قصة امرأة عمــــران

..

قصة أمرأة عمران

المدخل إلى القصــة
ان الله تعالى يصطفي من خلقه ما يشاء (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) ولقد أصطفى الله من عباده أناساً هم خيرة الخلق كما قال سبحانه (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ◘ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) ولما أخبر الله تعالى أنه أصطفى هؤلاء من بين خلقه ذكر لنا طرفاً من أخبارهم ومثلاً من سيرهم حيث كانو مثلاً يقتدى وقدوة تقتفى لما بلغو من عظيم العبوديه لله ومن أولئك المصطفين امرأة عمران
وقد وردت قصتها في موضع واحد من كتاب الله العزيز قال تعالى (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ◘ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)

التعريف بالمرأ ة
امرأة عمران هي أم مريم بنت عمران وقيل أسمها حنة بنت فاذوق بنت قتيل ، و دليل على صحة الاسم فيما أعلم زوجهاعمران كما صرح بذلك القران قيل هو أبن باشهم بن َمون وقيل ابن ماثان
وقد كان أهل هذا البيت من خيرة الناس إذ كانو ممن أصطفاهم الله تعالى على العالمين كما قال سبحانه (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ◘ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
عـــرض القصـــة :
هذا طرف من قصة أمرأة اَل عمران عمر قلبها بالطاعه والإيمان فيه امرأة عمران وأم مريم عليها السلام توجهت الى ربها بأعز ما تملك وهو جنينها الذي في بطنها ، حيث نذرت أن تحرره لله وتجعله خادماً لمعبدهم وقد صدرت نذرها بنداء الله بوصف الربوبيه وتضرعت لله تعالى بهذه القربه التي يحبها الله سبحانه لما فيها من تعظيم بيته وملازمة طاعته وسألت الله تعالى بأن يتقبل نذرها بأن يجعله مؤسساً على الايمان والاخلاص مثمراً للخير والثواب وقد توجهت بهذا النذر برغبة شديده الى الله تعالى بتوكيد قولها بـ ((إن)) وقد توسلت في طلبها أن يتقبل الله نذرها بأسمي الله تعالى السميع العليم ليتفضل الله تعالى عليها بإحسانه لعلمه بصحة نيتها وأخلاصها فقد كانت موقته بالله تعالى وصفاته حيث أكدت بذلك قولها (إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) و لما ولدت امرأة عمران كان ما ولدته انثى فقالت معتذرة لربها : رب أني وضعتها أنثى وليس الذكر كالانثى ، لانه انما كان يحرر الغلمان دون الإناث
وقد نقل الفخر الرازي قولين في المراد بقولها وليس الذكر كالانثى
القول الاول : ان المراد بتفضيل الولد الذكر على الانثى وذلك من وجوه
احدها : انه يجوز بشرعهم تحرير الذكور دون الاناث
ثانيها : أن الذكر يصلح أن يستمر خدمة موضع العباده ولا يصلح ذلك في الانثى لما
يعرض لها من أعراض الحيض و نحوه
ثالثها : أن الذكر يصلح لقوته وشدته للخدمه دون الانثى فإنها ضعيفه لا تقوى على
الخدمة ,,
رابعها : أن الذكر لا يلحقه عيب في الخدمه والاختلاط بالناس ليس كذالك الانثى
خامسها : أن الذكر لا يلحقه تهمه عند الاختلاط ما يلحق بالنثى ، فهذه الوجوه تقتضي تفضيل
الذكر على الانثى في هذا المعنى .
والقول الثاني أن المقصود من هذا الكلام ترجيح هذه الانثى على الذكر كأنها قالت: الذكر مطلوبي وهذه أنثى موهبة الله تعالى ، وليس الذكر الذي يكون مطلوبي كالأنثى التي هي موهبة الله تعالى ، وهذا الكلام بدا على أن تلك المرأه كانت مستغرقه في معرفة جلال الله عالمة بأن ما يفعله الرب بالعبد خير مما يريد العبد لنفسه.

