عالم الجان ـ علومه ـ أخباره ـ أسراره ـ خفاياه . الإدارة العلمية والبحوث World of the jinn من الكتاب والسنة والأثر وماورد عن الثقات العدول من العلماء والصالحين وماتواتر عن الناس ومااشتهر عن الجن أنفسهم . |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||||||
|
||||||||
الحكمة من خلق الشيطان
الحكمة من خلق الشيطان الشيطان منبع الشرور والآثام ، فهو القائد إلى الهلاك الدنيوي والأخروي ، ورافع الراية في كل وقت ومكان ، يدعو الناس إلى الكفران ، ومعصية الرحمن ، فهل في خلقه من حكمة ؟ وما هذه الحكمة ؟ أجاب عن هذا السؤال ابن القيم رحمه الله تعالى فقال (1) : " في خلق إبليس وجنوده من الحكم ما لا يحيط بتفصيله إلا الله " . فمن ذلك : 1- ما يترتب على مجاهدة الشيطان وأعوانه من إكمال مراتب العبودية : فمنها أن يكمل لأنبيائه وأوليائه مراتب العبودية بمجاهدة عدو الله وحزبه ، ومخالفته ومراغمته في الله ، وإغاظته وإغاظة أوليائه ، والاستعاذة به منه ، واللجوء إليه أن يعيذهم من شرّه وكيده ، فيترتب على ذلك من المصالح الدنيوية والأخروية ما لم يحصل بدونه ... والموقوف على الشيء لا يحصل بدونه . 2- خوف العباد من الذنوب : ومنها خوف الملائكة والمؤمنين من ذنبهم بعدما شاهدوا من حال إبليس ما شاهدوه ، وسقوطه من المرتبة الملكية إلى المنزلة الإبليسية يكون أقوى وأتم ، ولا ريب أن الملائكة لما شاهدوا ذلك ، حصلت لهم عبودية أخرى للرب تعالى ، وخضوع آخر ، وخوف آخر ، كما هو المشاهد من حال عبيد الملك إذا رأوه قد أهان أحدهم الإهانة التي بلغت منه كل مبلغ ، وهم يشاهدونه ، فلا ريب أن خوفهم وحذرهم يكون أشد . 3- جعله الله عبرة لمن اعتبر : ومنها أن الله جعله عبرة لمن خالف أمره ، وتكبر عن طاعته ، وأصرّ على معصيته ، كما جعل ذنب أبي البشر عبرة لمن ارتكب نهيه ، أو عصى أمره ، ثم تاب وندم ورجع إلى ربه ، فابتلى أبوي الجن والإنس بالذنب ، وجعل هذا الأب عبرة لمن أصرّ وأقام على ذنبه ، وهذا الأب عبرة إن تاب ورجع إلى ربه ، فلله كم في ضمن ذلك من الحكم الباهرة ، والآيات الظاهرة . 4- جعله فتنة واختباراً لعباده : ومنها أنّه محك امتحن الله به خلقه ، ليتبين به خبيثهم من طيبهم ، فإنه – سبحانه – خلق النوع الإنساني من الأرض ، وفيها السهل والحزن ، والطيب والخبيث ، فلا بد أن يظهر ما كان في مادتهم ، ففي الحديث عن أبي موسى قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جمع الأرض ، فجاء بنو آدم على قدر الأرض ، منهم الأحمر والأبيض والأسود ، والسهل والحـزن ، والطيب والخبيث ) .رواه أحمد والترمذي وأبو داود (2) . فما كان في المادة الأصلية فهو كائن في المخلوق منها ، فاقتضت الحكمة الإلهية إخراجه وظهوره ، فلا بدّ إذاً من سبب يظهر ذلك ، وكان إبليس محكّاً يميز به الطيب من الخبيث ، كما جعل أنبياءه ورسله محكّاً لذلك التمييز ، قال تعالى : ( مَّا كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتَّى يميز الخبيث من الطَّيب ) [ آل عمران : 179 ] ، فأرسل رسله إلى المكلفين ، وفيهم الطيب والخبيث ، فانضاف الطيب إلى الطيب ، والخبيث إلى الخبيث . واقتضت حكمته البالغة أن خلطهم في دار الامتحان ، فإذا صاروا إلى دار القرار يميز بينهم ، وجعل لهؤلاء داراً على حدة ، ولهؤلاء داراً على حدة ، حكمة بالغة ، وقدرة باهرة . 