القس والبطرك والبابا في الملة النصرانية

القس والبطرك والبابا في الملة النصرانية
أعلم ان الملة لا بد لها من قائم عندغيبة النبي يحملهم على احكامها وشرائعها ويكون كالخليفة فيهم للنبي فيما جاء من التكاليف ، والنوع الانساني ايضا بما تقدم من ضرورة السياسة فيهم للاجتماع البشري ، لابد لهم من شخص يحملهم على مصالحهم ويزجهم من مفاسدهم بالقهر ، وهو المسمى بالمك ,
والملة الاسلامية لما كان الجهاد فيها مشروعا لعموم الدعوة وحمل الكافة علي دين الاسلام طوعا أو كرها أتخذت فيها الخلافة والملك لتوجه الشوكة من القائمين بها إليهما معا ..
وأما ما سوى الملة الاسلامية فلم تكن دعوتهم عامة ولا الجهاد عندهم مشروعا إلا في المدافعة فقط ، فصار القائم بأمر الدين فيها لا يعنيه شئ من سياسة الملك وإنما وقع الملك لمن وقع منهم بالعرض ولأمر غير ديني ، وهو ما اقتضته لهم العصبية فيها من الطلب للملك بالطبع لما قدمناه ، لأنهم غير مكملفين بالتغلب على الامم كما في الملة الاسلامية ، وانما هم مطلوبون بإقامة دينهم في خاصتهم ..
ويقول أبن خلدون في مقدمته عن الموضوع اعلاه .((عند افتراق الحواريون شيعا ودخل اكثرهم بلاد الروم داعين إلى دين النصرانية . وكان (بطرس )كبيرهم فنزل ب (رومه) دار ملك القياصرة ثم كتبوا الانجيل الذي أنزل على عيســـــى صلوات الله عليه - في نسخ أربع على اختلاف رواياتهم: فكتب (متــى) إنجيله في بيت المقدس بالعبرانية، ونقله (يوحنـا أبن زيدي ) منهم إلى اللسان اللطيني . وكتب (لوقا ) منهم إنجيله باللطيني إلى بعض أكابر الروم ، وكتب (يوحنــا أبن زيدي)منهم إنجيله ب ( رومه ) وكتب بطرس إنجيله باللطيني ونسبه إلى ( مرقاص ) تلميذه ، و اختلفت هذه النســخ الاربع من الانجيل ، مع انها ليست كلها وحيا صرفا بل مشوبة بكلام ( عيسى عليه السلام ) وبكلام الحواريين ، وكلها مواعظ وقصص والاحكام فيها قليلة جدا , واجتمع الحواريون الرسل لذلك العهد برومه ووضعوا قوانين الملة النصرانية وصيروها بيد( أقليمنطس )تلميذ بطرس وكتبوا فيها عدد الكتب التي يجب قبولها والعمل بها ..)
ومن شريعة عيسى – صلوات الله عليه - المتلقاة من الحواريين نسخ الانجيل الابعة ، وكتب القتاليقون سبع رسائل وثامنها الإبريكسيس في قصص الرسل وكتاب بولس أربع عشرة رسالة وكتاب (أقليمنطس )وفيه الأحكام وكتاب (أبو غالمسيس) وفيه رؤيا ( يوحنا بن زيدي )..وأختلف شأن القياصرة في الاخذ بهذه الشريعة تارة وتعظيم أهلها ثم تركها أخرى والتسلط عليهم بالقتل والبغي إلى أن جاء( قسطنطين )واخذ بها واستمروا عليها ...
وكان صاحب هذا الدين والمقيم لمراسمه يسمونه ( البطرك ) وهو رئيس الملة عندهم وخليفة المسيح فيهم يبعث نوابه وخلفاءه إلى ما بعد عنه من أمم النصرانية ويسمونه ( الاسقف ) أي نائب البطرك ويسمون الامام الذي يقيم الصلوات ويفتيهم في الدين (القسيس) ويسمون المنقطع الذي حبس نفسه في الخلوة للعبادة (الراهب) وأكثر خلواتهم في الصوامع ..
وكان بطرس الرسول رأس الحواريين وكبير التلاميذ برومه يقيم بها دين النصرانية إلى أن قتله (نيرون )خامس القياصرة فيمن قتل من البطارق والاساقفة ثم قام بخلافته في كرسي رومة ( أريوس) وكا ن مرقاس الانجيلي بالاسكندرية ومصر والمغرب داعيا سبع سنين فقام بعده حنايا وتسمي بالطرك وهو أو ل البطاركة فيها وجعل معه أثني عشر قسـا على أنه إذا مات البطرك يكون واحد من الاثنى عشر مكانه ويختار من المؤمنين واحدا مكان ذلك الثاني عشر فكان أمر البطاركة إلى القسوس ثم لما