وأما قوله تعالى والله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتفقد أختلف فيه القراء فقرأم أبن عامر وشعبة ويعقوب بأسكان العين وضم التاء فيكون من كلام مريم وقرأ الباقون بفتح العين وسكون التاء فيكون من كلام البارئ
قال أبو حيان في تفسير القراءة الاولى وكأنها خاطبت نفسها بقولها : والله أعلم . ولم تأت على لفظ الرب ، إذ لو اتت على لفظه لقالت : وأنت أعلم بما وضعت ، ولكن خاطبت نفسها على سبيل التسلية عن الذكر وأن علم الله وسابق قدرته وحكمته يحمل ذلك على عدم التحسر والتحزن على ما فات من المقصد ، إذ مراده ينبغي أن يكون المراد وليس الذكر الذي طلبته ورجوته كالأنثى التى علمها وأرادها الله سلت بذلك نفسها ) وفسر القراءة الثانية على أنه إخبار من الله بأنه أعلم بالذي وضعته أي بحاله وا يؤول إليه أمر هذه الانثى فإن قولها وضعتها أنثى يدل على أنها لم تعلم من حالها إلا على هذا القدر من كون هذه النسمة جاءت أنثى لا تصلح للتحرير ، فأخبر تعالى أنه أعلم بهذه الموضوعة ، ثم ذكر تعالى أن أمرأة عمران سمت أبنتها مريم ومعناه ( العابدة ) أرادت بهذه التسمية التفاؤل لها بالخير والتقرب إلى الله تعالى ، والتضرع إليه ، وأن يكون فعلها مطابقا لاسمها كما انها أعاذتها من الشيطان الرجيم و قد قصدت ديمومة الاستعاذة والتكرار كما يفيده الفعل المضارع في قولها وإني أعيذها – وقد من الله تعالى على أمرأة عمران بتخصيص مريم بقبولها في النذر دون غيرها من الإناث كما قال سبحانه { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُلٍ حَسَنٍ } وأستجاب دعاءها في إعاذتها كما بين هذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم و يقول ( ما من بني مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان غير مريم وأبنها ) ثم يقول أبو هريرة {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ },,
قال القرطبي :- أفاد هذا الحديث أن الله تعالى استجاب دعاء أم مريم ، فإن الشيطان ينخس جميع ولد آدم حتى الانبياء والأولياء إلا مريم وأبنها ..
وقد يشكل على ظاهر الاية أن إعاذة أم مريم كانت بعد الوضع فلا يصح حملها على الاعاذة من المس الذي يكون حين الولادة ، وأجيب بأن المس ليس إلا بالانفصال وهو الوضع ومعه الاعاذة غايته انه عبر عنه بالمضارع كما أشرنا إليه لقصد الاستمرار ,, فرضي الله عنها وأرضاها ,,
الاحكام المستفادة من القصــة
1) إن للأم ضربا من الولاية وتكون على الولد في تأديبه وتعليمه وإمساكه وتربيته ولو لم يكن لامرأة عمران شيء من ذلك ما نذرت الذي نذرته .
2) للأم تسمية ولدها وتكون تسمية صحيحة وإن لم يسمه الاب لقول أمرأة عمران {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ } وأثبت الله تعالى لولدها هذا الاسم .
3) جواز التسمية يوم الولادة كماهو الظاهر من السياق في قوله تعالى (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) ..
وقد ثبت في السنة أحاديث تدل على ذلك ، منها قوله صلى عليه الصلاة والسلام ((ولد في الليلة ولد سميته بأسم أبي أبراهيم))

وعن أبى موسى الاشعري رضي الله عنه قال : ولد لي غلام فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم وحنكه بتمرة ودعا له بالبركه .


