على الله وعلى رسله ودينه # الوجه الرابع وهو الثالث عشر ان القبلة امر تتميز به الملل ويقبل النسخ والتبديل كما قال تعالى ^ قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها

# فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وان الذين اوتوا الكتاب ليعلمون انه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون ولئن اتيت الذين اوتوا الكتاب بكل اية ما تبعوا قبلتك وما انت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت اهوائهم من بعد ما جاءك من العلم انك اذا لمن الظالمين الذين آتيناهم الكتاب ^ الى قوله تعالى ^ ولكل وجهة هو موليها فاسبتقوا الخيرات اينما تكونوا يأت بكم الله جميعا ^ فاخبر سبحانه أن لكل أمة وجهة يستقبلونها وولى محمدا قبلة يرضاها فأمره بأن يولي وجهه شطر المسجد الحرام بعد أن كان قد أمره ان يصلي الى البيت المقدس هو وأمته فصلى الى بيت المقدس بعد مقدمه المدينة بضعة عشر شهرا وصلى اليها قبل مقدمه المدينة وقد روي أنه كان بمكة يجعل الكعبة بينه وبين المسجد الأقصى واذا كانت القبلة أمرا يقبل النسخ والتبديل وهو مختلف في أمر الملل فيجب على هذا التقدير اذا كان العرش او السماء قد جعل قبلة للدعاء أن يجوز تغيير ذلك وتبديله حتى يجوز ان يدعى الله الى نحو الأرض ويجوز أن يدعوه الانسان من الجهات الست ويمد يده وعينيه الى سائر جهاته وأن يكون ذلك قبلة لبعض الداعين دون بعض وهذا مع أنه قد ذكر غير واحد اجماع المسلمين على تخطئة قائله وفاعله فالعلم بذلك اضطراري فان بني آدم مفطورون على أن لا يتوجهوا بقلوبهم وأيديهم الى غير الجهة العالية ولا يقصدوا الله من تحت اقدامهم ويمدوا أيديهم الى تلك الجهة السافلة ولا الى غير الجهة العالية # الوجه الخامس وهو الرابع عشر أن الله تعالى قد قال ^ ولله المشرق والمغرب فأين ما تولوا فثم وجه الله ^ فأخبر ان العبد حيث استقبل فقد استقبل قبلة الله ليبين انه حيث أمر العبد الاستقبال والتولية فقد استقبل وولي قبلة الله ووجهته ولهذا ذكروا أن هذه الاية فيما لا يتعين فيه استقبال الكعبة كالمتطوع

# الراكب في السفر فانه يصلي حيث توجهت به راحلته والعاجز الذي لا يعلم جهة الكعبة أو لا يقدر على استقبال الكعبة فانه يصلي بحسب امكانه الى أي جهة امكن وذكروا ايضا أنه نسخ ما تضمنته من تسويغ الاستقبال الى بيت المقدس كما كان ذلك قبل النسخ واذا كان هذا في القبلة المعروفة للصلوات التي يجب فيها استقبال قبلة معينة في الفريضة وفي التطوع في المقام فينبغي أن يكون في قبلة الدعاء اولى وأحرى فان الدعاء لا يجب فيه استقبال قبلة معينة باجماع المسلمين ولا يجب أن يستقبل القبلة المعروفة ولا أن يرفع يديه لا عند من يقول ان السماء والعرش قبلة الدعاء ولا عند من لا يقول بذلك واذا كان هذا لازما اقتضى جواز الاشارة في الدعاء الى غير فوق فيجب ان تجوز الاشارة بالأيدي حين الدعاء الى الأرض والتيامن والتياسر وقد تقدم قول من حكى اجماع المسلمين على خلاف ذلك وعلى تخطئة من يجوز ذلك كالقاضي ابي بكر وأيضا فمن المعلوم بالفطرة الضرورية أن احدا لا يقصد ذلك ولا يريده فعلم بطلان ما زعموه من كون العرش او السماء قبلة للدعاء # الوجه السادس وهو الوجه الخامس عشر أن القبلة ما يستقبله الانسان بوجهه وكذلك يسمى وجهة ووجها وجهة لاستقبال الانسان له بوجهه وتوجهه اليه كما قال تعالى ^ ولكل وجهة هو موليها ^ والاستقبال ضد الاستدبار فالقبلة ما يستقبله الانسان ولا يستدبره فأما ما يرفع الانسان اليه يده أو رأسه أو بصره فهذا باتفاق الناس لا يسمى قبلة لأن الانسان لم يستقبله كما لا يستدبر الجهة التي تقابله ومن استقبل شيئا فقد استدبر ما يقابله كما أن من استقبل الكعبة فقد استدبر ما يقابلها ومعلوم ان الداعي لا يكون مستقبلا للسماء ومستدبرا للأرض بل يكون مستقبلا لبعض الجهات اما القبلة او غيرها مستدبرا