5- إظهاره كمال قدرته سبحانه بخلق الأضداد : ومن هذه الحكم أن يظهر كمال قدرته بخلق الأضداد ، مثل جبريل والملائكة وإبليس والشياطين ، وذلك من أعظم آيات قدرته ومشيئته وسلطانه ؛ فإنه خالق الأضداد كالسماء والأرض ، والضياء والظلام ، والجنة والنار ، والماء والنار ، والحر والبرد ، والطيب والخبيث . 6- الضد يظهر حسنه الضد : ومن هذه الحكم أنَّ خلق أحد الضدين من كمال حسن ضده ، فإنَّ الضد إنما يظهر حسنه بضده ، فلولا القبيح لم تعرف فضيلة الجميل ، ولولا الفقر لم يعرف قدر الغنى . 7- الابتلاء به إلى تحقيق الشكر : ومن هذه الحكم أنه سبحانه ، يحبّ أن يشكر بحقيقة الشكر وأنواعه ، ولا ريب أن أولياءَه نالوا بوجود عدو الله إبليس وجنوده ، وامتحانهم به من أنواع شكره ، ما لم يكن ليحصل لهم بدونه ، فكم بين شكر آدم وهو في الجنة ، قبل أن يخرج منها ، وبين شكره بعد أن ابتلي بعدوه ، ثم اجتباه ربه ، وتاب عليه وقبله . 8- في خلق إبليس قيام سوق العبودية : ومنها أن المحبة والإنابة والتوكل والصبر والرضا ونحوها أحب العبودية إلى الله سبحانه ، وهذه العبودية إنما تتحقق بالجهاد وبذل النفس لله، وتقديم محبته على كل ما سواه فالجهاد ذروة سنام العبودية ، وأحبها إلى الرب سبحانه ، فكان في خلق إبليس وحزبه قيام سوق هذه العبودية وتوابعها التي لا يحصي حكمها وفوائدها ، وما فيها من المصالح إلا الله . 9- وترتب على ذلك ظهور آياته وعجائب قدرته : ومن هذه الحكم أن في خلق من يضاد رسله ويكذبهم ويعاديهم ، من تمام ظهور آياته ، وعجائب قدرته ، ولطائف صنعه ما وجوده أحب إليه وأنفع لأوليائه من عدمه ، كظهور آية الطوفان ، والعصا ، واليد ، وفلق البحر ، وإلقاء الخليل في النار ، وأضعاف ذلك من آياته ، وبراهين قدرته ، وعلمه ، وحكمته ، فلم يكن بُدّ من وجود الأسباب التي يترتب عليها ذلك . 10- الخلق من النار آية : ومن هذه الحكم أن المادة النارية فيها الإحراق والعلو والفساد ، وفيها الإشراق والإضاءَة والنور ، فأخرج منها – سبحانه – هذا وهذا ، كما أنّ المادة الترابية الأرضية فيها الطيب والخبيث ، والسهل والحزن ، والأحمر والأسود والأبيض ، فأخرج منها ذلك كله حكمة باهرة وقدرة باهرة ، وآية دالة على أنه ( ليس كمثله شيء وهو السَّميع البصير ) [ الشورى : 11 ] . 11- ظهور متعلقات أسمائه : ومن هذه الحكم أن من أسمائه الخافض الرافع ، المعزِّ المذِّل ، الحكم العدل ، المنتقم ، وهذه الأسماء تستدعي متعلقات يظهر فيها أحكامها ، كأسماء الإحسان والرزق والرحمة ونحوها ، ولا بدّ من ظهور متعلقات هذه وهذه . 