عرض مشاركة واحدة
قديم 03 Jul 2014, 03:07 PM   #6
طالب علم
باحث علمي ـ جزاه الله خيرا


الصورة الرمزية طالب علم
طالب علم غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم باحث : 2783
 تاريخ التسجيل :  May 2008
 أخر زيارة : 24 Apr 2024 (02:36 PM)
 المشاركات : 3,116 [ + ]
 التقييم :  11
لوني المفضل : Cadetblue
رد: الأمن والهداية مدى الحياة (1-10) .



الأمن والهداية مدى الحياة (6-10) .
تفسير آية الأمن والاهتداء
'قول المصنف: وقول الله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82] قال ابن جرير : حدثني المثنى -وساق بسنده- عن الربيع بن أنس قال: الإيمان: الإخلاص لله وحده.
وقال ابن كثير في الآية: أي: هؤلاء الذين اخلصوا العبادة لله وحده، ولم يشركوا به شيئاً هم الآمنون يوم القيامة، المهتدون في الدنيا والآخرة.
وقال ابن زيد ، وابن إسحاق : هذا من الله على فصل القضاء بين إبراهيم وقومه.
وعن ابن مسعود : { لما نزلت هذه الآية، قالوا: فأيُّنا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليس بذلكم، ألم تسمعوا إلى قول لقمان : إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] }.
وساقه البخاري بسنده فقال: حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال: { لما نزلت: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82] قلنا: يا رسول الله! أينا لا يظلم نفسه؟! قال: ليس كما تقولون، لم يلبسوا إيمانهم بظلم: بشرك، أولم تسمعوا إلى قول لقمان لابنه: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] }.
ولـأحمد بنحوه، عن عبد الله قال: { لما نزلت الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82] شق ذلك على أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: يا رسول الله! فأيُّنا لا يظلم نفسه؟ قال: إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]؟ إنما هو الشرك }.
وعن عمر أنه فسره بالذنب، فيكون المعنى: الأمن من كل عذاب، وقال الحسن والكلبي : أولئك لهم الأمن في الآخرة، وهم مهتدون في الدنيا '.
أقول: المقصود من قوله: باب فضل التوحيد، أي: يجب علينا وينبغي أن نعرف فضل التوحيد، وأن نعرف ما الذي يكفره التوحيد من الذنوب.
فالإمام محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه، جعل العنوان: ' باب فضل التوحيد وما يكفر به من الذنوب ' ثم ذكر قول الله تبارك وتعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82] فذكر هذه الآية في هذا الباب، والباب عنوانه: فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب، فكيف يأتي بهذه الآية وهي: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82].
فنقول: أنه جاء بها لمناسبة عظيمة واضحة، وهي ما ذكره في الشرح، من تفسير رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن تفسير ابن كثير رحمه الله، ثم ذكر الشارح قول ابن زيد ، وابن إسحاق : هذه من الله، فما معنى هذه من الله؟ ثم قال: على فصل القضاء بين إبراهيم وقومه.
معنى قوله: هذه من الله، يقصد بها قول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82] فالله تبارك وتعالى فصل بهذه الآية بين إبراهيم وقومه.
قصة المجادلة بين إبراهيم وقومه
إذن نحتاج أن نعرف ما هي المشكلة التي كانت بين إبراهيم وقومه؟ وما هي علاقة الموضوع بالشرك والتوحيد؟ ولماذا فصل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بينهم بهذه الآية؟ ثم ما معنى هذا الفصل؟
فأما ما وقع بين إبراهيم عليه السلام وبين قومه، فقد ذكره الله تبارك وتعالى قبل هذه الآية في قصة في سورة الأنعام: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [الأنعام:75] فكان قوم إبراهيم عليه السلام يعبدون الكواكب، ويبنون الهياكل لعبادتها، وينحتون التماثيل ويعبدونها من دون الله، كما بين الله تبارك وتعالى في كتابه.