وقع الاختلاف بينهم في قواعد دينهم وعقائده واجتمعوا بفينقيا أيام قسطنطين لتحريرالحق في الدين واتفق ثلثمائة وثمانية عشرمن أساقفتهم على رأي واحد في الدين فكتبوه وسموه الامام وصيروه اصلا يرجعون اليه وكان فيما كتبوه أن البطرك القائم بالدين لا يرجع في تعينه إلى اجتهاد الاسقفه كما قرره حنانيا تلميذ مرقاس وابطلوا ذلك الرأي وإنما يقدم عن ملآ واختيار من أئمة المؤمنيين ورؤسائهم فبقى الامر كذلك , ثم أختلفوا بعد ذلك في تقرير قواعد الدين وكانت لهم مجتمعات في تقريره ولم يختلفوا في هذه القاعدة فبقي الامر فيها على ذلك واتصل فيه نيابة الاساقفة عن البطاركة ..
وكان الاساقفة يدعون البطرك بالاب الاعظم تعظيما له فصار الاقسة يدعون الاسقف فيما غاب عن البطرك بالاب ايضا . فاشتبه الاسم في اعصار متطاولة يقال اخرها بطركية هرقل بالاسكندرية ، فأرادوا أن يميزوا البطرك عن الاسقف في التعظيم فدعوه (البـابـا ) ومعناه أبو الاباء وظهر هذا الاسم أول ظهوره بمصر على ما زعم جرجيـس بن العميد في تاريخه ثم نقلوه الي صاحب الكرسي الاعظم عندهم وهو كرسي رومـــا ، لانه كرسي بطرس الرســـول . فلم يزل سمة عليه إلى الان ..
ثم اختلفت النصارى في دينهم بعد ذلك وفيما يعتقدونه في المسيح ، وصاروا طوائف وفرقا واستظهروا بملوك النصرانية كل على صاحبه فاختلف الحال في العصور في ظهور فرقة دزن فرقة إلى أن استقرت لهم ثلاث طوائف هي فرقهم ولا يلتفتون إلى غيرها وهم الملكية واليعقوبية والنسطورية .. ))
( وان نسخ أوراق الكتاب بذكر مذاهب كفرهم فهي على الجملة معروفة وكلها كفر كما صرح به القران الكريم في شتي المواضع و لم يبق بيننا وبينهم في ذلك جدال ولا استدلال ... وانما الاسلام لقوله تعالي . ( ومن يبتغي غيرالاسلام دينا فلن يقبل منه)..
ثم يواصل ..
( ثم اختصت كل فرقة منهم ببطرك ، فبطرك روما اليوم المسمى بالبابا علي رأي الملكية ورومة للآفرنجة وملكهم قائم بتلك الناحية ، وبطرك المعاهدين بمصر على رأي اليعقوبية وهو ساكن بين ظهرانيهم ، والحبشة يدينون بدينهم . ولبطرك مصر فيه أساقفة ينوبون عنه في إقامة بدينهم هنالك اختص اسم البابا ببطرك رومة لهذا العهد و لا تسمى اليعاقبة بطركهم لهذا الاسم وضبط هذه اللفظة بباءين موحدتين من أسفل والنطق بها مفخمة والثانية مشددة ..
ومن مذاهب البابا عند الافرنجة انه يحضهم علي الانقياد لملك واحد يرجعون إليه في اختلافهم واجتماعهم تحرجا من افتراق الكلمة ويتحرى به العصبية التي لا فوقها منهم لتكون يده عالية على جميعهم ويسمونه الأنبرذور ، ويضع التاج علي رأسه للتبرك فسمى المتوج ...) أ هــ
( بتصرف من مقدمة أبن خلدون -33 - )
امنت بالله العظيم وحده وكفرت بالجبت والطاغوت واستمسكت بالعروة الوثقى لا انفصام لها

والله سميمع عليم .. والحمد لله الذي من علينا بالاسلام ....

أخي وشيخنا الفاضل الكريم
جعل الله تعالى كل ماتقدمونه في ميزان حسناتكم
اللهم ربنا أنصر به السنة وأنفع به الأمة

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الحسن

أخي وشيخنا الفاضل الكريم
جعل الله تعالى كل ماتقدمونه في ميزان حسناتكم
اللهم ربنا أنصر به السنة وأنفع به الأمة

الاخ الغالي والشيخ الفاضل .. شاكرين لكم دعواتكم الكريمة ..
نسأل الله القبول لكم ولنا وللامة الاسلامية ..

قمنا بترجمة الموضوع باللغة الانجليزية .. لطلب أحد المتصلين ..
ونرجو أن تعم الفائدة .. وبالله التوفيق ..

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سعيدة