12- ظهور آثار تمام ملكه وعموم تصرفه : ومن هذه الحكم أنه سبحانه الملك التام الملك ، ومن تمام ملكه عموم تصرفه وتنوعه بالثواب والعقاب ، والإكرام والإهانة والعدل ، والفضل والإعزاز والإذلال ، فلا بدّ من وجود من يتعلق به أحد النوعين ، كما أوجد من يتعلق به النوع الآخر . 13- وجود إبليس من تمام حكمته تعالى : ومن هذه الحكم أن من أسمائه الحكيم ، والحكمة من صفاته – سبحانه – وحكمته تستلزم وضع كل شيء في موضعه الذي لا يليق به سواه ، فاقتضت خلق المتضادات ، وتخصيص كل واحد منها بما لا يليق به غيره من الأحكام والصفات والخصائص ، وهل تتم الحكمة إلا بذلك ؟ فوجود هذا النوع من تمام الحكمة ، كما أنه من كمال القدرة . 14- حمده تعالى على منعه وخفضه : ومنها أن حمده – سبحانه – تام كامل من جميع الوجوه ، فهو محمود على عدله ومنعه ، وخفضه ورفعه ، وانتقامه وإهانته ، كما هو محمود على فضله وعطائه ، ورفعه وإكرامه ، فله الحمد التام الكامل على هذا وهذا ، وهو يحمد نفسه على ذلك كله ، ويحمده عليه ملائكته ، ورسله وأولياؤه ، ويحمده عليه أهل الموقف جميعهم ، وما كان من لوازم كمال حمده وتمامه ، فله في خلقه وإيجاده الحكمة التامة ، كما له عليه الحمد التام ، فلا يجوز تعطيل حمده ، كما لا يجوز تعطيل حكمته . 15- وبخلقه يظهر الله لعباده حلمه وصبره : ومنها أنه – سبحانه – يحب أن يظهر لعباده حلمه وصبره ، وأناته ، وسعة رحمته ، وجوده ، فاقتضى ذلك خلق من يشرك به ، ويضاده في حكمه ، ويجتهد في مخالفته ، ويسعى في مساخطه ، بل يشبهه سبحانه وتعالى ، وهو مع ذلك يسوق إليه أنواع الطيبات ، ويرزقه ، ويعافيه ، ويمكن له من أسباب ما يلتذ به من أصناف النعم ، ويجيب دعاءَه ، ويكشف عنه السوء ، ويعامله من بره وإحسانه بضد ما يعامله هو به من كفره وشركه وإساءَته ، فلله كم في ذلك من حكمة وحمد . ويتحبب إلى أوليائه ويتعرف بأنواع كمالاته ، كما في الصحيح عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما أحد أصبر على أذى يسمعه من الله ، يدعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم ) . متفق عليه (3) . وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قال الله تعالى : كذبني ابن آدم ، ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته ، وأمّا شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولداً ، وأنا الأحد الصمد الذي لم ألد ولم أولد ، ولم يكن لي كفواً أحد ) . رواه البخاري (4) . وهو سبحانه مع هذا الشتم له ، والتكذيب له ، يرزق الشاتم المكذب ، ويعافيه ، ويدفع عنه ، ويدعوه إلى جنته ، ويقبل توبته إذا تاب إليه ، ويبدله بسيئاته حسنات ، ويلطف به في جميع أحواله ، ويؤهله لإرسال رسله ، ويأمرهم أن يلينوا له القول ، ويرفقوا به . قال الفضيل بن عياض : " ما من ليلة يختلط ظلامها إلا نادى الجليل – جلّ جلاله – مَن أعظم مني جوداً ، الخلائق لي عاصون ، وأنا أكلؤهم في مضاجعهم ، كأنهم لم يعصوني ، وأتولى حفظهم ، كأنهم لم يذنبوا ، أجود بالفضل على العاصي ، وأتفضل على المسيء . من ذا الذي دعاني فلم ألبه ؟ من ذا الذي سألني فلم أعطه ؟ أنا الجواد ومني الجود ، أنا الكريم ومني الكرم ، ومن كرمي أني أعطي العبد ما سألني ، وأعطيه ما لم يسألني ، ومن كرمي أني أعطي التائب كأنه لم يعصني ، فأين عني يهرب الخلق ، وأين عن بابي ينتحي العاصون ؟ " . وفي أثر إلهي : ( إني والإنس والجن في نبأ عظيم : أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر سواي ) . وفي أثر حسن : ( ابن آدم ما أنصفتني : خيري إليك نازل ، وشرّك إلي صاعد ، كم أتحبب إليك بالنعم ، وأنا غني عنك ، وكم تتبغض إلي بالمعاصي ، وأنت فقير إلي ، ولا يزال المَلَكُ الكريم يَعْرُج إلي منك بعمل قبيح ) . وفي الحديث الصحيح : ( لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون ، فيغفر لهم ) . 16- خلق الله خلقه بحيث يظهر فيهم أحكام أسمائه وصفاته وآثارها : فالله سبحانه لكمال محبته لأسمائه وصفاته اقتضى حمده ، وحكمته أن يخلق خلقاً يظهر فيهم أحكامها وآثارها ، فلمحبته للعفو خلق من يحسن العفو عنه ، ولمحبته للمغفرة خلق من يغفر له ، ويحلم عنه ، ويصبر عليه ، ولا يعاجله ، بل يكون يحب أمانه وإمهاله . ولمحبته لعدله وحكمته خلق من يظهر فيهم عدله وحكمته ، ولمحبته للجود والإحسان والبر خلق من يعامله بالإساءَة والعصيان ، وهو سبحانه يعامله بالمغفرة والإحسان ، فلولا خلقه من يجري على أيديهم أنواع المعاصي والمخالفات ، لفاتت هذه الحكم والمصالح وأضعافها وأضعاف أضعافها ، فتبارك الله رب العالمين ، وأحكم الحاكمين ، ذو الحكمة البالغة ، والنعم السابغة ، الذي وصلت حكمته إلى حيث وصلت قدرته ، وله في كل شيء حكمة باهرة ، كما أن له فيه قدرة قاهرة وهدايات . 17- ما حصل بسبب وجود الشيطان من محبوبات للرحمن : فكم حصل بسبب هذا المخلوق البغيض للرب ، المسخوط له من محبوب له تبارك وتعالى ، يتصل في حبه ما حصل به من مكروه ، والحكيم الباهر الحكمة هو الذي يحصل أحب الأمرين إليه باحتمال المكروه الذي يبغضه ويسخطه ، إذا كان طريقاً إلى حصول ذلك المحبوب . ووجود الملزوم بدون لازمه محال . فإن يكن قد حصل بعدو الله إبليس من الشرور والمعاصي ما حصل ، فكم حصل بسبب وجوده ، ووجود جنوده من طاعة هي أحب إلى الله وأرضى له من جهاد في سبيله ، ومخالفة هوى النفس وشهوتها له ، ويحتمل المشاق والمكاره في محبته ومرضاته ، وأحبّ شيء للحبيب أن يرى محبّه يتحمل لأجله من الأذى والوصب ما يصدق محبته . من أجلك قد جعلت خدي أرضا ××× بغيتي للشامت والحسود حتى ترضى ومن أثر إلهي : ( بغيتي ما يتحمل المتحملون من أجلي ) ، فالله ما أحب إليه احتمال محبيه أذى أعدائه لهم فيه ، وفي مرضاته ، وما أنفع ذلك الأذى لهم ، وما أحمدهم لعاقبته ، وماذا ينالون به من كرامة حبيبهم وقربه قرة عيونهم به ، ولكن حرام على منكري محبة الرب تعالى أن يشموا لذلك رائحة ، أو يدخلوا من هذا الباب ، أو يذوقوا من هذا الشراب . قل للعيون العمي للشمس أعين ××× سواك يراها في مغيب ومطلع وسامح بؤساً لم يؤهل لحبهم ××× فما يحسن التخصيص في كل موضع فإن