فالله تبارك وتعالى أراد أن يجعل إبراهيم عليه السلام من الموقنين: وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي [الأنعام:75-76] فهو يسأل قومه الذين يعبدون الكواكب: هل هذا ربه؟ وهذا من المناظرة والمجادلة والمحاجة: فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ [الأنعام:76] ومعنى أفل، أي: غاب وغرب وذهب، فإله يعبد ويرجى ويخشى ويدعى ويستجار به ويستغاث به، وعند الهموم والمصائب والنوازل يكون الاضطرار إليه، والحاجة إليه، والافتقار إليه، وإذا بهذا الإله يغيب ويذهب ويأفل عن عبيده، هذا ليس إلهاً.
فقال: قَالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ [الأنعام:76].
فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعطاه العقل الراجح،والبيان والحجة على قومه.
ثم قال: فَلَمَّا رَأى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي [الأنعام:77] والقمر أكبر وأوضح وأجلى للناظرين من ذلك الكوكب: فَلَمَّا أَفَلَ حدث نفس الشيء للقمر أيضاً، فهو يغيب ويأفل ويذهب: قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ [الأنعام:77] وانتظر، فإذا بالشمس: فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ [الأنعام:78] فالشمس أكبر من القمر.
أي: إن كانت الألوهية بالنور أو كانت بالحجم، فإذا الشمس أولى بالعبادة من القمر ومن ذلك الكوكب، وهذا على سبيل المحاجة، لأن قومه لا يعبدون الشمس، وقد ذكر الله سبحانه تعالى أن أمة من الأمم كانت تعبد الشمس من دون الله، وهم قوم سبأ: وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [النمل:24] لكن قوم إبراهيم عليه السلام لم يكونوا مثل قوم سبأ يعبدون الشمس -علماً أن عباد الشمس إلى الآن موجودين- ولكن أراد أن يجادلهم.
قال هذا أكبر: فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ [الأنعام:78] فالآن ليس هناك مجال للمجادلة، فهذا الكبير وهذا الذي قد يُعظَّم، وقد ينظر إليه على أنه هو المستحق للعبادة من دون الكواكب الأخرى غاب، فأنا بريء منه، وبريء منكم ومن شرككم: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام:79].
إذاً وجَّه إبراهيم الخليل وجهه لله الذي فطر السماوات والأرض، والذي خلق الشمس والقمر، والكواكب، وخلق العباد هؤلاء، وخلق المعبودات المنحوتات: أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:95-96] كيف تنحته بيدك وتعبده، والله خلقك، وخلق هذا الصنم المنحوت المعبود؟!
إذاًَ أعلن إبراهيم عليه السلام عبوديته لله، فقال: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [الأنعام:79] فوجه وجهه، وتوجه بوجهه هو تعبير عن الاتجاه الكلي، فهو لا يلتفت إلى غير الله، فالشرك التفات إلى غير الله، وإنما يوجه وجهه إلى الله بالتوحيد الخالص.
إذن فالاتجاه إلى الله وتوحيد الله، هذا هو ما فطن إليه إبراهيم عليه السلام، وألزم به قومه: وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ [الأنعام:80] فلم يسلم له قومه، بل جادلوه فيما قاله، ولا بد من المحاجة والمجادلة: قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ [الأنعام:80] أي: أتحاجوني في الله، وهذه المجادلة والمحاجة في الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وقد هداني، وعرفت التوحيد! وعرفت أنه الواحد الأحد سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأنه المستحق للعبادة: وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنعام:80-81] فوصل الجدال والنقاش بين إبراهيم وقومه إلى هذه النقطة، حيث خوفوه بالآلهة أنها سوف تنتقم منه، إذ كيف يكفر بمعبوداتهم.
والآن كثير من الناس إذا قلت: هذا القبر أو غيره -مما يعبد من دون الله- لا يذهب إليه ليستشفى به، وهو لا يشفي، فإنهم يقولون: لا تذكره بسوء، ولا تتكلم فيه، لأنك لو ذكرته في غير الخير فسينتقم منك، فهم يحاولون أن يخيفوا المؤمن الموحد، وهم على الشرك والعياذ بالله.