الــــدروس والعــــــبر

 ينبغي للعبد أن يطلب الولد الصالح كما طلبت ذلك أمرأة عمران في دعائها وكما دعا به زكريا عليه السلام حيث قال : { رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً } وأبراهيم عليه السلام حيث قال { رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ } وقال تعالى في صفات عباد الرحمن { رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } ولا ينبغي أن يكون طلب الولد لمجرد الحث على على طلب الولد الصالح الاستئناس والاستنصار والاستعانه بأمر المعاش بهم وقد جاء الحث على طلب الولد الصالح فعن أبي هريره رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( إذا مات الإنسان أنقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ))
 التوسل الى الله تعالى بوصف الربوبيه لما في ذلكمن أظهار الافتقار الى الرب أخذاً من توسل امرأة عمران بوصف الربوبيه
 ينبغي للعبد أن لا يكتفي بالعمل بال يسأل الله تعالى القبول أخذاً من قول أمرأة عمران { فَتَقَبَّلْ مِنِّي } وكذك قال أبراهيم عليه السلام وهو يرفع البيت { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }
 أن الاولى بالعبد أن يسأل ربه قبول العمل أثناء القيام به أخذاً من سؤال امرأة عمران القبول أثناء دعائها وكذلك كان سؤال أبراهيم عليه السلام قبول العمل أثناء بنائه للكعبه
 أختيار أسماء الله تعالى وصفاته المناسبه للمقام للتوسل بها أخذا من قول أمرأة عمران { فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } وكذلك دعاء أولى الالباب في قوله تعالى { رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } وفي دعاء عيسى عليه السلام ما قال الله تعالى عنه { وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }
 إحاطة الله تعالى بالحوادث أخذاً من قولها { وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ }
 بيان فضل الذكر على الانثى في باب النهوض بالعمال والواجبات أخذاً من قوله { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى } وفي هذا رد على المنادين بالمساواة بين الذكر والانثى
 أختيار الاسم الحسن للمولود أخذاً من قولها { وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ } وقد عرفنا من قبل أن معنى مريم أي عابده ومما روي عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إنكم تدعون يوم القيامه بأسمائكم وأسماء أبنائكم فأحسنو أسمائكم ))
قال أبن القيم رحمه الله : وبالجمله فالأخلاق والاعمال والافعال القبيحه تستدعي أسماء تناسبها وأضدادها تستدعي أسماء تناسبها وكما أن ذلك ثابت في أسماء الاوصاف فهو كذلك في أسماء الاعلام ) ،
وما سُمي ، رسول الله صلى الله عليه وسلم محمداً وأحمد الا لكثرة خصال الحمد فيه ولهذا كان لواء الحمد بيده ، وأمتة الحامدون ، وهو أعظم الخلق حمداً لربه تعالى ولهذا امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحسين الاسماء فقال (( حسنو أسماءكم ) فإن صاحب الاسم غير الحسن قد يستحي من أسمه وقد يحمله اسمه على فعل ما يناسبه وترك ما يضاده ولهذا ترى اكثر السفل اسماؤهم تناسبهم وأكثرالعليه أسماؤهم تناسبهم
 تحصين الاولاد من الشيطان الرجيم بتعويذهم بالله رب العالمين أخذاً من قوله : { وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } وعن أبن عباس رضى الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول (( إن أباكما كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق أعوذ بكلمات الله التامه من كل شيطان وهامه ومن كل عين لامه
 أستجابة الله تعالى لدعاء أوليائه ، كما أستجاب لأمرأة عمران ورزقها الولد وأعاذ بنتها و ولدها من الشيطان الرجيم,,,
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
 المراجع : القرآن الكريم
 تفسير الطبري
 تيسير الكريم الرحمن للسعدي
 تفسير أبي السعود
 صحيح البخاري ومسلم
 ( من مختصر الدكتور – محمد بن الحميد -) الجامعة الاسلاميه المدينة

اللهم لا تكلنا إلى انفسنا , ولا إلى أحد من خلقك طرفة عين .

جزاك الله كل خير شيخنا الفاضل ,,

قصص رائعه نتمنى المزيد منها .

جزاك الله خير الجزاء على التوضيح والتفسير

فراشة الربيع .. أمة الرحمان .
جزاكما الله كل خير .. وأسأله تعالى باسمائه وصفاته العلى أن يعيذكما من الشيطان وشركه.. ومن شر كل دابة هو اخذ بناصيتها ..