أغضب هذا المخلوق ربه ، فقد أرضاه فيه أنبياؤه ورسله وأولياؤه ، وذلك الرضا أعظم من ذلك الغضب ، وإن أسخطه ما يجري على يديه من المعاصي والمخالفات ، فإنّه سبحانه أشدّ فرحاً بتوبة عبده من الفاقد لراحلته ، التي عليها طعامه وشرابه ، إذا وجدها في المفاوز المهلكات ، وإن أغضبه ما جرى على أنبيائه ورسله من هذا العدو اللعين ، فقد سرّه وأرضاه ما جرى على أيديهم من حربه ومعصيته ومراغمته وكبته وغيظه ، وهذا الرضا أعظم عنده وأبرّ لديه من فوات ذلك المكروه المستلزم لفوات هذا المرضي المحبوب . وإن أسخطه أكل آدم من الشجرة ، فقد أرضاه توبته وإنابته ، وخضوعه وتذلله بين يديه وانكساره له . وإن أغضبه إخراج أعدائه لرسوله صلى الله عليه وسلم من حرمه وبلدته ذلك الخروج ، فقد أرضاه أعظم الرضا دخوله إليها ذلك الدخول . وإن أسخطه قتلهم أولياءه وأحبابه ، وتمزيق لحومهم ، وإراقة دمائهم ، فقد أرضاه نيلهم الحياة التي لا أطيب منها ، ولا أنعم ، ولا ألذّ في قربه وجواره . وإن أسخطه معاصي عباده ، فقد أرضاه شهود ملائكته وأنبيائه ورسله وأوليائه سعة مغفرته وعفوه وبرّه وكرمه وجوده والثناء عليه بذلك ، وحمده وتمجيده بهذه الأوصاف التي حمده بها والثناء عليه بها ، أحب إليه ، وأرضى له من فوات تلك المعاصي ، وفوات هذه المحبوبات . واعلم أن الحمد هو الأصل الجامع لذلك كله ، فهو عقد نظام الخلق والأمر ، والرب تعالى له الحمد كلّه بجميع وجوهه واعتباراته وتصاريفه ، فما خلق شيئاً ، ولا حكم بشيء إلا وله فيه الحمد ، فوصل حمده إلى حيث وصل خلقه وأمره ، حمداً حقيقياً يتضمن محبته والرضا به وعنه ، والثناء عليه ، والإقرار بحكمته البالغة في كل ما خلقه وأمر به ، فتعطيل حكمته غير تعطيل حمده ... فكما أنه لا يكون إلا حميداً فلا يكون إلا حكيماً ، فحمده وحكمته كعلمه وقدرته ، وحياته من لوازم ذاته ، ولا يجوز تعطيل شيء من صفاته وأسمائه ومقتضياتها وآثارها ، فإن ذلك يستلزم النقص الذي يناقض كماله وكبرياءه وعظمته . 18- محبته سبحانه أن يكون ملاذاً ومعاذاً لأوليائه : وفي هذا يقول ابن القيم : " كما أن من صفات الكمال وأفعال الحمد والثناء أنه يجود ويعطي ويمنح ، فمنها أنّه يعيذ وينصر ويغيث ، فكما يحب أن يلوذ به اللائذون يحب أن يعوذ به العائذون ، وكمال الملوك أن يلوذ بهم أولياؤهم ، ويعوذوا بهم ، كما قال أحمد بن حسين الكندي في ممدوحه : يا من ألوذ به فيما أؤمله ××× ومن أعوذ به مما أحاذره لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره ××× ولا يهيضون عظماً أنت جابره ولو قال ذلك في ربه وفاطره لكان أسعد به من مخلوق مثله . والمقصود أن ملك الملوك يحب أن يلوذ به مماليكه ، وأن يعوذوا به ، كما أمر رسوله أن يستعيذ به من الشيطان الرجيم في غير موضع من كتابه ، وبذلك يظهر تمام نعمته على عبده إذا أعاذه وأجاره من عدوه ، فلم يكن إعاذته وإجارته منه بأدنى النعمتين ، والله تعالى يحب أن يكمل نعمته على عباده المؤمنين ، ويريهم نصره لهم على عدوهم ، وحمايتهم منه ، وظفرهم به ، فيا لها من نعمة كمل بها سرورهم ونعيمهم ، وعدل أظهره في أعدائه وخصمائه . وما منهما إلا له فيه حكمة ××× يقصر عن إدراكها كل باحث