فإبراهيم عليه السلام يقول: أنا أخاف، وأنتم لا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل عليكم به سلطاناً؟ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنعام:81]؟
فهنا فريقان، كل منهما يدعي أنه على الحق، وأن الآخر يجب أن يخاف من معبوده: إبراهيم عليه السلام يقول: أنا على الحق وربي الله، ويجب أن تخافوا من الله تبارك وتعالى، لأنكم مشركون، وقومه يزعمون أنهم على الحق، وأن آلهتهم هي الآلهة المعبودة، ويخوفون إبراهيم عليه السلام بهذه الآلهة، فأي الفريقين أحق بالأمن؟
قال الله تبارك وتعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ [الأنعام:82-83] فهذه فصلٌ من الله تعالى بين الفريقين.
فمن هو الآمن إذن؟
الإجابة صريحة من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: أن الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، أن لهم الأمن وهم مهتدون.
ولقد سمعنا -كما في الشرح- أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما نزلت هذه الآية وقرأها على الصحابة رضي الله عنهم شق عليهم ذلك، لأنهم يتدبرون كتاب الله، وإلا فنحن نقرأ هذه الآية، ولكن ربما لا نلقي لها بالاً أبداً -والله المستعان- لكن هم لما سمعوا الآية: { قالوا: يا رسول الله! أيُّنا لم يظلم نفسه؟! } وكيف ننال الأمن، وكيف ننال الهداية، ونحن ظالمون لأنفسنا؟ فخافوا وشق ذلك عليهم.


معنى الظلم في قوله تعالى : ( وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ )
فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي في الصحيح: {ليس بذاك } أي: ليس المقصود بالظلم في الآية الذنب.
وكلنا مذنبون وكل بني آدم خطاء، ولو لم نذنب فنستغفر الله لجاء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بقوم غيرنا فيذنبون ويستغفرون، وهذا من فضل الله.
ثم قال: {ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] } وهذا العبد الصالح هو لقمان الذي ذكره الله تعالى في سورة لقمان .
فتبين إذاً بهذا أن الصحابة الكرام رضي الله عنهم خافوا وظنوا أنه لا أمن ولا هداية إلا لمن يجتنب الذنوب.
وقالوا: لا يمكن لإنسان ألا تقع منه ذنوب، فطمأنهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن قال: إن هذا الظلم هو الشرك.
ولم يلبسوا معناها: لم يخلطوا، ولم يشوبوا إيمانهم -وتوحيدهم- وإخلاصهم بظلم.
إذاً المؤمنون الموحدون الذين لم يخلطوا هذا التوحيد والإيمان، والإخلاص لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بشرك: أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82] فلهم الأمن ولهم الاهتداء.
فاطمأنت نفوس الصحابة رضي الله عنهم بهذا.
لكن يضل هناك إشكال قائم، فلا بد أن يطرح سؤال وهو: الذي يرتكب الذنوب والمعاصي هل هو آمن ما لم يشرك؟


حكم الإنسان الموحد من أهل المعاصي
الإنسان الموحد الذي ليس عنده شائبة من شوائب الشرك لكن لديه معاصي وذنوب، فهل هذا آمن؟
الأمر فيه تفصيل، ولذلك شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمه الله يفصل لنا شيئاً من هذا:
قال الشارح: ' ' قال شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله تعالى: والذي شق عليهم: أنهم ظنوا أن الظلم المشروط عدمه هو ظلم العبد نفسه، وأنه لا أمن ولا اهتداء إلا لمن لم يظلم نفسه، فبين لهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما دلهم على أن الشرك ظلمٌ في كتاب الله، فلا يحصل الأمن والاهتداء إلا لمن لم يلبس إيمانه بهذا الظلم، فإن من لم يلبس إيمانه بهذا الظلم كان من أهل الأمن والاهتداء، كما كان من أهل الاصطفاء في قوله: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر:32].
وهذا لا ينفي أن يؤاخذ أحدهم بظلمه لنفسه، بذنب إذا لم يتب، كما قال تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:7-8].