# لما يقابلها كالمصلى فظهر ان جعل ذلك قبلة باطل في العقل واللغة والشرع بطلانا ظاهرا لكل أحد # الوجه السابع وهو السادس عشر ان القبلة امر يحتاج الى توقيف وسماع ليس في الفطرة والعقل ما يخص مكانا دون مكان باستقباله في الصلاة والدعاء او غير ذلك فلو كان الداعون انما يقصدون برفع أيديهم وابصارهم وغير ذلك استقبال بعض المخلوقات مثل العرش والسماء وغير ذلك من غير أن يكون الرفع الى الخالق تعالى لم يفعلوا ذلك الا عن توقيف وسماع ومن المعلوم أنهم يفعلون ذلك بفطرتهم وعقولهم من غير أن يوقفهم عليه احد ولا تلقوه عن أحد # الوجه الثامن وهو السابع عشر أن القبلة لا يجد الناس في أنفسهم معنى يطلب تعيينها ولا فرقا بين قبلة وقبلة ولهذا لما أمر المسلمون باستقبال المسجد الأقصى ثم امروا باستقبال المسجد الحرام كان هذا جميعه عندهم سائغا لا يجد المؤمنون في أنفسهم حرج من ذلك ولا تفريقا بينه فلو كان الرفع والتوجه الى جهة السماء لكونه قبلة لكان ذلك عند الناس مؤمنهم وغير مؤمنهم منزلة التيامن والتياسر والسفل والقفا ومن المعلوم أنهم يجدون في أنفسهم طلبا ضروريا لما فوق فهذه المعرفة والطلب الضروري الذي يجدونه يطلب العلو دون السفل يمنع أن يكون لكونه قبلة وضعية بل ذلك يقتضي ان المطللوب المدعو هناك كما يجدونه ايضا في أنفسهم ويقرون به بألسنتهم # الوجه التاسع وهو الوجه الثامن عشر أنه قد اعترف في نهايته بأن الناس انما يرفعون الى الله واعرض عن هذه الأجوبة الثلاثة التي ذكرها هنا وهو أن الرفع للجهة التي تتعلق بها منافعهم من الأنوار والأرزاق أو لمن فيها من الملائكة او لكون العرش قبلة الدعاء وذلك أنه قد علم علما يقينيا ان

# الخلائق انما يقصدون بالرفع الرفع الى الله لكن تكلم في المقدمة الثانية وهو ان ذلك يدل على علمهم الضروري بأن الذي يطلب منه تحصيل المطالب وتيسير العسير في تلك الجهة بما تقدم ذكره ونحن نتكلم عليه # الوجه التاسع عشر أن الاشارة مع العبارة هي لمن ذكر في العبارة سواء كان ذلك في الجمل الخبرية او الجمل الطلبية وسواء في ذلك الاشارة بلفظ هذا او نحوه من الفاظ الاشارة والفاظ الدعاء والنداء وذلك ان المتكلم اذا قال فعل هذا الرجل او هذا الرجل ينطلق او اكرم هذا الرجل ونحو ذلك فان العبارة وهي لفظ هذا يطابق ما يشير الله المتكلم ولهذا سمي النحاة هذه أسماء الاشارة وهذه الألفاظ بنفسها لا تعين المراد الا باشارة المتكلم الى المراد بها ولهذا من سمع هذا وذاك وهؤلاء و أولئك ولم يعرف الى اي شيء أشار المتكلم لم يفهم المراد بذلك فالدلالة على العين هي بمجموع اللفظ وبالاشارة اذ هذه الألفاظ ليست موضوعة لشيء بعينه وانما هي موضوع لجنس ما يشار اليه وأما تعيين المشار اليه فيكون بالإشارة مع اللفظ كما ان أداة أل التعريف موضوعة لما هو معروف من الأسماء أما كون الشيء معروفا فذاك يجب ان يكون معروفا بغير اللام اما بعلم متقدم او ذكر متقدم # وكذلك المعرف بالنداء فان النداء والدعاء من أسباب التعريف فالمنادى المعرفة يكون مفهوما وان كان نكرة كان منصوبا فاذا نادى المنادي رجلا مطلقا قال يا رجلا كقول الأعمى يا رجلا خذ بيدي ومن نادى رجلا بعينه قال يا رجل كقول موسى عليه السلام ثوبي حجر ثوبي حجر وهذا المنادى المعين يشير اليه الداعي المنادي فيقصده بعينه بخلاف المطلق الذي يدل عليه لفظ النكرة كقوله رجلا خذ بيدي فانه هنا لم يشر الى شيء بعينه فهذا التعريف



 
 توقيع : محمد الغماري

احفظ الله يحفظك

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

[email protected]


رد مع اقتباس