|
17 Oct 2008, 01:27 AM | #2 |
جزاها الله خيراً
|
الحكمة في بقاء إبليس إلى آخر الدهر
الحكمة في بقاء إبليس إلى آخر الدهر :
تحدث ابن القيم ، رحمه الله ، عن ذلك في ( شفاء العليل ) (5) ووضحه ، فمن ذلك : 1- امتحان العباد : فمما ذكره رحمه الله تعالى : أنّ الله جعله محكّاً ومحنة يخرج به الطيب من الخبيث ، ووليّه من عدوه ، ولذا اقتضت حكمته إبقاءَه ليحصل الغرض المطلوب بخلقه ، ولو أماته لفات ذلك الغرض ، كما أن الحكمة اقتضت بقاء أعدائه الكفار في الأرض إلى آخر الدهر ، ولو أهلكهم ألبتة لتعطلت الحكم الكثيرة في إبقائهم ، فكما اقتضت حكمته امتحان أبي البشر ، اقتضت امتحان أولاده من بعده به ، فتحصل السعادة لمن خالفه وعاداه ، وينحاز إليه من وافقه وولاه . 2- وأبقاه مجازاة له على صالح عمله السابق : ومنها أنه لما سبق حكمه وحكمته أنه لا نصيب له في الآخرة ، وقد سبق له طاعة وعبادة ، جزاه بها في الدنيا بأن أعطاه البقاء فيها إلى آخر الدهر ، فإنه سبحانه لا يظلم أحداً حسنة عملها ، فأمّا المؤمن ، فيجزيه بحسناته في الدنيا والآخرة ، وأمّا الكافر ، فيجزيه بحسناته ما عمل في الدنيا ، فإذا أفضى إلى الآخرة ، لم يكن له شيء ، كما ثبت هذا المعنى في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم . 3- أملى له ليزداد إثماً : وبقاؤه إلى يوم القيامة لم يكن كرامة في حقه ، فإنّه لو مات كان خيراً له ، وأخف لعذابه ، وأقل لشره ، ولكن لما غلظ ذنبه بالإصرار على المعصية ومخاصمة من ينبغي التسليم لحكمه ، والقدح في حكمته ، والحلف على اقتطاع عباده ، وصدهم عن عبوديته ، كانت عقوبة الذنب أعظم عقوبة بحسب تغلظه ، فأبقي في الدنيا ، وأملى له ليزداد إثماً ، على إثم ذلك الذنب ، فيستوجب العقوبة التي لا تصلح لغيره ، فيكون رأس أهل الشرّ في العقوبة ، كما كان رأسهم في الشر والكفر . ولما كان مادة كل شر فعنه تنشأ ، جوزي في النار مثل فعله ، فكل عذاب ينزل بأهل النار يبدأ فيه ، ثم يسري منه إلى أتباعه عدلاً ظاهراً وحكمة بالغة . 4- وأبقاه ليتولى المجرمين : ومن حكم إبقائه إلى يوم الدين أنّه قال في مخاصمته لربّه : ( أرأيتك هذا الذَّي كرَّمت عَلَيَّ لئن أخَّرتن إلى يوم القيامة لأحتنكنَّ ذريَّته إلاَّ قليلاً ) [ الإسراء : 62 ] . وعلم الله – سبحانه – أن في الذرية من لا يصلح لمساكنته في داره ، ولا يصلح إلا لما يصلح له الشوك والروث أبقاه له ، وقال له بلسان القدر : هؤلاء أصحابك وأولياؤك ، فاجلس في انتظارهم ، وكلما مرّ بك واحد منهم فشأنك به ، فلو صلح لي ما ملكتك منه ، فإني أتولى الصالحين ، وهم الذين يصلحون لي ، وأنت ولي المجرمين من الذين غنوا عن موالاتي وابتغاء مرضاتي ، قال تعالى : ( إنَّه ليس له سلطان على الَّذين آمنوا وعلى ربهم يتوكَّلون – إنَّما سلطانه على الَّذين يتولَّونه والَّذين