وقد سأل أبو بكر الصديق رضي الله عنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: {يا رسول الله! أيّنا لم يعمل سوءاً؟ فقال: يا أبا بكر ! ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ أليس يصيبك الَّأواء؟ فذلك ما تجزون به } فبين أن المؤمن الذي إذا مات دخل الجنة قد يجزى بسيئاته في الدنيا بالمصائب.
فمن سلم من أجناس الظلم الثلاثة: الشرك، وظلم العباد، وظلمه لنفسه بما دون الشرك، كان له الأمن التام والاهتداء التام، ومن لم يسلم من ظلمه لنفسه كان له الأمن والاهتداء مطلقاً.
بمعنى: أنه لا بد أن يدخل الجنة كما وعد بذلك في الآية الأخرى، وقد هداه الله إلى الصراط المستقيم الذي تكون عاقبته فيه إلى الجنة، ويحصل له من نقص الأمن والاهتداء، بحسب ما نقص من إيمانه بظلمه لنفسه.
وليس مراد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: {إنما هو الشرك } أن من لم يشرك الشرك الأكبر يكون له الأمن التام والاهتداء التام، فإن أحاديثه الكثيرة مع نصوص القرآن: تبين أن أهل الكبائر معرضون للخوف، لم يحصل لهم الأمن التام والاهتداء التام الذي يكونون بهما مهتدين إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم، من غير عذاب يحصل لهم، بل معهم أصل الاهتداء إلى هذا الصراط، ومعهم أصل نعمة الله عليهم، ولا بد لهم من دخول الجنة.
وقوله: { إنما هو الشرك } إن أراد الأكبر فمقصوده: أن من لم يكن من أهله فهو آمن مما وُعد به المشركون، من عذاب الدنيا والآخرة، وإن كان مراده جنس الشرك، يقال: ظلم العبد نفسه، كبخله - لحب المال - ببعض الواجب، هو شرك أصغر، وحبه ما يبغضه الله تعالى، حتى يقدم هواه على محبة الله شرك أصغر، ونحو ذلك، فهذا فاته من الأمن والاهتداء بحسبه، ولهذا كان السلف يدخلون الذنوب في هذا الشرك بهذا الاعتبار، انتهى ملخصاً '.
أقول: كلام شَيْخ الإِسْلامِ عظيم جداً، وقد لا نستوعب فهمه كله، ولكن نلخص القضايا الأساسية.
أولاً: نفهم أن الإنسان الذي يحقق التوحيد، والذي وعده الله تبارك وتعالى بالأمن والاهتداء، هو الذي لم يلبس ولم يخلط إيمانه بظلم، ولا يعني ذلك أن يحصل الاهتداء التام والأمن التام له إذا كان لديه معاصي وذنوب وكبائر.
لأن الأمن التام والاهتداء التام لا يكون إلا لمن سلم من الشرك، ومن الذنوب والمعاصي.
وأما من حقق التوحيد وسلم من الشرك -والآن نأخذ الشرك على أنه الشرك الأكبر حتى لا تختلط الأفهام- ولكنه ارتكب الذنوب والمعاصي، فهل هذا آمن أم خائف؟
نقول: هذا له أمن ناقص، واهتداء ناقص، والذي أنقص أمنه وأنقص اهتداءه هو الذنوب والمعاصي، فهي تؤثر وإن كان محققاً ومستكملاً للتوحيد، لأن لها أثراً وعلاقة، كما سنوضح ذلك إن شاء الله تبارك وتعالى.
ومن الذي ليس له أمن ولا اهتداء بالإطلاق؟
هو المشرك الذي أشرك بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة:72] فهذا ليس له أمن، ولا اهتداء لا في الدنيا ولا في الآخرة.
إذاً من حقق التوحيد، وقام بحقوق التوحيد، بأداء الفرائض وترك ما حرم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ له الأمن والاهتداء التامين بإذن الله.
http://www.alhawali.com/index.cfm?me...32#Ayat6000870



 
 توقيع : طالب علم



رد مع اقتباس