( رءوس أقلام في الرؤى والأحلام )/ للشيخ : ( محمد المنجد )
رءوس أقلام في الرؤى والأحلام
لقد تكلم الشيخ في هذا الدرس عن تعريف الرؤيا والحلم والفرق بينهما، مبيناً أهمية الرؤيا ومنزلتها في الإسلام، ومعنى كون الرؤيا جزءاً من النبوة كما جاءت الأحاديث دالة على ذلك، ثم ذكر أنواع الرؤى، موضحاً صدق رؤيا المؤمن في آخر الزمان، مذكراً بعقوبة الكاذب في المنام، وقد تطرق إلى مسألة مهمة وهي: هل يترتب على الرؤيا حكم شرعي؟ ثم ختم الموضوع بذكر آداب الرؤيا وبعض الرؤى التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم.
تعريف الرؤيا والحلم والفرق بينهما الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين. وبعــد: ففي هذه الليلة وهي أول ليالي العشر من هذا الشهر الكريم، والذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد تواطأت رؤى الصحابة على أن ليلة القدر في ليالي العشر، قال: (أني أرى رؤياكم قد تواطأت على هذه العشر) ففيها ليلة القدر كما أخبر عليه الصلاة والسلام. وبهذه المناسبة، نريد أن نتحدث قليلاً -أيها الإخوة- عن موضوع الرؤى والأحلام، وما جاء في الشريعة بشأن هذا الموضوع. الرؤيا هي: ما يراه الإنسان في منامه حسناً. والحلم: ما يتحلم به وما يراه في المنام، فالرؤى والأحلام من المترادفات، وعرف ابن القيم رحمه الله الرؤى بأنها: أمثال مضروبة يضربها الملك الذي قد وكله الله بالرؤيا ليستدل الرائي مما ضرب له من المثل على نظيره ويعبر منه إلى شبهه. والفرق بين الرؤيا والحلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ()الرؤيا الصادقة من الله، والحلم من الشيطان) فالرؤيا التي تضاف إلى الله تعالى لا يقال لها: حلم، والتي تضاف إلى الشيطان لا يقال لها: رؤيا وهذا فرق عظيم دل عليه كلام الشارع، من أن هذه من الله، وهذه من الشيطان....... أنواع الرؤيا والرؤيا ثلاثة أنواع: (بشرى من الله عز وجل، ورؤيا مما يحدث الإنسان به نفسه، ورؤيا من تحزين الشيطان، فإذا رأى أحدكم ما يكره، فلا يحدث به، وليقم وليصل، والقيد في المنام ثبات في الدين -إذا رأى نفسه مقيداً في المنام فهذا دليل أو علامة على ثباته في الدين- والغل أكرهه) جمع اليدين إلى العنق بالأغلال يكرهه، يكره رؤيته عليه الصلاة والسلام، هذا الحديث رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى. ولذلك لا يوثق إلا برؤيا الرجل الذي عرف صدقه، أما من عرف كذبه لا يمكن الوثوق برؤياه إطلاقاً، وقد يدعي أنه رأى رؤيا وهو كذاب، وقد يكون رأى أشياء لكن فساده ومعاصيه أظلمت قلبه، فكان ما يراه بقلبه في المنام لا قيمة له، ولذلك لا يمكن الاعتماد عليه، فالحديث (أصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً) فيه إشارة إلى أن طهارة الباطن من أسباب نقاء الرؤيا ووضوحها ومجيئها كفلق الصبح في الصدق، تقع في الواقع كما رآها، وكلما كان أصدق في الحديث كانت رؤياه أصدق في الحدوث والبيان والوضوح والوقوع أيضاً، وقد يندر أن يرى إنسان كافر أو كذاب رؤية صحيحة في المنام، لكن ممكن أن يقع ذلك على ندرته، مثلما رأى فرعون الكفار رؤيا صحيحة، لكن الحقيقة أن الله ما أراه كرامة له، ومثل ملك مصر ، ما أراه الله الرؤيا إلا لأجل يوسف، كي يخرج يوسف من السجن، ويبحث الملك عن تعبيرها، ولا يرى أحداً يعبر، ولا ينبري لذلك إلا يوسف فيكون سبب الإفراج عنه، وأن يتبوأ المنزلة العالية ويكون على خزائن الأرض. فيندر أن يكون من الفاسد أو الكذاب أو الكافر رؤية صحيحة....... صدق رؤيا المؤمن في آخر الزمان وأما معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا اقترب الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب) فما معنى اقتراب الزمان؟ بعض العلماء فسره بتقارب الليل والنهار، أي اعتدال الزمنين، وهذا يكون في وقت الربيع، وأن الرؤى عند ذلك تكون أصدق وهذا في العموم، ولكن الراجح والله أعلم ليس هذا، وإنما المراد باقتراب الزمان قرب قيام الساعة، وانتهاء مدة الدنيا، كلما اقتربنا من نهاية الدنيا وقيام الساعة، تكون رؤى المؤمنين لا تكاد تكذب، كأنه لما صار الكذب في آخر الزمان متفشياً، وكذلك الكفر والظلم والجهل، عوض الله المؤمنين في آخر الزمان بأمور من المبشرات والمثبتات، وهي الرؤى التي يرونها صادقة صحيحة وتقع كما رأوها، فهذا تعويض للمؤمنين....... الكذب في المنام والوعيد قد جاء لمن يكذب في المنام، الذي يقول: رأيت كذا، وهو لم ير، بعض الناس يكذبون في المنام، وبعضهم يكذب لأغراض دنيوية، ربما يأتي ويقول: رأيت كذا، لكي تعطيه شيئاً، أو يتقرب منك، ونحو ذلك، وهذا حرام، لو قال بعض الناس: نستخدمه في الدعوة إلى الله، أو لكي نقنع شخصاً عاصياً ونحذره، نخترع له رؤيا نقول: رأيناك في قبر أو رأيناك في سواد، أو رأيناك تضرب، أو رأينا حولك ثعباناً وغير ذلك. فنقول: لا يجوز، فالغاية لا تبرر الوسيلة، لا بد أن تكون الغاية شرعية والوسيلة شرعية، إذا أردنا أن ندعو إلى الله عز وجل، لا بد أن تكون الوسائل شرعية، أما أن نكذب في المنام لكي نهدي الناس، فهذا أسلوب خاطئ ولا يمكن القبول به، والحديث يقول: (من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل) والحديث رواه البخاري وفي حديث آخر (من أفرى الفرى أن يري الرجل عينه ما لم تر) إدعاء وكذب، وما معنى يعقد بين شعيرتين،يعني: يفتل إحداهما بالأخرى، وهذا حيث أنه محال فالتكليف فيه نوع من التعذيب، مثل المصورين يكلفون يوم القيامة أن ينفخوا الروح في كل صورة صوروها، فإذا قام أحدهم بعمل تمثالاً من ذوات الأرواح، أو صور صورة من ذوات الأرواح ليست للضرورة ولا للحاجة، وإنما للزينة ولكسب المال، فما هو عذابه يوم القيامة؟ يكلف أن ينفخ فيها الروح، يقال: (أحيوا ما خلقتم) كما جاء في الحديث الصحيح، كيف يحيي ما خلق والروح لا يملكها إلا الله عز وجل، وهي من شأنه سبحانه وتعالى؟ فيقال لهم: (أحيوا ما خلقتم) فيكلفون بالمحال وهذا نوع من التعذيب، وكذلك هنا، ولعل هناك ارتباطاً بين هذا وهذا، فالرؤيا خلق من الله، وهي صورة معنوية فما بالك إذا كان المصور يصور صورة حسية، وهذا الذي يتكلف رؤيا ما رآها، إذاً يختلق صورة معنوية لم تقع، إذاً هناك مناسبة بين تعذيب المصور وتعذيب الكذاب في المنام، فيه تشابه لهذه المناسبة، كلاهما يعذب بالتكليف بالمحال، هذا يقال له: (أحيوا ما خلقتم) والآخر يقال له: (اعقد بين شعيرتين) وهيهات الإنسان يعقد بين شعيرتين، وربما تجر الرؤيا الكاذبة على الإنسان مصيبة لم تكن في الحسبان بسبب كذبه في المنام، فقد جاء أن رجلاً قص على ابن سيرين رحمه الله فقال: رأيت كأن بيدي قدحاً من زجاج فيه ماء، فانكسر القدح وبقي الماء، فقال: اتق الله فإنك لم تر شيئاً، يعني أنه اكتشف كذبه، فقال: سبحان الله كيف تكذبني؟ هذا كلامي، قال ابن سيرين : فمن كذب فما عليّ ستلد امرأتك وتموت ويبقى ولدها، فلما خرج الرجل، قال: والله ما رأيت شيئاً، فما لبث إلا أن ولد له وماتت امرأته، فينبغي على المؤمن أن يحذر أشد الحذر في مسألة الكذب في المنام، وكذلك الكذب في التأويل؛ لأن بعض الناس يؤولون الرؤى بغير علم، وهذا حرام، وتأويل الرؤى بغير علم مثل الفتوى بغير علم، وهي باب واحد، يأتي بعض الناس يفسر بالظن يقول: لعل ولعل إما أن يعلم بما يلقيه الله في نفسه مما عنده من علم في تأويل الرؤى وإلا فلا يتكلم إطلاقاً، ويقول: الله أعلم.......
|