هم مشركون ) [النحل: 99-100]. فأما إماتة الأنبياء والمرسلين ، فلم يكن ذلك لهوانهم عليه ، ولكن ليصلوا إلى محل كرامته ، ويستريحوا من نكد الدنيا وتعبها ومقاساة أعدائهم وأتباعهم ، وليحيا الرسل بعدهم ، يري رسولاً بعد رسول ، فإماتتهم أصلح لهم وللأمة ، أما هم فلراحتهم من الدنيا ، ولحوقهم بالرفيق الأعلى في أكمل لذة وسرور ، ولا سيما أنه قد خيرهم ربهم بين البقاء في الدنيا واللحاق به . وأمّا الأمم فيعلم أنهم لم يطيعوهم في حياتهم خاصة ، بل أطاعوهم بعد مماتهم ، كما أطاعوهم في حياتهم ، وأن أتباعهم لم يكونوا يعبدونهم ، بل يعبدون الله بأمرهم ونهيهم ، والله هو الحي الذي لا يموت ، فكم في إماتتهم من حكمة ومصلحة لهم وللأمة . هذا وهم بشر ، ولم يخلق الله البشر في الدنيا على خلقة قابلة للدوام ، بل جعلهم خلائف في الأرض ، يخلف بعضهم بعضاً ، فلو أبقاهم لفاتت المصلحة والحكمة في جعلهم خلائف ، ولضاقت بهم الأرض ، فالموت كمال لكل مؤمن ، ولولا الموت لما طاب العيش في الدنيا ، ولا هناء لأهلها بها ، فالحكمة في الموت كالحكمة في الحياة . إلى أي مدى نجح الشيطان في إهلاك بني آدم ؟ عندما رفض الشيطان السجود لآدم ، وطرده الله من رحمته وجنته ، وغضب عليه ولعنه ، أخذ على نفسه العهد أمام ربّ العزة بأن يضلنا ويغوينا ، ويعبدنا لنفسه : ( لَّعنة الله وقال لأتَّخذنَّ من عبادك نصيباً مَّفروضاً – ولأضلَّنَّهم ... ) [النساء : 118-119] ، ( قال أرأيتك هذا الَّذي كرَّمت عليَّ لئن أخَّرتن إلى يوم القيامة لأحتنكنَّ ذريَّته إلاَّ قليلاً ) [الإسراء : 62] . فإلى أي مدى حقق الشيطان مراده من بني الإنسان ؟ إن المسرّح نظره في تاريخ البشرية يهوله ما يرى من ضلال الناس ، وكيف كذبوا الرسل والكتب ، وكفروا بالله ربهم ، وأشركوا به مخلوقاته ، قال تعالى : ( وما أكثر النَّاس ولو حرصت بمؤمنين ) [ يوسف : 103 ] ، ولذا حق عليهم غضب الله وانتقامه : ( ثمَّ أرسلنا رسلنا تترا كلَّ ما جاء أمَّةً رَّسولها كذَّبوه فأتبعنا بعضهم بعضاً وجعلناهم أحاديث فبعداً لقومٍ لا يؤمنون ) [ المؤمنون : 44 ] . وفي الحاضر حيثما نظرنا أبصرنا أولياء الشيطان تعج بهم الحياة يرفعون رايته ، وينادون بمبادئه ، ويعذبون أولياء الله ، ويدلنا على مدى تحقيق الشيطان لمراده ، أن الله يأمر آدم يوم القيامة أن يخرج من ذريته بعث النار ، فلما يستفسر عن مقدار هذا البعث يقول له : تسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة ، وفي رواية : تسعمائة وتسعة وتسعون في النار ، وواحد في الجنة (6) . وبذلك يصدق ظنه في هذه الذرية التي لم تعتبر بما جرى لأبيها ، ولا بما جرى لأسلافها ، ويبقى هذا اللعين يقودها إلى هلاكها ، بل أحياناً تسابقه إلى الجحيم . وما أقبح أن يصدق ظن العدو في عدوه : ( ولقد صدَّق عليهم إبليس ظنَّه فاتَّبعوه إلاَّ فريقاً من المؤمنين ) [ سبأ : 20 ] . قبيح الإنسان أن يتحقق فيه ظن الشيطان ، فيطيع هذا العدو ، ويعصي ربّه . ولقد بلغ الأمر حدّاً لا يوصف ولا يتصور ، فهذه طائفة في العراق وفي جهات أخرى تطلق على نفسها : عباد الشيطان ، وبعض الكتاب نراهم يحلفون ( بحق الشيطان ) ، فما أعجب أمرهم ! لا تفكر بكثرة الهالكين : حريّ بالعاقل اللبيب أن لا يغتر بكثرة الهالكين ، فالكثرة ليس لها اعتبار في ميزان الله ، إنما الاعتبار بالحقّ ولو قَلّ عدد متبعيه . فكن من أتباع الحق الذين رضوا بالله ربّاً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد رسولاً ، الذين عرفوا الشيطان وأتباع الشيطان ، فحاربوهم بالحجة والبرهان ، والسيف والسنان ، وقبل ذلك بالالتجاء إلى الرحمن ، والتمسك بدينه . ( يا أيَّها الَّذين آمنوا ادخلوا في السلم كافَّةً ولا تتَّبعوا خطوات الشَّيطان إنَّه لكم عدوٌّ مبين – فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أنَّ الله عزيز حكيم ) [ البقرة : 208-209 ] . نسأل الله أن يجعلنا بمنه وكرمه من الذين دخلوا في السلم دخولاً كلياً ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم . -------------------------------- (1) شفاء العليل : ص322 . (2) مشكاة المصابيح : 1/36.ورقمه : 100 . (3) مشكاة المصابيح : 1/14 . ورقمه : 23 . (4) مشكاة المصابيح : 1/14 . ورقمه : 20 . (5) شفاء العليل : 327 . (6) الحديث رواهما البخاري وغيره . صحيح البخاري : 11/387 ، 388 وراجع مؤلف أ.د. عمر الأشقر : الجنة والنار ، ص76 . http://www.3gedh.com/aljeen/j-sh-t/jsht29.htm |
|
21 Oct 2008, 08:12 PM | #5 |
باحث جزاه الله تعالى خيرا
|
بارك الله فيكي اختي الفاضله
وجزاكي الله خير |
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرَّجلُ لأخيهِ بظَهرِ الغيبِ قالَتِ الملائِكةُ آمينَ ولَك بمِثلٍ» الراوي: عويمر بن مالك أبو الدرداء المحدث:الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - خلاصة حكم المحدث: صحيح فلاتحرمونا دعائكم |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
الحكمة في جعل آدم آخر المخلوقات _ | أبو موهبة | دراسات وبحوث وتحليل المنتدى ـ الإدارة العلمية والبحوث Studies and Research and Analysis Forum | 5 | 20 Nov 2012 01:06 PM |
ما هى الحكمة من بقاء الشيطان إلى آخر الزمان | أبوأحمدالمصرى | عالم الجان ـ علومه ـ أخباره ـ أسراره ـ خفاياه . الإدارة العلمية والبحوث World of the jinn | 3 | 12 Jul 2012 07:02 PM |
الحكمة من تغير حال الإنسان من غنى إلى فقر ومن صحة إلى مرض | أبو سفيان | القضــــــاء والقــــــدر ـ دراسات وأبحاث . الإدارة العلمية والبحوث Fate and destiny of studies an | 2 | 08 Jul 2011 02:25 AM |
الحكمة من خلق إبليس | أبو سفيان | عالم الجان ـ علومه ـ أخباره ـ أسراره ـ خفاياه . الإدارة العلمية والبحوث World of the jinn | 1 | 10 Mar 2009 09:15 PM |
خاتم الحكمة ........!!!! | أبو سفيان | السحر وخطره على المجتمعات قديما وحديثا . الإدارة العلمية والبحوث Research studies and the risk | 1 | 14 Sep 2008 12:07 AM |